علي بن عبد العزيز القاضي الجرجاني
علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني، أبوالحسن (ولد في جرجان وتوفي في 392 هـ/1001م) قاضي وعالم في اللغة والأدب.
رحل في طلب الفهم على العراق والشام واقتبس من أنواع العلوم والآداب حتى أصبح من أعلام عصره في الأدب والفهم والشعر. وفد على الصاحب بن عباد فقربه واختص به وحظي عنده وقلده قضاء جرجان ثم ولاه قضاء الري ومنحه رتبة قاضي القضاة. كان إلى جانب فهمه الوفير في الفقه شاعرا وناثرا ومتحدث، ولكنه اشتهر بالشعر والتأليف. كان شعره جزل، نقي الألفاظ متين السبك مع سهولة وعذوبة، وأحسن فنونه الحكمة والغزل. أما نثره فسهل ممتنع. كان أبي النفس، حافظ على كرامته.
كان على شدة صحبته للصاحب بن عباد يخالف رأيه في المتنبي، فالصاحب يحمل على المتنبي لأنه لم يمدحه وقد ألف كتابا في الكشف عن مساوئه، وكان القاضي الجرجايي يدافع عنه وقد ألف كتابا في الرد على خصومه نادىه الوساطة بين المتنبي وخصومه، وإلى جانب ذلك له مصنفات أخرى.
ملامح شخصيته وأخلاقه
له قصيدة في الفهم:
بأيّامِنا بين الكثيبين فالحمى وطيب ليالينا الحميدةِ فيهمَا
ووصْلٍ وَصَلنا بين أعْطافِه المُنى بـِرَدِّ زمانٍ كان للَّهوتَوْأَمَا
صَحِبْنَا بِهِ شَرْخ الشَّباب فدلَّنا على خُلَسٍ أفْضَى إليهنَّ نُوَّمَا
فلم ْنرضَ في أخلاقنا النُّصحَ مَذْهَبَا ولا اللَّومَ في أسـماعنا مُتَلَوَّما
إذا شـَاءَ غاوٍ قادَ لَحْظَاً مُوزَّعاً على غَيِّه أوشَافَ قَلْباً مُقَسَّمَا
أعِنِّي على العُذَّال أوخَلِّ بَيْنَنَا تُريْكَ دُموعيْ أَفْصَحَ القَوْلِ أَبْكَما
وطَيْفٍ تَخَطَّتَ أعيُنُ النَّاسِ والكَرَى إلى ناظرٍ يَلْقى التَّبَاريحَ مِنْهُمَا
تنَسَّم ريَّاهُ وبشَّرَهُ بهِ تناقُصُ ضوءِ البدرِ في جِهَة الحِمَى
وعَزَّ على العَيْنَيْنِ لولمْ تُرَغَّبا من الطَّيْفِ في إلمامَةٍ حتى تُهَوِّما
ولمَّا غَدَا والبينُ يَقْسِم لحْظَهُ على مُكْمَدٍ أغْضَى ورأْسٍ تبسَّما
فمِنْ قائِلٍ: لا آمنَ اللهُ حاســِـداً وقائلةٍ: لا روَّعَ البيْنُ مُغْرَمَا
بَدَت صُفْرَةٌ في وَجْنَتَيْهِ فلمْ تَزَلْ مَدَامِعُه حتَّى تشرَّبَتَا دَمـَا
سَقَى البَرقُ أكْنَافَ الحِمَى كلَّ رائحٍ إذا قَلِقَتْ فيه الجُنُوبُ تَرَنَّمَا
إذا أَسْبَلَتْ عيناهُ لمْ تبقَ رَبْوةٌ من الأرضِ إلا وهي فاغِرَةٌ فَمَا
تَرَى الأرضَ مُتَطَايراً فإن أَنْجَمَتْ صارَتْ سماءً وأَنْجُـمَا
تُسَالِبُهَا أَنْفاسَها نفسُ الصَّبا وتُهْدي إليْها الشَّمسُ شيئاً مُسَـهَّمَا
كأنَّ أبا عمروٍ تخلَّلَ رَوْضَـها ففاحَ بهِ عَرْفَاً وأشرَقَ مَبْسَما
إذا زادَت الأيَّامُ فينا تَحَمُّلاً وحَيْفَاً على الأَحْرَارِ زادَ تَكَــــرُّمَـــا[2]
إذا هابَ بَعْضُ القَومِ ظُلْمَاً أَظَلَّهُ تَجَلَّتْ مَسَاعِي أَوَّلَيْهِ فَأَقْدَمَا
سَقَى اللهُ دَهْرَاً سَاقَنِي لجِوَارِهِ وإنْ كانَ مَشْغَوْفَاً بِظُلْمِي مُتَيَّمَا
سَأَشْكُرُ ما تُولِيهِ قَولاً ونِيَّـــةً فإن قَصَّرا نَابَ اعْتِذاريَ عَنْهُمَا
فَسَحْتَ رَجَائِيْ بَعْدَ ضِيْقِ مَجَالِهِ وأوْضَحْتَ لِيْ قَصْدِيْ وَ قَدْ كَانَ أَظْلَمَا
وَمَا زِلْتُ مُنْحَازَاً بِعِرْضِيَ جَانِبَاً مِنَ الذَّمِّ أَعْتَدُّ الصِّيَانَةَ مَغْنَمَا
إذا قِيْلَ: هذا مَشْربٌ قُلْتُ: قَدْ أَرَى ولَكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمـَا
أُنَهْنِهُهَا عن بَعض ما لا يَشِينُهَا مَخَافَةَ أَقْوَالِ العِدَا فيمَا أولِمَا
فَأُصْبِحُ مِنْ عَتْبِ اللَّئِيمِ مُسَلَّماً وقَدْ رُحْتُ مِن نَفَسِ الكَريمِ مُعَظَّمَا
فَأُقْسِمُ مَا غُرَّ امْرُؤٌ حُسِّنَتْ لَهُ مُسَامَرَةُ الأَطْمَاعِ إنْ بَاتَ مُعْدِمَا
يَقولونَ: ليْ فيْكَ انْقِبَاضٌ وإنَّمَا رَأَوا رَجُلاً عنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ مُحْجِمَا
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ ومَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
ولَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُـلَّمَا
ولمْ أَبْتَذِلْ في خِدْمَةِ العِلْمِ مُهْجَتِيْ لِأَخْدِمَ مَنْ لَاقَيْتُ لَكِنْ لِأُخْدَمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسَاً وأَجْنِيْهِ ذِلَّةً إِذَنْ فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كَانَ أَسْلَمَا
ولَوْ أنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُم ولَوْ عَظَّمُوهُ فِيْ النُّفُوسِ لعُظِّمـَا
ولَكِنْ أَذَالُوهُ فَهَانَ ودَنَّسـُوا مَُحَيَّاهُ بالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَـا
فِإنْ قُلْتَ جَدُّ العِلْمِ كَابٍ فِإنَّمَا كَبَا حِيْنَ لَمْ يُحْرَسْ حِمَاهُ وأُسْلِمَا
وإنِّيْ إِذَا مَا فَاتَنِيْ الأَمْرُ لَمْ أَبِتْ أُقَلِّبْ كَفِّيْ إِثْرَهُ مُتَذَمِّـمَا
ولَكِنَّهُ إِنْ جَاءَ عَفْوَاً قَبِلْتُهُ وإنْ مَالَ لَمْ أُتْبِعْهُ هَلَّا ولَيْتَــــمَـا
وأَقْبِضُ خَطْوِيْ عَنْ حُظُوْظٍ كَثِيْرَةٍ إذَا لَمْ أَنَلْهَا وَافِرَ العِرْضِ مُكْرَمَــا
وأُكْرِمُ نَفْسِيْ أَنْ أُضَاحِكَ عَابِسَاً وأَنْ أَتْلَقَّى بالمَدِيْحِ مُذمَّمَا
وكَمْ طَالِب ٍ رِقِّيْ بِنُعْمَاهُ لَمْ يَصِلْ إليْهِ وإنْ كَانَ الرَّئيْسَ المُعَظَّمَـــا
ومَا كُلُّ بَرقٍ لاحَ لِيْ يَسْـتَفِزُّنِــيْ وما كُلُّ [مَا فِيْ] الأَرْضِ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا
ولكِنْ إذا مَا اضْطَرَّنِيْ الأَمْرُ لَمْ أَزَلْ أُقَلِّبُ فِكْرِيْ مُنْجِدَاً ثُمَّ مُتْهِمَــــــا
إلى أَنْ أَرَى مَنْ لا أَغَصُّ بِذِكْرِهِ إذا قُلْتُ قَدْ أَسْدَى إليَّ وأَنْعَمَـــا
وإنِّي لَرَاضٍ عَن فَتَىً مُتَعَفِّفٍ يَرُوحُ ويَغْدُولَيْسَ يَمْلِكُ دِرْهَمَـــا]
يَبِيْتُ يُرَاعِيْ النَّجْمَ مِنْ سُوءِ حَالِهِ ويُصْبِحُ طَلْقَاً ضَاحِكَاً مُتَبَسِّمَــــا]
ولَا يَسْأَلُ المُثْرِينَ مَا بِأَكُفِّهِمْ ولَوْ مَاتَ جُوْعَاً غُصَّةً وتَكَرُّمَــا]
فَكَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ عَلَى الحُرِّ نِقْمَةً وكَمْ مَغْنَمَاً يَعْتَدُّهُ المَرْءُ مَغْنَمَــــا[12]
ومَإذَا عَسَى الدُّنْيَا وإِنْ جَلَّ قَدْرُهَا يَنَال بِهَا مَنْ صَيَّرَ الصَّبْرَ مِعْصَمَا
على أَنَّنَيْ لَوْ لَمْ أُعِدَّ لِحَرْبِهَا سِوَاكَ لَقَدْ كُنْتَ المَصُونَ المُحَرَّمَـــا
فَكَيْفَ وَعِنْدِيْ كُلُّ مَا يَمْنَعُ الفَتَى بِهِ عِرْضَهُ مِنْ أَنْ يُضَامَ ويُهْضَمَا
ولَيْسَ بِبِدْعٍ مِنْ عُلَاكَ عِنَايَةٌ تُسَهِّل لِي
يُقَرِّبُ مِنِّيْ مَا تَبَاعَدَ وانْتَأَى ويَخْفِضُ نَحْوِيْ مَا تَصَاعَدَ واسْتَمَى
ومَنْ لَقِيَ الأَمْلَاكَ مِنْكَ لمِوْعِدٍ تَجَنَّى عَلَى آكَامِهِ وتَحَكَّمَا
إذَا كَانَ بَعْضُ المَدْحِ لَفْظَاً مُجَرَّدَاً ضَمَمْتُ إلى لَفْظِيْ ضَمَيْرَاً مُسَلَّمَــا
ومَا سَاعَدَ القَلْبُ الوَدَوْدُ لِسَانَهُ عَلَى مِدْحَةٍ إلا أُطِيْعَ وحُكِّمَـــــا
ولوأنّ أَهْلَ الفهم صانوه صانهم ولوعظّموه في النفوس لَعَظَّما
ولكن أهانوه فهان ودنّسومحيّاهُ بالأطماع حتّى تجهّما
ولم أبتذل في خدمة الفهم مهجتيلأخدمَ من لا قيت لكنْ لأخدما
أأشقى به غرساً وأجنِيه ذلة إذاً فاتّباع الجهلِ قَد كان أحزما
من تلامذته
- عبد القاهر الجرجاني
مؤلفاته
- الوساطة بين المتنبي وخصومه
- تفسير القرآن المجيد
- تهذيب التاريخ.
وفاته
توفي في الري ودفن في جرجان سنة 392 هـ في عهد الخليفة العباسي القادر بالله تعالى.
المصادر
- [1]
- ملتقى أهل الحديث