سليم حسن
سليم حسن (11 رجب 1303 هـ/15 إبريل 1886 - 29 ربيع الآخر 1381هـ/29 سبتمبر 1961) أثري مصري نابه ومؤرخ.
بدأت كتابة التاريخ المصري القديم مع ازدهار عمليات البحث والكشف عن الآثار المصرية، واتىت المستوى الأولى مع حملة نابليون على مصر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي؛ إذ صحب حملته طائفة من الفهماء درسوا مصر دراسة فهمية شاملة، ووضعوا خلاصة دراساتهم، ونتائج بحوثهم في كتاب فهمي ضخم هوكتاب "وصف مصر"، الذي نُشر في باريس في الفترة ما بين عامي (1224: 1809م) و(1228: 1813م)، ويعد ما اتى في هذا العمل الكبير عن آثار مصر وما تضمّنه من رسوم وخرائط وصور بداية الأعمال الفهمية التي تستهدف دراسة مصر القديمة دراسة فهمية منظمة.
وتأتي المستوى الثانية مع اكتشاف حجر رشيد الذي عثر عليه أحد رجال الحملة الفرنسية سنة (1214 هـ= 1799م)، وما إذا نجح العالم الفرنسي "شامبليون" في الكشف عن أصول الكتابة واللغة المصرية القديمة حتى أسرع الفهماء في قراءة الوثائق المصرية القديمة، وبدأ الغموض الذي كان يحيط بحياة المصريين القدماء ينقشع وتزداد صورتهم وضوحًا، ويتجلى تاريخهم وحضارتهم.
وكان لاكتشاف أصول اللغة المصرية أثره في اهتمام الجامعات والمؤسسات الفهمية بالآثار المصرية، وبدأت فترة الكشف عن الآثار وفتح المقابر، وجمع أوراق البردي، على يد مجموعة من الفهماء الذين شغفوا بالبحث والتنقيب، والإنضمام وترجمة الكتابات المصرية القديمة.
وكان من بين فهماء الجيل الأول العالم الألماني "هنري بروكش" (1243 هـ – 1312هـ = 1827 - 1894)، وهويعد من رواد اللغة الهيروغليفية، وله بحوث جيدة في تاريخ مصر وجغرافيتها القديمة، وأنشأ مدرسة للدراسات الأثرية بالقاهرة سنة (1286هـ= 1869م)، وكان من بين طلبتها أحمد كمال باشا، أول مؤرخ عربي يخط في تاريخ مصر وحضارتها القديمة كتابة فهمية سليمة، وله الفضل في إقناع "أحمد حشمت باشا"، وزير المعارف بإنشاء فرقة لدراسة فهم الآثار المصرية بمدرسة المفهمين الخديوية، فأنشئت أول فرقة، التحق بها عدد من الطلاب صاروا بعد ذلك من كبار فهماء التاريخ والآثار، نذكر منهم: أحمد عبد الوهاب باشا، وسليم حسن، ومحمود حمزة، ومحمد شفيق غربال.
المولد والنشأة
وُلد سليم حسن بقرية ميت ناجي التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية في (11 رجب 1303 هـ = 15 إبريل 1886)، وتُوفي والده وهوصغير، فعُنيت به والدته وأحسنت تربيته وتعليمه، وبعد حتى أتم دراسته الابتدائية والثانوية التحق بمدرسة المفهمين الخديوية، وانضم إلى الفرقة التي تدرس فهم الآثار التي أشرنا إليها من قبل.
وبعد حتى أتم دراسته سنة (1331هـ= 1912م) حاول حتى يلتحق بالمتحف المصري بمسعى من أحمد كمال باشا، لكنه لم يُوفَّق، فعمل مدرسًا للتاريخ واللغة الإنجليزية بالمدرسة الناصرية بالقاهرة، ثم نُقل إلى مدرسة طنطا الثانوية، ومنها إلى أسيوط، ثم نُقل إلى القاهرة مدرسًا في المدرسة الخديوية الثانوية.
نشاطه الفهمي المبكر
كان سليم حسن في أثناء انشغاله بالتدريس وافر النشاط، عالي الهمة، جاد النزعة، وحسبك حتى تفهم أنه اشهجر في وضع الخط التاريخية التي كانت مقررة على طلبة المدارس، وهوفي السن الغضة؛ فألّف تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قُبيل الوقت الحاضر، وتاريخ أوروبا الحديثة وحضارتها، وشاركه في التأليف "عمر السكندري"، وترجم تاريخ دولة المماليك في مصر بالاشتراك مع "محمود عابدين"، وصفحة من تاريخ "محمد علي" بالاشتراك مع "طه السباعي".
الالتحاق بالمتحف المصري
تعددت محاولات سليم حسن للعمل بمصلحة الآثار التي كان يُسيطر عليها الأجانب، لكن محاولاته لم يُخط لها النجاح، حتى إذا أقبلت ثورة 1919م التي أججت الشعور الوطني، وأشعلت الحماس في النفوس ـ تغير الوضع، وأصبح الوزراء المصريون بعدها أكثر استقلالاً، وأوسع نفوذًا، فلاحت الفرصة لسليم حسن التي طال انتطارها لها، إذ انتهز "أحمد شفيق باشا" وزير الأشغال فرصة تعيين أمينين فرنسيين بالمتحف المصري، وأصر على تعيين أمينين مصريين مساعدين لهما، فالتحق سليم حسن بالمتحف أمينًا مساعدًا سنة (1340هـ= 1921م).
وفي أثناء عمله بالمتحف سافر إلى باريس على نفقته الخاصة إلى باريس سنة (1341هـ= 1922م) لحضور الاحتفال بمرور مائة عامة على فك شامبليون لرموز اللغة الهيروغليفية، وتمكّن من زيارة عدة متاحف أوروبية، وبعد عودته خط عدة منطقات في جريدة الأهرام تحت عنوان: "الآثار المصرية في المتاحف الأوروبية" كشف فيها عن أسرار سرقة الآثار المصرية، ودور الأثريين الأجانب في ذلك، الأمر الذي جعل المشرفين على الآثار يحنقون عليه.
البعثة إلى الخارج
أثار اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون سنة (1341هـ= 1922م) دهشة الناس في العالم وإعجابهم بالحضارة المصرية القديمة، وولدت في المصريين الاعتزاز بتراثهم المجيد، فتداعت الأصوات إلى إرسال بعض المصريين لدراسة فهم الآثار المصرية الخارج، فسافر سليم حسن إلى باريس، والتحق بجامعتها، وحصل على دبلوم في اللغة الشرقية، وثان في تاريخ الديانات، وثالث في اللغات الشرقية، ثم عاد إلى مصر في سنة (1346هـ= 1927م)، وعين سليم حسن مرة أخرى في المتحف المصري، وأقنعه المسئولون حتى مكانه هوالمخطة وأن عمله الأساسي هوترجمة مرشد المتحف، وكان ذلك يعني تجميدًا لنشاطه، لكن هذا لم يدم طويلاً، فاستدعته كلية الآداب بالجامعة المصرية للتدريس بها، وترقى في المناصب الفهمية إلى حتى بلغ درجة الأستاذية مع الإشراف على حفائر الجامعة بمنطقة أهرامات الجيزة.
ولم تحل أعباء التدريس وأعمال الحفر والتنقيب دون مواصلة للدراسة والبحث، فوضع بحثًا قيما نال عليه درجة الدكتوراه من جامعة ڤيينا، سنة (1354هـ= 1935م)
العودة إلى مصلحة الآثار
في عام (1355هـ= 1926م) عين سليم حسن وكيلاً لمصلحة الآثار المصرية، فكان أول مصري يتولى هذا المنصب، الذي كان مقصورًا على الفهماء الأجانب فأثار حفيظة بهم، ويذكر له أنه استرجع إلى المتحف المصري مجموعة من البتر الأثرية كانت في حوزة الملك فؤاد، فلما حاول ابنه الملك فاروق حتى يستعيدها باعتبارها من الممتلكات الخاصة لأبيه، رفض سليم حسن إعادتها، ولم تطل إقامة سليم حسن في منصبه،وتعرض لمضايقات كثيرة، نجحت في إجباره على هجر العمل بمصلحة الآثار سنة (1359هـ= 1940).
اكتشافاته وحفائره
أحصت الدكتورة ضياء أبوغازي جهود سليم حسن في عمليات الحفر والتنقيب التي استمرت عشر سنوات (1348هـ= 1358هـ / 1929 = 1939م) ونشرت قائمة بها في حوليات مصلحة الآثار سنة( 1384هـ= 1964م) فبلغت 171 عملا، وذكرت نبذا عنها، وكانت حفائره في منطقة الأهرامات بالجيزة من أبرز ما قام به من أعمال؛ إذ كشفت عن عدد كبير من مقابر الدولة القديمة، وتعد مقبرة (رع ور التي كشفها جنوبي منطقة "أبوالهول" من أكبر المقابر، وتكاد تضارع مقابر الملوك من حيث ضخامتها وكثرة التماثيل بها).
كما كشف مقبرة الملكة (خنكاوس) آخر ملوك الأسرة الخامسة، وحلقة الوصل بين تلك الأسرة والأسرة السادسة، وصممت المقبرة على هيئة تابوت أقيم فوق صخرة كبيرة، وأطلق سليم حسن على هذه المقبرة الهرم الرابع.
وكانت حفائر سليم حسن في منطقة أبي الهول من أبرز أعماله التي كشفت عن أسرار "أبوالهول" وما يحيط به من غموض وإيهام، وامتد نشاطه إلى منطقة سقارة ومنطقة النوبة.
التفرغ للتأليف
بعد حتى هجر سليم حسن العمل الحكومي تفرغ للدراسة والتأليف، وعكف على وضع مؤلفاته التي لا تزال محل إعجاب وتقدير، على الرغم من استمرار الاكتشافات الأثرية التي قد تؤدي إلى تصويب أوتخطئة ما كان مستقرًا من قبل من معلومات أثرية في المؤلفات التاريخية وأهم مؤلفاته قاطبة هوكتابة "مصر القديمة" الذي أخرجه في ستة عشر جزءًا، وبدأ في نشره سنة (1359هـ= 1940م) وأصدر الجزء السادس عشر سنة (1380هـ= 1960م) متناولاً تاريخ مصر وحضارتها من عصر ما قبل التاريخ، ومرورًا بالدولة القديمة والوسطي والرعامسة والعهد الفارسي، وانتهاء بأواخر العصر البطلمي، وكان قد شرع في كتابة الجزء السابع عشر عن (كليوباترا) لكن حال موته دون إصداره".
وهذه الموسوعة تغني القارئ عن عشرات الخط والمراجع التي تتناول تاريخ مصر في هذه الفترة الطويلة، وتعد فريدة في بابها، فلم يسبق حتى تناول عالم واحد جميع هذه الفترة في مؤلف له.
وله إلى جانب ذلك(الأدب المصري القديم) الذي نشره سنة (1365هـ= 1945م) في مجلدين، تناول فيهما الأدب في مصر القديمة، وخط فصلا كبيرًا عن الحياة الدينية وأثرها على المجتمع في المجلد الأول من تاريخ الحضارة المصرية الذي أخرجته وزارة الثقافة والإرشاد القومي.
وأسهم في ميدان الترجمة فنقل إلى العربية كتاب "ديانة قدماء المصرين" للعالم الألماني" شتيدورف" سنة (1342هـ= 1923م) وكتاب فجر الضمير للمؤرخ الأمريكي جيمس هنري بريستد سنة ( 1376هـ= 1956م).
أما عن مؤلفاته التي خطها بغير العربية فقد بلغت ثلاثة وثلاثين مؤلفًا وضمت خطًا فهمية ككتابه عن "أبوالهول" وكتابه عن "الأناشيد الدينية للدولة الوسطى) بالإضافة إلى بحوثه ومنطقاته في حوليات مصلحة الآثار والمجلات الأثرية الأجنبية، وتقارير حفائر في الجيزة وسقارة والنوبة.
وفاة سليم حسن
ظل سليم حسن يعمل بعزيمة لا تلين حتى وهوفي شيخوخته منصرفًا إلى خطه وبحوثه، ونفي بعيدًا عن العمل الحكومي، عدا فترات قليلة كانت الحكومة تلجأ إليه حين تشتد الحاجة ويطلب الرأي فلاقد يكون هناك أصدق حديثًا منه في هذه الموضع، من ذلك أنه ترأس البعثة المصرية التي زارت منطقة النوبة سنة (1375هـ= 1955م) لكتابة تقرير عن وسائل إنقاذ معابد المنطقة وآثارها قبل حتى تغمرها مياه السد العالي، كما أشرف على حفائر مصلحة الآثار في النوبة سنة (1378هـ= 1958م) وعلى عملية جرد المتحف المصري سنة (1379هـ= 1959م).
وفي (29 ربيع الآخر 1381هـ= 29 سبتمبر 1961) انتقل سليم حسن إلى لقاء ربه، وهوفي الخامسة والسبعين من عمره.
من مصادر الدراسة
- محمد جمال مختار ـ سليم حسن كمنقب وعالم آثار ـ المجلة التاريخية المصرية ـ المجلد التاسع عشر ـ 1972م.
- مختار السويقي ـ مقدمته لكتاب مصر القديمة ـ مخطة الأسرة ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 2001م.
- أنور الجندي ـ أعلام وأقلام ـ دار نهضة مصر ـ القاهرة ـ بدون تاريخ
- خير الدين الزركلي ـ الأعلام ـ دار الفهم للملايين ـ بيروت ـ 1986م.
إسلام أون لاين: سليم حسن تصريح