الدين ضمن حدود العقل فقط (بالألمانية: Die Religion innerhalb der Grenzen der bloßen Vernunft؛ بالإنگليزية: Religion within the Bounds of Bare Reason) هوكتاب صدر في 1793 للفيلسوف الألماني إمانوِل كانط. وبالرغم من حتى الغرض والهدف منه قد أصبح موضع خلاف، إلا حتى التأثير الضخم والمستمر للكتاب على تاريخ فهم العقائد وفلسفة الدين لا يمكن إنكاره. ويتألف الكتاب من أربعة أجزاء، تسمى "بتر" (Stücken)، كـُتبت في الأصل كسلسلة من أرع منطقات في دوريات.

لم يكن كانت قانعاً قط بلاهوته الـ "كأني" المتردد. ففي 1791، في كتيب عنوانه "عن تهافت جميع المحاولات الفلسفة في الإلهيات" أعاد القول إذا "عقلنا عاجز عن تبصيرنا بالعلاقة بين العالم... والحكمة السامية". وأضاف إلى هذا تحفظاً، من الممكن لنفسه، فنطق: "على الفيلسوف ألا يلعب دور المحامي الخاص في هذا الأمر؛ وعليه ألا يدفع عن أي قضية يعجز عن فهم عدالتهم، ولا يستطيع إثباتها بطرق التفكير الخاصة بالفلسفة"(58).

ثم عاد إلى المشكلة في سلسلة من الموضوعات أفضت به إلى تحدي الحكومة البروسية تحدياً سافراً. وطبعت أولى هذه الموضوعات وعنوانها "في الشر المتأصل" في "مجلة برلين الشهرية" عدد أبريل 1792. وأذن الرقيب بنشرها على أساس حتى "الفهماء المتعمقين في التفكير هم وحدهم الذين يقرءون كتابات كانت"(59). ولكنه رفض نشر الموضوع الثاني "في الصراع بين مبادئ الخير والشر للسيطرة على الإنسان". ولجأ كانت إلى حيلة. ذلك حتى الجامعات الألمانية كان لها امتياز اعتماد الخط والموضوعات للنشر؛ فقدم كانت الموضوع الثاني والثالث والرابع إلى كلية الفلسفة بجامعة يينا (وكان يشرف عليها آنئذ جوته وكارل أوجست دوق فايمار، وكان شيلر أحد أساتذتها)، وأذنت الكلية بالنشر، وبهذا طبعت الموضوعات الأربع كلها في كونجزبرج عام 1793 بعنوان "الدين في حدود العقل وحده".

والسطور الأولى تعلن الفكرة الرئيسية السائدة فيها: "بقدر ما تبنى الأخلاق على مفهوم الإنسان كفاعل حر، هذا الإنسان الذي-بسبب حريته هذه-يتعامى بعقله عن رؤية القوانين غير المشروطة، فإن هذه الأخلاق في غير حاجة إلى فكرة كائن آخر من فوقه ليجعله يدرك واجبه، ولا إلى حافز غير القانون ذاته يجعله يؤديه... ومن هنا فإن الأخلاق من أجل ذاتها هي لا بحاجة إلى دين على الإطلاق"(60). ويعد كانت بطاعة السلطات، ويسلم الحاجة به إلى الرقابة، ولكنه يشدد على "ألا تسبب الرقابة أي اضطراب في مجال العلوم"(61) فغزواللاهوت للفهم، كما وقع في حالة جاليليو، "قد يعطل جميع جهود العقل البشري... ويجب حتى يتمتع اللاهوت الفلسفي بكامل الحرية على قدر ما يمتد إليه فهمه"(62).

ويستنبط كانت مشكلات الأخلاق من وراثة الإنسان لنوازع الخير والشر. "لا حاجة لإقامة الدليل صورياً على حتى نزعة الفساد لا بد متأصلة في الإنسان وذلك لكثرة الأمثلة الصارخة التي تضعها الخبرة أمام أعيننا"(63). وهولا يوافق روسوعلى حتى الإنسان يولد خيراً أوكان خيراً في "حالة الطبيعة"، ولكنه يتفق معه في إدانة "رذائل الحضارة والمدنية" لأنها "أشد عيوب أذى"(64)، "والواقع حتى هذا السؤال ما زال بغير جواب، وهو، ألا تكون أسعد في حالة غير متحضرة... مما نحن في حالة المجتمع الراهنة"(65) ما فيهمن استغلال ونفاق وخلل أخلاقي وتقتيل بالجملة في الحرب. وإذا شئنا حتى نعهد طبيعة البشر الحقيقية فيكفي حتى نلاحظ سلوك الدول.

ولكن كيف من الممكن أن بدأ "الشر المتأصل في طبيعة البشر"؟.. إنه لم يبدأ بسبب "الخطية الأصلية"، "فلا ريب في حتى أشد التفسيرات كلها سخفاً لذيوع هذا الشر وانتشاره في جميع أفراد وأجيال نوعنا هوالتفسير الذي يصفه ميراثاً منحدراً إلينا من أبوينا الأولين"(66). وربما كانت النوازع "الشريرة" قد تأصلت في الإنسان تأصلاً قوياً لأنها كانت ضرورية للبقاء في الأحوال البدائية، وهي لا تصبح رذائل إلا في المدنية-في المجتمع المنظم، وفيه لا بحاجة إلى القمع بل إلى الضبط(67). "فالميول الطبيعية، إذا نظرنا إليها في ذاتها، خيرة، أي أنها لا تلام، ومحاولة القضاء عليها ليست عديمة الجدوى فحسب، بل ضارة ومستحقة للوم. والأولى حتى نروضها، وبدلاً من حتى يصطدم بعضها ببعض يمكن حتى ينسق بينها لتنسجم في جميع يسمى السعادة(68). والخير الأخلاقي هوأيضاً غريزي، كما يشير على ذلك الحس الأخلاقي في جميع الناس، ولكنه في أول الأمر ليس إلا حاجة، لا بد من تنميتها بالتعليم الأخلاقي والتهذيب الشاق. وأفضل الأديان ليس الذي يفوق غيره في التمسك الدقيق بالعبادة الطقسية، بل أعظمها تأثيراً في الناس ليحيوا حياة أخلاقية(69). والدين القائم على العقل لا يبني نفسه على وحي إلهي، بل على إحساس بالواجب يفسر على أنه أقدس عنصر في الإنسان(70). ومن حق الدين حتى ينظم نفسه على هيئة كنيسة(71)، وله حتى يحاول تحديد عقيدته بالأسفار المقدسة، وأن يعبد، بحق، المسيح بوصفه أعظم البشر شبهاً بالله، وأن يعد بالجنة وينذر بالنار(72)، و"لا يمكن تصوير دين لا يحتوي على اعتقاد بحياة آخرة"(73). ولكن لا ينبغي حتىقد يكون ضرورياً للمسيحي حتى يؤكد إيمانه بالمعجزات، أوبلاهوت المسيح، أوبالتكفير عن خطايا البشر بصلب المسيح، أوبالحكم المقدر على الأرواح بالجنة أوالنار بالنعمة الإلهية تمنح دون نظر إلى الأعمال الصالحة أوالشريرة(74). و"من الضروري حتى نغرس بعناية بعض أشكال الصلاة في أذهان الأطفال "الذين لا يزالون في حاجة إلى حرفية الدين)(75).، ولكن صلاة الضراعة "التي يتوسل بها لكسب النعمة الإلهية وهم خرافي"(76).

أما حين تنقلب كنيسة ما مؤسسة لإكراه الناس على الإيمان أوالعبادة؛ وحين تزعم لنفسها الحق الأوحد في تفسير الكتاب المقدس وهي تعريف الأخلاقية، وحين تكون كهنوتها يدعي لنفسه سبل الاتصال وحده بالله والنعمة الإلهية؛ وحين تجعل من عبادتها مجموعة طقوس سحرية لها قوى معجزية؛ وحين تصبح ذراعاً للحكومة وأداة للطغيان الفكري؛ وحين تحاول حتى تتسلط على الدولة وتستخدم الحكام الفهمانيين مطايا للطمع الكهنوتي-عندها يثور العقل الحر على كنيسة كهذه، ويبحث خارجها عن ذلك الدين العقلي الخالص، الذي هوالسعي لبلوغ الحياة الأخلاقية(77).

وقد تميز هذا الأثر الكبير الأخير من آثار كانت بالتذبذب والغموض الطبيعيين في رجل لا ولع له بحياة السجون. ففي الكثير من الحشو"السكولاستي"، ويشوبه العجيب من تشقيقات المنطق ومن اللاهوت المفرق في الخيال. ومع ذلك فالعجب العجاب مع رجل بلغ التاسعة والستين. حتى يظل مبدياً مثل هذه القوة في الفكر والقول، ومثل هذه الشجاعة في صراعه مع قوى الكنيسة والدولة مجتمعة. وقد بلغ الصراع بين الفيلسوف والملك ذروته حين (أول أكتوبر 1794) أوفد إليه فردريك وليم الثاني الأمر التالي الصادر من المجلس الملكي:

"إن شخصنا البالغ السموقد لاحظنا طويلاً باستياء شديد كيف من الممكن أن تسيء استخدام فلسفتك لتقوي وتحط من قدر الكثير من أبرز وألزم تعاليم الأسفار المقدسة والمسيحية، وكيف أنك على التحديد، عملت هذا في كتابك "الدين في حدود العقل وحده"... ونحن نطالبك فوراً بجواب غاية في النزاهة، ونتسقط أنك في المستقبل، تجنباً لسخطنا الشديد، لن يبدر منك ما يسيء كهذا الذي بدر، بل على العكس فإنك طبقاً لمقتضيات واجبك ستستخدم مواهبك وسلطتك لكي يتحقق هدفنا الأبوي أكثر فأكثر. إما إذا تماديت في المقاومة فلك حتى تتسقط بالتأكيد حتى تجر عليك المقاومة عواقب وخيمة"(78).

ورد كانت رداً ملؤه الاسترضاء. فذكر حتى كتاباته لم يوجهها إلا للدارسين واللاهوتيين، الذي ينبغي صيانة حرية تفكيرهم لصالح الحكومة ذاتها. ونطق حتى كتابه قد سلم بقصور العقل في الحكم على الأسرار النهائية للإيمان الديني. ثم اختتم بتعهد الطاعة: "إنني بوصفي خادم جلالتكم المخلص جميع الإخلاص أعرب هنا إعلاناً قاطعاً أنني منذ الآن سأمتنع كلية عن جميع التصريحات العلنية عن الدين، الطبيعي منه والموحي، سواء في المحاضرات أوالمؤلفات. "فلما توفي الملك (1797) أحس كانت أنه في حل من وعده؛ ثم حتى فردريك وليم الثالث عزل فولنر (1797) وألغى الرقابة، وأبطل المرسوم الديني الصادر في 1788. وبعد هذه المعركة أجمل كانت نتائجها في كتيب سماه "صراع الملكات" (1798)، يردد فيه دعواه بأن الحرية الأكاديمية لا غنى عنها للنموالفكري للمجتمع. ونحن إذا نظرنا إلى الأمر في جوهره، تبين لنا حتى الأستاذ القصير القامة، القابع في ركن قصي من أركان المعمورة، قد انتصر في معركة ضد دولة تملك أقوى جيش في أوربا. وستنهار الدولة عما قريب، ولكن ما وافى عام 1800 حتى كانت خط كانت أبلغ الخط تأثيراً في حياة ألمانيا الفكرية.