رشيد الدين الصوري
رشيد الدين أبوالمنصور بن أبي الفضل بن علي الصوري (573 - 639هـ / 1177-1241) من أطباء العرب المشهورين في فهم الأدوية المفردة والنباتات الطبية، اطلع على محاسن الصناعة الطبية الجلية منها والخفية، وهوي دراسة الأعشاب؛ فأصبح متميزاً في فهم الأدوية المفردة وماهياتها، واختلاف أسمائها وصفاتها، وتحقيق خواصها وتأثيراتها. كان من فهماء القرن السادس الهجري، وله باع كبير في فهم الوصف، والحصر النباتي "Flora"، تفهم نباتات الشام دراسة رائدة من بذرة جميع نبات حتى عند جفافه ويبسه. ويذكر ابن أبى أصيبعة: «أن رشيد الدين الصوري كان يصطحب معه مصورا مزودا بالأصباغ على اختلاف أنواعها، ثم يطوف مواطن النبات ويطلب من المصور حتى يصور له النبتة في بيئتها بألوانها الطبيعية، وأن يجتهد في محاكاتها، وكان يطلب منه تصوير النبتة في أطوارها المتنوعة من أيام إنباتها ونضارتها وإزهارها وإثمارها وجفافها فيكون التحقيق أتم والفهم أبين».
وكان هذا منهجه في كتابه الأدوية المفردة الذى يضم إلى جانب الأدوية أوصاف ورسوم النباتات الملونة في أطوارها المتنوعة وكذلك كتابه "التاج". وهذا يؤكد تجاوز المسلمين واستخدامهم المنهج الفهمى التجريبي.
سيرته
ولد ابن الصوري في مدينة صور ونشأ بها ثم انتقل عنها واشتغل بصناعة الطب على الشيخ موفق الدين عبد العزيز، وقرأ أيضاً على الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، وصحب الشيخ أبا العباس الجيّاني.
انتقل إلى القدس وأقام بها سنتين ومارس الطب في بيمارستان القدس الذي بناه صلاح الدين الأيوبي، ولكن زلزالاً دمره، غير حتى مسقطه لايزال معروفاً إلى اليوم في محلة الدباغة بالقدس.
اتصل ابن الصوري بالحاكم العادل الأيوبي وصحبه سنة 612هـ/1215م إلى مصر، وبقي معه مدة حكمه ثم خدم من بعده ابنه الملك المعظم ثم الناصر بن المعظم وأصبح في أيام هذا الأخير رئيساً للأطباء، فلما توجه الملك الناصر إلى الكرك أقام رشيد الدين في دمشق، وكان له مجلس للطب وجماعة يترددون إليه يشتغلون بالصناعة الطبية. حرر أدوية الترياق الكبير أوالدرياق antitoxin وهوما يمنع آليّاً امتصاص السم (لفظ فارسي وهودواء مركب من مفردات طبية كثيرة، وقد عثر لأول مرة لتداوي لسع الأفاعي والتسممات الأخرى).
عاصر ابن الصوري ابن أبي أصيبعة، وعلى الرغم من كونه من معاصري ابن البيطار، وقد عمل كلاهما في دمشق، فليس هناك ما يشير على تواصل بين هذين العالمين.
كان رشيد الدين الصوري هاوياً لدراسة طبيعة النبات وعشَّاباً حاذقاً فعهد أدوية لم يذكرها من سبقه في هذه الصناعة، وكان يستصحب معه مصَوراً، ومعه الأصباغ والليق (الحبر) على اختلافها وتنوعها، وكان يتوجه إلى المواضع التي بها النبات مثل جبل لبنان وغيره من المواضع التي قد اختص جميع منها بشيء من النبات فيحققه، ويريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله ويصور بحسبها، ويجتهد في محاكاتها، ثم إنه سلك في تصوير النبات مسلكاً مفيداً وذلك أنه كان يُري النبات للمصور في إبان نباته وطراوته فيصوره، وكذلك وقت كماله وظهور بذره، ثم يريه إياه أيضاً في وقت ذبوله ويبسه فيصوره فيكون الدواء الواحد قد شاهده الناظر إليه في كتابه «الأدوية المفردة» على أنحاء ما يمكن حتى يراه به في الأرض، فيكون تحقيقه له أتم، ومعهدته له أبين. وقد تضمن كتابه «الأدوية المفردة» ما يزيد على أربعمئةٍ وستين فصيلة نباتية مصورة بألوانها ومشروحة بأوصافها، إضافة إلى خمسة وسبعين دواء معدنيّاً وأربعين دواء من مصادر حيوانية.
مؤلفاته الأخرى
ومن مؤلفاته أيضاً:
- كتاب «الرد على كتاب التاج للغاوي في الأدوية المفردة»،
- «تعاليق ووصايا طبية خطها لابن أبي اصيبعة»،
- كتاب« تذكرة الكحلين» أو«الكافي في طب العيون» لابن الصوري وهومخطوطة موجودة في مخطة الأسد بدمشق برقم 3141،
- « الكامل في الأدوية المفردة» ومخطوطة هذا الكتاب موجودة في مخطة أحمد الثالث في مدينة استنبول تحت رقم 2067، ورد ذلك في أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب، وربما كان كتاب «الكامل في الأدوية المفردة» هوكتاب «الأدوية المفردة» نفسه الذي ذكره ابن أبي أصيبعة.
محسن الخيّر
للاستزادة
- ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء (مخطة دار الحياة، بيروت).
- أحمد عيسى بك، تاريخ البيمارستانات في الإسلام (دمشق 1357هـ).
- أبحاث المؤتمر السنوي العاشر لتاريخ العلوم عند العرب (جامعة حلب، معهد التراث الفهمي العربي).
مصادر
- إسلام أون لاين.نت