إستقبال شهر رمضان

عودة للموسوعة

إستقبال شهر رمضان

إستقبال شهر رمضان

إن من نعم الله عز وجل على هذه الأمة المرحومة ـ إذ جعل أعمارهم قصيرة وآجالهم محدودة ـ حتى أبدلهم مواسم الخيرات والبركات، ومَنَّ عليهم بالأعمال المضاعفات، يعملون قليلاً ويؤجرون كثيرًا، وينفقون زهيدًا ويجزون مزيدًا، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].

المواسم العظيمة

ألا وإن من المواسم العظيمة الجليلة والفرص المضىية الثمينة ما نحن مقبلون عليه من أيام مباركة وليال فاضلة، ذلكم هوشهر رمضان المبارك الذي جعل الله صيام نهاره ركنًا من أركان الإسلام، وسن نبي الهدى لأمته في ليله التهجد والقيام، نطق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:183-185].


التجارة الرابحة

فيا لها من سوق للتجارة الرابحة مع الله يتزود منها المتزودون، ويا له من مضمار يتسابق فيه ذووالهمم العالية ويتنافس المتنافسون، ويا لسعادة من كان في تجارته مع ربه صادقًا، ويا لفلاح من كان لهدي نبيه عليه الصلاة والسلام موافقًا، نطق : "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه"[1]، ونطق عليه الصلاة والسلام: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه"[2]، ونطق عليه السلام: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه"[3].

إدراك الشهر الكريم

أيها المسلمون، وحدثا ازداد شهر رمضان اقترابًا زاد قلب المؤمن وَجَلاً واضطرابًا، فهولا يدري أنفسه تدرك هذا الشهر وتبلغه فيهنّيها، أم تخرج روحه قبل دخوله فيعزّيها، ثم هولا يدري بعد ذلك إذا استوعب هذا الشهر المبارك أيكون من الموفقين المسددين، أم من المخذولين المبعدين. فإن من

المعلوم المشاهد لكل ذي عين وقلب حتى كلاًّ يغدوويعدوفي إقبال هذا الضيف الكريم، فبائع نفسه فمعتقها أوموبقها، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [الليل:4-11].

المسلم الحق يبع نفسة لله في هذا الشهر

أما أصحاب القلوب الحية والعقول الراجحة فيبيعون أنفسهم في هذا الشهر للغني الوفي، ويقبلون على الكريم الرحيم الرحمن، يصومون إيمانًا واحتسابًا، ويقومون لربهم مخلصين قانتين، يرجون رحمته ويخافون عذابه، تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقهم ربهم ينفقون، وما ذلك إلا لأنهم فهموا حتى بلوغ رمضان نعمة عظيمة تستحق الشكر للمنعم الكريم سبحانه، ولذلك فهم يقضون نهاره صيامًا، ويبيتون ليله سُجَّدًا وقيامًا، لا يرفثون ولا يفسقون، ولا يسبون ولا يشتمون، ولا في باطل أولغويخوضون، يقرؤون كتاب ربهم ويتلذذون بتلاوته، ويسبحون بحمده ويحمدونه على نعمته، قد حفظوا الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكروا الموت والبِلَى، سمونفس وشرف هدف، ونبل غاية وهداية قلب، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]. هؤلاء ـ والله ـ هم الذين يستفيدون من رمضان، وهم الذين يجدون فيه طعم الرجولة السليمة والحرية الحقة، لمثلهم تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولا ينسلخ عنهم الشهر إلا وقد غفرت ذنوبهم وكفرت خطاياهم، بأمثالهم تصلح الأحوال وتستقيم الأوضاع، وبوجودهم تسعد المجتمعات وتحيا الأمم، وما أشد حاجة الأمة إلى أمثالهم في جميع عصر وفي جميع مصر.

الأشقياء التعساء

وأما أكثر الناس ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ فهم مع رمضان أشتات غير متفقين، عن اليمين وعن الشمال عِزِين، منهم من لا يرى فيه أكثر من كونه حرمانًا لا فائدة منه وتقليدًا تعبّديًا لا مبرر له، فهم عازمون على الإفطار فيه مجاهرين بذلك أومسرّين، فهؤلاء حمقى مأفونون، كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا، وظنوا حتى في الصوم كَبْتًا للحرية المزعومة، والتي تعني عندهم حتى ينطلق المرء وراء أهوائه وشهواته، يَعُبّ منها دون حد أوقيد، فهؤلاء ـ والله ـ بمنزلة هي من شر المنازل وأخبثها، وأنآها عن الله وأبعدها.

ومن الناس ـ أيها الإخوة ـ أشقياء تعساء، يستقبلون رمضان على أنه شهر جوع نهاري وشبع ليلي، نوم في الفرش في النهار إلى ما بعد العصر، وسهر في الليل ممتد إلى طلوع الفجر، ليس رمضان عندهم إلا موسمًا للموائد الفاخرة، بألوان من الطعام والشراب زاخرة، ذوالعمل منهم يتبرّم من عمله، وصاحب التعامل يسيء في تعامله، والموظف تثقل عليه وظيفته، وجوههم عابسة، وصدورهم ضيقة، وألسنتهم سَلِيطة، وغيظهم حانِق، لا يرون في رمضان إلا جوعًا لا تتحمّله أمعاؤهم، وعطشًا لا تقوى عليه عروقهم، فأي مسكنة وضعف يعيش فيه هؤلاء؟! إنهم لم يأخذوا من الحياة سوى جانبها الفضولي العابث، يتأثرون ولا يؤثّرون، يعيشون صعاليك وطفيليين، لا يعتزون بعقيدة ولا بخلق يتمسكون، ولا يفرحون بخير ولا في عبادة يخلصون.


عدم فهم حكمة الصيام

ومن الناس صنف مُهْمِلُون مُهْمَلُون، أولئك هم الشباب والنساء، أما الشباب ـ هداهم الله ورعاهم ـ فهم يصومون عن الأكل والشرب فحسب، ويعيشون أوقاتهم في أثناء ذلك فارغين، لا هَمَّ لهم إلا حتى يذرعوا الأسواق جيئة وذهابًا، يؤذون أنفسهم، ويؤذون المؤمنين والمؤمنات، يزعجون هذا ويوقظون ذاك، ويلحظون هذه ويضايقون تلك، يبترون أوقاتهم في سهر عابث وسهر ماجن، وتكون لهم الطرق والشعاب وملاعب الكرة والأرصفة والزوايا والمقاهي أماكن شر وعبث وفساد، تعلّمهم جميع بذيء من القول وفاحش من العمل. وأما المرأة المسلمة ـ وما أدراك ما حالها ـ فكأنما خُلِقت للطهي والطبخ والتفنّن في أنواع المآكل وألوان المشارب، أولتكون خَرَّاجَة ولاّجَة، كاسية عارية، فاتنة مفتونة، مائلة مميلة، غير ملتفتة إلى ما يقرّبها من خالقها سبحانه من تلاوة قرآن أوصلاة نفل أوصدقة أودعوة أوأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.


تاريخ النشر: 2020-06-04 15:39:22
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بعد تصريحاته المثيرة.. استبعاد لوكاكو من قائمة تشيلسي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:25:48
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 100%

انطلاقة خضراء لمؤشر سوق الأسهم السعودية.. بعد مكاسب سنوية 30%

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:25:24
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 96%

الصحة السعودية: منحنى كورونا يرتفع بشكل كبير في المملكة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:25:37
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 90%

الرئيس السيسى يستقبل سفير الكويت بمناسبة انتهاء فترة عمله بالقاهرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:28:22
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

بسبب إيلون ماسك.. خبراء يحذرون من كارثة نادرة قد تقع في الفضاء

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:26:03
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 87%

صندوق "دراية ريت" يوزع 1.8% أرباحاً نقدية عن الربع الرابع

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:25:14
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 99%

بالفيديو.. خطوات الاشتراك في وثيقة التأمين على المصريين بالخارج

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:28:30
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

فرنسا تقلص مدة العزل للمصابين بكورونا من عشرة إلى 7 أيام

المصدر: MAP ANTI-CORONA - المغرب التصنيف: صحة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:24:31
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 93%

تدريب ألف طبيب على أحدث علاجات «العقم وتأخر الإنجاب»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:28:37
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

بعد أيام على حبسها.. ليبيا تفرج عن وزيرة الثقافة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:24:32
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 97%

وزير التموين يوجه باستقبال المتقدمين للمرحلة الرابعة من «جمعيتي»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:28:43
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

طرح 6 أفلام جديدة في يناير بينها «الجريمة» و«من أجل زيكو» - فن

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:23:27
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

«الشباب والرياضة» تستعد لتدشين اللجنة المركزية لاتحاد شباب العمال

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:28:40
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 68%

مصر تحقق «رقما تاريخيا» في الصادرات الزراعية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:27:55
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

التحالف يدك الحوثيين في مأرب.. 70 قتيلاً وخسائر عسكرية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-02 15:23:53
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 100%

تحميل تطبيق المنصة العربية