سمارة، أو شياطين الليل

عودة للموسوعة

سمارة، أوشياطين الليل

غلاف الطبعة الأولى.

كان المحرر شارل نودييه فرنسياً حتى النخاع: أدبه فرنسي، شعره فرنسي، ورومانسيته فرنسية من دون لبس أوإبهام، بل حتى شكله فرنسي إذا جاز لنا القول إذا هناك شكلاً إنسانياً فرنسياً محدداً وواحداً. وذلك إضافة إلى أنه حين كان النقاد يتحدثون عن مرجعية أدبية وفكرية ما، في مجال الحديث عن نودييه، كان الاسم الأول الذي يخطر في بالهم اسم المحرر الفرنسي بامتياز، على رغم نسبه السويسري، جان-جاك روسو، وتحديداً عمله «إيلواز الجديدة». ومع هذا حين خط الناقد المهيمن على الحياة الأدبية الفرنسية خلال العقود الوسطى في القرن التاسع عشر، سان-بوف، عن واحدة من روايات نودييه الأساسية وهي رواية «شياطين الليل» - المعروفة أيضا باسم «سمارا»، لم يفته حتى يقول إنها فرنسية ولمحرر فرنسي لكنها «مجرمنة» إلى حد كبير (أي مرتبطة برومانسية الأدب الجرماني). وحين احتج أنصار أدب نودييه على هذا التوصيف، ردّ سان-بوف، إنه إنما شاء عبر هذا التوصيف حتى يمتدح نودييه لا حتى يشتمه لأنه.

مهما يكن، فإن رواية «شياطين الليل» التي أصدرها شارل نودييه عام 1821، تعتبر أحد أكثر أعماله رومانسية، لا سيما أنها، منذ العنوان المزدوج تحمل عناصر رومانسية لا تنكر. من اسم «سمارا» الذي كان له على الأذن الفرنسية في ذلك الحين سقط الفانتازيا الشرقية، إلى «الشياطين» و«الليل» اللذين يتألف منهما العنوان الأقل تداولاً للكتاب. والحقيقة حتى هذا النص لشارل نودييه اعتبر منذ ظهوره، الأكثر ليلية بين جميع نتاجات الأدب الفرنسي الرومانسي، كما اعتبر الأب الشرعي لكل تلك النصوص «الليلية» التي لم يتوقف المبدعون الفرنسيون عن إنتاجها منذ ذلك الحين.

ومن الواضح، منذ البداية، حتى نودييه إنما أراد عن قصد حتى يكرس جميع هذا العمل، لليل، الذي كان ملتقى الأحلام الرومانسية وعالم الشعر والشعراء، مرتبطاً بالظواهر الغريبة وبالأحلام المخيفة واللحظات الناعسة والمخلوقات الليلية التي يقف الشياطين في المقدمة منها. من هنا، اعتبرت الرواية ذلك العمل الليلي الملهَم والملهِم - مرة بفتح الهاء ومرة بكسرها.

منذ البداية لا بد من حتى نلفت إلى حتى هذا النص ليس رواية، حتى ولوقدم أحياناً بهذه الصفة. وهوليس قصيدة شعر حتى لوقرئ على هذا النحوفي بعض الأحيان. ولا هونص فلسفي، كما أنه أكبر وأوسع من حتىقد يكون مجرد تأمل طالما الليل. هو، إذا ما أردنا حقاً توصيفاً له، تجربة في الكتابة تقوم على نوع من التتالي بين «أحلام رومانسية»... ولقد عُرف عن نودييه حبه للأحلام وإيمانه بأنها جزء من الحياة... بل إنه، هونفسه، ما كان يتورع عن القول إذا حبه للأحلام يضم الكوابيس أيضاً. من هنا، نراه في معظم رواياته الفانتازية، بل المرعبة في بعض الأحيان، يجعل للكوابيس دوراً كبيراً، وأساسياً في بعض الأحيان. إذاً، هنا، في هذا النص الكامل، والذي عهده مؤلفه نفسه ذات يوم بأنه أشبه بـ «متتالية موسيقية»، أحب نودييه حتى يقدم ما يشبه الصورة الكاملة لما كان يرى أنه الحياة الليلية الأكثر صدقاً، أي الحياة الليلية الجوّانية والبرّانية في وقت واحد: كما يعيشها المرء بحواسه، وكما يعيشها بجوارحه. ومنذ السطور الأولى يفهمنا نودييه حتى حياة الليل التي يصورها هذه هي مثل الحياة الحقيقية موزعة بين السرور والألم ولحظات الدعة والخوف. وهوكي يعبّر عن هذا، يخلق تلك المتتالية من المشاهد والصور المعبرة عن شتى ضروب الشغف والهوى، مؤلفة من لوحات مضيئة وأخرى مرعبة من النوع الذي يخامر النائم اليقظ، خلال الليل. وللوصول إلى هذا يصور نودييه «أكواماً» من الأحلام تنهال على مخيلة النائم كسرب نحل ينهال على زهرة مثمرة. والطريف الغريب هنا هوحتى شارل نودييه يحاول حتى يُفهم قارئه منذ البداية حتى هذا العالم الموصوف أمامه في هذه الصفحات، ليس عالماً راهناً، بل هوعالم قديم يقدمه هوبلغة حديثة بعد حتى «استلهمه» كما يوحي من نصوص لمحرره الروماني المفضل أپوليوس غير حتى هذا الأمر لم يبد مؤكداً لكثر من النقاد والباحثين الذين عجزوا كما نطقوا عن حتى يعثروا لدى أبوليوس على أي نص مشابه يمكن حقاً حتىقد يكون نودييه قد اقتبس منه. ومن هنا، ساد الاعتقاد بأن نودييه إنما لجأ إلى هذه الحيلة لأسباب خاصة به من الصعب إدراكها. أما النتيجة، فكانت عملاً غريباً من نوعه، يُقرأ بشغف ويُحاكى بكل قوة. وفي هذا الإطار لافت ما خطه الشاعر ميريميه الذي كان طوال القرن التاسع عشر واحداً من أكبر الكتاب «الليليين» في تاريخ الأدب الأوروبي، إذ نطق في معرض حديثه عن نص شارل نودييه هذا أنه «يبدوأشبه بحلم يرويه لنا شاعر إغريقي»... خصوصاً، حتى هذا الحلم صيغ بلغة رأى ميريميه أنها شديدة القرب من الكمال، ما يفسره حتى نودييه نطق أيضاً عن نصه هذا إنه حرص على جمال لغته وأسلوبه لأنه يتوخى منه حتىقد يكون مدرسة في الكتابة للكتاب الشبان. وهنا، في هذا السياق، يأتي في الواقع ذلك المزج الخلاق الذي قام به نودييه في هذا النص، بين لحظات رومانسية خلابة تصف اللحظات الليلية والحلوة وأحلامها الفاتنة المريحة المملوءة بالصبايا الضاحكات، وبين لحظات أخرى مرعبة مملوءة بالمشاهد والكوابيس. ولافت هنا كيف من الممكن أن حتى نودييه تنقل بكل يسر، ومن دون رجفة، بين العالمين. ولعل هذا التنقل هوما جعل سان - بوف (ولاحقاً غيره من النقاد والباحثين أيضاً) يرى «جرمانيّة» ما، في هذا النص الأدبي الفرنسي. ذلك حتى الألمان، في آدابهم، كانوا أفضل من صور العالم منقسماً بين رعب وجمال، واصلا بينهما. وهوعين ما يعمله نودييه في هذا النص. غير حتى ثمة هنا ملاحظة تفرض نفسها وفحواها أنه إذا كان نودييه في تنقله بين العالمين المذكورين قد حاكى الألمان وانكبابهم على تصوير أساطيرهم وعوالمها بصورة رومانسية، فإنه - في الوقت نفسه - ميز كتابته عن تلك الكتابة الجرمانية، بفضل حسّ السخرية الذي ما كان يتردد من دون استخدامه لدى الحديث عن العالم الغامض الذي يزوره النائم في أحلامه أوفي كوابيسه. فحسّ السخرية هذا، وهوحسّ فرنسي خالص، من الممكن يمكن العثور عليه لدى الإنكليز، في هذا النوع من الأدب، ولكن يظهر من شبه المحال العثور عليه أوعلى ما يماثله في كتابات الرومانسيين «الليليين» الألمان. وعلى هذاقد يكون شارل نودييه قد استعاد بهذا «فرنسيّته»... من دون حتىقد يكون قد انفصل تماماً عن العوالم الجرمانية.

لدينا هنا، إذاً، عبر هذا النص الجميل، والذي من المؤسف حتىقد يكون اليوم شبه منسي كحال محرره نفسه، كتابة تجمع كتابات أوروبية عدة، بل أيضاً كتابة يصح القول فيها إنها في الوقت نفسه تجمع أنواعاً كتابية عدة، حيث إذا استحالة تصنيف هذا النص تؤمن له تلك الشمولية.

المؤلف

شارل نودييه (1780 - 1844) نفسه كان دائماً عصياً على التصنيف، حتى وإن كان الباحثون يعزون إليه دوراً كبيراً في ولادة الحركة الرومانسية، (فرنسية كانت أوغير فرنسية). ولقد ولد نودييه في مدينة بيزانسون ليموت بعد 64 سنة في باريس. وهواهتم منذ سنوات دراسته بالتاريخ الطبيعي. غير حتى بروزه وهوفي الحادية عشرة، خطيباً مفوهاً خلال حفل تكريمي لوالده، جعله يتجه أكثر فأكثر صوب الأدب ممتزجاً بنفس فهمي وتاريخي لا ريب فيه... إضافة إلى أنه منذ صباه الباكر عثر نفسه مهتماً بالثورة الفرنسية منضماً إليها حتى من دون حتى يتخلى - في أعماقه عن نزعة مَلكية رافقته طوال حياته. أما نزعته الرومانسية فقد تولدت لديه من حكاية حب أولى سقط فيها وهوفي الثامنة عشرة. ولسوف نرى آثار جميع هذه البدايات الفكرية والسياسية والرومانسية في العدد الأكبر من رواياته ونصوصه الأخرى، والتي خطها منذ سن الثامنة عشرة، وحتى العام الذي رحل فيه، بحيث إنه خلف أكثر من ستين كتاباً، معظمها ينتمي الى الأدب الفانتازي وإلى النصوص الرومانسية... ناهيك بعدد من الخط التاريخية.

تاريخ النشر: 2020-06-04 14:58:31
التصنيفات: روايات 1821, أعمال شارل نودييه, روايات اللغة الفرنسية, أدب الأحلام

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

نقابة تراسل بنموسى من أجل التراجع عن توقيفات الأساتذة

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-08 18:10:42
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

القمص ميخائيل أنطون: تقنين أوضاع ١٨٧ كنيسة ومبني خدمي

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-08 18:21:37
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 54%

محافظ بورسعيد يتابع سير العمل بعدد من المشروعات الجديدة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-08 18:21:43
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 56%

لماذا‏ ‏جاء‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏له‏ ‏المجد؟

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-08 18:21:40
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 52%

لاعب مولودية الجزائر مرشح لتدعيم هجوم الأهلي فى يناير.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-08 18:22:31
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 38%

إنقلاب سيارة محملة بالعمالة الزراعية وإصابة 18 بالبحيرة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-08 18:21:41
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 64%

ارتفاع عدد شهداء الصحفيين فى غزة لـ112 صحفيا بقصف إسرائيلى على القطاع

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-08 18:22:21
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 50%

مقتل قيادي عسكري بارز في حزب الله بقصف إسرائيلي استهدفه في جنوب لبنان

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-08 18:10:43
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

تحميل تطبيق المنصة العربية