أرغون خان

عودة للموسوعة

أرغون خان

الدولة الإلخانية

أرغون خان بن أباقا بن هولاكو(1258 -ستة ربيع الأول 690هـ/9 مارس 1291م) إلخان المغول الثالث.

يعد أرغون بن آباقا خان واحدًا من أكثر سلاطين الإلخانيين عداء للإسلام وحقدًا على المسلمين، ومن أشدهم جبروتًا وظلمًا وسفكًا لدماء المسلمين.

والإلخانيون أسرة مغولية حكمت إيران زهاء قرن من الزمان، وامتد حكمهم من نحوعام (654هـ = 1256م) إلى عام (756هـ= 1355م).

ومؤسس هذه الأسرة هو"هولاكوخان بن تولوي بن جنكيز خان"، وقد استطاع هولاكوتوحيد صفوف المغول تحت رايته واجتاح العالم الإسلامي، مرتكبًا الكثير من المذابح والفظائع التي تقشعر لها الأبدان حتى سقطت بغداد في أيدي المغول سنة (656 هـ= 1258م).

قطز يقضي على صلف هولاكو

تمكن هولاكومن الاستيلاء على معظم أنطقيم العالم الإسلامي، فاستطاع الاستيلاء على الجزيرة والشام ودمشق وحلب وديار بكر وربيع، ولم يبق أمامه سوى مصر التي كان يحكمها المماليك. فأوفد هولاكوبرسالة إلى السلطان قطز سلطان المماليك، تمتلئ بالوعيد والتهديد، وتقطر بالصلف والغرور، وتحمل معاني المهانة والتحقير، يدعوه فيها إلى المبادرة بالاستسلام، والإسراع بتقديم فروض الطاعة والولاء لسلطان المغول، وإعلان الخضوع.

ولم يكن أمام قطز إزاء جميع هذا الصلف والغرور إلا حتى يرد بحسم وقوة على وعيد هولاكووتهديده، ويمحوتلك الإهانة التي وجهها إلى سلطان المسلمين، فأمر بقتل رسل هولاكووالخرج بجيشه للتصدي لصلف المغول، فالتقى بهم في يوم (25 من رمضان 658 هـ= 24 من أغسطس 1260م) في عين جالوت؛ حيث ألحق بهم هزيمة منكرة، ودفعهم إلى الفرار في تلك المسقطة.

وفي عام (663 هـ= 1265م) تُوفي هولاكوخان، عن عمر بلغ ثمانية وأربعين عامًا، تاركًا لأبنائه وأحفاده تلك الإمبراطورية الشاسعة التي امتدت من الهند شرقًا إلى شواطئ البحر المتوسط غربا، وضمت إيران، والعراق وسوريا وآسيا الصغرى.

وتعاقب على عرش الإلخانيين في إيران عدد من أبناء هولاكوخان وأحفاده، الذين شاركوا في الحفاظ على تلك الإمبراطورية، وعملوا على زيادتها واتساعها ومنهم آباقا خان، -أوأبغا كما تسميه المصادر العربية-، وهوأكبر أبناء هولاكووأول خلفائه على مملكته العريقة.

وبالرغم من حتى آباقا خان كان بوذيًا فإنه كان شديد العطف على المسيحيين، وقد ارتبط بملوك أوروبا المسيحية وباباواتها، وعقد معهم عددًا من المعاهدات كما تحالف معهم ضد الدول الإسلامية في مصر والشام وآسيا الصغرى، وسعى إلى القضاء على سلطان المماليك ودولتهم في مصر والشام، وارتكب عددًا من المذابح ضد المسلمين، حتى إنه اغتال من المسلمين العزل في آسيا الوسطى ما يزيد على مائتي ألف مسلم؛ انتقامًا منه لهزيمة جيوشه فيها على يد جنود بيبرس.


تكودار أول حاكم إيلخاني مسلم

وتُوفي آباقا خان سنة (680 هـ = 1281م)، وخلفه أخوه "أحمد تكودار"، وكان تكودار قد اعتنق المسيحية في صغره، وسُمي "نيقولا"، ولكنه أسلم بعد ذلك وسمى نفسه أحمد تكودار؛ فكان أول حاكم إلخاني يعتنق الإسلام.

وقد حاول تكودار حتى يحمل المغول اعتناق الإسلام، ونجح في إقناع عدد كبير منهم، كما سعى إلى تحسين العلاقات بينه وبين المماليك، وإنهاء حالة الحرب والصراع بين المغول والمسلمين.

وقد شجّع هذا ابن أخيه الأمير أرغون بن أباقا خان إلى الثورة عليه بمساعدة كبار أمراء المغول وقادتهم، وانتهى الأمر بمقتل تكودار في (17 من ربيع الآخر 683هـ = أربعة من يوليو1284م). وأصبح الطريق إلى العرش ممهدًا أمام أرغون، الذي كان يعتبر ذلك حقه منذ وفاة أبيه آباقا خان.

اعتلاء أرغون العرش

وكان أرغون دمويًا يكره المسلمين؛ فسعى منذ اليوم الأول إلى إقصائهم عن جميع الوظائف والمناصب المهمة في الدولة، وعندما شعر "شمس الدين الجويني" صاحب الديوان ببوادر الغدر من أرغون بعد توليه الحكم فر من خراسان إلى إصفهان؛ خوفًا من بطشه، ولكنه خشي على أسرته من جبروت أرغون وتنكيله بهم؛ فقرر العودة إلى أصفهان، والتوسل إلى أرغون للعفوعنه وعن أقاربه، مستشفعًا بطول خدمته هووأقاربه للإيلخانيين لنحوثلاثين سنة.

ولكن خصومه اتهموه بخيانة السلطان السابق ودس السم له، فعقدوا له محاكمة صورية، وتقرر حتى يفتدي شمس الدين نفسه بالمال، فطلب مهلة لتدبير المال، فباع أملاكه، واقترض من أصدقائه وقومه، حتى تمكن من جمع ما يقرب من أربعين توماناً (أربعمائة ألف من المضى)، وبالرغم من ذلك فقد صدر الحكم بإعدامه هووأبنائه الأربعة وحفيده، وعدد من أفراد أسرته، وتم تطبيق الحكم في (4 شعبان 683 هـ = 17 أكتوبر 1248م)، كما تم إعدام أبنائه الأربعة، وصودرت جميع أمواله وممتلكاته.

التحالف ضد المسلمين

وسار أرغون على نهج أبيه وجده من التحالف مع المسيحيين، والسعي الدائب إلى القضاء على المماليك، وتقويض سلطانهم، والاستيلاء على أملاكهم، ومن ثم فقد حرص على إرسال السفراء والبعوث والرسائل إلى ملوك أوروبا وباباواتها، كما سعى إلى التحالف مع حكام دول أوروبا المسيحية، وإثارتهم لحرب المماليك، وفي سبيل ذلك أوفد السفارات والوفود والرسل إليهم يحملون رسائله لتشجيعهم على التعاون، وحثهم على حرب المماليك.

فأوفد رسالة إلى البابا "هونوريوس الرابع" سنة (684هـ = 1285م) نطق فيها:

"أنفذنا إليك رسلنا لتلتمس من قداستكم إرسال جيش إلى مصر، فإذا قدمتم من جهة وجئنا من الجهة الأخرى، استطعنا بفضل عساكرنا الأصحاء الأشداء حتى نستولي على هذه البلاد، ولتخطرنا عن طريق رسول صادق أمين كيف من الممكن أن يجري تحقيق هذا الموضوع، وسوف نطرد بذلك المسلمين بفضل ما يبذله من مساعدة جميع من البابا والخان الكبير، ولكنه لم يتلق ردًا منه.

ثم أوفد رابان صوما Rabban Sawma (أي الحبر الصائم)، وكان أحد كبار رجال الكنيسة في آسيا سفيرًا إلى فيليب لوبل ملك فرنسا، وإداوارد الأول ملك إنلجترا سنة (686، 687هـ = 1287، 1288م)، فعرض عليهما التحالف معه، وتكوين حلف (أوروبي مغولي) للقضاء على نفوذ المماليك في آسيا الصغرى والعراق والشام.

وقد لقيت تلك الأفكار والمقترحات استجابة كبيرة لدى جميع من الملكين، إلا أنها لم تخرج إلى حيز التطبيق.

تقريب المسيحيين واليهود

وكان أرغون شديد الاهتمام بالعمران وإقامة الأبنية؛ فأنشأ قصرين كبيرين في الجانب الغربي من "تبريز"، كما شيّد مدينة "بين القصرين"، واهتم ببناء العمائر ذات النقوش الجميلة والسقوف المقرنسة والشرفات المقوسة، وسميت تلك المدينة بـ"الأرغونية"، كذلك عُني بترميم الكنائس التي تهدمت في عصر السلطان أحمد تكودار.

وراح أرغون يُقرب المسيحيين واليهود، فعهد بالوزارة إلى طبيب يهودي يُدعى "سعد الدولة" كان قد نجح في علاجه من علة شديدة أصابته، ومنذ ذلك الحين قرّبه أرغون وجعله من خاصته حتى إذا ما آلت إليه أمور السلطنة كافأه بمنصب الوزارة، وجعله كبير مستشاريه.

سعد الدولة ومؤامراته

اشتهر "سعد الدولة" بالذكاء والمكر، وتميز بالمرونة وطلاقة الحديث باللغتين الهجرية والمغولية، كما كان على دراية تامة بكل ما يجري في بلاط الإلخانيين، وساعده على ذلك أنه كان طبيبًا؛ مما مكنه من الاتصال بكل الأطراف ذات النفوذ في البلاط، والتردد على جميع ذوي المكانة والسلطان في الدولة.

واستطاع سعد الدولة بدهائه حتى يوطد لنفسه، ويكتسب ولاء الرعية وحبها له، ويستميل قلوب الناس إليه، من خلال قيامه بعدة إجراءات إصلاحية؛ فقد منع السادة الإقطاعيين من نهب أموال الناس وابتزازهم، وعمل على تخفيف وطأة الضرائب والالتزامات عن كاهل الشعب.

وأراد حتى يجعل لحكومته طابعًا عسكريًا صارمًا، فحرَّم على القادة العسكريين الامتناع عن تطبيق قرارات المحاكم.

وسعى سعد الدولة في البداية إلى إرضاء المسلمين ومصانعتهم، وتجنب إثارة سخطهم حتى تستقر له الأمور؛ فزاد فيما يرصد من الأوقاف على الأعمال الخيرية، وجعل النظر في قضايا المسلمين وفقاً للشريعة الإسلامية، وشجّع الفهماء والأدباء، ولكنه في الوقت نفسه راح يكيد للمسلمين، ويضيق عليهم، ويمنعهم من الوصول إلى المناصب الرفيعة والوظائف الكبرى.

ثم لجأ سعد الدولة إلى مؤامرة أخرى لإثارة أرغون ضد المسلمين وتحريضه على اجتثاثهم، فأوعز إليه حتى النبوة قد انتقلت إليه بالتوارث عن جنكيز خان، وأنه بذلك أصبح رسولا من عند الله، وكان يسعى من وراء ذلك إلى التعجيل بوقوع الفتنة والصدام بين أرغون والمسلمين، وهوأمر واقع بلا ريب بعد حتى يرفض المسلمون اعتناق دينه الجديد.

واستشعر سعد الدولة قوة نفوذه ومضاء سلطانه، فأطلق يده في جميع شئون الدولة، واستبد بالسلطة، وعهد بالمناصب العليا والوظائف الكبرى لأقاربه وأبناء نحلته من اليهود، حتى صاروا يسيطرون على جميع أجهزة الدولة ومرافقها، وأصبح لهم الحدثة العليا في جميع أمور الدولة من دون أمراء المغول، من غير حتى يملكوا من الخبرات أوالكفاءات والمهارات ما يؤهلهم لذلك.

وقد أثار هذا المسلك نقمة أمراء المغول عليه، وتربصهم به بعد حتى أصبح هوالآمر الناهي، ووجدوا أنفسهم معزولين عن الدولة والسلطان، لا يملكون أية سلطة أونفوذ حقيقي في البلاد، فاتفقوا على التخلص منه والقضاء على أتباعه وأنصاره.

وسرعان ما سنحت لهم الفرصة عندما سقم أرغون واشتد عليه السقم، فقرر الأمراء التعجيل بالتخلص من سعد الدولة وأتباعه؛ فقبضوا عليه وساقوه إلى منزل الأمير "طغا جاد" أكثر الناقمين عليه وأشدهم عداوة له حيث تم القضاء عليه في صفر (690 هـ = فبراير 1291م).

ولم تمض أيام قلائل حتى تُوفي أرغون في (6 ربيع الأول 690هـ/9 مارس 1291م).


مراجع الدراسة:

تاريخ الدولة المغولية في إيران: د. عبد السلام عبد العزيز فهمي – دار المعارف – القاهرة: 1401 هـ = 1981 م. ص (171-181)

تاريخ المغول (منذ حملة جنكيز خان حتى قيام الدولة التمورية: عباس إقبال، ترجمة د. عبد الوهاب علوب – إصدارات المجمع الثقافي – أبوظبي: (1420 هـ = 2000م) ص (243-245)

العلاقات بين المغول وأوروبا وأثرها على العالم الإسلامي: د. عادل إسماعيل محمد هلال – عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية – القاهرة: 1417 هـ = 1997م. ص (132:118)

العلاقات السياسية بين المماليك والمغول في الدولة المملوكية الأولى: د. فايد حماد وعاشور – دار المعارف بمصر – القاهرة: (1396هـ = 1976م) (ص: 128:122)

المغول: د. السيد الباز العريني – دار النهضة العربية للطباعة والنشر – بيروت: (1401هـ = 1981م). ص (315:308).

سبقه
تكودار
الأسرة الإلخانية تبعه
گايخاتو


إسلام أون لاين: "أرغون".. والتحالف ضد المسلمين       تصريح

تاريخ النشر: 2020-06-04 14:49:19
التصنيفات: عن إسلام أون لاين.نت, مواليد 1258, وفيات 690هـ, وفيات 1291, إلخانات المغول, بورجيگين, ملوك القرن 13 في آسيا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

السفارة الصينية بلندن تتهم بريطانيا بانتهاك الأعراف الدولية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-18 18:16:31
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 100%

قائد ولفرهامبتون نيفيش في طريقه الى الهلال السعودي (تقارير)

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-18 18:16:20
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 97%

الاستئناف يشدد الحكم على الصحافي الجزائري إحسان القاضي

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-18 18:16:22
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 98%

الأزهر يعلق على أمر غريب يحدث أمام الكعبة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-18 18:16:34
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 98%

جائزة ألمانيا الكبرى: مارتين يقاوم ضغط بانيايا ويحقق فوزًا مثيرًا

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-18 18:16:23
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 95%

دوري الأمم الأوروبية: إيطاليا ثالثة على حساب هولندا المضيفة

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-18 18:16:21
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 100%

مصر تستعد لطرح عملة جديدة بمناسبة عيد الأضحى

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-18 18:16:33
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 94%

نجحي: "مباراتنا أمام الرجاء كانت متوازنة بين الفريقين"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-06-18 18:15:51
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان يصل إلى بيروت الأربعاء

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-18 18:16:24
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 91%

تحميل تطبيق المنصة العربية