أبوالشيص الخزاعي
أبوالشيص الخزاعي (130-196هـ/747-811م) شاعر عباسي مولّد مشهور، اختلف الفهماء في سرد اسمه ونسبه، نطق ابن المعتز فيه: محمد بن عبد الله بن رَزينِ الخزاعي، ونطق فيه أبوالفرج: اسمه محمد بن رَزين بن سليمان بن تميم ابن نهشل ـ وقيل: ابن بُهَيش ـ بن خراش ابن خالد، وقيل غير ذلك. مثل هذا الاضطراب تقديماً وتأخيراً في سلسلة نسب الرجل لا يطعن في صحة نسبه بيد أنه يكشف عن اضطراب الفهماء باختلاف مصادرهم، لما يعتور تلك المصادر من إيجاز ومن أوهام النساخ، على حتى ما اتى به أبوالفرج يعد مرجحاً على سابقه.
ولُقّب الشاعر بأبي الشِّيْص فغلب عليه - والشيص: رديء التمر (عديم النوى)، فارسي معرب، وكنيته أبوجعفر، وهوابن عم الشاعر دعبل بن علي الخزاعي، ولأبي الشيص ولد شاعر جيد الشعر اسمه عبد الله، وقد عمي أبوالشيص في آخر عمره، وله مراث في عينيه، منها قوله:
- يَا نَفْسُ بَكِّي بِأَدْمُعٍ هُـتُـنِ وواكـفٍ كالجُمانِ في سَنَنِ
- على دَلِيلِي وقائدي ويدي ونورِ وجهي وسائسِ البدنِ
ففي الأبيات سرعة هاجس، واستشعار بقرب وقوع مصيبة فقد البصر، فاستعظم المصيبة، ونادى نفسه إلى البكاء على عينيه بهما، فهما غاية البكاء، وهما وسيلته، وهما مرشد قدميه، ونور وجهه، وهما يداه بمعنى موضع يديه. وقد تحدث أبوالفرج الأصفهاني عن مرتبته في شعراء زمانه، فنطق: «كان أبوالشيص من شعراء عصره متوسطَ المحل، غير نبيه الذكر؛ لوقوعه بين مسلم بن الوليد، وأشجع وأبي نواس» فكان ذلك سبباً لخمول ذكره. ولعل هناك سبباً آخر أسهم في خمول ذكره، ألا وهوأنه انبتر في مديحه إلى عقبة بن جعفر ابن الأشعث الخزاعي الذي كان أميراً على الرقة، فأغناه عطاؤه عن الذهاب إلى غيره من أمراء ذلك الزمان، ولومضى إليهم لاشتهر وعهد بسبب لقاء الفهماء والشعراء في بلاط ذوي الشأن.
وإن كان أبوالفرج قد قدَّم بعض الشعراء على أبي الشيص فإن المأمون الخليفة العباسي فضَّل أبا الشيص على جماعة من حذاق المحدثين كبشار ومسلم بن الوليد ونظرائهما في قصيدته التي يقول فيها:
- جلا الصُّبحُ أَونيَّ الكرى عن جُفونِهِ وفي صَدرهِ مثلُ السِّهامِ القواصدِ
- تَمَكَّنَ مِنْ غِرَّاتِهِ الحـبُّ فانـتحى عَـلِيـهِ بأَيـدٍ أيِّـداتٍ حواشـدِ
ونطق فيها ابن المعتز: إنها مما يُتخير له، وفي اختيارها معاني استجادة واستحسان. وله قصيدة من المعدودات أيضاً ـ وهن القصائد اللواتي تعد أبياتها، ويكون لكل بيت منها جائزة ـ ألا وهي التي يقول فيها:
- لا تُنكِري صَدّي ولا إعراضي ليس المقلُّ عن الزمانِ براضِ
وأعطاه عقبة لكل بيت مئة ألف درهم، وقد بلغت أبياتها سبعة وعشرين بيتاً على ما اتى في ديوانه بصنعة الأستاذ عبد الله الجبوري، مما يقتضي علوقيمة القصيدة.
والبيت المذكور يشير به القدماء على القصيدة، وهوالبيت السابع فيها، فكأنهم يشيرون إليها بقبة أبياتها في المطلع، أوبموضع الاستحسان على حسنها كلها، وقد سماها أبونواس: المخزية التي أخزت غيرها من القصائد اللواتي على قافيتها ووزنها وفنها الشعري. ولأبي الشيص قصيدة رأى أنها أجود قصائده هي التي مطلعها:
- وقفَ الهوى بي حيثُ أنتِ فليس لي مُتَأَخَّرٌ عـنـهُ ولا مُتـَقَـدَّمُ
وينطق: إذا أبا نواس سرق هذا المعنى منه، وكان يستحسن هذه الأبيات، وكان يرى أبا الشيص أعلى المحدثين طبقة في الشعر.
وممن غلا في أبي الشيص أبوخالد العامري القائل في أشعار أبي الشيص: من أقول لك حتى في الدنيا أشعر من أبي الشيص فَكَذِّبْهُ، والله لكأن الشعر أهون عليه من استهلك الماء على العطشان، وكان أوصف الناس للشراب، وأمدحهم للملوك.
مات أبوالشيص في بيت عقبة بن جعفر، على يد خادم لعقبة، في سيرة ذكرها أبوالفرج في أخباره، وهي إذا كانت محتملة فإنها بعيدة التصديق، ورأى صاحب الوافي بالوفيات أنه توفي سنة مئتين أودون ذلك.
وظاهر الأمر حتى أبا الشيص لم يكن ذائع الصيت في زمنه على شدة قربه من أبي نواس ومسلم بن الوليد وأشجع السلمي وغيرهم من المحدثين، وكان شاعراً يعتد به الشعراء كأبي نواس، ويبارونه في الإبداع على قلة ما وصل إلينا من شعره وأخباره.
المصادر
- عبد الكريم محمد حسين. "أبوالشيص الخزاعي". الموسوعة العربية.
للاستزادة
- ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا (بيروت، دار الخط الفهمية 1412هـ/1992م).
- ابن المعتز، طبقات الشعراء، تحقيق عبد الستار فراج (دار المعارف بمصر 1981م).
- أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني (بيروت، مؤسسة جمال عبد الناصر للطباعة والنشر، مصورة عن طبعة دار الخط، بلا تاريخ).