محيي الدين بن عربي

عودة للموسوعة

محيي الدين بن عربي

محيي الدين ابن عربي

بيانات اضافية
الميلاد 558هـ في مرسية
الوفاة 638هـ في دمشق
الضريح دمشق، جبل قاسيون
البيعة باع في ،الطريقة القادرية علي يد شيخ يونس ابن يححي العباسي
منشئ الطريقة الطريقة الأكبرية
لقب الشيخ الأكبر
مريدون إسماعيل بن سودكين , صدر الدين قونوي
مؤلفاته فصوص الحكم،الفتوحات المكية, مواقع النجوم, روح القدس
نقاش فهماء التابعة لحركة السلفية يرفضون مكانته الفهمية والدينية
صوفية

المتصوف الكبير الامام محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي ، لقب بالشيخ الأكبر ولذا ينسب إليه ممضى باسم الأكبرية. ولد بمرسية في الأندلس في شهر رمضان الكريم عام 558هـ الموافق 1164م عامين قبل وفاة شيخ عبد القادر الجيلانى وتوفي في دمشق عام 638هـ الموافق 1240م. ودفن في جبل سفح قاسيون.

ألقابه

  • الشيخ الأكبر
  • رئيس المكاشفين
  • البحر الزاخر
  • بحر الحقائق
  • إمام المحققين
  • محيي الدين
  • سلطان العارفين


نشأته

يعهد الشيخ محيي الدين بن عربي بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر. واحد من كبار المتصوفة والفلاسفة المسسلمين على مر العصور. كان أبوه علي بن محمد من أئمة الفقه والحديث، ومن أعلام الزهد والتقوى والتصوف . وكان جده أحد قضاة الأندلس وفهمائها ، فنشأ نشأة تقية ورعة نقية من جميع الشوائب الشائبة. وهكذا درج في جوعامر بنور التقوى ، فيه سباق حر مشرق نحوالشرفات العليا للإيمان.

وانتقل والده إلى إشبيلية وحاكمها إذ ذاك السلطان محمد بن سعد ، وهي عاصمة من عواصم الحضارة والفهم في الأندلس . وما كاد لسانه يبين حتى دفع به والده إلى أبي بكر بن خلف عميد الفقهاء ، فقرأ عليه القرآن الكريم بالسبع في كتاب الكافي ، فما أتم العاشرة من عمره حتى كان مبرزاً في القراءات ملهما في المعاني والإشارات . ثم أسلمه والده إلى طائفة من رجال الحديث والفقه تنقل بين البلاد واستقر اخيرا في دمشق طوال حياته وكان واحدا من اعلامها حتى وفاته عام 1240 م.

وذكر انه سقم في شبابه سقما شديدا وفي أثناء شدة الحمي رأى في المنام أنه محوط بعدد ضخم من قوى الشر ، مسلحين يريدون الفتك به . وبغتة رأى شخصا جميلا قويا مشرق الوجه ، حمل على هذه الأرواح الشريرة ففرقها شذر مذر ولم يبق منها أي أثر فيسأله محيي الدين من أنت ،يا ترى؟ فنطق له أنا سورة يس. وعلي أثر هذا أستيقظ فرأي والده جالسا إلى وسادته يتلوعند رأسه سورة يس. ثم لم يلبث حتى برئ من سقمه ، وألقي في روعه أنه معد للحياة الروحية وآمن بوجود سيره فيها إلى نهايتها فعمل.

وتزوج بفتاة تعتبر مثالا في الكمال الروحي والجمال الظاهري وحسن الخلق ، فساهمت معه في تصفية حياته الروحية ، بل كانت أحد دوافعه الي الإمعان فيها. وفي هذه الأثناء كان يتردد على إحدى مدارس الأندلس التي تفهم سرا ممضى الأمبيذوقلية المحدثة المفعمة بالرموز والتأويلات والموروثة عن الفيثاغورية والاورفيوسية والفطرية الهندية. وكان أشهر أساتذة تلك المدرسة في ذلك القرن ابن العريف المتوفي سنة 1141م.

نشأته الروحية

جزء من سلسلة

تصوف


تاريخ التصوف

توحيد · الشهادتين
الصلاة · الصوم
الحج · الزكاة

حارث المحاسبي · الغزالي
عبد القادر الجيلاني · حسن البصري
أحمد السرهندي · ابن عربي
مهر علي شاه · علي هجويري· جوهر شاهي

إحياء علوم الدين · الرسالة القشيرية · مكتوبات الربانية
الفتوحات المكية · كشف المحجوب · دين الله

صوفية السنة · صوفية الشيعة · صوفية الفلسفة

الطريقة القادرية · الطريقة النقشبندية · الطريقة الجشتية · الطريقة السهروردية
الطريقة المجددية · الطريقة الشاذلية· الطريقة السنوسية · الطريقة المولوية · الطريقة الإدريسية . الكيفية التيجانية · البكداشية · الأحباش

المحبة · الفهم
فناء بقاء · سالك
الشيخ · الطريقة
تجلي · وحدة الوجود

المسجد الحرام · المسجد النبوي
المسجد الأقصى ·الأزهر

دمشق · خراسان · القدس
بصرة · الإسكندرية · فاس

مما لاشك فيه حتى استعداده الفطري ونشأته في هذه البيئة التقية واختلافه إلى تلك المدرسة الرمزية جميع ذلك قد تضافر على إبراز هذه الناحية الروحية عنده في سن مبكرة فلم يكد يختم الحلقة الثانية من عمره حتى كان قد انغمس في أنوار الكشف والإلهام ولم يشارف العشرين حتى اعلن انه جعل يسير في الطريق الروحاني بخطوات واسعة ثابتة ، وانه بدأ يطلع علي أسرار الحياة الصوفية. وحتى عددا من الخفايا الكونية قد تكشفت أمامه وحتى حياته سلسلة من البحث المتواصل عما يحقق الكمال لتلك الاستعدادات الفطرية . ولم يزل عاكفا حتى ظفر بأكبر قدر ممكن من الأسرار . وأكثر من ذلك أنه حين كان لا يزال في قرطبة قد تكشف له من أقطاب العصور البائدة من حكماء فارس والإغريق كفيثاغورس وأمبيذوقليس وافلاطون وهذا هوسبب شغفه بالاطلاع علي جميع الدرجات التنسكية في جميع الأديان والمذاهب عن طريق أرواح رجالها الحقيقين بهئية مباشرة .

رحلاته الي بلاد

وفي هذا العصر رأى في حالة اليقظة أنه أمام العرش الالهي المحمول على أعمدة من لهب متفجر ورأى طائرا بديع الصنع يحلق حول العرش ويصدر اليه الأمر بأن يرتحل إلى الشرق وينبئه بأنه سيكون هومرشده السماوي وبأن رفيقاً من البشر ينتظره في مدينة فاس 594هـ.

  • وفي السنة 595هـ كان في غرناطة مع شيخه أبي محمد عبد الله الشكاز
  • وفيما بين سنتي 597هـ ، 620هـ الموافق سنة 1200 ، 1223 يبدأ رحلاته الطويلة المتعددة الي بلاد الشرق فيتجه إلى الشرق ويستقر خلال رحلته في دمشق .
  • ففي السنة 1201 م إلى مكة فيستقبله فيها شيخ إيراني وقور جليل عريق المحتد ممتاز في العقل والفهم والخلق والصلاح . وفى هذه الأسرة التقية يلتقي بفتاة تدعي نظاما وهي ابنة ذلك الشيخ وقد حباها الله بنصيب موفور من المحاسن الجسمية والميزات الروحية الفائقة ، واتخذ مهنا محيي الدين رمزا ظاهريا للحكمة الخالدة وأنشأ في تصوير هذا الرموز قصائد سجلها في ديوان ترجمان الأشواق ألفه في ذلك الحين.
  • وفي ذلك الحين في احدي تأملاته رأي مرشده السماوي مرة أخرى يأمره أيضا بتأليف كتابه الجامع الخالد الغزوات المكية الذي ضمن فيه أبرز أرائه الصوفية والعقلية ومبادئه الروحية.
  • وفي سنة 599هـ زار طائف وفي زيارته بيت عبد الله بن العباس ابن عم رسول الإسلام استخار الله وخط رسالة حلية الأبدال لصاحبيه أبي محمد عبد الله بن بدر بن عبد الله الحبشي وأبي عبد الله محمد بن خالد الصدفي التلمساني .
  • وفي سنة 601هـ، 1204م يرتحل الي الموصل حيث تجتذته تعاليم الصوفي الكبير علي بن عبد الله بن جامع الذي تلقي لبس الخرقة عن الخضر مباشرة ، ثم ألبس محيي الدين اياها بدوره. وفي نفس السنة زار قبر رسول الإسلام وكما نطق "وقد ظلمت نفسي وجئت إلى قبره صلى الله عليه وسلم فرأيت الأمر على ما ذكرته وقضى الله حاجتي وانصرفت ولم يكن قصدي في ذلك المجيء إلى الرسول إلا هذا الهجير"
  • وفي سنه 1206م في طريقه نلتقي به في القاهرة مع فريق الصوفية
  • وفي سنة 1207م عاد الي مكة الي اصدقائهم القدماء الأوفياء وقام في مكة ثلاثة أعوام تم عاد إلى دمشق وزار قونية بهجريا حيث يتلقاه أميرها السلجوقي باحتفال بهيج. وتزوج هناك بوالدة صدر الدين القونوي. ثم لم يلبث حتى يرتحل الي أرمينيا
  • وفي سنة 1211م رحل الي بغداد ولقي هناك شهاب الدين عمر السهروردي الصوفي المشهور.
  • وفي سنه 1214م زار مكة ووجد عدد من فقهائها الدساسين قد جعلوا يشوهون سمعته لسبب القصائد التي نشرها في ديوانه الرمزي منذ ثلاثة عشر عاما ومر إلى دمشق عائدا .
  • وبعد ذلك راحل الي حلب واقام فيها ردحا من الزمن معززا مكرما من أميرها .
  • وأخيرا أقام في دمشق سنه 1223م حيث كان أميرها أحد تلاميذه ومن المؤمنين بفهمه ونقائه وعاش حياته في دمشق يؤلف ويفهم وكان واحدا من كبار الفهماء بين اهل الفهم والفقه في دمشق ، فدون وخط مراجعة ومؤلفاته وكان له مجلس الفهم والتصوف في رحاب مجالس دمشق وبين فهماء الفقه والفهم بدمشق ومدارسها .

توفي بن عربي في 28 ربيع الثاني من سنة 638هـ الموافق 16 نوفمبر من سنة 1240م ودفن في سفح جبل قاسيون في دمشق .

أندريه مالرو
نص كتاب إشارات القرآن ابن عربي انقر على الصورة للمطالعة
نص كتاب كتاب اليقين ابن عربي انقر على الصورة للمطالعة
نص كتاب ابن عربي..الوصايا انقر على الصورة للمطالعة
ملف:رسائل ابن عربي.pdf
نص كتاب رسائل ابن عربي انقر على الصورة للمطالعة
نص خط مواقع النجوم ابن عربي انقر على الصورة للمطالعة


عقيدة محيي الدين ابن عربي وممضىه الفقهي

‏من نطق بالحلول فدينه معلول، وما نطق بالاتحاد إلا أهل الإلحاد

—أصل محيي الدين ابن عربي

" فيا إخوتي وإحبائي رضي الله عنكم ، أشهدكم عيد ضعيف مسكين فقير إلي الله الله في جميع لحظة وطرفة,أشهدكم علي نفسه بعد حتى أشهد الله وملائكته, ومن حضره من المؤمنين وسمعه أنه يشهد قولا وعقدا, حتى الله إله واحد ، لا ثاني له وألوهيته منزه عن الصاحبة والولد ، مالك لا شريك له ملك لا وزير له ، صانع لا مدبر معه ، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده, بل جميع موجود سواء مفتقر إليه الله في وجوده فالعالم كله موجود به ، وهووحده متصف بالوجود لنفسه ، ليس بجوهر متحيز فيقدر له مكان ولا بعرض فيستحيل اليه البقاء ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء ، مقدس عن الجهات والأقطار, مرئي بالقلوب والأبصار, ... النص الكامل

اختلف في ممضىه الفقهي لكن يظهر أنه كان ظاهريا قبل حتى يجتهد لنفسه كما يظهر في بعض مطاوي رسائله

نطق عنه الامام المضىي في سير اعلام النبلاء " ابن عربي العلامة صاحب التواليف الكثيرة محيي الدين أبوبكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابن العربي نزيل دمشق ذكر أنه سمع من ابن بشكوال وابن صاف وسمع بمكة من زاهر ابن رستم وبدمشق من ابن الحرستاني وببغداد وسكن الروم مدة وكان ذكيا كثير الفهم خط الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب ثم تزهد وتفرد وتعبد وتوحد وسافر وتجرد وأتهم وأنجد وعمل الخلوات وعلق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة ومن أردإ تواليفه كتاب الفصوص فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر نسأل الله العفووالنجاة فواغوثاه بالله وقد عظمه جماعة وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا أنه سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يقول عن ابن العربي شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا قلت إذا كان محيي الدين عاد عن منطقاته تلك قبل الموت فقد فاز وما ذلك على الله بعزيز توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وست مئة وقد أوردت عنه في التاريخ الكبير وله شعر رائق وفهم واسع وذهن وقاد ولا ريب حتى كثيرا من عباراته له تأويل إلا كتاب الفصوص وقرأت بخط ابن رافع أنه رأى بخط فتح الدين اليعمري أنه سمع ابن دقيق العيد يقول سمعت الشيخ عز الدين وجرى ذكر ابن العربي الطائي فنطق هوشيخ سوء مقبوح كذاب"

ونطق عنه ابن حجر في لسان الميزان " محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي صاحب كتاب فصوص الحكم توفي سنة ثمان وثلاثين وست مائة ورأيته قد وقع عن أبي الحسن بن هذيل بالإجازة وفي النفس من ذلك سمع منه التيسير لأبي عمروالداني شيخنا محمد بن أبي الذكر الصيقلي المطرز سماعه من أبي بكر بن أبي حمزة وباجازته من بن هذيل وروى الحديث عن جماعة ونقل رفيقنا أبوالفتح اليعمري وكان متثبتا نطق سمعت الإمام تقي الدين بن دقيق العيد يقول سمعت شيخنا أبا محمد بن عبد السلام السلمي يقول وجرى ذكر أبي عبد الله بن العربي الطائي فنطق هوشيخ سوء شيعي كذاب فقلت له وكذاب أيضا نطق نعم تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن فنطق هذا محال لان الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف ثم بعد قليل رأيته وبه شجة فنطق تزوجت جنية فرزقت منها ثلاثة أولاد فاتفق يوما اني اغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة وانصرفت فلم ارها بعد هذا أومعناه قلت نقله لي بحروفه بن رافع من خط أبي الفتح وما عندي ان محيي الدين تعمد كذبا لكن آثرت فيه تلك الخلوات والجوع فسادا وخيالا وطرف جنون وصنف التصانيف في تصوف الفلاسفة وأهل الوحدة فنطق أشياء منكرة عدها طائفة من الفهماء مروقا وزندقة وعدها طائفة من الفهماء من إشارات العارفين ورموز السالكين وعدها طائفة من متشابه القول وان ظاهرها كفر وضلال وباطنها حق وعهدان وأنه سليم في نفسه كبير القدر وآخرون يقولون قد نطق هذا الباطل والضلال فمن الذي نطق أنه توفي عليه فالظاهر عندهم من حاله انه عاد وتاب إلى الله فإنه كان عالما بالآثار والسنن قوي المشاركة في العلوم وقولي انا فيه انه يجوز حتىقد يكون من أولياء الله الذين اجتذبهم الحق إلى جنابه عند الموت وختم لهم بالحسنى فاما كلامه فمن فهمه وعهده على قواعد الإتحادية وفهم محط القوم "

أقوال ابن عربي

اقرأ نصاً ذا علاقة في

محيي الدين بن عربي


  • من نطق بالحلول فدينه معلول، وما نطق بالاتحاد إلا أهل الإلحاد
  • الحكم نتيجة الحكمة والفهم نتيجة الفهم فمن لا حكمة له لا حكم له ، ومن لا فهم له لا فهم له
  • "فإذا سمعت احدا من أهل الله يقول أوينقل إليك عنه أنه نطق الولاية أعلى من النبوة ، فليس يريد ذلك القائل الا ما ذكرناه. أويقول ان الولي فوق النبي والرسول فأنه يعني بذلك في إنسان واحد وهوحتى الرسول من حيث أنه ولي أتم منه من حيث أنه نبي ورسول لا حتى الولي التابع له أعلي منه فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هوتابع له فيه إذ لوأدركه لم يكن تابعا فافهم"


نظريات ابن عربي

  • وحدة الوجود
  • الإنسان الكامل
  • ختم الولاية
  • أعيان الثابتة
نص كتاب ابن عربي..شجرة الكون انقر على الصورة للمطالعة
نص كتاب إنشاء الدوائر ابن عربي انقر على الصورة للمطالعة
نص كتاب لطائف الأسرار ابن عربي انقر على الصورة للمطالعة

آراء الفهماء لإبن عربي

  • الفيروز آبادي
    صاحب "القاموس" كان من أشدّ المُعجبين به، حتى إنّه طرّز شَرْحَهُ على البُخاريّ بكثير من أقواله.


  • عبد الوهّاب الشعراني
    هوأشدّ المنتصرين له وأكثر المنصفين، إذ ألّف كتاباً عنوانه: اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، كما ألّف كتاباً آخر نادىه: تنبيه الأغبياء على قطرةٍ من بحر علوم الأولياء. وفيهما دفاع شديد عن ابن عربي وغيره من المتصوّفة وبلغ به الأمر حتى لخّص كتاب الفتوحات المكّية في كتابه الموسوم بـ الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر
  • أحمد السرهندي (مجدد الف الثانية)
فماذا نعمل لا أحد في هذه العرصة غير الشيخ قدس سره فأحيانا نحاربه وأحيانا نصالحه وهوالذي اسس كلام الفهم والعهدان وشرحه وبسطه وهوالذي تحدث من التوحيد والاتحاد بالتفصيل وبين منشأ التعدد والتكثر وهوالذي اثبت للوجود التنزلات وميز احكام جميع منها عن احكام الآخر وهوالذي افترض العالم عين الحق ونطق كله هومع ذلك عثر مرتبتة تنزية الحق سبحانه وراء العالم وافترض الحق سبحانه منزها ومبرأ من الرؤية والادراك والمشايخ المتقدمون علي الشيخ ان تحدثوا في هذا الباب تحدثوا بالاشارات والرموز ولم يشتغلوا بالشرح والتفصيل والذي جاؤا من بعد الشيخ من هذه الطائفة اختار أكثرهم تقليد الشيخ وساق الكلام على طبق اصطلاحه ونحن المتأخرون العاجزون ايضا استفضنا من بركاته ونلنا حظا وافرا من علومه ومعارفه جزاه الله سبحانه عنا خيرا الجزاء غاية ما في الباب انه لما كان جميع من مظان الخطأ ومجال الصواب مختلطا بالآخر بحكم البشرية والانسان احيانا مخطئ واحيانا مصيب فلا جرم كان اللازم جعل الموافقة لاحكام السواد الأعظم الذين هم اهل الحق علامة للصواب ومخالفتهم دليلا للخطأ ايا من كان القائل وايا ما كان المقول نطق المخبر الصادق عليه وآله الصلاة والسلام عليكم بالسواد الاعظم


—أصل المكتوبات الربانية، للشيخ أحمد السرهندي


والذين يردون الشيخ في خطر والذين يقبلونه ويقبلون كلامه ايضا في خطر ينبغي ان يقبل الشيخ وينبغي ان لا يقبل حدثاته المخلافة هذا هوطريق الوسط في قبول الشيخ وعدم قبوله الذي هواختيار هذا الفقير والله سبحانه أفهم بحقيقة الحال


  • إمام ابن تيمية
    منطقة ابن عربى صاحب فصوص الحكم وهى مع كونها كفرا فهوأقربهم إلى الاسلام لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيرا ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره بل هوكثير الاضطراب فيه وانما هوقائم مع خياله الواسع الذى يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى والله أفهم بما توفي عليه.


  • ابن خلدون
    ومن هؤلاء المتصوفة : ابن عربي ، وابن سبعين ، وابن برّجان ، وأتباعهم ، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم ، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها ، مشحونة من صريح الكفر ، ومستهجن البدع ، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها ، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملّة أوعدّها في الشريعة .
  • أبوغرسة ابن الحافظ العراقي
    لا شك في اشتمال" الفصوص" المشهورة على الكفر الصريح الذي لا ريب فيه ، وكذلك " فتوحاته المكية " ، فإن صحّ صدور ذلك عنه ، واستمر عليه إلى وفاته : فهوكافر مخلد في النار بلا شك .

الرِّسَـالَـة الوُجُـودِيَّـة

وأيُّ الأرض تخلومنكَ حتَّى * تعالَوا يطلبونكَ في السـماءِ تراهم ينظرون إليك جَهْـرًا * وهُمْ لا يبصرون من العَماءِ – الحسين بن منصور الحلاَّج


فمتى عهدتَ نفسَك ارتفعتْ أنانيتُك، وعهدتَ أنكَ لم تكن غيرَ الله. – محيي الدين بن عربي


التصـوُّف والحُـلُولـيَّة

لا نظنُّنا نغالي إذا قلنا بأن الإسلام ككل محتوى في عقيدة التوحيد: فإثبات وحدانية الله وعدم الشرك به هومن عامة المؤمنين المحور الواضح البسيط الذي تدور عليه حياتُهم الدينية. أما الخاصة من أهل الباطن، فالتوحيد منهم هوالباب الذي ينفتح على الحقيقة الذاتية: فحدثا أمعن عقلُ المتصوف، على هَدْي من بصيرته، في سَبْرِ ظاهر البساطة العقلانية للوحدانية الإلهية، تبيَّن له حتى هذه البساطة أعمق غورًا وأشد تعقيدًا – إلى حتى يبلغ به الأمرُ حدًّا يتعذر بعده التوفيقُ بين مختلف أوجُه التوحيد بالعقل الخطابي discursive reason وحده؛ إذ إذا تفكُّره في هذه الأوجُه بالغٌ لا محالة بمَلَكة التفكير حدودَ فهمها القصوى، وبذلك يتاح للعقل حتى يختبر حالَ جَمْع[1] يتعدى كلَّ تصور شكلاني. في تعبير أخرى، فإن للكشف فيما يتعدى الصور وحده حتى يرقى إلى الوحدانية.

المفهومُ المركزي الذي يتخلَّل ممضىَ الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي كلَّه هووحدة الوجود. ومازال الجدلُ دائرًا حول ما إذا كان يقصد بهذا المصطلح وصف عقيدة توحيدية لا يوجد بمقتضاها إلا الواحد وحده. بيد حتى الإجابة بالإيجاب عن هذه المسألة لا تشير إلى نقلة حاسمة في الإلهيات الإسلامية، لأن ابن عربي لم يعمل، في الواقع، غير الدفع بممضى المتكلِّمين الأشاعرة حتى أقصى مداه؛ إذ إذا إصرار الأشعري على قدرة الله الكلِّية وهيمنته على الكون ينطوي، منطقيًّا، على حتى الله هوخالق الأفعال، وبالتالي، الفاعل الأوحد[2]. لذا ترانا لا نجانب المنطق إنْ قلنا، قياسًا على ذلك، وعلى غرار ابن عربي، بأن الله هوالموجود الأوحد.

في كتابه الأشهر فصوص الحكم، يتحدث الشيخ الأكبر على التحقق الروحي بوصفه "تخللاً" متبادلاً بين الله والإنسان. فالله، إذا جاز القول، يتخذ الصورة البشرية: فمن منظور أول،قد يكون اللاهوت محتوى الناسوت، حيث الثاني "إناء" للأول، على حدِّ عبارته[3]؛ ومن منظور آخر، يُمتص الإنسانُ في الحق الذي يستهلكه تمامًا. في تعبير أخرى،قد يكون الحق حاضرًا في دخيلة الخلق (الإنسان)، ويكون الخلق ممحوقًا[4] في الحق. إنما لا بدَّ من فهم هذا الكلام من منظور مخصوص يتصل بالتحقق الروحي: فابن عربي، إذ يضع هذين النسقين من تخلُّل الله للإنسان وتخلُّل الإنسان لله جنبًا إلى جنب على التوازي، يدقِّق في "الفص الإبراهيمي":

افهم أنه ما تخلَّل شيءٌ شيئًا إلا كان محمولاً فيه. [...] فإن كان الحق هوالظاهر فالخلق مستور فيه، فيكون الخلقُ جميعَ أسماء الحق، سمعَه وبصرَه وجميعَ نسبه وإدراكاته. وإن كان الخلق هوالظاهر فالحق مستور باطن فيه، فالحق سمعُ الخلق وبصرُه ويدُه ورجلُه وجميعُ قواه [...]. ثم إذا الذات لوتعرَّت عن هذه النسب لم تكن إلهًا. وهذه النسب أحدثتْها أعيانُنا: فنحن جعلناه بمألوهيَّتنا إلهًا، فلا يُعرَف حتى نعهد. [...] فإن بعض الحكماء وأبا حامد [الغزالي] ادَّعوا أنه يُعرَف الله من غير نظر في العالم – وهذا غلط. نعم، تُعرَف ذاتٌ قديمة أزلية، لا يُعرَف أنها إله حتى يُعرَف المألوه – فهوالدليل عليه. ثم بعد هذا، في ثاني حال، يعطيك الكشف حتى الحقَّ نفسه كان عين الدليل على نفسه وعلى ألوهيَّته، وأن العالم ليس إلا تجلِّيه في صور أعيانهم الثابتة[5] التي يستحيل وجودها بدونه، وأنه يتنوَّع ويتصوَّر بحسب حقائق هذه الأعيان وأحوالها – وهذا بعد الفهم به منَّا أنه إلهٌ لنا. ثم يأتي الكشف الآخر، فيظهر لك صورنا فيه، فيظهر بعضنا لبعض في الحق، فيعهد بعضنا بعضًا، ويتميَّز بعضنا عن بعض.[6]

في "التخلل" الأول، يكشف الله عن نفسه بوصفه الذات التي تعهد من خلال ملَكات الإنسان الإدراكية وتعمل عبر ملَكاته العملية؛ أما في "التخلل" الثاني، المعاكس للأول، فيتحرك الإنسان، إذا جاز القول، في أبعاد الوجود الإلهي التي، فيما يخصه، تُستقطَب بحيث تُقابِلُ كلَّ ملَكة أوصفة بشرية صفةٌ من الصفات الإلهية. وهذا معبَّر عنه في الحديث القدسي المشهور:

وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبُّه، فإذا أحببتُه، كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها.

كثيرًا ما التبست مذاهبُ المشرق الباطنية جميعًا (كما وبعض مذاهب الغرب) على الباحثين الغربيين "البرانيين"، وعلى "المتغرِّبين" من أبناء الشرق أيضًا، بممضى الحلولية pantheism. غير حتى الحلولية لا تصادَف في الواقع إلا في حالة عدد من الفلاسفة الأوروبيين وبعض الشرقيين ممَّن تأثروا بالفكر الغربي في القرن التاسع عشر. فالحلولية قد نشأت عن النزعة الفكرية عينها التي تفتَّقت، أولاً، عن الممضى الطبيعي naturalism، ومن بعدُ، عن الممضى المادي الحديث. يقول سيد حسين نصر:

أما ما أغفله النقَّاد ممَّن يتَّهمون الصوفيين بـ"الحلولية" فهوالفرق بين التوحيد الذاتي بين الوجود الظاهر ومبدئه الوجودي وبين عينيَّتهما واستمرارهما الجوهري. وهذا المفهوم الأخير مُحال عقلاً، ويتناقض مع كلِّ ما نطقه محيي الدين [بن عربي] والصوفيون الآخرون في خصوص الذات الإلهية.[7]

فالحلولية، كما يتبين، لا تتصور العلاقةَ بين المبدأ الإلهي والعالم إلا من منظور الاستمرارية الجوهرية أوالوجودية – وهذا غلط ينبذه كلُّ ممضى باطني نقلي بما لا لبس فيه ولا إبهام[8].

فلوكانت ثمة استمرارية تجوِّز المقارنةَ بين الحق والخلق، بين الله والكون المتجلِّي، على نحوما يُقارَن بين الغصن وجذع الشجرة الذي يتفرع منه الغصن، لكانت هذه الاستمرارية، أولنقل، هذه "الذاتية" المشهجرة بين الحدَّين، إما متعيِّنة بمبدأ أعلى لا تتميَّز عنه، وإما متعالية هي نفسها عن هذين الحدَّين اللذين تشد واحدَهما إلى الآخر وتكتنفهما جميعًا بمعنى ما، وبالتالي، لما كان الحق إذ ذاك هوالحق. لذا يصح، إلى حدٍّ ما، القولُ بأن الحق هوعينه هذه الاستمرارية أوهذه الأحدية، على ألا تُتصوَّر باعتبارها "خارجه"، وذلك لأن

[...] الحق لا ضد له، ولا ند له، ولا ينتسب إلى أين، [...] ليس بعَرَض فيحتاج إلى حامل يقوم وجودُه <عليه>، ولا بجوهر فيشارك الجواهر في حقيقة الجوهرية.[9]

وهومنزَّه عن كلِّ شيء متجلٍّ، لكنْ دون إمكان وجود شيء "خارجه" أو"سواه"، كما يؤكد صاحب الرسالة الوجودية[10]:

[...] كان ولا بَعْد معه ولا قبل، ولا فوق ولا تحت، ولا قُرْب ولا بُعْد، ولا كيف، ولا أين ولا حين، ولا أوان ولا وقت ولا زمان، ولا كون ولا مكان، وهوالآن كما كان. هوالواحد بلا وحدانية، وهوالفرد بلا فردانية. ليس مركَّبًا من الاسم والمسمَّى: هوالأول بلا أولية وهوالآخِر بلا آخِرية، وهوالظاهر بلا ظاهرية وهوالباطن بلا باطنية [...]. فلا أول ولا آخِر ولا ظاهر ولا باطن إلا وهوبلا صيران. [...] – فافهم هذا لئلا تقع في غلط الحلولية. لا هوفي شيء، ولا شيء فيه، لا داخلاً ولا خارجًا. [...] لا يراه إلا هو، ولا يدركه إلا هو، ولا يفهمه إلا هوبنفسه، وبنفسه يعهد نفسه؛ يرى نفسه، لا يراه أحدٌ غيره. حجابه وحدانيته، فلا يحجبه شيء غير حجابه. وجوده وحدانيته، تستَّر بوحدانيته بلا كيفية.

يقول سيد حسين نصر معلِّقًا على هذا المقبوس:

من الصعب حتى يُتهَم بالحلولية مَن يمضى إلى هذا الحدِّ في تأكيد تعالي الله. إذا ما يريد ابن عربي حتى يثبته هوحتى الوجود الإلهي متميِّز عن مظاهره وأنه متعالٍ عنها؛ إلا حتى المظاهر ليست منفصلة من كلِّ وجه عن الوجود الإلهي الذي يكتنفها بوجه ما.[11]

فإذا عَرَضَ لبعض أهل الباطن من الصوفية حتى يستعملوا صورة استمرارية "مادية" تعبيرًا عن الوحدة الجوهرية للأشياء، تمامًا كما يشبِّه الأدڤيتيون الهنود الأمور بآنية تختلف من حيث الشكل لكنها جميًعا مصنوعة من الصلصال[12]، فإنهم على بيِّنة من قصور مثل هذا التشبيه. ناهيكم حتى هذا القصور، البيِّن تمامًا، يدفع بعيدًا بالخطر المتمثل في قراءة القوم في أيِّ شيء أكثر من إشارة أورمز. أما فيما يخص الإشارة نفسها، فإن مسوِّغها يتأسس على التناظُر المعكوس القائم بين الوحدة الجوهرية للأشياء – وكلها "مصنوع من الفهم" – وبين وحدتها "المادية" التي لا تمت بصلة إلى أية نظرية "سببية" (بالمعنى الكوني للحدثة)، اللهم إلا حتى يُعتبَر الحق العلة الأولى أو"السبب الأول"، فيكون بذلك "مسبِّب" كلِّ شيء.

ويحسن بنا هاهنا حتى نضيف بأن الصوفي المتحقق لا ينزع أبدًا إلى تقييد الحقيقة بأيِّ نسق من أنساقها (كالاستمرارية الذاتية)، ولا في أية مرتبة من مراتبها (كالوجود المحسوس أوالوجود العقلي)، دون الأنساق أوالمراتب الوجودية الأخرى؛ بل إنه، على العكس، يتعهد إلى مراتب للحقيقة لا عدَّ لها، ولا تقبل القَلْب، بحيث يجوز القول في النسبي إنه واحد ومبدأه[13]، أوحتى بأنه "عين" مبدئه، على الرغم من القول بأن الأصل مبطون في فرعه غير سليم من منظور المبدأ الذي لا وجود لسواه، كما تلح الرسالة الوجودية مرارًا وتكرارًا. من هنا لا يصح أخذ قول فريد الدين العطار

سأقولُ لكم ما لم يُقَلْ: أيُّ الأسرار بقي محتجبًا <بعد أن> رأيت وجه الحبيب جهرًا؟ ها أنا ذا أشي بسرِّ الأسرار الخفية: افهمْ، أخي، حتى النقش هوالنقَّاش

على محمل الحلولية؛ وإنما مؤدَّاه حتى الموجودات كلَّها، منظورًا إليها من حيث حقيقتُها الذاتية، هي الحق، من دون حتىقد يكون الحق هو"عين" هذه الموجودات[14] – وهذا، لا بمعنى حتى حقيقته تستبعدها، بل بمعنى حتى حقيقتها في مرأى من كماله والعدمَ سيَّان[15]. إلى غير ذلكقد يكون وجود السواء، في نظر ابن عربي، هو"بطون الحق في الخلق والخلق في الحق"[16].

إن الأحدية، التي تغيب فيها الكثرةُ الوجودية أوتنعدم، لا تتناقض البتة وفكرةَ عدد غير محدود من مراتب الوجود: فهاتان الحقيقتان، على العكس، وثيقتا الصلة إحداهما بالأخرى. وهذا ينجلي حالما يُنظَر في الكمال الإلهي "من خلال" كلٍّ منهما: إذ ذاك فإن الكامل، إنْ صحَّ التمثيل، "يضيق" أو"يتسع" بحسب ما يُنظَر إليه إما في تعيُّنه المبدئي، أي الأحدية، وإما في انعكاسه الكوني، أي طبيعة الوجود الذي لا تنضب تجلياتُه ولا تني تتعيَّن. يشير على ذلك قول الشيخ الأكبر:

يا خـالـقَ الأشـياءِ في نفسـه * أنـتَ لِمَـا تخـلقُـه جـامـعُ تخلقُ مـا لا ينتهـي كـونُه فيـ * ـك فأنـتَ الضـيِّقُ الواسـعُ[17]

إن هذا المنظور يمكِّننا من فهم حتى ممضى التوحيد عند الصوفية (وهوبالدقة، على الرغم من الاختلاف في التسمية، ممضى "اللاثنوية" الڤيدنتي الهندي عينه) لا صلة البتة بينه وبين أية "وحدانية" monism فلسفية بالمعنى المعاصر، كما يحاول حتى يزعم بعضُ منتقدي العارفين من الصوفية، كابن عربي وعبد الكريم الجيلي. فكما يقول سيد حسين نصر:

إن اصطلاح "الوحدانية الوجودية" monisme existentiel ليس تعريفًا مناسبًا [بوحدة الوجود] أيضًا، لأن "الوحدانية" [...] تفترض نظامًا فلسفيًّا فكريًّا يقابل مثلاً الثنوية، ولفظة "وجودية" تخلط بين الاستمرار الذاتي بين الأمور ومبدئها وبين الاستمرار الجوهري، أوبين النظرة الأفقية والنظرة العمودية.[18]

وإن رأي هؤلاء النقاد لمما يزيد من دهشتنا، على اعتبار حتى منهجية ممضى الصوفيَّين المذكورَين إنما تقوم على إبراز الأضداد الأونطولوجية القصوى وعلى النظر في الأحدية لا بالاختزال المنطقي العقلاني للعالم، بل بالجمع كَشْفًا بين الأضداد والنظائر في الخبرة الصوفية المباشرة[19]. يتابع سيد حسين نصر:

[الأحدية] مركز الدائرة التي يوجد الكل فيها الذي يقف العقلُ أمامه حائرًا. فهي تشتمل على اجتماع "الأضداد" الذي لا يمكن حتى يُرَدَّ إلى مقولات العقل البشري أوإلى وحدانيةٍ تنعدم معها الفوارقُ الوجودية ويُغفَل الوضعُ المتعالي الذي يحتله المركزُ بالنسبة إلى كلِّ المتناقضات التي تنحل جميعًا فيه.[20]

رأى الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق في إبن عربي في فقرة من كتابه"الفكر الصوفى في ضوء الكتاب والسنة":

لم أطلع فيما اطلعت على محرر صوفي أكثر تبجحاً فيما زعمه من الفهم الباطني أكثر من ابن عربي الأندلسي الأصل، المغربي، ثم الشامي، سكناً ووفاة. لقد ملأ هذا المحرر خطه مدحاً لنفسه، وأنه لا يستطيع أحد مجاراته قط. فقد زعم لنفسه الإطلاع على جميع ما سطره الفلاسفة قديماً وما خطه اليهود والنصارى.. والمطالع لخطه يجد هذا واضحاً جداً في مؤلفاته فقد ادعى لنفسه ختم الولاية الكبرى الخاصة وأنه خاتم الأولياء كما كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وكان في هذا الكذب متبعاً لمن سبقه ممن ادعى ختم الولاية كالترمذي الذي يسمونه الحكيم وهومحمد بن علي الترمذي.. وادعى لنفسه الفهم الكامل المحيط بالقرآن والسنة، وأن تآليفه كلها معصومة من الخطأ، وأنه لا يخط شيئاً إلا عن وحي يوحى، بل زعم حتى أبواب كتابه الفتوحات المكية توقيفي يتبع فيه ما يوحى إليه وليس له يد في ترتيب فصوله وأبوابه.. وأنه أحياناً يتحدث بشيء بعد شيء لا رابط بينهما كما هبط في القرآن {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين بعد آيات الطلاق ولا رابط بينهما.. وأن علومه كلها محفوظة من الخطأ. وإليك نصوص عباراته في ذلك كما جمعها الصوفي الكبير عبدالوهاب الشعراني من ثنايا كتاب (الفتوحات المكية) وضمنها عبدالوهاب في كتاب أسماه اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الكبائر: "نطق في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات المكية جميع ما أتحدث به في مجالسي وتآليفي إنما هومن حضرة القرآن العظيم فإني أعطيت مفاتيح الفهم فلا أستمد قط في فهم من العلوم إلا منه جميع ذلك حتى لا أخرج من مجالسة الحق تعالى في مناجاته بكلامه أوبما تضمنه كلامه *ونطق في الكلام على الآذان من الفتوحات: افهم أني لم أقرر بحمد الله تعالى في كتابي هذا ولا غيره قط أمراً غير مشروع، وما خرجت عن الكتاب والسنة في شيء من تصانيفي *ونطق في الباب السادس والستين وثلاثمائة: جميع ما أخطه في تصانيفي ليس هوعن فكر ولا روية وإنما هوعن نفث في روعي من ملك الإلهام *ونطق في الباب السابع والستين وثلاثمائة ليس عندي بحمد الله تقليد لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم عملومنا كلها محفوظة من الخطأ *ونطق في الباب العاشر من الفتوحات: نحن بحمد الله لا نعتمد في جميع ما نقوله إلا على ما يلقيه الله تعالى في قلوبنا لا على ما تحتمله الألفاظ *ونطق في الباب الثالث والسبعين وثلاثمائة: جميع ما خطته وأخطه إنما هوعن إملاء إلهي وإلقاء رباني أونفث روحاني في روع كياني جميع ذلك لي بحكم الإرث لا بحكم الاستقلال فإن النفث في الروع منحط عن رتبة وحي الكلام ووحي الإشارة والعبارة ففرق يا أخي بين وحي الكلام ووحي الإلهام تكن من الفهماء الأعلام ونطق في الباب السابع والأربعين من الفتوحات: افهم حتى علومنا وعلوم أصحابنا ليست من طريق الفكر وإنما هي من الفيض الإلهي *ونطق في الباب السادس والأربعين ومائتين: منها جميع علومنا من علوم الذوق لا من فهم بلا ذوق فإن علوم الذوق لا تكون إلا عن تجل إلهي والفهم قد يحصل لنا بنقل المخبر الصادق وبالنظر السليم *ونطق في الباب التاسع والثمانين منها والباب الثامن والأربعين وثلاثمائة: افهم حتى ترتيب أبواب الفتوحات لم يكن عن اختيار مني ولا عن نظر فكري وإنما الحق تعالى يملي لنا على لسان ملك الإلهام جميع ما نسطره وقد نذكر كلاماً بين كلامين لا تعلق له بما قبله ولا بعده كما في قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى بين آيات طلاق ونكاح وعدة ووفاة تتقدمها وتتأخر عنها انتهى وأطال في ذلك *ونطق في الباب الثامن من الفتوحات: افهم حتى العارفين رضي الله تعالى عنهم لا يتقيدون في تصانيفهم بالكلام فيما بوبوا عليه فقط وذلك لأن قلوبهم عاكفة على باب الحضرة الإلهية مراقبة لما يبرز لهم منها فمهما برز لهم كلام بادروا إلى إلقائه على حسب ما حد لهم فقد يلقون الشيء إلى ما ليس في جنسه امتثالاً لأمر ربهم وهوتعالى يفهم حكمة ذلك. انتهى. فهذه النقول تدل على حتى كلام الكمل لا يقبل الخطأ من حيث هووالله أفهم" (اليواقيت والجواهر ص24،25 ج2). وفي نص آخر، يقرر الشعراني ما زعمه شيخه ابن عربي في أنه لا فرق بين وحي الأولياء وحي الأنبياء إلا حتى وحي الأنبياء تشريع جديد، وأما الأولياء فإن وجهتهم كشف وفهم واتباع لمشرع الأنبياء.. "ونطق في الباب الثالث والخمسين وثلاثمائة: افهم أنه لم يجيء لنا خبر إلهي حتى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي تشريع أبداً إنما لنا وحي الإلهام. نطق تعالى ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ولم يذكر حتى بعده وحياً أبداً. وقد اتى الخبر السليم في عيسى عليه السلام وكان ممن أوحي إليه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا هبط آخر الزمان لا يؤمنا إلا بنا أي بشريعتنا وسنتنا مع حتى له الكشف التام إذا هبط زيادة على الإلهام الذيقد يكون له كما الخواص من هذه الأمة. (فإن قلت) فإذن الإلهام خبر إلهي (فالجواب) نعم وهوكذلك إذ هوإخبار من الله تعالى للعبد على يد ملك مغيب عن الملهم. (فإن قلت) فهلقد يكون إلهام بلا وساطة أحد (فالجواب) نعم قد يلهم العبد من الوجه الخاص الذي بين جميع إنسان وربه عز وجل فلا يفهم به ملك الإلهام لكن فهم هذا الوجه يتسارع إلى إنكاره ومنه إنكار موسى على الخضر عليهما الصلاة والسلام وعذر موسى في إنكاره حتى الأنبياء ما تعودوا أخذ أحكام شرعهم إلا على يد ملك لا يعهد شرعاً من غير هذا الطريق عملم حتى الرسول والنبي يشهدان الملك ويريانه رؤية بصر عندما يوحي إليهما وغير الرسول يحس بأثره ولا يراه فيلهمه الله تعالى بوساطته ما شاء حتى يلهمه أويعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط وهوأجل الإلقاء، وأشرفه إذا حصل الحفظ لصاحبه ويجتمع في هذا الرسول والولي أيضاً" أ.هـ (اليواقيت والجواهر ص84 ج2). وقول ابن عربي هنا "أويلهمه أويعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط (أي بين الولي والله)


أخيرًا، نهجر الموضوع للشيخ الأكبر نفسه:

لوفهمتَه لم يكن هو، ولوجهلكَ لم تكن أنت. فبفهمه أوجدك، وبعجزك عبدتَه. فهوهولِهُوَ، لا لك، وأنت أنتَ لأنتَ ولَهُ. فأنت مرتبط به، ما مرتبط بك. الدائرة، مطلقةً، مرتبطة بالنقطة؛ النقطة، مطلقةً، ليست مرتبطة بالدائرة؛ نقطة الدائرة مرتبطة بالدائرة. كذلك الذات، مطلقةً، ليست مرتبطة بك. ألوهية الذات مرتبطة بالمألوه [أنت] كنقطة الدائرة [في ارتباطها بالدائرة].[21]


الرسالة الوجودية في معنى قوله صلَّى الله عليه وسلَّم "مَن عَرَفَ نفسَه فقد عَرَفَ ربَّه" للسيد الإمام العالم المحقِّق صاحب الشريعة والحقيقة محيي الدين أبي عبد الله محمد بن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين

في معنى قول النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم –: "مَن عَرَفَ نفسَه فقد عَرَفَ ربَّه"

الحمد لله الذي لم يكن قبل وحدانيته قبلُ إلا والقبل هو، ولم يكن بعد فردانيَّته بَعْدُ إلا والبَعْد هو. كان ولا بَعْد معه ولا قبل، ولا فوق ولا تحت، ولا قُرْب ولا بُعْد، ولا كيف، ولا أين ولا حين، ولا أوان ولا وقت ولا زمان، ولا كون ولا مكان، وهوالآن كما كان.

هوالواحد بلا وحدانية، وهوالفرد بلا فردانية. ليس مركَّبًا من الاسم والمسمَّى: هوالأول بلا أولية وهوالآخِر بلا آخِرية، وهوالظاهر بلا ظاهرية وهوالباطن بلا باطنية؛ أعني أنه هووجود حروف "الأول" وهووجود حروف "الآخِر"، وهووجود حروف "الباطن" وهووجود حروف "الظاهر". فلا أول ولا آخِر ولا ظاهر ولا باطن إلا وهوبلا صيران. هذه الحروف وجوده، وصيران وجوده هذه الحروف. – فافهم هذا لئلا تقع في غلط الحلولية.

لا هوفي شيء، ولا شيء فيه، لا داخلاً ولا خارجًا. ينبغي حتى نعهده بهذه الصفة، لا بالفهم ولا بالعقل، ولا بالفهم ولا بالوهم ولا بالعين، ولا بالحسِّ الظاهر ولا بالعين الباطن ولا بالإدراك. لا يراه إلا هو، ولا يدركه إلا هو، ولا يفهمه إلا هوبنفسه، وبنفسه يعهد نفسه؛ يرى نفسه، لا يراه أحدٌ غيره.

حجابه وحدانيته، فلا يحجبه شيءٌ غير حجابه. وجوده وحدانيته، تستَّر بوحدانيته بلا كيفية. لا يراه أحدٌ غيره: لا نبي مرسل، ولا ولي كامل، ولا مَلَك مقرَّب يعهده. نبيُّه هو، ورسوله هو، ورسالته هو، وكلامه هو: أوفدَ نفسَه بنفسه من نفسه إلى نفسه، لا واسطة ولا سبب غيره، ولا تفاوُت بين المرسِل والمرسَل به والمرسَل إليه. وجود حروف الثناء وجوده لا غير، لا ثناؤه ولا اسمه ولا مُسمَّاه.

ولهذا نطق – صلى الله عليه وسلم –: "عهدت ربِّي بربِّي، مَن عهد نفسَه فقد عهد ربَّه."[22] ونطق – صلى الله عليه وسلم –: "عهدت ربِّي بربِّي." أشار – صلى الله عليه وسلم – بذلك أنك لست أنت، <بل> أنت هوبلا أنت: لا هوداخل فيك ولا هوخارج منك، ولا أنت خارج منه ولا أنت داخل فيه؛ ولا بذلك أنك موجود وصفتك هكذا أبدًا: غني به. إنك ما كنت قط ولا تكون، لا بنفسك ولا فيه ولا معه، ولا أنت فانٍ ولا موجود. أنت هو، وهوأنت، بلا علَّة من هذه العلل. فإن عهدتَ وجودك بهذه الصفة فقد عهدتَ الله. – وإلا فلا.

وأكثر العُرَّاف أضافوا فهم الله – تعالى – إلى فناء الوجود وفناء الفناء[23] – وذلك غلط وسهوواضح: فإن فهم الله – تعالى – لا بحاجة إلى فناء الوجود ولا إلى فناء فنائه، لأن الشيء لا وجود له، وما لا وجود له لا فناء له؛ فإن الفناء بعد إثبات الوجود. فإذا عهدت نفسك بلا وجود ولا فناء فقد عهدتَ الله. – وإلا فلا.

وفي إضافة فهم الله – تعالى – إلى فناء الوجود وإلى فناء فنائه إثباتُ الشرك، لأنك إذا أضفت فهم الله إلى فناء الوجود وفناء الفناء، كان الوجود لغير الله ونقيضه – وهناك شرك واضح، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نطق: "مَن عهد نفسَه فقد عهد ربَّه"، ولم يقل: "مَن فني عن نفسه عهد ربَّه." فإن إثبات الغير يناقض فناءه، وما لا يجوز ثبوتُه لا يجوز فناؤه. وجودك لا شيء، واللاشيء لا يُضاف إلى شيء، لا فانٍ ولا غير فانٍ، ولا موجود ولا معدوم. <أنت> الآن كما كنتَ معدَمًا قبل التكوين. فالآن الأزل، والآن الأبد، والآن القِدَم. فالله هووجود الأزل ووجود الأبد ووجود القِدَم؛ فإنه بلا وجود الأزل والأبد والقِدَم لم يكن كذلك ما كان وحده لا شريك له. وواجب حتىقد يكون وحده لا شريك له: فإن "شريكه" هوالذيقد يكون وجودُه بذاته، لا بوجود الله؛ ومَن يكن كذلك لم يكن محتاجًا إليه، فيكون إذًا ربًّا ثانيًا – وذلك محال: فليس لله شريك ولا ندٌّ ولا كفؤ. ومَن رأى شيئًا مع الله أومن الله أوفي الله – وذلك الشيء يحتاج إلى الله بالربوبية – فقد جعل ذلك الشيء أيضًا شريكًا يحتاج إلى الله بالربوبية. ومن جوَّزَ حتىقد يكون مع الله شيءٌ يقوم بنفسه، أويقوم به، أوهوفانٍ عن وجوده أوعن فنائه، فهوبعدُ ما شمَّ رائحة فهم النفس، لأن مَن جوَّزَ حتىقد يكون موجودًا سواه، قائمًا به، فيه يصير فانيًا في فنائه، فتسلسل الفناء بالفناء، – وذلك شِرْك بعد شِرْك، وليس بفهم النفس، – هومُشْرِك، لا عارف بالله ولا بنفسه.

فإنْ نطق قائل: "كيف السبيل إلى فهم النفس وإلى فهم الله؟"، فالجواب: سبيل معهدتها حتى تفهم وتتحقق حتى الله – عزَّ وجل – كان ولم يكن معه شيء، وهوالآن كما كان. فإنْ نطق قائل: "أنا أرى نفسي غير الله، ولا أرى الله نفسي"، فالجواب: أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – بـ"النفس" وجودَك وحقيقتك، لا النفس المسمَّاة بـ"الأمَّارة" و"اللوَّامة" و"المطمئنة" [يوسف 53، القيامة 2، الفجر 27]؛ بل أشار بـ"النفس" إلى ما سوى[24] الله جميعًا، كما نطق – صلى الله عليه وسلم –: "اللهم أرِني الأمور كما هي": عبَّر بالأمور عما سوى الله – سبحانه وتعالى –، أي عرِّفْني ما سواك لأفهم وأعهد الأمور أيَّ شيء هي: أهي أنت أم غيرك، أهي قديم باقٍ أم حادث فانٍ،يا ترى؟ فأراه الله – تعالى – ما سواه نفسَه بلا وجود ما سواه، فرأى الأمور "كما هي"؛ أعني الأمور ذات الله – تعالى – بلا كيف من الممكن أن ولا أين.

واسم الأمور يقع على النفس وغيرها من الأمور. فإن وجود النفس ووجود الأمور سيَّان في الشيئية: فمتى عهد الأمورَ عهد النفس، ومتى عهد النفسَ فقد عهد الربَّ، لأن الذي يظن أنَّـ<ـه> سوى الله ليس هوسوى الله. ولكنك لا تعهد وأنت تراه، ولا تفهم أنك تراه. ومتى يكشف لك هذا السر، فهمتَ أنك لست ما سوى الله، وفهمت أنك كنت مقصودًا، وأنك لا بحاجة إلى الفناء، وأنك لم تزل ولا تزال، بلا حين ولا أوان، كما ذكرنا قبل. جميع صفاته صفاتك، وترى ظاهرَك ظاهرَه وباطنَك باطنَه، وأولك أولَه وآخِرَك آخِرَه، بلا شك ولا ريب؛ وترى صفاتِك صفاتِه وذاتَك ذاتَه، بلا صيرورتك إيَّاه وصيرورته إيَّاك، ولا بقليل ولا بكثير.

"كلُّ شيء هالكٌ إلا وجَهه" [القصص 88]، بالظاهر والباطن، يعني: لا موجود إلا هو؛ ولا وجود لغيره فيحتاج إلى الهلاك. و"يبقى وجهُه" [الرحمن 27] يعني: لا شيء إلا وجهه. فكما حتى مَن لم يعهد شيئًا، ثم عَرَفَه، ما فني وجودُه بوجود آخر، ولا هجرَّب وجودُ المُنكِر بوجود العارف، ولا تداخَل بالأثر. <هنا> يقع الجهل: فلا تظن أنك بحاجة إلى الفناء؛ فإن احتجت إلى الفناء فأنت إذًا حجابه – والحجاب غير الله؛ فليزم غلبةُ غيره عليه بالدفع عن رؤيته له. – وهذا غلط وسهو.

قد ذكرنا قبل حتى حجابه وحدانيته وفردانيَّته لا غير. ولهذا أجاز للواصل إلى الحقيقة حتى يقول: "أنا الحق" وأن يقول: "سبحاني". وما وصل واصلٌ إليه إلا ورأى صفاتِه صفاتِ الله، وذاتَه ذاتَ الله، بلا كون صفاتُه ولا ذاتُه داخلاً في الله أوخارجًا منه قط، ولا أنه فانٍ من الله أوباقٍ في الله، <أو> يرى نفسه أنْ لم يكن له <وجود> قط لأنه كان ثم فني؛ فإنه لا نفس إلا نفسه، ولا وجود إلا وجوده. وإلى هذا أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: "لا تسبُّوا الدهر، فإن الله هوالدهر"، ونزَّه الله – تبارك وتعالى – عن الشريك والند والكفؤ.

ورُوِيَ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه نطق: "إن الله – تعالى – نطق: يا ابن آدم، سقمتُ ولم تَعُدْني، وسألتكَ ولم تُعطِني": أشار إلى حتى وجودَ السائل وجودُه، ووجودَ المريض وجودُه. فمتى جاز حتىقد يكون وجودُ السائل وجودَه ووجودُ جميع الأمور من المكوَّنات من الأعراض والجواهر وجودَه، ومتى ظهر سرُّ ذرة من الذرات، ظهر سرُّ جميع المكوَّنات الظاهرة والباطنة؛ ولا نرى الذرين سوى الله، بلا وجود الذرين، اسمهما ومسمَّاهما، بل اسمهما ومسمَّاهما ووجودهما كلهما هو، بلا شك ولا ريب.

ولا ترى أنه – تعالى – خلق شيئًا قط، بل ترى "كلَّ يوم هو<في> شأنٍ" [الرحمن 29] من إظهار وجوده وإخفائه بلا كيفية، لأنه "هوالأول والآخِر والظاهر والباطن وهوبكلِّ شيء عليم" [الحديد 3]: ظهر بوحدانيته وبَطُنَ بفردانيَّته، وهوالأول بذاته وقيوميَّته وهوالآخِر بديموميَّته. وجود حروف "الأول" هوووجود حروف "الآخِر" هو، ووجود حروف "الظاهر" هوووجود حروف "الباطن" هو؛ هواسمه وهومسمَّاه.

وكما يجب وجودُه يجب عدمُ ما سوى: فإن الذي تظن أنه سواه ليس سواه، – تَنَزَّه حتىقد يكون غيره، – بل غيرُه هو، بلا غيرية الغير، مع وجوده وفي وجوده، ظاهرًا وباطنًا.

ولِمَنِ اتصف بهذه الصفة أوصافٌ كثيرة لا حدَّ ولا نهاية لها. فكما حتى مَن توفي بصورته انبتر جميعُ أوصافه عنه، المحمودة والمذمومة، كذلك مَن توفي بالموت المعنوي[25] ينبتر عنه جميعُ أوصافه، المذمومة والمحمودة، ويقوم الله – تعالى – مقامَه في جميع الحالات، فيقوم مقامَ ذاته ذاتُ الله – تعالى – ومقامَ صفاته صفاتُ الله – تعالى –. ولذلك نطق النبي – صلى الله عليه وسلم –: "موتوا قبل حتى تموتوا"، أي اعهدوا أنفسكم قبل حتى تموتوا؛ ونطق – صلى الله عليه وسلم –: "نطق الله تعالى: لا يزال العبد يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحبُّه، فإذا أحببتُه كنت له سمعًا وبصرًا ويدًا"، إلى آخره، فأشار إلى حتى مَن عهد نفسه يرى جميع وجوده، ولا تغيرًا في ذاته ولا صفاته. ولا يحتاج إلى تغيُّر صفاته، إذ لم يكن هووجود ذاته، بل كان جاهلاً بفهم نفسه. فمتى عهدتَ نفسَك ارتفعتْ أنانيتُك، وعهدت أنك لم تكن غير الله[26]. فإنْ كان لك وجود مستقل، لا يحتاج إلى الفناء ولا إلى فهم النفس، فتكون ربًّا سواه. فتبارك الله – تعالى – حتى يوجَد ربٌّ سواه.

ففائدة فهم النفس حتى تفهم وتحقِّق حتى وجودك ليس موجودًا ولا معدومًا، ولست كائنًا ولا كنت ولا تكون قط. ويظهر لك بذلك معنى "لا إله إلا الله" [الصافات 35]: إذ لا إله غيره، ولا وجود لغيره؛ فلا غير سواه، ولا إله إلا إيَّاه. فإن نطق قائل: "عطَّلتَ ربوبيتَه"، فالجواب: لم أعطِّل ربوبيته لأنه لم يزل ربًّا – ولا مربوب – ولم يزل خالقًا – ولا مخلوق –، وهوالآن كما كان. أترى خلاقته وربوبيته لا بحاجة إلى مخلوق ولا إلى مربوب: فهوبتكوين المكوَّنات كان موصوفًا بجميع أوصافه، وهوالآن كما كان. فلا تفاوُت بين الجهة والقِدَم: فوحدانية الجهة مقتضى ظاهريته، ووحدانية القِدَم مقتضى باطنيَّته. ظاهرُه باطنُه وباطنُه ظاهرُه، أولُه آخِرُه وآخِرُه أولُه، والجميع واحد والواحد جميع. كان صفته "كلَّ يوم هوفي شأنٍ"، وما كان شيء سواه، وهوالآن كما كان. ولا موجود لما سواه بالحقيقة، كما كان في الأزل والقِدَم. "كل يوم هوفي شأن"، ولا شيء موجود: فهوالآن كما كان. فوجودُ الموجودات وعدمُها سيَّان – وإلا لَلَزِمَ طيران طار لم يكن في وحدانيَّته، وذلك نقص. – وجلَّت وحدانيته عن ذلك.

ومتى عهدت نفسَك بهذه الصفة، من غير إضافة ضدٍّ أوندٍّ أوكفؤ أوشريك إلى الله – تعالى – فقد عهدتَها بالحقيقة. ولذلك نطق – صلى الله عليه وسلم –: "مَن عهد نفسَه فقد عهد ربَّه"، ولم يقل: "مَن أفنى نفسَه فقد عهد ربَّه." فإنه – صلى الله عليه وسلم – فهم ورأى حتى لا شيء سواه، ثم أشار إلى حتى فهم النفس هي فهم الله – تعالى –، أي اعهد نفسك، أي وجودك أنك لست أنت، ولكنك لا تعهد؛ أي اعهد حتى وجودك ليس بوجودك ولا غير وجودك: فلست بموجود ولا بمعدوم، ولا غير موجود ولا غير معدوم. وجودُك وعدمُك وجودُه بلا وجود ولا عدم، لأن عينَ وجودك وعدمك وجودُه، ولأن عينَ وجوده وجودُك وعدمُك.

فإنْ رأيتَ الأمور بلا رؤية شيء آخر مع الله – تعالى – وفي الله أنها هو، فقد عهدتَ نفسَك. فإن فهم النفس بهذه الصفة هي فهم الله – بلا شك ولا ريب ولا هجريب شيء من الحدث مع القديم وفيه وبه. فإن سألك سائل: "كيف السبيل إلى وصاله،يا ترى؟ – فقد أثبتَّ حتى لا غير سواه، والشيء الواحد لا يصل إلى نفسه"، فالجواب: لا شكَّ أنه في الحقيقة لا وَصْل ولا فَصْل، ولا بُعْد ولا قُرْب، لأنه لا يمكن الوصال إلا بين اثنين: فإن لم يكن إلا واحد، فلا وَصْل ولا فَصْل. فإن الوصال يحتاج إلى اثنين متساويين: فهما شبهان، وإن كانا غير متساويين فهما ضدَّان؛ وهو– تعالى – منزَّه حتىقد يكون له ضد أوند. فالوصال في غير الوصال، والقُرْب في غير القُرْب، والبُعد في غير البُعد، فيكون وَصْلٌ بلا وَصْل، وقُرْب بلا قُرْب، وبُعْد بلا بُعْد.

فإن قيل: "فهمنا الوَصْلَ بلا وَصْل. فما معنى القُرْب بلا قُرْب والبُعْد بلا بُعْد؟"، فالجواب: أعني أنك، في أوان القُرْب والبُعْد، لم تكن شيئًا سواه، ولكنك لم تكن عارفًا بنفسك ولم تفهم أنك هوبلا أنت. فمتى وصلتَ إلى الله – تعالى –، أي عهدتَ نفسَك بلا وجود حروف العهدان، فهمتَ أنك كنت إيَّاه، وما كنت تعهد قبل أنك هوأوغيره. فإذا حصل العهدان، فهمتَ أنك عهدت الله بالله، لا بنفسك.

مثال ذلك: هَبْ بمعنى أنك لا تعهد بأن اسمك محمود أومسمَّاك محمود – فإن الاسم والمسمَّى في الحقيقة واحد –، وتظن حتى اسمك محمد، وبعد أحيان عهدت أنك محمود، فوجودك باقٍ، واسم محمد ومسمَّى المحمود ارتفع عنك بمعهدتك نفسك أنك محمود. (ولم تكن محمدًا إلا بالفناء عن نفسك، لأن الفناءقد يكون بعد إثبات وجود ما سواه؛ ومَن أثبت وجودَ ما سواه فقد أشرَكَ به – تبارك وتعالى.) فما نقص من المحمود شيء، ولا محمد فني في المحمود، ولا ولج فيه ولا خرج منه، ولا حلَّ محمود في محمد. فبعدما عهد المحمودُ نفسَه أنه محمود، لا محمد، عهد نفسَه بنفسه، لا بمحمد، لأن محمدًا ما كان، فكيف يعهد به شيئًا كائنًا،يا ترى؟ فإذن العارف والمعروف واحد، والواصل والموصول واحد، والرائي والمرئي واحد. فالعارف صفتُه والمعروف ذاتُه، والواصل صفتُه والموصول ذاتُه، والصفة والموصوف واحد.

هذا بيان "مَن عهد نفسه فقد عهد ربَّه": فمَن فهم هذا المثال فهم أنه لا وَصْل ولا فَصْل، وفهم حتى العارف هووالمعروفَ هو، والرائي هووالمرئي هو، والواصل هووالموصول هو. فما وصل إليه غيرُه، وما انفصل عنه غيرُه. فمَن فهم ذلك خلص من شَرَك الشِّرْك. – وإلا فلم يشم رائحة الخلاص من الشرك.

وأكثر العُرَّاف الذين ظنوا أنهم عهدوا نفوسهم وعهدوا ربَّهم، وأنهم خلصوا من غفلة الوجود، نطقوا إذا الطريق لا تتيسَّر إلا بالفناء وبفناء الفناء، وذلك لعدم فهمهم قولَ النبي – صلى الله عليه وسلم – ولظنِّهم أنهم – بمحض الشرك – أشاروا طورًا إلى نفي الوجود، أي فناء الوجود، وطورًا إلى الفناء، وطورًا إلى فناء الفناء، وطورًا إلى المحو، وطورًا إلى الاصطلام[27] – وهذه الإشارات كلها شِرْك محض: فإن مَن جوَّز حتىقد يكون شيءٌ سواه ويفنى بعده، وجوَّز فناءَ فنائه، فقد أثبت شيئًا سواه؛ ومَن أثبت شيئًا سواه فقد أشرك به – تعالى –. – أرشدهم الله وإيَّانا إلى سواء السبيل.

أشعاره

ظنـنتَ ظـنـونًـا بأنَّـك أنـتَ

{{قصيدة|ظنـنتَ ظـنـونًـا بأنَّـك أنـتَ | ومـا حتى تكـونَ ولا قـط كنـتَ

فـإنْ أنـت أنـتَ فـإنَّــك ربٌّ وثـانـي اثنـيـن، دَعْ ما ظننتَ
فـلا فـرق بيـن وجـوديـكمـا فمـا بـانَ عنك ولا عنـه بِنْـتَ
فإن قلتَ – جهلاً – بأنَّـك غيـرَه حَسُنْتَ، وإنْ زال جـهـلُك كُنـتَ
فوصـلُك هَجْـرٌ وهجـرُك وَصْـلٌ وبُعدُك قُـرْب – بهـذا حَـسُـنْتَ
دَعِ العقـلَ وافهمْ بنـور انكـشـ ـافٍ – ليلى تفوقُ ما عنه وصفتَ
ولا تُـشْـرِكْ مــع الله شـيـئًا لئـلاَّ تهـونَ – فالشـرك هُـنْتَ

فإنْ نطق قائل: "أنت تشير إلى حتى عهدانك نفسَك هوعهدان الله – تعالى –، والعارف بنفسه غير الله، وغير الله كيف من الممكن أن يعهد الله وكيف يصل إليه؟"، فالجواب: مَن عهد نفسَه فهم حتى وجوده ليس بوجوده ولا غير وجوده، بل وجودُه وجود الله بلا صيرورة، وجودُه وجود الله بلا دخول، وجودُه في الله ولا خروج منه. ولاقد يكون وجودُه معه وفيه، بل يرى وجودَه بحاله: ما كان قبل حتىقد يكون، بلا فناء، ولا محو، ولا فناءِ فناء. فإن فناء الشيء بقدرة الله – تعالى –؛ وهذا محالٌ واضح صريح. فتبيَّن حتى عهدان العارف بنفسه هوعهدان الله – سبحانه وتعالى – نفسُه، لأن نفسه ليس إلا هو. وعنى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بـ"النفس" الوجود. فمَن وصل إلى هذا المقام، لم يكن وجودُه في الظاهر والباطن وجودَه، بل وجودُه وجود الله، وكلامُه كلام الله، وعملُه عمل الله، ودعواه فهم الله هودعواه فهم الله نفسَه بنفسه. ولكنك تسمع الدعوى منه، وترى العمل منه، وترى غير الله كما ترى نفسَك غير الله، بجهلك بفهم نفسك. فإن "المؤمن مرآة المؤمن": فهوبعينه، أي ينظره؛ فإن عينَه عينُ الله، ونظرَه نظرُ الله بلا كيفية: لا هوهوبعينك أوفهمك أوفهمك أووهمك أوظنك أورؤيتك، بل هوهوبعينه وفهمه ورؤيته. فإنْ نطق قائل: "إنِّي الله، فإن الله يقول: إنِّي الله"، فالجواب: لا هو، ولكنك ما وصلتَ إلى ما وصل إليه؛ فإنْ وصلتَ إلى ما وصل إليه، فهمتَ ما يقول، وقلتَ ما يقول، ورأيتَ ما يرى.

وعلى الجملة، وجودُ الأمور وجودُه بك، بلا وجودهم. فلا تقضِ في شُبهة، ولا تتوهمنَّ بهذه الإشارات حتى الله مخلوق. فإن بعض العارفين نطق: "الصوفي غير مخلوق"، وذلك بعد الكشف التام وزوال الشكوك والأوهام. وهذه اللقم لمَن له خَلْقٌ أوسع من الكونين؛ فأما مَن كان خَلقُه كالكونين فلا توافقْه، فإنها أعظم من الكونين.

وعلى الجملة حتى الرائي والمرئي، والواجِد والموجود، والعارف والمعروف، والموحِّد <والموحَّد>، والمدرِك والمدرَك واحد: هويرى وجودَه بوجوده، ويعهد وجودَه بوجوده، ويدرك وجودَه بوجوده، بلا كيفية إدراك ورؤية وفهم، وبلا وجود حروف صورة الإدراك والرؤية والفهم. فكما حتى وجوده بلا كيفية، فرؤية نفسه بلا كيفية، وإدراكه نفسه بلا كيفية، وفهم نفسه بلا كيفية.

فإنْ سأل سائل ونطق: "بأيِّ نظر تنظر إلى جميع المكروهات والمحبوبات،يا ترى؟ فإذا رأينا، مثلاً، روثًا أوجيفة أنقول هوالله؟"، فالجواب: تعالى وتقدَّس حاشا ثم حاشا حتىقد يكون شيئًا من هذه الأمور! وكلامنا مع مَن لا يرى الجيفةَ جيفةً والروثَ روثًا، بل كلامُنا مع مَن له بصيرة وليس بأكْمَه. فمَن لم يعهد نفسه فهوأكْمَه وأعمى؛ وقبل ذهاب الأكْمَهية والعَمى، لا يصل إلى هذه المعاني ولا هذه المحاورة مع الله – لا مع غير الله ولا مع الأكْمَه. فإن الواصل إلى هذا المقام يفهم أنه ليس غير الله. وخطابنا مع مَن له عزم وهمَّة في طلب العهدان وفي طلب فهم النفس، ويطرُؤ في قلبه صورة في الطلب واشتياق إلى الوصول إلى الله – تعالى –، لا مع مَن لا قصد ولا مقصد له.

فإنْ سأل سائل ونطق: "نطق الله تعالى: "لا تدركه الأبصار وهويدرك الأبصار وهواللطيف الخبير" [الأنعام 103]، وأنت تقول بخلافه، فما حقيقة ما تقول؟"، فالجواب: جميع ما قلنا هومعنى قوله: "لا تدركه الأبصارُ وهويدرك الأبصارَ"، أي ليس أحدٌ في الوجود، ولا بصر مع أحد يدركه. فلوجاز حتىقد يكون غيرُه، لجاز حتى يدركه غيرُه. وقد نبَّه الله – سبحانه وتعالى – بقوله: "لا تدركه الأبصار" على حتى ليس غيره سواه، يعني لا يدركه غيرُه، بل يدركه هو. فلا غيره إلا هو: فهوالمدرِك لذاته لا غير؛ فلا تدركه الأبصار، إذ <ما> الأبصار إلا وجوده. ومَن نطق إنها لا تدركه لأنها مُحدَثة، والمُحدَث لا يدرِك القديم الباقي، فهوبعدُ لم يعهد نفسه. إذ لا شيء ولا الأبصار إلا هو. فهويدرك وجودَه بلا وجود الإدراك وبلا كيفية لا غير.

عهدت الرب بالرب

عـرفـتُ الـربَّ بالـربِّ بلا نَـقْـصٍ ولا عـيـبِ
فـذاتــي ذاتُـه حــقًّا بـلا شــكٍّ ولا ريــبِ
ولا صـيران بينـهـمـا فنفسـي مظـهـرُ الغيبِ
ومنـذ عـرفتُـه نفسـي بـلا مَـزْجٍ ولا شَــوْبِ
وصـلتُ وَصْلَ محبـوبـي بـلا بُـعْـدٍ ولا قُــرْبِ
ونلـتُ عطـاءَ ذي فيـضٍ بـلا مـنٍّ ولا سَــلْـبِ
ولا فـنـيـتْ له نفـسي ولا يـبـقــى لـه ذوب

فإنْ سأل سائل ونطق: "أنت أثبتَّ الله وتنفي كلَّ شيء، فما هذه الأمور التي تراها؟"، فالجواب: هذه الموضوعات مع مَن لا يرى سوى الله شيئًا. ومَن يرى شيئًا سوى الله فليس لنا معه جواب ولا سؤال؛ فإنه لا يرى غير ما يرى. ومَن عهد نفسَه لا يرى غير الله، ومَن لم يعهد نفسه لا يرى الله – تعالى –؛ وكل إناء يرشح بما فيه. وقد شرحنا كثيرًا من قبلُ، وإنْ نشرح أكثر من ذلك فمَن لا يرى لا يرى ولا يفهم ولا يدرك، ومَن يَرَ يرَ ويفهم ويدرك. فالواصل تكفيه الإشارة، وغير الواصل لا يصل، لا بالتعليم ولا بالتفهيم ولا بالتقرير ولا بالعقل ولا بالفهم – إلا بخدمة شيخ فاضل وأستاذ حاذق وسالك ليهتدي بنوره ويسلك بهمَّته ويصل به إلى مقصوده، – إنشاء الله تعالى.

وفَّقنا الله لما يحب ويرضى من القول والعمل والفهم والعمل والنور والهدى، إنه على كلِّ شيء قدير وبالإجابة جدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلَّى على سيدنا محمد وآله وصحبه المحبِّين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

=في بيان الطريق وبيان السالك والمسلوك إليه وبيان علاماتها

ابتداؤها السلوك، وانتهاؤها الأول في انتهاء السلوك وابتدائها الآخر. فإن لم تفهم هذه الإشارة ما شممتَ رائحة التوحيد. وأصل المقصود وجود الدائرة المدوَّرة، لا خارجها ولا داخلها. ابتداء الدائرة انتهاؤها، وانتهاؤها ابتداؤها. والدائرة طريق السير في الوجود. في فهم النفس، الوجودُ هوالمنزل سعةً. تبتدئ الطريق، ولكنه لا يعهد ولا يفهم، ويرى وجوده غير الله. فمتى وصل نفسه، أي وجوده، بلا شك ولا ارتياب، تبيَّن له سعةً أنه كان واصلاً في الابتداء أوموصولاً، ولكنه لا يعهد الوصول. ولذلك نطق النبي – صلى الله عليه وسلم –: "مَن عهد نفسَه فقد عهد ربَّه." والنبي – صلى الله عليه وسلم – عهد في الابتداء، وسلك الطريق بالفهم. ولهذا ابتداؤه انتهاءُ الصدِّيقين، وانتهاءُ الصدِّيقين ابتداؤه، لأنهم عهدوا الأسرار في الانتهاء. – وشتَّان بين مَن تقدَّم في الابتداء ومَن تقدَّم في الانتهاء. فابتداء العشق وجود المقصود وشوق إرادة المقصود. العشق هووالشوق أنت. ابتداءُ العشق الشوق، وانتهاء <الشوق> العشق. – فافهم ذلك.

ليس في المقام مقام أعلى وأجل في الابتداء من العشق، لأن جميع ما ذكرناه – وجود العشق، واسم العشق، وصورة العشق ومعناه – <هو> العشق ومقصود العشق. والدائرة، وجميع ما داخلها وخارجها، <هي> العشق: أعني العشق المعرَّى من العشق واسمه. – فافهم.

الشوق وجودُه، واسمُه ليس بمُحدَث ولا بقديم، بل هوهو، بلا حَدَثان. وقِدَمُ الشوق يصير في الابتداء عشقًا. وصاحب الشوق، متى وصل إلى الانتهاء، يرى شوقه عشقًا، ويعهد حتى شوقه كان وجود العشق، ولكنه لم يعهده، ويرى جميع المكوَّنات وجودَ العشق والمعشوق والعاشق، ولا يرى بينه وبين جميع المخلوقات تفاوُتًا، ويرى جميع المخلوقات وجودَه، ولا يرجِّح نفسه بالوَصْل على مَن لم يشم رائحة الوصول قط. ولا فرق بينه وبين الحيوانات والجمادات، وبين الشيء وضده؛ وهذه صفة مَنقد يكون وجوده الموصول، لا صفة الواصل والوصال والوَصْل، ولا صفة العاشق والعشق، بل صفة المعشوق، لأن التفاوت بين هذه الأمورقد يكون في نظر مَن ليس له نظرٌ بعدُ. وأما مَن له نظر فلا تفاوُت بينها، بل الجميع سواء عند الله. – والله أفهم بالصواب.

تمَّت الرسالة الوجودية بعون الله – تعالى – و<منَّة> منه وكرمه ولطفه؛ وبالله التوفيق؛ والحمد لله وحده؛ وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وآلِه وصحبه وسلَّم.

أهم خطه

  • الفتوحات المكية
  • فصوص الحكم
  • ترجمان الأشواق ديوان ابن عربي
  • فهرس تام لخط ابن عربي

أقوال ابن عربي

  • من نطق بالحلول فدينه معلول، وما نطق بالاتحاد إلا أهل الإلحاد
  • الحكم نتيجة الحكمة والفهم نتيجة الفهم فمن لا حكمة له لا حكم له ، ومن لا فهم له لا فهم له
  • "فإذا سمعت احدا من أهل الله يقول أوينقل إليك عنه أنه نطق الولاية أعلى من النبوة ، فليس يريد ذلك القائل الا ما ذكرناه. أويقول ان الولي فوق النبي والرسول فأنه يعني بذلك في إنسان واحد وهوحتى الرسول من حيث أنه ولي أتم منه من حيث أنه نبي ورسول لا حتى الولي التابع له أعلي منه فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هوتابع له فيه إذ لوأدركه لم يكن تابعا فافهم"
  • لا تعترضوا على المجتهدين من فهماء الرسوم ولا تجعلوهم محجوبين على الإطلاق فإن لهم القدم الكبيرة في الغيوب وإذا كانوا غير عارفين وعلي غير بصيرة بذلك يحكمون بالظنون.

نظريات ابن عربي

  • تفسير القرآن، للإطلاع على التفسير.
  • الفتوحات المكية، لتحميل الكتاب مع شروحه.
  • فصوص الحكم، لتحميل الكتاب.
  • ترجمان الأشواق ديوان ابن عربي.
  • شجرة الكون، لتحميل الكتاب.
  • الإعلام بإشارات أهل الإلهام، لتحميل الكتاب.
  • اليقين، لتحميل الكتاب.
  • وحدة الوجود
  • الإنسان الكامل
  • ختم الولاية
  • الأعيان الثابتة
  • المراتب السبعة
  • التنزلات الستة

  • معاصروابن عربي

    آراء الفهماء في ابن عربي

    • الفيروز آبادي
      صاحب "القاموس" كان من أشدّ المُعجبين به، حتى إنّه طرّز شَرْحَهُ على البُخاريّ بكثير من أقواله.


    • عبد الوهّاب الشعراني
      هوأشدّ المنتصرين له وأكثر المنصفين، إذ ألّف كتاباً عنوانه: اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، كما ألّف كتاباً آخر نادىه: تنبيه الأغبياء على قطرةٍ من بحر علوم الأولياء. وفيهما دفاع شديد عن ابن عربي وغيره من المتصوّفة وبلغ به الأمر حتى لخّص كتاب الغزوات المكّية في كتابه الموسوم بـ الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر
    • أحمد السرهندي (مجدد الف الثانية)
    والذين يردون الشيخ في خطر والذين يقبلونه ويقبلون كلامه ايضا في خطر ينبغي ان يقبل الشيخ وينبغي ان لا يقبل حدثاته المخلافة هذا هوطريق الوسط في قبول الشيخ وعدم قبوله الذي هواختيار هذا الفقير والله أفهم بحقيقة الحال

    —المكتوبات الربانية، أحمد السرهندي

    • ابن تيمية
      منطقة ابن عربى صاحب فصوص الحكم وهي مع كونها كفرا فهوأقربهم إلى الإسلام لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيرا ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره بل هوكثير الاضطراب فيه وانما هوقائم مع خياله الواسع الذي يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى والله أفهم بما توفي عليه.
    • ابن خلدون
      ومن هؤلاء المتصوفة : ابن عربي ، وابن سبعين ، وابن برّجان ، وأتباعهم ، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم ، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها ، مشحونة من صريح الكفر ، ومستهجن البدع ، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها ، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملّة أوعدّها في الشريعة .


    شهرة ابن عربي وعلاقة المذاهب الفقهية والكلامية به

    السيد محمد بن علي بن عربي شخصية بارزة في عالم الفكر الديني وشهرته لاتنحصر في حدود العالم الإسلامي فحتى الغربيين والأسيويين بلغهم صيت هذا الرجل بل وساهموا في دراسته واستلهامه ،أضف إلى ذك فإن شخصيته مثيرة للجدل فلايكاد يتفق عليه اثنان حتى حتى تحديد ممضىه الفقهي أوالكلامي من خلال حدثاته يكادقد يكون ضربا من التعسف والمجازفة, ويعزوالبعض ذلك إلى أنه فوق المذاهب وأعلى من حتى يتممضى بها, هذا ولقد اختلف أرباب المذاهب الإسلامية المتنوعة بشأن العلامة ابن عربي فبينما ثابر نفر منهم على التبري منه وإخراجه عن دائرة الممضى بل والدين ترى من نفس هذا الممضى من هوعلى النقيض من ذلك ، فكما تنافس بعض أرباب المذاهب لإخراجه من مذاهبهم تنافس البعض الآخر في جره إلى نفس ما أخرج منه من مذاهب فكل يقول حتى ابن عربي هوعلى ممضىي وليس من مذاهب الآخرين في شيء

    وصلات خارجية

    • ديوان محي الدين ابن عربي من بوابة الشعراء
    • من هومحيي الدين ابن عربي
    • مسقط مجتمع ابن عربي
    • مسقط ابن عربي
    • مؤسسة ابن عربي في الباكستان
    • لشراء مؤلفات ابن عربي
    • الحكيم العربي محيي الدين ابن عربي

    المراجع والمصادر

    1. ^ مهر علي شاه في ملفوطاته
    2. ^ السهروردي صاحب عوارف المعارف
    3. ^ كتاب حلية الأبدال في رسائل ابن عربي الطبعة الثانية 2004 ، دار الخط الفهمية ، بيروت.
    4. ^ اليواقيت والجواهر للشعراني
    5. ^ كتاب حلية الابدال من ضمن رسائل ابن عربي مطبوعة دار الخط الفهمية لبنان
    6. ^ فصوص الحكم في فص حكمة قدرية في حدثة عزيري لأبن عربي
    7. ^ المكتوب التاسع والسبعون - المكتوبات الربانية (ترجمة العربية مخطة الحقيقة بشارع دار الشفقة بفاتح 57 اسطنبول – هجريا)
    8. ^ المكتوب السابع والسبعون
    9. ^ مجموع الفتاوي ج:2 ص 143 لأمام ابن تيمية
    10. ^ مقدمة ابن خلدون
    11. ^ عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي
    12. ^ اليواقيت والجواهر للشعراني
    13. ^ كتاب حلية الابدال من ضمن رسائل ابن عربي مطبوعة دار الخط الفهمية لبنان
    14. ^ فصوص الحكم في فص حكمة قدرية في حدثة عزيري لأبن عربي
    15. ^ ابن عربي في كتاب التجليات (تجلي التسليم)
    16. ^ المكتوب السابع والسبعون
    17. ^ مجموع الفتاوي ج:2 ص 143 لأمام ابن تيمية
    18. ^ مقدمة ابن خلدون

    خط تتناول سيرته

    • هكذا تحدث ابن عربي / د. نصر حامد أبوزيد
    • ابن عربي ومولد لغة جديدة / د. سعاد الحكيم
    • ابن عربي (محيي الدين)، اصطلاح الصوفية، بتحقيق گوستاڤ فلوگل (نسخة بالأوفست ضمن كتاب التعريفات للشريف الجرجاني)، بيروت، 1985.
    • ابن عربي (محيي الدين)، الفتوحات المكية، بتحقيق وتقديم عثمان يحيى، السفر الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972.
    • ابن عربي (محيي الدين)، فصوص الحكم، بتحقيق وشرح أبوالعلا عفيفي، بيروت، ب.ت.
    • الإسكندري (ابن عطاء الله)، الحكم العطائية، بضبط وتقديم إبراهيم اليعقوبي، دمشق/بيروت، 1985
    • الجيلي (عبد الكريم)، الإنسان الكامل في فهم الأواخر والأوائل، القاهرة، 1981.
    • السهروردي الإشراقي، هياكل النور، بتقديم وتحقيق وتعليق محمد علي أبوريان، القاهرة، 1957.
    • الحلاج (الحسين بن منصور)، الديوان، يليه كتاب الطواسين، صنعَه وأصلحَه تام مصطفى الشيبي، كولن، 1997.
    • شنكرَ، فهم الذات، حلقة الدراسات الهندية 4، بيروت، طب 1: 1997.
    • الكاشاني (عبد الرزاق)، اصطلاحات الصوفية، بتحقيق وتقديم وتعليق عبد الخالق محمود، القاهرة، طب 2: 1984.
    • الكلاباذي (أبوبكر محمد)، التعهد لممضى أهل التصوف، بتحرير عبد الحليم محمود، بيروت، 1980 (نسخة بالأوفست عن طب القاهرة، 1960).
    • نصر (سيد حسين)، ثلاثة حكماء مسلمين، بترجمة صلاح الصاوي ومراجعة وتنقيح ماجد فخري، بيروت، 1986.
    • Schuon, Frithjof, Islam and the Perennial Philosophy, tr. J. Peter Hobson, Preface by Seyyed Hossein Nasr, World of Islam Festival Publishing Company Ltd, 1976.


    تاريخ النشر: 2020-06-04 16:16:27
    التصنيفات: صفحات تحوي وصلات ملفات معطوبة, مواليد 1164, وفيات 1240, صوفيون, فلاسفة صوفيون, صوفية السنة, فلاسفة عرب

    مقالات أخرى من الموسوعة

    سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

    آخر الأخبار حول العالم

    حزب الله يعلن إسقاط طائرة مسيرة إسرائيلية طراز "هرمز 900"

    المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
    تاريخ الخبر: 2024-04-07 12:23:02
    مستوى الصحة: 53% الأهمية: 56%

    اليونيسف تؤكد استشهاد 13 ألف طفل بسبب العدوان على غزة السعودية

    المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
    تاريخ الخبر: 2024-04-07 12:24:22
    مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

    Réaction Conseil Canada: مطلوب عمال بكندا 2024-2025

    المصدر: الوظيفة مروك - المغرب التصنيف: وظائف وأعمال
    تاريخ الخبر: 2024-04-07 12:24:52
    مستوى الصحة: 83% الأهمية: 87%

    كوفيد يفاقم الإصابة بأمراض الحساسية - أخبار السعودية

    المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
    تاريخ الخبر: 2024-04-07 12:24:17
    مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

    السعودية: تحويلات الأجانب في فبراير تسجل أدنى مستوياتها منذ 2019

    المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
    تاريخ الخبر: 2024-04-07 12:24:45
    مستوى الصحة: 36% الأهمية: 35%

    نيكاراغوا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الإكوادور

    المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2024-04-07 12:24:27
    مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

    استمرار الحالة المطرية على 9 مناطق السعودية

    المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
    تاريخ الخبر: 2024-04-07 12:24:23
    مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

    تحميل تطبيق المنصة العربية