بيت تورنگر
هذا الموضوع مبني على منطقة لابراهيم العريس بعنوان . |
بيت تورنگر بالرومانية: Casa Thüringer هي رواية قصيرة بالرومانية خطها الأديب الروماني پنايت إستراتي في سنة 1933 ضمن سلسلة سيرته الذاتية الخيالية المسماة "أدريان زوگرافي".
” |
لا يمكن لحياة إنسان عادي حتى تُخط أوحتى تُروى. فما بالك بحياة إنسان أحب الأرض ودار فيها طولاً وعرضاً. إنها اقل قابلية بكثير لأن تحكى. ولكن حينقد يكون هذا الإنسان شغوفاً، ويكون عهد خلال حياته جميع درجات السعادة والشقاء وهويتجوّل حول العالم... سيكون من المحال تقريباً، عليه أوعلى غيره رسم صورة حية لما كانت عليه حياته. من المحال بالنسبة إليه أولاً، وبعد ذلك من المحال بالنسبة إلى أولئك الذين يفترض بهم حتى يصغوا إليه. |
“ |
هذه العبارات اتىت في احد النصوص التي خطها الروماني پنايت إستراتي خلال الربع الأول من القرن العشرين. والكلام هنا يظهر منطقياً ومعقولاً. أوكان يمكن حتىقد يكون كذلك لولا معضلة واحدة تكمن في حتى إستراتي نفسه، كان في الوقت الذي خط هذه العبارات في ثقة وحزم تامين، يخط حكاية حياته نصاً بعد نص، وعاماً بعد عام في سلسلة أعمال فريدة من نوعها في آداب شرق اوروبا. وفي تلك الأعمال التي تمتد على مدى ألوف الصفحات، روى إستراتي بالتحديد الجزء الأكبر من تجارب حياته الخاصة، حتى وإن كان تقدّم من قرائه مقنّعاً تحت ملامح الشخصية التي ابتكرها وصارت إحدى أبرز شخصيات ذلك الزمن وأشهرها: شخصية أدريان زوگرافي. والحال انه لا يتعين على هذا الاسم حتى يخدع القراء أبداً... ذلك لأن زوگرافي وإستراتي هما، في نهاية الأمر، إنسان واحد.
وإذا كانت رواية «كيرا كيرالينا» (أشهر روايات إستراتي، والموصوفة عادة - على رغم أنها خطت مباشرة في الفرنسية - بأنها «ألف ليلة وليلة» الرومانية)، عهدت على نطاق واسع وعرّفت ألوف القراء بزوگرافي وبإستراتي في آن معاً، فإن العمل الأجمل الذي ينتمي إلى تلك السلسلة، يظل الجزء المعنون «بيت تورنگر» الذي خطه إستراتي ونشره في العام 1927، واصفاً فيه بين أمور أخرى ولادة نقابات حمالي المرافئ في مدينة براييلا الرومانية مسقط رأسه. والذي لا ينبغي حتى يفوتنا هنا، بالطبع، هوحتى إستراتي نفسه كان في العشرية الأولى من القرن العشرين - أي خلال الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث «بيت تورنگر» - حمّالاً في مرفأ برايلا، وأحد كبار مؤسسي نقابات الحمّالين هناك. وقبل حتى نتوقف عند هذه الرواية نشير إلى أنها تشكل جزءاً من القسم الثالث من أعمال إستراتي المكرسة للحديث عن حياة بطله أدريان زوگرافي، وهوالقسم المعنون «حياة أدريان زوگرافي» ويضم أربعة خط أخرى. أما القسمان الأولان فهما «حكايات ادريان زوگرافي» ويضم «كيرا كيرالينا» بين أعمال أخرى، ثم «صبا أدريان زوگرافي» ويضم ثلاثة نصوص.
إذا، فـ «بيت تورنگر» تشكل جزءاً أساسياً من سيرة إستراتي ومن عمله الروائي الكبير في الوقت نفسه. وهوحين خط هذه الرواية كان تجاوز الأربعين من عمره. ومن هنا كان واضحاً انه إنما ينهل من ذكريات صباه، مضفياً على تلك الذكريات طابع الرواية الموضوعية. لكن الأهم من هذا حتى صاحبنا كان في ذلك الحين أضحى من دون أوهام نضالية كبيرة. هوالذي كان خسر بقية أوهامه الاشتراكية والتقدمية إثر زيارة إلى الاتحاد السوڤيتي بدأها مفعماً بالأمل وعاد منها يائساً ضائعاً مندّداً بفشل التجربة.
وهذا الفشل سنراه خصوصاً في نهاية «بيت تورنگر». إذ على رغم حتى الرواية تبدأ بداية نضالية ثورية لا يفوت المحرر حتى يمجدها، فإننا سنجد انفسنا لاحقاً، مع تقدمنا في القراءة وغرقنا اكثر وأكثر في الأحداث، أمام محرر يفضّل، بدلاً من البحث عن قيم التقدم والعدالة الاجتماعية التي بدأ حياته مؤمناً بها، حتى يبحث عن قيم أخلافية تدور حول الطيبة والعدل والإحسان. والغريب حتى الفتى الاشتراكي النزعة والساعي إلى توحيد الطبقة العاملة في بوتقة نضالية واحدة، لا يجد حياة للقيم الأخلاقية التي بات يبحث عنها، إلا في أحضان عائلة بورجوازية ألمانية الأصل تحتضنه.
هذه العائلة هي تحديداً «بيت تورنگر» الذي يصير عنوان الكتاب اسمه. فعند بداية الرواية، وبعد حتىقد يكون ادريان زوگرافي عثر على الكرم الإنساني والنضال الاجتماعي لدى الفقراء من أبناء طبقته المسحوقة، يحدث له حتى يعمل خادماً لدى آل تورنگر، أصحاب السفن الراسية في مرفأ براييلا. وربّ هذه العائلة ثري ألماني، أما زوجته السيدة آنا، فهي امرأة حسناء من أصول متواضعة. بيد حتى زواج هذه السيدة من الثري تورنگر، لم ينسها تلك الأصول، ولم ينفح لديها أي غرور... بل انه على العكس من ذلك زاد من طيبتها ومن تعاملها الأنيق واللطيف مع جميع من يدق باب بيتها. ولقد عاين ادريان هذا الأمر بنفسه في مطبخ السيدة - حيث يدور بعض اجمل مشاهد الرواية، وحيث تأمر السيدة بأن يقدّم الطعام والحلوى لأي كان-. غير حتى هذه السيدة، التي تستثير حب ادريان واحترامه وإعجابه في الوقت نفسه، لا تتعامل مع الناس بطيبة في مجال الأمور المادية وحسب، بل كذلك في مجال الحرارة الإنسانية... ما يحوّل نظرة ادريان إليها إلى حب أفلاطوني خالص. لكن هذا الأمر يسقط ادريان، في الوقت نفسه، في حيرة فائقة بسبب انتماءاته النضالية التي فهمته حتىقد يكون في صراع دائم مع البورجوازيين ونطقت له دائماً إذا البورجوازيين أشرار.
المهم حتى ادريان، في الوقت الذي يعايش فيه البورجوازية عن كثب في دار آل تورنگر، يظل على احتكاك بالبائسين من أمثاله، من الذين يصف في الرواية حياتهم بتعاطف يظهر أحياناً انه مفتعل، ولا سيما حين يعاين نظرتهم الدونية إلى المرأة، ويرى كم حتى أوضاعهم الاجتماعية تخلق فيهم حس عنف وكراهية يظهر من المؤلم لأدريان حتى يقارنه بأخلاق السيدة آنا. ومع هذا لا يفوت ادريان حتى يحدثنا عن شجاعة وعظمة بعض المناضلين، الذين يصف لنا كيف من الممكن أن يسعون - ويشاركهم هومسعاهم - إلى تأسيس الاتحادات النقابية. وهذا كله يحدث كما أسلفنا خلال الأعوام الأولى من القرن العشرين، حين كانت المثل العليا لا تزال راسخة، والأحلام الثورية والاشتراكية كبيرة، بما في ذلك ثقة العمال بقدرتهم على تنظيم نضالاتهم. وفي الفصول التي يروي لنا فيه أدريان (إستراتي) هذا كله وكيف تخاض المساعي النضالية، يقول لنا كيف من الممكن أن حتى أياماً قليلة من الصدق والنضال كانت كافية لكي يتجمع عمال المرافئ البالغ عددهم ستة آلاف... ولكن لكي يتجمع ضدهم أيضاً البورجوازيون... الأشرار. ذلك انه بقدر ما هناك طيبة وشرّ لدى العمال، ثمة أيضاً شرّ وطيبة لدى البورجوازيين. ولئن وقف آل تورنگر بقيادة آنا وزوجها متفهمين مصالح العمال، انتفض بورجوازيون آخرون ليجهضوا ذلك كله مسببين في الوقت نفسه الخراب للمتنورين من آل تورنگر، بقدر ما هزموا العمال. أما أدريان فإن الأمور تنتهي به إلى الرحيل مبتعداً عن ذلك كله وقد قرر حتى يصبح... محرراً.
المؤلف
ليس المرء في حاجة، طبعاً، إلى عناء كبير لكي يرى پنايت إستراتي خلف صورة أدريان زوگرافي في هذه الرواية، فالتطابق اكثر من واضح وإن كانت ضرورات البعد الروائي بدّلت في بعض التفاصيل. وإستراتي (1884 - 1935) ولد بدوره في برايلا، ابناً لغسالة رومانية ومهرّب يوناني. وهوبدأ الانخراط في شتى المهن والنضالات منذ سن الثالثة عشرة... كما بدأ باكراً حياة السفر والتشرد فزار اسطنبول والإسكندرية والقاهرة وناپولي ولوزان وبلدان البلقان وباريس كمناضل ورحالة حتى استقر به المقام ذات مرة في فرنسا حيث حاول الانتحار، لكنه تعهد هناك على رومان رولان الذي شجعه على الكتابة وتحديداً بالفرنسية التي تفهمها وحده. ثم التقى المحرر اليوناني الكبير كازانتزاكيس، وبدأ ينشر خطه، وزار الاتحاد السوفيتي ليعود منه خائب الأمل حيث خط نصاً أثار سجالاً كبيراً في الأوساط الشيوعية الفرنسية عنوانه «نحوالشعلة الأخرى». ولقد عاد إستراتي آخر سنوات حياته إلى بوخارست، حيث أصابه داء السل وأودى به في العام 1935، وبعد حتى كان بلغ قمة المجد... وترجمت خطه إلى لغات عدة.
المصادر
- دار الحياة