نظام الحكم القديم

عودة للموسوعة

نظام الحكم القديم


الهيكل
طبقات المجتمع الاوروبي قبل القرن 19
الپرلمانات
النبلاء الفرنسيون
Taille
Gabelle
Seigneurial system
الفهم الملكي لمملكة فرنسا
لويس الرابع عشر ملك الشمس

نظام الحكم القديم Ancien Régime (النطق الفرنسي: [ɑ̃.sjɛ̃ ʁe'ʒim]، النظام القديم)، كان نظام أرستوقراطي، اجتماعي وسياسي تأسس في فرنسا من حوالي القرن 15 حتى القرن 18 في أواخر عهد آل ڤالوا وبوربون. أتى التقسيم الاداري والبنى الاجتماعي في النظام القديم نتيجة لسنات من بناء الدولة، القوانين التشريعية (مثل مرسوم ڤيير-كوترت)، النزاعات الداعلية والحروب المدنية، لكنهم احتفظوبالامتيازات المحلية والمرجعيات التارخية حتى سقوط النظام بقيام الثورة الفرنسية.

التقسيمات الادارية

توسعات الأراضي

توسع الأراضي الفرنسية من 1552-1798

الاستحواذات الفرنسية من 1461-1768:

  • تحت حكم لويس الحادي عشر - Provence (1482), Dauphiné (1461, تحت السيطرة الفرنسية من 1349)
  • تحت حكم فرانسوا الأول - بريتاني (1532)
  • تحت حكم هنري الثاني - Calais, Trois-Évêchés (1552)
  • تحت حكم هنري الرابع - County of Foix (1607)
  • تحت حكم لويس الثالث عشر - Béarn وNavarre (1620، تحت السيطرة الفرنسية من 1589، كجزء من ممتلكات هنري الاربع)
  • تحت حكم لويس الرابع عشر
    • صلح وستفاليا (1648) - ألزاس
    • صلح الپرانس (1659) - Artois, Northern Catalonia (Roussillon, Cerdagne)
    • Treaty of Nijmegen (1678-9) - Franche-Comté, Flanders
  • تحت حكم لويس الخامس عشر - Lorraine (1766)، كورسيكا (1768)


التقسيمات الادارية

فرنسا عام 1477. الخط الأحمر: حدود مملكة فرنسا؛ الأزرق الفاتح: استحوذ عليها مباشرة بالنطاق الملكي.

كانت الطبقة الوسطى آنذاك أكثر فعالية وقوة في الدولة، لأنها شغلت جميع المناصب، فيما عدا مناصب الوزارة التي كانت تتطلب عبير شجرة الأسرة أوعراقة الحسب والنسب، وكان أفرادها يشكلون البيروقراطية وصقلت مواهبهم بالانتقاء الطبيعي في ميدان الاقتصاد، وأثبتوا أنهم أمهر وأقدر من النبلاء سليلي الأسرات الواهنين الخاملين الذين ليس لهم ما يحفزهم على الجد والعمل. وفي الحق حتى نبلاء الرداء في البرلمانات والحكام كانوا ينتسبون إلى البرجوازية من حيث الأصل والخلق. وتولت الطبقة الوسطى شئون الكوميونات والأربعين مقاطعة، وإدارات الحرب والتموين والمواصلات والمناجم والطرق والشوارع والجسور والأنهار والقنوات والثغور. وكان قواد الجيش من النبلاء، ولكنهم قاموا بحملات خططها لهم في باريس رجال من الطبقة الوسطى، بارعون في تخطيط الحرب. إذا نمط البرجوازية الفرنسية في القرن التاسع عشر كان قد تجاوز تشكيله في القرن الثامن عشر.

وكان المعترف به بصفة عامة حتى الإدارة في فرنسا كانت أحسن إدارة في أوربا، ولكن كانت تشوبها عيوب قاتلة: كانت مركزية متغلغلة، مفصلة إلى حد إنها عوقت الابتكار والمبادرة والحيوية المحلية، وضيعت كثيراً من الوقت في نقل الأوامر والتقارير. وبالمقارنة بإنجلترا كانت فرنسا استبدادية مطلقة خانقة. فلم يكن مسموحاً بالاجتماعات العامة، ولم يؤخذ بالاقتراع الشعبي إلا في المسائل المحلية التافهة، ولم يقف أي برلمان في وجه الملك. وحسن لويس الخامس عشر الحكومة بإهمالها، ولكنه فوض إلى وزرائه سلطات ملكية مثل إصدار أوامر القبض أوالرسائل المختومة، وغالباً ما أسيء استخدام هذه السلطة. حقاً إذا مثل هذه "الرسائل السرية"، أفلحت أحياناً في تسيير شئون الحكومة بسرعة عن طريق تجنب التفاصيل الفنية في الإجراءات الإدارية "الروتين الحكومي". وبإحدى هذه الرسائل أسس لويس الرابع عشر "الكوميدي فرانسيز" في عام 1680. وأنقذت بعض الرسائل سمعة إحدى الأسرات، بالزج بوغد لئيم في السجن دون بطاء ودون محاكمة علنية من الممكن كانت تكشف عن كوارث خاصة. كما حتى بعض هذه الرسائل؛ كما وقع عند انتنطق فولتير وسجنه للمرة الثانية، حال بين أحد الحمقى الذين يمكن الصفح عنهم، وبين إتمام حماقته. وفي حالات كثيرة صدرت الرسائل بناء على طلب والد يائس (مثل ميرابوالأكبر) من تقويم اعوجاج ابن جامح. وفي مثل هذه الحالات كان السجن خفيفاً قصير الأمد. ولكن كانت هناك حالات كثيرة من القسوة الصارخة، ومن أمثلتها احتجاز الشاعر ديفورج لمدة ست سنوات (1750-1756) في حجرة من الحديد لأنه استنكر تصرف الحكومة في نفي شارل إدوارد ستيوارت حفيد جيمس الثاني من فرنسا (وكانوا يسمونه المطالب الصغير بالعرش). وإذا كان لنا حتى نصدق رواية المحرر الألماني ولهلم جريم، وهودقيق بصفة عامة، فإن الحكومة قدرت أعظم التقدير فوزات موريس دي ساكس في المعارك إلى حد أنها أوفدت إلى الشاعر شارل فافار أمراً سرياً ليضم زوجته إلى قائمة خليلات دي ساكس. إذا أية إساءة إلى أحد النبلاء من رجل عادي، أوأي نقد شديد يوجه إلى الحكومة، كان من شأنه حتى يؤدي إلى صدور رسالة سرية مختومة تتضمن أمراً بالقبض والزج في السجن دون محاكمة أوقضية مبينة. ومثل هذه الأوامر التعسفية أثارت استياء متزايداً على مر السنين في هذا القرن الثامن عشر.

وعوق القانون الفرنسي مع تقدم الإدارة الفرنسية، وكان يختلف من مقاطعة إلى مقاطعة مما أعاد إلى الأذهان انفراد المقاطعات بعضها عن بعض باستقلالها الذاتي، في سالف الأيام. وكان في مختلف أنطقيم فرنسا. 350 هيئة قانونية متباينة. وكان كولبير قد قام بمحاولة غير موفقة في تنظيم القانون الفرنسي وتحديده في "قانون العقوبات" الذي صدر في 1670 ولكن قانونه خلط بشكل مضطرب بين تشريع العصور الوسطى والحديثة، والتشريع الألماني والروماني، والتشريع الكنسي والمدني. وكان الملك يسن القوانين الجديدة وفقاً لمتطلبات الساعة، وعادة بناء على إلحاح وزرائه مع التسرع في التحقق من انسياقها مع القوانين القائمة. وكان من العسير على المواطن حتى يتبين أي القوانين ساري المفعول في محل إقامته أوفي قضيته.

وتولت "الشرطة الراكبة" تطبيق قانون العقوبات في الأنطقيم، أما في المدن الكبيرة فكان يتولاه "شرطة البلدية"، التي نظمها ودربها أحسن تدريب وتنظيم في باريس، مارك رينيه دي فواييه دي آرجنسون، الذي لم ينجب أبناء لامعين فحسب، بل أنه كذلك بوصفه قائد الشرطة من 1679 إلى 1718، اكتسب لقب "اللعين"، لأنه كان يظهر وكأنه شيطان، وأنه كان على أية حال مصدر رعب وفزع لمجرمي باريس، لأنه كان يعهد أوكارهم وأساليبهم، ومع ذلك كان (كما يؤكد لنا سان سيمون) "يتسم بالروح الإنسانية" -عطوفاً على البؤساء. وكان الشخص المقبوض عليه يسجن قبل المحاكمة، ويعامل معاملة لا تكاد تختلف عن معاملته وهومذنب محكوم عليه بالعقوبة. وقد يقضي-مثل جين كالاس-شهوراً في السلاسل والأغلال والتعذيب العقلي، معرضاً للسقم في جميع يوم بين الأقذار. وإذا حاول الهرب تصادر ممتلكاته، وإذا اتهم بجريمة كبرى لا يسمح له بالاتصال بمحام. ولم يكن هناك حق التحقيق في قانونية أمر الاعتنطق (هابياس كوربس)، أوحق المحاكمة عن طريق المحلفين. وكان الشهود يسألون سراً، جميع على حدة. وإذا أعتقد القاضي بأن المتهم مذنب، ولكن ليس هناك أدلة كافية لإدانته، كان له سلطة تعذيبه لينتزع منه اعترافاً. وقل حدوث مثل هذا التعذيب القضائي وخفت حدته على عهد لويس الخامس عشر، ولكنه ظل جزءاً من الإجراءات القانونية في فرنسا حتى 1780.

وتراوحت العقوبات من الغرامات إلى تمزيق الوصال. وكانت المشهرة مفضلة في عقاب عدم الأمانة في العمل. وكان اللصوص وصغار المجرمين يجلدون بالسياط، وهم يجرون مربوطين في ذيل عربة في الشوارع. وكان يمكن حتىقد يكون الإعدام عقوبة الخدم إذا اقترفوا السرقة، ولكن مخدوميهم نادراً ما تمسكوا بتطبيق هذا القانون. وفي 1748 أبطل بصفة رسمية الحكم بالتجديف في السفن الشراعية الكبيرة. وكان الإعدام هوالعقوبة القانونية لمجموعة كبيرة متباينة من الجرائم منها السحر والشعوذة والتجديف على الله وسفاح ذوي القربى واللواط والعلاقة الجنسية بين إنسان وحيوان. ولم يعودوا يلجئون إلى بتر العنق أوشد المجرم إلى الخازوق لإحراقه. ولكن كان يمكن حتى يزيدوا من روعة تطبيق الحكم "بسحب المحكوم عليه وتمزيق أوصاله إلى أربعة أجزاء" أوتحطيم أطرافه بقضيب حديدي وهومربوط إلى "دولاب" التعذيب. وروي "أن الناس، وبخاصة في باريس، كانوا دائماً يتطلعون في ابتهاج وسرور إلى تطبيق حكم الإعدام".

وكان النظام القضائي معقداً مثل القانون تقريباً. وكان في الريف آلاف المحاكم الإقطاعية التي تطبق القانون المحلي، ويرأسها قضاة يعينهم السادة الملاك، وكان يمكن لهذه المحاكم حتى تنظر في القضايا الصغيرة فقط، وليس لها حتى تفرض من العقوبات إلا الغرامة البسيطة، وكانت أحكامها عرضة للاستئناف، ولكن الفلاح عثر حتى من العسير عليه، ومما يكلفه نفقة باهظة حتى يكسب قضية ضد السيد المالك. وعلاوة على محاكم السادة الملاك هذه كانت هناك محاكم محلية، وكان في كثير من المدن محاكم خاصة بالكوميونات وفوق جميع هذه المحاكم الدنيا كانت هناك المحاكم الإقليمية التي تطبق القانون الملكي، وللملك حتى يعين محاكم خاصة لأغراض خاصة. وكانت الكنيسة تحاكم رجالها بمقتضى قانونها الكنسي الخاص بها في محاكم كنسية. وكان المحامون يحتشدون في مختلف المحاكم وفيما حولها، مستفيدين من ولع الفرنسيين بالتقاضي. وكان في المدن الكبرى الثلاث عشرة برلمانات تتألف من قضاة يعملون على هيئة محاكم عليا لهذه المدن وما حولها، وعلى الأساس كان برلمان باريس يخدم ثلث فرنسا تقريباً. وطالب جميع برلمان بأن أي مرسوم ملكي أوحكومي لا يصبح قانوناً إلا إذا عرض على البرلمان ووافق عليه وسجله. ولم يسلم المجلس الملكي للدولة بهذا الطلب قط، ولكنه في الغالب جاز للبرلمان بحق الاعتراض. ودارت أشد حقب التاريخ الفرنسي كآبة حول هذه المطالب المتعارضة والمتنازع عليها بين الملك والبرلمانات.

وبين برلمان باريس والملك قام الوزراء والبلاط. وشكل جميع الوزراء معاً "مجلس الدولة" وكان البلاط يتألف من الوزراء علاوة على النبلاء أورجال الدين أوأعيان العامة الذين كانوا قد قدموا إلى الملك، بالإضافة إلى معاوني رجال البلاط وخدمهم. وكانت هناك مراسم صارمة (بروتوكول) تحدد وضع جميع رجل في البلاط ومسوغاته وأسبقيته وامتيازاته وواجباته، كما انه كانت هناك قواعد تشريفات معقدة مدروسة مفصلة تيسر الاحتكاك بين عدة مئات من الأفراد المزهوين الذين تملأ الغيرة والحقد قلوبهم، كما تثقل كواهلهم. كما حتى المراسم والتشريفات الباذخة المسرفة لطفت من رتابة نظام الحاشية. وهيأت جوالغموض الذي لا غنى عنه للحكومة الملكية. وكانت ضروب التسلية الأثيرة لدى أفراد الحاشية هي الانهماك في القيل والنطق والكل، والميسر والصيد والقنص والزنى. ونطق سفير نابلي "إن تسعة أعشار الناس في فرنسا يموتون جوعاً، والعشر يموت من عسر الهضم وكانت مبالغ الخسارة والمكسب على موائد القمار جسيمة. ولكي يسدد رجال الحاشية ديونهم كانوا يبيعون نفوذهم لمن يدفع مبلغاً محترماً لأحد أفراد الحاشية، وكان لكل زوج في البلاط، تقريباً، عشيقة، ولكل زوجة تقريباً عشيق. ولم ينكر أحد على الملك خليلاته، وكل ما شكا منه النبلاء حتى الملك صحب معه إلى فراشه مدام دي بمبادور وهي سيدة من عامة الشعب على حين انهم من الممكن أحسوا أنه قد يشرفهم حتى يفترع جلالته بناتهم البكارى.

وعلى الرغم من حتى لويس الخامس عشر كان قد بلغ سن الرشد رسمياً في 1723، فإنه كان آنذاك في سن الثالثة عشرة، وعهد بالإدارة إلى لويس هنري، الدوق دي بوربون. وكان التفكير قد اتجه لشغل هذا المنصب إلى كونت دي تولوز، وهوأحد أبناء لويس الرابع عشر الذين أضيفت عليهم صفة الشرعية، ولكنه استبعد "لأنه لفرط أمانته لا يصلح حتىقد يكون وزيراً" وكان السيد الدوق دي تولوز "نفسه رجلاً طيب الشعور، بذل جميع ما في وسعه للتخفيف من فقر الشعب، وفكر في تحقيق هذا الغرض عن طريق وضع نظام يحدد الأسعار والأجور بصفة رسمية، ولكن قانون العرض والطلب جيب آماله. وتجاسر على فرض ضريبة ولج قدرها 2% على جميع الطبقات فاحتج رجال الدين وتآمروا على سقوطه وأباح لعشيقته المركيزة دي بري من النفوذ والسلطان أكثر مما ينبغي، وكانت ذكية، ولكن ذكاءها كان دون جمالها، فاحتالت على زواج لويس الخامس عشر من ماري لزكزنسكا، أملاً في حتى تستبقي الملكة الشابة تحت تأثيرها. ومهما يكن من أمر فإن ماري سرعان ما فقدت نفوذها وعطفت مدام دي براي على فولتير، وأقصت رجال الدين ودفعت الدوق إلى مهاجمة الأسقف الذي يتولى تعليم الملك، والذي كان قد أوصى الملك باختيار الدوق ليكون وزيره الأول. ولكن الملك كان يعجب بمفهمه ويثق فيه أكثر من أي رجل آخر في الدولة.

وكان أندريه هركيل دي فليري قد عين أسقفاً في فريجيس 1698 ثم مؤدباً للملك 1715. وسرعان ما أصبح ذا تأثير شديد على عقل الصبي. وكان الأسقف فارع الطول وسيماً مرناً لبقاً، كسولاً بعض الشيء لا يتعجل الحظ والثراء أبداً، ولوأنه وصل إلى ما يصبوا إليه. واعتقد ميشيليه وسانت بيف حتى فليري، باعتباره مفهماً، كان قد أضعف شخصية الملك الصغير بإطلاق العنان لرغباته وشهواته في ابتهاج خال من الهموم والتفكير، ورباه على مساندة اليسوعيين والعطف عليهم. ولكن فولتير، الذي لم يكن صديقاً لرجال الدين، أحب بفليري، وقدره أعظم تقدير، مفهماً ووزيراً، على حد سواء وأخذ فليري على عاتقه حتى يشكل ذهن تلميذه ويدربه على العمل والتكتم والاستقامة والأمانة، وعلى حتى يصون نفسه وسط تعجل الحاشية وهياجها وصخبها، طيلة الفترة التي لم يبلغ فيها الملك سن الرشد، والتي نعم فيها بحسن تأثير الوصي وتقدير الشعب. ولم يمن فليري قط بقيمة خدماته، ولم يشكك قط من الآخرين، ولم يغمس يده في مكائد الحاشية ودسائسهم قط. وحاول سراً حتى يتعهد على شئون المملكة في الداخل ومصالحها في الخارج. وصفوة القول إذا سلوكه الواعي الحذر ومزاجه اللطيف جعلا جميع فرنسا تود حتى تراه على رأس الإدارة فيها.

ولما فهم فليري بأن تأثيره المستمر في تقرير السياسة استفز الدوق دي بوربون ليوصي بطرده من البلاط، ولم يبذل أي محاولة للاحتفاظ بمركزه بل انسحب في هدوء إلى دير السلبيشيانر في Issy، إحدى ضواحي باريس (18 ديسمبر 1725). وأمر الملك الدوق حتى يطلب إلى فليري حتى يعود، وعاد بالعمل، وفي 11 يونية، استجابة لما وضح من رغبة الحاشية ورجال الدين والجمهور، أمر لويس الخامس عشر، بشكل مفاجئ، بوربون "أن يأوي إلى شانتيللي ويبقى هناك لحين صدور أوامر أخرى". وأبعدت مدام دي بري إلى قصرها في نورماندي، حيث تولاها الضجر والسأم إلى أبعد الحدود، فتناولت السم وفارقت الحياة (1727).

وظل فليري يخطوإلى الأمام بفضل تراجعه، ولم يحظ بأي منصب رسمي، بل إنه على العكس، حث الملك على ان يعلن أنه سيتولى الحكم بنفسه منذ الآن. ولكن لويس آثر الصيد أولعب القمار، وأصبح فليري الوزير الأول في جميع الشئون إلا اللقب (11 يونية 1726). وكان آنذاك في الثالثة والسبعين من العمر، وكم من نفس طموحة تطلعت إلى حتى يعاجله الموت، ولكنه حكم فرنسا سبعة عشر عاماً.

ولم ينس فليري أنه قسيس، فألغى ضريبة ال2% فيما يتعلق برجال الكنيسة، فكان جوابهم على هذا أنهم قدموا للدولة منحة اختيارية قدرها خمسة ملايين جنيه، وطلب فليري حتى يساندوه في تنصيبه كاردينالاً، وكان في حاجة إلى اللقب ليكون له حق الصدارة والأسبقية على الأدواق في مجلس الدولة، فكان له ما أراد (5 نوفمبر)، ولم يحاول منذ تلك اللحظة حتى يخفي الحقيقة، تلك هي أنه كان يحكم فرنسا.

ولشد ما كانت دهشة الحاشية حين رأوه متواضعاً وهوفي أوج السلطة مثلما كان متواضعاً وهويمهد لها. وعاش في بساطة تكاد تتسم بالتقتير، قانعاً بالحقيقة الواقعة دون امتيازات السلطة ومقتضياتها. وخط فولتير "إن ازدياد مكانته لم يغير من عاداته وسلوكه، ودهش الجميع ليجدوا في إنسان رئيس وزارة، أعظم رجال الحاشية جاذبية وفي نفس الوقت أعظمهم نزاهة وتجرداً" ونطق هنري مارتن "كان أول وزير عاش بعيداً عن الترف والبذخ ومات فقيراً". وكان أميناً غاية الأمانة، ولم يسئ استغلال منصب قط. وكان إلى أبعد الحدود أكثر تسامحاً ممن يحيطون به" وعامل فولتير معاملة ودية لطيفة وتغاضى عن ممارسة الطقوس البروتستانتية سراً، ولكنه لم يتسامح قط مع الجانسنيين.

ولم يعكف، بطريقته المتروية المتأنية، على تقرير السياسة فحسب، بل على إدارة الحكومة كذلك. وأختار معاونيه بعد حكم فاصل مدقق، وساسهم في حزم وكياسة. وفي عهده تابع هنري فرانسوا دي أجوسومهمته الطويلة المدى (1728-1751) في إصلاح القوانين وتنسيقها، وأعاد فيلبيرت أورى النظام والاستقرار إلى مالية الدولة. وتجنب فليري الحرب حتى أكره عليها بسبب الأطماع الأسرية في الأسرة الحاكمة، ومن ثم هيأ لفرنسا فترات سلام وهدوء طويلة، سمحت لها باستعادة الانتعاش الاقتصادي. وبدا حتى نجاحه برر مقدماً الحجج التي رددها الفيزيوقراطيين "أن نحكم حكماً يسيراً معناه حتى نحكم حكماً مطلقاً" (حرية التجارة والصناعة وعدم تدخل الحكومة فيهما). ووعد بوقف التضخم، وأوفى بوعده. واتسعت التجارة الداخلية والخارجية، وزاد الدخل. وحيث أنفق الإيرادات في قصد أكيد بعيد عن التبذير، وحد من نفقات مهرجانات الحاشية الملكية، فإنه استطاع حتى يلغي ضريبة ال2% على الدخل بالنسبة لكل الطبقات، وأن يخفف ضريبة الأملاك التي أبهظت كاهل الفلاحين. وأعاد إلى المدن الكبيرة والصغيرة الحق في انتخاب موظفيها الرسميين. وإقتداء بالمثل الذي ضربه فليري في الاستقامة تحسنت أخلاق رجال البلاط على كره منهم.

وفي لقاء هذه المفاخر والمزايا تطل بعض المآخذ الجسيمة برؤوسها. إنه أرخص للملتزمين العامين في الاستمرار في جمع الضرائب دون تدخل من جانب الوزارة. وتعزيزاً من للمشروع الضخم الذي وضعه المحافظون، أقر نظام السخرة الذي فرض على الفلاحين والعمل دون لقاء اللهم إلا الطعام. وأسس مدارس عسكرية لأبناء الأرستقراطية، ولكنه قبض يده بشكل مخل غير حكيم بإهماله إصلاح البحرية والتوسع فيها، وسرعان ما باتت تجارة فرنسا ومستعمراتها تحت رحمة الأساطيل الإنجليزية. إنه وثق ثقة عمياء في قدرته على المحافظة على السلام بينه وبين إنجلترا.

وطيلة حكم روبرت وولبول في إنجلترا نجحت سياسة السلام التي انتهجها الكاردينال.فإن الرجلين، ولوأنهما كانا على طرفي نقيض في الخلق والطباع، اتفقا على حتى السلام أمر مرغوب فيه. على أنه في 1733، حضه مستشاروه في الشئون الخارجية على القيام بمحاولة فاترة لاجلاس ستانسلاس لزكزنسكي، وهوحموالملك، على عرش بولندة، ولكن ستانسلاس اقترح إصلاح دستور بولندة وتشكيل حكومة قوية، وآثرت جميع من روسيا والنمسا حتى تكون بولندة عاجزة مهيضة الجناح، فرفضتا هذا الاقتراح. وفي حرب الوراثة البولندية (1733-1738) طردتا لزكزنسكي من وارسوثم من دانزج. ولما كان فليري يعارض أي صراع خطير، فإنه نصح ستلانسلاس بأن يلجأ إلى نانسي ولونفيل حاملاً لقب "ملك اللورين". ولم تقع الكارثة، فإن لزكزنسكي والدول اتفقوا على أنه عند وفاته تعود إلى فرنسا اللورين التي كانت فرنسية إلى أبعد حد، وهذا ما وقع في 1766.

وجاهد فليري الذي كان في الثامنة والثمانين قدر طاقته المتضائلة، حتى ينأى بفرنسا عن حرب الوراثة النمساوية (1740)، ولكن امرأة فرضت سلطانها عليه. ذلك حتى فليسيتيه دي نسل مركيزة فنتيميل، التي كانت آنذاك تشارك الملك فراشه أصغت في بهجة وفرح إلى شارل أوجست فوكيه، كونت دي بل أيل، حفيد المختلس البارع نيقولا فوكيه الذي كان لويس الرابع عشر قد أحسن صنعاً بعزله. إذا بل أيل هذا أبلغ المركيزة حتى فليري رجل هرم أحمق، وأنه في مهاجمة فردريك الثاني ملك بروسيا للملكة الشابة ماريا تريزا ملكة النمسا، فرصة مضىية لتمزيق إمبراطوريتها، وأن فرنسا ينبغي حتى تنضم إلى فردريك، وتقتسم الغنائم. وصبت العشيقة الفاتنة هذه الحدثات في آذان الملك الولهان. وأقنعته بأن ينتزع زمام الأمور من بين يدي الكاردينال اللتين ترتعدان خوفاً وجبناً، ويستعيد مجد فرنسا.

وناشد فليري بأن الشرف والمصلحة تحولان دون المضي في مشروع بل آيل. فإن إنجلترا لن تسمح بتدمير النمسا لتصبح فرنسا عظيمة إلى حد ينذر بالخطر. وأن على فرنسا حتى تدخل في حرب مع إنجلترا أيضاً، وأن فرنسا في خير حال في السلم! وفيسبعة يونية 1741 أعرب لويس الحرب على النمسا. وفي 25 نوفمبر استولى بل آيل على براج، واتفقت معه جميع فرنسا تقريباً على حتى فليري عجوز أحمق.

وبعد عام في الحرب تخلى فردريك المراوغ عن فرنسا وعقد سراً هدنة مع النمسا، وإذ تحررت الجيوش النمساوية على هذا النحو، تقدمت إلى بوهيميا، وشرعت في تطويق براج. ولم تكن إلا مسألة وقت، ليضطر إلى التسليم بل آيل وجيشه المؤلف من عشرين ألف رجل، أقضى مضاجعهم وأزعجهم الأهالي الذين أضمروا لهم العداء. وفي 11 يونية 1742 أوفد فليري إلى القائد النمساوي كونت فون كونجزج نداء مذلاً يناشده فيه شروطاً معتدلة للحامية الفرنسية، ونطق فيه "يفهم كثير من الناس كم كنت أرض القرارات التي اتخذناها، وإني أرغمت بطريقة ما على الموافقة عليهما" فأوفد كونجزج الخطاب إلى ماريا تريزا التي نشرته على العالم. وأوفد جيش فرنسي لإنقاذ بل آيل، ولكنه لم يصل إليه قط. وفي ديسمبر هجر بل آيل وراءه ستة آلاف من السقمى والجرحى، وغادر بقواته الأصلية براج إلى الحدود عند إيجو، ولكن عملية الفرار هذه حدثت في قلب الشتاء عبر مائة ميل جبال ومستنقعات مغطاة بالجليد أوالثلوج، ولم تنبتر غارات العدوعليهم طيلة انسحابهم، وهلك من الأربعة عشر ألف رجل الذين بدءوا هذه المسيرة اثني عشر ألفاً في الطريق، وامتدحت فرنسا هذا الإنقاذ الرائع بالارتداد المذهل. وتخلى فليري عن الوزارة، وآوى إلى الدير في أسى حيث فارق الحياة (29 يناير 1743) وهوفي سن التسعين.

وأعرب الملك أنه سيتولى رئاسة الوزارة بنفسه منذ الآن.


مالية الدولة

المصادر

  1. ^ ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
سبقه
حرب المئة عام
تاريخ فرنسا
1453-1789
تبعه
الفترة الثورية
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:56:28
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, Portal templates with all redlinked portals, Articles containing non-English-language text, النظام القديم في فرنسا, الفترة المعاصرة المبكرة, ملكية فرنسية, كلمات وعبارات فرنسية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

رجل يقتل زوجته بطريقة بشعة في الكويت.. ويرمى جثتها بجوار الحيوانات النافقة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:59
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 59%

ضمن الخطة الاستثمارية.. رفع كفاءة الإنارة والنظافة بحي شرق مدينة نصر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:35
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 52%

شاهد بالصور.. المسجد الحرام يمتلئ بالمصلين دون تباعد جسدي

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:59
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 55%

عاصفة شديدة تضرب طريق السويس وسط تدهور الرؤية | صور

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:36
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 60%

نشرة خاصة من المستوى البرتقالي:أمطار قوية وتساقطات ثلجية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:37
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 80%

حقيقة فيديو طلاق بوتين من زوجته !

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:18:01
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

"الرابطة" تعلن الدخول مجاناً للنساء والأطفال إلى ملاعب مسابقات المحترفين

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:18:02
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

الأسرة المنحورة رحبّت بالقاتل .. مفاجآت صادمة في "مذبحة العارضية"

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:58
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

وزير الدفاع البريطاني بن والاس:يحذر بوتين بالقول ” لا تختبر لندن”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:38
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 79%

بعد باب الشعرية.. شبرا تتجمل بأيدي أبنائها

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:32
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 65%

«نائبة» تطالب بتخفيض الغرامة في قانون تسجيل السفن

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:36
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 70%

بوتين يدعو أوكرانيا لوقف القتال وتنفيذ مطالب الكرملين

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:58
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

الدرهم يرتفع بـ0,36 بالمائة أمام الأورو

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:18:03
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

نشرة خاصة: أمطار قوية وتساقطات ثلجية من اليوم الأحد إلى غد الاثنين

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:18:05
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

زيلينسكي يعلن وقوع مئات الجنود الروس في الأسر

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:58
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

«نائب» يطالب الحكومة بتشديد الرقابة على الأسواق لضبط الأسعار

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:34
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

102 فائزاً في الدورة 24 من جائزة "حمدان التربوية"

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:18:00
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

رجال أعمال مغاربة في إسرائيل لتوقيع اتفاقيات اقتصادية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:40
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 79%

اسكان النواب تناقش تعديلات قانون تنظيم مياه الشرب والصرف‎‎

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-06 15:17:33
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

تحميل تطبيق المنصة العربية