انقلاب مرسي الناعم جدا (مقال)

عودة للموسوعة

انقلاب مرسي الناعم جدا (منطق)

عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربى

انقلاب مرسي الناعم جدا

بقلم المحرر: عبد الباري عطوان

2012-08-12

في غمضة عين، وبعد سلسلة مراسيم جمهورية مزلزلة، اتسمت بالشجاعة والجرأة، انقلبت جميع الأمور في مصر، وتحوّل الدكتور محمد مرسي من رئيس ضعيف تتطاول عليه بعض الاقلام في الصحافة ومحطات التلفزة المملوكة لمافيا رجال اعمال حكم مبارك، الى الرجل القوي الذي 'ينظف' المؤسسة العسكرية من جميع رموز العهد الماضي، ويستعيد جميع صلاحياته كرئيس للدولة، بما في ذلك قرار اعلان الحرب الذي سلبه منه المجلس العسكري، باصدار اعلان دستوري مكمل يشكل 'بدعة' الهدف منها اجهاض الثورة المصرية والتأسيس لدولة عسكرية.

نبوءة اللواء عمر سليمان بانقلاب عسكري طالما وصول الاسلاميين الى السلطة لم تصدق، بل جرى عكسها، فمن قام بالانقلاب على حكم العسكر هورئيس مدني منتخب، يملك سلطة ناعمة، سلطة صناديق الاقتراع، والدعم الشعبي الراسخ.

صناديق الاقتراع التي تمثل ارادة الشعب، واختياراته الحرة النزيهة اقوى من المؤسسة العسكرية، كما انها اقوى من المحكمة الدستورية العليا، والاعلام الذي يعيش في الماضي، ويرفض الاعتراف بعملية التغيير الجارفة التي بدأت تجرف جميع من يحاول عرقلة مسيرتها.

كثيرون داخل مصر وخارجها، اعتقدوا ان الرئيس مرسي لن يجرؤ على تحدي المجلس العسكري الاعلى الحاكم، وسيظل يعيش في ظل المشير حسين طنطاوي لأعوام قادمة، وكم كانوا مخطئين، وكم كانت قراراتهم مغلوطة، وتقويماتهم في غير محلها، مثلما شاهدنا بالامس.

نطقوا ان مصر دولة برأسين، رأس قوي بأكتاف تزينها النياشين والرتب العسكرية، ورأس صغير يطل على استحياء، ويتحسس طريقه طلبا للرضاء والستر، لنصحوونجد، وفي لحظة، ان الرأس الصغير بتر الكبير من جذوره، واتخذ قرارات حاسمة وحازمة، بإنهاء هيمنة العسكر على الحكم واعادتهم الى ثكناتهم ودورهم الطبيعي المنوط بهم، وهوالدفاع عن الدولة وحدودها. ' ' ' من كان يتصور ان 'ابوهول' المؤسسة العسكرية المصرية سيهبط من عليائه بجرة قلم، ويتحول الى مستشار تحت مظلة رئيس مصري ،كان حتى ثلاثة اشهر شخصا مغمورا، وموضع نكات بعض السذج، وتندر بعض الكتاب الذين لم يلتزموا بحدود الأدب الدنيا، ولم يتورعوا عن السخرية من اهل بيته والمحصنات من نسائه، وتلفيق الروايات الكاذبة عن زوجته السيدة الفاضلة وابنائه، بطريقة لا تليق بمصر وإرثها الحضاري الاسلامي العريق.

الرئيس مرسي اعاد للمؤسسة العسكرية المصرية شخصيتها وهيبتها واحترامها، وطهّرها ممن ارادوا ان يجعلوا منها حارسا لنظام الفساد، وامتدادا له، في زمن انقرضت فيه الديكتاتوريات العسكرية لمصلحة الدولة المدنية الديمقراطية، واختفت جمهوريات الموز من الخريطة السياسية، العربية والعالمية.

المشير طنطاوي ومجلسه العسكري ارتكبوا اخطاء كارثية لا تليق بهيبة الجيش المصري وتاريخه، عندما وضعوا انفسهم في لقاءة الارادة الشعبية، ومارسوا دورا يتعارض كليا مع العملية الانتخابية، التي يعود الفضل اليهم في انطلاقتها ومن ثم نزاهتها، عندما انحازوا الى السيد احمد شفيق احد ابرز رموز العهد السابق، وبحثوا عن ذرائع غير دستورية من محكمة دستورية عين قضاتها الرئيس المخلوع، لحل البرلمان والسيطرة على السلطة التشريعية.

فاجأنا الدكتور مرسي بشجاعته وجرأته، مثلما فاجأنا بمواصفاته كرجل دولة لا يعهد التردد، ولا ترهبه رتبة عسكرية، كبيرة كانت اوصغيرة، ولا يخاف من تحمل المسؤولية مهما بلغ حجم ثقلها، لعلها قوة الايمان.. لعلها الثقة بالنفس.. لعله الانتماء الى ملح الارض المصرية الطاهرة.. ولعلها اخلاق القرية الحقيقية وليس المزوّرة.

الفضل جميع الفضل يعود الى تلك الكارثة التي تجسدت في استشهاد 16 جنديا مصريا قرب معبر رفح الحدودي، ويمكن التأريخ لها بأنها نقطة تحول رئيسية في تاريخ مصر، وربما المنطقة العربية بأسرها.

هذه الجريمة البشعة كشفت هشاشة الاجهزة الامنية المصرية، وتخلي المؤسسة العسكرية عن ابسط واجباتها في حماية ارض الوطن، وصمتها على تآكل السيادة المصرية لمصلحة عدومتغطرس يتعمد إهانة مصر العظيمة وشعبها العريق، من خلال اتفاقات مذلّة ومكبّلة لكرامة هذا العملاق.

الدكتور مرسي انطلق من نقطة الضعف هذه ليحولها الى ورقة قوة لصالح مصر،عندما دفع بالدبابات والطائرات المروحية الى سيناء وبأعداد كبيرة دون الحصول على إذن اسرائيل، وحتى لواتى هذا الإذن فإنه كان حتميا، لأن طلب مصر الثورة لا يردّ، ولأن القرار باستعادة السيادة المصرية على سيناء لا رجعة فيه.

مسيرة الكرامة بدأت بإنطقة اللواء مراد موافي رئيس جهاز المخابرات، الذي كان تلميذا نجيبا لمفهمه عمر سليمان، ويشكل امتدادا لسياساته التي امتدت لعقود في تحويل مصر وجيشها وأجهزتها الامنية الى حارس لاسرائيل وحدودها، وتقديم أمنها وامن سياحها ومستوطنيها على أمن مصر.

بالأمس اقتربت هذه المسيرة من نهايتها بإحالة المشير طنطاوي وقائد اركانه الفريق سامي عنان الى التقاعد، وتعيين وزير دفاع حديث وقادة جدد للجيوش المصرية، بعد ايام معدودة من عزل قائد الحرس الجمهوري وقائد الأمن المركزي.

لا نعهد ما اذا كان الرئيس مرسي سيعيد مجلس الشعب المحلول ام لا، ولكن الغاء الاعلان الدستوري التكميلي هوالمستوى التمهيدية التي ستسهّل عودة الأمور الى مجراها الطبيعي. فهذا المجلس هومجلس الشعب، وهوالاول المنتخب بانتخابات حرة نزيهة في تاريخ مصر الحديث. ' ' ' من المؤكد، وبعد صدور هذه القرارات التاريخية، ان حالة من الاكتئاب والأرق تسود الآن المؤسسات السياسية والعسكرية في اسرائيل والولايات المتحدة، وبعض العواصم الغربية، لأن مصر لم تعد محكومة ببقايا النظام السابق، ولم تعد تأتمر بأمرة المسؤولين الامريكيين والاسرائيليين، مثلما كان عليه الحال لأكثر من اربعين عاما.

اسرائيل لن تتعامل بفوقية مع الجانب المصري مثلما كانت تعمل في السابق، والادارة الامريكية لن تستطيع هجريع الشعب المصري من خلال مساعدات مالية مهينة، المستفيد الاكبر منها سماسرتها وشركاتها، والمعادلات الأمنية والسياسية التي سادت لعقود تتآكل تمهيدا للاندثار. قد يجادل البعض بأن ما يجري حاليا هوشكل من اشكال الديكتاتورية تهجرز من خلاله السلطات في ايدي حركة الاخوان المسلمين، ولكن أليس الشعب المصري هوالذي اختار هذه الحركة للوصول الى سدة الحكم، ولماذا التسرّع في اطلاق الاحكام، وهل يعقل ان تكون الدولة برأسين، وتخضع لحكم العسكر الذي اعترض عليه الليبراليون لسنوات عديدة؟

اليوم نستطيع ان نقول ان الثورة المصرية اكتملت، اوبالأحرى وضعت اقدامها على الطريق السليم لتحقيق اهدافها.. نعم انه طريق طويل مليء بالمطبات.. ولكن مخطئ.. بل ساذج.. من كان يتصور انه سيكون سهلا ومعبدا بالورود والرياحين.

نفرح لمصر.. ونتابع مسيرة التغيير فيها، لأنها القاطرة التي يمكن، لوصلح حالها، ان تقود عربات المنطقة العربية نحومستقبل افضل واكثر اشراقا، بعد اربعين عاما من التيه في صحراء كامب ديفيد. المؤسسة العسكرية المصرية انحازت للشعب عندما ثار على نظام مبارك الفاسد، وها هي تنحاز له مرة اخرى عندما اراد بعض رموزها القديمة ركوب الثورة، وتغيير مسارها بما يخدم أجندات النظام السابق، وان بطريقة مواربة.

تابعت شخصيا وجه الرئيس مرسي ووجوه المشير طنطاوي ومساعديه اثناء توجههم الى سيناء لمتابعة عمليات الجيش العسكرية، كان الرئيس مرسي مرتاحا غير خائف من الموت، لأنه يتطلع اليه، بينما كان الآخرون مرتبكين، فقد تعودوا على رئيس لا يخرج من مخبئه، ويرتعد خوفا من الناس، منذ محاولة اغتياله في اديس ابابا.. مصر ترغب رئيسا وقادة عسكريين لا يخافون الموت، ويبدوان أمنيتها بدأت تتحقق.

Twier:@abdelbariatwan

تصنيف:منطقات القدس العربى

تصنيف:صحف عربية تصدر في لندن

تصنيف: منطقات عبدالبارى عطوان

تاريخ النشر: 2020-06-04 15:51:55
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الوداد يضيف 7 لاعبين جدد للائحته الأفريقية

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-02-06 15:07:13
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

اعتقال ثلاثة أشخاص بحوزتهم 1710 قرص من "الاكستازي"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-06 12:27:53
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 55%

حكم بالتعويض ضد الهولندي بروميس بتهمة طعن أحد أقربائه

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-06 15:08:10
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 85%

الحوثيون يعلنون شنّ هجومين جديدين على سفينتين في البحر الأحمر

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-06 15:08:07
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 100%

ارتفاع حصيلة جرحى الجيش الإسرائيلي منذ الـ7 من أكتوبر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-06 15:08:25
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 98%

بروكسل تكشف طموحها المناخي لعام 2040

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-06 15:08:09
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 88%

اعتقال ثلاثة أشخاص بحوزتهم 1710 قرص من "الاكستازي"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-02-06 12:27:48
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

تحميل تطبيق المنصة العربية