أرنست همنغواي كما تكشفه رسائله
أرنست همنغواي كما تكشفه رسائله
بعد طول انتظار صدر الجزء الأول من مجموعة الرسائل الكاملة للمحرر الأميركي أرنست همنغواى لتضم الفترة من عام 1907 وحتى 1922 في كتاب من تحرير ساندرا سباينر وروبرت تورجدون، وتتكون المجموعة من 12جزءا لرسائل صاحب نوبل للآداب عام 1954، وأحد أعظم الكتاب الذين أنجبتهم الإنسانية.
ويقدر عدد الرسائل التى خطها همنغواى بسبعة آلاف رسالة على مدى حياته، التى انتهت بإطلاق النار على نفسه يوم 2 يوليو/ تموز 1961. وتتدفق حدثات الرسائل بعفوية وعنفوان عبر الكتاب الأول ناطقة بعبقرية وحضور ومرح صاحب "العجوز والبحر" وغضبه أيضا، بلا تحفظات أومحاولات لكبح جماح النفس والرقابة على الذات.
وتكشف الرسائل بهذا الجزء عن مشاعر الروائى الأميركى المبدع حيال فقد بعض مخطوطاته عام 1922، غير حتى الطريف ما تضمنه الكتاب من رسائل خطها وهوطفل لوالده، ومن بينها رسالة خطها وهوفي الثامنة عن "بطة" فضلا عن رسائل لزوجته الأولى هادلى.
وتمضى الرسائل لتفصح عن مشاعر همنغواى أثناء الحرب العالمية الأولى التى أصيب فيها، وعلاقته مع المسقمة أجنيز فون كوروسكى، التى تزوجها خريف 1921 وصور ملامحها في عمله الروائى الشهير "وداعا للسلاح".
حياة حافلة
إنها رسائل ممتعة حقا، وحافلة بالتفاصيل الدالة، فبعضها يقدم الطفل المطيع همنغواى المولود عام 1899 في بيت منضبط إلى حد التزمت بالغرب الأوسط الأميركى، وهويناشد أمه حتى تسمح له بارتداء البنطلون الطويل مثل بقية رفاقه بالمدرسة، وبعضها ينطق بكرم وأريحية همنغواى، ومدى تقديره لقيمة الصداقة في الحياة.
وبقدر ما تكشف الرسائل الكاملة لمحرر رائعة "لمن تدق الأجراس" عن شخصية جذابة وظريفة، فإنها تشير أحيانا إلى الشعور الكبير للمحرر بذاته، بما قد يراه البعض تفخيما للذات وإطراء للنفس مبالغا فيه من صاحب "العجوز والبحر".
وإذا كان البعض قد لاحظ منذ وقت طويل حتى المحرر الأميركى سكوت فيتزجيرالد تمتع بالقدرة على التجدد فإن "صديقه اللدود" همنغواى، كما مضى بعض
مؤرخى الأدب، كان يتميز غيظا بسبب هذه القدرة المستمرة على الانبعاث والتجدد والتى تجعل شمس فيتزجيرالد تشرق دوما، بينما يمر همنغواى بفترات كسوف وتراجع.
غير حتى النظرة الأكثر إنصافا التى تبناها الآن فريق من نقاد الغرب، تؤكد حتى همنغواى لم يعدم بدوره القدرة على التجدد، وأنه حدثا توارى كانت شمسه تشرق من جديد، والأكثر أهمية حتى حضوره الإبداعى كان عملاقا ولا يمكن لفيتزجيرالد أوغيره حتى ينحيه جانبا ويدفعه لمنطقة الظل.
ومن هنا فعندما شعر همنغواى، عاشق المغامرات وكوبا وباريس، بشكوك حيال قدرته على الاستمرار في توهجه الإبداعى، كان لابد لمحرر عملاق مثله حتى ينتحر مثلما انتحر والده الطبيب من قبل والمولع بالصيد مثله.
وكانت بعض رسائل همنغواى بالفترة ما بين عامى 1917 و1961 قد ظهرت من قبل في كتاب من ألف صفحة لكارلوس بيكر، غير أنه لابد وأن يوصف بالتواضع البالغ بالمقارنة مع هذا الصرح الجديد الذى ظهر مجلده الأول ضمن مجموعة من 12 مجلدا لمحرر "روابى أفريقيا الخضراء".
إنه همنغواى الذى جسد معنى البسالة في الحدثة والحياة، وعمد لتمجيد قوة الإنسان وقدراته الفذة، وهذه رسائل صاحب "لمن تدق الأجراس؟" تشهد على حتى أجراس المجد في تاريخ الأدب لابد وأن تدق دائما لمحرر "ثم تشرق الشمس".
المصدر: وكالة الشرق الأوسط