معركة حمص 1832

عودة للموسوعة

معركة حمص 1832

ابراهيم باشا، مع والده محمد علي باشا والكولونل سيڤ (سليمان باشا الفرنساوي، إلى اليمين).

معركة حمص (8 يوليو1832) كانت الجولة الثانية في الحرب المصرية العثمانية في عهد محمد علي باشا.

في ساحة الحركات

في أوائل مايوعام 1832 ، كان معظم الجيش العثماني قد تجمع في قونية ، على السفح الذي يقع شمالي طوروس ، واحتلت أدنة بعض الوحدات فيما يلي الجبال المذكورة من الجنوب .

وفي 14 مايوكان حسين باشا يقيم مع جيشه في قونية ، لايبدي حراكا وكأنه لايتأهب لمعارك أوحروب ، تاركا الحبل على الغارب للجنود : لاتدريب أومناورة ولا استعداد ولا نصائح للضباط أوتوجيه . فعاثوا فسادا ، ونسوا جيادهم فلا عناية بأمرها ولا علائف تقدم لها . وعبثا ما حاوله الضباط الأوروبيون في هيئة أركان حرب القائد ، بل قل ضاعت جهودهم هباء منثورا .

وعلى نقيض ذلك ، كانت الحال في صفوف الجيش المصري . نشاط موفور ملحوظ بين الجند وضباطهم ، معنوية عالية نتجية لفوزات في الستة أشهر ، تدريب متوافر وتطعيم لروح الحرب بين أفراد وحدات الإمدادات ؛ تصلهم بين الفينة والفينة أبناء زملائهم في الميادين الجنوبية .

كان محمد علي يلاحق بالآلايات المدربة أولا بأول . فوصلته الآلايات المشاةخمسة و18 و20 والآلاي الثامن الخيالة و30000 بدوي لسد خسائر الوحدات ، وملئ المراكز الشاغرة ، لتمسى مرتبات الحرب كاملة وسفن العتاد تواصل الليل والنهار في موانئ الشام التي باتت كلها خاضعة للقوات المصرية . وأسرع إبراهيم باشا في إصلاح ثغرى عكا وحيفا بمعاونة الكولونيل المهندس (Romei) الفرنسي لتكونا قاعتدين ساندتين للحملة المصرية وساعده في ذلك 400 من جنود المهندسين و2000 من العمال . وكان الآلاي العاشر المشاة وقليل من الخيالة تتولى حراسة خطوط مواصلات القاعدة .

وهنا كان على إبراهيم باشا حتى يعمل فورا ، دون مضيعة للوقت ، واقتناصا للفرصة السانحة . فما كان بوسعه حتى يبدد الوقت في السرور والحفلات . وعلى عاتقه أهداف أخرى ينبغي حتى يصلها ببعضها وإلا تلاشت الظروف المهيأة ، وباغته جيش السردار حسين باشا ، الذي انتهى من حشده في الأناضول .

لقد أراح جنده ، وتمتعوا بنوم هادئ بعض الليالي تحت قبة السماء الصافية ، وانتهى من ترتيب الشئون العسكرية في عكا ، وتقدم برأسه المفكر ينظم الخطوط الرئيسية في الجولة الثانية إلى دمشق .

زايل عكا في يومتسعة يونيو(1832) في جيش مؤلف من 18 ألف جندي ، نصفهم من الوحدات النظامية ، قاصدا دمشق ، تلبية أوإذعانا لأمر محمد علي . لأن الاستيلاء عليها وعلى حلب وعكا وطرابلس معناه الاستيلاء على الشام كلها . ولما كان الوالد يعتقد كما استوعب نابليون من قبل حتى النصر يحب التقدم الذي تؤارزه الكتائب اللجبة "La vicoire aime a marcher des gros bataillons." لذلك نشاهده يمد ابنه القائد بالوحدات والعتاد التي يتطلبها الموقف العسكري أولا بأول .

وفي 14 يونيو، وصل إبراهيم باشا الظافر ضواحي دمشق ، برفقة الأمير الشهابي ، على رأس 18000 من المقاتلين (1000 من الجنود النظامية) بعد مصادمة غير عنيفة بالأتراك الذين ولوا أمامه هاربين . ودخل دمشق في 16 يونيو، فقابله الأهالي بفرح واغتباط . وجعلها مقر الحكومة المصرية في الشام . ورتب الإدارة فيها على نسق حديث ، وعين عليها إبراهيم يكن باشا حاكما ، وأقام لها حامية من الآلاي الثاني المشاة وأورطة من الآلاي الخامس والآلاي الخيالة الثامن .


معركة حمص

اضطر إبراهيم باشا حتى يمضى أسبوعين في دمشق إزاء الأنباء التي اتىته بانتشار الكوليرا في حمص حرصا على سلامة جيشه ، ولم يبدد هذه الأيام هباء ، إذ راح يعد العدة لأسباب التقدم ، ويدرب جنده . أما حسين باشا فإنه – قبالة ضغط ضباطه الأوروبيين – قد تخلى عن مراكزه حول أدنه ، وتقدم إلى أنطاكية ثم أوفد محمد باشا والى حلب ، على قيادة مقدمة الجيش وأمره بأن يحصن نفسه في حمص . والمسافة بين أنطاكية وحماه لا يستهان بها . ولا ندري كيف من الممكن أن أمر السردار أكرم قائد مقدمته بأن يبعد عن الجيش ... هل يا ترى نسى تعليمات المقدمة في قانون الحرب ؟

فلما فهم إبراهيم بالخطأ الذي اقترفه حسين باشا ، عزم على الاتصال بمقدمة الجيش الهجري وسحقها ، ثم مهاجمة باقي الجيش بعد ذلك . فزايل دمشق زاحفا على حمص التي كان القائد الهجري محمد باشا قد وصل إليها ، واستدعى من بعلبك وطرابلس بعض وحداته التي كانت تحت قيادة عباس حلمي باشا وحسن المناسترلي .

فصارت القوة ؛ التي تجمعت تحت قيادة إبراهيم باشا لدى وصوله إلى مشارف حمص في الجنوب ، حوالي ثلاثين ألف مقاتل (مانجان جـ ثلاثة ص 42) ورأى أمامه المعسكر العثماني إلى جنوبي حمص ذات القلعة المهدمة وتحت أسوارها

أوضاع الجيش الهجري والمصري

كان محمد باشا يثق بالإنتصار على خصمه "إبراهيم باشا وفلاحيه" بل أوهمه اعتقاده حتى سيفوز وحده في معركة حمص وينال المجد بمفرده وبدون سرداره .

وفي صبيحة يومسبعة يوليووصل حمص وكانت أسوارها في حالة طيبة ، تحيط بها الحدائق والقنوات التي يتسنى إعدادها لوسائل الدفاع . أما جنوده فقد أنهكها التعب ، وأسقمها السير الطويل فحطوا بأسلوبهم شمال المدينة ، على شاطئ الأورنت . بينما اقتنع القائد أنه في مأمن من جنود إبراهيم باشا – فأجل إلى الغد وضع خططه وتدابيره وبدأ يستعد لتشريف الحفلة الأنيقة التي أعدها له ولضباطه – الباشا وإلى حلب – تكريما لشخصه .

وبينما كان يتنعم بما لذ وطاب مما تشتهيه النفس من أضراب الطعام العثماني ، وألوان الشراب السوري ، كان جنده غادروا مخيمهم يتضورون جوعا في أسواق المدينة يخطفون الخبز وشرائح اللحم ، وحدثا وصلت إليه أيديهم .

وفي مساء يومسبعة يوليو(أيضا) كانت وحدات الجيش المصري قد اجتازت مسافة طويلة وصارت على مسيرة خمس ساعات من حمص . عملم قائدها الكبير بوصول الجيش الهجري إليها .

وكانت الوحدات المصرية تتألف من ثمانية آلايات مشاة وستة خيالة و38 بترة مدفعية ، ومجموع القوة حوالي 30.000 مقاتل يضاف إليها البدوغير النظاميين . وقد أفاده هؤلاء – وهم مهرة في أعمال الاستكشاف – بوجود الجيش العثماني .

وتناقل المعسكران المعلومات بوساطة عيونهما ، فأدرك محمد باشا ، وسط ضجيج الحفل والمرح ، تحرج الموقف ، فجمع كبار ضباطه لتقرير المصير . وهنا ارتأى البعض حتى الأصوب التقهقر المنظم إلى مسقط آخر بينا فضل آخرون خطة التحرك والقضاة على الجيش المصري .

ولامرية أنه كان من الأصوب في مثل هذا الموقف ، الذي كان فيه الباشا وجيشه ، التقهقر تجاه حلب ، للاتصال بقيادته العليا في أنطاكية وبالاّف الأهالي الموالين للأتراك ، واستهواء إبراهيم باشا إليهم حيث يسهل عليها إدارة المعركة حسب مشيئتها . ولكن هل يتفق هذا الرأي وحبه للمجد وهوقاب قوسين أوأدنى منه . إذن ليتقبل المعركة ، ويتحدى إبراهيم باشا ، في سبيل شهوه المجد .

وقادته فطنته بأن يلتزم خطة الدفاع ، ويشبك نفسه بحمص ، متخذا منها تكأة لحمايته ومن القناوات والمباني المهدمة والأشجار موانع يقاتل جنده خلفها .

كان هذا حسن لواستبسل رجاله في الدفاع والتشبت بمواقعهم . وبذا يعرقل تقدم جيش إبراهيم ويؤخره أياما ، فيعطي الفرصة للمشير حسين باشا باتخاذ الخطة الصالحة في الوقت والمكان المناسبين له وفي الصباح المبكر من يومثمانية يوليو، أزال محمد باشا معسكره ، ونشر جل قواته قبالة جنوبي المدينة أمام مزارعها الغناء.

وزع جيشه في صفوف ثلاثة . وضع في الصف الأول أربعة آلايات مشاة نظامية عبر الطريق الموصل من حمص إلى دمشق تتكئ ميمنته على الزاوية الكبرى للقناة المتصلة بنهر الأورنت . وميسرته في فضاء الصحراء . وخلف الصف الأول الصف الثاني ، وضع فيه آلايين وآلاي خيالة عبر الطريق بين الأورنت ودمشق ويدعم بها قلب وميمنة الصف الأول . وإلى شرق الطريق المذكور ، عند أكمة وضع آلايا آخر من الخيالة لتسند ميسرة الصف الأول .

وفي الصف الثالث ، الذي امتد بين الأورنت وضيعة مخربة ، تبعد حوالي 1.800 متر عن جنوب شرقي حمص ، وضع قواته غير النظامية وآلايا من الخيالة النظامية لحماية ميسرته .

إلى غير ذلك وزع مشاته وخيالته ، أما توزيع مدفعيته فتم على الوجه الآتي : وزع مدافعه بين صفوف وحداته الآنفة الذكر بمعدل مدفع في جميع أورطة مشاة ومدفعين في جميع آلاي خيالة . وصف 21 مدفعا في مواقع مختارة خلف ميمنة قواته .

تحركات الجيش المصري

وبنيما كان الجيش الهجري يتخذ أوضاعه المذكورة ، في أحوال سادها الهرج والمرج ، كان الجيش المصري ، الذي قضى ليلته على مقربة من طاحونة قديمة بالقرب من قصير ، قد طفق مسيره في فجر يومثمانية يوليه متجها صوب حمص . وكان ترتيب سير القوات كالآتي : في المقدمة "الآلايات المشاة" 12 و13 و18 يتبعها آلاي الحرس . والآلايان الخامس والحادي عشر (المشاة) واتخذت جميع أورطة في تشكيل قول مزدوج مفتوح (غير تام الانتشار) أما الآلاي الثامن فكان في الاحتياط ، خلف منتصف القوة .

أما المدفعية فكانت ثلاث بطاريات منها في الصف (الخط) الأول ، وأربع بطاريات وأيوسين بين الصف الأول والثاني .

وكان توزيع الخيالة على لانسق التالي : ثلاثة آلايات على كلا جانبي التشكيل كله – في ميمنته كما في ميسرته ، وتحرس القوات غير النظامية من البدوأطراف الأجناب للقوات الإحتياطية .

وقد كان يسمح هذا التوزيع أوالتشكيل لقائد الجيش – إبراهيم باشا بأن يقوم بالمناورة بحرية واسعة ، حسبما تمليه عليه طبيعة الأرض التي سيتقدم عليها ، وحسبما تصله المعلومات عن حركات العدو، غير خطته في اللحظة الأخيرة إلى هجوم مضاد . وكانت الأرض إلى شرق الضيعة المخربة تسمح لإبراهيم بمناورة يقوم بها بحركة التفاف واسعة حول ميسرة الأتراك ، وهي أضعف نقط في خط دفاعهم ، والتي لم ترتكز على موانع قوية تكسر من حدة الهجوم المصري إذا لم نقض عليه .

وأخيرا اتخذ إبراهيم باشا قراره النهائي : "يقوم قلب الجيش المصري بالهجوم على قابلة الجيش الهجري بكل قوته ، يطفى بمشاته وخيالته ومدفعيته نحوميسرة الأتراك فيحركة التفاف واسعة ، بينما تقوم بعض مشاته بهجوم خادع بموازاة نهر الأورنت لشغل ميمنة الأتراك في خطيه الأول والثاني ، وبذلك يربك عملهم نهائيا . "يتجه لواء الخيالة الثاني (الآلايان 2 و4) والآلاي الثالث الرماحة المدرعين نحوالضيعة المهدمة ، وعند وصولها لأنسب المواقع تفتح تشكيلها بين لاضيعة المذكورة والمزارع (جنوبي حمص) وتلف حول ميسرة المؤخرة الهجرية . "آلاي الحرس والآلاي المشاة 18 تدعم القوة السابقة وتفتح تشكيلها عند وصولها إلى غرب وجنوب غربي الضيعة المهدمة . "بطارية مدفعية وأيبوسان تتخذ مواقعها المناسبة حيال الضيعة . بينما تجري هذه الحركات تأخذ الآلايات 13 و18 مواقعها في الأمام ويأخذ الآلاي الخامس مكانه بدلا عن الآلاي الثاني عشر وتفتح وحداتها على طريق دمشق الكبير أمام قوات الأتراك في الصف الأول . "في الوقت نفسه تقوم قوة منفصلة مكونة من الآلاي الحادي عشر المشاة والآلاي السادس والسابع الخيالة وبطارية مدفعية بالتقدم نحوالأرض الواقعة بين نهر الأورنت والقناة (وتشبه الجزيرة أوالدلتا) لمهاجمة ميمنة الأتراك وكإحتياطي لها الآلاي السابع المدرع في الصف الثاني – ولدى ظهورها تولى الرغب قلوب الأتراك ، وتحطمت أعصابهم ، فاضطر القائد إلى إصدار أوامره إلى أورطتين في اليمين لتغيير لقاءتها لصد العدوالمفاجئ ، ولكن كان الهرج قد عم الميدان .

لقد بلغ القتال عنفوانه – المعركة في الساعة الخامسة مساء والمدفعية المصرية تقذف نيرانها الشديدة على صفوف الأتراك ، فتسدد إصاباتها بكل دقة وإحكام ، وترد عليها مدفعية الأتراك بدون خطة محددة وتتبعثر طلقاتها هنا وهناك . بينما وهنت روح مشاتهم في الميمنة فانضموا إلى زملائهم في القلب .

والآن تصل المعركة إلى لحظاتها الفاصلة . ورأى إبراهيم باشا حتى يستهل الهجوم الساحق ، فأمر آلايات الفرسان 2 وثلاثة وأربعة ومكانها على ميمنة صفوفه بالزحف شرقا (كالخطة الموضوعة) لتقوم بحركة الالتفاف حول ميسرة الهجر وتولى بنفسه قيادة هذه المعركة لأن على نجاحها يتوقت مصير المعركة .

تحرك الفرسان الشجعان واجتازوا الضيعة المهدمة بنحوألفين إلى ثلاثة آلاف ياردة وتقدموا المهاجمة الخيالة الهجر غير النظاميين الذين كانوا على مقربة من الضيعة وكان الهجوم شديدا ومحكما . فتراجع الهجر وتفرقوا . واحتل المصريون الأرض الواقعة بين الضيعة وحدائق حمص ، ولما رأى الفرسان الهجر النظاميون ما حل بزملائهم غير النظاميين تقدموا لصد هجمة المصريين وقد نجحوا – فأمد إبراهيم باشا فرسانه بقوة من جنود الحرس والمشاة (12 آلاي) والمدفعية فأسقطوا بهم وفرقوهم ، ثم هجم معهم المشاة المصريون من لاقلب فارتبكت ميسرة الأتراك بعد مقاومة عنيدة ثم تقهقرت إلى الوراء وبذلك هزم الجناح الأيسر الهجري برمته وتخلى عن مواقعه .

أما قلب الجيش الهجري فقد اصطدم بنيران المصريين المحكمة . في الوقت الذي لم تمده مدفعيته بمعاونة كافية من النيران ، فبدأ ينثني . وقام محمد باشا بوزن وتقدير الموقف الذي أصبح حرجا بعد حتى أصبحت ميمنته ووسطه في حالة سيئة تهدد بالانهيار السريع . وكان ينبغي عليه استنادىء قواته الإحتياطية ليعزز بها المراكز التي ضعفت ويقوم بهجوم مضاد في ناحية الضيعة . لكن لم يعمل – ووجد حلا يائسا يخرجه من الورطة فأمر آلاي خيالة في ميسرة صفه الثاني بالهجوم على مدفعية المصريين الذين وصلوا إلى الضيعة كما أمر آلاي مشاة في قلب الصف الأمامي (وكان هذا الآلاي يرتكز على الآلاي الميسرة في الصف الثاني للقيام بالهجوم بالسونكي لاقتحام الآلاي المصري الثاني عشر . وأسرع آلاي خيالته بتطبيق الهجوم ولكنه كان متعبا فكان هجومه غير منظم وقابلته مدفعية الحرس بنيرانها المحكمة – فدار وولى الأدبار – أما آلاي المشاة (الهجري) فتقدم من القلب كالأمر الذي صدر إليه ولكن أوقفته نيران الآلاي الخامس المصري ثم هاجمه من الجنب الآلاي 12 المصري في تشكيل مدرج من الميمنة . ولم يعمل شيئا لمقاومة الهجوم المصري .

ويسدل الليل ستاره . وتحت ظلام الليل يمتطي محمد باشا جواده قاصدا مدينة حمص ، وبدا جميع قائد يبحث عن وسيلة لينقذ نفسه ، واقتدى الضباط بقادتهم ، ثم بدت الفوضى والهزيمة والذعر ، حين تأتي دور الجند في هجر صفوفهم وولوا الأدبار مدحورين .

ولقد خال للمصريون حتى الأتراك – بعد لم ضمهم في الليل – سيعاودون القتال ، إذ كانت قلعة حمص تحمى ظهورهم . ومرت لحظات تسقط المصريون حتى يعاود الهجر الكرة ويستأنفوا القتال ، ولكن شيئا من هذا لم يقع! ولم يفكر الهجر في معاودة القتال . فتقدم إبراهيم باشا بحذر على رأس جيشه الظافر محتلا المواقع التي أخلاها الهجر . وأعاد تنظيم قواتها وصفها على شكل مربع ووضع المدافع زواياه الأربع . فازداد مركزه منعة بينما كان الأتراك يمعنون في الانسحاب مكسورين . وبادر إبراهيم باشا فأوفد إلى أبيه ينبئه بهذا النصر الكبير الذي عهد عند المصريين بيوم هزيمة الباشوات .

وكانت خسائر الهجر في معركة حمص جد جسيمة – 2000 قتلى و2500 أسرى واستولى المصريون على عشرين من مدافعه علاوة على ذخائره وعتاده . أما خسائر المصريين فلم تزد عن 102 من القتلى و162 من الجرحى .

وفي اليوم التالي ولج المصريون حمص (9 يوليو) بينما كان الهجر يعدون صوب حلب وأنطاكية . وغلب خيالتهم النظامية على أمرهم فاستولى غير النظاميين على جيادهم يمتطونها! .


نقد عمليات الجيشين

يجد المعلق الناقد لحركات الجيش الهجري مادة مستفيضة من الأخطاء التي اقترفتها القيادة . فبعد حتى قررت الخروج من حمص لقبول المعركة صفت قواتها في خطوط متقاربة بدون عمق كاف . فضلا عن عدم تفكيرها بوضع احتياط ينتفع به في الوقت المناسب للقيام بهجوم مضاد . فقد كان صفه الثالث هزيلا (راجع الأوضاع السابقة) وكان تشكيل أوضاعه خطيا (formation lineaire) فلم يعد قادرا على القيام بحركة مناورة لها تأثير ناجح على سير المعركة ، ولم تنتفع بطبيعة الأرض إلا من ناحية الميمنة (نهر الأورنت والقناة) ومع ذلك فقد كرم محمد باشا في هذه الجهة معظم قواته ، وهجر ميسرة جيشه في الهواء لاتعتمد على قوات أوموانع . كما أنه لم ينتفع بالحدائق أوالتخوم التي تحيط بجنوب حمص وهجرها والضيعة المهدمة لعدوه الذي انتفع بها تماما .

ولم يعهد كيف من الممكن أن يوجه مدفعيته في نيران متجمعة على وحدات المصريين ، بل نثر توزيعها على أهداف كثيرة. وبالاختصار كانت أوضاع الأتراك وتوزيع قواتهم لايسمح بأي نجاح سواء في حالة الدفاع أوفي حالة الهجوم المضاد . فقد أهملوا المبادئ الرئيسية للقتال الناجح .

أما في ما يخص حركات المعركة من الجانب المصري فقد كانت جميع دقائق الخطة محبوكة من الطرفين واتسمت جميع حركة بالنشاط والبراعة في تطبيقها . فقد نظر إبراهيم باشيا جليا إلى نوع المناورة التي يعملها مهتديا بطبيعة الأرض وبتوزيع قوات خصمه وموقفه – فكانت الأوضاع التي اتخذها في توزيع قواته متفقة جميع الاتفاق مع التكتيك المثالي وطاقته التي يستطيع بها تطبيق الحركة من تقدم أوهجوم جانبي أوجبهي أوتقهقر (وهذا لم يفكر فيه أبدا) وكانت وحداته موزعة في عمق كاف يسمح له بالسيطرة على تطبيق الحركات وفقا لما ينبغي . وأحسن تعبير لبراعة مناورة إبراهيم نجده في تعبير المارشال فيجان في كتابه المعروف . "La manouvre etait en germe dans le dispositif initial de son armee".

وكانت حركة الإلتفاف حول جنب القوات الهجرية رائعة كما أسلفنا محبوكة في تفاصيلها ومجموعها . كذلك كان هجومه على ميسرة الهجر . وكان استخدام المدفعية يسير حسب خطة موضوعة لاهباء ولا ارتجالا ، وهي قواعد المدرسة الحربية الحديثة التي وضع أسسها نابليون ، وفهمها سليمان بك ، وهضمها إبراهيم ، فعهد كيف من الممكن أن ينتفع بها . هي الأسس التي أهمها مرونة الخطة ، والقدرة على تطبيقها والسرعة في إنجازها ، وأثر المفاجأة الذي ستحدثه على العدو.

ففي معركة حمص تقابل وجها لوجه للمرة الأولى جيشين شرقيين ، أسلحتهما واحدة ، وأسلوب حربهما متقنة . فكان النصر من نصيب الجانب الذي تفوق في تنظيمه ونظامه في القتال وروح قيادته العليا ، وفي هذه المعركة هدم الجمود أمام الحركة والسرعة .

أجل . في معركة حمص بانت روح القيادة المنظمة التي تسود الجيش المصري ومحى الجنود المصريون هزيمتهم ، أوبعبارة أوضح أسلافهم التي لحقت بهم في عام 1517 (معركة مرج دابق) حينما اعتدى السلطان سليم على استقلال مصر وهزم سلطانها الغورى .

وفي التقرير الذي حمله إبراهيم لأبيه عن المعركة ، نطق عن العدو : "لم أر في حياتي هزيمة كهزيمة العدو. فإني لا أغالي إذا قلت أنه لوزحف على مئتا ألف أوثلاثمائة ألف من عساكره لما نبض لي بسببهم نبض أواكترثت بهم ، ونحن بمشيئة الله ظافرون بأولئك العساكر أينما وجدوا . وقد أوفدنا الأسرى إلى عكا وأمرنا ديوان أفندي بأن يقبل في التقاعد جميع من يريد تسجيل اسمه فيه ويرسل من يرغب في العودة إلى وطنه إليه في مصر أوغيرها . وقد بلغ عدد القتلى منذ 102 والجرحى 162 وخسرنا 172 جوادا

تاريخ النشر: 2020-06-04 13:54:20
التصنيفات: معارك الحرب المصرية العثمانية, 1832

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم على «صحراوي البحيرة»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:24
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 68%

رحلات سياحية للمتعافين من تعاطى المخدرات بمراكز العزيمة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:10
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

إصابة سيدة و3 أطفال إثر اشتعال النار في ميكروباص بقنا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:22
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

عبدالوهاب: التموين تتحمل فارق السعر في الزيت تخفيفا عن المواطنين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:11
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

إحباط محاولة تهريب هواتف محمولة بمطار القاهرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:23
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

«مدبولى» يوجه بزيادة الدعم المقدم إلى التصدير الخاص بإفريقيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:12
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

مؤتمر كلوب عن المشاكل الدفاعية ومواجهة رينجرز ومستوى نونيز

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:16
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 69%

منتخب الشباب يستقر على إقامة معسكر مغلق فى نوفمبر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:16
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

البحث العلمي: مصر في المرتبة الـ54 في مؤشر الابتكار العالمي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:04
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

كيف تخطط لتنفيذ مشروع صغير أو متوسط ناجح ؟ خبير اقتصادي يجيب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:21:25
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

رئيس مجلس النواب يهنئ الرئيس السيسي بذكرى انتصارات أكتوبر

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-03 15:20:54
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية