المقالة السياسية (سپينوزا)

عودة للموسوعة

الموضوعة السياسية (سپينوزا)

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس
بعنوان .


رسالة سياسية Tractatus Politicus هي منطقة سياسية خطها باروخ سپينوزا في 1675 ونشرت في 1677 بعد وفاته. الموضوعة له عنوان ثانوي "In quo demonstratur, quomodo societas, ubi Imperium Manarchicum locum habet, sicut et ea, ubi Optimi imperant, debet insyitui, ne in Tyrannidem labatur, et ut Pax, Libertasque civium inviolata meneat. ("وفيها كيف من الممكن أن حتى المجتمع، سواء كان ملكية أواوليگاركية، يـُحكم على أفضل شكل، وألا يسقط في الطغيان، ويجب ألا يُنتهك سلام وحرية المواطن").

الرسالة السياسية مكونة من أحد عشر فصلاً: 1. مقدمة، 2. القانون الطبيعي (مشيراً إلى الموضوعة اللاهوتية-السياسية)، 3. حق السلطات العليا، 4. وظيفة السلطات العليا، 5. أفضل دولة أملاك، 6-7. عن الملكية، 8-10. عن الأرستقراطية، 11. عن الديمقراطية.

في العام 1677، عندما توفي الفيلسوف الهولندي باروخ سپينوزا في شكل مباغت عن أربعة وأربعين عاماً، خلّف وراءه كتاباً غير مكتمل سيعتبر لاحقاً أبرز خطه، بل وصيته الفكرية والسياسية. وهذا الكتاب لا يزال ينشر حتى اليوم ناقصاً، لكنه مع هذا يعتبر الأساس الذي سيبني عليه فلاسفة التنوير الفرنسيون في القرن التالي افكارهم السياسية ونظرياتهم في الحكم، لا سيما منهم جان-جاك روسوفي كتابه «العقد الاجتماعي»، والى حد ما ڤولتير في مجمل كتاباته السياسية. الكتاب الذي نعنيه هورسالة سياسية Tractatus Politicus، وهوطبعاً غير كتابه الأشهر «رسالة لاهوتية-سياسية».

كان هذا الكتاب من القوة والوضوح بحيث لم يتردد فردريك إنگلز، أحد مؤسسي المادية التاريخية مع كارل ماركس، في ان يخط عنه قائلاً: «إن أكبر منادىة للثقة في فلسفة العصر، تكمن في واقع أنها، ابتداء من سبينوزا إلى الماديين الفرنسيين العظام، اكدت الانطلاق في تفسير العالم من العالم نفسه، وهجرت تؤوي تفاصيل الفهم الطبيعي الى المستقبل». ولعل أهمية «رسالة سياسية» تلوح أكبر إذا نحن تذكرنا ان سبينوزا خطها بعدما أصدر كتابه «الأخلاق» الذي، إذ نشر في العام 1675، بعد سنوات من محاكمته من جانب رجال الدين اليهود النافذين في أمستردام، ألب عليه هؤلاء اكثر وأكثر، وجعل «فهمانيته» البيّنه موضع استياء العامة. ومن هنا يعتبر «الاخلاق» و«رسالة سياسية» عادة متكاملين. بل حتى أعمال سبينوزا كلها متكاملة من دون شك، لأنها تقوم على مبادئ عقلية صارمة كانت تماشي في زمنها التطور الاجتماعي الذي بدأت هولندا تعهده، لكنها تقـف بالتضاد التام مع ما كانت تنادي به الكنيسة، مسيحياً، ورجــــال الدين اليهود الذين كانوا، بدورهم، ذوي نفوذ هائل في ذلك الحيــــن. لقد كـــان هؤلاء وأولئك يراقبون التطور الذي يعيشه المجتمــــع في اتجاه الانفتاح العقلي، لكنهم كانوا يتسقطون ألا ينعكـــس ذلك علـــى الايمـــان والاخــــلاق ولا حتى على السياسة. أما سبينوزا، فأتى يقول لهم: محال، ان اي تطور للبنية التحتية في المجتمع ولأحوال الناس الاقتصادية والمعيشية، لا يمكنه ان يفلـــت من تـــطور اخلاقــي وسياسي، يصل في نهاية الأمر الى حدود العقلنة الفهمانية. وهم لهذا حاكموه واضطهدوه فمات باكراً، لكن افكاره ظلت قائمة ومؤسسة كما نعهد، من بعد زوالهم هم أيضاً.

من قبل انقد يكون محرراً في السياسة البحتة أوفي الاخلاق، كان سبينوزا فيلسوفاً، وبالتحديد مؤسساً للمنهج الهندسي في الفلسفة، هوالذي على خطى بيكون وديكارت اعتبر، منذ البداية، ان فهم الطبيعة وتحسين أحوال الانسان هما الغرض الرئيس للفلسفة والفهم. إلى غير ذلك نجده، يضيف مبدأ الحرية الى المبادئ التي كان سابقوه صاغوها، مظهراً كيف من الممكن أن يمكن الحرية ان تكون، انسانياً، ممكنة وسط قيود الضرورة. وفي سياق تفكيره هذا، أكد سبينوزا، بالتضاد مع ديكارت، حتى «الطبيعة وحدها هي التي توجد، لأنها علة ذاتها، وبالتالي لا بحاجة الى أية علة أخرى حتى توجد». فهي، إذاً، بالنسبة الى فيلسوفنا، جوهر إلهي لأنها «طبيعة خلاقة». ولعل هذا التأكيد كان الممهد الحقيقي لنظراته السياسية التي ظل يصوغها ويعدلها طوال سنوات حياته القصيرة، حتى أوجد لها صياغتها النهائية، انما غير المكتملة في الكتاب الذي نحن في صدده هنا، والذي يؤكد فيه مرة أخرى، في ما يؤكد، حتى دين آبائه (اليهودية) والدين الآخر الذي فرض على المارانيين (المسيحية القسرية التي فرضت على ذوي الاصل اليهودي من إسبان وبرتغاليين مروا بمحاكم التفتيش) يجب حتىقد يكون غرضه «ليس فهم الاشياء، بل مجرد الحض على اتباع المبادئ الاخلاقية السامية». إذاً، مرة أخرى، نرانا امام العقل الفهماني وهويعمل ضداً على مجتمع مكبل.

في «رسالة سياسية» ينطلق سبينوزا من مبدأ يقول ان «الواقع، منظوراً اليه ككلية عقلانية وجوهر مطلق، تحركه منظومة قوانين يؤكد بواسطتها جميع عنصر ذاته، ويجد ضمانته، وتعثر فيه جميع كينونة على يقينها المكتمل. وهنا يتم تطبيق القانون الطبيعي، الذي هوحق جميع عنصر في الحفاظ على ذاته، على جميع كائنات الطبيعة، ولا يعهد من الحــدود سوى تلك التي تحددها له طاقته الداخلية وقوته، اي في حدثة واحدة: مبدأ الواقع». وبالتالي فإن «كل انسان، بالنظر الى انه يتحرك تبعاً لقوانين الطبيعة، يتحرك في الوقت نفسه تبعاً للحق الطبيعي الاسمى، ويكون لديه من الحقوق بمقدار ما لديه من القوة».

بيد ان سبينوزا ينبهنا هنا الى ان هذا الحق الانساني الطبيعي ليس، بعد، حقاً حقيقياً، لأنه لدى الفرد المعزول، لا يتبدى فعّالاً أومضموناً: انه لا يتحقق إلا إذا ولج الفرد في جماعة بشرية تضمنه. اي في وضعية يتحد فيها البشر ويعيشون تبعاً لمنظومة حقوق وضمانات واضحة. ويرى سبينوزا هنا «ان حق الحكومة السياسية التي تمثل الغالبية، ليس شيئاً آخر غير الحق الطبيعي نفسه، بالنظر الى انها لا تستند الى قوة الفرد بل الى قوة الجماعة». و«هذه القوة تكون كبيرة بمقدار ما تكون شاملة وعقلانية». وينبهنا سبينوزا هنا الى اننا يجب ألا نفهم حدثة «قوة» بالمعنى القمعي للحدثة، بل بمعنى ارتهان القوة بالواقع العملي والشمولية العقلانية التي هي، في نهاية الأمر، حق الانسان في الوجود. ويقول سبينوزا هنا ان «الافراد في حياتهم المحسوسة والمباشرة يتبعون أهواءهم عادة، ويعيشون صراعات متبادلة حتى المستوى الأسمى الذي يأتي فيه الواقع ليولد في ما بينهم عقداً اجتماعياً، وحقاً متبادلاً». و«مثل الأفراد هنا، تعيش الدول في ما بينها، عند مستوى وجودها الأكثر دنواً، وضعية صراعية، تظل قائمة حتى اللحظة التي يتم فيها الوصول الى واقع انساني اسمى يحتاج توافقهم تبعاً لمواثيق متبادلة». وبالنسبة الى سبينوزا، فإن «أفضل الدول هي تلك التي يعيش فيها البشر توافقاً متبادلاً، تلك التي تضمن السلام والأمن». وهويرى ان «الطغيان والملكية المطلقة لا يتلاءمان مع هذا المثل الاعلى، الا إذا كان ثمة من القوة وقوة الحق ما يجعل حقوق المواطنين تحد من حق الملك، بل الطاغية». وفي هذا الاطار لا يرى سبينوزا ضيراً في ان تحكم الارستقراطية إذا ما كرست للقوانين الانسانية الطبيعية هذه نفسها». ويرى أيضاً ان «الديموقراطية تكون حكماً مثالياً إذا هي استوحت الحق العام في بناء سلطتها».

لقد توقف باروخ سبينوزا، في تدبيج كتابه هذا، عند هذا الحد ومنعه الموت من اكماله. وقد صدر الكتاب بعد رحيل صاحبه. وهومنذ صدوره لا يكف عن إلهام المفكرين تفسيرات وتوضيحات، وكذلك لم يكف عن إلهام المفكرين الذين جاؤوا من بعد سبينوزا. وقد رأى خيرة الباحثين السبينوزيين، ان هذا الكتاب لواكتمل لكان من شأنه ان يظهر كيف من الممكن أن تمكن سبينوزا من ان يستحوذ على نزعة ماكيافيللي وهوبس الطبيعية ليحولها الى ما يمكن اعتباره عقلانية انسانية. فبالنسبة الى سبينوزا، لا بد من تطابق القوة والحق لبناء السياسة، لكن القوة ليست بالنسبة اليه سوى عمل عقلاني يرتبط بالواقع الذي يتجلى ويعبر عن نفسه من خلال الحق... ما يعني ان سبينوزا يرى هنا ان القوة الحقيقية ليست أمراً آخر غير الحق نفسه. وهذا ما يجعل سبينوزا، في نظر دارسي كتابه هذا، يعتبر الارهاص الحقيقي بولادة الفكر السياسي لعصر التنوير الذي كان همه الاساس ان يصيغ مبادئ الدولة المثال.

سپينوزا

ولد باروك (مبارك) سبينوزا العام 1632، وسط الطائفة اليهودية في أمستردام في هولندا، لأب من أعيان الطائفة. تلقى دراسته في مناخ ارثوذكسي يهودي تقليدي، لكنه سرعان ما بدأ ينشق فكرياً وسياسياً. فكان الحاخامون له في المرصاد، وحاكموه وهوفي الرابعة والعشرين، ولكن إذ تبدت محاكمته عبثية لأن الشاب لم يكن قد خط أوعمل ما يجب ان يغضب حقاً، فإنه بعد سنوات أربع من محاكمته أصدر كتابه الأساس «الاخلاق» الذي منح الحق لمحاكميه أكثر مما كانوا يتصورون. إلى غير ذلك ولد فيه المفكر العقلاني الحقيقي. وصار مؤسساً حقيقياً لنزعة تنويرية مستقلة. وتجلى ذلك أيضاً في الكثير من خطه، لا سيما «إصلاح العقل» الذي لم يكتمل أبداً، و«المراسلات» و«الرسالة اللاهوتية - السياسية»... الخ.


انظر أيضاً

  • الموضوعة اللاهوتية-السياسية
  • القانون الطبيعي
  • شكل الحكم

وصلات خارجية

  • Tractatus Politicus (english translation)
  • Tractatus politicus, full original text is available from Latin Wikisource
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:22:54
التصنيفات: فلسفة سياسية, أعمال باروخ سپينوزا, كتب 1675

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تسلا في 2022.. أرقام قياسية لم تحقق وعود إيلون ماسك

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:26:31
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 61%

تعيين الأمين النجار رئيسا لمجلس الإدارة الجماعية للبريد بنك

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:26:08
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 61%

بجامعة تبوك.. إدارة المرور تستعرض خدماتها في "السلامة المرورية"

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:26:23
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 64%

بـ23 محطة تصريف مياه.. الأحساء تناقش خطة مواجهة الأمطار

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:26:16
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 70%

39756 حالة باشرها الهلال الأحمر خلال ديسمبر في مكة المكرمة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:25:02
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

برعاية وزارية.. جائزة الأميرة صيتة تُطلق ملتقاها دراية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:24:55
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

120 مليون ريال لدعم متعثري سداد أجرة المسكن خلال 2022 السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:24:58
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

وزارة الموارد البشرية تحصل على شهادة الآيزو "9001 ISO"

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:26:13
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

استمرار تعليق الدراسة في مكة وجدة والمدينة والطائف السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:25:00
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

القبض على 5 باكستانيين بحوزتهم 4.8 كلجم من "الشبو" المخدر السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:24:59
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

تعيين الأمين النجار رئيسا لمجلس الإدارة الجماعية للبريد بنك

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:26:14
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

العالمي يقدم رونالدو في مرسول بارك الليلة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:24:57
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

رئيس "القوات اللبنانية": الحوار جارٍ لانتخاب رئيس سيادي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:26:19
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

قناة ومنصة “المشهد” تبدأ بثها الرسمي في 11 يناير

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-01-03 15:25:29
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

تحميل تطبيق المنصة العربية