سعيد بن جبير الأسدي (46هـ-95هـ) تابعي حبشي الأصل، كان متوكلا تقيا وعالما بالدين تفهم الفهم عن عبد الله بن عباس حبر الأمة وعن عبد الله بن عمر وعن السيدة عائشة أم المؤمنين في المدينة المنورة، سكن الكوفة ونشر الفهم فيها وكان من فهماء التابعين، فأصبح إماما ومفهما لأهلها، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي بسبب خروجه مع عبد الرحمن بن الأشعث في ثورته على بني أمية.

نسب الإمام سعيد بن جبير ومولده وصفته

اسمه سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم -أي: أنه لم يكن من أصل عربي ولكنه مولى لبني أسد، أي: حتى أحد أفراد هذه القبيلة اشتراه فأعتقه، فصارت هناك علاقة بين المُعتِق والمُعتَق وهي علاقة الولاء- أبومحمد وينطق: أبوعبد الله الإمام الحافظ المقرئ المفسّر الشهير أحد الأعلام. مولده: لم يصرّح أحد من المترجمين بتاريخ مولده، وصرحوا بأن مقتله كان في شعبان سنة 95 هـ، وكثير من المترجمين أوكثير من الذين يرصدون الأخبار ويؤرخون للحوادث لا يقفون كثيراً على تاريخ الميلاد، ولكنهم يضبطون تاريخ الوفاة. وقد نطق لابنه: ما بقاء أبيك بعد سبعة وخمسين، كأنه عاش 57 سنة، وتوفي سنة 95 هـ، وعلى ذلكقد يكون ميلاده سنة 38 هـ تقريباً، وقد صرّح المضىي بأن ميلاده كان في خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهوالخليفة الخامس، والذي اشتهر عند كثير من الناس حتى الخليفة الخامس هوعمر بن عبد العزيز، ولكن السليم حتى الخليفة الخامس هوالحسن بن علي؛ لأن خلافته كانت ستة أشهر بعد مقتل أبيه، وتم به ما أبلغ عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأن الخلافة بعده ثلاثون سنة، أي: الخلافة الراشدة ثلاثون سنة، فتمت الثلاثون سنة بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما. ونطق بعضهم: توفي وله تسع وأربعون سنة، فيكون ميلاده سنة 46 هـ. صفته: نطق المضىي: روي أنه كان أسود اللون. وعن عبد الله بن نمير عن فطر نطق: رأيت سعيد بن جبير أبيض الرأس واللحية. وعن أيوب نطق: سئل سعيد بن جبير عن الخضاب بالوسمة فكرهه، ونطق: يكسوالله العبد النور في وجهه ثم يطفئه بالسواد؟! فالصبغقد يكون بالأحمر أوبالحناء، ويكره الصبغ بالسواد. وعن إسماعيل بن عبد الملك نطق: رأيت على سعيد بن جبير عمامة بيضاء. وعن القاسم الأعرج نطق: كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش.

كان نادىء سعيد بن جبير على الحجاج قبل مقتله "اللهم لا تسلطه على اغتال أحد من بعدي". وعملا توفي الحجاج دون حتى يقتل أحد من بعد سعيد بن جبير. وبعد مقتل سعيد بن جبير اغتم الحجاج غما كبيرا وكان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير حدثا أردت النوم أخذ برجلي وينطق إنه رؤي الحجاج في النوم بعد موته فقيل له: ما عمل الله بك ؟ فنطق : قتلني بكل قتيل قتلة وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة، يوجد مرقد سعيد بن جبير بواسط في العراق. وُلِدَ سعيد بن جبير في زمن خلافة الإمام على بن أبي طالب - - بالكوفة، وقد نشأ سعيد محبًّا للفهم، مقبلاً عليه، ينهل من معينه، فقرأ القرآن على ابن عباس، وأخذ عنه الفقه والتفسير والحديث، كما روى الحديث عن أكثر من عشرة من الصحابة، وقد بلغ رتبة في الفهم لم يبلغها أحد من أقرانه، نطق خصيف بن عبد الرحمن عن أصحاب ابن عباس: كان أفهمهم بالقرآن مجاهد وأفهمهم بالحج عطاء، وأفهمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير.

كان ابن عباس يجعل سعيدًا بن جبير يفتي وهوموجود، ولما كان أهل الكوفة يستفتونه، فكان يقول لهم: أليس منكم ابن أم الدهماء،يا ترى؟ يعني سعيد بن جبير، وكان سعيد بن جبير كثير العبادة لله، فكان يحج مرة ويعتمر مرة في جميع سنة، ويقيم الليل، ويكثر من الصيام، وربما ختم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام، وكان سعيد بن جبير مناهضًا للحجاج بن يوسف الثقفي أحد أمراء بني أمية، فأمر الحجاج بالقبض عليه، فلما مثل بين يديه، دار بينهما هذا الحوار:

الحجاج: ما اسمك؟

سعيد: سعيد بن جبير.

الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.

سعيد: بل أمي كانت أفهم باسمي منك.

الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك.

سعيد: الغيب يفهمه غيرك.

الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا نارًا تلظى.

سعيد: لوفهمتُ حتى ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.

الحجاج: فما قولك في محمد.

سعيد: نبي الرحمة، وإمام الهدى.

الحجاج: فما قولك في على بن أبي طالب، أهوفي الجنة أم في النار؟

سعيد: لودخلتها؛ فرأيت أهلها لعهدت.

الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟

سعيد: لست عليهم بوكيل.

الحجاج: فأيهم أحب إليك؟

سعيد: أرضاهم لخالقي.

الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟

سعيد: فهم ذلك عنده.

الحجاج: أبيتَ حتى تَصْدُقَنِي.

سعيد: إني لم أحب حتى أكذبك.

الحجاج: فما بالك لم تضحك؟

سعيد: لم تستوِ القلوب وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار.

وهب سعيد حياته للإسلام، ولم يَخْشْ إلا الله، ولد في الكوفة، يفيد الناس بفهمه النافع، ويفقه الناس في أمور دينهم ودنياهم، فقد كان إمامًا عظيمًا من أئمة الفقه في عصر الدولة الأموية، حتى شهد له عبد الله بن عباس -ما- بالسبق في الفقه والفهم، فكان إذا أتاه أهل مكة يستفتونه يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء (يقصد سعيد بن جبير).

كان سعيد بن جبير يملك لسانًا صادقًا وقلبًا حافظًا، لا يهاب الطغاة، ولا يسكت عن قول الحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، فألقى الحجاج بن يوسف القبض عليه بعد حتى لفق له تهمًا كاذبة، وعقد العزم على التخلص منه، لم يستطع الحجاج حتى يسكت لســانه عن قول الحق بالتـهديد أوالتخويف، فقد كان سعيد بن جبير مؤمنًا قوي الإيمان، يفهم حتى الموت والحياة والرزق كلها بيد الله، ولا يقدر عليه أحد سواه.

اتبع الحجاج مع سعيد بن جبير طريقًا آخر، لعله يزحزحه عن الحق، أغراه بالمال والدنيا، وضع أموالا كثيرة بين يديه، فما كان من هذا الإمام الجليل إلا حتى منح الحجاج درسًا قاسيًا، فنطق: إذا كنت يا حجاج قد جمعت هذا المال لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل جميع سقمعة عما أرضعت. لقد أفهمه سعيد حتى المال هوأعظم وسيلة لإصلاح الأعمال وصلاح الآخرة، إذا جمعه صاحبه بطريق الحلال لاتـِّقاء فزع يوم القيامة..{يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم [الشعراء:88-89]. ومرة أخرى تفشل محاولات الحجاج لإغراء سعيد، فهوليس من عباد الدنيا ولا ممن يبيعون دينهم بدنياهم، وبدأ الحجاج يهدد سعيدًا بالقضاء عليه، ودار هذا المشهد بينهما: الحجاج: ويلك يا سعيد! سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار. الحجاج: أي قتلة ترغب حتى أقتلك،يا ترى؟ سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة. الحجاج: أتريد حتى أعفوعنك،يا ترى؟ سعيد: إذا كان العفوفمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر. الحجاج: امضىوا به فاقتلوه. فلما خرجوا ليقتلوه، بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد ونطق له: ما يبكيك،يا ترى؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة،يا ترى؟ وبكي أيضًا صديق له، فنطق له سعيد: ما يبكيك،يا ترى؟ الرجل: لما أصابك.

سعيد: فلا تبك، كان في فهم الله حتىقد يكون هذا، ثم تلا: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل حتى نبرأها [الحديد:22] ثم ضحك سعيد، فتعجب الناس وأبلغوا الحجاج، فأمر بردِّه، فسأله الحجاج: ما أضحكك؟

سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك. الحجاج: اقتلوه. سعيد: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين [الأنعام: 79]. الحجاج: وجهوه لغير القبلة. سعيد: {فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة: 115]. الحجاج: كبوه على وجهه. سعيد: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى [طه: 55]. الحجاج: اذبحوه. سعيد: أما أنا فأشهد حتى لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده

ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم نادى سعيد ربه فنطق: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.

وعملا توفي الحجاج دون حتى يقتل أحد من بعد سعيد بن جبير

مات سعيد شهيدًا في 11 رمضان 95 هـ الموافق 714م، وله من العمر تسع وخمسون سنة، توفي ولسانه رطب بذكر الله

يوجد مرقد سعيد بن جبير في قضاء الحي، محافظة واسط، العراق.