روجر بيكون

عودة للموسوعة

روجر بيكون

للوزير الأول في نوڤا سكوتشيا، طالع روجر بيكون (سياسي).

روجر بيكون
تمثال روجر بيكون في متحف جامعة أكسفورد

روجر بيكون Roger Bacon، ن.ر.أ. (ح. 1214–1294)، ويعهد أيضاً باللقب Doctor Mirabilis (لاتينية: "المفهم البديع")، كان فيلسوفاً إنچليزي وراهب فرانسيسكان الذي شدد على أهمية التجريبية (أوالإمپريقية). ويـُنسب له أحياناً أنه كان أحد أوائل الاوروبيين المنادين بالطريقة الفهمية الحديثة المستلهمة من أعمال الفهماء المسلمين.

حياته

ولد أشهر فهماء العصور الوسطى في سمرست حوالي عام 1214،ونحن على يقين من أنه عاش حتى عام 1292، وأنه نطق عن نفسه في عام 1267 إنه شيخ كبير(96). ودرس في أكسفورد على جروستستي وكسب من هذا العالم المحيط بشتى الفنون افتتاناً بالفهم. وكانت الروح الإنجليزية، روح النفعية والاعتماد على الاختبار، قد أخذت تتشكل. وسافر بيكن إلى باريس حوالي عام 1240، ولكنه لم يجد فيها الحافز القوي الذي بعثته فيه أكسفورد؛ وأدهشه كثيراً حتى لم يجد إلاّ قلة ضئيلة من أساتذة جامعة باريس تعهد لغة من لغات الفهم خلاف اللغة اللاتينية، وأنهم لا يولون الفهم إلاّ قدراً ضئيلاً من وقتهم، وأنهم ينفقون الكثير منه في الجدل المنطقي والميتافيزيقي وهوالذي كان يظهر لبيكن عديم النفع في الحياة إلى حد الإجرام. ودرس الطب وشرع يخط رسالة في تخفيف متاعب الشيخوخة. وسعى للحصول على ما يلزمه من المعلومات لهذه الرسالة بالسفر إلى إيطاليا؛ ودرس اللغة اليونانية في بلاد اليونان الكبرى ، وفيها عهد بعض المؤلفات الطبية الإسلامية، ثم عاد إلى أكسفورد في عام 1251، وانضم إلى هيئة التدريس في تلك الجامعة؛ وخط في عام 1267 يقول إنه أنفق في العشرين السنة السابقة على ذلك العام ألفي جنيه في شراء "الخط السرية والآلات" وفي تعليم الشبان اللغات والعلوم الرياضة(97). واستأجر اليهود ليفهموه هووطلابه اللغة العبرية وليعاونوه على قراءة العهد القديم بلغته الأصلية.

وانضم إلى طائفة الرهبان الفرنسيس حوالي عام 1255، ولكن يظهر أنه لم يصبح في يوم من الأيام قساً.


أعماله

دراسات في فهم الضوء لبيكون

نظرته للماضي

وعافت نفس بيكن ميتافيزيقية المدرسيين، فألقى بنفسه بحماسة بالغة في تيار العلوم الرياضية، والتاريخ الطبيعي، والفلسفة. وليس من حقنا حتى نفكر فيه على أنه مبتكر فذ، وصوت عالمي يدوي في بيداء الفلسفة المدرسية؛ لأن الواقع أنه كان في جميع ميدان مديناً لمن سبقوه، وأن ما وهب من القدرة على الابتداع كان هوالذروة المحتومة لتطور طويل المدى. ولقد وضع ألكسندر نكهام، وبارثلميوالإنجليزي Bartholomew the Englishman، وروبرت جروستستي، وآدم مارش Adam Marsh في أكسفورد تنطقيد فهمية ثابتة، ورثها بيكن، وأعربها إلى العالم؛ وكان يعترف بفضل أولئك السابقين عليه ويثني عليهم ثناءً لا حد له: وكان يعترف كذلك بما للعلوم والفلسفة الإسلامية من فضل عليه وعلى العالم المسيحي كله، وربما هومدين به لليونان عن طريق الفهماء المسلمين؛ وأشار إلى حتى فهماء اليونان والمسلمين "الكفرة" كانوا هم أيضاً ممن تلقوا الوحي والهداية من الله(98). وكان يجل إسحق إسرائيلي، وابن جبيرول وغيرهما من المفكرين العبرانيين، ووجد في نفسه من الشجاعة ما يمكنه من حتى يقول حدثة طيبة عن اليهود الذين كانوا يقيمون في فلسطين حينما صلب المسيح(99). ولم يكن يأخذ الفهم بنهم عن الفهماء وحدهم، بل كان يأخذه أيضاً عن أي إنسان تستطيع معارفه في الصناعات اليدوية أوالأعمال الزراعية حتى تزيد ما لديه من معلومات. وخط في هذا المعنى بتواضع لا عهد لنا به:

لا ريب في حتى إنساناً ما لن يستطيع، قبل حتى يرى الله وجهاً لوجه، حتى يعهد شيئاً مؤكداً تأكيداً نهائياً...لأنه لا يوجد إنسان ملم بجميع أحوال الطبيعة إلماماً يمكنه من حتى يعهد جميع شيء... عن طبيعة ذبابة واحدة وخواصها. وإذ كانت الأمور التي يجهلها الإنسان لا حصر لها، وكانت أعظم وأجمل إذا قيست إلى ما يعهده منها، فإن من يمتدح نفسه بكثرة ما يعهده، مخبول قد اختلت موازين عقله. وكلّما زاد الناس حكمة، كانوا أكثر تواضعاً واستعداداً لتلقي الفهم من غيرهم؛ وهؤلاء لا يحتقرون من يأخذون عنهم لسذاجته، ولكنهم يظهرون التواضع للفلاحين، وللعجائز من النساء والأطفال، لأن السذج وغير المتفهمين يعهدون أشياء كثيرة تخفى على الحكماء.... ولقد عهدت أنا نفسي من ناس ذوي مكانة وضيعة حقائق أكثر أهمية من التي عهدتها من جلة الفهماء الذائعي الصيت. فليحذر جميع إنسان إذن حتى يفاخر بما أوتي من حكمة(100).

واندفع في العمل بجهد وسرعة أثرنا في صحته حتى أعتل جسمه في عام 1256، فانسحب من الحياة الجامعية ولم نعد نعهد عنه شيئاً في العشر سنين التالية. وأكبر الظن أنه ألّف في هذه الفترة بعض خطه الصغيرة أمثال: في العدسات المحرقة وفي قوى الاختراع والطبيعة العجيبة، وتقدير الحادثات الطبيعية. ووضع في هذا الوقت خطة ((الكتاب الرئيسي))، وهوموسوعة من عمل رجل واحد أراد حتى تكون في أربعة مجلدات: (1) النحووالمنطق. (2) الرياضة، والهيئة، والموسيقى. (3) العلوم الطبيعية - البصريات، والجغرافية، والتنجيم، والكيمياء القديمة، والزراعة، والطب، والعلوم التجريبية. (4) ما وراء الطبيعة والأخلاق.

منحى جديد

وبعد حتى خط أجزاء متفرقة من هذه الموسوعة واتته فرصة خيل إليه أنها فرصة سعيدة، فحالت بينه مبين إنجاز برنامجه. ذلك حتى گاي فولك Guy Foulques كبير أساقفة نربونة ارتقى عرش البابوية في شهر فبراير من عام 1265 وتسمى باسم حدثنت الرابع، واتى معه إلى البابوية ببعض الروح الحرة التي نشأت في جنوبي فرنسا من اختلاط الشعوب والعقائد الدينية. وخط إلى بيكن في شهر يونية بأمره بإرسال "نسخة مبيضة" من مؤلفاته "سراً وعاجلاً" و"دون مبالاة بتحريم أي رئيس ديني، أولائحة الطائفة التي تنتمي إليها"(101). وشرع بيكن بكل ما في وسعه من جهد (كما يتبين ذلك من أسلوبه الحماسي) يعمل ليتم موسوعته؛ ولكنه خشي حتى يتوفى حدثنت أويفقد اهتمامه بالعمل قبل تماما، فأجله، وألف في اثني عشر شهراً - أوجمع من مخطوطاته - الرسالة الأولية المعروفة لنا بسام الكتاب الأكبر Opus Maius. وظن حتى هذا المؤلف نفسه قد يحدث أطول مما يريده البابا الكثير المشاغل فخط عناصر منه سماها الكتاب الأصغر؛ وأوفد هذين المخطوطين في أوائل عام 1268 إلى حدثنت ومعها نطق عن تضاعف الرؤية. وخشي حتى تضيع هذه في طريقها إلى البابا فخط خلاصة أخرى لآرائه هي الكتاب الرابع وأوفدها إلى حدثنت مع رسول خاص، مصحوبة بعدسة، وأشار على البابا حتى يجري بها تجارب بنفسه. وتوفي حدثنت في شهر نوفمبر من عام 1268. ومبلغ فهمنا حتى حدثة واحدة لم ترسل إلى الفيلسوف من البابا نفسه أوممن اتىوا بعده اعترافاً منه أومنهم بوصول هذه الخط.

ذكراه

"Friar Bacon's Study", in Oxford. By the late 18th century this study, on Folly Bridge, had become a place of pilgrimage for scientists. The building was pulled down in 1779 to allow for road widening.

فالكتاب الأكبر إذن هوعندنا "أكبر مؤلفات" بيكن، وإن كان هولم يرده إلاّ حتىقد يكون فاتحة لمؤلفاته. وهوكتاب ضخم يضم ثمانمائة صفحة مقسمة إلى سبع رسائل: (1) في الجهل والخطأ. (2) وفي العلاقة بين الفلسفة وعلوم الدين. (3) وفي دراسة اللغات الأجنبية. (4) وفي فائدة العلوم الرياضية. (5) وفي فن المنظور والبصريات، (6) وفي العلوم التجريبية. (7) وفي الفلسفة الأخلاقية. وفي الكتاب قدره الخليق به من السخافات، وفيه كثير من الاستطراد، وأكثر مما يليق من المقتبسات الطويلة من مؤلفات غيره؛ ولكنه يمتاز بالقوة، والإخلاص، والاتجاه إلى القصد مباشرة، ويقبل عليه القراء في هذه الأيام أكثر من إقبالهم على أي مؤلف آخر من مؤلفات العصور الوسطى في العلوم أوالفلسفة. وإنّا ليسهل علينا حتى نفهم الاضطراب الحماسي، والإشادة البابوية، والحرص الشديد على الجهر بالتمسك بالدين القويم، والنزول بالفهم والفلسفة إلى منزلة الخدم لعلوم الدين، نقول إنّا ليسهل علينا حتى نفهم وجود هذا كله في كتاب يبلغ هذا المبلغ من اتساع المدى وتعدد الموضوعات، خط ليكون خلاصة عاجلة، ويراد به الحصول على تأييد البابا للتربية الفهمية والبحث الفهمي. ذلك حتى روجر بيكن كان يشعر بما يشعر به فرانسس بيكن وهوحتى تقدم العلوم في حاجة إلى معونة رؤساء الدين وكبار رجال الدولة، وإلى أموالهم لتبتاع بها الخط، والآلات والسجلات، ومعامل الاختبار، والتجارب، ولأداء أجور الموظفين.

وكأنما أراد حتى يستبق سميه إلى تحطيم "الأصنام" بثلاثمائة عام، فبدأ بذكر أربعة مسببات هي التي تسقط الإنسان في الخطأ وهي: "الاقتداء بالمراجع الراهنة غير الجديرة بأن يقتدى بها، والعادة التي استقرت من زمن بعيد، وإحساس الجماهير الجاهلة، وتغشية الجهل بستار من التظاهر بالحكمة"(102). ويحرص على حتى يضيف إلى هذا أنه "لا يشير بحال من الأحوال إلى تلك السلطة القوية الموثوق بها التي... وهبت إلى الكنيسة". (5) وهويأسف لتسرع أهل زمانه واعتقادهم أنه يكفي لأن تكون قضية ما في رأيهم قد ثبتت بالدليل إذا وجدت في أرسطو، ويجهر بأنه لوأوتي السلطة الكافية لأحرق جميع خط هذه الفيلسوف، لأنها في رأيه منبع الأخطاء ومصدر الجهل(103)، ثم تراه بعد هذا لا تخلوصفحتان من كتابه دون تعبير مقتبسة من أرسطو.

ويخط في أول الجزء الثاني يقول: "وبعد حتى أقصيت مسببات الخطأ الأربعة وألقيت بها في الدرك الأسفل أحب حتى أبين حكمة واحدة لا أكثر هي الحكمة الكاملة، وهي الحكمة التي يحتويها الخط المقدس". وفي رأيه أنه إذا كان فلاسفة اليونان قد ألهموا نوعاً من الإلهام الثانوي، فسبب ذلك أنهم اطلعوا على خط الأنبياء والبطارقة(104). ويبدوحتى بيكن يؤمن بقصص الكتاب المقدس إيماناً ساذجاً، ويعجب لم لا يسمح الله للناس أ، يعيشوا ستمائة عام(105). ويؤمن كذلك بقرب نزول المسيح وبنهاية العالم. وهويدافع عن الفهم لأنه يكشف عن الخالق في خله، ولأنه يمكن المسيحيين من حتى يهدوا الكفار الذين لا يتأثرون بالكتاب المقدس. إلى غير ذلك "يتأثر العقل البشري فيؤمن بحقيقة مولد المسيح من العذراء، لأن بعض الحيوانات تحمل وهي عذراء وتلد صغاراً،ومن أمثلة ذلك الصقورة والقردة، كما يقول أمبروز في كتابه الأيام الستة . هذا إلى حتى الخيل في كثير من البلدان تحمل بعمل الرياح وحدها حين تشتهي الذكر كما يقول بلني(106)، وتلك كلها أمثلة يؤسف لها اعتمد فيها على أصحاب "السلطة" الفهمية لا أكثر.

ويبذل بيكن في الجزء الثالث من كتابة غاية جهده ليعلّم البابا اللغة العبرية لأن دراسة اللغات في رأيه لازمة للدين، والفلسفة، والعلوم، وذلك لأن الترجمة أياً كانت لا تنقل معنى الخط المقدسة أوأقوال الفلاسفة الكفرة نقلاً دقيقاً. ويتحدث بيكن في الكتاب الأصغر حديثاً فهمياً مدهشاً عن التراجم المتنوعة للكتاب المقدس ويثبت فهمه الواسع بالنصوص العبرية واليونانية. ويقترح حتى يعين البابا لجنة من الفهماء المتبحرين في اللغات العبرية، واليونانية، واللاتينية لمراجعة الترجمة اللاتينية القديمة لهذا الكتاب، وأن تكون هذه الترجمة المراجعة - لأحكام بطرس لمبارد هي التي تدرس مع علوم الدين. ويحث على إنشاء كراسي أساتذة لتدريس اللغات العبرية واليونانية والعربية، والكلدانية؛ ويعارض في استخدام القوة لتحويل غير المسيحيين إلى الدين المسيحي، ويتساءل كيف من الممكن أن تستطيع الكنيسة حتى تتصل بالمسيحيين اليونان، والأرمن، والسوريين، والكلدان إلاّ عن طريق لغاتهم. وكان بيكن يعمل بجد في هذا الميدان ويعظ الناس، وكان أول الفهماء في العالم المسيحي الغربي يتم وضع كتاب نحويوناني ليستخدمه الذين يعهدون اللاتينية، وأول مسيحي يؤلف في نحواللغة العبرية. وكان يقول إذا في مقدوره حتى يخط باللغتين اليونانية والعبرية، ويبدوأنه تفهم أيضاً اللغة العبرية(107).

وحين يصل بيكن إلى موضوع الرياضيات تصبح خطه مسرحاً للتحمس البليغ والنظريات الغامضة. ويقول عن الرياضيات: "واعتقادي حتى العلوم الرياضية لازمة وأنها تلي في ذلك اللغات". ويكشف عن خضوعه لتأثير الدين حين يقول إذا العلوم الرياضية "يجب حتى تساعد على فهم مكان الجنة والنار"، وتزيد من فهمنا بجغرافية الكتاب المقدس والتواريخ الدينية، وتمكن الكنيسة من إصلاح التقويم(108)، ويقول: ولنلاحظ كيف من الممكن أن تساعدنا "القضية الأولى في الهندسة" - وهي إنشاء مثلث متساوي الأضلاع على خط معلوم - على "أن ندرك أننا إذا سلمنا بشخص الله الأب، تبدى أمامنا الثالوث ذوالأشخاص المتساوين"(109), ثم ينتقل من هذا المركز السامي الذي يضع فيه الرياضة فيستبق استباقاً مدهشاً فهم الطبيعة الرياضية الحديث بإصراره على حتى الفهم لا يبلغ حد الكمال في الخصائص الفهمية إلاّ إذا صاغ نتائجه كلها في صورة رياضية، وإن كان لابد له حتى يجعل التجارب هي الكيفية التي يستخدمها في الوصول إلى تلك الغاية. وعنده حتى جميع الظواهر غير الروحية آثر من آثار المادة والقوة، وأن جميع القوى تعمل في تناسق وانتظام، ولهذا فإنها يمكن التعبير عنها بخطوط وأشكال؛ "ومن الواجب تحقيق الأمور بالبراهين المبينة بخطوط وأشكال"؛ وليست جميع العلوم الطبيعية في آخر الأمر إلاّ علوماً رياضية(110).

ولكن إذا كانت الرياضة هي النتيجة، فإن التجربة يجب حتى تكون وسيلة الفهم وطريقة اختبار نتائجه. ولقد أحدث بيكن ثورة فهمية أداتها الرياضيات والتجارب، على حين حتى الفلاسفة المدرسيين من أبلار إلى تومس أكوناس قد وضعوا جميع ثقتهم في المنطق، وكادوا يضمون أرسطوإلى الثالوث المقدس، لأنهم في واقع الأمر جعلوه روحاً قدساً. فهويقول إذا أدق النتائج التي يؤدي إليها المنطق تهجرنا غير واثقين من صدقها، حتى تؤيدها الخبرة، فالحرق وحده هوالذي يقنعنا بحق حتى النار تحرق؛ "ومن يُرد حتى يبتهج ابتهاجاً لا ريب فيه بالحقائق الكامنة وراء الظواهر الطبيعية فليهب نفسه للتجارب الفهمية"(111). ويبدوأنه في بعض الأوقات يرى حتى التجربة experimentum ليست وسيلة من وسائل البحث، بل هي الطريقة النهائية من طرق البرهان بوضع الأفكار - التي وصل إليها الإنسان بالخبرة والاستدلال - موضع الاختبار، وذلك بأن تصنع على أساسها أشياء ذات فائدة فهمية(112). وهويدرك ويعلن في وضوح أكثر من فرانسس بيكن حتى التجربة في العلوم الطبيعية هي البرهان الذي لا برهان غيره. ولم يكن يدّعي حتى هذه الفكرة جديدة أتى بها من عنده، بل يعتقد حتى أرسطو، وجالينوس، وبطليموس، والفهماء المسلمين، وأدلارد، وبطرس الاسبانيولي، وربرت جروستستي، وألبرتس مجنس وغيرهم قد قاموا بالتجارب الفهمية أوامتدحوها، وكل ما عمله روجر بيكن حتى جعل الضمني صريحاً، وأن ثبت راية الفهم في الأرض المنتزعة من بيداء الجهل.

ولم يفد روجر بيكن العلوم نفسها، كما لم يفدها فرانسس بيكن، إلاّ في القليل الذي لا يغني، إذا استثنينا من ذلك فهم البصريات وإصلاح التقويم. ذلك حتى هذين الرجلين لمقد يكونا عالمين بل كانا من فلاسفة الفهم. وقد واصل روجر عمل جروستستي وأمثاله فاستنتج أ، التقويم اليوليوسي البالغ في طول السنة الشمسية فزادها يوماً في جميع 125 سنة - وهوأدق تقدير وصل إليه العالم في ذلك الوقت - وأن التقويم كان في عام 1267 متقدماً عن الشمس بعشرة أيام. ولهذا اقترح إسقاط يوم من التقويم اليوليوسي في جميع 125 سنة. ولا تكاد الصفحات المائة التي خصها بفهم الجغرافية في الجزء الرابع من الكتاب الكبير تقل براعة عن هذه الفكرة البارعة. فقد تحدث روجر بحماسة بالغة مع وليم ربرسكوي William of Rubresquis عن عودة زملائه الرهبان الفرنسيس من الشرق، وعهد الشيء الكثير عنه، وانطبع في ذهنه قول وليم إذا ثمة ملايين لا حصر لها من الناس لم يسمعوا شيئاً قط عن الدين المسيحي. وأعرب بالاستناد إلى أقوال وردت في أرسطووسنكا حتى "البحر الذي يفصل طرف أسبانيا الغربي عن شرقي الهند يمكن اجتيازه في بضعة أيام قليلة جداً إذا كانت الريح مواتية"(113). وقد اقتبس كولمبس الفقرة التي نقلت عنه في مصور العالم (1480) الكردنال بيير دايي Pierre d'Ailly في خطاب خطه إلى فرديناند وإزبلا في عام 1480 ونطق إنها مما أوحي إليه بالرحلة التي قام بها في عام 1492(114).

وكأنما كان بيكن في العمل الذي قام به في فهم الطبيعة يرى بعين الخيال المخترعات الحديثة، وإن كان يغشاها من حين إلى حين الآراء السائدة في عصره. وإلى القارئ ترجمة حرفية لفقرات مشهورة يقفز فيها من القرن الثالث عشر إلى القرن العشرين: يختص جزء من خمسة أجزاء من جميع بصنع آلات عظيمة النفع إلى أقصى حد كالآلات التي تستخدم في الطيران، أوبالانتنطق في مركبات لا تجرها دواب، ولكنها تجري مع هذا بسرعة لا تعادلها قط سرعة أخرى؛ أوفي اجتياز البحار من غير مجاديف وبسرعة أكبر مما يظن إنها مستطاعة على أيدي الآدميين. ذلك حتى هذه الأمور قد حدثت في أيامنا هذه. وليس من حق أي إنسان حتى يسخر أويدهش منها. وهذا الجزء من الفهم يرينا كيف من الممكن أن تصنع آلات يستطاع بها حمل أثنطق لا يصدقها العقل أوإنزالها بغير مشقة ولا جهد...(115). ألا إذا من المستطاع خلق آلات طائرة... إذا جلس الرجل في وسط الواحدة منا أمكنه حتى يدير دولاباً عجيب الابتكار تستطيع به أجنحة صناعية حتى تضرب الهواء كما يضربه جناحا الطائر... ويمكن أيضاً خلق آلات يمشي بها الإنسان في البحر أوالنهر وفي قاعهما نفسه، من غير خطر عليه(116).

وفي الكتاب الأكبر فقرة فسرت بأنها تشير إلى البارود:

لقد كشفت فنون جديدة لمقاومة أ'داء الدولة يستطاع بها إهلاك جميع من يجرؤ على مقاومتها وإن لم يستخدم في ذلك سيف أوغيره من الأسلحة التي بحاجة إلى الاتصال البدني... ذلك حتى دوياً مروعاً يصدر من قوة الملح المعروفة بنيترات البوتاس إذا اشتعل فيه جسم ضئيل الحجم، وهوبترة صغيرة من الرق؟... وهذا الدوي المروع يفوق هزيم الرعد وينبعث منه بريق أشد من البرق الذي يصحب الرعد. وفي فقرة لعلها مدسوسة على الكتاب الثالث يضيف بيكن إلى القول السابق قوله إذا بعض اللعب "المفرقعة" تستعمل في ذلك الوقت وتحتوي على خليط من نيترات البوتاس (بنسبة 41.2%) والفحم النباتي (بنسبة 29.4%) والكبريت (بنسبة 29.4%)(117)، ويشير إلى حتى قوة هذا المسحوق المفرقعة يمكن مضاعفتها بوضعه في داخل مادة صلبة. وهولا يدّعي بأنه اخترع البارود، وكل ما في الأمر أنه كان من أوائل من درسوه كيميائياً وتنبئوا بإمكانياته.

وخير ما خطه بيكن على الإطلاق هوالجزء الخامس من الكتاب الأكبر "في فهم المنظور". وفي الرسالة المكملة له في تضاعف الرؤية. وقد تفرعت هذه الموضوعة البارعة في البصريات من كتاب جروستستي عن قوس قزح، ومن تلخيص وتلوWitelo لكتاب ابن الهيثم، ومن دراسات فهم البصريات التي تنقلت من ابن سينا، إلى الكندي، إلى بطليموس، وبلغت غايتها في إقليدس (300 ق.م) الذي برع في تطبيق الهندسة النظرية على حركات الضوء. وكان من البحوث التي قام بها بيكن: هل الضوء هوانبعاث جزيئات من الجسم المرئي،يا ترى؟ أوهل هوتحرك الوسط الكائن بين هذا الجسم والعين،يا ترى؟ ويعتقد بيكن حتى جميع جسم مادي يشع قوة في جميع الاتجاهات، وأن هذه الإشعاعات قد تنفذ في الأجسام الصلبة: ليس ثمة جسم يبلغ من الكثافة حداً يمنع الأشعة منعاً باتاً من حتى تمر فيه. ذلك حتى المادة التي تهجرب منها الأجسام واحدة فيها جمياً، ولهذا فليس ثمة جسم لا تحدث الأفعال التي تصحب مرور شعاع ما تغيراً فيه... إذا أشعة الحرارة والصوت تخترق جدران إناء من المضى أوالشب، ويقول بؤيثيوس إذا عين الوشق تخترق الجدران السميكة(118).

ولسنا واثقين من هذه القوة المعزوة إلى الوشق، ولكننا إذا استثنينا هذا القول حق علينا حتى نعجب بهذا الخيال الجريء لذلك الفيلسوف،وهو"الخيال المتماسك في جميع أجزائه". وحاول بيكن وهويقوم بالتجارب على العدسات والمرايا حتى يصوغ قوانين انكسار الضوء، وانعكاسه، وعمل الأشعة الضوئية في تكبير الأجسام وتصغيرها. ومثل لنفسه قدرة العدسة المجدبة على هجريز كثير من أشعة الشمس في نقطة واحدة، ثم تشتيت هذه الأشعة خلف هذه النقطة لتتكون منها صورة مكبرة فخط يقول:

في مقدورنا حتى نشكل الأجسام الشفافة (العدسات) ونرتبها بالنسبة إلى قوة بصرنا وللأجسام المرئية ترتيباً يجعل الأشعة تنكسر وتنحني في أي اتجاه نريده، فنرى من أية زاوية نشاء الجسم قريباً منا أوبعيداً عنا. وعلى هذا فإن في وسعنا حتى نقرأ أصغر الحروف من بعد لا يصدقه الإنسان، وأن نعد حبات التراب أوالرمل... وعلى هذا فإن جيشاً صغيراً يمكن حتى يظهر للناظر كبيراً... وقريباً منه جميع القرب... وفي وسعنا أيضاً حتى نجعل الشمس، والقمر، والنجوم تبدوكأنها قد نزلت إلينا،... وما إلى هذا من الظواهر الكثيرة المماثلة مما لا يتقبله عقل الشخص الذي يجهل الحقائق...(119) ويمكن إلى هذا تصوير السماء بكل ما لها من طول وعرض بصورة مجسمة تتحرك حركتها اليومية،وقيمة هذا عند الرجل العاقل تعادل مملكة بأسرها... ثمة عجائب أخرى غير هذه يخطئها الحصر ويمكن عرضها على العين(120).

تلك فقرات ذات روعة وجلال، ويكاد جميع عنصر من عناصر النظرية التي نبسطها يوجد قبل بيكن وخاصة في خط ابن الهيثم؛ ولكنه هوالذي جمع مادتها كلها في صورة عملية ثورية استطاعت وقت حتى حل أوانها حتى تبدل العالم. وهذه الفقرات هي التي أرشدت ليونارد دجس Leonard Diggis (المتوفى حوالي 1571) إلى وضع النظرية التي اخترع المرقب على أساسها(121).

ولكن ما الذي يحدث إذا زاد تقدم العلوم الطبيعية من قدرة الإنسان دون حتى يسموبأغراضه،يا ترى؟ لعل أكثر نظرات بيكن نفاذاً إلى الصميم هي سبقه إلى تصور معضلة لم تتضح للعالم إلاّ في أيامنا هذه، فهاهوذا في الكتاب الأكبر يعبر عن اعتقاده الراسخ حتى الفهم وحده لا ينجي الإنسان:

كل هذه العلوم السالفة الذكر نظرية. ولسنا ننكر حتى لكل فهم وجهة عملية؛... ولكن الفلسفة الأخلاقية وحدها هي التي نستطيع حتى نقول عنها... إنها عملية في جوهرها... لأنها تبحث في سلوك الإنسان، في الفضيلة والرذيلة، في السعادة والشقاء... والعلوم الأخرى كلها لا قيمة لها إلاّ من حيث أنها تعين على العمل الصالح؛ وعلى هذا الاعتبار تصبح العلوم "العملية"، كالتجارب والكيمياء، وغيرها علوماً نظرية إذا قورنت بالعمليات التي تعنى بها العلوم الأخلاقية أوالسياسية. وفهم الأخلاق هذا هوسيد جميع حمل من فروع الفلسفة(122).

ويصور بيكن حكمه الأخير في صالح الدين لا في اصلح الفلسفة، فبالأخلاق وحدها يؤيدها الدين يستطيع الإنسان حتى ينجي نفسه. ولكن أي دين يقصد،يا ترى؟ إنه يحدثنا عن ندوة الأديان - البوذية، والإسلام، والمسيحية - وهي الندوة التي عقدت، على ما يقول وليم الربرسكوي في قرقورم Karakorum بناءً على دعوة منجوخان وتحت رياسته(123). ويفاضل بيكن بين الأديان الثلاثة، ويصدر حكمه في صالح الدين المسيحي، ولكنه لا يصدر هذا الحكم بوصفه ديناً يتعبد به الناس في العالم وكفى. وهويشعر بأن البابوية، مهما وجه إليها جروستستي من نقد لاذع، هي الرابطة الروحية لأوربا، وبدونها تمزقها فوضى العقائد والحروب، وكان يأمل حتى يدعم الكنيسة بالعلوم، واللغات، والفلسفة ليمكنها من حتى تحكم العالم حكماً روحياً خيراً من حكمها الحاضر(124). وختم كتابه كما بدأه بالجهر الصادر عن عقيدة قوية بولائه للكنيسة، ويمجد في نهايته القربان المقدس - كأنه يقول إذا الإنسان إذا لم يعمل من حين إلى حين للاتصال بأسمى مثله العليا احترق في لهيب هذا العالم.

ولعل عجز البابوات عن الاستجابة بوسيلة ما إلى المنهج الذي وضعه بيكن وإلى دعواته المتكررة وقد أظلم روحه وأمرَّ قلمه. وكانت نتيجة هذا أنه نشر في عام 1271 موجز الدراسات الفلسفية غير تام لم يضف إلاّ القليل للفلسفة، ولكنه أضاف الشيء الكثير إلى الأحقاد الدينية التي كانت تمزق المدارس تمزيقاً. وفيه قضى قضاءً عاجلاً على الجدل الآخذ وقتئذ في الضعف بين الواقعية والصورية فنطق: "ليس الكلى إلاّ تماثيل عدة أفراد" و"في الفرد الواحد من الواقعية أكثر مما يف الكليات كلها مجتمعة"(125). وأخذ بنظرية أوغسطين ووصل إلى حتى جهود الأمور كلها لإصلاح شأنها قد أحدثت سلسلة طويلة من التطورات(126). كما أخذ بفكرة أرسطوالقائلة بوجود العقل الفاعل أوالعقل الكوني الذي "يسري إلى عقولنا وينيرها" وأقترب اقتراباً شديداً من مبدأ وحدة الوجود الذي ينادي به ابن رشد(127).

ولكنه لم يهز مشاعر معاصريه بآرائه الفلسفية بقدر ما هزها بهجومه على منافسيه وعلى مبادئ زمانه الأخلاقية. ذلك أنه في موجز الدراسات الفلسفية كاد يلهب بسوطه جميع نواحي الحياة في القرن الثالث عشر: اضطراب نظام المحاكم البابوية، وانحطاط طوائف رهبان الأديرة، وجهل رجال الدين، وثقل مواعظهم وخلوها من التشويق، وفساد أخلاق طلاب الفهم، وما في الفلسفة من لغووتلاعب بالألفاظ. وذكر في رسالة له عن أخطاء الطب "ستة وثلاثين عيباً أساسياً كبيراً" في النظريات والأعمال الطبية في عصره، وخط في عام 1271 فقرة من الممكن تدعونا إلى التسامح في عيوب أيامنا هذه:

يُرتكب في عصرنا هذا من الذنوب أكثر مما يرتكب في أي عصر قبله. فالكرسي البابوي يمزقه خداع الظالمين وغدرهم... ولقد فشا الكبرياء بين الناس، وغلت مراجل الطمع في الصدور، وأنشب الحسد أنيابه في جميع النفوس؛ والبلاط البابوي كله يسربله الفجور بالعار، والنهم هوسيد الجميع... وإذا كان هذا هوشأن الرأس فماذا عسى حتى تعمل سائر الأعضاء،يا ترى؟ فلننظر إلى كبار رجال الدين كيف من الممكن أن يجرون وراء المال، ويهملون العناية بالأرواح، ويحملون إلى المناصب العليا أبناء أخوتهم وأخواتهم وغيرهم من الأصدقاء وأولي الأرحام؛ والمحامين الماكرين الذين يفسدون جميع شيء بنصائحهم... ولننظر إلى طوائف الرهبان من رجال الدين، لست أستثني أحداً مما أشاهده بينهم؛ انظروا في أية هاوية تردوا، وهووا من شامخ مجدهم فرادى وجماعات، وهاهم أولاء الرهبان (الإخوان) الجدد قد فسدوا فساداً مروعاً وحادوا عن تقواهم الأولى. إذا رجال الدين على بكرة أبيهم لا هم لهم إلاّ التكبر، والفجور، والبخل، وحيثما يجتمع طلاب الفهم...

لا تسمع منهم إلاّ اغتياب غير رجال الدين والتشهير بحروبهم ومنازعاتهم ويغرها من الرذائل. والأمراء، والأشراف، والفرسان يظلم بعضهم بعضاً، ويُشقون رعاياهم بحروبهم ومطالبهم التي لا حد لها... والشعب الذي يشقى بأمرائه، يحقد على هؤلاء الأمراء، ولا يدين لهم بولاء إلاّ إذا أرغم على ذلك قوة واقتداراً؛ وقد أفسده المثل السيئ الذي ضربه له سادته وكبراؤه، فترى أفراده يظلم بعضهم بعضاً ويخدعه ويغشه، ونحن نشهد هذا كله بأعيننا في جميع مكان، وهم منهمكون في فسقهم ونهمهم، وقد بلغوا من الانحطاط حداً يعجز اللسان عن النطق به. أما التجار والصناع فحدث عنهم ولا حرج، لأن الخداع والغش هما ديدنهم في جميع أقوالهم وأفعالهم... لقد كان الفلاسفة الأقدمون، وإن أعوزتهم الكياسة المنعشة التي تجعل الناس خليقين بالخلود، يعيشون خيراً منا إلى ابعد حد مستطاع، سواء في أدبهم أوفي احتقارهم هذا العالم وكل ما فيه من بهجة وغنى، وثروة، وألقاب التكريم، كما يتبين الناس جميعاً من مؤلفات أرسطو، وسنكا، وتلي Tully، وابن سينا، والفارابي، وأفلاطون، وسقراط وغيرهم؛ وبهذا وصلوا إلى أسرار الحكمة،وكشفوا عن جميع المعارف؛ أما نحن المسيحيين فلم نكشف شيئاً شبيهاً بما كشفه أولئك الفلاسفة، بل إننا لنعجز عن إدراك حكمتهم. ومنشأ جهلنا هذا هوحتى أخلاقنا شر من أخلاقهم... وليس ثمة بين العقلاء من يخالجه أدنى شك في حتى الواجب يقضي بتطهير الكنيسة(128).

ولم تنطبع في عقله صورة طيبة من الفلاسفة المعاصرين له، وشاهد ذلك ما خطه عنهم إلى حدثنت الرابع يقول إذا أحداً منهم لا يستطيع في عشر سنين حتى يؤلف كتاباً مثل الكتاب الأكبر، فقد كانت مؤلفاتهم في نظر بيكن مجلدات ضخمة من "الكذب الذي لا يستطاع وصفه" والحشوالذي لا ضرورة له(129)؛ وكان هيكل تفكيرهم كله يقوم على الكتاب المقدس ومؤلفات أرسطو، وذاك قد أسيء فهمه وهذه قد أسيئت ترجمتها(130). وكان يسخر من نقاشا تومس الطويل في عادات الملائكة، وسلطانهم، وذكائهم، وحركاتهم(131).

وما من شك في حتى هذا الإسراف في اتهام حياة أوربا وأخلاقها، وتفكيرها، في ذلك القرن المتلألئ الباهر قد جعل بيكن وحده في ناحية أوربا كلها في ناحية أخرى. ولكننا لا نجد دليلاً على حتى طائفته أوالكنيسة قد اضطهدته أوتدخلت في حرية فكره أوقوله قبل عام 1277، أي قبل حتى يخط المرثاة السالفة الذكر بست سنين.ولكن وقع في تلك السنة حتى أخذ يوحنا الفرشلي John of Vercelli رئيس الرهبان الدمنيك وجيروم الأسكولي Jerom of Ascoli رئيس الرهبان الفرنسيس يتفاوضان ليخففا من حدة بعض النزاع الذي شجر بين الطائفتين. واتفقا على حتى يمتنع الإخوان في جميع طائفة عن نقد الطائفة الأخرى، وأن "كل أخ يتبين أنه أساء إلى أخ من الطائفة الأخرى بالقول أوبالعمل يجب على مجلس مقاطعته حتى يسقط عليه من العقاب ما يرضى أخاه الذي أسيء إليه(132). وبعد قليل من ذلك الوقت قام جيروم - على حد قول أخبار قادة الطائفة الأربعة والعشرين التي خطت في القرن الرابع عشر - "عملاً بمشورة كثيرين من الإخوان فعارض واستقبح تعاليم الأخ روجر بيكن مدرس فهم اللاهوت المقدس لأنها تحتوي على بدَع تثير الشك، ومن أجل هذا حكم على روجر المذكور بالسجن"(133). ولسنا نفهم عن هذه المسألة شيئاً غير هذا؛ فهل كانت هذه "البدع" هي الإلحاد، أوارتياب من حكموا عليه في أنه يمارس فنون السحر، أوحتى هذا الأمر يخفي في طياته قراراً بإسكات هذا الناقد البغيض إلى الدمنيك والفرنسيس على السواء،يا ترى؟ ولسنا نعهد كذلك ما فرض من التضييق على بيكن في سجنه أوطول الزمن الذي ظل فيه سجيناً مضيقاً عليه. وكل ما نعهده حتى بعض المساجين الذين حكم عليهم بالسجن في عام 1277 قد أطلق سراحهم في عام 1292، وربما كان بيكن ممن أطلق سراحهم في ذلك الوقت أوقبله، لأنه نشر في عام 1292 موجزاً في الدراسات اللاهوتية، ثم لا نجد بعد ذلك إلاّ حدثة في سجل قديم: دفن الدكتور روجر بيكن الجليل القدر في كنيسة جريسي فريزر Grecy Frairs (كنيسة الرهبان الفرنسيس) بأكسفورد في عام 1292"(134).

ولم يكن لبيكن في عصره إلاّ أثر قليل. فكل ما يذكره به ذلك العصر أنه رجل يأتي بكثير من الأعاجيب، وأنه ساحر ومشعوذ. وقد صور بهذه الصورة في مسرحية خطها روجر جرين Roger Green بعد ثلاثمائة سنة من وفاته. وليس من السهل علينا حتى نعهد مقدار ما يدين له سمه فرانسس بيكن (1561 - 1626)؛ وكل ما نستطيع حتى نقوله في هذا حتى فرانسيس وروجر على السواء كليهما رفضا منطق أرسطو، والطريقة المدرسية، وارتابا في الاعتماد على المراجع القديمة، وعلى العادات وغيرها من أصنام التفكير التقليدي، وامتدحا العلوم، وذكرا ما يتسقط اختراعه بالاعتماد عليها، ورسما منهاجاً لها، وأكدا فائدتها العملية؛ وطالبا بالمعونة المالية للبحوث الفهمية. وأخذت شهرة بيكن تعظم وتنتشر ببطئ من القرن السادس عشر حتى أصبحت حياته من القصص الخرافية - فقيل إنه هومخترع البارود، والبطل الحر التفكير، الذي ظل طول حياته مضطهداً من رجال الدين، والمبتكر العظيم للتفكير الحديث. والآن أخذت الآية تنقلب، فالمؤرخون يقولون أنه لم تكن لديه إلا فكرة مهوشة عن التجارب الفهمية، وإنه لم يجر من هذه التجارب إلا القليل، وإنه كان في الدين أكثر حرصاً على تنطقيده من البابا نفسه، وإن صفحات خطه تنتشر فيها الخرافات والسحر، والخطأ في الاقتباس، والتهم الكاذبة، والقصص غير الصادقة المأخوذة من التاريخ.

وهذا كله سليم؛ وسليم أيضاً أنه وإن لم يجر من التجارب إلا القليل، قد ساعد على دعم مبدأ التجربة الفهمية، ومهد السبيل الى قيامها، وأن جهره بالتمسك بالسنن الدينية قد يحدث إجراءً سياسياً من رجل يسعى للحصول على تأييد البابوية للعلوم التي كانت مثاباً للريبة. أما أخطاؤه فقد كانت عدوى زمانه، أولعلها قد نشأت من العجلة التي تسير بها روح تحرص على حتى تجعل المعارف كلها ميداناً لها. وأما امتداحه نفسه فقد كان هوالبلسم الشافي لتجاهل عبقريته؛ كذلك كان هجومه على غيره تنفيساً لغرض إنسان جبار خابت آماله، فأخذ يشهد إخفاق أحلامه النبيلة تغرق في بحرٍ من الجهل وهوعاجز عن إنقاذها. وأما هجومه على النقل في الفلسفة والفهم فقد أنار السبيل لتفكيرٍ أوسع مجالاً وأكثر حريةً مما كان في زمانه؛ كذلك كان تأكيده لأسس الفهم وأهدافه الرياضية تقدما بخمسمائة عام عن العصر الذي يعيش فيه؛ وخير من هذا كله حتى تحذيره الناس من إخضاع الأخلاق للفهم تفهم لرجال الغد يجب حتى يأخذوا به. وملاك القول حتى الكتاب الأكبر، رغم أخطائه وآثامه، خليق باسمه، وأنه أعظم من أي مؤلف في جميع آداب ذلك القرن العجيب.


مأثورات

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بروجر بيكون، في فهم الاقتباس.

Bacon's approach is well-characterized by two quotations from his works:

If in other sciences we should arrive at certainty without doubt and truth without error, it behooves us to place the foundations of knowledge in mathematics."

— Opus Majus, bk. 1, ch. 4

Mathematics is the gate and key of the sciences. …Neglect of mathematics works injury to all knowledge, since he who is ignorant of it cannot know the other sciences or the things of this world."

— Opus Majus

طالع ايضاً

  • Roger Bacon High School
  • Oxford Franciscan school
  • History of the scientific method
  • History of science in the Middle Ages
  • Witelo
  • Baco (crater)

هامش

  1. ^ Randall Noon (1992). . CRC Press. Unknown parameter |ibsn= ignored (help)
  2. ^ Glick, Thomas F.; Livesey, Steven John; Wallis, Faith: Medieval Science, Technology, and Medicine: An Encyclopedia, first edition, Routledge, September 29, 2005, ISBN-13: 978-0415969307
  3. ^ Moorstein, Mark: Frameworks: Conflict in Balance, page 237, iUniverse, Inc., June 9, 2004, 308 pp, ISBN-13: 978-0595318247

المصادر

  • تحوي هذه الموضوعة معلومات مترجمة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية لسنة 1911 وهي الآن من ضمن الملكية العامةarticle "Roger Bacon".


  • نطقب:A Short Biographical Dictionary of English Literature
  • Clegg, Brian (2003). The First Scientist: A Life of Roger Bacon. Constable & Robinson. ISBN .
  • Easton, Stewart C. Roger Bacon and his Search for a Universal Science, New York: Columbia Univ. Pr., 1952.
  • Hackett, Jeremiah, ed. Roger Bacon and the Sciences: Commemorative Essays, Studien und Texte zur Geistesgeschichte des Mittelalters, 57, Leiden: Brill, 1997. ISBN 90-04-10015-6
  • Lindberg, David C. "Science as Handmaiden: Roger Bacon and the Patristic Tradition," Isis, 78 (1987): 518–36; reprinted in Michael H. Shank, ed., The Scientific Enterprise in Antiquity and the Middle Ages, Chicago: Univ. of Chicago Pr., 2000. ISBN 0-226-74951-7

وصلات خارجية

  • "Roger Bacon" in the 1913 Catholic Encyclopedia.
  • Feynman got it wrong article on Roger Bacon's place in the history of science
  • Roger Bacon Quotes at Convergence
  • Roger Bacon entry in the Stanford Encyclopedia of Philosophy by Jeremiah Hackett
  • . Vol. I at Google Books. Contains the Opus Tertium, Opus Minus, and Compendium Philosophiae.
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:27:51
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, مقالات مأخوذة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية, مواليد 1214, وفيات 1294, فرنسيسكان, دراسيه فلاسفة, فلاسفة القرن 13, 13th century Latin writers, 13th century English people, وضعيون, English alchemists, English occultists, English scientists, فلاسفة إنگليز, English astrologers, Medieval writers, History of scientific method, People from Somerset, عبرانيون مسيحيون, صناع أجهزة علمية, 13th century scientists, كاثوليك إنكَليز, Religion and science

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:25
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 41%

وفاة ضابط شرطة بإنزكان عندما تدخل خارج لفض شجار بين شخصين و إيقاف قاتل

المصدر: زاكورة بريس - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:17
مستوى الصحة: 17% الأهمية: 27%

قبل حلوله بمراكش.. إصابة وزير الخارجية الأمريكية بلينكن بكورونا

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:29
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 41%

تسجيل 58 اصابة في حصيلة كورونا بالمغرب خلال 24 ساعة الماضية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:26
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 45%

المغرب وإسبانيا يستأنفان التعاون حول الهجرة بعد تطبيع علاقاتهما

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:16:19
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 87%

الحكومة تضع إطارا مرجعيا للحفاظ على جودة الكسكس والعجائن

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:22
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 39%

هام بخصوص موعد العودة الى توقيت (GMT+1 )

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:23
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 45%

صحافيون تونسيون ينددون "بتراجع كبير" للحريات في بلادهم

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:16:20
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 98%

شاهد مباشرة الندوة الصحفية للناطق الرسمي باسم الحكومة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:30
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 46%

مدينة وجدة تهتز على وقع جريمتي قتل بشعتين في ليلة واحدة

المصدر: زاكورة بريس - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:15
مستوى الصحة: 12% الأهمية: 25%

ارتفاع نسبة البطالة وسط الشباب بالمغرب

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:24
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 36%

الركراكي يستدعي 23 لاعبا لمواجهة بيترو أتلتيكو الأنغولي

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:16:03
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

فرنسا: الغموض يلف هوية رئيس الحكومة الجديدة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:16:14
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 96%

“اعتلال صحة بوتين”..حقيقة أم حيلة روسية؟

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:26
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 46%

الفيفا يعلن مواعيد ملحق تصفيات المونديال

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 18:15:28
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 37%

تحميل تطبيق المنصة العربية