البويطي

الإمام يوسف بن يحيى البويطي (ت. 231هـ/846م) مصري من فقهاء الشافعية. من قرية بويط بمحافظة بني سويف. صاحب الإمام الشافعي وتلميذه. وقد خلفه في حلقته.

ومن مؤلفاته كتاب المختصر فيه اختصار للعديد من دروس الإمام الشافعي.

امتُحن الإمام البويطي في محنة خلق القرآن، حيث أُخرج من مصر إلى بغداد، وثبت على رأيه في ذلك الأمر ونطق: هوكلام الله غير مخلوق، فحبس ومات في سجنه سنة 231هـ.

خلافته للشافعي

نطق أحد أصحاب الشافعي وقد تحلقوا من حوله في سقم موته يواسونه ويستوصونه:

- من الذي تحب حتى يخلفك من بعدك في حلقة الفهم والدرس،يا ترى؟ فأومأ إلى أبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي قائلاً:

- هذا.. ليس ثمة أفهم منه بين أصحابي.

وتوفي الإمام الشافعي، فكان الإمام البويطي هوالذي يملؤ من بعده مكان الدرس والإفتاء والتعليم بما أوتي من غزارة الفهم وقوة الاجتهاد واستقامة في الدين.

محنة خلق القرآن

حتى إذا ذرّ قرن الفتنة التي قادها المأمون من أجل القول بخلق القرآن، طُلب إليه حتى يعلن موافقته لذلك، فأبى واستعصم بما استيقنته نفسه مما لزمته عامة أهل السنة والجماعة، وأعرب عن عقيدته هذه في حلقة درسه، موطناً نفسه لما قد تلقاه من أذى في سبيل ذلك. فحمل إلى السجن مخفوراً مقيداً، ووضع في الأغلال معذباً مضطهداً، ليراد ممالاة أولي الحكم والنفاق لهم. غير أنه لم ينزل عن الحق الذي تربع فيه إلى الباطل الذي أكره عليه قيد شعرة، وقد كان بوسعه حتى يستخرج الفتاوى المصطنعة ويلفق المصالح المخترعة ليتخلص من عذاب الأغلال ووحشة السجن وفنون الاضطهاد وليعود بالربح في المال والجاه والتقرب من أولى الحكم والسلطان. ولكنه لم يتزحزح عن عرش حقه قيد أنملة وصبر على الضراء محتسباً.

كان إذا أقبل يوم الجمعة، غسل ثيابه، واغتسل للجمعة، ثم جر جسمه المثقل بالقيود والأغلال جراً، حتى إذا بلغ الباب، نطق له السجان: إلى أين،يا ترى؟ فيقول: أجيب داعي ربي! فيقول له السجان: ارجع رحمك الله، فينفتل عائداً، وهويقول: اللهم لقد بذلت جهدي لاستجابة نادىئك وتلبية ندائك.. فلا تؤاخذني بما لا طاقة لي به..

وأبلغ الربيع نطق: رأيت البويطي وفي رجله أربع حلق، قيود، فيها أربعون رطلاً، وفي عنقه غل مشدود إلى يده.

غير أنه كان يشعر بشيء أثقل من هذه الأرطال كلها عليه، هوثقل الحق الذي أنبط به.. لقد كان ثقل الحق والأمنة الذي يشده إلى ركن شديد من العزيمة والثبات والصبر أقوى من ثقل أصفاد الباطل الذي يريد حتى يشده إلى باطل الحكام وأهوائهم. من أجل ذلك خفت عند نفسه أثنطق الأغلال والسلاسل وصبر عليها مخلصاً محتسباً، تماماً كما هوشأن جميع عالم حملَ أمانة الفهم والدعوة في عنقه.

ولم يشفق عليه هوى الحكام الذين أرادوه على مالا يوقن به.. فظل في محبسه ذاك ينبض قلبه بالصبر والثبات، ويلهج لسانه بالشكر والحمد، إلى حتى توفي في سجنه عام 231 ضارباً لنادىة الإسلام المثل الأكبر في صيانة الحق الذي يدعون إليه، ومهيباً بهم حتى لا يستبدلوا عنه مصلحة دنيوية أوغرضاً عابراً أوجاهاً زائلاً.

ذكره في خط التأريخ

ورد في "[ندعوك للتسجيل في المنتدى أوالتعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]" لابن خلكان:

" أبويعقوب يوسف بن يحيى المصري البويطي، من بويط احدي قري ساحل سليم اسيوط صاحب الشافعي رضي الله عنه؛ كان واسطة عقد جماعته وأظهرهم نجابةً، اختص به في حياته، وقام مقامه في الدرس والفتوى بعد وفاته، سمع الأحاديث النبوية من عبد الله بن وهب الفقيه المالكي المقدم ذكره ومن الإمام الشافعي، وروى عنه أبوإسماعيل الترمذي وإبراهيم بن إسحاق الحربي والقاسم بن المغيرة الجوهري وأحمد بن منصور الرمادي وغيرهم. وكان قد حمل في أيام الواثق بالله من مصر إلى بغداد في مدة المحنة وأريد على القول بخلق القرآن الكريم فامتنع من الإجابة إلى ذلك، فحبس ببغداد، ولم يزل في السجن والقيد حتى مات، وكان صالحاً متنسكاً عابداً زاهداً.

نطق الربيع بن سليمان: رأيت البويطي على بغل، في عنقه غل وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة من حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلاً، وهويقول: إنما خلق الله سبحانه الخلق بِكُنْ، فإذا كانت كن مخلوقة فكأن مخلوقاً خلق مخلوقاً، فوالله لأموتن في حديدي حتى يأتي من بعدي قوم يفهمون أنه توفي في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه يعني الواثق.

ونطق أبوعمر ابن عبد البر الحافظ في كتاب - الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء -: إذا ابن أبي الليث الحنيفي قاضي مصر كان يحسده ويعاديه، فأخرجه في وقت المحنة في القرآن العظيم فيمن أخرج من مصر إلى بغداد، ولم يُخرج من أصحاب الشافعي غيره، وحمل إلى بغداد وحبس، فلم يجب إلى ما دعي إليه في القرآن، ونطق: هوكلام الله غير مخلوق، وحبس ومات في السجن.

ونطق الشيخ أبوإسحاق الشيرازي في كتاب - طبقات الفقهاء -: كان أبويعقوب البويطي إذا سمع المؤذن وهوفي السجن يوم الجمعة اغتسل ولبس ثيابه وسار حتى يبلغ باب السجن، فيقول له السجان: أين تريد،يا ترى؟ فيقول: أجيب داعي الله، فيقول: ارجع عافاك الله، فيقول أبويعقوب: اللهم إنك تفهم أني قد أجبت داعيك فمنعوني.

ونطق أبوالوليد ابن أبي الجارود: كان البويطي جاري فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا سمعته يقرأ ويصلي.

ونطق الربيع: كان أبويعقوب أبداً يحرك شفتيه بذكر الله تعالى، وما رأيت أحداً أنزع بحجة من كتاب الله تعالى من أبي يعقوب البويطي. ونطق الربيع أيضاً: كان لأبي يعقوب منزلة من الشافعي، وكان الرجل من الممكن يسأله عن المسألة فيقول له: سل أبا يعقوب، فإذا أجابه أبلغه فيقول: هوكما نطق. ونطق أيضاً: من الممكن اتى رسول صاحب الشرطة إلى الشافعي فيوجه أبا يعقوب البويطي ويقول: هذا لساني.

ونطق الخطيب البغدادي في تاريخه: لما سقم الشافعي سقمه الذي توفي فيه اتى محمد بن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي، فنطق البويطي: أنا أحق به منك، ونطق ابن عبد الحكم: أنا أحق بمجلسه منك، فاتى أبوبكر الحميدي، وكان في تلك الأيام بمصر، فنطق: نطق الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى وليس أحد من أصحابي أفهم منه، فنطق له ابن عبد الحكم: كذبت، فنطق الحميدي: كذبت أنت وكذب أبوك وكذبت أمك، وغضب ابن عبد الحكم، فهجر مجلس الشافعي وتقدم فجلس في الطاق، وهجر طاقاً بين مجلس الشافعي ومجلسه، وجلس البويطي في مجلس الشافعي في الطاق الذي كان يجلس فيه.

ونطق أبوالعباس محمد بن يعقوب الأصم: رأيت أبي في المنام فنطق لي: يا بني عليك بكتاب البويطي فليس في الخط أقل خطأ منه.

ونطق الربيع بن سليمان: كنت عند الشافعي أنا والمزني وأبويعقوب البويطي، فنظر إلينا فنطق لي: أنت تموت في الحديث، ونطق للمزني: هذا لوناظره الشيطان بتره أوجدّله، ونطق للبويطي: أنت تموت في الحديد، نطق الربيع: فدخلت على البويطي أيم المحنة فرأيته مقيداً إلى أنصاف ساقيه مغلولة يداه إلى عنقه.

ونطق الربيع أيضاً: خط إليّ أبويعقوب من السجن: إنه ليأتي علي أوقات لا أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي، فإذا قرأت كتابي هذا فأحسن خلقك مع أهل حلقتك، واستوص بالغرباء خاصة خيراً، فكثيراً ما كنت أسمع الشافعي رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت: أهين لهم نفسي لأكرمها بهـم ولن تكرم النفس التي لا تهينها

وأخباره كثيرة؛ وتوفي يوم الجمعة قبل الصلاة في رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين، في القيد والسجن ببغداد، وقيل إنه توفي سنة اثنتين وثلاثين، والأول أصح، رحمه الله تعالى؛ ونطق ابن القرّاب في تاريخه: توفي يوم الثلاثاء في رجب، والله أفهم.

والبويطي، بضم الباء الموحدة وفتح الواووسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها طاء مهملة، هذه النسبة إلى بويط، وهي قرية من أعمال الصعيد الأدنى من ديار مصر.

ويوسف: فيه ست لغات، ضمّ السين وفتحها وكسرها مع الواووضم السين وفتحها وكسرها مع الهمزة عوض الواو، فالمجموع ست لغات، والياء أوله مضمومة في اللغات الست، وسيأتي نظيره في يونس".

وورد في كتاب "[ندعوك للتسجيل في المنتدى أوالتعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]" لابن النديم:

" البويطي ومسماه يوسف بن يحيى ويكنى أبا يعقوب روى عن الشافعي نطق الربيع خط إلي البويطي من السجن يوصيني بأهل حلقتي ويقول اصبر نفسك عليهم فإني كنت اسمع الشافعي يقول: أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ولن يكرم النفس الذي لا يهينها

وللبويطي من الخط كتاب المختصر الكبير كتاب المختصر الصغير كتاب الفرائض وروى عن البويطي الربيع بن سليمان وأبوإسماعيل الترمذي المزني وهوأبوإبراهيم إسماعيل بن إبراهيم المزني من مزينة قبيلة من قبائل اليمن أخذ عن الشافعي وكان ورعا فقيها على ممضى الشافعي ولم يكن في أصحاب الشافعي أفقه من المزني ولا أصلح من البويطي وتوفي بمصر يوم الأربعاء ودفن يوم الخميس سلخ شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائتين وصلى عليه الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي وله من الخط كتاب المختصر الصغير الذي بيد الناس وعليه يعول أصحاب الشافعي وله يقرأون وإياه يشرحون وله روايات مختلفة وأكثرها ما رواه النيسابوري الأصم ومسماه وابن الأكفاني عبد الله بن صالح وأخوحروري الجوهري ومسماه أحمد بن موسى كتاب المختصر الكبير وهومتروك كتاب الوثائق.

واتى في "[ندعوك للتسجيل في المنتدى أوالتعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]" للمضىي:

" الإمام العلامة سيد الفقهاء يوسف أبويعقوب بن يحيى المصري البويطي صاحب الإمام الشافعي لازمه مدة وتخرج به وفاق الأقران.

وحدث عن: ابن وهب والشافعي وغيرهما.

روى عنه: الربيع المرادي وإبراهيم الحربي ومحمد بن إسماعيل الترمذي وأبومحمد الدارمي وأبوحاتم ونطق: هوصدوق وأحمد بن إبراهيم بن فيل والقاسم بن هاشم السمسار وآخرون.

وكان إماماً في الفهم قدوة في العمل زاهداً ربانياً متهجداً دائم الذكر والعكوف على الفقه.

بلغنا حتى الشافعي نطق: ليس في أصحابي أحد أفهم من البويطي.

ونطق الربيع بن سليمان: كان البويطي أبداً يحرك شفتيه بذكر الله وما أبصرت أحداً أنزع بحجة من كتاب الله من البويطي ولقد رأيته على بغل في عنقه غل وفي رجليه قيد وبينه وبين الغل سلسلة فيها لبنة وزنها أربعون رطلاً وهويقول: إنما خلق الله الخلق ب "كن" فإذا كانت مخلوقة فكأن مخلوقاً خلق بمخلوق ولئن أدخلت عليه لأصدقنه يعني: الواثق ولأموتن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يفهمون أنه قد توفي في هذا الشأن قوم في حديدهم.

نطق ابن خزيمة: كان محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أفهم من رأيت بممضى مالك فسقط بينه وبين البويطي عند موت الشافعي فحدثني أبوجعفر السكري نطق: تنازع ابن عبد الحكم والبويطي مجلس الشافعي فنطق البويطي: أنا أحق به منك ونطق الآخر كذلك فاتى الحميدي وكان بمصر فنطق: نطق الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف ليس أحد من أصحابي أفهم منه فنطق ابن عبد الحكم: كذبت نطق: بل كذبت أنت وأبوك وأمك وغضب ابن عبد الحكم فجلس البويطي في مكان الشافعي وجلس ابن عبد الحكم في الطاق الثالث.

القاضي زكريا بن أحمد البلخي: حدثنا أبوجعفر محمد بن أحمد الترمذي حدثنا الربيع بن سليمان نطق: كان البويطي حين سقم الشافعي بمصر هووابن عبد الحكم والمزني فتنازعوا الحلقة فبلغ ذلك الشافعي فنطق: الحلقة للبويطي فلهذا اعتزل ابن عبد الحكم الشافعي وأصحابه وكانت أعظم حلقة في المسجد فكان البويطي يصوم ويتلوغالباً في اليوم والليلة ختمة مع صنائع المعروف إلى الناس. وبه إلى الربيع نطق: فسعي بالبويطي وكان أبوبكر الأصم ممن سعى به وما هوبابن كيسان الأصم وكان أصحاب ابن أبي دواد وابن الشافعي ممن سعى به حتى خط فيه ابن أبي دواد إلى والي مصر فامتحنه فلم يجب وكان الوالي حسن الرأي فيه فنطق له: قل فيما بيني وبينك نطق: إنه يقتدي بي مائة ألف ولا يدرون المعنى نطق: وقد كان أمر حتى يحمل إلى بغداد في أربعين رطل حديد.

نطق الربيع: وكان المزني ممن سعى به وحرملة.

نطق أبوجعفر الترمذي: فحدثني الثقة عن البويطي أنه نطق: برئ الناس من دمي إلا ثلاثة: حرملة والمزني وآخر.

قلت: استفق ويحك وسل ربك العافية فكلام الأقران بعضهم في بعض أمر عجيب سقط فيه سادة فرحم الله الجميع.

نطق الربيع: خط إلى أبويعقوب البويطي حتى أصبر نفسك للغرباء وحسن خلقك لأهل حلقتك فإني لم أزل أسمع الشافعي يقول كثيراً ويتمثل:

أهين لهم نفسي لكي يكرمونها

ولن تكرم النفس التي لا تهينها

مات الإمام البويطي في قيده مسجوناً بالعراق في سنة إحدى وثلاثين ومائتين.