ثنايا الثورة الفرنسية (فيلم لبناني)

عودة للموسوعة

ثنايا الثورة الفرنسية (فيلم لبناني)

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس
بعنوان .


الاحتفاء الذي يبدأ هذه الأيام في العاصمة الألمانية برلين، بالسينما اللبنانية في اقوى تجليات تاريخها الحديث، ضمن اطار مهرجان مخصّص للسينما العربية، يتوقف بشكل لافت عند المسار السينمائي للراحل مارون بغدادي، وذلك من خلال عرض الكثير من افلامه ومناقشتها من جديد. ولئن كان المهتمون قد عهدوا معظم اعمال هذا المبدع الذي رحل شابا، فإن ثمة من بين اعماله افلاما نَدُر حضورها إذ انها افلام حُققت اصلا للتلفزيون. ولعل اهمها فيلم «مارا» الذي حققه بغدادي للتلفزة الفرنسية ضمن اطار سلسلة عهدت الى عدد من كبار المخرجين الفرنسيين بعنوان «ثنايا الثورة». وهنا لمناسبة المهرجان الألماني وقفة عند هذا العمل.

> وقع ذلك في العام بفضل الفرصة التي أتيحت لمارون بغدادي، في العام 1987 لتحقيق فيلم «لبنان، أرض العسل والبخور» حيث تمكّن من حتى يعدّل الميزان بعض الشيء لصالح موقف متزّن، بعد حتى كان هذا الميزان قد اختلّ بفيلم «الرجل المحجب». على أي حال، قاد ذلك مارون الى ان يحقق فيلمه عن الثورة الفرنسية الذي نتناوله هنا. وينطبق هذا الكلام من طبيعة الحال على فيلم «مارا» الذي عرضته التلفزة الفرنسية وسط الاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية. ويتحدث الفيلم عن مارا، أحد أبطال تلك الثورة، عن حياته وتعقداتها وكيفية انتمائه الى العمل الثوري ومقتله في نهاية الأمر على يد شارلوت كورداي.

في هذا الفيلم، إذن، خرج مارون بغدادي أخيراً، وللمرة الأولى، من عباءة لبنان والحرب اللبنانية، بعد انغلاق طال أمده داخلها. ولكن هل تراه خرج حقاً؟

> والحال حتى المراحل الثلاث التي تطبع مسألة علاقة الابن بالأب في سينما مارون بغدادي: فترة موت الأب بغير ما رغبة من الابن (عبد الناصر، جنبلاط) – فترة اغتال الأب أووأده أوخصيه عن طريق الابن/ الابنة نفسه/ نفسها («حروب صغيرة»، «الرجل المحجب»)، ثم وبشكل طقوسي عنيف في «مارا» وأخيراً فترة استعادة الأب أوالسعي لذلك («خارج الحياة» و«فتاة الهواء»)، هذه المراحل الثلاث تكشف عن تطور مارون بغدادي نفسه، حيث كان في الفترة الأولى يسعى جاهداً للعثور على أب يحزنه موته لكنه يقاوم ذلك الموت باقتراح بدائل للأب (من هنا نهاية «بيروت يا بيروت» المفتوحة على مقتل المناضل الجنوب باعتبار النضال والانتماء الى القوى المناضلة بديلاً عن موت جمال عبد الناصر. ومن هنا تلك العلاقة الميتافيزيقية التي تبيّنها الكاميرا مع ذكرى كمال جنبلاط في المشهد الأخير من «تحية الى كمال جنبلاط») ونراه – أي مارون بغدادي – في الفترة الثانية، يتعمّد اغتال الأب – بينما يحاول استعادته في الفترة الثالثة.

> لقد وصل اغتال الأب هنا الى بُعد طقوسي، يكادقد يكون هندسياً. دون حتى يعني هذا من طبيعة الحال حتى «مارا» هومجرد استمرار لـ «حروب صغيرة» (عبر تحقيق مشهده الأخير لما عجزت ثريا عن تحقيقه في «حروب صغيرة»، مثلاً). ودون حتى يعني حتى بغدادي قد حقق عبر «مارا» فيلماً ذاتياً آخر، هومؤلّفه، بل بالعكس، يفترض أن يظهر لنا «مارا» فيلماً محققاً «تحت الطلب» انطلاقاً من حكاية جاهزة سلفاً، عن شخصية حدّد لها التاريخ أكثر من صورة ممكنة، وعن سيناريوخطه أديب فرنسي معروف، هودانيال بولانجيه، ليس من شأنه – في أي حال من الأحوال – حتى يرضى بأنقد يكون مجرد ظل لسينمائي شاب آت من لبنان همّه «أن يعلّم الفرنسيين كيف من الممكن أن يصنعون فيلماً حقيقياً عن ثورتهم» إذن، كيف من الممكن أن أمكن لفيلم هذا شأنه، وتلك هي علاقة مخرجه به، حتى يذكّر المتفرج بفيلم آخر للمخرج، فيلم أكثر ذاتية وحميمية، وان كان – من طبيعة الحال – سيبدوبالمقارنة مع «مارا» هشّاً من الناحية الفنية، ويتّسم ببعض التبسيط من الناحية التقنية (نعني به «حروب صغيرة»)؟

> سليم حتى «مارا» هوفي المقام الأول، فيلم عن الثورة الفرنسية – وذلك هومبرر وجوده على الأقل – فيلم يتناول تلك الثورة عبر واحد من أبطالها، عبر «مارا» ابن الشعب البار (كما كان يصفه أولئك الذين أسبغوا على الثورة وتقلباتها آيات البطولة وجعلوا مساواتها جزءاً من ضرورات «الحتمية التاريخية»)، و«المحرك الأول للإرهاب الثوري القاتل»: (في نظر أولئك الذين وجدوا في مارا كما في روبسبيار، كما في دانتون، حججاً تساعدهم على إسباغ هالة قدسية على مواقفهم المعادية للثورة). وهنا لا بد من حتى نفتح هلالين لنشير، أيضاً الى حتى فكرة تقديم وقع جماعي هام، عبر إنسان يجسد هذا الحدث، طبعت معظم أفلام مارون بغدادي. ومن يعهد بغدادي جيداً يعهد حتى هذا المبدأ رافق ليس فقط مسيرته السينمائية، بل أيضاً مسيرته السياسية وربما الحياتية، حيث لم يكن من النادر له حتى ينظر الى الأحداث الكبرى، في آلامها وتقلباتها، عبر مرشح دائم هوإنسان يحل لديه مكان الأب أوالأم او«الأخ الأكبر». ونقفل هنا هذين الهلالين، لننتقل الى مارا نفسه فنلاحظ ان الصورة التي يقدمها دانيال بولانجيه ومارون بغدادي لهذا الثائر الشهير، لا تنتمي مباشرة الى أي من الصورتين المعهودتين عن مارا: صورة اليسار المبجّلة له، وصورة اليمين المدمّرة له. مارا هنا هومزيج من الصورتين، بل هوبالأحرى، الصورتان متماهيتان تماماً، وقد عهد صانعا الفيلم كيف من الممكن أن يخرجان بها من خط التاريخ، الى هشاشة الحياة. مارا هنا (في صورة تذكّرنا بمارا الذي صوّره بيتر فايس في مسرحيته الشهيرة عنه ولكنها تقل عنها عمقاً بكثير طبعاً) إنسان يحمل تناقضات البشر، عيوبهم وأحزانهم، خوفهم وبطشهم، نهمهم وتحفظهم. بل، أكثر من هذا، يحمل الى حد الإفراط جميع تلك القدرة على حتىقد يكون وحشاً وحنوناً في الوقت نفسه. مارا المرسوم هنا، ليس البطل الثوري فقط، بل هوالطفل الذي تربى على «الطبيعة» وصعقه الجنس منذ بداية حياته، وعاش جميع نجاحاته، انطلاقاً من خيبته وإخفاقه المؤكّدين: يطرد من الجامعة الفرنسية فيشتري شهادة الدكتوراه في الطب من بريطانيا، يفشل في ممارسة الجنس انطلاقاً من مركّبات نقص جديرة بأن يحلّلها فرويد بدائي، فيمارس شتى أنواع الشذوذ، وسط أكوام من القاذورات، القاذورات التي تبدأ بجلده الملتهب المصاب بنوع عصي من الإكزيما، وصولاً الى هوسه المجنون بالقتل، وفرحه الطاغي أمام الاختراع «الجديد» آنذاك: المقصلة التي يقول ما إذا يراها ويطلع على إمكاناتها العجيبة، والابتسامة تعلوشفتيه النهمتين:» سنقتل بها مئة ألف!». أما الطب الذي هوفي الأصل وسيلة لشفاء الإنسان من آلامه، فإنه يتحول لدى مارا الى «مجاز»، الى وسيلة للتخلص من السقم: بالنسبة اليه الشعب مريض ولا يستقيم وضعه إلا ببتر أعضاء فاسدة فيه. على يد رفاقهم أكثر مما على يد أعدائهم. هنا، في هذا السياق بالذات، لا يعود من قبيل الصدفة على الإطلاق، حتى يحقق مارون بغدادي جميع هذا النجاح في تعاطيه السينمائي مع الثورة الفرنسية، ويبدوفيلمه عنها أكثر صدقاً من بقية أفلام سلسلة «ثنايا الثورة». فالحال حتى زملاء بغدادي من المخرجين الفرنسيين الذين خاضوا التجربة نفسها كان العهد قد طال بهم كثيراً، عن حقيقة الثورات ومآسيها. بل حتى الذين عهدوا جيداً كيف من الممكن أن حتى الثورة البولشفية – التي كانت بدورها أملاً كبيراً للشعب والمثقفين – انتهت الى أكل أبنائها بعضهم بعضا حين تمكن ستالين من حتى يصفّي جميع رفاقه، بمن فيهم تروتسكي، مؤسس الجيش الأحمر، خلال محاكمات موسكو- كانوا قد اعتادوا إلصاق جميع شيء بهمجية ستالين نفسه. أما بغدادي فكانت التجارب الحية التي عاشها بنفسه في شرقه الأوسط «اللذيذ» – على حد تعبيره الساخر – ماثلة في ذهنه، من هنا اتى رسمه لمارا صادقاً حياً، وأشبه بأمثولة سياسية. ولكن لا يتعين علينا هنا حتى نعتقد حتى مخرجنا اللبناني قد جعل من فيلمه عن مارا بياناً سياسياً معادياً للثورة. لقد جعله بالأحرى بياناً عن الخيبة. *والحال حتى كاميرا مارون بغداي عهدت كيف من الممكن أن تجعل من مشهد القتل في النهاية، واحداً من أكثر مشاهده السينمائية حميمية وذاتية. ولعل هذا يقودنا الى التساؤل المشروع عما إذا لم يكن مارون بغدادي قد اختار شارلوت كودراي لتكون ناطقة باسمه في الفيلم، ناطقة باسم خيبته وسوداويته، وعما إذا لم يكن الخنجر في يدها تعويذة يُطلب منها حتى تقي مارون بغدادي نفسه شرّ حتى يحمل هوبنفسه خنجراً يضرب به الكثيرين من أمثال «مارا» الذين عهدهم طوال السنوات الخمس عشرة الأخيرة،يا ترى؟ نورد هذه الملاحظة، بالطبع، ونحن مدركون سلفاً لما تحمّله من خطر الوقوف على حبل مشدود، ومن هشاشة. ونلفت الى حتى شارلوت هنا، قد لا تكون – رغم طغيان الواقع التاريخي – سوى الوجه الآخر لمارا نفسه. تماماً كما حتى ثريا في «حروب صغيرة» قد لا تكون في نهاية الأمر، سوى الوجه الآخر لطلال.


المصادر

  • دار الحياة
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:24:04
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

لليوم الثاني.. انعقاد سنودس النيل لانتخاب المجلس الإنجيلي 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

«معلومات الوزراء» يصدر عددًا جديدًا من سلسلة «مقتطفات تنموية»

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:12
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 58%

محمد صلاح يرفض المدرب المصري ويفضل الأجنبي لقيادة منتخب الفراعنة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:49
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

بالصور.. المسجد الحرام يستقبل ضيوف الرحمن بنفحات الطيب والبخور

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:50
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

إنقاذ 3 مرضى بالسكري من بتر أقدامهم في السعودية

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:51
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 58%

الصحة: تقديم الخدمات الطبية لـ11 ألفا و374 طفلا بدور الرعاية الاجتماعية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:16
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

«الوزراء» يوافق على تخصيص 25 فدانا لإقامة منطقة لوجيستية بشمال سيناء

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:15
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

رئيس "الكاف" يعين لقجع في منصب جديد تحت إشراف "فيفا"

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:55
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

وفاة متسلق جبال في نيبال على ارتفاع 7400 متر

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:48
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 65%

بريتني سبيرز حامل في طفلها الثالث.. ولم تحدد موعد زواجها

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:53
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 59%

أرباب محطات الوقود في المغرب يُهددون بإضراب وطني شامل

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:57
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

محافظ القاهرة: الدولة اتخذت إجراءات سريعة للسيطرة على ارتفاع الأسعار

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:12
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 52%

أزمة "البوطا" تُهدد جهة فاس-مكناس بسبب إضراب الموزعين

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:56
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 58%

الدول التي قد تدعم مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء بعد موقف إسبانيا!

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:21
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 78%

"مربوحة" تكشف عن أصعب مشاهدها في "الكبير أوي 6"

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:52
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 56%

حارس مرمى يسجل هدفاً لا يصدق.. أذهل زملاءه وصدم خصومه (فيديو)

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 69%

بدء أعمال مد أراضى الـ ١.٥ مليون فدان فى غرب المنيا بالكهرباء.. اليوم

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:13
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 50%

بشبهة تزوير وثائق سفر أجنبية.. شرطة الحدود تُوقف مواطنين جزائريين

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:55
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 56%

وفاة طفل مصري أثناء ذهابه للصلاة في المسجد

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:53
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

مخترع عملة “البيتكوين” يحاضر بالمغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-12 15:18:23
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 71%

تحميل تطبيق المنصة العربية