الغزال البكري

يحيى بن الحكم البكري الجياني (156هـ - 250 هـ) الشهير بلقب يحيى الغزال، هوشاعر أندلسي عاصر خمس أمراء للدولة الأموية في الأندلس، وبرع في شعر الغزل والحكمة. وقد سمي بالغزال لجماله وظرفه وتأنقه. وكان أيضاً دبلوماسياً ورحالة وفلكياً أندلسياً من القرن العاشر. وهومن الشخصيات الأندلسية التي هجرت آثاراً مهمة في عدد من الجوانب.

حياته

كما تدل نسبته ينتمي في أسرة عربية أصيلة، وبلدته التي خرجته هي جَيّان التي كانت مركز كُورة في الأندلس. أما الغزال فهولقبٌ لزمه، حتى إذا الأمير الأموي عبد الرحمن الأوسط استقبله مرة بشطر من الشعر، فنطق: «اتى الغزال بحسنه وجماله»، وأجاز الغزال شطر الأمير فنطق:

نطق الأمير مداعباً بمنطقه

اتى الغزال بحسنه وجماله

أين الجمالُ من امرئ أربى على

متعدد السبعين من أحواله

في بترة شعرية حسنة، والخبر يشير على استمتاع الغزال بجماله وحسن هيئة إلى شيخوخته.

والغزال يدخل في كبار الشعراء، ويعد في أوائل الرحّالين الأندلسيين، وهوأشهر دبلوماسي لهذه المدة المبكرة من حياة الإسلام في الأندلس، وكان للغزال مشاركة قوية في العلوم العقلية، واشتهر بلقب «العرّاف» لخبرته في فهم النُّجوم (الفلك)، إضافةً إلى خبرته ومعهدته بالعلوم النقّلية.

أدرك يحيى بن حكم في حياته إمارة خمسة من حكام الأندلس الأموييّن: عبد الرحمن الداخل (ت 172) وهشام بن عبد الرحمن (ت 180) والحكم بن هشام (ت 206) وعبد الرحمن الأَوسط ابن الحكم (ت 238) ومحمد بن عبد الرحمن (ت 273)، ومن هنا نطق الغزال:

أدركتُ بالمِصرِ ملوكاً أَرْبَعِهْ

وخامساَ هذا الّذي نَحنُ مَعَهْ

ولم تذكر التواريخ مكان ولادته، ويَرْجُح أنه ولد ونشأ في (جَيّان)، ثم العاصمة قرطبة، حيث عاش فيها سائر حياته، واحْتَفظ بنسبته إلى بلدته الأصلّية الجَيّاني.

كان ليحيى عمر مديد، أعطى له حتى يَبْرُز في أكثر من صعيد، وأن تتنوع جوانب حياته، وأن تكون له علاقات ومُداخلات في طبقات المجتمع المتنوعة، وفي شعره الباقي ما يشير على هذه العلاقات الاجتماعية التي ترجمها شعُره إلى قصائد ذات مَزايا وخصوصيّة، وفيه مَا يُفصِح عن الجوانب المتعددة التي عالجها على الصَّعيد الشخصي والصعيد الرسمي.

كان في صفات الغَزال: الذكاء الذي يَرْقى إلى درجة الألمعيّة، والبساطة في مداورة شُؤون الحَياة المختَلفة، وروح الدَّعابة التي لاتفارقه في المواقف الصَّعبة، والجُرأة في النّقد الاجتماعي؛ حتى إنه طال في نقده الّلاذع وهجائه بعض كبار رجال الدّولة، وكان شعر الغزال مرآةً لهذه الأوصاف من شخصيته، وحكايةً لكثير من مجريات حياته، وتعبيراً عن مواقفه الّلاذعة، وتسجيلاً لجوانب من أَحداث زمانه.

كان الغزال موصول اليد بالدولة الأُمَويّة: تولّى الأعمال المتنوعة، وتولّى السّفارة عنها في رحلتين مشهورتين، وكان من جلساء الأُمراء. وفي أخبار الغزال أنَّه رحل إلى المشرق، وأن رحلته كانت طواعيةً من عند نفسه، وليست نفياً كما سقط في بعض الدراسات المعاصرة.

رحلاته

جنود الڤايكنگ في دراكار. حوالي سنة 1100.

قام الغزال برحلتين سفاريّتين مبعوثاً من الأمير الأمويّ عبد الرحمن (الأوسط)؛ إحداهما إلى القسطنطينية سنة 225هـ في رسالة جوابية إلى الإمبراطور تيوفيل (سماه أبوتمام في البائية: توفلس)، وكانت بيزنطة (دولة الروم) بعد هزيمتها في (عمّورية) سنة 223هـ رغبت في التقرُّب إلى دولة بني مروان بالأندلس؛ في محاولة لتّخفيف الضّغط عنها. وكانت الرّحلة السفارية الثانية على الأرجح إلى جُنْلَند (الدنمارك؛ بلاد النُّرمان) سنة 230هـ. وكانت رحلته رحلة جوابيّة ردّاً على رسالة، مع وفد دنمارك الذي قدم برغبة ملكهم في عقد علاقات سلميّة، ومعاهدة صداقة، وكان النرمانديون قد أغاروا على إشبيلية وغيرها ثم هزمهم الأندّلسيون. وللغزال في رحلته وفي لقائه الملك والملكة شعر حسَن. وعلّق كراتشكوفسكي هنا فنطق: «إن الغزال أدى دور الدّبلوماسي مرّتين، وهوشاعر فنان، وعلى فهم بعدد من اللّغات. وفي الملكة النرَّماندية يقول:

كلفّتِ في قلبي هوى متعباً

غالبْتُ منـه الضّيغمَ الأغَلْبَا

إنّي تعلَّقْتُ مَجُوســـِيَّة

تأبى لشمسِ الحُسْنِ حتى تغربا

وقد نجحت مهمّة الغَزال، وسَجّل السبق بريادة السّفارات الديبلوماسّية الأندلسية.

وفي 845 أوفده عبد الرحمن الثالث إلى "ملك المجوس". ولسنا متأكدين من الصحة التاريخية للحدث، إذ يتشكك هويسي ميراندا في دائرة المعارف الإسلامية إذا ما كانت من نسج خيال المؤرخ ابن دحية. إلا حتى السيرة تقول أنه زار الملك هوريك الثاني، الذي كان يحكم الدنمارك في بلاطه في هليدرا بين عامي 854 و860، ولعله زار تورگيس من دبلن (أيرلندا).

الشعر

نَظَم الغَزالُ، في أغراض شَتى من الشّعر: الغَزل والهِجَاء والتعريض، والمَدْح، والوَصْف، والحكمة، والتأمّل في شؤون الحياة، وبَرزتْ مقدرته على مُعالجة النقد الاجتماعيّ في موضوعات متعدّدة، ومن أغراض الشاعر البارزة في شعره الباقي الهاتى والتعريض، وممّن أصابه هاتى الغزال: المغنّي زرياب، ونَصْر الخصيّ ذوالنفوذ، ويبرز في شعر النقد الاجتماعي قضايا الغنى والفقر، وعلاقة الرّجُل والمَرأة، والألعاب المُلِهية، واستغلال النفّوذ، وكان للشّاعر نَفَسٌ ممدودٌ في التعّبير عن ظُروفِ حياته.

ومن شعره الساخر:

إذا أُخبرتَ عن رجل بريءٍ

من الآفات ظاهره سليمُ

فَسًلْهُم عنه: هل هوآدميّ؟

فإن نطقوا نعم فالقول ريحُ!

ديوان الغَزال سِفْر كبير غزير الشّعر، جَمَعَه حبيب بن أحمد الشّطجيري الأَندلسي، ورتبه على حروف المُعجم.

وألّف أيضاً تاريخاً منظوماً (أُرجوزة) ذكر فيها فتح الأندلس ومجريات الأحداث فيها إلى زمانه، وقد بقي من شعر الغزال قَدْرٌ جيد في كُتب التراث الأندلسي، وليس للديوان الذي جمعه الشطجيري ذِكرٌ في فهارس المخطات المعروفة خاصة وعامّة، جمع الباقي من شعر الغزال أَوّل مرّة صالح بنداق وضم فيه بضعاً وثلاثين قصيدة وبترة. ثم قمتُ بإعادة جمع شعره فوصل إلى نحوخمس وستين قصيدة وبترة رُتبت على حروف المعجم، وصُنع لها شرح ومقدّمات.

وظهرت نصوص جديدة للغزال تضاف إلى مجموع شعره، في السفر الثاني من كتاب «المقتبس» لابن حَيّان.

المراجع

Empty citation (help)
Empty citation (help)
Empty citation (help)
Empty citation (help)
Empty citation (help)
ابن حيان، المقتبس (مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية، جدّة 1424هـ/2003).
الحميدي، جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس (الدار المصرية للتأليف، القاهرة 1966).
المقري، نفح الطيب (دار صادر، بيروت 1968).
يحيى بن حكم الغزال، الديوان (دار الفكر، دمشق د.ت).