الدين في روما القديمة

عودة للموسوعة

الدين في روما القديمة

الدين في روما القديمة بالإنجليزية Religion in ancient Rome ، هي الديانة التي كان يعتنقها الرومان قديما. ولهم الكثير من الآلهة والأساطير المرتبطة بهم والتي كانت تدخل في صميم حياتهم اليومية.

التغيرات في إطار الإمبراطورية الرومانية

عبادة الإمبراطورية

لقد كانت الأسرة الرومانية رابطة بين الأشخاص والأمور، كما كانت رابطة بين الأشخاص والأمور من جهة والآلهة من جهة أخرى. وكانت هي المركز الذي يلتف حوله الدين، والخلق، والنظام الاقتصادي، وكيان الدولة بأجمعها، كما كانت هي المنبع الذي تُستَمد منه هذه المقومات كلها. وكان جميع جزء من أملاكها مهما صغر وكل مظهر من مظاهر وجودها يرتبط ارتباطاً وثيقاً جدّيّاً بالعالم الروحي؛ فكان الطفل يفهم بالقدوة الصامتة الفصيحة حتى نار الموقد التي لا تخمد ليست إلا رمز الإلهة ڤستا Vesta ومادتها، وأنها هي الشعلة المقدسة التي ترمز إلى حياة الأسرة والى دوامها؛ ومن أجل هذا كان من أوجب الواجبات ألا تنطفئ هذه النار، وأن يُعنى بها العناية "المقدسة"،

وأن تغذى بنصيب من جميع وجبة.وكان الطفل يرى فوق الموقد النصمات تتوجها الأزهار وتمثل آلهة الأسرة أوأرواحها المقدسة: إللار Lra الذي يحرس حقولها ومبانيها، وسعادتها ومصيرها؛ والبينات Penates أوالآلهة الداخلية التي تحمي ما تجمع للأسرة في مخازنها وأصونتها وبيادرها؛ وكان الإله يانوس Janus يحوم حول عتبة الدار وإن كانت الأعين لا تراه، وكان ذا وجهين، وليس معنى هذا أنه كان مخانادىً بل معناه أنه كان يرقب الداخلين والخارجين من جميع باب. وكان الطفل يفهم حتى أباه هوالحافظ للأسرة وأنه رمز القوة الخلاقة الداخلية (genius) التي لا تفنى بفناء الجسم بل يجب حتى تغذى على الدوام عند قبر الأب. وكانت الأم هي الأخرى تحمل ربّاً من الأرباب،

وكان عليه حتى يعاملها أيضاً معاملة الآلهة. وكان فيها يونوJuno وهوروح قدرتها على الحمل يقابل قدرة الأب على الخلق. وكان للطفل أيضاً يونوه Juno وهوملاكه الحافظ وروحه أوالنواة الإلهية في غلافه الفاني. وكن ينطق له قولاً يبعث في قلبه الرهبة، إنه يحيط به من جميع مكان أطياف رحيمة Di Manes هي أطياف الذكور من أسلافه التي كانت أقنعة وجوههم الرهيبة معلقة على جدران المنزل تحذره من حتى يتنكب طريق هؤلاء الأسلاف، وتذكره بأن الأسرة لا تتألف فقط من أولئك الذين كانوا في الأيام الخالية أوسيكونون في الأيام المقبلة أعضاء فيها بأجسامهم، والذينقد يكونون لهذا السبب جزءاً من مجموعها الروحي ووحدتها الأبدية. وكانت أرواح أخرى تأتي لمعونته حدثا كبر: فكوبا Cuba تحرسه وهونائم وأبيونا Abeona تهدي خطاه، وفبيولينا Fabulina تفهمه الكلام. وإذا ما غادر المنزل عثر نفسه مرة أخرى في حضرة الآلهة أينما حل. وكانت الأرض نفسها آلهة فهي تارة تلس Tellus وتارة ترا ماتر Terra Mater أي الأرض الأم، وكانت أحياناً هي مارس Mars أي الأرض التي يطؤها بقدميه وخصبها المقدس، وأحياناً تكون هي الآلهة الصالحة Bona Dea التي تمد النساء والحقول بالأرحام الخصيبة.

وكان في المغرسة إله معين لكل عمل وكل بقعة فيها، پومونا Pomona للبساتين، وفونس Faunus للماشية، وپالس Pales للمراعي، واسهجريولس Sterculus لأكوام السماد، وساترن Saturn للغرس، وسيريز Ceres للحاصلات، وفـُرناكس Fornax لتحميص الذرة في التنور، وڤلكان Vulcan لإيقاد النار.

وكان يشرف على الحدود الإله العظيم ترمينس Terminus وهويتمثل ويعبد في الحجارة والأشجار التي تحدد المزارع. وإذ كانت غير الروماني تتطلع إلى السماء، فإن الرومان أنفسهم لمقد يكونوا ينكرون حتى فيها هي الأخرى آلهة، ولكن المحور الذي كانت حوله أعظم مظاهر تقواه وإيمانه وأخلص كفارته واستعطافه كان هوالأرض أم حياته ومصدرها، ومنزل أمواته، والمربية الساحرة للبذور النامية. وإذا ما حل شهر يناير من جميع عام أقيمت الصلوات للارات Lares الأرض في عيد ملتقى الطرق Compitalia أوCorssroads البهيج؛ وإذا أقبل شهر يناير قدمت الهدايا الغالية سقماة لتلس Tellus واستدراراً لعطفه على جميع المزروعات؛ وفي شهر مايومن جميع عام يسير كهنة "إخوان أرفال Arval" إلى أخوان الحرث في موكب غنائي حول حدود المزارع المجاورة لهم يطوقون الحجارة بتيجان من الزهر، ويرشون عليها دماء الأضاحي، ويدعن المريخ (الأرض) حتى تخرج الفاكهة الموفورة. ويرى من هذا حتى الدين كان يؤمن الملكية، ويزيل مسببات الشحناء، ويكرم العمل في الحقول، فينشئ فيه الشعر، ويؤلف فيه المسرحيات، ويقوي الجسم والروح والإيمان والعمل.

ولم يكن الروماني، كما كان الإغريقي، يفكر في آلهته كأن لها صوراً كصور الآدميين، ولم يكن يسميها إلا مونينا Munina أي الأرواح، وكانت هذه الآلهة في بعض الأحيان معنويات مجردة كالصحة، أوالشباب، أوالذاكرة، أوالحظ، أوالشرف، أوالأمل، أوالخوف، أوالفضيلة، أوالعفاف، أوالوفاق، أوالنصر، أوروما. وكان منها أرواح للسقم يصعب استرضاؤها كالأطياف وأرواح الموتى؛ ومنها أرواح فصول السنة، مثل Maia روح شهر مايو؛ ومنها آلهة الماء مثل نپتون Neptune، وأرواح الغابات أوالآلهة التي تسكن الأشجار مثل سيلڤانس Silvanus. وكان بعضها يتقمص الحيوانات المقدسة كالحصان أوالحيوان الذبيح، أوالأوز المقدس الذي كان المتقون يحتفظون بها فوق الكبتول لا يناله أحد بأذى، ومنها أرواح التناسل والإنتاج: تتومس يشرف على الحمل، ولوسينا تحمي الحيض والولادة، وكان بريابس Priapus ألهاً للإخصاب عند اليونان، ولكنه سرعان ما سكن روما، وكانت العذارى والأمهات (إذا كان لنا حتى نصدق القديس أوغستين الغاضب) يجلسن على قضيب تمثاله ليضمن بذلك استعدادهن للحمل(2).

وكانت صور خليعة فاحشة لهذا الإله تزين كثيراً من الحدائق، وكان السذج من الأهلين يلبسون صوراً صغيرة منه ظاهر فيها قضيبه لتهبهم القدرة على التناسل أوترد عنهم "العين الحاسدة". وجملة القول إننا لا نعهد قط ديناً يبلغ فيه عدد الآلهة ما بلغه عند الرومان، ويقدرها فاروبثلاثين ألفاً، ويشكوبترونيوس من حتى بعض المدن الإيطالية كان فيها من الآلهة أكثر ممن فيها من الرجال؛ لكن الذين يسميهم بترونيوس deus لمقد يكونوا كلهم آلهة؛ لأن حدثة deus كانت تعني عند الرومان قديساً أوإلهاً.

وكان يكمن تحت هذه الأفكار الأساسية حشد من العقائد الشعبية المتعددة الأشكال، من عبادة الطبيعة، والدكاكيرية fetishism، والطوطمية، والإيمان بالسحر، والمعجزات، والرقى، والخرافات، والمحرمات، ومعظمها عقائد باقية من أيام سكان إيطاليا فيما قبل التأريخ، ولعلها باقية من أيام أسلافهم الهندوربيين اتىوا بها من موطنهم القديم في قارة آسيا. وكان الكثير من الأمور والأماكن والأشخاص مقدساً (sacer) محرماً مسه أوتدنسيه، ومن هؤلاء الأشخاص الأطفال حديثوالولادة، والنساء في وقت الحيض، والمجرمون إذا أدينوا. وكانت مئات من الصيغ اللفظية أوالمبتكرات الآلية تستخدم للوصول إلى غايات طبيعية بوسائل خارقة للطبيعة. فكانت التمائم شائعة بينهم لا يكاد يخلومنها واحد منهم؛

وكان جميع طفل تقريباً يلبس "بلّة" Bulla أوطلمساً مضىياً معلقاً في عنقه. وكانت تماثيل صغيرة تعلق إلى الأبواب أوالأشجار لترد الأرواح الخبيثة. وكانت الرقى والتعاويذ تستخدم لمنع الأخطار، وللشفاء من الأمراض، وإنزال الماء من السماء، وإهلاك جيوش الأعداء، وإتلاف محصولات العدوأوإهلاكه هونفسه. ومن أقوال پلني Pliny في هذا: "كلنا نخشى حتى تصيبنا اللعنات أوالطلاسم بالسوء"(4). كذلك يرد ذكر الساحرات في أقوال هوراس Horace، وڤرجيل Virgil، وتبيولوس Tibulus، ولوشيان Lucian. وكان الاعتقاد السائد أنهن يأكلن الأفاعي ويطرن في الهواء ليلاً، ويعصرن السم من أعشاب لا يعهدها غيرهن، ويقتلن الأطفال، ويحيين الموتى.

ويلوح حتى الرومان جميعاً، إلا قليلاً من المتشككين، كانوا يؤمنون بالمعجزات، وبالفأل والطيرة، وبأن التماثيل تتحدث وتعرق ، وبأن الآلهة تنزل من جبل أولمپس Olympus لتحارب في صف الرومان، وبأن الأيام الفردية الأسماء محظوظة، والزوجية الأسماء منحوسة، وبأن الحوادث الغريبة تنبئ بالمستقبل. ويحتوي تأريخ ليفي على عدة مئات من أمثال هذا الإنباء يسجلها كلها بوقاره الفلسفي. وفي مجلدات پلني الأكبر Pliny من التنبؤات ووسائل العلاج السحري ما يصح لنا معه حتى نسمي تأريخه "تأريخ خوارق الطبيعة". وكثيراً ما كان يحدث حتى تؤجل أبرز الأعمال التجارية أوالحكومية أوالحربية أوتلغى إلغاءً تاماً إذا تشاءم الكاهن بأن عثر شيئاً غير مألوف في أمعاء ذبيحة، أوسمع قصف رعد في السماء. وكانت الدولة تبذل جميع ما في وسعها لتحد من الإسراف في هذه العادات،

وكان يطلق عليها اللفظ الذي يعبر عنها أدق تعبير وهولفظ Supersitis أي العقائد الدينية المفرطة. ولكنها كانت لا تقعد قط عن استغلال تقوى الشعب لتثبيت نادىئم الحكم والنظام الاجتماعي فكيفت آلهة الريف لتوائم حياة الحذر، وشادت موقداً قومياً للإلهة فستا، وعينت طائفة من العذارى الفستيات لتقوم على خدمة نار المدينة المقدسة، وأخرجت من مجموع آلهة الأسرة والمغرسة والقرية الآلهة القومية للدولة di indigetes، ونظمت لهذه الآلهة عبادة جديدة جميلة المنظر تقوم بها الدولة باسم جميع المواطنين. وكان أحب هذه الآلهة القومية الأولى إلى قلوب الشعب الإله جوبتر أوجوف Jupiter or Jove وإن لم يكن هذا الإله قد أصبح ملكها كما أصبح زيوس عند اليونان، بل كان في القرون الأولى من حياة روما لا يزال قوة نصف معنوية يمثل رقعة السماء المتلألئة وضياء الشمس القمر وقصف الرعد،

وكان في صورة جوبتر فلوفيوس Jupiter Fluvius يمثل شؤبوباً من المطر المخصب. وقد كان فرجيل وهوراس نفسهما يستعملان في بعض الأحيان لفظ "Jove" مرادفاً للفظ المطر أوالسماء. وكانت أكثر نساء روما ثراءً إذا أجدبت السماء يسرن حافيات في موكب كبير إلى تل الكبتولين حيث هيكل جوبتر تونانز Jupiter Tonans -جوف المرعد- ليستسقين. ولعل لفظ جوبتر محرف عن ديوسپاتر Diuspater أوديسپيتر Diespeter أي إله السماء. ولعل يانوس Janus الذي كان في الأصل يسمى ديانوس Dianus كان يؤلف هووجوبتر في بداية الأمر إلهاً واحداً، وكان يرمز به أولاً إلى روح باب الكوخ ذي الوجهين ثم إلى باب المدينة، ثم إلى أي فتحة أوبداية كبداية اليوم أوالسنة. وكانت أبواب هيكله لا تفتح إلا في أيام الحرب ليخرج منها مع جيوش روما لهزيمة آلهة الأعداء. وكان المريخ Mars إلهاً معظماً عند الشعب مذ بدأ يعظم جوبتر. وكان أولاً إله الحرث، ثم أصبح إله الحرب، ثم كاد حتىقد يكون هوفيما بعد رمز روما وشعارها؛ وكانت جميع قبيلة في إيطاليا تطلق اسمه على شهر من الشهور. ولم يكن زحل الإله القومي للبذرة الحديثة الغرس (Sata) أقل قدماً من جوبتر والمريخ، وكانت الأساطير تصوره على أنه ملك من ملوك ما قبل التأريخ أخضع القبائل كلها لقانون واحد وفهمها الزراعة وأقر السلام والمشايعة في العهد المضىي من عهد زحل Saturna Regina. وكانت إلهات روما أقل قوة من آلهتها، ولكنهن كن أحب إلى قلوب الشعب من الآلهة الذكور. وكان من هذه الإلهات يونورجينا Juno Regina ملكة السماء وحامية الأنوثة والزواج والأمومة. وكانوا يوصون بالزواج في شهرها -شهر يونيو- ويقولون حتى الزواج فيه أسعد الزيجات؛ وكانت مينرڤا Minerva إلهة الحكمة (mens) أوالذاكرة، والصناعات اليدوية وطوائف الصناع، والممثلين والموسيقيين والخطة.

وكان البلاديوم Palladium التي تقف عليها في اعتقادهم سلمة روما صورة صغيرة للإلهة بلاس منيرفا Pallas Minerva مدججة بالسلاح اتى بها إنياس Aeneas في زعمهم من طروادة إلى روما بأساليب الحب والحرب، وكانت ڤينوس Venus (الزهرة) إلهة الشهوة، والزواج والإخصاب. وكان شهرها المقدس هوشهر إبريل شهر تفتح الأزهار (Aperire). وكان الشعراء أمثال لكريشيوس Lucretius واوڤيد Ovid يرون فيها المنشأ الغرامي لجميع الكائنات الحية. وكانت ديانا Diana إلهة القمر والنساء والولادة والصيد والغابات وسكانها من الوحوش؛ وكانت في زعمهم روح شجرة جيء بها من أريشية Aricea حينما خضع هذا الإقليم من أنطقيم لاتيوم لحكم روما. وكان بالقرب من أريشيا بحيرة نيمي Nemi وأيكتها، وكان في هذا الأيكة مزار ديانا ملجأ الحجاج الذين كانوا يعتقدون حتى هذه الإلهة قد ضاجعت في هذا المكان ڤيربيوس Virbius ملك الغابات الأول. ولكي يضمن دوام إخصاب ديانا وإخصاب الأرض كان خلفاء فربيوس -وهم كهنة الصائدة وأزقابلا- يستبدل بهم جميعاً واحداً بعد واحد أي عبد قوي يعوذ نفسه بغصن (يسمى عندهم بالغصن المضىي) يأخذه من شجرة البلوط المقدسة إحدى أشجار الأيكة ويهاجم الملك ويذبحه. وقد بقيت هذه العادة إلى القرن الثاني بعد ميلاد المسيح. هذه إذن هي الآلهة الكبرى لدين روما الرسمي.

وكان للأهلين غير هؤلاء أرباب قومية أصغر منها ولكنها لم تكن تقل عنها محبة لدى الرومان. ومن هذه الأرباب الصغرى هرقول Hercules إله الفرح والخمر، والذي لم يتورع حتى يقامر وهومبتهج مع قندلفت هيكله لينال منه محظية. وكان مركيوري Mercury راعي التجار والممثلين واللصوص. وكانت أپس Aps إلهة الثروة وبلونا Bellona إلهة الحرب، وكان غير هؤلاء أرباب ذكور وإناث يخطئهم الحصر. ولما حتى بسطت روما سلطانها اتىت إليها آلهة جديدة. وكانت في بعض الأحيان إذا غلبت مدينة اتىت منها بآلهتها لتضمها إلى مجمع الآلهة الروماني دليلاً على غلبتها وضماناً لهذه الغلبة كما عملت بيونوإلهة فياي حين قادتها أسيرة إلى روما؛ وكان سكان الأنطقيم النائية إذا اتىوا إلى العاصمة أتوا معهم بآلهتهم ليثبتوا فيها أقدامهم حتى لا تجتث أصول أولئك السكان الجدد الروحية والأخلاقية اجتثاثاً مفاجئاً لسبب من الأسباب، وكذلك يعمل اليوم المهاجرون إلى أمريكا فيأتون إليها بآلهتهم. ولم يكن الرومان يأبهون بمجيء هؤلاء الآلهة الأجانب؛ وكان معظمهم يعتقدون أنهم إذا أزاحوا التمثال من مكانه أزاحوا الإله معه، ومنهم كثيرون كانوا يؤمنون حتى التمثال نفسه هوالإله. على حتى بعض الآلهة الجديدة لم تغلب، بل كانت هي الغالبة. فقد تسربت إلى العبادات الرومانية بطريق التجارة والصلات الحربية والثقافية التي نشأت بين الحضارتين الرومانية واليونانية.


وقد حدثت هذه الصلات أول الأمر في كمبانيا ثم جنوبي إيطاليا ثم صقلية، وانتهت آخر الأمر في بلاد اليونان نفسها. وكان في آلهة دين الدولة شيء من التجرد المعنوي وبرود الطبع؛ وكان المستطاع رشوهم بالقرابين والتضحيات، ولكنهم قلما كانوا يمدون عبادهم بالراحة أوالإلهام الفردي؛ وكانوا من هذه الناحية يختلفون عن آلهة اليونان ذوي الصفات البشرية الممتلئين مغامرة وفكاهة وشعراً. ومن أجل هذا رحب الشعب الروماني بآلهة اليونان وأقام لهم الهياكل، وسره حتى يتفهم ما يتطلبه أولئك الآلهة من مراسم وطقوس، وكذلك سر الكهنة الرسميين حتى يجندوا أولئك الجند الجدد لبث النظام والطمأنينة في النفوس، فضموهم إلى أسرة روما المقدسة، ومزجوهم حدثا استطاعوا بأقرب الآلهة الوطنية المماثلة لهم. فاتى من عهد بعيد أي من عام 496 ق.م دمتر Demeter وديونيسيوس Dionysius ومُزجا بسيريس Ceres وليبر Liber (إله العنب) واستقبل كاستر Castor وپلكس Pollax بعد اثني عشر عاماً من ذلك الوقت وصارا حاميي روما: وشيد في عام 431 هيكل لأپلون Apollo الشافي لعله يخفف من وباء طاعون فشا في روما وقتئذٍ؛ وفي عام 294 جيء إلى روما من إپيدوروس Epidaurus بإسكلاپيوس Aesculapius إله الطب عند اليونان في صورة أفعوان ضخم ، وشيد على جزية في نهر التيبر معبد في صورة مستشفى تكريماً له. وجيء بكرونس Cronus اليوناني وقيل أنه لا يختلف في شيء عن زحل، ومزج پوسيدن Poseidon بنبتون Neptune وأرتميس Artemis بديانا Diana وهفستس Hephaestus بڤلكان Vulcan، وهرقل Heracle بهرقول Hercules، وهادس Hades بپلوتون Pluto وهرمس Hermes بعطارد Mercury، وارتفع جوبتر بفضل بعض الشعراء إلى زيوس غير زيوس اليونان، فصار شاهد الأيمان الصارم وحارسها، وقاضي الأخلاق الملتحى، والقيم على القوانين، وإله الآلهة؛ وهيئت عقول الرومان المتفهمين على مهل لقبول عقائد التوحيد الرواقية واليهودية والمسيحية.


الكهنة

واستخدمت إيطاليا نظاماً من الكهنوت محكم الوضع لتضمن به معونة هؤلاء الأرباب. وكان الأب في منزله كاهناً، ولكن الصلوات العامة كان يرأسها جماعات (Collegia) من الكهنة، تملأ جميع منها ما يخلوفي صفوفها من الأماكن ويرأسها كلها حبر أعظم Pontifex Maximus تختاره الجمعية المئوية. ولم تكن عضوية هذه الكليات المقدسة بحاجة إلى تدريب خاص؛ بل كان في وسع جميع مواطن حتى ينضم إليها أويخرج منها؛ ولم تكن تؤلف مرتبة أوطبقة منفصلة عن سائر المراتب أوالطبقات، ولم يكن لها أي سلطان سياسي عدا حتى الدولة كانت تستخدمها أداة من أدواتها. وكانت تستولي على إيراد بعض أراضي الدولة لتستعين به على العيش، وكان لها عبيد يقومون على خدمتها؛ وقد أصبحت بتوالي الأجيال عظيمة الثراء بما كان يحسبها عليها أتقياء الناس من الأموال. وكانت الكلية الدينية الكبرى في القرن الثالث قبل المسيح تضم تسعة من الأعضاء، يحتفظون بالحوليات التاريخية، ويسجلون القوانين، ويقرءون الغيب، ويقربون القرابين، ويطهرون روما مرة في جميع خمس سنوات. وكان يساعد هؤلاء الأحباء في القيام بالمراسم الرسمية خمسة عشر كاهناً آخر يسمون فلميني flamine- أي موقدي نيران الأضاحي.

وكان ثمة طوائف من الأحباء أقل من هؤلاء شأناً يؤدون واجبات خاصة: فالساليون Salii أوالقافزون كانوا يستقبلون العام الجديد بنوع من الرقص المقدس للمريخ، والفتيالي fetiales يصدقون على عقد الصلح، وإعلان الحرب، واللوبرسي Luperci أوإخوان الذئاب يقومون بطقوس لوبركاليا Lupercalia العجيبة. وكانت طائفة العذارى الفستية Vestal Virgins تعني بموقد الدولة وترشه في جميع يوم بالماء المقدس تأخذه من عين الحورية المقدسة إجريا Egeria؛ وكان هؤلاء الراهبات ذوات الثياب البيض والخُمرُ البيض يُخترن من بين الفتيات اللاتي تتراوح سنهن بين السادسة والعاشرة، وكن يقسمن بأن يظللن عذارى في خدمة الإلهة فستا ثلاثين سنة، وينلن في نظير هذا ضروباً من الامتيازات والتكريم وإذا اقترفت إحداهن جريمة العلاقات الجنسية ضربت بالعصى ودفنت وهي على قيد الحياة، وقد سجل المؤرخون الرومان اثنتي عشرة جريمة من هذا النوع، فإذا قضين الثلاثين عاماً كان لهن حتى يهجرن خدمة الإلهة ويتزوجن، ولكن قل منهن من كانت تتاح لها هذه الفرصة أوتغتنمها إذا أتيحت لها.

وكانت أعظم طوائف الكهنة نفوذاً طائفة العرافين التسعة الذين كانوا يدرسون إدارة الآلهة ومقصدهم باتجاه الطيور في الأيام الأولى ، وبالفحص عن أحشاء الحيوانات المضحاة فيما بعد. فكان كبار الحكام "يستطلعون الطلع" قبل جميع عمل هام من أعمال السياسة أوالحكم أوالحرب، ثم يفسر العرافون ما يجده الحكام، أويفسره لهم مفتشوالأكباد hauruspices الذين تلقوا فنهم هذا من بلاد الكلدان أومن أمم قبلهم عن طريق إتروريا. ولم يكن الكهنة على الدوام بمنجاة من الإغراء بالمال، ولذلك كانوا في بعض الأحيان يوقفون بين أقوالهم وبين حاجات من يمضى لاستشارتهم. من ذلك حتى أي قانون لا يتفق مع مصلحة طائفة أوجماعة من الناس كان يمكن تعطليه إذا قيل إذا اليوم الذي ينظر فيه القانون يوم مشئوم لا يصلح العمل فيه، وكان في الاستطاعة إقناع الجمعية بالموافقة على إعلان الحرب إذا قيل لها حتى اليوم الذي يطلب إليها إعلانها فيه يوم سعيد. وكانت الحكومة في الأزمات الخطيرة تدعى أنها تعهد ما تريده الآلهة بالرجوع إلى الخط السبيلية Sibylline، وهي الخط التي سجلت فيها نبوءات سيبيل Sibyl أوكاهنة أبلون Apollo في كومية Cumae. وكان في وسع الأعيان حتى يؤثروا في الشعب بهذه الوسائل وبالرسل الذين كانوا يرسلونهم إلى هاتف دلفي The oracle at Delphi في بعض الأحيان وبذلك يوجهونهم في أي اتجاه يشاءون، ويكادون يبلغون جميع غاية يبغونها. ولم يكن يقصد بطقوس العبادات إلا حتى تقدم هدية أوضحية للآلهة لكسب عونها أواتقاء غضبها. وكان الكهنة يقولون إذا الاحتفالات التي تقام لهذا الغرض لا تثمر ثمرتها إلا إذا روعي فيها منتهى الدقة في الأقوال والحركات، وهي دقة لا يستطيع غير الكهنة حتى يشرفوا عليها. وإذا سقط في طقس من هذه الطقوس أيّاً كان نوعه وجبت إعادته من حديث ولوتطلب ذلك إعادته ثلاثين مرة. وكان معنى لفظ Religio هوأداء الطقس الديني بالعناية التي يحتمها الدين.

الأضحية

وكان أبرز ما في الاحتفال هوالتضحية Sacrifice؛ ومعنى اللفظ مشتق من حدثة Cacer اللاتينية ومعناها ملك للإله. وكانت التضحية في البيت تتخذ عادة شكل بترة من كعكة توضع على الموقد أوكمية من النبيذ تلقى في نار البيت، وتكون في القرية أول ثمرة تخرجها الأرض، وقد تكون كبشاً أوكلباً أوخنزيراً، وتكون في المناسبات الهامة فرساً أوخنزيراً أوشاة أوثوراً، وكانت الثلاثة الحيوانات الأخيرة تذبح في أكبر المناسبات أهمية في عيد السو-أوڤه-طوريليه Su-ove-taur-illa (أي عيد الخنزير والشاة والثور). وكانوا يعتقدون أنه إذا تليت صيغ خاصة على التضحية استحالت إلى الإله الذي يراد منه حتى يتقبلها؛ وعلى هذا الاعتبار كان الإله نفسه هوالذي يضحي به ؛ وإن كانت أحشاء الحيوان وحدها هي التي تحرق على المذبح؛ وكان الكهنة والناس يأكلون جميع ما بقي منه، فقد كان هؤلاء يأملون حتى تنتقل قوته ومجده إلى عبيده المحتفلين بعيده. وكان يضحي بالآدميين في بعض الأحيان؛ ومما يجدر ذكره أنه كان لابد من صدور قانون في عام 97 م لتحريم هذه العادة.

ثم حورت هذه الكفارة تحويراً يبيح للرجل حتى يضحي بحياته للدولة كما عمل القنصل پپليوس ديسيوس Publius Decius وولده، وكما عمل مارخوس كورتيوس Marchus Curtius إذ ألقي بنفسه في أخدود شقه زلزال في السوق العامة ليسكن بذلك غضب القوى الأرضية الخفية، وتقول السيرة بعد ذلك إذا الشق قد التحم وإن الأمور قد عادت إلى مجاريها. وكان احتفال التطهير أكثر من هذه الطقوس متعة؛ وكان هذا التطهير يحدث للمحصولات الزراعية أولبتران الماشية أوالمدينة. وكانت الطريقة المتبعة في هذا الاحتفال حتى يطوف موكب بالشيء المراد تطهيره، ويقدم له الصلوات والذبائح، فيتطهر بذلك من المؤثرات السيئة ويرد عنه الشر. ولم تكن الصلوات قد خلصت جميع الخلاص من الرقي السحرية؛ وكان اللفظ الذي يطلق عليها وهوكارمن Carmen يعني الأنشودة والرقية جميعاً؛ ويعترف بلني صراحة بأن الصلاة ضرب من الأقوال السحرية. وإذا ما تليت الصيغة حسب الأصول المرعية ووجهت إلى الإله الذي يجب حتى توجه إليه حسب سجل الآلهة indigitamenta الذي جمعه الكهنة واحتفظوا به، فإن الراتى لا بد حتى يجاب؛ فإذا لم يجب فإن غلطة ما قد حدثت في الطقوس المرعية.

وقريب من السحر وذوصلة به الفوتا vota أوالنذور التي كان يطلبون بها معونة الآلهة؛ وكانت هياكل عظمية تشاد في بعض الأحيان وفاء بهذه النذور. وتوحي النذور الكثيرة التي كشفت بين مخلفات الرومان على حتى الدين كان يملأ قلوبهم، وعلى أنه كان يمتزج به ويلطفه تقي وشكر على النعم، وشعور بالصلة القوية بين الناس وبين قوى الطبيعة الخفية، ورغبة أكيدة في حتىقد يكون الناس على وفاق مع هذه القوى جميعها. هذا ما كان للدين من أثر في قلوب الشعب، أما دين الدولة فكان على النقيض من هذا، كان شكلياً جامداً، لا يعدوحتىقد يكون نوعاً من العلاقة القانونية التعاقدية بين الحكومة والآلهة. ولما حتى تسربت إلى البلاد أديان جديدة من الشرق المغلوب، كان أول ما تضعضع في الدولة الرومانية هوهذا الدين الرسمي، أما الإيمان العميق ذوالمظاهر الجميلة الجذابة، والطقوس المنتشرة في الريف، فقد ظلت تقاوم الأغلال في صبر وعناد طويلين. ولما تغلب الدين المسيحي في آخر الأمر استسلم بعض الاستسلام إلى هذا الإيمان الريفي القديم فأخذ عنه كثيراً من عقائده وطقوسه، وكان ذلك الأخذ عن حكمة وأصالة رأي، ولا تزال هذه الطقوس باقية في العالم المسيحي إلى هذه الأيام، وإن تشكلت بأشكال جديدة وعبر عنها بألفاظ غير الألفاظ القديمة.


التيار الشرقي الجارف

استعاد الدين في القرن الثاني بعد الميلاد ما كان له من سلطان منذ أقدم العهود حين أقرت الفلسفة بعد حتى غلبتها الأبدية والآمال البشرية بعجزها عن تحقيق تلك الأبدية وهذه الآمال، فتخلت عما كان لها من سلطان. وكان الدين قبل حتى يستعيد سلطانه هذا قد انزوى وأخذ يغذي جذوره ويترقب الفرص المواتية به. ولم يكن الناس أنفسهم قد فقدوا إيمانهم، فقد قبلت كثرتهم الغالبة مجمل ما وصف به هومن الحياة الآخرة(82). وكانت تقرّب القرابين في خشوع قبل البدء برحلة من الرحلات، وتضع أبلة في فم الميت ليؤدى بها أجر عبوره نهر استيكس كما كانت تعمل في الزمن القديم. وكانت سياسة الحكم الرومانية ترحّب بالعون الذي تلقاه من الكهنة الرسميين وتسعى للحصول على تأييد الشعب بإقامة الهياكل الفخمة للآلهة المحليّة، وظلت ثروة الكهنة تزداد زيادة مطردة في جميع أنحاء فلسطين وسوريا، وآسية الصغرى؛ وظل السوريّون يعبدون هداد Hadad وأترجاتس Atargatis، وكان لهذين الإلهين مزار رهيب في هيرابوليس؛ وبقيت مُدن سوريا ترحّب ببعث الإله تموز وتنادي قائلة "لقد قام أدونيس (الرب)"، وتحتفل في آخر مناظر عيده بارتفاعه إلى السماء(83). وكانت مواكب أخرى من هذا النوع تخلّد آلام ديونيس وموته وبعثه بطقوس يونانية. وانتشرت عبادة الإلهة ما Ma من كبدوكيا إلى أيونيا وإيطاليا، وكان كهنتها (المسمون بالهيكليين fanatice أي المنتمين إلى الفانوم fanum أوالهيكل) يرقصون في نشوة عديدة على أصوات الأبواق والطبول، ويطعنون أنفسهم بالمدي، ويرشّون دماءهم على الإلهة وعبادها المخلصين(84) ودأب الناس على خلق آلهة جدد؛ فألهّوا قيصر، والأباطرة، وأنطنيوؤس، وكثيراً من العظماء، وكثيراً من العظماء المحليين في حياتهم وبعد مماتهم. وأخذت هذه الآلهة يمتزج بعضها ببعض بتأثير التجارة والحرب فيزداد عددها ويعظم شأنها في جميع مكان، وتُقام الصلاة بألف لغة لألف إله أملاً في النعيم والنجاة< فلم تكن الوثنية والحالة هذه ديناً واحداً، بل كانت أجمة من العقائد المتشابكة، المتناقضة، المتنافسة؛ وكثيراً ما كان يتدخّل بعضها في بعض وتختلط اختلاطاً متعمّداً مختاراً.

وثبتت عبادة كوبيلي في ليديا وفريجيا، وإيطاليا، وأفريقية، وغيرها من الأنطقيم، وظل كهنتها يخصون أنفسهم كما عمل حبيبها أتيس؛ فإذا أقبل عيدها الربيعي صام عبادها، وصلّوا، وحزنوا لموت أتيس؛ وجرح كهنتها سواعدهم، وشربوا دماءهم، وحمل الإله الشاب إلى مثواه باحتفال مهيب. فإذا كان اليوم الثاني ضجت الشوارع بأصوات الفرح الصادرة من الأهلين المحتفلين ببعث أتيس وعودة الحياة إلى الأرض من جديد، وعلا صوت الكهنة ينادي أولئك العباد: "قووا قلوبكم أيها العباد المتصوّفون، لقد نجا الإله، وستكون النجاة حظكم جميعاً"(85). وفي آخر يوم من أيام الاحتفال تحمل صورة الأم العظمى في موكب للنصر، ويخترق حاملوها صفوف الجماهير تحييها وتناديها في روما باسم "أمنا"(86) (Nostra Domina).

وكانت إيزيس الإلهة المصرية، والأم الحزينة، والمواسية المحبة، وحاملة هبة الحياة الخالدة، كانت هذه الإلهة تلقى من التكريم أكر مما تلقاه سيبيل؛ وكانت جميع شعوب البحر الأبيض المتوسط تعهد كيف من الممكن أن توفي زوجها العظيم، وكيف قام بعدئذ من بين الموتى؛ وكان يُحتفل بهذا البعث السعيد في جميع مدينة كبيرة قائمة على شواطئ هذا البحر التاريخي أروع احتفال وأفخمه؛ وكان عباده المبتهجون ينادون: "لقد وجدنا أوزريس من جديد"(87). وكانوا يرمزون إلى أيزيس بصور وتماثيل تحمل بين ذراعيها حورس ابنها الإلهي، ويسمونها في الأوراد والأوعية "ملكة السماء"، و"نجم البحر"، و"أم الإله"(88). وكانت هذه الطقوس أقرب العبادات الوثنية إلى المسيحية، لما انطوت عليه سيرة الإلهة من الحنووالرأفة، وما اختصّت به طقوسها من الرقّة، وما كان يسود هياكلها من جومرح خالٍ من العنف، وما تشتمل عليه صلواتها المسائية من ألحان موسيقية مؤثرة، وما يقوم به كهنتها حليقوالرؤوس ذووالثياب البيض من أعمال البر والخير(89)، وما كانت تتيحه هذه الإلهة لهؤلاء الكهنة من فرص لمواساة النساء وإدخال السرور على قلوبهنّ، ولترحيبها الكامل بالناس جميعاً على اختلاف أممهم وطبقاتهم. وانتشر دين إيزيس من مصر إلى بلاد اليونان في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم انتشر إلى صقلية في القرن الثالث، وإلى إيطاليا في القرن الثاني، ثم انتشر بعدئذ في جميع أجزاء الإمبراطوريّة. وقد عُثر على صورها المقدّسة على ضفاف نهري الدانوب والسين، وكُشف عن آثار معبد لها في لندن(90).

وقصارى القول حتى شعوب البحر الأبيض المتوسط لم تنبتر قط عن عبادة لم للنساء من قوة مقدّسة خلاقة، وما يتصفن به من رعاية للأمومة.

وكانت عبادة مثراس Mithras الإله الذكر تنتقل في هذه الأثناء من فارس إلى أقصى تخوم الإمبراطوريّة الرومانية؛ وكان مثراس هذا في المراحل المتأخرة من الدين الزرادشتي إبن أهورا- مزدا إله النور، وكان هوأيضاً إلهاً للنور، والحق، والطُهر، والشرف؛ وكان يُنطق أحياناً إنه هوالشمس، وإنه يقود الحرب العالمية ضد قوى الظلمة، وإنه يشفع على الدوام لأتباعه عند أبيه، ويحميهم، ويُشجّعهم في كفاحهم الدائم للشر والكذب، والدَنَس، وغيرها من أعمال أهرمان أمير الظلام. ولمّا حتى نقل جنود بمبي هذا الدين من كبدوكيا إلى أوربا صوّر فنان يوناني مثراس راكعاً على ظهر ثور يطعنه في خنجر في عنقه، وأضحت هذه الصورة هي الرمز الرسمي لذلك الدين.

وكان اليوم السابع من جميع أسبوع يوماً مقدساُ لإله الشمس، وكان أتباعه يحتفلون في الأيام الأخيرة من ديسمبر بمولد مثراس "الشمس التي لا تُغلَب" والإله الذي نال نصره السنوي على قوى الظلمة في يوم الانقلاب الشتائي، والذي بدأ من ذلك اليوم يفيض على العالم ضياء يزداد يوماً بعد يوم(91). ويحدّثنا ترتليان Tertullian عن كهنة مثراسيين على رأسهم "حبر أكبر"، وعن عزّاب وعذارى في خدمة الإله؛ وكانت القرابين تقرب إليه على مذبحه في جميع يوم، كما كان عباده يشهجرون في تناول طعام مقدّس من الخبز والنبيذ؛ وكانت الإشارة التي يختتم بها عيده هي دقّات ناقوس(92). وكان يُحتفظ على الدوام بنار متّقدة أما القبوالذي يمثل فيه الإله الشاب يطعن الثور بخنجره. وكان الدين المثراسي يحضَ على الخلق الكريم، ويطلب إلى "جنوده" ألا ينبتروا طول حياتهم عن محاربة الشر في جميع أنواعه. ويقول كهنته حتى الناس كلّهم سيحشرون لا محالة أمام مثراس ليحكم بينهم، ثم تسلّم الأرواح الدنسة إلى أهرمان لتعذب على يديه عذاباً أبدياً، أما الأرواح الطاهرة فترتفع خلال طباق سبعة حتى تصل إلى بهاء السماء حيث يستقبلها أهورا-مزدا نفسه(93). وانتشرت هذه الأساطير التي تبعث في نفس أصحابها الأمل والقوة في القرنين الثاني والثالث من التاريخ الميلادي في غربي آسية، وانتقلت منه إلى أوربا (متخطّية بلاد اليونان)، وشادت معابدها متجهة نحوالشمال حتى وصلت إلى سور هدريان.

أوجه الشبه مع المسيحية

وروع الآباء المسيحيين ما وجدوه من أوجه الشبه بين دينهم وبين المثراسية، ونطقوا إذا الثانية قد سرقت هذه العبادات عن المسيحية، أوأنها في المثراسية حيل مضللة احتال بها عليهم الشيطان (صورة من أهرمان). وليس من السهل حتى تعهد أي الدينين أخذ عن الآخر، ولعل الاثنين قد تسربت إليهما أفكار كانت وقتئذ منتشرة في جوبلاد الشرق.

وكان في كلا الدينين العظيمين اللذين يسودان إقليم البحر الأبيض المتوسط "طقوس خفية" تتخذ عادة صورة احتفالات تطهير، وتضحية، وتثبيت، ووحي، تدور كلها حول موت الإله وبعثه. وكان الأعضاء الجدد يدخلون في دين سيبيل بوضعهم عراة في حفرة يُذبح فوقها ثور، فيسقط دم الحيوان الذبيح على الطالب الجديد ويطهره من خطاياه ويهبه حياة روحية جديدة خالدة إلى أبد الدهر. وكانت أعضاء التذكير في الثور، وهي التي تمثل الخصوبة المقدسة، توضع في إناء خاص، وتُهدى إلى الإلهة(94). وكان في المثراسية طقس شبيه بهذا يعهده العالم اليوناني والروماني القديم باسم الثوربليوم Taurobolium أورمى الثور. ويصف أبوليوس في عبارات جزلة رائعة المراحل التي يمر خلالها خادم إيزيس- فترة الصوم المبدئية الطويلة، والورع والتقشّف، والتطهير بالانغماس في الماء المقدس، ثم تظهر له في آخر الأمر الرؤيا الصوفية للإلهة لتهبه النعيم الأبدي. ويلتزم الطالب في إلوسس حتى يعترف بخطاياه (وقد كان هذا مما أخاف نيرون وأفقده شجاعته)، وأن يصوم بعض الوقت عن أنواع خاصة من الأطعمة، ويستحم في الخليج ليتطهر من الدَنَس الجسمي والروحي، ثم يقرّب القربان، وهوفي العادة خنزير. وفي عيد دمتر كان الطلاب المبتدئون يندبون معها اختطاف ابنتها إلى الجحيم، ويختصرون في أثناء حزنهم هذا على تناول الكهك المقدس، وخليط رمزي من الدقيق والماء والنعناع. وفي الليلة الثالثة تعرض مسرحية دينية تمثّل بعث برسفوني، ويعد الكاهن الذي يقوم بالخدمة الدينية جميع من تطهرت روحه بأن يبعث كبرسفوني بعثاً جديداً(95). وقد صوّرت الطائفة الأرفية، متأثرة بالآراء الهندوكية أوالفيثاغورية، موضوع هذه الطقوس في جميع الأراضي اليونانية، فنطقت ان الروح تحبس في طائفة متسلسلة من الأجساد المذنبة، وإن في مقدورها حتى تنطلق من هذا التجسد الثاني المشين بأن تسموحتى تتحد اتحاداً هيامياً بديونيشس. وكان الإخوان الأرفيون في اجتماعهم يشربون دم ثور يضحّون به للمنقذ الميّت الذي يكفّر عن خطاياهم ويوحّدون بينه وبين هذا المنقذ. وكان الاشتراك الجماعي في تناول الطعام والشراب المقدّسين من المظاهر الكثيرة الحدوث في أديان البحر الأبيض المتوسط، وكثيراً ما كان أهل هذه الأديان يعتقدون حتى هذا الطعام ستحل فيه بهذا التقديس قوى الإله، ثم تنتقل منه بطريقة سحرية خفية إلى المشهجرين في تناوله(96).

السحر

وكانت الشِيَع الدينية كلها تؤمن بالسحر، فقد نشر المجوس فنهم هذا في أنحاء الشرق وسموا الشعوذة القديمة باسم جديد؛ وكان عالم البحر الأبيض المتوسط غنياً بمن فيه من السحرة، وصانعي المعجزات، والمتنبئين، والمنجّمين، والزهّاد القدّيسين، ومفسّري الأحلام الفهميين. وكانت جميع حادثة غير عادية تُتّخذ نذيراً إلهياً بما سيقع من الحوادث في المستقبل، وأصبح لفظ أسكسيز Askesis، الذي كان معناه عند اليونان تدريب الجسم تدريباً رياضياً، يقصد به وقتئذ إخضاع الجسم لسلطان الروح؛ فكان الناس يضربون أنفسهم بالسياط، ويبترون أعضاءهم، ويجيعون أنفسهم، أويقيدون أجسامهم بالسلاسل في جميع مكان. ومنهم من كانوا يموتون نتيجة لهذا التعذيب أوالحرمان(97) الذاتي. ولجأ جماعة من اليهود وغير اليهود رجالاً ونساء إلى الصحراء المصرية القريبة من بحيرة مريوط. يعيشون فيها منفردين في صوامع وبيَع، ويحرّمون على أنفسهم جميع العلاقات الجنسية، ويجتمعون في يوم السبت للصلاة الجامعة ويسمون أنفسهم معالجي النفوس (Therapeutae)(98). ونطق الملايين من الناس إذا الكتابات المعزوة إلى أرفيوس، وهرمس، وفيثاغورس، والعرافات ومن إليهم قد أملاها أوأوحى بها إله من الآلهة. وكان الوعاظ الذين يدعون حتى الوحي قد هبط عليهم من السماء يجوبون الأقطار متنقلين من مدينة إلى مدينة، يعالجون الناس بما يظهر في نظرهم أنه من المعجزات. من ذلك حتى الاسكندر الأبونوتيكي Alexander of Abonoteictus قد درّب أفعى على حتى تخفي رأسها تحت ذراعه، وتقبل حتى يثبت في ذيلها قناع شبيه بوجه الإنسان، ثم أعرب حتى الأفعى هي الإله أسكلبيوس، وأن هذا الإله قد اتى إلى الأرض لينبئ الناس بما يفترض أن يقع في المستقبل، وقد استطاع حتى يجمع ثروة طائلة بتفسير الأصوات الحادثة من الأعشاب التي يضعها في رأسها المستعار(99).

الشعوذة

وأكبر الظن أنه كان إلى جانب هؤلاء المشعوذين آلاف من المبشرين المخلصين المؤمنين بالعقائد الوثنية. وقد صوّر فيلوستراتس في أوائل القرن الثالث صورة مثالية لأحد هؤلاء المبشرين في كتابه حياة أبولونيوس التيانائي of Tyana؛ فوصفه بأنه حين بلغ السادسة عشرة من عمره قيد نفسه بقيود الأخوان الفيثاغوريين الصارمة، فحرّم على نفسه الزواج، وأكل اللحم، وشرب الخمر، ولم يحلق لحيته قط، وامتنع عن الكلام خمس سنين كاملة(100)، ووزع المال الذي هجره ولده والده على أقاربه، وأخذ يطوف، كما يطوف الرهبان المعدمون، في فارس ومصر، وغربي آسية، وبلاد اليونان، وإيطاليا؛ وأتقن علوم المجوس، والبراهمة، والزهّاد المصريين. وكان يزور هياكل الأديان على اختلافها، ويدعوكهنتها إلى الامتناع عن التضحية بالحيوان، ويعبد الشمس؛ ويؤمن بجميع الآلهة، ويفهم الناس حتى من ورائها كلها إله واحد أعلى لا يحيط به العقل، وكانت حياة التقى وإنكار الذات التي فرضها على نفسه مما جعل أتباعه يدّعون أنه إبن إله، أما هوفلم يكن يصف نفسه بأكثر من أنه إبن أباونيوس. وتعزوإليه الروايات المتواترة كثيراً من المعجزات: فقد كان الناس يقولون إنه من خلال الأبواب المغلقة، ويفهم جميع اللغات، ويطرد الشياطين، وإنه حمل بنتاً من بين الأموات(101). لكنه في واقع الأمر فيلسوفاً أكثر منه ساحراً، يعهد الأدب اليوناني ويحبه، ويدعوإلى مبادئ أخلاقية بسيطة ولكنها صارمة. وكان يتوسل إلى الآلهة بقوله: "علّميني ألاقد يكون لي إلا القليل وألا أرغب في شيء" ولما سأله أحد الملوك حتى يختار لنفسه هدية يهديها إليه أجابه بقوله: "الفاكهة اليابسة والخبز"(102). وكان يبشر بتجسد الروح بعد مفارقتها الجسد، ولهذا أمر أتباعه ألا يؤذوا مخلوقاً حياً، وأن يمتنعوا عن أكل اللحم؛ وحضهم على تجنب العداء، واغتياب الناس، والغيرة، والكراهية؛ ومن أقواله لهم: "إذا كنا فلاسفة، فلن نستطيع حتى نكره بني جنسنا"(103). ويقول فيلوستراتس إنه "كان في بعض الأحيان يناقش المبادئ الشيوعية ويفهم الناس حتى من واجبهم حتى يعين بعضهم بعضاً". ولما اتُّهم بأنه يثير نقع الفتنة، ويفهم الناس السحر، اتى طائعاً إلى روما ليبرئ نفسه أمام دومتيان من هاتين التهمتين، فسُجن، ولكنه فرّ من سجنه. ومات حوالي سنة 98م. بعد حتى عمّر طويلاً. وادعى أتباعه أنه ظهر لهم بعد موته وأنه حمل بعدئذ إلى السماء(105).

ترى ما هي الصفات التي جعلت نصف روما ونصف الإمبراطوريّة ينضويان تحت ألوية هذه الأديان الجديدة،يا ترى؟ من هذه الصفات ما تنظوي عليه هذه الأديان من عدم التفرقة بين الأجناس والطبقات؛ فقد كانت تقبل بين أتباعها خلائق من جميع الأمم، وجميع الأحرار، وجميع الأرقّاء، ولا تلقى بالاً إلى ما بين الناس من فروق في الأنساب أوالثراء، وكان هذا من مسببات السلوى لهؤلاء الأتباع. وقد بُنيت هياكلها بحيث تتسع لكل من يؤمها من الخلائق العباد وللإله المعبود. وكانت سيبيل وإيزيس إلهتين أمين ثاكلتين ذاقتا مرارة الحزن كما ذاقته ملايين الأمهات الثاكلات، وكان في مقدورهما حتى تدركا ما لا تستطيع حتى تدركه الآلهة الرومانية- ألا وهوفراغ قلوب المغلوبين. إذا الرغبة في العودة إلى أحضان الأم أقوى من غريزة الاعتماد على الأب، واسم الأم هوالذي يخرج من تلقاء نفسه إلى الشفتين إذا ما صادف الإنسان سرور عظيم أوحلّت به كارثة أليمة. ومن أجل هذا كان الناس رجالهم ونساؤهم على السواء يجدون لهم سلوى وملجأ في إيزيس وسيبيل، بل ان العابد التقي في بلاد البحر الأبيض المتوسط في هذه الأيام يلجأ إلى مريم أكثر مما يلجأ إلى الأب أوالإبن، وإن الصلاة المحببة التي يرددها أكثر من سائر الصلواة هي الصلاة التي لا يوجهها إلى العذراء بل إلى الأم التي بورك فيها بمن ولدته من بطنها.

ولم تكن قوة الأديان الجديدة مقصورة على أنها أعمق أثراً في قلوب الناس بل كان من مسببات قوتها فوق ذلك أنها أعظم أثراً في خيال الناس وحواسهم لما فيها من مواكب، وترانيم، تتنقل من الحزن إلى السرور، وما تحتويه من طقوس ذات رموز تنطبع في الخيال وتبعث الشجاعة من حديث في النفوس التي أثقلتها الحياة الرتيبة المملّة. ولم تكن مناصب الكهانة الجديدة يملؤها ساسة يرتدون الثياب الكهنوتية من حين إلى حين، بل كان يشغلها رجال ونساء من كافة الطبقات، يتدرّجون فيها من المبتدئ المتقشّف الزاهد إلى الخادم الديني الذي لا ينبتر عن مواساة الناس. وكان في مقدور الروح التي تدرك ما ارتكبته من ذنوب حتى تتطهّر منها، وكان يستطاع في الأحيان شفاء الجسم الذي أنهكته العلة، بحدثة أوطقس موج؛ وكانت المراسم السرية الخفية التي يمارسونها ترمز إلى ما يتردد في صدور الناس من راتى في حتى يتغلّبوا على جميع شيء حتى الموت نفسه.

لقد سما الناس في وقت من الأوقات بما كانوا يتسقطون له من عظمة وخلود، فجعلوهما مرتبطين بمجد الأسرة والقبيلة والإبقاء عليهما، ثم انتقلوا بهما إلى مجد الدولة التي كانت من صنعهم والتي هي نفوسهم مجتمعة. أما في الوقت الذي نتحدث فكانت الحدود الفاصلة بين القبائل تذوب في حركة السلم الجديد، ولم تكن الدولة الإمبراطوريّة تعبر إلا عن الطبقات العليا السائدة، ولم تكن تمثل جماهير الشعب التي لا حول لها ولا طول. وكان على رأس الدولة ملكية مطلقة تحول بين المواطن وبين اندماجه فيها واشتراكه في أعمالها، وكانت تخلق بعملها هذا الفردية في أسفلها وتشيعها بين الدهماء من السكان، وكان ما في الأديان الشرقية وما في المسيحية، التي أخذت منها خلاصتها ثم امتصتها وقضت عليها من وعد بالخلود الشخصي، وبالسعادة الدائمة بعد حياة المذلّة، والفاقة، والمحن، والكدح، كان هذا كله إغراء لا تستطيع الدهماء مقاومته، ولاح حتى العالم كله أخذ يأتمر ليمهّد السبيل إلى المسيح.

القرن الثالث: الوثنية تحتضر

يمكن القول بوجه عام حتى الضعف الثقافي سار في إثر الضعف الاقتصادي والسياسي، ولكن وقع في هذه السنين البائسة حتى نشأ فهم الجبر ذوالرموز، وبرزت أعظم الأسماء في فقه القانون الروماني، وأروع نماذج النقد الأدبي القديم، وطائفة من أفخم المباني الرومانية، وأقدم قصص الحب، وأعظم الفلاسفة الصوفيين.

ويلخص الديوان اليوناني سيرة ديوفانتس Diophantus الإسكندري (250) تلخيصاً جبرياً فكهاً فيقول إذا حداثته دامت سدس حياته، وإن لحيته نبتت بعد حتى انقضى 1slash12 من عمره بعد سن الحداثة، وانه تزوج بعد حتى مضى 1slash7 آخر من حياته، وإنه رزق بولده بعد خمس سنين أخرى، وإن هذا الولد عاش حتى بلغت سنه نصف سن أبيه، وإن الوالد توفي بعد أربع سنين من موت الولد - أي إنه توفي في سن الرابعة والثمانين، وأشهر ما بقي من مؤلفاته حتى الآن هوكتابه "الارثماطيقي Arithmatica" (الحساب) - وهورسالة في الجبر. وفيه حل لمعادلات الدرجة الأولى، والمعادلات التي تؤدي إلى فهم المجهول، والمعادلات التي لا يكن منها وحدها فهم المجهول حتى الدرجة السادسة. وقد استخدم حرف سجما sigma اليوناني للدلالة على الكمية المجهولة التي نرمز لها نحن بحرف سين (وفي الانجليزية بحرف X)، وسمى هذه العلامة أرثمس Arithmos (أي العدد)، واستخدم حروف الهاتى اليونانية للدلالة على الأسس. وكان جبر من نوع ما معهداً قبل أيامه: فقد اقترح أفلاطون لتدريب عقول الشبان وتسليتهم مسائل متنوعة كتوزيع تفاحة بنسب معينة على عدد من الأشخاص(32)؛ وأذاع أرخميدس ألغازاً من هذا النوع في القرن الثالث قبل الميلاد، وكان المصريّون واليونانيون يحلون بعض المسائل الهندسية بالطرق الجبرية دون الالتاتى إلى رموز فهم الجبر. وأكبر الظن حتى ديوفانتس لم يعمل أكثر من تنظيم طرق كان يعهدها معاصروه(33)، وإن مصادفات الزمن هي التي أبقت على أعماله؛ وفي استطاعتنا حتى نرجع إليه عن طريق العرب تلك الطريقة الجريئة الغامضة التي تهدف إلى صياغة جميع النسب الكمية في العالم كله في قانون واحد.

وعلا نجم بابنيان، وبولس وألبيان، أعظم الأسماء الثلاثة في القانون الروماني في عهد سبتميوس سفيرس، وكانوا كلهم رؤساء الحرس البريتوري وكانوا بحكم منصبهم هذا رؤساء الوزارة في الدولة؛ وكانوا كلهم يبررون قيام الحكم المطلق بحجة حتى الشعب قد عهد لحقوقه في السيادة إلى الإمبراطور، ويمتاز كتابا بانيان الأسئلة Questiones والأجوبة Responsa بوضوحهما، وإنسانيتهما وعدالتهما إلى حد جعل جستنيان يعتمد عليها في كثير من مجموعاته القانونية. ولما اغتال كركلا جيتا أمر بابنيان حتى يخط دفاعاً قانونياً عن عمله هذا، فأبى بابنيان ونطق إذا "قتل الاخوة أسهل من تبرير هذا القتل". فأمر كركلا ببتر رأسه. ونفذ الجنود الأمر فبتر رأسه ببلطة في حضرة الإمبراطور. وواصل دومنيوس البيانس جهود بابنيان القضائية والإنسانية. وسخّر جهوده القضائية للدفاع عن العبيد لأنهم في رأيه أحرار بالفطرة، وعن النساء لأن لهن مثل ما للرجال من الحقوق(34)، وكانت كتاباته في جوهرها تنسيقاً لأعمال مَن سبقوه شأنها في هذا شأن جميع الأعمال الهامة في تاريخ القضاء؛ ولكن أحكامه كانت باتّة جازمة إلى حد أبقي على ما يقرب من ثلثها في ملخص، ويقول عنه لمبرديوس: "لم يبلغ الإمبراطور الإسكندر سفيرس ما بلغه من سموالمنزلة إلا لأنه كان يحكم أكثر ما يحكم وفقاً لنصائح البيان"(35). بيد حتى البيان قد عمل على اغتال بعض معارضيه، ومن أجل هذا فإن بعض أعدائه من رجال الحرس قتلوه في عام 288 انتقاماً منهم. وكانت مسببات قتله أقل انطباقاً على القانون من اغتال معارضيه ولكنه أدى إلى نفس النتيجة. وشجع دقلديانوس مدارس القانون وأمدها بالمال، وألّف لجاناً لتقنين ما سنّ بعد تراجان من شرائع، وجمعها كلها في القانون الجريجزياني Codex Gregorianus. ثم أتت على فقه القانون سنة من النوم دامت إلى أيام جستنيان.

وسار فن التصوير في القرن الثالث على الأنماط التي كان يسير عليها في بمبي والإسكندرية، والقليل الذي أبقى عليه الزمان فج، كاد الدهر حتى يبليه. أما البحث فكان مزدهراً لأن الكثيرين من الأباطرة كانوا يطلبون حتى تنحت لهم تماثيل، غير أنه جمد حتى أصبح المنظر الأمامي للشخص المصور بدائي الطراز، ولكن هذا العصر لم يفقه أي عصر بعده فيما أخرجه من صور تدهش الناظر إليها بصدقها وواقعيتها. ومما يشير على فضل كركلا، أويشير على غباوته، أنه جاز لمثّال حتى يصوّره في صورة إنسان فظ، أكرث الشعر متجهّم الوجه، وهي الصورة المحفوظة إلى الآن في متحف نابلي. ولدينا تمثالان ضخمان من تماثيل ذلك العصر هما الثور الفرنيزي وهرقول الفرنيزي، وكلاهما مبالغ في حجمه، متوترة عضلاته توتراً غير مستحب، ولكنهما يشهدان بما كان في هذا العصر من إتقان فني لم ينقص قط عن إتقان العصور السابقة. ومما يشير على حتى المثالين كانوا لا يزالون قادرين على النمط القديم تلك النقوش البارزة الناطقة بالعفة والطهارة والتي نراها على ثالوث الاسكندر سفيرس وهي ثالوث لدوفيزي. غير حتى النقش الذي على قوس سبتميوس سفيرس في روما ليس فيه شيء مما يمتاز به الفن الأنكي من بساطة وظرف، بل يتصف بالخشونة والقوة الواضحتين اللتين تكادان تنبئان بعودة البربرية إلى إيطاليا.

وسار فن العمارة بالنزعة الرومانية التي ترى السموفي ضخامة الحجم إلى أقصى حد. فأقام سبتميوس على تل البلاتين آخر ما أقيم عليه من القصور الإمبراطوريّة وضم إليها جناحا جهة الشرق يعلوفي الجوسبعة طباق - وهوالمعروف بالسبتزينيوم Septizonium. وقدمت جوليا دمنا ما يلزم من المال لإنشاء إيوان فستا، وإقامة هيكل فستا الصغير الذي لا يزال باقياً في السوق العامة. وشاد كركلا لسربيس زوج إيزيس ضريحاً ضخماً احتفظ الزمان ببتر جميلة منه إلى اليوم. ومن أعظم خرائب العالم روعة حمّامات كركلا التي تم بناؤها في عهد الاسكندر سفيرس. نعم إنها لم تضف شيئاً جديداً إلى هندسة البناء، لأنها تسير في جوهرها على طراز حمّامات طراجان، وكان البناء الضخم القائم يعبر أحسن تعبير عن صاحبها قاتل جيتا وبابنيان. وكان بناؤها الرئيسي المكون من الآجر والإسمنت المسلح يشغل 270.000 قدم مربعة - أي أكبر من مسطح مجلس البرلمان الإنجليزي وبهووستمنستر مجتمعين. وكان درج حلزونية تؤدي إلى أعلى الجدران. وهناك جلس شلى وخط قصيدة برمثيوس الطليق. وكان بداخل الحمّامات عدد كبير من التماثيل، ويحمل سقفها 200 عمود منحوتة من الحجر الأعبل والمرمر، والحجر السماقي، وكانت أرض الحمّامات وجدرانها المبنية من الرخام مطعمة بمناظر من الفسيفساء، وكان الماء يصب من أفواه ضخمة من الفضة في برك وأحواض تتسع لاستحمام 1600 إنسان في وقت واحد. وأنشأ جلينس وديسيوس حمّامات مماثلة لهما، وفي هذه الحمّامات الأخيرة أقام المهندسون الرومان قبة مستديرة فوق بناء ضخم ذي عشرة أضلاع متساوية وسندوها بنادىمات عند زوايا البناء ذي العشر الأضلاع. وهي وسيلة لم تكن تستعمل إلا قليلاً قبل ذلك الوقت ولكنها أصبحت كثيرة الاستعمال في المستقبل. وفي عام 295 شرع مكسميان في بناء الحمّام الحار الذي كان أضخم الحمّامات الإمبراطوريّة الحارة الأحد عشر، وسمّاه حمّامات دقلديانوس، وهوتواضع منه لم يكن معروفاً في وقته. وقد أعد لأن يستحم فيه 3600 شخص. وكان به فوق ذلك مدارس للتدريب الرياضي، وأبهاء للحفلات الموسيقية، وقاعات للمحاضرات: وأنشأ ميكل أنجلومن حجرة واحدة من هذا الحمّام كنيسة سانتا ماريا دجلى أنجيلى Santa Maria degli Angeli وهي أكبر كنيسة في إيطاليا بعد كنيسة القدّيس بطرس. وأنشأت في الولايات مبان لا تفوقها في ضخامتها إلا العمائر السالفة الذكر، وأقام دقلديانوس نفسه كثيراً من المباني في نيقوميديا، والاسكندرية، وإنطاكية. وزين مكسميان ميلان وزين جليريوس سرميوم وجمل قسطنطينيوس تريف Treves.

وكان الأدب أقل ازدهاراً من العمارة، لأنه قلما كان في مقدوره حتى يصل إلى الثروة التي تجمعت في أيدي الأباطرة. ومع هذا فقد زاد عدد دور الخط ووسعها، وكان لطبيب من أطباء القرن الثالث مجموعة تبلغ 62.000 مجلّد، واشتهرت مخطة البيان بما فيها من المحفوظات التاريخية؛ وبعث دقلديانوس بالفهماء إلى الإسكندرية لينسخوا ما فيها من المخطوطات الأدبية اليونانية والرومانية القديمة، ويأتوا بنسخ منها إلى مخطات رومة. وكان الفهماء كثيري العدد محببين إلى الأهلين، وقد أشاد فيلوستراتس بذكرهم في كتابه حياة السوفسطائيين؛ وواصل برفيري عمل أفلوطين، وهاجم المسيحية، وأهاب بالعالم حتى يقتصر على أكل الخضر، وحاول أيمبليكس Iamblicus حتى يوفق بين الأفلاطونية ومبادئ الديانة الوثنية، وأفلح في ذلك إلى حد استطاع معه حتى يوحي بآرائه إلى الإمبراطور جوليان. وجمع ديجين ليرتبوس سير الفلاسفة وأراءهم في مقتطفات وقصص رائعة فاتنة، وبعد حتى التهم أثينيوس النقراطيسي Athenaeus of Naucratis جميع ما في ممحرر الإسكندرية أفرغ جميع ما جمعه في كتابه المعروف سوفسطائيي مائدة الغداء وهومحادثة ممل في الأطعمة، ومرق التوابل، والعاهرات، والفلاسفة والمفردات اللغوية، يخفف من ملله ما تجده في بعض أجزائه من كشف عن عادة قديمة، أوذكرى عظيم، وخط لنجينس، وهومحرر من بلميريا في أغلب الظن، رسالة لطيفة في "السمو" نطق فيها حتى اللذة الخاصة التي يبعثها الأدب في الإنسان، منشؤها أنها "تسمو" بالقارئ عن طريق الفصاحة التي يستمدها المحرر من قوة اقتناعه، وإخلاصه ووفائه لأخلاقه . وشرع ديوكاسيوس ككيانس من أهل نيقية بيثينيا يخط تاريخ روما (210؟) وهوفي سن الخامسة والخمسين بعد حتى قضى حياته يتقلب في مناصب الدولة. وأتم هذا الخط في الرابعة والسبعين وقص فيه تاريخ المدينة من روميولوس إلى أيامه ولم يبقَ من هذا الكتاب إلا أقل من نصف أسفاره الثمانين، ولكن هذه الأسفار الباقية تضم ثمانين مجلداً ضخماً. ويمتاز هذا العمل باتساع نطاقه أكثر مما يمتاز بعلوصفاته، وفيه قصص واضحة حية، وخطب مبينة، واستطرادات فلسفية ليست سخيفة المعنى رثّة العبارات مستمسكة بالقديم، ولكن النبوءات والنذر تفسد الكتاب كما تفسد كتاب ليفي، وهومثل كتاب ناستس وصف مطول لمعارضة مجلس الشيوخ؛ وهوكجميع خط التاريخ الرومانية يعنى أكثر ما يعنى بتقلبات السياسة والحرب كأن الحياة لم تكن في ألف عام إلا ضرائب وموت.

وأهم من هؤلاء الرجال الكرام في نظر مؤرخ العقل هوظهور الرواية الغرامية في هذا القرن. وقد سبقها إعداد طويل تدرج من القيروبيديا Cyropaedia لزنوفون، إلى القصائد الغزلية لكليماخوس، إلى القصص الخرافية التي تجمعت حول الاسكندر، و"الحكايات الميلسية" التي يرويها أرستيديز وغيره في القرن الثاني قبل الميلاد وما تلا ذلك القرن من أجيال. وقد أحب بهذه القصص التي تروي أخبار المغامرات والحب جمهرة الأيونيين اليونان بتنطقيدهم، الشرقيين بمزاجهم، ولعلهم وقتئذ قد أصبحوا شرقيين بدمائهم. وتطورت الرواية المنمقة تطورات شتى على ايدي بترونيوس في رومة وأبوليوس في أفريقية، ولوشيان في بلاد اليونان، ويامبليكوس في سوريا، ولم تكن في بادئ الأمر تعنى بالحب عناية خاصة، حتى إذا كان القرن الأول بعد الميلاد امتزجت رواية المغامرات برواية الحب، ولعل هذا الامتزاج كان استجابة منهما لزيادة عدد القارئات من النساء.

وأقدم الأمثلة الباقية من هذه الروايات هي "الإثيوبيكا Aethiopica" أوالقصص المصرية التي خطها هليودورس الحمصي، وقد ثار الجدل الكثير حول تاريخ هذه القصص، ولكن في وسعنا حتى نعزوها إلى القرن الثالث، وتبدأ بأسلوب خلع عليه قدم العهد ثوباً من الجلال:

"أفتر ثغر النهار عن بسمات البهجة، وأوفدت الشمس أشعتها فأنارت قلل التلال، حين وقف جماعة الرجال يظهر من أسلحتهم وظهرهم أنهم قراصنة، وأخذوا ينظرون إلى البحر بعد حتى صعدوا إلى قمة أحد المنحدرات المطل على مصب النيل الهرقليوتي. ولكنهم لم يجدوا هناك شراع سفينة يبشرهم بالغنيمة فوجهوا أبصارهم نحوالشاطئ الممتد من تحتهم، وكان هذا هوالذي رأوه(37).

ونلتقي على حين غفلة بثياجينس Theagenes الشاب الغني الوسيم وبالأميرة كركليا Chsriclea الجميلة الباكية. وكان القراصنة قد قبضوا عليهما، وحلت بهما كثير من ضروب الشدائد المتنوعة، من سوء التفاهم، والوقائع الحربية، والقتل واللقاء، تكفي لأن تكون مادة لجميع والقصص التي تصدر في فصل من فصول السنة في هذه الأيام.

وتختلف هذه السيرة عن قصص بترونيوس وأبوليوس في حتى عفة العذارى في رواية هليودورس مسألة غير ذات خطر كبير، ويمر عليها القارئ بسرعة، بينما هي عند بترونيوس وأبوليوس جوهر السيرة ومحورها الذي تدور عليه فترى هليودورس يحافظ على عفة كركليز وينجيها من عشرات الأخطار ويدبج عدداً من العضات القوية المقنعة في جمال الفضيلة النسوية ووجوب المحافظة عليها. ولعلنا نجد هنا شيئاً من تأثير المسيحية؛ بل إذا الرواية المتواترة تجعل مؤلف السيرة أسقف سالونيكي المسيحي فيما بعد. ولقد كانت الأثيوببكا، على غير فهم أوقصد من مؤلفها، منشأ عدد لا يحصى من الروايات التي نسجت على منوالها؛ فلقد كانت هي أنموذج سيرة سرفنتيز Cervontes المسماة Pesileey Sigismunda وسيرة كورندا في رواية إنقاذ أورشليم لتاسو، وقصص السيدة ده اسكوديري Mme de Scudery. ففي هذه الرواية نجد جريمة الحب، ودلائله، والتوجع والإغماء، والخاتمة السعيدة التي نجدها في مئات الآلاف من القصص الممتعة؛ وهنا نجد رواية كلارسا هارلوClarissa Harlowe قبل محررها رتشاردسن Richardson بألف وخمسمائة عام.

وأشهر قصص الحب جميعها في النثر القديم سيرة دافنيس وكلوي Daphnis and Chloe. ولسنا نعهد عن مؤلفها إلا اسمه لنجس Longus، كما اننا نظن مجرد افترض أنها ألقت في القرن الثالث بعد الميلاد. وتقول إذا دفنيس عرض لتقلبات الجوالقاسية وقت مولده، وإن راعياً أنقذه وعنى بتربيته وإنه أصبح هوالآخر راعياً. وفي السيرة فقرات رائعة في وصف الريف توحي بأن لنجس كشف ما فيه من جمال بعد طول مقامه في المدينة، كما كشفه الشاعر ثيوكريتس الذي نسج هوعلى منواله. ويحب دفنيس فتاة حسناء أنقذت هي الأخرى بعد حتى عرضت للجوالقاسي في طفولتها. ويرعى الفتى والفتاة بترانهما وتتوثق بينهما عرى الصداقة والألفة، ويستحمّان معاً وهما عريانين في طهر وبراءة، ويقبل كلهما الآخر أول قبلة يسكران منها. ويشرح لهما جارسنج نشوة حبهما، ويصف لهما ما لاقاه في أيام شبابه من آلام العشق فيقول: "لم أكن أفكر في طعامي، ولم أكن أذوق طعم الراحة، وهجر الكرا عيني، وأمضني الحزن، وأسرعت ضربات قلبي، وأحست أطرافي ببرودة الموتى(28). ويعهدهما أبواهما، وكان وقتئذ من أغنياء الناس، ويهبانهما الكثير من المال، ولكنهما لا يعبآن بالثراء، ويعودان إلى حياة الرعي المتواضعة. والسيرة مكتوبة ببساطة الفن الجميل المصقول وقد ترجمها أميوAmyot إلى اللغة الفرنسية السلسلة المطواعة (1559) فكانت هذه الترجمة هي المثال الذي احتذاه سان بيير في بول وفيرجينيا كما أوحت بما لا يحصى من الرسوم والقصائد والبتر الموسيقية.

وشبيه بها قصيدة من الشعر تعهد باسم أمسية فينوس. ولا يعهد أحد اسم منشئها أومتى أنشأها، وأغلب الظن أنها من شعر ذلك القرن نفسه(39) وموضوعها هوموضوع خطب لكريشيوس التي تمتاز بما فيها من التفات، ورواية لونجوس الغرامية - وخلاصتها حتى ربة الحب تلهب قلوب جميع الأحياء بالرغبة الجامحة، وأنها لهذا السبب هي خالقة العالم الحقة!


غداً سيحب مَن لم يطف به طائف الحب،

غداً سيحب مَن ذاق قبل طعم الحب،

لقد أقبل الربيع النظر، أخذ يغني غناء الحب،

وولدت الدنيا من جديد، وها هوذا حب الربيع،

يدفع جميع طير إلى قرينه، وها هي ذي الغابات المترقبة

تنثر غدائرها لتستقبل شآبيب الربيع،

غداً سيحب مَن لم يطف به طائف الحب،

وسيحب مَن ذاق قبل طعم الحب،


وعلى هذا النحويسترسل المحرر في شعره العذب الصافي، ويجد الحب في المطر المخصب وفي أشكال الزهر، وفي أهازيج الأعياد البهجة، وفي التجارب الصعبة التي يعانيها الشباب المشتاق، وفي مواعيد اللقاء الوجلة، وسط الغابات، وبعد جميع مقطوعة يتردد الوعد القوي الجامع: "غداً سيحب مَن لم يطف به طائف الحب، وسيحب مَن ذاق قبل طعم الحب". وإنا لنجد هنا في آخر القصائد الغنائية الكبرى التي تغنت بها الروح الوثنية الوزن الشعري لترانيم العصور التي تستبق أنغام شعراء الفروسية الغرليين بعدة قرون.

انظر أيضا

  • الإمبراطورية الرومانية
  • الجمهورية الرومانية

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

قراءات اضافية

  • Robin Lane Fox, Pagans and Christians
  • Ramsay MacMullen, 1984. Paganism in the Roman Empire
  • —— 1997. Christianity and Paganism in the Fourth to Eighth Centuries ISBN 0-3000-8077-8
  • R. M. Ogilvie, "Roman Imperial Religion" (subscription required), review of The Religions of the Roman Empire by John Ferguson, The Classical Review, New Ser., Vol. 22, No. ثلاثة (Dec., 1972), pp. 386-388. Accessed June 18 2007.
  • Louise Revell, "Religion and Ritual in the Western Provinces", Greece and Rome, volume 54, number 2, October 2007.


تاريخ النشر: 2020-06-04 14:07:41
التصنيفات: صفحات تستخدم وسوم HTML غير صالحة, Pages with citations using unsupported parameters, الإمبراطورية الرومانية, الجمهورية الرومانية, الديانة الرومانية القديمة, أساطير هندو-اوروبية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب جزيرة كريت اليونانية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:45
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 37%

وزارة الداخلية: مقطع فيديو النقاب “مفبرك”

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:27
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

تحريك سعر بيع منتجات البنزين والسولار (إنفوجراف)

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:50
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 45%

لماذا ترفع الحكومة سعر السولار؟.. تعرف على كافة التفاصيل (فيديو)

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:48
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 41%

تذكار استشهاد القديسة ثاؤدوسية ومن معها

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:28
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 55%

تعيين رئيس وزراء سريلانكا قائما بأعمال الرئيس

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:22:14
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 68%

مهندس الغزو الأمريكى للعراق يعترف: خططت لانقلابات فى عدة دول.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:54
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 44%

تعريفة الركوب الجديدة لسيارات الأجرة فى دمياط.. تعرف عليها

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:52
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 38%

استشهاد القديس اولمباس أحد السبعين رسولا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:28
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

إعلان حالة الطوارئ في سريلانكا عقب فرار الرئيس إلى جزر المال

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:22:21
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 52%

أفعال ومحاذير للسائقين تلزم رجال المرور بسحب رخص القيادة.. تعرف عليها

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:51
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 39%

احتجاجات أمام منزل رئيس المالديف تطالب بطرد الرئيس السريلانك

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:22:18
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

صحف فرنسية: بوميل المدرب المستقبلى لمنتخب مصر الأولمبى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:47
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 36%

مصر أقل الدول فى أسعار البنزين عالميا رغم الحرب الأوكرانية (فيديو)

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:46
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 42%

تعريفة الركوب الجديدة فى البحيرة وبورسعيد والمنوفية.. تعرف عليها

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:49
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 37%

شركة صينية تبتكر "آيس كريم" غير قابل للذوبان .. اعرف سر الصنعة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:49
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 50%

مقتل 20 شخصا وخطف العشرات في هجمات مسلحة في الكونغو الديمقرا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:22:11
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 65%

بدء السباق على منصب رئاسة الحكومة في بريطانيا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-13 12:21:55
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 59%

تحميل تطبيق المنصة العربية