الحصون السبعة

عودة للموسوعة

الحصون السبعة

فى حوالى عام 1886، بعد أربع سنوات من فشل الثورة العرابية بسبب خيانة الخديووبعض النخب المصرية، واحتلال القوات الإنجليزية البلاد، عاش الشعب المصرى أسوأ سنوات القهر والظلم والشعور بالعجز، وقد حاول حتى ينسى أويتناسى مرارة الهزيمة وانكسار حلم حتى تكون: «مصر للمصريين»، فاستسلم البعض للغيبيات وللخرافات وإلى جميع ما يجعله لا يرى الواقع بمرارته، على أمل حتى يظهر عرابي آخر ينقذهم من القهر، ووسط هذا المناخ كان الرواة الشعبيون يؤججون هذه الأحاسيس بالقصص الشعبية الخرافية التى قد تعين على الصبر وتفتح بابًا للأمل في ظهور البطل القادر على تخليصهم من هذا العجز والانكسار، وذلك برواية قصص أبوزيد الهلالى وعنترة بن شداد والأميرة ذات الهمة وغيرها من قصص الأبطال التى تسرى عنهم وتجعلهم يتوافقون مع الواقع، وكانت تروى هذه القصص شفاهة في المقاهى ومناطق السمر.

بعد ظهور الطباعة نشرت هذه السير الشعبية بين دفتى كتاب، حيث قامت بعض دور الطباعة بجمع هذه القصص الخرافية وإتاحتها للقراءة بعد حتى كانت تروى على ربابة في الحوارى والموالد والمقاهى والأسواق، وكان من بين هذه القصص سيرة شعبية بطلها الإمام على بن أبى طالب، نسج خيوطها وأحداثها وصور شخوصها أحد الرواة الشعبيين من الشيعة الإمامية، من هو،يا ترى؟ وفى أى عصر عاش،يا ترى؟ وما جنسيته،يا ترى؟ وهل السيرة التى ألفها رواها على المستمعين أم أنه دفع بها لأحد الرواة المهرة،يا ترى؟ وهل ألفها باللغة العربية أم الفارسية؟

كل ما نعهده حتى سيرة الحصون السبعة، أوحروب الإمام على بن أبي طالب ضد الهضام بن الجحاف ملك الجن، قد وصلتنا في مصر من خلال أحد الرواة، اختلفوا حول حياته ومصداقيته، اسمه أبوالحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكرى، البعض أرجعه إلى القرن السادس الهجرى، والبعض الآخر، وهوالأقرب، نسبه إلى القرن الثالث الهجرى، وقد شككت مصادر السنة في مصداقيته، وأكدت كذبه، وقيل: إنه أكذب من مسيلمة، نطق المضىى في الميزان: «فما أجهله وأقل حياءه، ما روى حرفًا واحدًا من الفهم بسند، ويُقرأ له في سوق الخطيين كتاب (ضياء الأنوار) و(رأس الغول) و(شر الدهر) وكتاب (كلندجة)، و(حصن الدولاب)، وكتاب (الحصون السبعة) وصاحبها هضام بن الحجاف، وحروب الإمام على معه وغير ذلك»، وذكر في شرح مجانى الأدب بأنه: «صاحب كتاب الأنوار والسرور والأفكار في مولد محمد، وله أيضا كتاب الحكم وغير ذلك، ولا يوثق بروايته، كان يخلق الكلام كثير الكذب، توفى في أواسط القرن الثالث الهجرى»، وقد وصفه القلقشندى أيضا بالكذب في صبح الأعشى، والصفدى في الوافى بالوفيات، كما حتى السمهودى (ت 922هـ) اتهمه أيضا بالكذب، وكذلك ابن حجر ووصفه بالدجال، نطق: «إنه يحوك القصص الباطلة».

تختلف سيرة الحصون السبعة عن السير الشعبية التى نعهدها، مثل أبوزيد الهلالى، والأميرة ذات الهمة، وعنترة بن شداد وغيرها في أنها تنطلق من شخصيات تاريخية دينية إلى شخصيات ووقائع خيالية، كما أنها تضفى معجزات وقدرات لا بشرية للإمام على بن أبى طالب تفوق قدرات ومعجزات النبى والإنسان بشكل عام.

يحكى البكرى في هذه السيرة حتى أحد الجان المسلمين اتى إلى رسول الله يشكوله ملك الجان الكفرة، أكد له أنه يسخر قبيلته وبعض قبائل الجن لعبادة الأصنام، وأنه خلق صنمًا وجعل له حفرة سماها النار وأخرى الجنة يعاقب ويحسن فيها لأتباعه، وطلب من الرسول حتى يساعدهم على التخلص منه ومن جبروته وكفره، وأكد حتى الإمام على بن أبى طالب الوحيد الذى يستطيع هزيمته والقضاء عليه، وتذكر السيرة حتى جبريل عليه السلام هبط على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبلغه حتى ابن عمه الإمام على بن أبى طالب هوالمكلف بالقضاء على هذا الجن الكافر ومسماه الهضام بن الحجاف، وفى السيرة نشاهد الرسول الكريم وهويستحلف الإمام على حتى يوافق على الخروج إليه، هذه السيرة التى رواها أحمد بن عبد الله البكرى المنسوب إلى الشيعة، رويت على لسان الإمام على بن أبى طالب، حيث نسبها البكرى إلى الإمام على رضى الله عنه، ولطرافتها ننشرها على أجزاء بعد حتى قمنا بتعريف الأعلام الموجودة بها، وهى في أغلبها شخصيات حقيقية، بعضها من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين، كما قمنا بتعريف الأماكن، وقمنا بشرح الحدثات الصعبة تيسيرًا على القارئ، ووضعنا جميع هذا بين قوسين.

«عهدطة» الجني المسلم يستغيث بالرسول حتى ينقذهم من الجن ومردتهم وعفاريتهم عبدة الأوثان

«بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى تفرد بقائه ونور بمعهدته قلوب أوليائه وطيب أسرار الصادقين يطيب ثنائه الحى القيوم الذى لا يعزب عنه مثنطق ذرة في أرضه وسمائه، أحمده سبحانه وتعالى حمدا تعهد بالعجز عن عدد آلائه، وأشهد حتى لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذى تفرد بعزه وبقائه، وأشهد حتى سيدنا ونبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله خاتم أنبيائه وسيد أصفيائه، اللهم صلى وبارك على هذا النبى الكريم والرسول السيد السند العظيم، سيدنا ومولانا محمد وعلى أصحابه صلاة وسلامًا دائمين متلازمين بدوام أرضه وسمائه تسليمًا كثيرًا.. (وبعد) فقد روى أبوالحسن أحمد بن عبد الله محمد البكرى رضى الله عنه، نطق: حدثنا يوسف بن عبد الله، وخالد بن رفاعة الجهنى نطقا: حدثنا خلق كثير يروى بعضهم عن بعض فأخذنا من ذلك ما نرجوه إذا شاء الله تعالى تعليقه على قدر الروايات نطقوا: حدثنا صاحب الحديث عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى عنه نطق:

كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده المبارك، وكان ريح ومطر، إذ سمعنا صوتًا جهوريًّا من وراء المسجد يقول: السلام عليك يا محمد ورحمة الله وبركاته. فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فالتفت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونطق:

- ردوا على أخواتكم السلام رحمكم الله.

- فقلنا: يا رسول الله على من نرد ونحن لم نرَ أحدا،يا ترى؟ نرد على الملائكة أم على الجان؟

- فنطق: بل على أخوانكم الجان الذين آمنوا وصدقوا برسالتى، ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اظهر لنا أيها المتحدث لنراك.

فظهر لنا شيخ نطق على رضى الله عنه: وإذا به عهدطة بن شماخ، وكنت به عارفًا، لأن النبى صلى الله عليه وسلم، قد أوفدنى معه إلى قومه، فأحرقت بأسماء الله تعالى وبنوره منهم زيادة عن خمسين قبيلة من الجن وآمن منهم خلق كثير، فسلم عهدطة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس (بجوار) النبى.

- فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حاجتك؟

- نطق: يا رسول الله قد جئتك لأقول لك عما نحن فيه، الحرب والوقائع وقتال القبائل الجواهل (اسم فاعل من جهِلَ / وجهِل بـ حقيقة الشَّىء: لم يفهم به).

فنطق النبى صلى الله عليه وسلم: مع من يا عهدطة؟

- فنطق: مع كفار الجن ومردتهم وكذلك مع عفاريتهم عبدة الأوثان.

- فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ديارهم قريبة منا أم بعيدة يا عهدطة؟

- فنطق: يا سيدى في جبال وأوكار (جمع وكر: عش الطائر) وأودية شتى، قد أهلكنا منهم خلقًا كثيرًا وأهلكوا منا خلقًا كثيرًا، وأن لهم صنمًا يسمونه «المنيع»، وقد تعالى الله عز وجل عن حتى يمثل وهوالسميع البصير، فصنمهم هذا قائم بخدمة الملك الهضام بن الجحاف بن عوف بن غانم الباهلى الملقب بمرآة الموت لعنه الله، والصنم المنيع موكل به مارد ينطق له عنريس بن دريس بن إبليس، وله عشيرة عظيمة وقبيلة جسيمة، ونحن في غزوهم وجهادهم، وقد اشتدت بلية القوم وتعاظم أمر الهضام وكفر بالله تعالى واتخذ من دون الله إلها يسمونه المنيع، وجعل له جنة ونارًا، وجعل له زبانية وسماهم الغلاظ الشداد، وجعل له ملائكة وسماهم البررة الكرام، وجعل في جنته الأشجار والأنهار والأطيار (والطيور جمع: طائر)، وجعل فيها المخدرات (الجميلات) المنعمات وسماهن الحور العين، وجعل له عرشًا وكرسيًّا، ومن العفاريت الطيارين وسماهم الملائكة المقربين، وأنت رسول الله لم يبلغك من ذلك كله، وقد اشتد تمرد القوم وطغيانهم وكفرانهم لرب العالمين.

(نطق الراوى) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عهدطة اشتد به الغضب حتى كاد يضطرب كالسفينة في الريح العاصف، وسجد على الأرض طويلًا ثم حمل رأسه، وقد سكن ما به من غيظ ولمع النور من بين عينيه صلى الله عليه وسلم حتى لحق عنان السماء، ثم أقبل على عهدطة ونطق له:

- انصرف شكر الله سعيك وأحسن إليك وأنا أبعث إليهم رسولًا وهوخليفتى (المطبوع: حنيفى) ونقمتى على أعدائى.

- فنطق عهدطة: يا رسول الله إذا بعثت للقوم رجالًا من الإنس أبادوهم وقتلوهم، فإن عساكر الأنس لن (المطبوع لم) يطيقوا قتال الجن ومردتهم، ولن (ط: لم) يبلغك ما ترغب إلا الفارس الصنديد والبطل الشديد، نطقع الحلقة والقصر المشيد ومبيد الإنس والجن في البئر العميق، مفرق الكتايب ومظهر العجايب والغرايب، صاحب الحسام (السيف) القاضب (شديد البتر) والغمام (السحاب) الساكب (سكب الماء: صبه) ابن عمك أمير المؤمنين على بن أبى طالب.

ثم غاب عهدطة عن أعين الناس، فنظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تغير لونه وظهر غيظه واحمرت عيناه وتقوس حاجباه، فغم ذلك على المسلمين وجلسوا حوله ينظرون إلى الأرض ويحدقون إلى الإمام على كرم الله وجهه، ويشيرونه عما هبط برسول الله صلى الله عليه وسلم، والإمام على لا يتحدث ولم يرد عليهم.

(نطق الراوى) فبينما الناس في ذلك، وإذا بجبريل عليه السلام قد هبط من عند رب العالمين، فوثب له النبى صلى الله عليه وسلم مسرورًا وهوينادى: لبيك لبيك اللهم إنا نسألك الفرج منك يا مفرج جميع كرب ومزيل جميع هم وغم، وخرج النبى صلى الله عليه وسلم من المسجد، ونطق: لا يقم أحد من مكانه حتى أعود إليكم، وخرج فمكث قليلا ثم عاد إلى أصحابه وهم جلوس جميع واحد منهم في مقامه، وقد تهلل وجهه صلى الله عليه وسلم فرحًا وسرورًا وجعل النور يشرق من بين عينيه صلى الله عليه وسلم، فوثب الناس إليه يسألونه عن أمره.

(نطق الراوى) فنطق النبى صلى الله عليه وسلم: اجلسوا بارك الله فيكم، فجلس الناس جميعًا وصمتوا، فنطق النبى صلى الله عليه وسلم: أين سلمان (سلمان الفارسى: صحابى، توفى سنة 32هـ) وعمار (عمار بن ياسر، صحابى جليل من أوائل من أسلموا، استشهد في مسقطة صفين سنة 37هـ، عن عمر 97 سنه)،يا ترى؟ فأجاباه بالتلبية: ها نحن بين يديك قل ما شئت يا رسول الله، فإنا لكلامك سامعون ولأمرك مطيعون.

فنطق لهم النبى صلى الله عليه وسلم: سيروا في شوارع المدينة (وهوما يعنى حتى وقائع السيرة الخرافية كانت بعد الهجرة المحمدية)، ونادوا الصلاة جامعة بمسجد المختار الله الواحد القهار، فلما سمع الصحابة منه صلى الله عليه وسلم ذلك النداء، جعلوا يهرعون إليه من جميع جانب ومكان حتى امتلأ المسجد بالنبى، ثم صعد النبى صلى الله عليه وسلم المنبر (كان النبى يخطب مستندًا إلى جزع نخلة قبل حتى يتخذ منبرًا، وذكر أنه أول من اتخذ المنبر) وخطب خطبة بليغة فشوق إلى الجنة ونعيمها وحذر من النار وجحيمها.

(نطق الراوى) نطق النبى صلى الله عليه وسلم معاشر المسلمين: إذا الله جل وعلا تقدست أسماؤه ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا إله غيره بعد، حمل السماء بلا عمد وأرسى الجبال بلا وتد، وزين السماء بالنجوم الزاهرات والأفلاك الدائرات، وأجرى فيها الشمس والقمر آيات لأولى الألباب، وبسط الأرضين (مفردها: أرض) بحكمه على تيار الماء وثبتها بالجبال الراسيات، واضحك تغوير (جمع غور: المنخفض من الأرض) البقاع (مفردها بقعة، وهى الأرض المتسعة بها أشجار مختلفة) الجامدات بفيض دموع السحاب المسخرات، وثبت الرياح العاصفات مخالب (أظافر، ومفردها: مخلب) الطيور الصافنات (الطائر الذى مَهَّد لفراخه فراشا من الحشيش والريش) وقوى قبة الجبال الراسيات تلاطم أمواج البحار الزاخرات (الزاخر: الفائض الطامى)، وعلق أستار وأوراق الأغصان النضرات.

(نطق الراوى) ثم نطق رسول الله صلى عليه وسلم: أيها المسلمون، أنا بشر منكم آكل مما تأكلون وأشرب مما تشربون ولا أفهم ما كان ولاقد يكون ولا يحيط بذلك فهمًا إلا من يقول للشىء كن فيكون، ثم بعد ذلك أفهمكم أنه قد وفد على عهدطة من إخوانكم في الدين وهومن الجن المؤمنين، وقد أبلغنا عن اللعين الملك الهضام بن الحجاف بن عوف بن غانم الباهلى لعنه الله، قد اتخذ له صنمًا وسماه «المنيع»، وصنع له جنة ونارًا وملائكة وزبانية (ملائكة التعذيب في جهنم، يدفعون أهل النار إليها)، فيدخل من أطاعه وأطاع صنمه في جنة، ويعذب بناره من عصاه وعصى صنعه، وقد غره حكم إبليس اللعين واستدراجه وآهاله (فزعه)، فلما سمعت ذلك كبر على وعظم لدى ولا خفف عنى ذلك إلا حبيبى جبريل، وقد آتانى وأبلغنى عن ربى عز وجل، وهويقول يا محمد: الله يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: إنى قد فهمت بما في نفسك، وما قد هبط بك، وأنى مبشرك حتى دمار القوم ودمار صنمهم على يد رجل يحبه الله والملائكة، وهوسيف نقمتك وباب مدينتك (نسب للرسول أنه نطق: أنا مدينة الفهم وعلى بابها)، الذى (ط: التى) ما سجد لصنم قط، وهوزوج البتول (فاطمة الزهراء ابنة الرسول عليه الصلاة والسلام) والمتولى لدعوتك وحامل رايتك، الفتى الولى مفرق الكتائب ومظهر العجائب والغرائب، الحسام الغاضب والليث المحارب والغيث (المطر الغزير) الساكب لبنى غالب أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وهذه إشارة من عند ربى الأعلى، ثم حتى النبى صلى الله عليه وسلم كشف عن يده فإذا فيها حريره سوداء، مكتوب فيها بقلم القدر لم يخطها محرر، فلما نشرها صلى الله عليه وسلم ظهر لنا نور له شعاع عظيم، فنطق الصحابة: يا رسول الله أبلغنا بما فيها، فنظر فإذا فيها مكتوب: «بمشيئة الجبار أمر من الطالب الغالب إلى أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه»، ففرح المسلمون بذلك فرحًا شديدًا، ونطقوا: لقد فاز من أمر الجبار وقربه برسول صلى الله عليه وسلم وعلى الله الأخيار وأحزن بذلك الكفار».


الهضام خلق صنمًا من المضى ورصَّعه بالجواهر واليواقيت وجعل له جنة ونارًا

أمس بدأنا نشر السيرة الشعبية المسماة «الحصون السبعة» أوسيرة أوغزوة الإمام علىّ بن أبى طالب وسيره إلى الملك الهضام بن الجحاف وبتره الحصون السبعة، وهى سيرة شعبية خيالية من وضع المؤرخ القصصى الشيعى أبى الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكرى الذى عاش في القرن السادس الهجرى، وقد اتى في الحلقة الأولى حتى النبى محمدًا عليه الصلاة والسلام كان في جلسة مع بعض الصحابة، فدخل عليهم عهدطة بن شماخ جنى من المسلمين وألقى التحية، الرسول طلب منه حتى يظهر نفسه للصحابة، وبعد حتى ظهر في صورة شيخ وتعارفوا استغاث عهدطة بالرسول حتى ينقذ الجن المسلمين من الملك الهضام بن الجحاف الكافر الذى يعبد الأصنام، حيث إذا الأخير يعذب الجن المسلم ويجبرهم على الارتداد عن الإسلام وعبادة صنمه الملقب بـ«المنيع»، وقد رشح عهدطة الإمام علىّ بن أبى طالب لقيادة الجيش الذى سيرسله لمحاربة الهضام، وبعد انصرافه هبط جبريل عليه السلام على الرسول يحمل رسالة تكليف لعلىّ بن أبى طالب بالذهاب لمحاربة الهضام، ومن وهنا يبدأ الراوى حلقة اليوم:

نطق الراوى: ثم إذا الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل على أصحابه ونطق لهم: معاشر المسلمين هل فيكم من وصل إلى ديار اللعين الهضام بن الجحاف بن عون فيخبرنا بما شاهد من أبطاله وأعوانه وكفره وطغيانه، فقام عند ذلك رجل من المسلمين ينطق له عبد الله بن أنيس الجهنى رحمة الله عليه (أنصارى، توفى سنة 74هـ): هوالذى سأل الرسول عن ليلة القدر.

فنطق: أنا أخشى حتى يداخل قلبك الوهم والهم عن وصفى.

فنطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا ابن أنيس فإنا لا نخاف مع الله أحدا.

فنطق يا رسول الله: أنت بأبى وأمى حتى خبره عظيم، إذا الهضام بن الجحاف لما نظر إلى أصنام العرب التى يعبدونها من دون الله عز وجل، وجعل في سماء القبة حجرا من المغناطيس، وفى أسفل القبة حجرا آخر، وعن يمين القبة حجرا، وعن يسارها حجرا يوازن بعضها بعضا ويعادل بعضها بعضا، وأوقف الصنم في وسطها في الهواء يجذبه جميع حجر بقوته، وذلك الصنم مرصع بالجواهر واليواقيت (مفردها ياقوته: من الأحجار الكريمة) النفيسة وكساه بالحرير الملون، ونصب له كرسيا مرتفعا مكلَّلا بالدر والجواهر، وشده بقضبان المضى الأحمر والفضة البيضاء، فما كان من العاج الأبيض كانت كواكبه من المضى، وما كان من الأبنوس الأسود كانت كواكبه من الفضة البيضاء، جعل لتلك القبة بابا عظيما من المضى الأحمر، وعلق على باب القبة سترا مزركشا، وعلق من داخل القبة قناديل من اللؤلؤ بسلاسل من مضى يوقد بطيب الادهان (ط: الأذهان)، وبنى من خارج القبة بيتا عظيما مانعا بالعلو، وجعل سقف القبة من خشب الصندل وفصل أرضها وحيطانها بالرخام الملون، وجعل من ورائها بيتا آخر مثل البيت الأول، وما زال كذلك حتى جعلها سبعة بيوت على بعضها بعضا ولها سبعة أبواب، منها ما من العاج، ومنها ما من الأبنوس وغير ذلك، وقد ركب في تلك البيوت جامات(مفردها جامة: وهى الزجاج) من البللور المختلف الألوان، فإذا طلعت الشمس على تلك الكواكب أشرق نورها على تلك البيوت والقبة، وجعل على جميع باب حاجبا موكلا به، فإذا ورد إليه وارد أوقصد إليه قاصد من بعض الملوك أوقفه الحاجب الأول والثانى كذلك، حتى ينتهى إلى الباب السابع، وحدثا جاوز بابا نظر إلى غيره، فإذا هوأعظم من الذى قبله، فإذا وصل إلى المكان الذى فيه عدوالله الهضام وجده جالسا على سريره (عرشه، كرسى الملك)، وقد أحدقت به جنوده والحجاب حوله، فإذا سقطت بين يديه أمره الهضام بقلع ثيابه فيقلعها ويلبسونه ثيابا غيرها، ويقولون له: إذا ثيابك هذه عصيت فيها، فهى لا تصلح حتى تدخل على الإله المنيع وأنت تطلب منه الغفران، ثم يدفع له خاتما من الحديد ويقولون له: إذا هذا الخاتم الذى ترغب به عفوه عنك، فإذا ثبت في يدك فقد عفا عنك وقبل توبتك، ثم بعد ذلك يأمر الملك الهضام بفتح القبة لذلك الشخص، فإذا ولج على الصنم عثر في نفسه شيئا، فيظن حتى الصنم قد قربه إليه، فيقولون له أشد يدك على الخاتم ولا تخلعه فيغضب عليك الذى أنت طالب رضاه، وحدثا قرب من الصنم جذبته السلسلة إلى ورائه، فإذا كان لا ينقلع الخاتم من يده يأمرونه بالسجود فيخر ساجدا، ولم يزل كذلك حتى يهتف به من جوف الصنم الشيطان الموكل به ويأمره بالقيام فيقوم فينذر ذلك الشخص مما أمكنه من المضى والفضة أوجواهر أوجوار أوعبيد أوخيل قدر ما تصل إليه قوته، وقد استولى اللعين الهضام بهذه الحيل على أموال الناس.

فلما فرغ من ذلك خرج إلى فلاة (الأرض الواسعة المقفرة، ج: فلا وفلوات) عظيمة ملء الأرض فجمع الصناع، وأمر بحفر حفرة طويلة طولها أربعمائة ذراع وعرضها مثل ذلك، ثم جعل لها أساسا وبناها بالصخور العظام، وأوقف عليها ألف عبد أسود غلاظا، وأفرد لها ألف بعير يحملونها الأحطاب والأخشاب، وألف عبد يجمعون لهم ذلك ويحملونه إلى الحفرة، وألف يضرمون النار في الليل والنهار، وسمى تلك الحفرة جهنم، حتى إذا مر بهم طائر احترق من شدة لهيبها، وبنى لها درجات عاليات، ولما فرغ من ذلك بنى دائرة واسعة طولها عشرون فرسخا (الفرسخ نحوخمسة كيلومترات) وعرضها مثل ذلك، وجعل طينها المسك والزعفران وأحجارها من جميع الألوان، مثل الأحمر والأصفر والأبيض والأخضر والأزرق، وغرس فيها الأشجار وجمع فيها تام الأوصاف والأطيار، وبنى في وسطها دكه بيضاء من الرخام المختلف الألوان، واتخذ فيها قصور وجعل سقوفها من المضى الأحمر والفضة البيضاء، وجعل فيها مجالس وقبابا (مفردها: قبة) زاهرات، وفرش أرضها من العقيق الأحمر والسندس الأخضر، وجعل فيها جوارى أبكار كأنهن الأقمار، ونظم ذوائبهن بالدر والياقوت، ووكل بأبواب تلك المقاصير غلمانا مردا (الأمرد: الذى لم تنبت لحيته) جردا وسماهم الملائكة، عليهم حلل من أنواع الحرير وعلى رؤوسهم عمائم خضر، وجمع في هذه المقاصير من الفواكه الصيفية والشتوية من أطيب الأثمار، وجعل فيها الأطيار تغرد على الأغصان بأنواع اللغات، وجعل فيها أصناف الطيب (العطر) المعجون بماء الورد من حول تلك المقاصير، وفيها الخمر مسكوب والعسل مصبوب واللبن محلوب يصب في قنوات، فمن أطاع هذا الصنم أدخله هذه الجنة وتلذذ بنعيمها، ومن عصاه أدخله هذه النار يتلظى بجحيمها، وقد تزايد أمر هذا اللعين الجبار، وشاع بين العرب بشجاعته وعظم شره حتى لقبوه بمرارة الموت.

(نطق الراوى) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك نطق: يا ابن أنيس لقد حدثتنى عن أمر عظيم لم أسمع مثله قط، وأين أرضه وبلاده ومستقره،يا ترى؟ نطق: يا رسول الله بأطراف اليمن مائلا إلى العمران في واد ينطق له وادى القمر، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أمير المؤمنين وحامى حوزة الدين، مفرق الكتائب ومظهر العجائب ومبدى الغرائب، الليث المحارب والغيث الساكب، والحسام القاضب ليث بنى غالب أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب، فلما سمع نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن أبى طالب وثب قائما على قدميه وأنشد وجعل يقول شعر: لبيك من داع ومن منادى، لبيك نور الله في البلاد، لبيك من داع إلى الرشاد، فرجت عنى كربة الفؤاد، قل ما تشاء يا أكبر العباد، أفديك بالآهلين والأولاد.

(نطق الراوى) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم ضاحكا من قول الإمام علىّ كرم الله وجهه ورضى عنه، ثم أقبل الإمام علىّ النبى صلى الله عليه وسلم ووقف بين يديه، فضمه النبى صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقبله بين عينيه، ونطق: معاشر المسلمين هذا على ابن عمى ووارث فهمى، وزوج ابنتى وحامل رايتى، وسيف نقمتى، من أساء إليه أساء إلىّ، ومن أحسن إليه فقد أحسن إلى، ومن أحبه فقد أحبنى، ومن أبغضه فقد أبغضنى، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

ثم نطق عليه الصلاة والسلام: أسمعت ما وصفه عبد الله بن أنيس الجهنى عن عدوالله هضام بن الجحاف وتجبره وكفره وجموحه،يا ترى؟ نطق: نعم يا رسول الله، فنطق رسول الله: يا أبا الحسن إذا الله أمرنى حتى أقول لك بهذا الخبر، وقد وعدنى ربى بنصرك وحفظك ورجوعك إلىّ سالما غانما، فماذا تقول،يا ترى؟ وأمر لك عصابة من المسلمين وجماعة من المؤمنين تسير فيهم إلى عدوالله الكافر وقد بلغنى بأنه تكاسر من الورود، وأن أكثر منهم مددا، وهوالقادر على حتى لا يبقى منها أحدا.

(نطق الراوى) فأطرق الإمام علىّ رأسه، ثم حمل رأسه إلى النبى صلى الله عليه وسلم ونظر ولم يتحدث، ثم عاد إلى إطراقه ساعة ولم يتحدث، ثم عاودها ثالثا فعظم ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم، وقد تبين في ذلك الوقت في وجوه المنافقين ونطق بعضهم لبعض: إذا علىّ بن أبى طالب كره التوجه إلى الهضام ويحق له ذلك، ومن يقدر على وصف عبد الله بن أنيس،يا ترى؟ وتحدث المؤمنين على قد ما وصل إليهم ونطق بعضهم: لا ريب أنه يطلب جماعة يسير بهم إلى عدوالله ولكنه استحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يذكر له ذلك، ونطق بعضهم: إذا عليا كره الخروج من غير جذع ولا فزع، وكثرت الأقوال بين الناس وعظم على النبى صلى الله عليه وسلم، فنطق: يا أبا الحسن ما السكوت والتوانى برد الجواب ما أملت منك إلا أنك أمر مبادر وإلى ما أبلغتك مسارع، فهل لك من حاجة فتقضى أوحدثة فتمضى؟

(نطق الراوى) فلما سمع ذلك الإمام علىّ كرم الله وجهه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم ضاحكا ونطق: يا رسول الله حاجتى تقضيها كائنة ما كان، نطق: نعم أى والذى بعثنى بالحق بشيرا ونذيرا أنى أقضيها إذا وجدت إلى قضائها سبيلا، فنطق الإمام علىّ رضى عنه: ألم تأتِك البشرى من عند المولى الكريم رب العالمين حتى ترسلنى لهذا الأمر وضمن لك سلامى وحفظ رعايتى، فنطق النبى صلى الله عليه وسلم: نعم يا أبا الحسن، فنطق الإمام علىّ كرم الله وجهه: إذا كان من يعصمنى ويسلمنى ويحفظنى لا حاجة بأحد غيره، ولا تبعث لهذا الأمر أحد سواى، فحسبى يا رسول الله نصر الله عز وجل وهوخير الناصرين، واسأل الله جلب المسرة إلى فؤادك.


نص الرسالة التى خطها النبى عليه الصلاة والسلام للهضام ملك الجن

فى الحلقتين السابقتين عهدطة الجنى المسلم مضى إلى النبى محمد عليه الصلاة والسلام مستغيثا من جبروت الهضام بن الحجاف ملك الجن الكافر، وحكى للنبى قيام الهضام بإجبار قومه من العفاريت والجن والمردة بعبادة (المنيع) وهوصنم ضخم، أعد حوله حفرة كبيرة أشعل فيها نارا وسماها جهنم، وأخرى أشجارا وفاكهة وأنهارا وأطلق عليها الجنة، مَن يعصى يدخل النار، ومَن يُحسن أسكنه الجنة، وطلب من الرسول حتىقد يكون الإمام علِىّ بن أبى طالب رضى الله عنه الفارس الذى يَفِده لمحاربة الهضام، لأنه الإنسان الوحيد القادر، حسب تقدير الجن المسلم، على محاربة الجن والعفاريت وهزيمة الملك الهضام وجيشه من الجن والعفاريت الكفرة، وقرأنا أيضا في الحلقتين السابقتين نزول جبريل عليه السلام على الرسول وأبلغه أنه سبحانه وتعالى اختار ابن عمه لمحاربة وقتل الهضام، بعدها نادى الرسول الصحابة إلى الصلاة بالمسجد، وبعد حتى أدوا الفرض وقف على المنبر وخطب وأبلغهم بأمر الهضام وما هبط به جبريل من تكليف، ثم استفسر من الصحابة عن الهضام، وأبلغه أحد الصحابة بما يعهده، وقيل إنه يسكن في وادى القمر وهى بالقرب من اليمن، ونادى الإمام علِىّ واستشاره في ما فاعل، وبعد فترة صمت وتفكير وافق على القيام بالمهمة، وهنا نطق الراوى:

فلما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تهلل وجهه فرحا مسرورا ونطق رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحسن كفاك الله شانيك وأهلك معاديك (من يعاديك: عدوك)، ثم كبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبّر المسلمين جميعا عند ذلك فرحين بما كشف الله من قلوبهم من الهم والكرب وإرغام أنف المنافقين أعداء الله، نطق عبد الله بن أبى (بن) سلول لعنه الله وهورأس المنافقين بالمدينة (سيد قبيلة الخزرج، توفى سنة 9هـ، وصلى عليه الرسول، ونزل بعدها قوله تعالى «ولا تصلى على أحد منهم توفي أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله» التوبة: 84): هذه أعظم فرحة وحق اللات والعزى (ومعهما مناة: أصنام كانت تُعبَد في مكة والقرى المجاورة لها قبل الإسلام، وكانت تشكل ثالوثا أنثويا. انظر كتاب الأصنام لابن الكلبى) لتحرقن عظام علِىّ بن أبى طالب بنار الهضام، ولوخرج محمد إليه بجميع أصحابه ما قدروا عليه، ولا بقيتم ترون علِىّ بن أبى طالب بعد هذا اليوم إذا هوخرج إليه، ثم إذا النبى صلى الله عليه وسلم نادى بدواة وقرطاس وقلم ودفعها إلى الإمام علِىّ بن أبى طالب، ونطق له: اخط يا أبا الحسن إلى عدوالله الهضام كتابا بالتحذير، فخط الإمام علِىّ كتابا يقول فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا كتاب من رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن عبد مناف داعى الورى إلى الإنصاف وهاديهم إلى طريق الخير والغفران إلى الهضام بن الحجاف الباهلى أما بعد، لقد اتصل إلينا ما أنت عليه من التكبر والتجبر والعتو(الاستكبار وتجاوز الحد، وتُجمع: عتاة وعتى) على الله عز وجل، وما صنعته من جنة ونار، يا ويلك والويل ثم الويل لك تتخذ الحديد والجنادل أربابا من الله عز وجل، أرأيت ما صنعته من نارك لوأنك أمرت عبيدك الذين ينقلون الحطب والأخشاب حتى يسكنوا عنه يوما واحدا لسكن لهيبها وانبتر وهجها وخمد حرها، يا ويلك والويل لقومك، بل لوحملوا إليها الماء وسكبوه فيها لطفئت حرارتها ومضىت جمرتها، فأين نارك من نار وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين، لا يخمد حرها ولا يبرد لهيبها وهى لا توقد بحطب ولا بخشب بل توقد بسخط الله عز وجل، فلا تخمد في ليل ولا في نهار عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويعملون ما يؤمرون، وافهم حتى نارك التى توقدها إنما هى جزء منها، وهى اثنان وسبعون جزءا، وأما جنة الخلد التى وعد المتقون ففيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، لا يفنى نعيمها ولا ينقص ثمرها ولا يصفر ورقها، والمؤمنون فيها متنعمون في جوار رب العالمين وعلى الأرائك متكئون، وأما جنتك التى أحدثتها فلوأمرت بمنع الماء عنها لجفت أغصانها وفسد ثمارها، فاهجر ما أنت عليه من تكبرك على خالقك ورازقك ولا تنفعك نارك ولا جنتك، فقل معى لا إله إلا الله محمد رسول الله واشهد لى بالرسالة تكن من الفائزين والصديقين، فإن أبيت رميتك بسيف قاطع وبطل مانع».

(نطق الراوى) ثم إذا الإمام على كرّم الله وجهه قرأ الكتاب على النبى صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم الكتاب بيده الكريمة وطواه بعد حتى ختمه بخاتمه الشريف ثم نطق: يا أبا الحسن خذ معك من المسلمين رجلا فإذا قربت من ديار عدوالله فقدمه أمامك رسولا بهذا الكتاب، فإن أجابه إلى ما دعوناه إليه وآمن بالله وصدق برسالتى فكف يدك فإن الله حليم لا يجعل بالعقوبة على من عصاه، وإن أبى هووعصى فانظر لنفسك وتدبر أمرك واحذر من الحصون في مسيرك وتوكل على الله، وقل لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

فلما سمع النبى صلى الله عليه وسلم ذلك الكلام من على كرم الله وجهه (القسم بالصيام طوال فترة رحلته وحربه) تغرغرت عيناه بالدموع، ثم نطق: اللهم لا تفجعنى بفقده ولا تحزنى من بعده، اللهم إنه وديعتى إليك فاحفظه حتى ترده سالما إلىَّ يا من لا تخيب عنده الودائع، ثم إذا الإمام عليا رضى الله عنه انصرف إلى منزله وبات الليلة يتحدث مع أولاده، فلما أصبح الصباح قام الإمام علِىّ رضى الله عنه، فتوضأ وأفرغ آلة حربه وتحزم بمنطقته (بحزامه)، وتنكب (حمل على كتفه) بجحفته (قربة الماء)، وضم أولاده وجعل يقبّل هذا مرة وهذا مرة، ثم أقبل على فاطمة الزهراء رضى الله عنها وقبّلها بين عينيها، ثم خرج إلى المسجد وصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم نطق: يا رسول الله منك القول ومنى السمع والطاعة أتأذن لى بالخروج، فنطق له النبى صلى الله عليه وسلم: لله الأمر من قبل ومن بعد، فإذا عزمت فتوكل على الله، ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على قدميه، ونهض الناس معه ولم يبقَ أحد إلا خرج مع النبى صلى الله عليه وسلم، وهويوصى الإمام عليا كرم الله وجهه ويحدثه بما يجرى به في طريقه، والناس يتعجبون من سير الإمام علِىّ وحده، فلما بعد عن المدينة وقف النبى صلى الله عليه وسلم وودع الإمام علِىّ ونادى للإمام بدعوات تحجب عنه خلق الأرض والسماوات ثم أمر الإمام بالمسير، ونطق: سر بارك الله فيك الله خليفتى عليك.

(نطق الراوى) ثم إذا صلى الله عليه وسلم عاد وأمر الناس بالرجوع، فرجع الناس وسار الإمام طالبا بلاد اللعين الهضام وحيدا بنفسه ليس معه من يؤانسه إلا الله، وكان المنافقون قد خرجوا جميعا عند الوداع وهم يقولون: أما ترون هذا علِىّ بن أبى طالب، إذ هوتعرض لمرارة الموت لم يبق لهذه الديار يعود وهم فرحون مسرورون، يقولون قد فقد علِىّ بن أبى طالب حين صار لمرارة الموت، والنبى صلى الله عليه وسلم والصحابة يدعون للإمام بالنصر والتأييد على أعدائه، فهذا ما كان من أمر المنافقين والنبى صلى الله عليه وسلم.

(نطق الراوى) وأما ما كان من أمر الإمام علِىّ كرم الله وجهه فإنه سار واستقام به المسير واسلم نفسه لله عز وجل وأنشد شِعرًا:

أسير وحدى إلى ما قد أراجيه

إذ جميع ما قدر الله من أمر ألاقيه

لا تكره الموت في بدوولا حضر

إن يدن منك فكن أنت مدانيه

أسير مستسلما لله معتمدا

عليه في جميع أحوالى أناجيه

به الود وما لى عنه من عوض

جل الإله فإنى من محبيه

ما لى سواه وما لى عنه مصطبر

وكيف عبد يرجى من مراجيه

صلى الإله على طه وعترته

ما دام طير على غصن يناجيه

(نطق الراوى) فبينما الإمام سائر وقد غاب عن المدينة وإذا بصائح من ورائه ينادى: يا أبا الحسن سألتك بالله ورسوله حتى تقف لى حتى ألحقك، فوقف الإمام والتفت وراءه، وإذا برجل طويل السواعد عريض المناكب وهويسرع في خطاه ويهرول في مشيه، فتأمله الإمام علِىّ رضى الله عنه فإذا هورجل من أشرار المنافقين، ينطق له ورقة بن خضيب (شخصية خيالية) من أقارب ابن أبى سلول (عبد الله بن أبى بن سلول، بادر بنشر رواية حادثة الإفك، تتسعة هـ) المنافق لعنه الله، وكان الملعون يتجسس الأخبار لعدوالله الهضام بن الحجاف، ويظهر الإسلام ويكتم النفاق، ويريد بذلك أنه يظهر برسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، فلم يجد لذلك سبيلا فلما نظر الإمام خرج في ذلك اليوم وحيدا فريدا، أقبل ذلك الرجل على قومه المنافقين فرحا مسرورا، ونطق لهم: الآن قد بلغت مرادى وبلغت أمنيتى، وها أنا أريد حتى أرافق علِىّ بن أبى طالب إلى حتى أجد منه فرصة أوغفلة عند نومه أوسيره، فابتر رأسه وامضِ به إلى الملك الهضام لأنال عنده المنزلة العليا وعند الإله المنيع الرفيع، وأتقرب إليهم وأصير عندهم صاحب قدر وأشفى قلبى من العلل، فنطق إخوته المنافقون: نشكر اللات والعزى (صنمان عُبدا قبل الإسلام)، وفرحوا بذلك فرحا شديدا لما يفهمون من شجاعته وقوة قلبه، فما منهم إلا وقد وعد بصلته (الصلة: العطية والإحسان)، وجعل له جعلا (أجرا أورشوة) إذا وصل إلى ذلك.

(نطق الراوى) فعند ذلك خرج ورقة بن خضيب ولحق أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه معارضا له سالكا طريقا، نطق فالتفت الإمام إليه، ونطق:

- من أنت،يا ترى؟ ومن أين أتيت،يا ترى؟ وإلى أين تريد؟

- فنطق ورقة: أتيت أريد مرافقتك ومصاحبتك ومساعدتك على أعدائك، لأننى مبتهج بمحبتك ومجتهد في خدمتك.

- نطق أمير المؤمنين كرم الله وجهه: من أحبنا لقى بحبنا نعيما، ومن أبغضنا لقى ببغضنا جحيما وكان الله بما قضى عليما، ارجع يا ورقة لا أُنس لى بك والله أفهم بما أضمرت فجزاك عليه يوم يقوم الناس لرب العالمين.

- فنطق ورقة: يا أبا الحسن إنى ما أتيت حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموافقة والمسير معك والمساعدة لك على أعدائك.

ثم إنه (ورقة) ألحّ عليه (الإمام علِىّ) في السؤال بالمخادعة والحيلة، ومع ذلك لم يخف عن الإمام ما أضمره اللعين وما هوطالبه، فأخذ حذرا منه وولّى عنه ناحية إلى ناحية من الطريق وسمح له بالمسير معه.

(نطق الراوى) ثم سار الإمام متجانبا (متجنب) متباعدا عنه، وسار عدوالله إلى جانبه ولم يبدله شيئا وكتم أمره، فنطق له الإمام: إذا كان ولا بد من مصاحبتى فلا تسألنى عن شىء حتى أحدث لك منه ذكرا، فأجابه ورقة إلى ذلك، ونطق: بأبى أنت وأمى، وكيف أتعرض لك في شىء وأنت من بيت النبوة ومعدن الرسالة، وأقتبس منك ومن فهمك ولا أنازعك في صنعك ولا أمانعك في أمرك، وإنما أنا مساعدك في سفرك ومعاونك على أعدائك، فعند ذلك خلَّى الإمام سبيله، وجعل يقول:

مَن صاحب الليث يرجومنه خدعته

يسقى من أظفاره كأس الردى جرما

من يشرب السم لا يأمن عواقبه

لوكان يفهم عُقبَى السم لامتنعا

مَن أضمر الشر يأتى نحوه عجلا

مسارعا قاصدا قد اتى متبعا

نص رسالة النبى للهضام

خضيب وأمير المؤمنين


الإمام يبدأ رحلته بقتل رجل يقف وسط الصحراء ويعرض عليه الماء والطعام مجانًا

فى الحلقات السابقة مضى عهدطة الجنى المسلم إلى النبى محمد عليه الصلاة والسلام، واستغاث به من جبروت الملك الهضام الحجاف الجنى الكافر، وحكى للنبى قيام الهضام بإجبار قومه من العفاريت والجن والمردة المسلمين بعبادة «المنيع» وهوصنم ضخم، أعد حوله حفرة كبيرة أشعل فيها نارا وأسماها جهنم، وأخرى أشجارا وفاكهة وأنهارا وأطلق عليها الجنة، من يعصِ يدخل النار، ومن يحسن أسكنه الجنة، وطلب من الرسول حتىقد يكون الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه الفارس الذى يرسله لمحاربة الهضام، لأنه الإنسان الوحيد الذى يقدر على محاربة الجن والعفاريت وهزيمتهم، وفى نفس الحلقة نزول جبريل عليه السلام إلى الرسول وأقرأه السلام من الله عز وجل، وأبلغه أنه سبحانه وتعالى اختار ابن عمه لمحاربة وقتل الهضام، فنادى الرسول الصحابة إلى الصلاة بالمسجد، واستفسر من الصحابة عن الهضام، وأبلغه أحد الصحابة بما يعهده، وقيل إنه يسكن في وادى القمر بالقرب من اليمن، وقى حلقة الأمس أملى الرسول الكريم الإمام على الرسالة التى يحملها إلى الهضام الكافر، خيَّرَه فيها بين عبادة الله الواحد القهار والدخول في الإسلام أوالحرب»، وطلب الرسول من الحضور حتى يتبرع أحدهم بحمل رسالته إلى الهضام، وتقدم جميل بن كثير لتطبيق هذه المهمة، واشترط حتى لاقد يكون تحت إمرة على بن أبى طالب، ولا يسير معه في رحلة واحده لأنه لا يطيق هذا، ووافق الرسول وسلمه الرسالة، وودع جميل أهله والصحابة وانطلق بالرسالة إلى الهضام، كما قام الإمام على ببدء رحلته نحوالملك الهضام وفى بداية الطريق اكتشف حتى أحد الأشخاص يتفقد أثره، واتضح أنه هوورقة بن خضيب أحد المنافقين، وقد اتفق مع المشركين والمنافقين على حتى يتتبع الإمام على بن أبى طالب ويبتر رأيه في غفلة أوغفوة منه، وسأله الإمام على عن السبب الذى دفعه إلى حتى يتتبعه، نطق: إننى أردت حتى أتفهم منك، فاستكمل الإمام على رحلته وهوعلى حذر منه، وأنشد بعض الأبيات الشعرية، وفى حلقة اليوم تظهر مشقة ومصاعب الرحلة، فقد نطق الراوى:

«فلما سمع ورقة هذه الأبيات من الإمام لم يرجع عما أضمره (أخفاه)، بل إنه ازداد غيظا على غيظه، ولم يزالا سائرين والإمام على يقول: حسبى الله ونعم الوكيل، حتى وجب عليهما (الصلاة) فلم يجد الإمام ماء يتوضأ منه، فسار إلى حتى قرب العصر، فأشرف الإمام على رجل واقف على بئر وقد ملأ سقيه، وإلى جانبه مائدة منصوبة وعليها صحف مملوءة بالطعام وأقراص من العيش، فلما نظر ذلك الرجل الإمام وورقة نطق: هلما إلى الطعام الفاخرة والماء البارد بلا ثمن ولا جزاء، فأسرع إليه الإمام ولم يمهله حتى قبض على أطواقه، وجلد (ضرب) به الأرض وجلس على صدره وحز رأسه، ثم عمد إلى الماء فأراقه، ثم حفر حفرة كبيرة وجعل فيها الطعام ورد عليه التراب حتى غيبه، وسار كأنه لم ينبه شيئا.

فنطق له ورقة: يا أبا الحسن، قد تجرأت على عملك وأسرفت في صنعك وظلمت في حكمك بما عملت بهذا الرجل الذى يبرد الماء لعابر هذا الطريق، وينصب للجيعان من غير ثمن ولا جزاء، وتقدمت إليه وذبحته والى طعامه فدفنته وإلى مائه فأرقته، وهجرتنا نلتهب عطشا، فوالله لقد تجرأت في عملك وأسرفت في صنعك.

فنطق له الإمام: ألم أقُل لك لا تسألنى عن شىء حتى أحدث لك منه ذكرا، ارجع الآن فانك لن تستطيع معى صبرا (انظر: سيرة موسى والخضر في سورة الكهف الآيات 65-82).

(نطق الراوى) فازداد اللعين كفرا وامتلأ غيظا ونطق في نفسه: كيف من الممكن أن أرجع وأدع ابن أبى طالب، وحق اللات والعزى لا أرجع حتى أبتر رأسه وأمضى بها إلى الملك الهضام وأبرد قلبى وأشفى غليلى، ثم أقبل على الإمام بمكره وخداعه، ونطق: يا أبا الحسن أنتم أهل الجود والكرم والإحسان والعفووالامتنان، ولست أعود إلى شىء تكره، فسمح له الإمام بالسير معه، فسار إلى وقت العصر ثانى يوم، فأشرف الإمام على حوض مملوءة وبجانبه مسجد قد طرح النحل على جدرانه، وإذا بشيخ كبير جالس إلى جانبه وعنده جارية حسناء وعليها أثواب الزينة وثياب مزعفرة، فلما وصل إليها الإمام حل منطقته ووضع سلاحه، وأخرج زنادًا (خشبتان يقدح بهما النار) كان معه، وقدح (أشعل) منه نارا وأطلقها في المسجد، فاحترق المسجد سريعا وتساقطت حيطانه، ثم إنه حفر حفرة وعمد إلى الصَّبيَّة فجعلها فيها ورجمها حتى ماتت، ثم عمد إلى الشيخ فبتر يديه ورجليه وهجره مخضبا (ملطخا) بدمائه، ثم عمد إلى الماء فتوضأ وصلى وانصرف كأنه لم يعمل شيئا.

(نطق الراوى) فلما رأى ذلك ورقة ثار وامتلأ غيظا وحنقا على الإمام، لكنه خشى من صولته وهجومه عليه، نطق له وهويلين له الكلام: يا ابن أبى طالب، والله ما أمرك الله ولا رسوله ولا نطق بذلك القرآن، عمدت إلى المسجد فأحرقته وهدمته والآن عاد خرابا، وعمدت إلى الشيخ فبترت يده ورجليه من غير ذنب ولا جناية سبقت منه إليك، ثم عمدت إلى صبية من حسن الناس وجها فرجمتها حتى ماتت وهى كانت تصلح لمثلك، والله لا نصرت وهذه الفعال فعالك، فتبسم الإمام ونطق: والله لولا أنى أريد حتى أظهر لك بيان بما رأيته وإلا كنت عجلت بروحك، ولا كذبت على وعارضتنى في شىء لا تعهده ولا لك عليه طاقة، ولكن أسامحك وامضِ إلى حال سبيلك ولا تتعرض لى فأهلكت، وتدبر أمرك، وانظر إلى ما أنت له صانع وسيظهر لك، يا ويلك أما رأيت وعاينت،يا ترى؟ وإن سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول لك به، فارجع عنى واستغنم السلامة وأكرم الناس، من إذا قد عفا وهذه الثانية،يا ترى؟ إذا عدت إلى الثالثة جازيتك بعملك، يا ويلك ألم أقل لك ما نطقه العبد الصالح لموسى بن عمران: إنك لن تستطيع معى صبرا (الكهف: 72)، فنطق: يا أبا الحسن اعف عما قلت ولست أعود إلى ما تكرهه، ودخل على الإمام بمكروه وخداعه وهويظن حتى يظفر به، فسمح له الإمام بالمسير معه.

ولم يزالا سائرين إلى غروب الشمس وهم على غير طريق، فبينما هما سائرين، وإذا هما بواد فيه عين ماء كثيرة المياه، وبجانبها حظيرة واسعة وعلى بابها عبد عظيم الخلقة أحمر العينين عريض المنكبين مفتول الساعدين، فلما نظرهما نطق للإمام: اعدلوا إلى هذا المنزل الرحب الطيب الخصيب، فنطق ورقة عند ذلك: أعدل بنا يا أبا الحسن إلى هذا المنزل فقد ولا النهار وأقبل الليل، فنطق الإمام: سر ولا تتعرض لما لا يناسبك به فهم، فنطق ورقة: والله ما بك خوف من هذا الأسود حيث رأيته يطيل النظر إليك، فلما سمع الإمام ذلك تغير وجهه ونطق لورقة: ويلك أمثلى يفزع من أبيض وأسود وأنا من أهل الفهم والتأويل والدلالة والتفصيل،يا ترى؟ ثم عطف الإمام ناحية العبد فلما رآه العبد مقبلا إليه وقف ورحب به وفتح له باب الحظيرة، فدخل الإمام ودخل الأسود في نحوهما وأغلق باب الحظيرة، فلما وصل الإمام وسط الحظيرة، وإذا هوبجماجم مقطوعة وعظام مهشومه فوقف ينظر إلى ذلك ويتفكر ويتعجب، وإذا هوبسبعين عظيمين قد خرجا من جانب الحظيرة، وقصد أحد منهما إلى نحوى الإمام والآخر إلى ورقة، فالسبع الذى وصل ورقة هدر وزمجر، فلما عاين ذلك قصد نحوالإمام وهويرتعد كالسعفة في مهب الريح، واصطكَّت أسنانه واهتزت ركبتاه من شدة ما هبط به من الخوف والفزع، وهوينادى برفيع أصواته: أدركنى يا أبا الحسن خالفتك فهلكت، فبالله عليك يا أبا الحسن خلصنى مما أنا فيه، ولا تؤاخذنى بسوء أفعالى فأنت من أهل الكرم والجود، فتبسم الإمام ضاحكا من منطقته، وأما الإمام فلم يعتنِ بالسبع الذى وصل إليه ولم يلتفت إلى ميلته، فلما قرب السبع من الإمام صرخ صرخته المعروفة الهاشمية فتضعضع السبع من شدتها ووقف مكانه وخمدت قوته من صوت الإمام، وجعل ينادى: أنا السيف المسلول أنا ابن عم الرسول/ أنا مفرق الكتائب أنا مظهر العجائب/ أنا الحسام القاضب (القاطع) حامل ذوالفقار/ أنا البحر الساكب القاضب/ أنا ليث بنى غالب/ أنا أمير المؤمنين على بن أبى طالب، ثم وثب على السبع بقوته وضربه ضربة عظيمة فمات، ثم حمل الإمام على السبع الذى حمل على ورقة فوثب عليه ونادى: أنا الليث التمام/ أنا البطل المقدام/ أنا قاتل اللئام/ أنا مفرج الزحام، فعند ذلك فر السبع داخل البيت عندما نظر ما حل بأخيه، وجعل العبد يحدّ النظر إلى الإمام ويتعجب مما عمل، فجرد صفيحة (رخامة عريضه) هندية وتقدم إلى السبع يحرضه وهوفي شدة غيظه على اغتال أخيه، فحرضه على الإمام فعمد السبع إلى الإمام وعمد الأسود إلى ورقة يريد قتله قبل اغتال الإمام، فنطق ورقة للأسود: مهلا وقيت (حميت من) الردى (الهلاك) وكفيت شر العدا، فإننى معين لك على أمرك، لعلى أقتله وآخذ رأسه إلى الهضام لأنال المرتبة العليا، والآن اختلطنا بعدوالملك الهضام، فإن قتلناه فتكون لنا اليد العليا عند الملك الهضام وعند الإله الرفيع، فعند ذلك فرح الأسود من منطقه ومال على الإمام وورقة معه ونطق: يا ابن أبى طالب إلى أين طالب فانظر إلى نفسك وتدبر أمرك،يا ترى؟ فلم يلتفت الإمام وهجم على السبع وضربه ضربة هاشمية بين عينيه، فلما نظر الأسود ذلك انذهل وفهم أنه إذا أقدم على الإمام أرداه (أهلكه)، فرمى صفيحته من يده ونادى: يا ابن أبى طالب ارفق على أسيرك وأحسن إلىّ، فإنى لم أفهم بك ولا بمكانك حتى سمعت ذكرك من رفيقك، أحسن إلىّ يا أبا الحسن أحسن الله إليك، فلما سمع ذلك منه الإمام نطق: اعتزل حتى أفرغ من عدوالله وأعود إليك فيقضى الله بحكمه ما قاضٍ.

ملك الجان يشكوالكفرة للرسول

يحكى البكرى في هذه السيرة حتى أحد الجان المسلمين اتى إلى رسول الله يشكوله ملك الجان الكفرة، أكد له أنه يسخر قبيلته وبعض قبائل الجن لعبادة الأصنام، وأنه خلق صنمًا وجعل له حفرة سماها النار وأخرى الجنة يعاقب ويحسن فيها لأتباعه، وطلب من الرسول حتى يساعدهم على التخلص منه ومن جبروته وكفره، وأكد حتى الإمام على بن أبى طالب الوحيد الذى يستطيع هزيمته والقضاء عليه، وتذكر السيرة حتى جبريل عليه السلام هبط على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبلغه حتى ابن عمه الإمام على بن أبى طالب هوالمكلف بالقضاء على هذا الجن الكافر ومسماه الهضام بن الحجاف، وفى السيرة نشاهد الرسول الكريم وهويستحلف الإمام على حتى يوافق على الخروج إليه، هذه السيرة التى رواها أحمد بن عبد الله البكرى المنسوب إلى الشيعة، رويت على لسان الإمام على بن أبى طالب، حيث نسبها البكرى إلى الإمام على رضى الله عنه، ولطرافتها ننشرها على أجزاء بعد حتى قمنا بتعريف الأعلام الموجودة بها، وهى في أغلبها شخصيات حقيقية، بعضها من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين، كما قمنا بتعريف الأماكن، وقمنا بشرح الحدثات الصعبة تيسيرًا على القارئ، ووضعنا جميع هذا بين قوسين.

فى بداية رحلة الإمام على بن أبى طالب إلى محاربة الهضام بن الحجاف ملك الجان الكافر، اقتفى أثره أحد المنافقين لكى يبتر رأسه في غفلة منه، هذا المنافق يدعى ورقة بن خضيبة (وهومن الشخصيات الوهمية في السيرة)، وقد صبر عليه ابن أبى طالب رغم خطورته، وفى الطريق قابلهما عبد أسود أمام حظيرة وبصحبته سبعان مفترسان، نادى الإمام والمنافق للراحة في المنزل، ودخل الإمام بعد إلحاح من ورقة المنافق وظهر لهما السبعان، وبعد حتى اغتال الإمام أحدهما، أظهر المنافق ما يضمره واتفق مع العبد حتى يشهجرا في اغتال الإمام ويحملان رأسه إلى الملك الهضام، لكى يحصلا على رضاه، لكن قد خاب ظنهما وقتل الإمام السبع ثم عمد الإمام إلى ورقة ونطق:

«- يا رأس النفاق، قد أظهرت يا عدوالله ما كنت له ساترًا، وما أنت عليه عازم وضامر، فانظر الآن لنفسك وتدبر أمرك فقد آن أوان قتلك

- ثم نادى ورقة: يا ابن أبى طالب، سألتك بحق محمد ابن عمك إلا ما أبقيت على وأحسنت بكرمك إلى.

- فنطق له: بعد نفاقك وكفرك ما أبقى عليك هيهات هيهات.

- فلما أيقن اللعين بالهلاك نطق: يا ابن أبى طالب الظلم لا يفارقك ولا يفارق ابن عمك، فحدثنى عما ظهر لك أنت في طريقك هذه من سوء عملك مما لا يرضاه الله، ثم اعمل ما بدا لك فإنى أشهد أنك أنت وابن عمك ظالمان ساحران.

فغضب الإمام من ما نطقه ورقة غضبًا شديدًا، ونطق له: يا عدوالله، إذا الله تبارك وتعالى قد باعد بيننا وبين الظلم والعدوان، وجعلنا من أهل الكرم والإحسان، ويل لك ولقومك، فأنا أكشف لك ولقومك جميع ما رأيته في طريقنا، أما الرجل الذى أقبلنا عليه وعنده الماء والطعام فإنه كان مسمومًا، إنما صنعه للناس حيلة، فإذا أكل أحد الطعام وشرب من الماء هلك لوقته فيأخذ ما كان معه، وقد أهلك بهذه الحيلة خلقًا كثيرًا، فلما أتيته قتلته عمن اغتال من الناس، وأهرقت الماء ودفنت الطعام لئلا يأكل منه الطير والوحوش فيهلكون، وأما الشيخ الذى أتيناه بالمسجد وعنده الجارية فإنها بنته، وهوينكحها للصادر والوارد، فإذا أنزل عنده سالك طريق عرض عليه ابنته، فإن أجابه إلى ذلك كان، وإلا يهجره حتى ينام ويسرق منه جميع ما معه، فلما قدمت عليه بترت يديه ورجليه لأجل سرقته، ورجمت الجارية لزناها حتى ماتت، وأحرقت المسجد، وأما هذه الحظيرة وهذا الأسود وهذان السبعان فيقتل بهما جميع من أتى إليه في هذه الحظيرة، ويأخذ ما كان معه، ثم إذا الإمام تقدم إلى ورقة وضربه بذى الفقار (سيفه) على رأسه ففلقه نصفين، ووصل إلى الأرض وعجل الله روحه إلى النار.

فلما نظر (العبد) الأسود إلى ذلك حار عقله ونادى:

- يا ابن أبى طالب، امدد يدك فإنى أشهد حتى لا الله إلا الله، وأن ابن عمك محمد رسول الله، وأنى كنت في لجج الضلالة سارح، فلا زلت لك منذ هذا اليوم إلا مواليًّا.

- فعند ذلك تبسم الإمام على كرم الله وجهه، ونطق له: خذ سلب (ملابسه وسلاحه) عدوالله، وامض حيث شئت مصاحبًا للإسلام، فنطق: يا أمير المؤمنين إنى لا أكون معك وبين يديك، فنطق له الإمام: هذا جبل بعيد لا يصل إليه جميع ضامر سلول.

- فنطق الأسود: هذا الوصف لا أجده إلا لك يا ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم أنت زوج البتول، وابن عم الرسول سيف الله المسلول، إلا يا أمير المؤمنين، سألتك بحق ابن عمك ألا أبلغتنى إلى أين تريد؟

- فنطق له: إنى والله أريد الهضام بن الحجاف وصنمه المنيع وحصنه الرفيع لأذيقه السم الفقيع.

- فنطق الأسود وقد تحول سواد وجهه إلى الإصفرار لما سمع بذكر الهضام.

- فنطق له: يا أمير المؤمنين، لا تعرض نفسك للهلاك، فطريق ما ذكرته غير سالك، فكيف تصل إليه وبينك وبينه سبعة أودية وفيها سبعة حصون، وكلها مملوءة بالرجال والأبطال، لا يطير عليهم طائر إلا منعوه من الجواز حتى يستخيروه، ووصولك إلى صنمه أبعد من ذلك، وأن له جنة ونارًا ويدخل في جنته من أطاعه ويدخل في ناره من عصاه، وأنا أخشى عليك مما أعده من الأهوال.

- فنطق الإمام: امض أنت إلى حال سبيلك، ومعى ربى تعالى ينصرنى، وهومعى أينما توجهت فهوحسبى ونعم الوكيل، ثم نطق له: ما اسمك؟

- فنطق له: اسمى هولب.

- فنطق الإمام: اكتم أمرى ولا تبيح بسرى، وامض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدد إسلامك على يديه.

- فنطق هولب: يا سيدى هذا الذى ضمرت عليه.

(نطق الراوى) فعند ذلك ودع (العبد الأسود هولب) أمير المؤمنين، وسار إلى المدينة قاصدًا النبى عليه السلام، وأمير المؤمنين ساير بلاد الهضام حتى ولى النهار وأقبل الليل، فعبد غروب الشمس صلى المغرب والعشاء ثم سافر طول ليلته حتى لاح الفجر فصلى الصبح، ثم سار وطاب له السير وقرب الله البعيد وسهل عليه جميع قاسي شديد.

(نطق الراوى) حدثنا أمير المؤمنين رضى الله عنه نطق: كنت أرى الجبال الشاهقة أمامى، فبينما أنا أتفكر في الوصول إليها فما أدرى بنفسى إلا وأنا قد وصلت إليها وعولت عليها بحول الله وقوته، ولا أدرى بتعب ولا ألم، جميع ذلك بحول الله سبحانه وتعالى وبركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنشد وجعل يقول شعرًا:

طاب المسير بنور الله إذ لمعا

وبأن ضوء الفجر إذ طلعا.

واد الظل

(نطق الراوى) وسار الإمام على رضى الله عنه يطوى المنازل ولا يعوج المناهل (مورد الشرب على الطريق) إلى حتى وصل إلى أرض اليمن، جعل يكن بالنهار ويسار بالليل إلى أطراف البلاد وشرف على العمران، حتى وصل إلى واد الظل وهوأول الأودية السبعة، وهوواد معشب أخضر نعمه عظيمة كثيرة النبات والأشجار والمياه، والظل المديد واختلاف الألوان وحسن الأطيار(مفردها: طير، وتجمع طيور وأطيار)، إذا فيه رعاة معهم أغنام، ثم نظر إلى صدر الوادى، فإذا هوبحصن حصين وهويسمى حصن الوجيه، وهوفي صدر الوادى يلوح كأنه لؤلؤة له نور ساطع وإشراق لامع، فلما نظر إليه الإمام حمد الله تعالى وشكره وأثنى عليه على تيسير العسير الذى قرب إليه البعيد وسهل جميع قاسي شديد.

(نطق الراوى) ثم إنه انحدر إلى ذلك الوادى، وإذا عارضه نهر ماء جار يلوح صفاء بياضه والخيل والأنعام والإبل وسائر المواشى، مرعاه (المرعى: جمع مراع وهوموضع الرعى، العشب) البر الآخر مما يلى ديار القوم والرعاة مجتمعين، ومعهم واحد بيده غابه يصفر بها، وقد نظره القوم وهم يرتجزون الأشعار، فنزل الإمام رضى الله عنه إلى جانب النهر، وقد نظره القوم فلم يخاطبهم، ثم إنه حل منطقه وتوضأ وصلى، فلما رآه القوم يصلى بهتوا إليه ولم يدروا ما صانع،يا ترى؟ وقد دهشوا من ركوعه وسجوده وقيامه سقطوده، فبتروا ما كانوا فيه من لهوهم ولعبهم، ونطق بعضهم لبعض: كأن هذا من بعض خط العرب، فنطق بعضهم إنما هوجنة، وقد أكثر القوم في الإمام رضى الله عنه، وهومشغول بما هوفيه. (نطق الراوى) فلما فرغ من صلاته مال متكئا إلى جحفته (قربة الماء)، فنطق بعض القوم:

- من أين أنت أيها الرجل؟

- فنطق لهم: من طين من حمأ مسنون خلقنى وقدرنى الذى يقول للشىء كن فيكون.

- فنطق لهم الراعى: ألم أقل لكم إنه مجنون قذفته جنية إلى هذا المكان فهجر الراعى قول أصحابه، ونطقوا: يا هذا من أين أقبلت؟

- فنطق له الإمام: من عند مولاى الذى كفانى بنعمته ونعمنى بفضله وكرمه.

- فنطق الراعى: أفقير مولاك أم غنى؟

- فنطق الإمام مولى الموالى فهمه بحالى يكفى عن سؤالى مالك المشرق والمغرب والبر والبحر والسهل والوعر والأرض والسماء عليه توكلت وبه أستعين.

- فنطق الراعى: صدقت وبالحق نطقت، أقدم علينا أيها الرجل، فالطريق أمامك هذه الصفة صفة الهناء المنيع، وهوفي إحسانه بديع، ثم أنهم سروا سرورًا عظيمًا وفرحوا به فرحًا شديدًا، ونطقوا له:

- يا فتى بلغت السلامة ومناك وأدركت هواك فإن أحببت تأتى إلينا فدونك والجسر عن يمينك، واجعل راحتك عندنا لتسر بنا ونسر بك.

- فنطق لهم: الإمام من يهدى الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وإنى أرجوحتى أكون على الطريق متبع النبى الناصح.

(نطق الراوى) فاعرض الأعيان عنه، لأنهم لم يفهموا كلامه، ونطقوا له: إذا في كلامك تخليطًا وفى لسانك تفريطا، إذا كلامنا لك ضايع فاعرضوا عنه، ورجعوا إلى لعبهم ولهوهم، وأقام الإمام رضى الله عنه مكانه إلى حتى وجب العصر فصلاه، وإذا بالرعيان (تجمع أيضا: رعاة، ومفردها: راعى) تصارخوا وتصايحوا، فنطق لهم الإمام: معاشر القوم ما صراخكم،يا ترى؟ فنطقوا: ننظر إلى قطيع الظبا (الظبى: اسم الذكر، والجمع: أظبٍ، وظباء، وظُبيّ، والأنثى ظبْية) منحدرا من الجبل، فلما نظر الإمام إلى داره ووثب قائمًا على قدميه ثم نزع أطماره (ملابسه البالية، ومفردها: طمر) وسلاحه، ونطق لهم: دونكم وحفظ أثوابى وسلاحى، فنطقوا: وأين تريد،يا ترى؟ فنطق: أريد هذه الظباء لعلى أنال ظبيًا، فلم يبق أحد منهم إلا وقد ضحك من قوله، واستهزأ عليه، ثم نطق بعضهم لبعض: ألم أقل لكم إذا الرجل هائم على وجهه مخبوط في عقله، ثم هجرهم الإمام ومضى وهم ينظرون إليه ويظنون أنه لا يبرح من مكانه لعظم خلقته وكبر بطنه، ثم إذا الإمام قام حتى توارى عن أعين الرعاة، وقد بتر الشعاب وهويشب من ربوة إلى ربوة ومن شجرة إلى شجرة، ثم أدركها وهى في شدة جريها فقبض على اثنين منها واحدة بيمينه وأخرى بيساره، وأقبل كأنه الريح الهبوب والظباء في يديه، فلما رأى الرعاة الظباء في يديه كبر الإمام في أعينهم، ولم يزل الإمام سايرًا حتى أتى سلبه (ملابسه) واستخرج سكينًا وذبحهما وسلخهما وأجاد غسلهما، ثم حفر حفرة والتفت يمينًا وشمالًا يطلب حطبًا فلم يجد شيئا من ذلك الحطب، ورمى في الحفرة حتى ملاها، ثم قدح زناد وخرج نار أضرمها في ذلك الحطب، فتأججت وصار جمرا، فكشف الجمر عن الحصى، وأخذ الظبيين ورماهما في الحفرة وردم عليهما النار من فوقهما.

هذا والرعاة ينظرون إليه ويتعجبون من عمله، وهابوا حتى يتقدموا إليه وأمسكوا عن سؤاله، فلما فرغ الإمام مما أراد غسل يديه ولبس ثيابه، سقطد ينظر غروب الشمس، لأنه كان صائمًا، فنطق الرعاة: يا فتى نحن ضيوفك الليلة لتطعمنا مما اقتنصت من الظبا، فنطق الإمام: إنما يضاف منقد يكون قاطنا بالديار، فنطقوا له: سألناك بإلهك الذى تعبد ألا ما عهدنا باسمك الذى تعهد به لأننا رأينا منك ما لم نره من أحد من غيرك، فنطق لهم: اسمى زيد، وكانت أمه سمته زيدا، وسماه أبوه حيدر، وسماه النبى عليا لما أمره الله حتى يسميه بذلك الاسم الحسن (فى التوراة إله بنى إسرائيل هوالذى يسمى الأنبياء عند ولادتهم)، فنطقوا له: يا فتى لقد أعطاك الله من الشجاعة ما لم يعطه لأحد، وبقى القوم يتحدثون، فبينما هم كذلك، إذ سقطت صيحة من الوادى وتتابع الصياح، فجعلت الرعاة تمرد أغنامها يرومون (يطلبون) حتى يجمعوها، وأسرع بعضهم إلى بعض إلى أهل الحصن والإمام ينظر إليهم، وإذا بخيول مسرعة فظن الإمام حتى أهل الحصن فرحوا له، فلم يكن من أمره إلا أنه شد منطقه (حزامه) وقبض على جحفته (بقايا الماء) فأقبلت الخيل أفواجًا في الوادى، وكانت أربعة آلاف، حمية لأصحابهم حتى يطرقهم طارق، وفرت جميع الرعاة في جميع خبايا الوادى يبكون ويتصارخون، فنطق الإمام: تبكون ولا يناسبكم مال ولا نوال (نصيب)، إنما المال لغيركم وأنتم مستأجرون، فنطقوا له: يا فتى إنما نبكى على أنفسنا، لأن سيدنا الأعظم الهضام إذا أخذ له مال عاد بالقيمة علينا، يقول: أنتم فهمتم مالى لأعدائى، فلم يرض بالقتل بل يحرقنا بناره، وعمل ذلك بمن كان قبلنا من الرعاة، وقد رأيت ما دهمنا كثرة الخيل، فنطقوا: ولوكان مليكنا الهضام وإلهه المنيع لما وصلوا إليهم هؤلاء الأقوام، ولم يخلصوا الغنائم من أيديهم، لأنهم قد عهدوا بالبلية وصاحبهم قد يتم العرب، ولا تقتصر يده إلا عن بلدة واحدة، فنطق الإمام: ما هذا البلد التى لا يضرب إليها،يا ترى؟ فنطقوا له: مدينة يثرب مسكن عبد الله، بها فارس لا كالفرسان، وينطق عنه: إنه مفرق الكتائب وهازم الجيوش ومفرق المواكب، الحسام (السيف) الغاضب، والليث الغالب، والبحر الساكب، ليث بنى غالب أمير المؤمنين على بن أبى طالب.

تحذير الملك المغضب من محاربة على بن أبى طالب

إله الملك المغضب حذره من محاربة على بن أبى طالب ونطق له: إنه وحش الفلاة... فنطقت له وفود العرب إذا إلهك يذل ولا ينصر

فى وادى الظل التقى الإمام على بن أبى طالب، كما تجاوز ونشرنا في حلقة الأمس، مع بعض الرعاة ودار بينهم محادثة عن بلاده وهويته، حدثهم عن الإسلام والمسلمين وعن الله الواحد القهار، واستخفوا بكلامه واعتقدوا أنه مخبول، وبعد حتى اصطاد الظباء وأخذ يسلخه وينظفه ويشعل النار لتسويته، سمعوا أصوات خيول قادمة فدب الرعب في قلوب الرعاة وأسرعوا للهرب والاختباء، وأكدوا قبل هروبهم حتى الخيول عليها فرسان الملك، وخافوا من البطش بهم، اقترب الإمام على منهم واستفسر منهم عن الملك، وذكروا له حتى الإنسان الوحيد القادر على لقاءتهم وهزيمتهم رجل عربى من سكان بلدة تسمى يثرب،

اليوم نستكمل الحوار الذى دار بين على والرعاة في مخبأهم، حيث يقومون بوصف صفاته وملامحه وقدراته له، فيسمع ما يقولونه عنه ويبتسم دون حتى يكشف عن هويته، ويجب قبل حتى ندخل للحوار ألا ننسى حتى هذه السيرة وصلتنا من خلال أحمد بن عبد الله بن محمد أبوالحسن البكرى الذى عاش في القرن الثالث الهجرى، وأننا لا نمتلك ما يثبت أنه هوالذى قام بتأليف هذه السيرة أوأنه كان يرويها فقط، وعلينا حتى نتذكر كذلك حتى البكرى ليس من الثقات، وأن السيرة تروى على لسان الإمام على بن أبى طالب.

(نطق الراوى) فلما سمع الإمام هذا الكلام تبسم ضاحكا ونطق: أيها الراعى ما اسم هذا الرجل،يا ترى؟ وما الذى يعبد،يا ترى؟ وأين مسكنه،يا ترى؟ فقد حدثتنى بعجيب، فنطق: يعهد بالمغضب، وأما معبوده فإنه صنعه من الجزع اليمانى، وكانت العرب تأتى إليه وإلى صنمه ليخبرهم بجميع ما يسألونه عنه، فلما كان يوم من الأيام والناس محدقون به ويسألونه، وقد شكوا إلى ملكهم المغضب من على بن أبى طالب لما عمل بسادات العرب من القتل، فنطق لهم: يا قومى تأخروا عنى لأتقدم إلى إلهى العظيم، وأشاوره لكم في هذا الغلام وفى المسير إليه، فتأخروا عنه.

(نطق الراوى) فعند ذلك تقدم الملك المغضب إلى إلهه وهومعتمد فيه (متوكل عليه)، واستشاره في حرب على بن أبى طالب، ونطق: إلهى قد سمعت ما ذكرته العرب من خبر هذا الغلام وشجاعته وشكوا من فعاله، وقد شكوا إلى وإليك، فهل لك حتى تشير لنا حتى نسير إليه ونقاتله وأنت أبلغ منا بذلك،يا ترى؟ فمهما أمرتنا به امتثلناه، (نطق الراوى) فلما فرغ من كلامه ولج الشيطان في جوف الصنم، ونهى المغضب عن ذلك، وهويظن (الملك المغضب) حتى الكلام من الصنم، ثم تململ وارتجز وأنشد يقول:

دع ما قصدت من ارتكاب مهالك

ومكاره مقرونة ببلاء

لا تطلبن لقاء على إنه

وحش الفلاة كذا لسفك دماء

(نطق الراوى) فلما سمع المغضب والعرب كلام الصنم حزنوا من كلامه فخاف الملك، وخاف العرب ورجعوا عن عبادته ونطقوا: إلهك يذل ولا ينصر، فهو(الصنم) أولى بأن يدك ويحرق فتفرقوا عنه، فعند ذلك تسامعت العرب والقبائل بملكنا الهضام وصنمه «المنيع» الرفيع، وقيامه على طول الأيام معلقا في الهواء، فعطفت (مالت واتجهت) العرب جميعهم إليه، ورأوا منه معجزات وحدثهم بالدليل ووعدهم بهلاك على بن أبى طالب، وأن يكفيهم مؤنته (الجهد والبذل البدنى والعقلى).

فانصرفت (اتجهت) وجوههم إليه وأقبلوا بجمعهم عليه، فعظم ذلك على المغضب واستنجد بالعربان وبذل لهم الأموال، فجرت بينه وبين صاحبنا الهضام حربا شديدة ما شهدت العربان مثلها، وأقاموا مدة من الشهور يقتلون حتى فنى أكثر الجماعات، وافترقوا على ما هم عليه من العداوة والبغضاء، وبقى جميع واحد منهم يغير على صاحبه كما ترى، وكانت العربان سعت بينهم بالصلح على أنهم يجتمعون جميعا ويسيرون إلى على بن أبى طالب ولم يكن قد انفصل بينهم أمر،

فتبسم الإمام على ضاحكا من قوله، ثم أطرق برأسه إلى الأرض ساعة وهومتفكر في أمر الحصون التى بينه وبين عدوالله الهضام، فأجمع أمره على ملاقاة المغضب وقومه، وأقبل على الراعى المخاطب له ونطق: إلى أين هؤلاء القوم سائرون، فنطق له: يا فتى، أما هوفبيننا وبينه فرسخان في مضيق بين جبلين، يجمعون السابقة إلى المضيق ثم يقع البيع والشراء فيها ليأخذ جميع واحد ما يخصه وينصرف إلى محل سبيله، أويقصد جميع واحد منهم مكانه ومحل نومه، فنطق الإمام: يا ويلكم فما منع صاحب هذا الحصن عن لحاقهم، فنطقوا له: يا فتى تجلى إلهنا بالبركة حتى في جميع حصن ألف رجل، ولواجتمع جميع من في الحصون لكان هوكفئا للجميع.

فلما سمع الإمام ذلك الراعى المخاطب له أخذ سيفه ودرقته(ترسه)، وحزم وسطه بمنطقته (حزامه)، ثم أتى إلى جانب النهر، وثبت عزمه ووثب فارتفع في الهواء ارتفاعا عاليا، فعبر بتلك الوثبة إلى جانب النهر الآخر، وكان عرض ذلك النهر أكثر من عشرين ذراعا، ففزع الرعاة بما عاينوه وذهلت عقولهم خوفا من الإمام، فنطق لهم: مهلا يا قوم لن ينالكم منى إلا خيرا إذا شاء الله تعالى، فإن غبت عنكم حتى جن الليل فاخرجوا ما في الحفيرة وكلوه فأنتم أحق به من النار، فنطقوا: إلى أين تريد،يا ترى؟ فنطق لهم: أريد حتى ألحق القوم فعسى حتى أنال منهم خيرا، فظن الرعاة أنه يطلب منهم رفدا (إعانة) أومعاونة، فنطقوا له: يا فتى إذا سقطت عينهم عليك لم يسمعوا كلامك دون حتى يسفكوا دمك وهم أربعة آلاف فارس، وملكهم المغضب أعظم من الجميع وأكثرهم أذية، ومع ذلك حتى وهبوك شيئا أخذ منك فلا تعرض نفسك للهلاك، فنطق لهم الإمام: لا صبر لى عن القوم لا بد من اللحاق بهم، فلم يكن غير قليل حتى لحق بالقوم ونظر الخيل والأسنة تلمع، فقصر الإمام في مشيه حتى ولج القوم في المضيق والسابقة معهم، وليس لذلك المضيق منفذ غير هذا الذى دخلوا منه بأجمعهم، أتى الإمام إلى فم المضيق وجلس تحت درقته حائما من وراء صخرة، قابضا بيده على سيفه وهويسمع حديث القوم في بيعهم وشرائهم وقد غابت الشمس فصلى الإمام المغرب في مكانه، ونطق: اللهم ارزقنى من عندك فطرا حلالا طيبا.

ولم يزل القوم كذلك إلى حتى ولج الليل وطلع القمر وامتلأت الأرض بنوره، فبينما هوكذلك إذ سمع بعار غنم ورغاء (صوت) إبل، فإذا هوبشويهات (تصغير وجمع شاة: الضأن والماعز والظباء والبقر والنعام وحمر والحش)، وفرسين ومطيتين (ما يمتطى من الدواب، كالبعير والناقة، تجمع: مطايا ومطى)، سرج وفارس معتقل برمحه ولامته، فنطق الإمام: يوشك حتى هذا قسم هذا الفارس، فكن الإمام إلى حتى خرج الفارس وما معه من فم المضيق، فلما قرب الإمام لم يمهل عليه وضربه فسقط على الأرض بترتين، فأخذ الإمام جميع ما معه وهجره ورجع إلى مكانه، فلم يكن إلا هنيهات وقد أقبل آخر على مثل وهوينادى بصاحبه المعين: قف حتى أجمع سهمى بسهمك ونسير جميعا، فلم يرد عليه، فما استتم كلامه إلا وقد وافاه الإمام ولوى شماله إلى يمينه وقبض عليه ودق عنقه في الأرض، وضم الجواد إلى الجواد والماشية، وجر الرجل الأول من الطريق إلى خارج المضيق وجر صاحبه إليه، ورجع إلى مكانه فلم يستقر فإذا هوبصهيل خيل ورعاة إبل وبعار غنم وثلاثة فوارس من وراء تلك الأغنام والإبل والخيل، فتفكر الإمام فيما يحتال به عليهم ساعة حتى خرجوا من المضيق، فأسف الإمام من خروجهم وخاف حتى ينبههم قبل حتى يفرغ منهم، فتقدم الإمام إلى أحدهم وضربه بالسيف على مراق بطنه (المرق: ما رق من الشىء، تجمع مراق، ومراق البطن: ما رق منه ولان في أسفله) فسقط إلى الأرض نصفين، فالتفت إليه صاحباه، فوثب الإمام عند التفاتهما وضرب أحدهما فجندله(صرعه)، وأراد الثالث فسبقه إلى داخل المضيق وهوصارخ مستغيث بأصحابه ويقول: أدركونى فقد هلك أصحابكم وهلكتم جميعا فاطلبوا لأنفسكم الخلاص، فنطقوا بأجمعهم: يا ويلك ما الذى دهاك، فنطق يا قوم: إنه بباب المضيق موت نازل وهولكل من خرج منكم قاتل، فصاح به المغضب ونطق: يا ويلك، وسأله عن حاله، فأبلغه بما رأى وعاين من أمير المؤمنين، فنطق له (الفارس): أيها السيد (المغضب) رأيت من شجات مزعجات لا تكون لبشر قط، ولكنه سماوى الفعال، فصاح به اللعين ونطق: لعل حتىقد يكون معه جيش كثير، فنطق: يا مولاى ما معه غيره وهوأسعى على إقدامه، إذا وثب جاوز الفرس بالوثبة ويخلع الرأس من الرقبة، فصاح به المغضب، ونطق: لا أم لك، لعلهقد يكون من بعض عمار (الجن) هذا المكان، ثم التفت إلى رجلين من قومه عهدوا بالشدة والقوة والمراس، فنطق لهما المغضب: انظرا إلى ما يقول الجبان.

فنهضا على أقدامهما وركبا خيولهما وسلا سيوفهما إلى حتى قربا من باب المضيق فصرخا: من الطارق لنا في هذا الليل الغاسق،يا ترى؟ من المعترض لنا في سطوتنا،يا ترى؟ فإن كنت من الجن فنحن من مردة الجن، وإن كنت من الإنس فنحن من عتاة الإنس، فمن أنت،يا ترى؟ يا ويلك انطلق قبل حتى نرميك بالعطب ونحللك بالويل والغضب، هذا والإمام ساكت لم يرد عليهما جوابا وهما على وجل، والإمام قد لصق بالأرض إلى إذا وصلا إليه وحاذياه بفرسيهما، فوثب إليهما كالأسد وقبض بيده على جواد الأول وحمله من الأرض ثم حذف (رمى) به الجواد الثانى، فسقطت الصدمة على رجلين من الفرسين، فاندق الفرس الثانى واندق صاحبه، وسقط الأول على أم رأسه فأنشج شجة عظيمة من حيث خرج من المضيق صارخا مستغيثا بقومه، فبادروا إليه ونطقوا له: ما وراءك،يا ترى؟ نطق: ورائى البحر المغرق والموت المفرق، فنطقوا: صف لنا ما رأيت،يا ترى؟ نطق: فإنى رأيت ما لا يقدر القارئ على وصفه، فنطقوا: ما لا أم لك،يا ترى؟ فنطق: هل رأيتم رجلا يحمل فرسا براكبه،يا ترى؟ نطقوا: لا، نطق: هذا الرجل حمل فرسا براكبه ثم صدم به الآخر فدق الفرس وراكبه، فلما سمع القوم ذلك ذهلوا وحاروا، ونطقوا: كيف من الممكن أنقد يكون ذلك،يا ترى؟ وكيف يتفق حتى رجلا يعمل هذا العمل،يا ترى؟ فنطق: ها هوبباب المضيق، فمن أراد حتى يفهم الأمر بالتحقيق فهذا بباب المضيق فينظر إلى ما نظرته من التصديق، فلما فرغ من قوله حتى وثب المغضب بنفسه وصاح عليه وضربه بسيفه فقتله، ونطق له: قبحتك اللات والعزى، تبا لك ولمن ذكرت، أمن الرجال هذا من لا يخاف سطوتى،يا ترى؟ ثم نطق: احتفظوا على أنفسكم حتى أعود إليكم، فنطق له قومه: أيها الملك معك أربعة آلاف فارس من صناديد العرب والسادات، وتتقدم أنت بنفسك دونهم ونحن نفهم حتى فيك الكفاءة لأهل الأرض في الطول والعرض ولكن نخشى عليك حتىقد يكون هذا من عمار الجان أومن الجن الأشرار فنخاف عليك من طوارقهم، فنطق لهم: بحق اللات والعزى لا بد لى من الدنوإليه، فإن كان من الإنس قتلته، وإن كان من الجن أبدته، ثم إنه حزم وسطه وجرد سيفه، وكان عدوالله عظيم الخلقة كبير الجثة شديد الهمة، فتوجه إلى الإمام وهويبربر كالأسد وينشد ويقول:

أيها الطارق في ليل غسق

وفاتكا فينا بسر قد سبق

إنى أنا المغضب واسمى قد سبق

ابتر الهامات في يوم الفرق

(نطق الراوى) فلما سمع الإمام قول المغضب فهم أنه كبير القوم ورئيسهم فنطق: هذا والله بغيتى ومرادى، اللهم سهل ساعته، نطق: وأقبل عدوالله منفردا بنفسه حتى وصل إلى المضيق، فنظر إلى القتلى وهم مجندلون فتحقق الأمر وارتعدت أوصاله ونطق: وحق اللات والعزى لقد صدق صاحبنا فيما نطق، وإنما ظلمناه بقتلنا إياه، ثم إنه وقف بباب المضيق وهوذاهل العقل، وقد سمعه الإمام رضى الله عنه تعالى عنه وهويقول: وحق اللات والعزى ما عمل هذه الفعال أحد الأمم السابقة، ولا قوم عاد وثمود، ولا يقدر على ذلك إلا الغلام الذى ينطق له على بن أبى طالب، فلما سمع الإمام منطقته تقدم إليه وهوعلى مهل فلما دنا منه ووصل إليه، نظره عدوالله فتحير، فبينما هوكذلك إذ وثب إليه الإمام وهجم عليه ولوح بحسامه (سيفه) ونطق: ويل لك ولآبائك وأجدادك أبا المنعوت بهذه الفعال، أنا مبدى العجائب، أنا مظهر الغرائب، أنا البحر الساكب، أنا على بن أبى طالب.

بداية المعركة

حروب الهضام والمغضب

صاح الإمام على في الملك المغضب: أنا مبدى العجائب.. أنا مظهر الغرائب..أنا على بن أبى طالب

وصول الإمام لوادي الظل حاملاتً رأس الملك المغضب

الإمام يصل وادى الظل وهويحمل رأس الملك المغضب في يد وفى الأخرى يجر الماشية المسروقة:


إلى وادى الظل عاد الإمام على بعد حتى اغتال الملك المغضب وبعض فرسانه الذين قاوموه والذين رفضوا الدخول في الإسلام، وقد كان الإمام مضى للمغضب ومعه أربعة آلاف فارس إلى واد يبعد فرسخين عن وادى الظل، وهناك قابلهم بمفرده وقتل من قتل، ثم عرض عليهم الدخول في الإسلام، وخيّرهم بين حتى يعلنوا الشهادة أويقتلهم، واستجاب ألف فارس وأعربوا إسلامهم ورفض سبعمئة فارس فقتلهم من أسلموا، بعد ذلك طلب ممن أسلموا خمسة رجال يساعدونه في حمل الغنائم، وكانت ما سرقه المغضب وفرسانه من الرعاة، فتقدم له خمسة من الفوارس الشجعان وحملوا معه الغنائم ونزلوا على وادى الظل، وقابل هناك الرعاة الذين تجاوز وهجرهم لقتل المغضب، وعندما شاهدوه ومعه بعض فرسان الملك المغضب اصفرت وجوههم وخافوا من على بن أبى طالب حتى يقتلهم، فطمأنهم وحكى الفرسان الذين اصطحبهم ما جرى من بطولات الإمام، وكيف اغتال الملك المغضب، وتحولت وجوههم من الاصفرار والغم إلى الاحمرار والفرح، خصوصا بعد حتى شاهدوا معه ومع الفرسان ما سرق منهم من ماشية، وأقبلوا على الإمام ودار بينهم هذا الحوار:

«نطق الراوى» فتبسم الإمام رضى الله عنه ضاحكا من قولهم ونطق: إنى لا أستعين إلا بالله وبالمؤمنين، نطقوا له: يا مولانا نفديك بالآباء والأمهات أبلغنا عما هى حدثة الإيمان،يا ترى؟ نطق: هى حدثة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان وهى حتى تقولوا معى بأجمعكم: لا الله إلا الله محمد رسول الله، نطق جنبل بن ركيع: أما أنا فأقولها غير متأخر عنها، لما قد ظهر لى من الآيات والبراهين، لولا حتى لك إلها واحدا عظيما وهوعلى جميع شىء قدير، ما وصلت إلى ما وصلت، وأنا يا مولانا أشهد حتى لا الله إلا الله، وأن ابن عمك محمدا رسول الله، فلما نظر أصحابه إلى إسلامه وأسلموا جميعا وحسن إسلامهم، كانوا واحدا وأربعين رجلا رعاة، ففرح الإمام بهم وبإسلامهم ونطق لهم: يا قوم لا يصح إسلامكم إلا بكف قناع الحق وبذل السيف في أصحابكم فنطقوا: والله يا سيدنا لوأمرتنا حتى نقتل آباءنا وأولادنا في رضاء الله ورسوله ورضاك لعملنا ذلك، فشكرهم الإمام ونادى لهم ونطق: يا قوم هل عند أهل الحصن فهم بأخذ سائقتكم «ما يساق وهى الأغنام والماشية»،يا ترى؟ نطقوا: نعم وقد تجاوز الخبر من حصن إلى حصن حتى انتهى إلى الملك الهضام فأوفد لنا هجانين «مفردها هجان، وهوراكب الجمل» وواعدنا بالعذاب وبعده القتال، وقد اغتاظ غيظا ومع ذلك فهومن بقية التبابعة، وأن الملك المنتقم من جماعته وأن له جثة لم يحمله إلا الخيل العتاق، وقد جعله في أول حصن من الحصون، لأن الملك الهضام يخاف من مكره، فلذلك أبعده وجعله في أول حصونه، فلما سمع الإمام منهم ذلك الكلام تبسم ضاحكا، ونطق لهم: إذا أرجعتم سائقتكم هذه إلى حصنكم ووصلتم إلى صاحبكم، فلا تكشفوا له عن خبرى ولا عن اسمى، فعسى حتى يخرج إلىّ وأن يقضى الله ما قاض، فنطق جنبل: يا سيدى إذا خرج معه قومه وأصحابه وجميع عشائرهم وهم فرسان في القتال ونخاف حتى يحول بينك وبينه حائل فتلومنا على ذلك، فنطق لهم الإمام: إذا الله فعال لما يريد، فإذا أراد شيئا حتى يقول له كن فيكون، ثم أقام القوم بقية يومهم إلى حتى ولج المساء فرجعوا بالسائقة «الماشية» إلى حصنهم، وكان أهلهم قد بتروا الراتى من مواشيهم، فلما رأوا الرعاة قد أتوا بالسائقة إلى حصنهم تباشروا وسقط الصياح في جميع جهات الحصن بأن: السائقة رجعت، فاتى القوم ولم يفهموا ما كان السبب في ذلك، فلما سمع القوم المنتقم بذكر الخبر، وكان المنتقم في هذا الوقت متكئا فاستوى جالسا، ونطق: يا ويلكم ما هذا الأمر العجيب،يا ترى؟ فنطقوا: إنه بلغنا عن الرعاة: إنه لما غار عليهم المغضب وأخذ المال وساقه ومضى به، كان عندهم رجل غريب عابر سبيل، فما زال في أثر القوم حتى دخلوا المضيق، فسد عليهم باب المضيق وما زال يقتل منهم واحدا بعد واحد، حتى خرج إليه المغضب بنفسه فقتله وحز رأسه واتى بها معه، وأتى بالمال العظيم معه وقتل منهم خلقا كثيرا، وأتى بسائقتنا سالمة ودفعها إلى الرعاة بأجمعها.

فلما سمع المنتقم هذا الكلام قهقه بالضحك الشديد حتى كاد يقع على قفاه، ونطق: كذبوا وحق اللات والعزى وحق الإله المنيع، ولا أظن إلا أنهم هموا بأخذ السائقة فسد عليهم الطريق الإله المنيع، فلم يجدوا لهم منفذا ينفذون منه فرجعوا إلينا بهذه الحيلة، ثم أمر بإحضار الرعاة فأحضروهم بين يديه، ونطق لهم: بأى حيلة أردتم أخذ السائقة لأنفسكم وضربتم عنا الحيلة، وحق المنيع إذا لم تخبرونى وتصدقونى إلا قتلتكم جميعا. «نطق الراوى» فعند ذلك نظر بعضهم إلى بعض وتطاولوا «مدوا عنقهم ونظروا» إلى جنبل بن ركيع لأنه كان سريع الجواب، فنطق: افهم أيها السيد العظيم حتى من بترت أنامله سرى الألم في جسده جميعه، ومن حاد عن طريق الحق سقط في المضيق، وما كنا نخرج من بلادنا ونهجر أولادنا وإلهنا المنيع الذى يحفظنا وإذا سألناه أعطانا، ونهجر ما صفاه من العيش ونتعرض للمنيع فيرمينا في المهالك والدواهى «النوائب والكوارث مفردها: داهية» ويحرقنا بناره وليفهم إلهنا المنيع حقيقة أمرنا والخافى في سرنا فلا تكذبنا أيها السيد في قولنا، فإن الذى طرقنا هومن عطفات المغضب الذى كان يطرقكم جميع عام فلا بقيتم ترون له غرة أبدا ما دام الجديدان وبقى الزمان فقد قتله وقتل معه خلقا كثيرا من قومه، فنطق: يا ويلكم ومن عمل بهم هذا الفعال،يا ترى؟ ومن ذا الذى قدر عليهم،يا ترى؟ نطق: عمل بهم رجل غريب من العرب وأنا أصفه لك كأنك تراه: هوغلام بطين تجلس الوحوش حواليه للمباشرة «الملامسة» وحسن منظره ومنطقه بالصواب، ويقلع الشجرة الراسخة الأزلية.

«نطق الراوى» فلما سمع المنتقم وصف جنبل بن ركيع، عظُم ذلك عليه لما وصفه من شجاعة الإمام رضى الله عنه، ثم نطق المنتقم: ويحك يا جنبل وأينقد يكون هذا الغلام،يا ترى؟ نطق قريب من بلادنا، فلما سمع ذلك المنتقم صرخ في قومه وعشيرته، فاجتمع إليه القوم وحضروا بين يديه، فنطق: يا قوم إذا هذا الرجل الذى رد سائقتكم وقتل عدوكم قد انتهى، فنطقوا: السمع والطاعة يا أيها السيد نحن لكلامك مطيعون، ثم توعدوا بالخروج إليه في الغد، وكانت تلك الليلة التى قدم فيها الرجال من عند أمير المؤمنين، فلما برق ضياء الفجر وفتح باب الحصن خرجت الرجال، فلما تكامل القوم خرج خلفهم المنتقم، وهومشتهر بلبس الأحمر والأصفر فركب جوادا من عناق الخيل، وقد لبس أفخر ما عنده من لامة حربه وخرج من حصنه بجميع قومه، وسار المنتقم أمام قومه وهويرتجز وينشد:

ليس الهجوم على الرجال بعزة

يدعى شجاعا مهلكا بمناجل

بطل شجاع نازل بفنائنا

أوفى العدة نائل أونازل

سيروا بنا نلق الغلام بجمعنا

لنراه حقا مثل قول القائل

«نطق الراوى» فعندما نظر جنبل إلى ما عزم القوم نطق: يا قوم إنى أريد حتى أسبق قبل القوم إلى الإمام رضى الله تعالى عنه فأبلغه بذلك، ثم سار جنبل وقد حاد عن الطريق وسار في بعض الشعاب إلى حتى وصل إلى الإمام فسلم عليه فرد عليه السلام ونطق له الإمام: ما وراؤك يا جنبل،يا ترى؟ فنطق سيدى حفظك الله وأنعم عليك انظر إلى أمامك وقد أتاك المنتقم بجميع قومه، فنطق الإمام: إنه غنيمتى ورب الكعبة، ولكنه قد عظم عليك ما رأيت من الجيوش يا جنبل، والذى بعث ابن عمى رسولا وبالحق بشيرا ونذيرا، لوخرج إلىّ ملككم بجميع جيوشه لكنت ألقاه بمفردى، فنطق جنبل: يا سيدى إذا الهضام إذا ركب يركب معه خمسمئة ألف عنان سوابك في النزال من قومه خاصة، غير ما يتبعهم من الرقيق والغلمان والعبيد فكيف تلقاه ومعه هذا الجميع كله،يا ترى؟ فنطق له الإمام: والذى بعث ابن عمى بالحق بشيرا ونذيرا، إنه إذا برز إلى الهضام أتلقاه وحدى ولويكن معه جميع من في الأرض من الطول والعرض، فإن ثقتى بربى جل وعز فقل وأوجز، فنطق: سيدى المنتقم لم يهجر في الحصن رجل يرجى، بل خرج بهم إليك والمنتقم بعد يمثلهم، فانظر ماذا ترى وما تأمرنى به أنا وأصحابى فإنا لكلامك سامعون، فلما سمع الإمام ذلك جازاه خيرا، ثم نطق له: بل الذى أمركم به أيسر مما ذكرت وأقرب مما إليه أشرت، فنطق جنبل: ما الذى تأمرنى به،يا ترى؟ نطق الإمام رضى الله عنه: يا جنبل خذ أصحابك الذين أسلموا معك «ألف فارس من فرسان الملك المغضب، وقد أشهروا إسلامهم في مسقطة بين الجبلين» وادخلوا الحصن وأغلقوا الأبواب وأوثقوها من داخل، ولا تدعوا أحدا يدخل عليكم وأنكروا أمركم واهجرونى أنا وهذا الجيش، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، ينصر الله من يشاء وهوعلى جميع شىء قدير، فلما سمع جنبل ذلك من الإمام التجم عن الخطاب، فنطق: يا سيدى نخاف حتى يسمع بذلك الملك الهضام فيأتينا بجيوشه، فنطق له الإمام: يا جنبل إذا لك نفسا وأجلا مقسوما، فإذا اتى أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.

«نطق الراوى» فلما سمع جنبل من قول الإمام رضى الله تعالى عنه نطق: إذا كان الأمر كما ذكر فوالله لأمتثلن لما أمرتنى به، ثم نطق جنبل لأتباعه: إذا كنتم آمنتم بالله ورسوله واتبعتم وليه فأطيعوه واسمعوا قوله ولا تبالوا من الموت إذا نزل، فلما سمعوا ذلك تباشروا بما بشرهم به جنبل من قول الإمام من الخلود في جنات النعيم، وهانت عليهم أرواحهم في سقمات ربهم، ونطقوا: يا جنبل ما الذى ترغب حتى تصنع،يا ترى؟ فنطق جنبل ادخلوا الحصن على بركة الله ورسوله وأغلقوا بابه وأوثقوه وتحصنوا فيه، ولودهمكم الملك الهضام بجيوشه وعساكره ما وصل إليكم لأنه حصن منيع كثير الطعام والماء، فإن طال بكم الحصار لم تنالوا منه، وإن وقع في هذا الغلام حادث فإن ابن عمه محمد صلى الله عليه وسلم.

«نطق الراوى» فلما سمعوا منطقة جنبل وثبوا إليه، ونطقوا له: أنت علينا مشير فسر بنا على ما تحب وتختار، ثم إذا جنبلا أخذهم وتقدم بهم إلى الحصن، فلما وصلوا إلى باب الحصن وجدوا عليه جمعا كثيرا من النساء ينظرون أزقابلن وأولادهن وملكهم المنتقم، فلما وصل جنبل وأصحابه إليهن جعلوا يفسحوهن عن الباب لداخل الحصن، فاستحيت النساء من ذلك ونطقت: يا ويلكم من عبيد ما أقل أدبكم، وما الذى هبط بكم حتى تعملوا ذلك،يا ترى؟ فنطقوا: يا ويلكن ألم تفهمن حتى هذا الغلام الذى هبط بكن ودهمكن في أزواجكن وأولادكن هوالعذاب الواقع والسم الناقع «القاتل» ابن عم الرسول أمير المؤمنين على بن أبى طالب، قد أتى إليكم بجيش وقد كمنوا في الشعاب، وقد هبط إلى سيدكم المنتقم بجيشه، وقد أمرنا بحفظ الحصن وما فيه والحماية عنه، فمن كان عندها سلاح فلتأتنا به، واجمعوا الجنادل «الصخر» والأحجار «نطق الراوى» فلما سمع النساء ذلك بادرن إلى أماكنهن وأتين بجميع الأسلحة، ثم أقبل جنبل على أصحابه ونطق: يا قوم إنى أخاف حتى يضرب الشيوخ علينا الحيلة ويمكروا بنا، فنطق أصحابه: وما الذى ترى،يا ترى؟ نطق: الرأى عندى حتى تمضوا إليهم وتقتلوهم فلا حاجة لنا بهم.

«نطق الراوى» فمضى العبيد وقتلوا الشيوخ عن آخرهم، نطق: فلما رأت النساء ذلك تصارخن، فنطق جنبل لأصحابه: أوثقوهن كتافا واطرحوهن في بعض زوايا الحصن، فعملوا وطابت خواطرهم ووقفوا على أعلى السور وأشهروا سيوفهم ونصبوا الأعلام وفرقهم جنبل في جوانب الحصن، فهذا ما كان من أمر جنبل وقومه، وأما ما كان من خبر عدوالله المنتقم فإنه قد سار بقومه حتى أشرف على أمير المؤمنين، الذى لم يكبر عليه عظم كثرتهم، بل إنه أظهر ميله إلى الحرب، وكان على شاطئ النهر مما يلى حصنهم وديارهم، فوثب قبل وصولهم إليه وثبة عبر بها إلى الجانب الآخر، وأقبل إلى الجسر وتأمله فإذا هومن الخشب مركب على أعمدة، فضرب بيده على ما يليه من الأخشاب فقلعها من موضعها وأزالها من مكانها، وكان عليه كثير من التراب فانهال جميع ذلك في النهر ومضى به الماء، وانبتر الجسر وعاد الإمام مكانه وصار متكئا على جحفته غير مكترث، ولم يزل الإمام جالسا مكانه إذ أشرف عليه القوم وما زالوا سائرين إلى حتى وصلوا إليه فنظروا إلى النهر فرأوه وقد بتره الإمام وحده فعظم عليهم ذلك وتعجبوا منه، ونطقوا: وحق زجرات المنيع ما يعمل هذا رجل واحد، ثم أنشد يقول:

يا أيها الرجل الجميل فعاله

نعم المعارك قد عملت صنيعا

لك عندنا مال وأحمال جزا

أنى لأمرك في الأمور مطيعا

«نطق الراوى» فمضى العبيد وقتلوا الشيوخ عن آخرهم

قد أتاك المنتقم

الملك المنتقم

قتل الشيوخ وربط النساء


الملك المنتقم

ارتعدت فرائص «المنتقم» ونطق لقومه: يا ويلكم أدركونى من قبل حتى تفقدونى من بينكم.. فهذا الغلام الذى خرجت بكم إليه هوعلى بن أبى طالب

الملك المنتقم عندما حكى له عبيده عن مقتل الملك المغضب و4 آلاف فارس من أحد الرجال العرب، ثارت ثائرته وجمع فرسانه وقرر الذهاب إلى البحث عن هذا الرجل وقتله والتمثيل بجثته، وبالعمل جمع فرسانه في الحلقة الماضية وهجر الحصن ذاهبا لملاقاة الرجل العربى قاتل الملك المغضب وفرسانه.

جندل بن ركيع أحد عبيده الذين التقوا الإمام على بن أبى طالب في وادى الظل بعد عودته من اغتال المغضب، قرر حتى ينزل من الحصن ويمضى إلى الإمام على يحذره من الملك المنتقم وجيشه الجرار، وقبل حتى يصل الملك المنتقم قابل جندل بن ركيع الإمام على وحذره من الملك وجيشه، وأمره الإمام حتى يقدموا له خدمة بسيطة وهى حتى يغلقوا أبواب الحصن لكى يمنعوا الملك المنتقم وجيشه من العودة والاختباء في الحصن، وبالعمل عاد جندل وقام هووزملاؤه الذين أشهروا إسلامهم على يد الإمام بالاحتيال على نساء الفرسان وأخذ الأسلحة من دورهم تحت دعوة الدفاع عنهم في حالة وصول جنود الفارس العربى إلى الحصن، وقاموا بقتل جميع الشيوخ في الحصن خوفا من مكرهم، ثم قاموا بتقييد النساء وأغلقوا أبواب الحصن جيدا ووقفوا على أسوار الحصن وهم يشهرون سيوفهم في انتظار المرتد من جيش الملك المنتقم لكى يقتلوه، أما الملك المنتقم فقد وصل في الحلقة الماضية إلى النهر، وقبل حتى يمر على الجسر إلى الضفة الأخرى كان الإمام على بن أبى طالب قد قام بهدم الجسر، ثم قفز وطار وعبر النهر إلى الضفة التى يقف فيها الملك المنتقم ثم:

«نطق الراوى» فلما سمعه الإمام بادر بالغضب ووثب وثبة الأسد وتجرد من أطماره «ملابسه البالية» ثم جرد سيفه وأخذ جحفته «القربة: ما يجتحف به الماء» وعدوالله باهت لا يدرى ما عازم عليه، ثم تقدم الإمام إلى شاطئ النهر بوثبة واحدة واجتمع وانفرد من الأرض فعدا النهر بوثبة وهجم على عدوالله ونطق له: أنت عدوى وأنا عدوك، وأنت طلبى وأنا طلبتك يا ويلك أفق من رقدتك، أنا العذاب الواقع أنا الأسد الزؤور والوحش الجسور وزوج البتول وابن عم الرسول، ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بنى غالب على ابن أبى طالب.

«نطق الراوى» فمال إليه الفرسان من جميع جانب ومكان، ولما سمع المنتقم منطقته وفهم أنه على بن أبى طالب ارتعدت فرائصه وصرخ بصوت قوى ونطق لقومه: يا ويلكم أدركونى من قبل حتى تفقدونى من بينكم، فهذا الغلام الذى خرجت بكم إليه وقدمت بكم عليه هوعلى بن أبى طالب، فمالت الفرسان ووثب إليه الإمام وضربة ضربة بسيفه عرضا فرمى عدوالله بنفسه إلى الأرض ونادى: يا ابن أبى طالب ليس العجلة من شأنك، فرمى الإمام السيف عنه ونطق: يا عدوالله وعدونفسك قل ما أنت قائله، فعند ذلك حمل عليه القوم حملة واحدة قوية وهجموا بكثرتهم ودهموا بجمعهم، ثم قام عدوالله وحمل على الإمام وقد قوى عليه قلبه وشد عزمه بإنجاد قومه له ونطق: يا ابن أبى طالب هذا ما جنيته لنفسك وإن لم ترد سائقتنا «الماشية» إكراما منك إلينا بل أردت الخديعة والدخول حصننا والذى أملته بعيد يا ابن أبى طالب يا عدوالمنيع وعدوالآلهة العظام، فما بقى محمد ابن عمك ينظر إلى طلعتك، فإن الحياة عادت حراما عليك بعد هذا اليوم، فنطق الإمام: كذبت يا ملعون ولا أزول عنكم حتى أذيقكم كأس الموت والحمام «قضاء الموت وقدره» وأنا الأسد الضرغام والبطل المقدام ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بنى غالب على بن أبى طالب، فلما سمع المنتقم ذلك ثار من الغيظ ونطق لقومه: احملوا عليه بكثرتكم وميلوا عليه بكليتكم، ثم صرخ جديعة بن كثير «شخصية وهمية» وكان غلاما كثير الجسارة وفارسا مشهورا، فحمل عليه الإمام ولم يمهله حتى ضربه عرضا فرمى رأسه مع رقبته، فلما نظر القوم ذلك حاروا ودهشوا من فعاله وهابوا حتى يتقدموا إلى ورائهم وهم ينادون إلى أين يا ابن أبى طالب لنذيقك اليوم المعاطب،يا ترى؟ وظنوا أنهم قادرون على الإمام. «نطق الراوى» فصرخ فيهم الإمام صرخة الغيظ المشهورة في القتال، ثم حمل فيهم وصاح: إلىّ يا أولاد اللئام وحق رب الكعبة لا أزول عنكم حتى أبدد «أفرق» ضمكم، ثم حمل عليهم الإمام ووضع درقته «ترسه» في صدر القوم، وأنشد يقول:

أنا الخطاب والجزار ادعى

أمير المؤمنين فهل معانى

أنا قرم «سيد أوفحل» الهياج الهاشمى

هدمت لخيبر بدء الزمان

أفيض على الأرامل بالعطايا

وأكرم جيرتى في جميع آن

وهل نار الحروب سوى على

فدونكم ترونى بالعيان

«نطق الراوى» فلما سمعوا ذلك نظر بعضهم إلى بعض والمنتقم مطرق لكلام الإمام كإطراق الحصان لصلصلة «صوت» اللجام، فعند ذلك أقبل عليه قومه ونطقوا له: أيها السيد ما الذى تأمرنا به،يا ترى؟ نطق لهم: هل تتبعونى،يا ترى؟ قلوبكم مملوءة من الحزن والوجل شقيتم من قوم تتبعون الشعار وقد جللكم، فما تم كلامه حتى برز إلى الإمام من القوم غلام رشيق وبيده عتيق وهوعلى مضمر من الخيل العتاق «الأصيل»، فتقدم إلى المنتقم ونطق: أيها السيد وحق المنيع لآتيك برأسه سريع، فنطق المنتقم: ابرز إليه فلك جميع المكارم، فلما خرج الغلام من بين القوم، نطق الإمام: ظهر لى شجاعته فأحببت حتىقد يكون مثله لله ورسوله، فناديته: يا غلام أرى سيدك قدمك للمهالك فارجع فإنى لك ناصح، فلما سمع الغلام كلام الإمام تبسم ضاحكا ونطق: أنا ما انزعج إلا من نار المنيع، فنطق: فعطف عليه الإمام وضربه عرضا على صدره فخرج السيف من ظهره فسقط أبوالهراش.

المنتقم يقابل الإمام

«نطق الراوى» فلما نظر المنتقم ذلك سار إلى الإمام وله جسم كالبعير ونادى برفيع صوته: يا ابن أبى طالب إذا البغى مسرعة الرجال وسهام الأبطال، ومن زها بنفسه وعجب بشجاعته أورده ذلك موارد العطب، ومن سل سيفه ظلما اغتال به رغما، «نطق الراوى» ثم إذا الإمام حمل على عدوالله وحمل الآخر كذلك وتقارنا وتحاربا، وشهد القوم منهم مشهدا عظيما ما روى الرواة مثله، نطق الإمام: فوجدت عدوالله صبورا على الضرب جسورا على الطلب، ثم إذا الإمام جمع نفسه وقد كثر بينهم العراك والقلق، وقد احمرت الحق، عملم الإمام من عدوالله التقصير وقد أشرف على الهلاك فنادى ابن أبى طالب ونطق للمنتقم: أرفق قليلا أرفق قليلا حتى أخاطبك بكلام لك فيه المصلحة، فتأخر عنه الإمام وقد طمع في إسلامه، ونطق في نفسه: والله اشتهيت حتىقد يكون مثل هذا الأسد الأروع في الإسلام ثم تأخر عنه ونطق له: قل ما تشاء، فنطق: يا ابن أبى طالب، أنا قد أرحمك لحسن فعالك، ورأيت حتى أعفوعنك وأطلق لك السبيل لأنى فهمت أنك قد أشرفت على الهلاك، فأنا أبعث إليك بفرس ومطية وأزودك الماء والزاد، وأهب لك من الأموال ما يكفيك وترجع إلى ابن عمك سالما غانما، وأنا أشهد لك بين القبائل والعربان بالشجاعة والبراعة، ثم حمل الإمام مع كلامه ونطق: يا ويلك اشر لنفسك وأهلك وأولادك وجميع قومك حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم حمل الإمام وطلب إنجاز الوعد، فنظر عدوالله إلى الإمام، وقد عزم على قتله وصمم بعد حتى ارتعدت فرائصه وصار يرتعد كالسعفة في الريح البارد فنادى ونطق: يا ابن أبى طالب الصدق أوفى سبيل، فبالله أبقنى فإن لى في القوم مالا وأهلا وأولادا، فإن ملت إليك يبتروا بينى وبين أهلى وأولادى وجميع مالى، فخلِّ سبيلى حتى أخاطب قومى فإن أجابوا إلى ما أريد كان الرأى الحسن، وإن خالفونى دبرت أمرى وخالفتهم وفارقتهم، فنطق له الإمام: اعمل ما بدا لك وأنت بين الجنة والنار فامض إلى أيهما شئت، وطمع الإمام في إسلامه فخلى سبيله، فرجع المنتقم إلى قومه وقد تضعضعت «تهدمت» أركانه وخمدت نيرانه، فنطقوا له: أيها السيد الكريم ما عملت بهذا الغلام،يا ترى؟ فنطق المنتقم: وسطوة المنيع لقد نازلت الأبطال فما رأيت غلاما أصبر من هذا على القتال، فما الرأى في أمره وما تعملون،يا ترى؟ فنطقوا: نحن معك فالذى ترضاه لنفسك رضيناه لنا والذى تأمرنا به عملناه، فنطق يا قوم: إذا هذا الغلام يريد منا حتى نرفض عبادة المنيع الإله الرفيع ونعبد إلهه، ونشهد لابن عمه بالنبوة ونكون معيرة العرب في المحافل، نطقوا: وما نرى جوابنا إلا أننا نمهله بقية يومنا هذا إلى حتى ينسبل الظلام فنسير إلى حصننا ونتحصن فيه من داخله، ونوفق أقفاله فلا يستطيع الوصول إلينا، ونرسل رسولا إلى الملك الهضام فيأتينا بجنوده وعساكره، وأهل جميع حصن يمدوننا بالنصر على عدونا فنطقوا جميعا: أفلح الله رايتك أيها السيد، هذا هوالرأى السديد فاتفق رأيهم على ذلك ثم نطقوا: دبر هذا الأمر بعقلك إنه لا يصلح إلا لمبارزة كسرى وقيصر.

الهروب إلى الحصن

«نطق الراوى» فلما اختلط الظلام نظر الإمام إلى جهة القوم، وإذا هوبرجل خارج من جيش المنتقم مسرعا إلى جهة الحصن فظن أنه رسول فلصق بطنه وتأمل، فإذا هوبآخر قد خرج من ورائه وآخر في أثره، وهم ينسلون واحدا بعد واحد هربا إلى الحصن، فلما رأى ذلك الإمام فهم أنهم عزموا على الهروب إلى الحصن، فأخذ سيفه وجحفته وجعل يزحف على بطنه كالحية على وجه الأرض إلى حتى وصل إلى جانب النهر، وجمع نفسه ووثب فعدى النهر، ولم يعدل عليهم بل عدل عنهم، وأسرع إلى جهة الحصن يريد الوصول إليه قبل حتى يصل إليه أحد منهم، فما زال الإمام يسرع في سيره فلم يكن إلا أقل من ساعة حتى وصل إلى الحصن ولم يصل إليه أحد قبله، فنظر إلى أعلاه فرأى العبيد على أعلى السور، وقد رفضوا الرقاد «النوم» وأداموا على السهر بكليتهم، وقد خلعوا العذار «جانب من اللحية» في سقماة الملك الجبار، فلما نظر أسرع جماعة منهم وهموا حتى يرموه بالأحجار، فنادى الإمام: لا ترموا بأحجار وافتحوا إلى الباب شكر الله سعيكم وأمنكم من عدوكم، فعهد القوم صوته ففتحوا له الباب وفرحوا به فرحا شديدا، وكانوا قد آيسوا «يئسوا» منه، ونطقوا: يا سيدنا أقلقتنا بإبطائك وكثر خوفنا عليك، ونوينا على القتال إلى حتى نقتل عن آخرنا في سقماة ربنا، فجزاهم الإمام خيرا، ثم نطقوا: فما كان خبرك حتى أبطأت علينا،يا ترى؟ فنطق: ماقد يكون إلا الخير والسلامة وفى هذه الليلة يظهر لكم إذا شاء الله تعالى تمام الكرامة، ثم نطق لهم الإمام: اخرجوا بأجمعكم خارج الباب، ولا تمنعوا أحدا من الدخول، وأنا أبلغكم منهم المأمول، فنطق جنبل بن ركيع: يا سيدى وما الذى عزمت عليه،يا ترى؟ نطق: حتى أضرب رقابهم، فذهل القوم من كلام الإمام وخرجوا بأجمعهم إلى خارج الحصن، فلم تكن إلا ساعة وإذا بالقوم مقبلين وفى أوائلهم ذؤيب بن ياسر الباهلى «شخصية وهمية»، فنطق له جنبل ما وراءك يا ذؤيب،يا ترى؟ فنطق: لا تسألنى عن الموت الفاصل، ثم هم ودخل في الحصن والإمام يسمع كلامه ثم ضربه ضربة قسمه نصفين ثم سكت وأخفى حسه، فبينما هوكذلك إذ ولج آخر فقاربه الإمام وضربه ففلق رأسه عن جسمه.

الموت الفاصل

«نطق الراوى» فبينما هوكذلك إذ ولج آخر فقاربه الإمام وضربه فأزال رأسه عن جثته، وإذا بضجة عظيمة فتأملهم، وإذا هوبعدوالله المنتقم راكبا على بعيره وحوله غلمانه وشجعانه، وقد أحاطوا به من جميع جانب، فلما وصلوا إلى باب الحصن أناخوا البعير «ينطق للجمل والناقة بعير، ج: أباعر وأباعير وبعران» ثم حملوا عدوالله وأنزلوه، فتقدم إلى باب الحصن يريد الدخول فوقف والتفت إلى أصحابه، ونطق لهم: يا ويلكم الزموا باب حصنكم إلى حتى تتكامل أصحابكم وادخلوا الحصن وأغلقوا بابه وتحصنوا، ثم إذا عدوالله هجرهم على الباب ودخل الحصن ومعه رجل من جماهير قومه، فحمل جنبل صوته يسمع الإمام ونطق: يا مولاى يبلغك الإله مأمول وأعطاك سؤالك، لقد أبردت بعقلك قلبى وسررت خاطرى، فعند ذلك فهم الإمام إشارة جنبل، وكان للحصن بابان من داخل بعضهما، فوقف الإمام رضى الله عنه عند الباب الثانى، وأخذ سيفه وجحفته ثم أقبل على عدوالله المنتقم وحواليه السيوف مسلولة، وهوفي وسط القوم كعلوالفارس على الراجل، فلما وصل إلى الإمام وثب عليهم وصاح صيحته المعروفة الهاشمية، ونطق: إلى أين يا لئام،يا ترى؟ إلى أين المفر من ابن عم خير البشر،يا ترى؟ فلما سمع القوم ذلك ولوا هاربين يمينا وشمالا، وصار عدوالله وحده واقفا باهتا لا يدرى ما يصنع فنادى: يا ابن أبى طالب أحسن إلىّ وأبق بكرمك علىّ، فنطق الإمام: أتخدعنى يا عدوالله، والله إذا لم تقر لله بالوحدانية ولمحمد ابن عمى بالرسالة لأقتلنك أشر قتلة، فنطق له: يا ابن أبى طالب بحق ابن عمك محمد إلا أبقيت علىّ، فعند ذلك أخذ الإمام عمامته بعد حتى ألقاه على الأرض وكبه على وجهه وأوثق كتافه وجمع يديه إلى رجليه وهجره لا يستطيع حتى يتحرك وعمد إلى القوم، فنطق لهم: قولوا نشهد حتى لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فنطقوا بأجمعهم: نشهد حتى لا إله إلا الله، وأن ابن عمك محمدا رسول الله، فنطق لهم الإمام رضى الله عنه: ما يتحقق عندى إسلامكم فنطقوا له: يا ابن عم رسول الله هذا حقيقة إسلامنا، نطق: نعم. «نطق الراوى» فعند ذلك جردوا سيوفهم وعمدوا مع الإمام إلى الباب الذين هم داخله، ففتحوه فوجدوا القوم قد دخلوا كلهم من الباب الأول، واجتمعوا عند ذلك الباب الذى من داخله أمير المؤمنين فخرجوا لهم وحطوا السيف فيهم.

عبيد الملك المنتقم خيَّروا جنوده بين الإسلام أوالموت على باب الحصن

بدأت السيرة باستغاثة الجنى المسلم عهدطة بن شماخ بالنبى محمد عليه الصلاة والسلام، من جبروت ملك الجن الكافر الهضام بن الحجاف الذى خلق من الحجر إلها سماه المنيع، وجعل له نارا وجنة لهما زبانية وحور عين، يدخل النار الذى يعصاه والجنة من يرضى عنه، وطلب من الرسول حتى يرسل له الإمام على بن أبى طالب، لأنه -على حد قوله- هوالوحيد القادر على محاربة الجن والعفاريت والفوز عليهم، ويستشير الرسول الصحابة وخلال استشارته لهم ينزل جبريل ويخبر الرسول باختيار الله عز وجل الإمام على لمحاربة الملك الهضام، ويتم تكليف على ويخرج بمفرده للمهمة.

وفى الطريق إلى اليمن وهوالمكان الذى يعيش بقربه الملك الهضام، يتبعه أحد المنافقين بهدف انتهاز فرصة وقتله، ويمر الإمام بوقائع تشبه سيرة الخضر وموسى المذكورة في القرآن، فيقتل رجلا يقدم للمارة الماء والطعام المسموم، ويقتل رجلا يقدم زوجته للمارة، ثم يقتل المنافق الذى طلب مصاحبته في رحلته بعد حتى فسر له سبب قتله جميع هؤلاء، بعد ذلك يصل الإمام إلى وادى القمر في اليمن، ومن هناك يبدأ حروبه ليس مع الجان بل مع ملوك من بنى الإنسان يتبعون ملك الجان، أولى هذه المعارك مع الملك المغضب، حيث يحصره هووجيشه الذى يصل تعداده أربعة آلاف فارس بين جبلين ويقتل المغضب وينتصر على الجيش، وتنتهى المعركة بإعلان ألف فارس منهم إسلامهم، بعدها جمع الغنائم وحملها معه خمسة من الفرسان وعاد بها إلى وادى الظل، وفى وادى الظل تبدأ معركته البشرية الثانية، حيث يسمع الملك المنتقم، وهوأحد الملوك البشريين التابعين لملك الجان الكافر، بخبر مقتل الملك المغضب بين فرسانه في مسقطة بين الجبلين، فيثور جدا ويقرر الانتقام له، فسأل عن القاتل، نطقوا له: أحد الفرسان من العرب، فجمع جيشه ومضى بنفسه لملاقاة هذا القاتل لقتله، أحد عبيده ومسماه جندل بن ركيع تجاوز حتى أشهر إسلامه، عندما فهم بنية الملك المنتقم أسرع إلى الإمام على ليخبره، فطلب منه الإمام حتى يقدم له خدمه صغيرة وهى إغلاق أبواب الحصن من الداخل بعد خروج المنتقم وجيشه وعدم تمكينه من العودة للحصن مرة أخرى، وبالعمل تم ما أمره به، بل إنه والعبيد زملاءه قاموا بقتل الرجال الشيوخ في الحصن، كما قاموا بتقييد نساء الملك وفرسانه بالحبال، الإمام على قابل المنتقم وفرسانه وقتل بعضهم وكاد حتى يقتل المنتقم، وعندما ولج الليل اكتشف حتى المنتقم وفرسانه بدؤوا في الهروب والعودة إلى الحصن للاحتماء فيه، فسبقهم إلى الحصن ووقف على الباب ينتظرهم، وفوجئ المنتقم به وحاولوا التسلل إلى داخل الحصن تحت ظلام الليل، فوقف العبيد مع الإمام لهم بالسيوف، اليوم نبدأ مع الراوى أول محاولة لدخول الحصن:

(نطق الراوى) فعند ذلك جردوا سيوفهم وعمدوا مع الإمام إلى الباب الذين هم داخله، ففتحوه فوجدوا القوم قد دخلوا كلهم من الباب الأول، واجتمعوا عند ذلك الباب الذى من داخله أمير المؤمنين فخرجوا لهم وحطوا السيف فيهم. وأقبل جنبل (أحد عبيد الملك المنتقم) وقومه من خلفهم وصاحوا فيهم: الله أكبر فتح ونصر، هذا والإمام رضى الله عنه يقول: أأمروهم حتى يقولوا: لا الله إلا الله وإلا نفنيكم عن آخركم، فمن نطقها احملوا عنه السيف ومن أبى فاقتلوه، فما زالوا كذلك إلى حتى مضى ثلث الليل، فنادى القوم بأجمعهم: الأمان يا ابن أبى طالب ونحن أسراك وفى يدك، فنطق لهم رضى الله عنه: لن يؤمنكم من سيفى إلا حتى تقروا لله بالوحدانية ولمحمد الرسالة وإلا أفنيكم عن آخركم فصاحوا بأجمعهم: نحن نشهد حتى لا إله إلا الله وأن ابن عمك رسول الله، فأمر القوم حتى يحملوا عنهم السيف، فما مضى نصف الليل الأول إلا وقد كفاه الله القوم ولم يبق عندهم من يقاتل أبدا، وأقبلت الرعاة وجنبل إلى الإمام، وقبلوا يديه وهنؤوه بالسلامة وبما فتح الله عليه في تلك الليلة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم خر ساجدا لله تعالى في وسط الحصن شكر الله تعالى، (نطق الراوى) فلما فرغ الإمام من سجوده وحمل رأسه واستوى قائما أمر بإحضار عدوالله المنتقم، فاحضر بين يديه فأمر بحل كتافه ونطق: يا عدوالله وعدونفسك أنك على شفا جرف (على حرف بئر لم تبن بالحجارة) هار (انهار أوهدم) إما إلى النار وإما إلى الجنة، يا ويلك أقر لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة تفز في الدنيا والآخرة واصرف عنك المحال ودع عبادة الأصنام.

المنتقم يرشوالإمام

فنطق المنتقم: يا ابن أبى طالب اجعل لك جعلا أوفده إليك وإلى ابن عمك في جميع عام من جميع ما تختاره من الصنوف المثمنة من الجواهر والمضى الأحمر وما أشبه ذلك، فنطق له الإمام: يا ويلك أما مالك ومال قومك ومال ملكك إذا شاء الله تعالى احمله كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حتى أقتلك وأكسر صنمك، وأنت والله ما يخلصك من سيفى إلا قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، فنطق: يا ابن أبى طالب أما هذه الحدثة لا أقولها أبدا، وإن عجلت قتلى فلى من يأخذ الثأر، وها هوأمامك المسمى بالخطاف هندى الحميرى يقتنص الوحوش في فلواتها (فلاة: صحراء) والأسود في غاباتها، فلما سمع الإمام ذلك من عدوالله فار (غلى واعتمل) بالغضب ونطق: الذى أوصلنا إليك يوصلنا إلى غيرك، وأما أنت فقد عجل الله بروحك إلى النار، ثم قام الإمام، على قدميه وضرب عدوالله المنتقم بذى الفقار (اسم سيفه) فأزال رأسه.

قتل النساء

(نطق الراوى) ثم إذا الإمام عليا رضى الله عنه أمر بإحضار النساء فأحضرت بين يديه فعرض عليهن الإسلام، فمن أسلمت أقرها في مكانها ومن أبت وكل بها من يقتلها (هذا الكلام من طبيعة الحال مخالف للشريعة الإسلامية)، فلما فرغ الإمام من ذلك جمع الأموال وجمع ذلك كله في دار عدوالله المنتقم وقفل عليه وختمه وأوصى بحفظه، ثم أقبل الإمام على القوم ونطق لهم: إذا الله سبحانه وتعالى قد نادىكم للإسلام ومن عليكم بالإيمان وأنقذكم من ظلمات الكفر والطغيان، وأنى ماض عنكم فالله في أنفسكم فلا تكفروا بعد إيمانكم ولا تنافقوا في إسلامكم آمل الله الرجعة إليكم عن قريب إذا شاء الله تعالى بعد بلوغ ما أريد من ملككم الذميم واصرف شره وشر صنمه وشيطانه الرجيم، فنطقوا جميعهم: يا ابن عم الرسول إنا لن نؤمن إلا بحقيقة أمرنا وقد فهم الله صدقنا، وأراد لنا الحياة واطمأنت أنفسنا ونسير معك وبين يديك، فما يكبر علينا حتى نقاتل بين يديك ملكنا وأهلنا، فلما سمع الإمام منهم ذلك سر بمنطقتهم وعزل لهم مئة رجل يمكثون في الحصن، وأمر عليهم جنبل بن خليل الباهلى (شخصية درامية سيرية) وأوصاه بالشفقة على من في الحصن ووصاهم بحفظ ما فيه، وأمر على الرعاة جنبل بن وكيع، فنطق جنبل: يا أمير المؤمنين والذى بعث ابن عمك بالحق بشيرا ونذيرا لا تؤخرنى عن المسير معك لحرب قومى وقتال عشيرتى، يطول دهرنا وزماننا ولا أهجره حتى يشفى غليل قلبى وما قدمت من ذنبى، فجزاه الإمام خيرا على كلامه ونطق له: يا جنبل فإن الله كريم لا يعجل على من عصاه، ثم إذا الإمام نادى بعبد ينطق له حصن بن شنبش (شخصية وهمية من شخوص السيرة) وأمره على الرعاة وأوصاه بحفظ السائقة والأموال وأوصاه يروحها جميع ليلة إلى داخل الحصن.

وادى الحديق

ثم سار الإمام وأخذ معه ثلاثمئة فارس طالبين حصن رامق ووادى الحديق (من الأماكن التى لا وجود لها خارج السيرة) وصاحبه الأمير عليه الخطاب بن هند الحميرى (شخصية خيالية درامية) الملقب بمروع الوحوش، فساروا وقد أخفى الله أمرهم وما جرى لهم، فلم يفهم أحد من أهل الحصون والأودية، وأما الملك الهضام فقد اشتد كفره وطغيانه وتجبره، وقد شاع في العرب ذكره وعظم خطره وكان يركب جميع سنة ثلاث مرات إلى صنمه، فإذا ولج عليه خر له ساجدا من دون الله عز وجل، فلا يحمل رأسه حتى يهتف الشيطان بصنمه ويأمره بالقيام.

رسالة الرسول

(نطق الراوى) فبينما عدوالله في تزايد كفره، إذ ورد عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جميل بن كثير العابد (وهوالذى تبرع في بداية السيرة بحمل رسالة الرسول إلى الملك الهضام مشترطا عدم رئاسة على بن أبى طالب له، وهومن شخوص الدرامية) فاستأذن في الدخول على الملك، قيل له: اصبر حتى نخبر الملك بقدومك، ثم إذا الحاجب أبلغ الوزير بقدوم ذلك القاصد فأبلغ الملك بذلك، فنطق: أيها الملك إنه أتاك اليوم قاصد، يذكر أنه من عند محمد صاحب يثرب وابن عمه على بن أبى طالب، واستأذن في الدخول عليك والوصول إليك فأوقفه الحاجب وأبلغنى بخبره وها أنا أبلغتك.

(نطق الراوى) فلما سمع الملك الهضام بذلك عظم عليه ونطق: أوقد ذكرنى محمد مع من ذكر، وعرض لى مثل ما عرض لغيرى؟، أيظن أنى كغيرى من العرب وأن إلهى كسائر الآلهة، ثم أمر ببساط مجلسه فبسط وستوره علقت وبعث أكابر قومه فأقامهم حوله بالسلاح والنشاب (النبل واحدته نشابة، ج: نشاشيب) وبأيديهم العمد والحرب، ولبس الملك تاجه المرصع باليواقيت والجواهر وأظهر نعمته، وأقام ترجمانه بين يديه لأجل ما يبلغ الكلام إلى القاصد، ثم أمر بإحضار قاصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه، فتبادرت غلمانه وحجابه إلى جميل بن كثير فأتوا به أسرع من طرفة عين، ونطقوا له: اجمع عقلك وبين فضلك وانظر لمن تخاطب وافهم من تحدث، ثم دخلوا به إلى حتى وقف بين يديه.

رسول النبى للهضام

فلما نظر جميل إلى مملكته وسلطانه وحجابه وغلمانه وتاجه الذى على رأسه، ويواقيته والقوم محدقون به التجم عن الكلام وتبلد عن السلام، فغضب الملك لذلك وعهد الغضب في وجهه، فاضطرب القوم لذلك وماج بعضهم وحملوا العمد والسيوف وتوقوا خطاب الملك لكى يبادرهم بسوء، فنظر الترجمان إلى ذلك، وكان صاحب عقل وأدب وفضل، فنطق للملك: افهم أيها الملك حتى هيبة المملكة ومرتبة السلطنة تلجم الناظر عن الكلام عن منطقته في النظم حتى تدهشه عن السلام، (نطق الراوى) فمضى عن الملك ما كان نطق به، ثم نطق الترجمان لجميل: إذا الملك يقول لك ويلك من أنت،يا ترى؟ ومن أين أقبلت،يا ترى؟ وإلى من قصدك،يا ترى؟ ورسول من أنت،يا ترى؟ نطق جميل ابن كثير: أنا رسول صاحب يثرب محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وقد حملنى هذا الكتاب وأوفدنى إليك لأطلب الجواب، ولا أطلب شرا ولا ضرا وقد أزعجنى من هيبة الملك، فتبسم الملك الهضام ضاحكا ونطق: هلم إلى بكتابك، فتقدم إليه جميل وناوله الكتاب، ففكه وقرأه وفهم مضمونه ومعناه وقهقه حتى كاد حتى يقع على قفاه، (نطق الراوى) ثم التفت الهضام إلى جميل ونطق: يا ويلك صف لى هذا الغلام المذكور في الأرض (لاحظ حتى الراوى جعله في البداية يغفل النبى محمد تماما ويسأل عن الإمام على بن أبى طالب، ولا يسأل عن النبى محمد ولا عن ديانته)، فنطق جميل: أيها الملك إذا الكفر أقبح بالعبد الدنىء فكيف بالسيد،يا ترى؟ فإن أحببت حتى أصف لك فلى عليك شرطان، أحدهما إذا وصفته لك فلا يكبر على الملك فيقتلنى بغير ذنب وأنت أغنى الناس عن ذلك، والثانى أخاف حتى أصف لك شأنه العظيم فيبلغ غيره فأكون كذابا، وأنا الآن أسألك أيها الملك: حتى لا تسألنى عن هذا السؤال فإنى لا قدرة لى عليه، فنطق الملك: إذا قلت ما فيه على الحق فلا خوف عليك إذا كنت صادقا، فنطق جميل: أيها الملك إنه غلام موصوف بالشجاعة معروف بالبراعة، أخف من البرق إذا لمع وأسرع من الفهد إذا وثب حسن اليقين، (نطق الراوى) فلما فرغ جميل من كلامه تبسم الهضام ضاحكا ونطق: وحق زاجرات المنيع (الصنم الذى يعبده) لقد وصفت صاحبك وأحسنت في وصفه، فدع عنك هذا الكلام واقصر عن وصف هذا الغلام، واعمل في خلاص نفسك قبل حلولك في رمسك (قبرك، تجمع: رموس وأرماس) وقل لأى شىء اتبعت محمدا وآمنت به،يا ترى؟ فنطق جميل: على حتى ينقذنى من النار ويدخلنى الجنة التى هى دار القرار، فنطق الهضام: ومتىقد يكون هذا الأمر،يا ترى؟ فنطق جميل: إذا قامت القيامة وقامت الخلائق من التراب إلى الاجتماع في دار الحساب، فنطق الهضام: قد أقول لكم صاحبكم محمد أنكم تموتون وتصيرون رفاتا ويختلط اللحم هذا باللحم، والعظم هذا بالعظم، وتمضى عليكم الدهور والأعوام، ثم تعودون بأجساد وأرواح، ثمقد يكون بعد ذلك حساب وعقاب وجنة ونار،يا ترى؟ فنطق له: نعم، نطق له: وإلى أين هذه النار وهذه الجنة،يا ترى؟ نطق: شىء لا يفنى ولا ينقضى فعجل يا ويلك بالعاجل ودع الأجل.

جنة المنيع وناره

(نطق الراوى) ثم التفت اللعين إلى بعض أولاده، وكان اسمه ناقد ونطق له: قم يا بنى اكشف له عن الجنة والنار (حفرتان كبيرتان، وهما من صنيعة الملك الهضام) وخيره بين الدارين فإن اختار المقام في دار النعيم فدعه يأكل من فواكهها وثمارها، ثم أخذ ناقدا جميل ومضى به إلى الجنة وقد رأى جميع ما فيها ثم نطق ناقد: اتبعنى حتى أكشف لك عن دار هى أحسن من هذه، ثم أخرجه وعمد به إلى النار، وقد كان أوفد إلى العبيد الموكلين بها الذين سموهم الزبانية، فأمرهم بإضرامها وتقويتها، فلما حتى قرب منها ناقد وجميل، قربه وأطلعه في درج عال مبنى من الرخام الملون حتى انتهى إلى أعلى الدرج، فنطق ناقد لجميل: أتختار أى الدار أردت،يا ترى؟ فلما أشرف جميل على النار ونظر إلى قعرها وكثرة زفيرها نطق: أبعدونى عنها وامضوا بى إلى الجنة، فلما ولج فيها جميل وتوسطها واستنشق ريحها وتصايحت به حورها، افتتن جميل واحتوى الشيطان على قلبه، فسلب الله تبارك وتعالى منه الإيمان ومال إلى ملتهم ورفض الإسلام، (نطق الراوى) فعدل من ورائها جميل لعنة الله عليه إلى تلك الآلات والستور والآنية من المضى والفضة فنطق للجارية: لمن هذه،يا ترى؟ نطقت: لك وأنا لك وجميع هذا لك حتى تمضى من وقته وساعته إلى الإله المنيع، فهوإلهنا الأعظم، فتخر له ساجدا وتقر له بالعبودية، فنطق لها: حبا وكرامة أنا أسجد له مئة سجدة، ثم خرج جميل وناقد ابن الملك معه، لأنه كان يوصى الحور العين حتى يخاطبه ويقلن له ذلك.

جميل بن كثير موفَد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملك الهضام وصل أخيرا إلى مملكة الهضام، وقام في حلقة الأمس بتسليم الملك رسالة الرسول، وقد سخر الهضام من الرسالة، لكن المدهش حتى الهضام لم يسأل جميل بن كثير عن الرسول الكريم وعن الديانة الإسلامية، بل سأله عن على بن أبى طالب الذى سمع عنه من قِبل أعوانه، وفى حلقة الأمس أمر الهضام ابنه ناقد حتى يأخذ جميل في جولة يشاهد فيها الجنة والنار التى صنعها ويقارن بينهما وبين الجنة والنار التى وعد بهما النبى محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين، وفى نفس الحلقة كان الإمام على بن أبى طالب قد أجهز على الملك المنتقم على باب حصنه، ثم عرض الإسلام على أسراه من فرسانه وعلى نسائه، وحسب ذكر الراوى قام بقتل من رفضوا الدخول في الإسلام، وهذا من طبيعة الحال يخالف شريعة الإسلام السمحة، بعد ذلك استعد الإمام للتوجه إلى حصن رامق في وادى الحديق للقاءة الملك الخطاب بن هند الحميرى أحد أتباع الملك الهضام الكافر، وفى نهاية حلقة الأمس بعد جولة جميل بن كثير مع ناقد نجل الملك في جنة المنيع إله الملك الهضام، وافق جميل على السجود للمنيع مئة سجدة، فهل سجد موفد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصنم المسمى المنيع؟، هذا ما سنراه بداية من حلقة اليوم، نطق الراوى:

فلما خرج جميل نطق ناقد: إلى أين تريد؟، نطق: إلى الإله المنيع والرب الرفيع أسجد له وأقر له بالعبودية، فنطق له ناقد: أفلحت يا هذا ونجحت، ثم أقبل ناقد راجعا إلى الصنم، فما زال كذلك حتى قرب من الأبواب وما زالوا كذلك حتى دخلوه فيها وهمّ المتنعمون في الجنة حتى يدخلوا معهم فمنعهم الحاجب من الدخول، فتصايحوا بناقد وقد نطقوا له: دعنا ندخل إلى ربنا المنيع إلهنا السميع فننظر إلى معجزاته ودلائله وآياته؟، (نطق الراوى) فأذن لهم ناقد بالدخول وهوأمامهم قابض على يد جميل لعنه الله، فما زال يدخل من باب إلى باب إلى حتى ولج البيت الذى فيه الصنم، فنظر القناديل توقد بأطيب الادهان، ونظر الصنم معلقا في الهواء لا يحمله عمود من تحته ولا علاقة من فوقه، فحار جميل واندهش وأعطاه ناقد خاتما من الحديد الصينى كبيرا، فأخذه جميل بيده وتقدم إلى الصنم، فلما شم الصنم رائحة المغناطيس جذبه بالقوة المركبة من الحديد، فلما نظر جميل إلى ذلك حار، عملم ناقد ذلك منه فنطق: يا ويلك أسجد فإن الإله قد قربك إليه، فعند ذلك سجد جميل لعنه الله وسجد معه جميع القوم، فأقبل الشيطان اللعين الموكل بالصنم فدخل جوفه وجعل يهذى بكلام التضليل، (نطق الراوى) فصاح به الخدم من جميع جانب ومكان يقولون: يا جميل ابشر بالخير الجزيل، فقد جاد عليك المنيع بالكرم والتفضيل، وقد خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، فحمل رأسه وحمل الناس رؤوسهم، فلما فرغ تمسح القوم به تبركا وهنوه على ذلك وقبلوا يديه وكذلك ناقد، ولم يزالوا من حوله محدقين إلى حتى وصلوه الجنة التى يزعمونها، فلما دخلها استقبلته صاحبته الطاغية بكأس من خمر ونطقت له: خذ هذه الكأس فهى تمام الفرح وزوال العمر، ولم يبق بعد يومنا هذا ولا نصب، فتناول الكأس من يدها وتجرعها وأبعده الله تعالى عن بابه وطرده عن نبيه ونام مع صاحبته وكفر بالله العظيم، ثم أتى ناقد إلى أبيه وأبلغه بذلك، ففرح الهضام فرحا شديدا ونطق: وحق المنيع لووصل إلينا على بن أبى طالب لعملنا به مثل هذا، وكان يصير إلى ما صار إليه صاحبه وينسى ابن عمه، وهل يرى هذا النعيم والعيش السليم ويتباعد عنه؟، وما زال الملك في كفره وطغيانه.

صرخة الصنم

نطق: فلم يمض إلا يومين أوثلاثة بعد أمر جميل والقوم في لهوهم وسرورهم والسدنة(السادن: الخادم والحاجب) من حول الصنم، قد هجع (نام) القوم في بعض الليالى، إذ صرخ الصنم صرخة عظيمة فازدحم على الأبواب، وقام الملك من على سريره وأولاده حواليه، فنطق الملك لولده الأصغر: وكان اسمه غنام انظر يا بنى المنيع، ولا شك أنه سقط بنا أمر فانظر ما هذا الخبر؟، فمضى غنام ورجع وهوطائش العقل فنطق: يا أبت إنه صراخ المنيع ولا شك أنه سقط أمر، فركب الملك من وقته وركب أولاده من حواليه، وسار بهم الملك حتى ولج الصنم بعد سكوته، فلما ولج عليه الملك صاح واضطرب ونطق الشيطان من جوفه ينشد ويقول: قد حل في ساحتكم ليث بطل، ورمى شجعانكم كلا بالخيل هذا على قريب قد وصل فأدهموه بالسيوف والنبل، ثم ابتروا منه بعزمكم الأمل فهولكم وفى يديكم قد حصل، (نطق الراوى) وكانت هتفة الصنم قبل حتى يصل الإمام إلى حصن الوجيه، حين اغتال المغضب وخلص السائقة (الماشية) وردها، وتعوق بعد ذلك حتى فتح الحصن، فلما سمع الملك من صنمه هذا الكلام نطق: يا إلهى ويا سيدى لا وقفته بين يديك ذليلا، ثم إذا الملك التفت إلى ولده ناقد، وكان أكبر أولاده فنطق له: يا ناقد اسجد لإلهك فإنك لعدوه قاصد وله قائد وعن قريب تأتى به حقيرا ذليلا، فخر ناقد ساجدا للصنم فسمع عنده ضاحكا واستبشارا وفرحا وسرورا من الصنم: يا ناقد احمل أمرك وأسرع بالاستعجال وجمع الأبطال، وتأتى به في القيد والأغلال منكّسا في أسوأ حال، فلما سمع ناقد قام مسرعا ووقف مع أبيه إلى منزله، فنطق الملك: يا بنى إنك وافر العقل تام الفضل، وإن إلهك لا يحذر إلا من أمر عظيم، وهذا الغلام المذكور على بن أبى طالب، وأنه قد شاعت بين العرب أخباره، وقد ظهر أنه فارس صنديد وقرم (سيد) عنيد، إلا حتى إلهك وعدك النصر عليه، وأقول لك أنه وحيد فريد، فامضِ إليه وخذ من تختاره من قومك وعشيرتك، وأوصيك إذا لقيته فحذّره من نارى وشوقه إلى جنتى، فإن ركن فجُد بالعفوعليه، وابسط جناح الإحسان، وإن أبى فاغتنم انفراده بأنك آمن من ناصر ينصره ومعين يعينه، ولا شك أنك تجده عند حصننا الأقصى وهوحصن الوجيه نازلا مع الرعيان.

ألف فارس لمحاربة الغلام

(نطق الراوى) فعند ذلك قام ناقد على قدميه، وجعل يخترق الصفوف ويتصفح وجوه الرجال وينتخب الأبطال، واختار حتى يأخذ من صناديد (الصنديد الشجاع) القوم ألف فارس، فلما لاح ضياء الفجر خرج ناقد وقومه وقد تزينوا بزينتهم المدخرة عندهم، ولبسوا فوق رؤوسهم التيجان المرصعة باليواقيت والجواهر المثمنة وركبوا الخيول العربية، وناقد بن الملك الهضام أكثر منهم زينة وله ذوائب تبلغ مؤخرة سرجه، وهومقلد بسيفين عن يمينه وعن شماله وبيده رمح خطى، فلما تكامل أصحابه وعزموا على المسير ركب أبوه يشيعه ويوصيه ويحرضه على الإمام رضى الله عنه إلى حتى بعد عن الحصن، فرجع الملك إلى حصنه وصار ناقدا وهويجد المسير، فبينما هوسائر إذ لاحت غَبرة عظيمة فتأمّلها ونطق لقومه: ما تكون هذه الغبرة العظيمة؟، فنطقوا: لعل حتى تكون غبرة رمال أوظباءً شاردة أوزوابع عاقدة، فنطق لهم ناقد: لوكانت كما تقولون لكانت منفرجة وهذه عقدة معنقدة، فتأمّلوها جميعا فنطق بعضهم: وحق المنيع إذا هوإلا جيش، ونطق بعضهم غير ذلك، فتحير القوم من ذلك ووقفوا جميعا، فبينما القوم واقفون متحيرون إذا انكشف الغبار ولاحت الأسنّة (أسنة الرماح) ولمعانها وهى تبرق كالبرق وكواكبها زاهية، فذُهل القوم من ذلك ولم يفهموا أنه جيش الإمام على (رضى الله عنه)، وكان الإمام قد نظر من بعيد فنطق لقومه: يا قوم ألا ترون ما أرى؟، فنطقوا: يا ابن عم رسول الله ما ترى؟، نطق: أرى جيشا كبيرا، فتأمل القوم فنظروا جيش ابن الملك، فنطق: يا معشر المسلمين لا ريب حتى أصحاب الحصون قد بلغهم خبرنا، فهل منكم من يسرع إليهم فتقدم إليه جنبل بن ركيع (من الشخصيات الخيالية)، ونطق له: يا مولاى أنى لكلامك سامعا ولأمرك طائعا، أؤمرنى بما تشاء وتختار فإنى وحق ابن عمك محمد لا أخالف لك أمرا، فجزاه الإمام على ذلك خيرا ونطق له: أنت لها يا جنبل فأسرع إليهم، فإن كانوا من أعدائنا فلا بأس حتى تخدعهم بخديعتك، وأذكر لهم أنكم ظفرتم بى وأمسكتمونى، وأنكم سائرون بى إلى الملك الهضام لتأخذوا منه الجزاء والإكرام، ثم نطق له الإمام: بادر وفقك الله إلى مسيرك.

يهوى كالبرق

فسار جنبل ابن ركيع إلى حتى قرب من جيش ابن الملك الهضام، فوجدهم قد جردوا السيوف وعزموا على القتال والحرب، فنظر جنبل إليهم، وإذا هوناقد بن الملك وكان أعهد الناس، وكان جنبل صاحب خديعة وكثير المكر والحيل، فلما عهده وتحققه وعهد أنه ناقد بن الملك، ترجل جنبل عن جواده وأقبل يسعى على قدميه، فلما قرب من ناقد خرّ ساجدا لله تعالى، فلما نظر إليه ناقد عهده وظن أنه ساجد إليه فنطق: يا جنبل احمل رأسك فنطق: يا مولاى عبدك وابن أمتك، فنطق ناقد: اركب جوادك فركب جواده، فنطق له ناقد: يا بن ركيع ما وراءك؟، وما الذى بلغك من خبر هذا الغلام كثير الانتقام على بن أبى طالب؟، فنطق جنبل: اسمع يا مولاى بينما نحن في سرحنا وغنمنا على ما جرت عادتنا ونحن في الظل مجتمعون نرتع ونلعب، إذ جاء إلينا غلام من أعلى الوادى وهويهوى كالبرق ويهرول في مشيه ويوسع في خطواته، ثم اجتمع ووثب وثبة عدى النهر يثب كالأرنب ويخطوكالأسد، يقصر الليث عن وثبته في عظم خلقته وكبر جثته، كبير الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فتحققناه وتقربنا منه وتصايح أهل الحصن، ونزل إليه سيدنا المنتقم فنازله في ميدان الحرب، فلم يزل به ومعه حتى تعثرت رجله في حجر فسقط على وجهه، فترامى عليه الرجال والأبطال فأخذوه باقتدار أسيرا وملكوه، وصار في أيديهم حقيرا ذليلا، ثم كتفناه وحملناه بعد حتى جندل منا جماعة كثيرة من الرجال والشجعان والأبطال، فأجمعنا على قتله فمنعنا من ذلك سيدنا المنتقم، وأمرنا بحمله إلى الملك المكرم ليحكم فيه بما شاء ويمضى فيه ما أمره المنيع الإله الرفيع، فلم نجسر حتى نسير به إلا في عدة من الأبطال والرجال الفوارس، وهذا يا مولاى جملة أمرنا وغاية خبرنا.

الخطاف

(نطق الراوى) فلما سمع ناقد ذلك ما نطقه جنبل تهلل وجهه فرحا وسرورا ثم نطق: وحق المنيع لقد فرحتم بهذا الغلام واستوجبتم عملكم الإكرام، وما خرجت من مكانى لهذا الغلام الكثير الانتقام فحصل لكم بلا ملام، لكن يا جنبل أرعبنى وصفك لهذا الغلام، فعد إلى قومك وأمرهم حتى يسرعوا إلينا ويقدموا بهذا الغلام علينا، فعاد جنبل راجعا، ونطق: يا أبا الحسن لقد أتيتك بطير سمين، وهوابن الملك في ألف فارس، نطق: فسار الإمام حتى وصل إلى عسكرنا، فنطق ناقد: وجبت لك البشارة يا جنبل، فأين هذا الغلام المسمى عليا؟، فلم يتم كلامه حتى تقدم الإمام إلى ناقد وأسفر عن لثامه ونطق له: ها أنا معدن المواهب، أنا المشهور في المناقب، أنا على بن أبى طالب.

(نطق الراوى) فلما سمع ناقد كلامه قمح جواده بالسوط وصرخ في قومه ونطق: يا قوم إذا جنبلا خدعكم ولم ينجيكم من القوم إلا القتال الشديد فأقرنوا المواكب وصفوا الصفوف فنفرت الرجال للحملة، فنطق الإمام لأصحابه: احملوا بارك الله فيكم وعليكم، وبقى ينظر لعلى حتى يقع نظره على ناقد فيقبضه، نطق: فحملت الرجال على الرجال واختلط الجمعان ووقفوا السيف بينهم، نطق: فبينما الإمام ينظر ناقد، فإذا هوقد وجده حسن الوجه صغير السن، فلما نظره الإمام أشفق عليه حتى يقتله، وكان لا يرحم كافرا قط غيره، فبينما الإمام وناقد حملا على بعضهما وإذا بصياح عالٍ، فإذا هوصاحب حسن الرامق ويسمى الخطاف وكان قد أوفد إليها أصحاب ناقد، ونطقوا له: الحق بن الملك فإنه مع على يشد القتال، فلما أشرف عدوالله الخطاف على ناقد نطق: يا مولاى ماقد يكون للملوك قتال، ارجع ودعنى مع هذا الغلام، ثم تقدم الخطاف إلى الإمام وهوينشد ويقول:

مالى أرى القوم في كرب وفى حرج قد مر بلواجمهم بالويل والكفر

وكلهم جزعوا من خوف سيف على نسل الكرام المسمى من ذوى مصر القوم قوم إله يعهدون به من الحديد ومن جزع ومن صفر

لا هجرن عنا تحت ذلته حتى أطوف به في البدووالحضر

(نطق الراوى) ثم حمل عدوالله وجعل يخوض المعمعة بسيفه وقاتل في ذلك اليوم قتالا شديدا، فبينما هويكر على المسلمين وإذا بصوت الإمام (رضى الله عنه) وهويقول: أنا ابن الأبرار من نسل هاشم المختار أنا ماحق الأشرار، فلما سمع عدوالله صوت الإمام ونهراته وزجراته ومهارته في الحرب، وهويخطف الفارس من سرجه ويضرب به الثانى فيقتل الاثنين فهابه القوم، ولم يزل السيف يعمل والدم ينزل إلى وقت العصر فافترقوا وقد ملئت عرضا الوادى بالقتلى وتراجع الفريقان في أماكنهم، ورجع الإمام إلى عسكره يترنم ويقول شعر:

حرمة الحرب بغيتى ومرادى وطريقى إلى فنا الأوغاد

يا ابنة الطهر لورأيت حروبى وشهودى وشدتى وجلادى

وولوج الحسام في منهل النقع لا شفى من اللئام فؤادى

هل من مبارز؟

(نطق الراوى) فاستبشر به وفرحوا وهنئوه بالسلامة، فرجعت الطائفة الأخرى إلى موضعها خاسرة، فلما أصبح الصباح تراجع الفريقان وقام الحرب والطعان، ثم نطق الإمام: إذا القوم أكثر منا عددا وأقرب منا ديارا، وأنى أخاف من نجدة تنجدهم فيكثر علينا الأمر ويكثر علينا الشر، وأنى أرى من الرأى أننا نبادرهم قبل حتى يبادروننا، وذلك أهيب لنا في قلوبهم وارهب في نفوسهم، ثم نطق لأصحابه: قفوا مكانكم حتى أسير بين الصفين واطلب البراز فعسى حتى يخرج عدوالله الخطاف بلا تعب، فنطقوا: يا سيدنا إذا في القوم أسدين أحدهما ناقد بن الملك، والآخر الخطاف فأخذوهما وقد عهدتهما بالأمس، نطق الإمام: حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم خرج الإمام منفردا بنفسه وأخذ رمحه وغير حلته، فلما تمثل بين الصفين نطق الخطاف لناقد: من هذا الذى تعرض للقتال وطلب المبارزة؟، نطق ناقد: هلا تعهده؟، نطق: لا، نطق: هذا على ابن أبى طالب، فنطق الخطاف: إنى أراك يا ناقد كثير الوصف له من الممكن أنك كثير الارتعاد منه، نطق: نعم، فبينما هم كذلك إذ زحف الإمام عليهما حتى قاربهما ثم نادى: هل من مبارز؟، هل من مناجز؟، فلم يبرز إليه أحد فحمل على الميمنة فقلبها على الميسرة، ونطق: ما شاء الله تعالى ورجع إلى مكانه ونادى: هل من مبارز؟، هل من رواح إلى قابض الأرواح؟، فلم يجبه أحد، فحمل على الميسرة فقلبها على الميمنة ونطق: ما شاء الله ورجع صوب القلب ونادى: أين من زعم أنه كريم، فلم يتم كلامه حتى انقض عليه ناقد وهوعلى جواد أشقر وبيده رمح طويل حتى صار بين يدى الإمام ونادى: يا غلام الرفق بالمرء يوصله إلى مناه، فاكشف لنا عما ترغب فلعل حتى تكون الإجابة عندنا والأنعام، والآن قد كشفت لنا عتابك ولعمرى قد كنت متطاولا لرؤيتك، فقل ما أنت طالب وما مرادك؟، فأعجب الإمام من كلامه ونطق له: مرادى حتى تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا قلت ذلك وأقررت لله بالوحدانية فلك مالنا وعليك ما علينا، وأما صنمكم الذميم فسوف تظهر فيه العبر وأكسره أمامكم كسرة الحجر، وترجعون إلى عبادة الرحمن فتكونوا شركاء لنا وإخواننا في الإسلام، فنطق له ناقد: يا ابن أبى طالب دونك إلى أم خاطر وموت باتر، فنطق له الإمام: دونك والقتال، نطق فوقف ناقد يتحدث في نفسه ويقول: وحق المنيع وزجراته لوهجرناه حيا لغشنا في منزلنا وطرقنا في مرقدنا، ولعمرى أنى أجد في كلامه حلاوة ولمنطقه مرارة، أنى أرغب وأخشى حتى يعمل ربى الأعظم ما يشاء، فنطق الإمام: يا ناقد أطلق لسانك بالوحدانية لله تعالى، وأشهد بالرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم يمحُ عنك ما سبق، نطق ناقد: ما أنا بالذى يعمل ذلك ويبقى له العار والشنار (العيب).


فى الحلقة السابقة كان الملك الهضام قد أوفد ابنه ويدعى ناقد على رأس جيش جرار لملاقاة الإمام على بن أبى طالب لكى يقتله ويأتى برأسه إلى والده، أويحضره مكبلا في الحديد أسيرا ذليلا، وتقدم الجيش حتى التقى بالعمل مع الإمام وطلب منه حتى يشهر إسلامه هوووالده وجيشه الجرار أوحتى يقتله، وتقدم له أحد الفرسان يدعى حسن رامق «شخصية درامية» يلقب بالخطاف، ودار الحوار وطال ونطق الراوى:

فلما سمع الإمام كلامه فهم حتى لا بد له من لقائه، فتقاربا وعظم الجدال والفريقان ينظران، فما زال حتى مضى النهار وأقبل الليل، فخاف الإمام حتى يدركه الليل ولم ينل منه ما أمله، فحمل عليه الإمام وكان قد ظهر له من ناقد التقصير، فطمع فيه وجعل يدبر عليه الحيلة من أين يأخذه،يا ترى؟ فتصارخت الأبطال وتزاعقت الشجعان وإذا بالمشركين يصرخون ويقولون: خرج الخطاف وانذهل العسكران والخطاف «حسن رامق» ينادى: لا تعجل يا غلام علينا فنعجل عليك، وأبق علينا نُبق عليك، فوثب الإمام على ناقد وقبض عليه فتعلق به وتعاركا طويلا، فأدركهما الخطاف فتعلق بهما وماجت الخيل فأخفاهم عن الأبصار، وسمعنا صراخ الخطاف وقد همد، وسمعنا هدرات «تردد الصوت في الحنجرة» الإمام وزجراته «صياحه» ثم خمدت «هدأت»، فلم يسمع لهما حس هذا والغبار متزايد، وقد طال على الناس المطال ولم يبق أحد من الفريقين إلا وآيس «يأس» من الإمام رضى الله عنه فنطق جنبل: نحن فرطنا في الإمام إذا هجرناه مع هذين الاثنين ولم نخرج إليه ولم نساعده ولم ننجده ونفديه بأنفسنا، وأى عذر لنا عند الله فأجمعوا أمركم واحملوا بأجمعكم فعسى حتى نخلص سيدنا وأميرنا، وأنه قد سقط بين حجرين دامغين ولا خلاص له من بينهما إلا حتى يشاء الله، وقد رام جميع فريق حتى يحمل على صاحبه، وقد زاد القلق واشتد الأرق وأزورت «مالت» الحدق «جمع حدقة، حدقة العين» وإذا بصرخة عالية، وإذا بالإمام قد خرج من المعركة وهويقول: فتح ونصر وخذل من كفر، هذا وناقد في يده كالحمام في مخالب الباز، ونظروا وإذا بفارس هارب من تحت العجاج «الغبار» فتأملوه، فإذا هوالخطاف وأما ناقد فصار مثل العصفور في يد الباشق «أشبه بالنسر، من الجوارح ويشبه الصقر» فسلمه الإمام لأصحابه ونطق: يا معشر الناس إذا القوم قد خمدت جمرتهم فاحملوا عليهم بارك الله فيكم وعليكم، فنطقوا: يا أميرنا الليل قد أقبل والنهار قد أدبر، فنطق لهم الإمام: أضرموا النيران فإنها ليلة كثيرة الأهوال والله أفهم بالمآل.

«نطق الراوى»: عملوا ذلك وأقبلوا على السهر والرصد وهم جلوس قابضون على أسلحتهم، وتولى الإمام حرس المسلمين إلى حتى أصبح الصباح، وأما المشركون فهربوا مع الخطاف إلى الحصن، فنطق عسكر ناقد: يا خطاف تمضى إلى حصنك وتخلى ابن سيدنا في الأسر، أما وحق المنيع فلا نسلمه لعلى إلا حتى قتلنا عن آخرنا ولا لأى شىء خرجت معنا وقد رميت سيدنا ورجعت وأنت سالم. فنطق الخطاف: يا ويلكم لقد قاتلت ومانعت عن نفسى وسعيت في خلاصه فما استطعت، ولوحتى لعلى كفئا لما خلصت من يديه، فنطقوا له: امض إلى حصنك ونحن إذا أصبح الصباح سعينا في خلاصه، وأما الإمام فإنه لما طلع الفجر أذن وصلى بأصحابه صلاة الصبح، ثم أقبل يحرض الناس على القتال ويقول: يا معشر الناس افهموا أنكم في غمرة ساهون وكنتم تعبدون الأوثان، فأنقذكم الله وأسعدكم بعملكم وهذا عدوكم بإزائكم، ثم إذا الإمام نادى بناقد ونطق له: يا ناقد لقد نفد فيكم القضاء وقيدك رب السماء وأنت في أمل فهل لك حتى تظل عليك قبل حتى تسكن برمسك «الرمس القبر» نطق: يا ابن أبى طالب اتنجى منك ناج بعد حتى كان بينى وبينك من الوحشة والبغضاء والعداوة، نطق الإمام: يا ناقد إذا كان قلبى مبغضا على كافر وأسلم وأقر بالوحدانية لله ولمحمد رسوله بالرسالة بدلت البغضاء بالمحبة وانقلبت الوحشة بالمودة، فإذا قررت بهما بطيب عيشك وتفوز بخير الدنيا والآخرة، نطق: يا ابن أبى طالب من يخلصنى من المنيع نطق له: إذا طول الله عمرى لتنظرن صنمك المنيع بأمر هائل شنيع وتراه في النار التى وصفتها ملقى حريقا، فنطق: يا ابن أبى طالب لا ريب فيك ولا في ما أظهرته وعملته فقد وهبت نفسى لك في هذا اليوم ولا أبالى بما يلحقنى من المنيع ولا من أبى وذوى حسبى، وأنا أقول أشهد حتى لا الله إلا الله وأشهد حتى محمدا رسول الله، وقد أفلح من آمن بربكم وخاب من كذبكم. وها أنا أقاتل بين يديك في القوم لله ورسوله ولك ولابغك الرضا.

«نطق الراوى»: فسر الإمام سرورا عظيما ونطق له البس آلة حربك واركب جوادك حتى تخرج إلى قومك ثم أمر المسلمين بالركوب فركبوا خيولهم وعملوا ما أمرهم به الإمام، فلما تقاربوا من المشركين نطق الإمام لناقد: يا ناقد ابرز بين الصفين وادع قومك إلى الإسلام فلعل الله يهديهم كما هداك، فخرج ناقد وهوراكب على جواده ولابس آلة حربه، فلما نظروا إليه فرحوا فرحا شديدا ولم يبق أحد منهم إلا عهده وقد ظنوا حتى الإمام أطلقه، فلما قرب ناداهم بأعلى صوته: يا قومنا قد ظهر الحق وانكشف الغطاء واتى الحق وزهق الباطل إذا الباطل كان زهوقا، يا قوم عدوا عن الضلالات واعتذروا لرب البرايا يغفر لكم ما مضى، وها هوآت يا معشر قومى وعشيرتى ليبلغ عنى كبيركم وصغيركم أنى قائل: أشهد حتى لا إله إلا الله وأشهد حتى محمدا رسول الله، لا أحول عنها ولا أزول وما أنتم أشد منى بأسا ولا أقوى مراسا، وهذا باب قد فتح الله طريقه لكم ولاح لكم بحقيقة، فكونوا مثلى تفوزوا بالشهادة وتكونوا من أهل السعادة، فما كان غير ساعة من الزمان حتى ظهر من القوم كردوس عظيم نحوألف فارس، ولم يزالوا سائرين حتى وقفوا عنده وإذا هم من أصحابه الذين خرجوا معه من عند أبيه وهم يقولون: يا سيداه لنا أسوة بك والذى تختاره إحنا نرضاه، ونحن نشهد حتى لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تصديق إيماننا، ثم عطفوا على قومهم أصحاب الخطاف ووضعوا فيهم السيف البتار، وحملت المسلمون معهم والإمام في أوائلهم وناقد إلى جانبه، فلم تكن إلا ساعة حتى ولت المشركون ولم يزل السيف الطعن واقعا فيهم، وكان الخطاف على ساقة «قيادة» العسكر فقاتل قتالا عظيما، فلما ولت أصحابه ولى طالبا للحصن فدخل الحصن هووأصحابه، ثم إذا الإمام جمع الغنائم وكثرت المسلمون واشتدوا بناقد وعزمه وقوته، وصار المسلمون نحوا من ألف وخمسمئة فارس وكلهم أبطال عوابس فتبعوا أصحاب الخطاف ولم يزالوا معهم إلى باب الحصن فدخلوا الحصن وأغلقوا بابه، ونزلت المسلمون عليه بقية يومهم وقد امتلأت الحصون بذكر الإمام وقد قذف الله في قلوبهم الرعب.

«نطق الراوى»: ثم إذا الخطاف لما ولج الحصن نطق أصحابه: يا سيداه ما وراءك وما الذى دهاك وبشره رماك،يا ترى؟ فكان لا يقدر حتى يرد جوابا من شدة الخوف فنطق لهم: أغلقوا الباب وحصنوا أنفسكم فعملوا ما أمرهم به وهوجالس، فلما سكن روعه سألوه: ما دهاك،يا ترى؟ نطق يا قوم قد مضى زمانكم فنطقوا: أيها السيد بين لنا ما وراء كلامك فقد أرعبت قلوبنا من خطابك،يا ترى؟ فنطق يا قوم قد دهمتكم المحمديون وهم ليوث أبطال يقدمهم الليث المغوار الذى كأنه صاعقة من السماء قد نزلت وأخذت قلوب الرجال مفلق الهام، وقد احتوى على ناقد بن الملك وأتباعه وقد خطفه من سرجه فانظروا لأنفسكم فإن عليا لاحق بكم.

«نطق الراوى»: فلما سمع قومه ذلك ضجوا بالبكاء ضجا شديدا وتصارخوا بالويل والعويل، فبينما هم كذلك في صراخهم إذ ظهر إبليس اللعين في صورة شيخ كبير قد أفناه الزمان، منحنى تكاد جبهته تصل إلى الأرض، وعليه جبة صوف في شكل الرهبان، وبيده عكاز ووسطه مشدود بخيط من صوف، وفى رجليه نعلان من خوص النخل، فلما نظره القوم تنافروا يمينا وشمالا، فصرخ بهم: ما تنافركم وأنا رسول المنيع أوفدنى إليكم حتى أرى ما بكم من الجزع وشدة القلق والفزع لأسكن قلوبكم وأبرز لقتال عدوكم فأزيل عنكم الشدة وأبطل البكاء والحزن من الأعداء، وإذا أشرف عليكم هذا الغلام أتولى أنا قتاله دونكم، ولا أريد منكم بصيرا ولا معينا، وإذا رأيتمونى قد وصلت إليه واحتويت عليه، وقد ظهر المنيع بجنوده ونيرانه ودخانه فمن أراد حتى يسبق إلى خيل القوم وسلاحهم فليبادر إلى ما شاء، فلما سمع القوم سجدوا للصنم ثم حملوا رؤوسهم وزاد فرحهم نطق: مروع الوحوش أيها الشيخ إنى لأظنك من جند المنيع إلهنا، فنطق له إبليس: أجل وأنا رسول بينه وبين عباده لأنى أسبق الناس إلى عبادته وخدمته فجازانى بهذه الكرامة فكونوا في إمامكم حتى تروا ما يسركم من اغتال عدوكم، فنطقوا: أيها الرسول إنا لنراك أضناك الكبر وإنا لا نوقن حتى لا طاقة لك على الحرب والنزال وشدة القتال، فنطق لهم إبليس: لعنه الله كيف من الممكن أن تشكون في المنيع وتقولون إنه لا يقدر على شىء،يا ترى؟ فنطقوا: إنا لا نشك في ذلك أبدا ونعهد حتى المنيع له عزم عظيم، ولكن نريد حتى نرى شيئا من برهانك لنكون على فهم وتطمئن به قلوبنا، فلما سمع منهم ذلك نطق لهم: إذا المنيع لوأراد هلاك هذا الغلام قبل وصوله إليكم لعمل ذلك، ولكن يريد حتى يستدرجه إلى حتى يسقطه في أيديكم حتى يذيقه العذاب والهوان وتنشرح صدور الرجال وتنالوا عنده المرتبة العليا والفخر الزائد العميم وبعد ذلك يهلكه فإنه ذوعزم شديد، وأنا أريكم بيان ذلك وبرهان المنيع الإله الرفيع وشدة قدرته، ثم بسط يديه وأومأ بها إلى الحصن، فخيل لهم أنه قد حمل الحصن فوق أصبعه وشاله في الهواء وقد تزعزع وارتج فذهل القوم ولذلك صرخ الرجال والنساء، ثم عاد فوضع بين يديه فرأى القوم الحصن كما كان في مكانه، فخر الجميع سجدا للمنيع، فنطق لهم إبليس: يا قوم احملوا رؤوسكم ثم غاب عن أعينهم فلم يروه.

«فنطق الراوى»: فعند ذلك نطق لهم مروع الوحوش: أبشروا يا قوم فقد اتىكم الفرج، فلما سمع القوم ذلك لبسوا سلاحهم وآلة حربهم وتفرقوا في جوانب الحصن، وضربوا على سوره سرادقا من جلود الفيل، ونصبوا الرايات والأعلام وعزموا على الحرب والقتال، وقد أصلحوا شأنهم، فبينما هم كذلك إذ أشرف عليهم الإمام رضى الله عنه وأصحابه معه على مهل وعليهم الهيبة والوقار، فانحدر الإمام إلى الوادى وأشرف على حصن رامق، وقد أزهرت الحدائق والشمس قد اصفرت لغروبها، ثم هبط وأمر أصحابه بالنزول، فنزلوا من حول الحصن وانسدل الظلام وأضرموا النيران وتحارس الفريقان، والإمام رضى الله عنه متولى حرس قومه بنفسه يحوم عليهم كحومة الليث على أشباله، «نطق الراوى»: فنطق عدوالله الخطاف مروع الوحوش لأصحابه إنى لم أرَ رسول المنيع خلق في ابن أبى طالب شيئا وها هونازل بإيذائنا بالسلامة، فنطق له قومه: لا تستبطل قول رسول المنيع، فنطق لهم: احفظوا حصنكم وانزلوا من داخله لئلا ينقبوه عليكم ويدهموكم، فابتدر جماعة من القوم إلى ذلك وعدوالله الخطاف يدور على سور الحصن لينظر ما وعده به رسول المنيع وهوقلقان شاخص إلى جهة الإمام رضى الله تعالى عنه لا يفهم بغير ذلك، بينما الإمام مع أصحابه إذ لاح لهم برق نار وإضرام شرار وقد بان من ناحية الشرق ولاح البرق فخفق إليه الإمام ونطق: لمعت نار مارد نراه يتعرض لى ولأصحابى.

«نطق الراوى»: ثم إذا الإمام رضى الله تعالى عنه أيقظ أصحابه وأمرهم بالجلوس ورفض الإمام فنظروا إلى تلك النار وهى قاصدة وشرارها متوقدة، فنطق جنبل بن ركيع: يا أمير المؤمنين ما هذه النار،يا ترى؟ فنطق الإمام: يا قوم سكنوا روعكم وطمنوا قلوبكم فإنها نار الشيطان ولا سبيل له على أهل القرآن وجنود الرحمن، فبينما الإمام يخاطب قومه إذ تزايد لهيبها فما نظر الإمام إلى ذلك أخذ رمحه وخط به خطا حول أصحابه وناداهم: اجتمعوا ولا تتفرقوا واذكروا ربكم واصبروا، ثم جعل الإمام رضى الله عنه يقرأ القرآن ويتلوا آيات الله العظام وأسمائه الكرام عند الرسم الذى خطه برمحه وهودائرة حول أصحابه ولم يبق أحد من خارج الرسم غيره، ثم نطق: معشر الناس إنى ضربت عليكم حصنا حصينا فلا يخرج منكم أحد ومن خرج لا يلومن إلا نفسه، واهجرونى أنا لهم والله المعين والناصر عليهم إنه على جميع شىء قدير، فنطق ناقد: يا أبا الحسن كيف من الممكن أن لنا حتى نسلمك إلى هذا المارد إلا أننا نقاتل بين يديك تقربا إلى الله تعالى، فالتفت الإمام رضى الله عنه مبتسما غير مكترث بما ظهر، ونطق: يا ناقد أنت أقدمك لمبارزة الرجال والأبطال فلا يناسبك طاقة على قتال الجان، فنطق ناقد: لا والله يا أبا الحسن لا أنزع الله ما أعطاك وأتم عليك ما أولاك.

الرغداء ابنة الخطاف

الرغداء ابنة الخطاف أحد قادة الملك الهضام، كانت في منزلها بالحصن عندما وصل الإمام على، ولم تكن تعهد بما يجرى من حولها، أهل الحصن أبلغوا الإمام بأمرها وبشراستها وجرأتها وجبروتها، فطلب منهم حتى يستدعوها، واقترح الرجال حتى تمضى النساء، فنصح الإمام النساء حتى يهتفن أمام منزلها بالشهادة، وعندما تستفسر منهن يحكين لها ويستدعينها للحضور أمامه، وبالعمل سألت وأبلغوها فدخلت المنزل ووضعت خنجرا أسفل ملابسها وتوجهت مع النساء إلى حيث يوجد الإمام على، قبل وصول والدها الخطاف دق باب الحصن وفتحوا له وحملوه إلى الإمام على، ما الذى جرى بعد ذلك،يا ترى؟ الراوى قد يوضح لنا في هذه الحلقة:

«نطق الراوى»: ثم هجرتهم «يقصد الرغداء» وتقدمت إلى قرب الإمام وهى قابضة على خنجره وأسبلت عليه ثيابها وأضمرت أنها تحول بين الإمام وبين أبيها، وأن لا تدع الإمام حتى يصل إلى أبيها وهى واقفة ترتعد من شدة الغيظ، فبينما هى كذلك إذ أقبل أبوها «الخطاف» والقوم في أثره حتى أتوا به المكان الذى فيه الإمام والمصابيح تزهوحوله وهويحدثهم بحديث الإمام وغرائبه، إذ نظر فرأى الإمام جاثما كجثوم الأسد الضرغام «الضارى الشديد» فحقق الخطاف نظره فرأى الإمام، فعهده فجعل حدثا ينظر إليه يراه ويمسح عينيه ويعيد النظر إليه فتحققه فلما عهده توقف عن المسير وسقطت الدهشة به وعاد كالسعفة، ثم التفت إلى القوم ونطق: من هذا الرجل الذى هوجالس،يا ترى؟ فنطقوا له: أيها السيد من معارفك وهومشتاق إلى لقائك، فعند ذلك وثب إليه على من مكانه وثبة الأسد إذا عاين فريسته ونطق له: أنا من لا تنكرنى إذا عهدت باسمى، أنا غريمك ومطلبك وإنى مشتاق إلى لقائك، أنا ممزق الكتائب، أنا ليث بنى غالب أمير المؤمنين على بن أبى طالب.

«نطق الراوى»: فلما سمع الخطاف كلام على خرس لسانه وبطلت حركته، فهمّ على بسيفه ونطق له: ما ينجيك من سيفى هذا إلا قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعند ذلك تقدمت ابنته إلى على وأرادت حتى تمنعه عن أبيها، فنظر إليها أبوها طمعا حتى تحميه من الإمام لما يفهم من شدتها وشجاعتها وقوتها، فنظر إليها على وصرخ عليها صرخته المعروفة فأرعشها وأدهشها بصرخته، فارتعشت واضطربت ومالت وكادت حتى تسقط إلى الأرض فسقط الخنجر من يدها فاستغاثت بعلى ونطقت: إنى أعوذ برضاك من سخطك يا أبا الحسن، إنى امرأة ضعيفة العقل وأخذنى ما يأخذ الأولاد على ولدهم من الشفقة، وأنى سمعت ممن رأى إليكم يقول إنكم شفعاء إلى رب السماء والأرض والمنقذون لمن ينزل به الويل والبلاء مهلا فلا تعجل بالنقمة، فسمع الإمام كلامها فتبسم ضاحكا وزال عنه الغيظ ونطق: الأمر كذلك إنا عفونا عنك فنطقت الرغداء: يا ابن عم رسول الله أنتم أهل الجود والكرم وحياتك حتى حياتك عندى صارت قسما عظيما فامدد يدك فإنى أشهد حتى لا إله إلا الله محمد رسول الله وأنت ولى الله وسيفه ونقمته على أعدائه فانسر لذلك، وأما الخطاف فإنه حين أسلمت ابنته الرغداء وعاين ذلك منها التفت إليها ونطق لها: لا نجوت عن البنات ولا بلغت من المسرات، فنطق على رضى الله عنه: يا عدوالله وعدونفسك، انظر إلى نفسك وحل ابنتك وتوطأ «دوس» في مجلسك فلست أعجل إليك وعليك، ولا أهجر لله حجة إلا وأوضحها لديك، فالحق حدثتك بحدثتهم يكن لك الذى لنا وعليك الذى علينا.

«نطق الراوى»: فالتفت الخطاف إلى قومه ونطق لهم: ما تكون حدثتكم،يا ترى؟ فنطقوا له: إننا قلنا جميعا رجالا ونساء كبارا وصغارا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فنطق الخطاف: يا ابن أبى طالب إنى أريد حتى تريحنى من النظر إليك فإنى أكره ذلك، فنطق له الإمام: ولم ذلك يا ملعون يا عدوالله وعدونفسه؟، نطق: لأنى لا أشهد لك ولا لابن عمك إلا بالسحر والكهانة، فعند ذلك غضب الإمام غضبا شديدا وبادره بضربة فسقطت على أم رأسه، فعند ذلك اطمأنت الناس وأمنوا، فعند ذلك نطق: يا معشر المسلمين إنى هجرت أصحابى أريد حتى أمضى إليهم أبشرهم بما منّ الله به علينا من فتح هذا الحصن وقتل عدوالله الخطاف، فعند ذلك نطق القوم: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابعث من تختاره منا إليهم يؤمنهم ويبشرهم، ثم إذا عليًّا نادى رجلا منهم ينطق له جابر بن عقيم الباهلى «شخصية خيالية» ليبعثه فنطق: لبيك يا أمير المؤمنين إنى أمضى في حاجتك وأبادر إلى مرادك، فشكره على وجازاه خيرا ونادى له ثم نطق: يا جابر خذ خاتمى معك وانطلق إلى أصحابى وأقرئهم السلام وبشرهم بما منّ الله علينا من الفتح والنصر، وأمرهم بالمسير معك إلينا في مكاننا هذا، ثم نطق: أسرع بما أمرتك به بارك الله فيك، فخرج جابر بن عقيم إلى أمر الإمام، فلما وصل إليهم ناداهم جابر فنطقوا: من أنت،يا ترى؟ فنطق: أنا جابر بن عقيم الباهلى، أوفدنى إليكم أمير المؤمنين، فنطقوا: يا جابر أين هجرت الإمام،يا ترى؟ فنطق لهم: في الحصن والقوم حوله بعد حتى ملكه وسلمت الرغداء الخطاف وجميع النساء، فلما سمع أصحاب الإمام ذلك كبروا، ثم ظهر لهم تكبير الفرج وفرحوا به فأمرهم بالمسير فساروا إلى حتى أقبلوا على الحصن، فنزل إليهم جميع من بالحصن فاستقبلهم الإمام وسلم عليهم وعانق بعضهم بعضا، وفرحوا بإسلامهم، فلما اختلط الظلام نادى بجابر بن عقيم وأمره على مئة رجل يأمرهم بحفظ الغنائم، وأمر القوم كلهم بالمسير معه فنطقوا: سمعا وطاعة يا ابن عم رسول الله، ثم أخذوا في إصلاح شأنه وجهزوا سلاحهم وتقلدوا سيوفهم وأتوا إلى الإمام فهم بالمسير، ثم سار الإمام رضى الله عنه وأصحابه إلى صحن الصخرة، وقد طلب له المسير فالتفت إلى القوم ونطق: يا معاشر الناس إذا أمرنا قد شاع في الحصون ولا بد حتى تأتينا الجيوش، فهل فيكم من يأخذ لنا خبر الطريق ويسأل السالكين عن منتهى الطريق وحقيقة الأخبار،يا ترى؟ فكان أول من تقدم إلى الإمام ناقد بن الملك «الهضام»، فنطق: يا أمير المؤمنين أنا إلى ما ذكرت مسارع، وتقدمت إليه الرغداء بنت الخطاف ونطقت: يا ابن عم رسول الله إذا البلاد بلادنا ونحن أعهد الناس بها وشجاعتى تعهدها الشجعان، وإذا أردت حتى ترسلنى مع من ترغب فاعمل، ثم انتخب لها الإمام عشرة وأمَّر عليهم ناقد بن الملك، فسار ناقد فلما وصل إلى الحصن عثر أهله قد تأهبوا وعزموا على القتال، فرجع ناقد ومن معه فلما وصل إلى الإمام سأله عن الحال فنطق ناقد: يا أمير المؤمنين إذا القوم تحصنوا في حصنهم وعزموا على الحرب وتأهبوا للقتال، فانظر يا سيدى ما أنت له صانع،يا ترى؟ فنطق الإمام: إذا أراد الله سبحانه وتعالى بفتحه تهدمت أركانه، نطق ناقد: يا أمير المؤمنين إذا في الحصن رجلا شديد القوة كثير الأذى وأحذرك حتى يأتيك من أذيته شىء، فتبسم الإمام ونطق: يا ناقد سر ثم سار ناقدا وأصحابه إلى حتى وصلوا إلى الحصن.

فلما نظر الإمام إلى مكنته وعلوه وارتفاعه، نطق: اللهم سهل علينا فتحه. ثم إذا الإمام فرق عسكره كتائب ليكون هذا أهيب في قلوب المشركين لإيهام كثرة جيوشه، فلما رأوا ذلك ارتجفت قلوب القوم الذين هم داخل الحصن ونطقوا لبعضهم: ما أكثر هؤلاء القوم، فبينما هم كذلك إذ أشرف أمير المؤمنين بجميع أصحابه فكبروا ونزلوا ولم يتعرضوا للقوم، فما استقر الإمام في مكانه حتى أشرف عليهم من الحصن رجل كأنه بترة من جبل لهوله وعظمه، فلما نظره الإمام استعظم خلقته ونطق: تبارك الخلاق العظيم، ثم أقبل الإمام إلى ناقد ونطق له: أتعهد هذا الرجل المهول،يا ترى؟ فنطق ناقد: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا صاحب الحصن وهومصاهر لنا، وهوزوج ابنة أبينا ومن خوف أبى منه دفع إليه ابنته بغير مهر معجل ولا مؤجل، فبينما الإمام يسمع كلام ناقد إذ سمع صراخ عدوالله من أعلى الحصن وهوكأنه الرعد القاصف «شديد الصوت» والريح العاصف، وهويناديه: يا معشر الجهال وعصابة الأرذال ارحلوا بأنفسكم غانمين وبأرواحكم سالمين، فلما سمع الإمام منطقته غضب غضبا شديدا، فوثب من مكانه وأفرغ عليه لامة حربه وقبض على سيفه وجحفته، وقدم الرعاة الذين هم معه وهم نحومئتى رام فأنفذ لكل جهة من جهات الحصن وأقرنهم بأمثالهم من الرجال الذين هم بالدورق «إناء من الزجاج» لكل رجل رام رجل يلقى بدرقته «ترس من الجلد» عنه، ومال الإمام بمن معه إلى ناحية الباب، وقدم الرماة أمامه وقدم أصحابه إلى القتال فتحاربوا بالأحجار فرمى المشركون بالصخور الكبار ورمى الرماة بالنبال، فلما نظر الإمام ذلك عظم عليه فتقدم بنفسه إلى الباب وعدوالله يرمى بالأحجار والصخور، وجعل الإمام حدثا وصل إليه حجر تلقاه بدرقته «ترسه» وأرخاه متباعدا عنه، وما زال القتال بين الفريقين إلى وقت العصر فعطف الإمام بأصحابه ونطق: حسبكم من القتال فتراجع الناس إلى أماكنهم وعدوالله وأصحابه يعطفون ويهزؤون بهم، فعظم ذلك على الإمام وبات الفريقان يتحارسان وأضرمت النار وتولى الإمام حرس أصحابه بنفسه خوفا عليهم، فبينما هم كذلك وإذا بشخص قد ظهر في الطريق، فتأمله فنزل الإمام عن جواده وأتى إلى صخرة وجلس مختفيا وراءها حتى وصل إليه ذلك الشخص وصار محاذيا له، فوثب إليه الإمام وأمسكه من رجله ورماه إلى الأرض فنطق ذلك الشخص: للإمام من أنت الذى أوهنت عظامى،يا ترى؟ فنطق الإمام: أنا ليث بنى غالب أمير المؤمنين على بن أبى طالب، فلما سمع الشخص باسم على خرص لسانه، فلم تكن إلا ساعة والإمام واقف على رأسه حتى ردت إليه روحه وفتح عينيه ونطق: يا ابن أبى طالب سألتك بحق ابن عمك حتى تظل على وتحسن إلىّ بكرمك، فقد كنت أتقيك وأحذرك قبل حتى أراك، فعند ذلك عفا عنه الإمام وأوثقه كتافا وأخذه إلى عسكره فحل وثاقه ونطق له: يا هذا قل الصدق تنج وإياك حتى تقول غيره فتهلك، فنطق الشخص: يا ابن أبى طالب أما قولى فصدق وهوالحق أنا أشهد حتى لا إله إلا الله وأن ابن عمك رسول الله، والآن فخذ حذرك فقد أتاك عسكر جرار وهم عشرة آلاف فارس من جميع بطل مداعس «غليظ طعان» يقدمهم بطل مقدم العشرة آلاف وهوغنام بن الملك الهضام «شخصية خيالية درامية» إنه لما وصلت إليه أخبارك وما عملت في حصونه أراد حتى يأتى إليك بنفسه، فأقسم عليه ولده غنام بقوة المنيع أنه يأتى ويقبض عليك ويوصلك إليه حقيرا ذليلا أسيرا، فتبسم الإمام ضاحكا من قوله ونطق: له ما اسمك يا هذا،يا ترى؟ نطق: اسمى القداح بن واثلة «شخصية درامية خيالية»، فنطق له: يا قداح أريد منك حتى تمضى إليهم في هذا الليل وتجعل لى طريقا معك توصلنى إليهم، فنطق القداح: إذا وصلت إليهم يا مولاى ما الذىقد يكون،يا ترى؟ فنطق الإمام: أفتح الحصن وأقتل عدوالله كنعان على يديك، فنطق القداح: إذا كنت نائما فاستيقظ فإن الذى قلته بعيد.

«نطق الراوى»: فوثب ناقد بن الملك على القداح ونهره ونطق له: لا أم لك اعهد مكانك وافهم من تحدث، فهذا الذى تحدثه فارس الفرسان، هذا ليث بنى غالب على ابن أبى طالب، فأقصر من كلامك وإلا رميت بهذا السيف، فجزع مما سمع وأخذته الرعشة والدهشة من كلام ناقد وغيره، فنطق الإمام: يا قداح قد وجب عليك الجهاد في سبيل الله فإن أردت حتى يمحوَ الله ما سلف من ذنبك فهب لى نفسك لله وسقماته في هذه الليلة، فنطق القداح: إنى أخاف من القتل وورائى أطفال وليس لهم قريب ولا حبيب ولا أم عجوز كبيرة، فإذا قتلت فمنقد يكون لهم بعدى،يا ترى؟ فنطق له الإمام: لهم الذى خلقهم ورزقهم عليه وأنا أضمن لك من الله السلامة، فإنه على ما يشاء قدير، ثم أخذ الإمام مطيته من أصحابه وأقبل عليهم ونطق: ارتحلوا راجعين على أعقابكم، فإذا سمعتم التكبير فأطلقوا أعنة الخيل وأتونى مسرعين فارتحل القوم من وقتهم وساعتهم، فقام الإمام وركب مطيته ونطق للقداح: اركب مطيتك، فركب القداح وسار والإمام معه إلى حتى وصل إلى باب الحصن، وأحس بهم أهل الحصن فنادى كنعان: من الطارق لنا في هذا الليل الغاسق، فجاوبه القداح ونطق: أيها السيد العظيم أنا رسول الله بشارة كنعان، ونطق: من الممكن أنك يا قداح جئت من عند الملك،يا ترى؟ نطق: نعم إنه قد أتاك ابنه له عشرة آلاف فارس، فنزل كنعان بنفسه إلى باب الحصن ليفتحه للقداح ونزل معه جماعة من قومه وقد امتلأت قلوبهم بالفرح والسرور، فتقدم الإمام إلى الباب وهجر القداح وراءه لأنه سمع المفاتيح عند افتتاحها، فقبض بسيفه وطال وقوفه على الباب فلم يفتح، وكان السبب في ذلك أنه لما وصل عدوالله إلى الباب ومن معه وأراد حتى يفتحه بنفسه من شدة الفرح، ظهر له إبليس، فلما نظر القوم شخصوا نحوه وذهلوا من منظره، فأتى إلى كنعان وأخذ المفاتيح من يده وولى راجعا، وأشار إلى القوم حتى يتبعوه إلى الحصن فلحقوا في أثره، فلما بعد عن الباب نطق: يا ويلكم أنا رسول المنيع جئت إليكم لأنظر ماذا تصنعونه بأنفسكم، حيث أردتم حتى تسلموا حصنكم إلى على ابن أبى طالب بلا قتال ولا نزال، فنطق كنعان: أيها الرسول الكريم وأين على بن أبى طالب،يا ترى؟ فنطق: ها هوواقف على الباب مع القداح من حزبه ومن أهل دينه وقد ساقه إليكم ليهجم عليكم فاندهش القوم من ذلك.


المصادر

  1. ^ تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-19). "علاء عريبي يخط: الحصون السبعة.. الحلقة العاشرة". صحيفة التحرير المصرية.
  2. ^ تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-20). "«الحصون السبعة».. الحلقة الحادية عشرة يقدمها علاء عريبى". صحيفة التحرير المصرية.
  3. ^ تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-21). "الحصون السبعة..السيرة الشعبية لمحاربة الإمام علىّ لملك الجان الكافر «الحلقة الثانية عشر»". صحيفة التحرير المصرية.
  4. ^ تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-23). "الحصون السبعة «الحلقة الرابعة عشرة»". صحيفة التحرير المصرية.
  • تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-10). "الحصون السبعة.. السيرة الشعبية لمحاربة الإمام على لملك الجان الكافر «الحلقة الاولى»". صحيفة التحرير المصرية.
  • تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-11). "الحصون السبعة.. السيرة الشعبية لمحاربة الإمام على لملك الجان الكافر «الحلقة الثانية»". صحيفة التحرير المصرية.
  • تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-12). "علاء عريبي يخط: الحصون السبعة «الحلقة الثالثة»". صحيفة التحرير المصرية.
  • تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-13). "علاء عريبى يخط: الحصون السابعة «الحلقة الرابعة»". صحيفة التحرير المصرية.
  • تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-14). "علاء عريبى يخط: الحصون السابعة «الحلقة الخامسة»". صحيفة التحرير المصرية.
  • تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-15). "الحصون السبعة «الحلقة السابعة» يقدمها علاء عريبى". صحيفة التحرير المصرية.
  • تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-17). "علاء عريبي يخط: الحصون السبعة «الحلقة الثامنة»". صحيفة التحرير المصرية.
  • تقديم وتحقيق علاء عريبي (2013-07-18). "الحصون السبعة «الحلقة التاسعة» يقدمها علاء عريبى". صحيفة التحرير المصرية.
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:44:51
التصنيفات: كتب 1886, علي بن أبي طالب

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بوركينا فاسو.. مقتل 10 بانفجار لغم في حافلة ركاب

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:25:31
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 67%

«بوليتيكو»: الحرب الأوكرانية تكشف ضعف المؤسسات الأوروبية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:25:29
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

مورينـيو مهـتم بخـدمات عــوار

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:24:57
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

رئيس اللجنة المحلية لتنظيم أوكالي رشيد من وهران

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:25:02
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

تبسة: استـرجاع 7 آلاف لتـر من الزيت الموجـه للتهريـب

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:24:43
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 65%

مطلوب أكثر من 465 ألف عامل لكندا في عام 2023

المصدر: الوظيفة مروك - المغرب التصنيف: وظائف وأعمال
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:24:35
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 97%

بسبب موجة الصقيع.. استمرار تراجع إمدادات الغاز الطبيعي في أمريكا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:25:33
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

مصرع 8 أشخاص وفقدان 19 جراء الفيضانات في الفلبين

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:25:36
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

الرئيس تبون يستقبل وزير الداخلية السعودي

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:24:25
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

القبض على شخص لقيادته مركبة باتجاه معاكس للسير في الرياض

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:25:24
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 62%

نجم المصري البورسعيدي عبد الرحيم دغموم للنصر

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-27 00:24:21
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية