عقيدة ابن عربي

وقد اختلف الناس في عقيدته، وفي الحكم عليه، أشدّ الاختلاف، فبعضُهم حمله إلى عِلّيين، وبعضهم وضعه مع الزنادقة والملحدين ونذكر هنا عقيدة الشيخ كاملة كما ذكرها هوفي مقدمة كتاب الفتوحات المكية تحت عنوان (عقيدة الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي رحمه الله).

قول في الله

فيا إخوتي وإحبائي رضي الله عنكم ، أشهدكم عيد ضعيف مسكين فقير إلي الله تعالي في جميع لحظة وطرفة,أشهدكم علي نفسه بعد حتى أشهد الله تعالي وملائكته, ومن حضره من المؤمنين وسمعه أنه يشهد قولا وعقدا, حتى الله تعالي إله واحد ، لا ثاني له وألوهيته منزه عن الصاحبة والولد ، مالك لا شريك له ملك لا وزير له ، صانع لا مدبر معه ، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده, بل جميع موجود سواء مفتقر إليه تعالي في وجوده فالعالم كله موجود به ، وهووحده متصف بالوجود لنفسه ، ليس بجوهر متحيز فيقدر له مكان ولا بعرض فيستحيل اليه البقاء ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء ، مقدس عن الجهات والأقطار, مرئي بالقلوب والأبصار, اذا شاء استوي على عرشه كما نطقه وعلى المعني الذي اراده كما ان العرش وما سواه به استوي, وله الآخرة الأولي ، ليس له مثل معقول ولا دلت عليه العقول, لا يحده زمان ولا يقله مكان بل كان ولا مكان وهوعلى ما عليه كان, خلق المتمكن والمكان وأنشأ الزمان ونطق : أنا الواحد الحيي لا يؤوده حفظ المخلوقات ولا ترجع اليه صفة كم يكن عليها من صنعة المصنوعات, تعالى ان تحله الحوادث أويحلها أوتكون بعده أوقد يكون قبلها بل ينطق كان ولا شيء معه فإن الله قبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه فهوالقيوم الذي لا ينام والقهار الذي لا يرام ليس كمثله شيء.

صفة الخلق

خلق العرش وجعله حد الاستوي وأنشأ الكرسي وأوسعه الأرض والسماوات العلى ، اخترع اللوح والقلم الأعلى وأجراه محررا بفهمه في خلقه إلي يوم الفصل والقضاء ، أبدع العالم كله علي غير مثال تجاوز وخلق الخلق وأخلق الذي خلق أنزل الأرواح في الأشباح أمناء وجعل هذه الأشباح المنزلة إليها الأرواح في الأرض خلفاء وسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه فلا تتحرك ذرة الا اليه وعنه خلق الكل من غير حاجة اليه ولا موجب أوجب ذلك عليه لكن فهمه تجاوز بأن يخلق ما خلق

صفة الفهم

فهوالأول والآخر والظاهر والباطن وهوعلى جميع شيء قدير أحاط بكل شيء فهما وأحصى جميع شيء عددا يفهم السر وأخفى يفهم خائنة الأعين وما تخفي الصدور كيف من الممكن أن لا يفهم شيئا وهوخلقه (ألا يفهم من خلق وهواللطيف الخبير) فهم الأمور منها قبل وجودها ثم أوجدها على حد ما فهمها فلم يزل عالما بالأمور لم يتجدد له فهم عند تجدد الأمور ، بفهمه أتقن الأمور وأحكمها وبه حكم عليها من شاء وحكمها فهم الكليات على الأطلاق كما فهم الجزئيات بإجماع من أهل النظر السليم واتفاق ، فهوعالم الغيب والشهادة فتعالي الله عما يشركون.

صفة الإرادة

فعال لما يريد فهوالمريد الكائنات في عالم الأرض والسماوات لم تتعلق قدرته بشيء حتى أراده كما أنه لم يرده حتى فهمه ، إذ في العقل حتى يريد ما لا يفهم, أويعمل المختار المتمكن من هجر ذلك العمل ما لا يريد كما يستحيل حتى توجد نسب هذه الحقائق في غير حي كما يستحيل حتى تقوم الصفات بغير ذات موصوفة بها فما في الوجود طاعة ولا عصيان ولا كسب ولا خسران ولا عبد ولا حر ولا برد ولا حر ولا حياة ولا موت ولا حصول ولا فوت ولا نهار ولا ليل ولا اعتدال ولا ميل ولا بر ولا بحر ولا شفع ولا وتر ولا جوهر ولا عرض ولا صحة ولا سقم ولا فرح ولا ترح ولا روح ولا شبح ولا ظلام ولا ضياء ولا أرض ولا سماء ولا هجريب ولا تحليل ولا كثير ولا قليل ولا عداة ولا أصيل ولا بياض ولا سواد ولا رقاد ولا سهاد ولا ظاهر ولا باطن ولا متحرك ولا ساكن ولا يابس ولا رطب ولا قشر ولا لب ولا شيء من هذه النسب المتضادات منها والمختلفات والمتماثلات الا وهومراد للحق تعالى. وكيف من الممكن أن لاقد يكون مرادا له وهوأوجده فكيف يوجد المختار ما لا يريد لا راد لأمره ولا معقب لحكمه يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويغر من يشاء ويذل من يشاء ويضل من يشاء ويهدي من يشاء ، ما شاء كان وما لم يشاء حتىقد يكون لم يكن لواجتمع الخلائق كلهم على حتى يريدوا شيئا لم يرد الله تعالى حتى يريدوه ما أرادوه أويعملوا شيئا لم يرد الله تعالى إيجاده وأرادوه عندما أراد منهم حتى يريدوه ما عملوه ولا استطاعوا على ذلك ولا أقدرهم عليه فالكفر والإيمان والطاعة والعصيان من مشيئته وحكمه وإرادته ولم يزل سبحانه موصوفا بهذه الإرادة أزلا والعالم معدوم غير موجود وإذا كان ثابتا في الفهم في عينه ثم أوجد العالم من غير تفكر ولا تدبر عن جهل أوعدم فهم فيعطيه التفكر والتدبر على ما جهل جل وعلا عن ذلك عل أوجده عن الفهم السابق وتعيين الإرادة المنزهة الأزلية القاضية على العالم بما أوجدته عليه من زمان ومكان أكوان وألوان فلا مريد في الوجود علي الحقيقة سواه إذ هوالقائل سبحانه ( وما تشاءون الا حتى يشاء الله) سورة الإنسان

صفه السمع

وأنه سبحانه كما فهم فأحكم واراد فخصص وقدر فأوجد كذلك سمع ورأى ما تحرك وسكن أونطق في الورى من العالم الأسفل والأعلى لا يحجب سمعه البعد فهوالقريب ولا يحجب بصره القرب فهوالبعيد يسمع كلام النفس في النفس وصوت المماسة الخفية عند اللمس ويري السواد في الظلماء والماء في الماء لا يحجبه الامتزاج ولا الظلمات ولا النور وهوالسميع البصير.

صفة الكلام

تحدث سبحانه لا عن صمت متقدم ولا سكوت متوهم بكلام قديم أزلي كسائر صفاته من فهمه وإرادته وقدرته وقع به موسى عليه السلام سماه التنزيل والزبور والتوراة والإنجيل من غير حروف ولا أصوات ولا نغم ولا لغات بل هوخالق الأصوات والحروف واللغات فكلامه سبحانه من غير لهاة ولا لسان كما حتى سمعه من غير أصمخة ولا أذان كما حتى بصره من غير حدقة ولا أجفان كما حتى إرادته في غير قلب ولا جنان كما حتى فهمه من غير اضطرار ولا نظر في برهان كما حتى حياته من غير بخار بجويف القلب وقع عن امتزاج الأركان كما حتى ذاته لا تقبل الزيادة والنقصان

التنزيه

فسبحانه سبحانه من بعيد دان عظيم السلطان عميم الأحسان جسيم الإمتنان جميع ما سواه فهوفي وجوده فائض ، وفضله وعدله الباسط له والقابض ، أكمل خلق العالم وأبدعه حين أوجده وإخترعه لا شريك له في ملكه ولا مدبر معه في ملك غيره فينسب إلي الجور والحيف ولا يتوجه عليه لسواه حكم فيتصف بالجزع لذلك والخوف جميع ما سواه تحت سلطان قهره ومتصرف عن إرادته

أمره

وأمره فهوالملهم نفوس المكلفين التقوي والفجور وهوالمتجاوز عن سيئات من شاء ، وألآخذ بها من شاء هنا وفي يوم النشور لا يحكم عدله في فضله ولا فضله في عدله أخرج العالم قبضتين وأوجد لهم منزلتين فنطق هؤلاء للجنه ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم يعترض عليه معترض هناك ، اذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصريف أسمائه فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء الآئه ولوأراد ستحانه حتىقد يكون العام كله سعيدا لكان أوشقيا لما كان من ذلك في شأن لكنه سبحانه لم يرد فكان كما أراد فمنهم الشقي والسعيد هنا وفي يوم المعاد فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم وقد نطق تعالى في الصلاة هي خمس وهي خمسون (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) سورة ق: 29 لتصرفي في ملكي وإنفاذ مشيئتي في ملكي وذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار والبصائر ولم تعثر عليها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب ، الا هي وجود رحماني لمن اعتني الله به من عباده وتجاوز له ذلك بحضرة أشهاده عملم حين أفهم حتى الألوهة أعطت هذا التقسيم وأنه من رقائق القديم فسبحان من لا فاعل سواه ولا موجود لنفسه الا إياه (والله خلقكم وما تعملون) سورة الصافات: 96 و( لا يسئل عما يعمل وهم يسئلون ) سورة الأنبياء : 23 (فلله الحجة البالغة فلوشاء لهداكم أجمعين) سورة الأنعام : 149

الشهادة الثانية

وكما أشهدت الله وملائكته وجميع خلقه وإياكم على نفسي بتوحيده فكذلك أشهده سبحانه وملائكته وجميع خلقه وإياكم على نفسي بالإيمان بمن اصطفاه واختاره واجتباه من وجوده ذلك سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي أوفده إلى جميع الناس كافة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فبلغ صلي الله عليه وسلم ما أنزل من ربه إليه وأدي أمانته ونصح أمته ووقف في حجة وداعه على جميع من جاء من أتباعه فخطب وذكر وخوف وحذر وبشر وأنذر ووعد وأوعد وأمطر وأرعد وما خص بذلك التذكير أحدا من أحد عن إذن الواحد الصمد ثم نطق ( الا هل بلغت ) فنطقوا بلغت يارسول الله فنطق صلي الله عليه وسلم اللهم اشهد واني مؤمن بكل ما اتى به صلي الله عليه وسلم مما فهمت وما لا أفهم فمما اتى به فقرر حتى الموت عن أجل مسمى عند الله إذا اتى لا يؤخر فأنا مؤمن بهذا إيمانا لا ريب فيه ولا ريب كما آمنت وأقررت حتى سؤال فتاني القبر حق وعذاب القبر حق وبعث الأجساد من القبور حق والعرض على الله تعالي حق والحوض حق والميزان حق وتطاير الصحف حق والصراط حق والجنة حق والنار حق وفريقا في الجنة وفريقا في النارحق وكرب ذلك اليوم حق على طائفة وطائفة أخري لا يحزنهم الفزع الأكبر وشفاعة الملائكة والنبين والمؤمنين وإخراج أرحم الراحمين بعد الشفاعة من النار من شاء حق وجماعة من أهل الكبائر المؤمنين يدخلون جهنم ثم يخرجون منها بالشفاعة والامتنان حق والتأيد للمؤمنين والموحدين في النعيم المقيم في الجنان حق والتأبيد لأهل النار في النار حق وجميع ما اتىت به الخط والرسل من عند الله فهم أوجهل حق. فهذه شهادتى علي نفسى أمانة عند جميع وصلت إليه حتى يؤديها إذا سئلها حيثما كان نفعنا الله وإياكم بهذا الإيمان وثبتنا عليه عند الانتنطق من هذه الدار إلى الدار الحيوان وأحلنا منها دار الكرامة والرضوان وحال بيننا وبين دار سرابيلها من القطران وجعلنا من العصابة التي أخذت الخط بالإيمان وممن انقلب من الحوض وهوريان وثقل له ميزان وثبتت له علي الصراط قدمان إنه المنعم المحسان, فالحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا حتى هداناالله لقد اتىت رسل ربنا بالحق.