الثورة الزراعية الاوروبية القروسطية

عودة للموسوعة

الثورة الزراعية الاوروبية القروسطية

الثورة الزراعية

وبدل نموالصناعة والتجارة، وانتشار الاقتصاد النقدي، وازدياد الطلب على العمال في المدن، بدل هذا كله نظام الزراعة تبديلاً كبيراً. ذلك حتى البلديات لحرصها على حتى تظفر بعمال جدد أعربت حتى أي إنسان يقيم في مدينة 366 يوماً دون حتى يطلبه سيد إقطاعي، ويتحقق من شخصيته، ويستولي عليه لأنه من أرقاء أرضه، أي إنسان تنطبق من هذه الشروط يصبح من تلقاء نفسه حراً، يتمتع بحماية قوانين حكومة المدينة وسلطانها. ومضىت فلورنسا إلى أبعد من هذا فدعت في عام 1106 جميع الفلاحين المقيمين في القرى المجاورة لها للمجيء إليها والإقامة فيها أحراراً؛ ودفعت بولونيا Bologna وغيرها من المدن المال إلى سادة الإقطاع لكي يسمحوا لأرقاء أراضيهم بأن ينتقلوا إلى المدن. وفر عدد كبير من أرقاء الأرض أودعوا ليفلحوا أرضين جديدة في شرق نهر الإلب، وأصبحوا فيها أحراراً من تلقاء أنفسهم.

أما الذين بقوا في ضياع سادة الإقطاع فقد أخذوا يعارضون في أداء الضرائب والرسوم الإقطاعية التي أضحت لطول العهد بأدائها مقررة واجبة الأداء؛ ونشأت من هذه المعارضة متاعب جمة. وحذا كثير من أرقاء الأرض حذوعمال المدن فأنشئوا لهم جمعيات ريفية، وأقسموا حتى يعملوا مجتمعين للامتناع عن أداء الرسوم والضرائب الإقطاعية، ثم سرقوا أوأتلفوا ما عند سادتهم من وثائق تسجيل استرقاقهم أوالتزاماتهم، وأحرقوا قصور المعاندين من أولئك السادة، وأنذرهم بأنهم سيغادرون أملاكهم إذا لم يجيبوا مطالبهم. وفي عام 1100 أعرب أرقاء الأرض في سانت ميشيل- ده- بوفيه أنهم سيتزوجون من تلك الساعة بأية امرأة يرغبون في زقابلا، وسيتزوجون بناتهم من أي إنسان يرغبون فيه. وفي عام 1202 رفض أرقاء الأرض في سانت أرنول-دى-كرپي St. Arnoul de Crepy حتى يؤدوا إلى سيدهم رئيس الدير ضريبة الأموات التقليدية أوالغرامة التي تفرض عليهم إذا زوجوا بناتهم خارج أملاك سيدهم. وشبت فتن أخرى من هذا النوع في أكثر من عشر مدن منتشرة من فلاندرز إلى أسبانيا، حتى عثر سادة الإقطاع حتى من العسير عليهم حتى يحصلوا على كسب من استخدام أرقاء الأرض، وزادت هذه الصعوبة أمامهم على مر الأيام. ذلك أ ضروب المقاومة المتزايدة كانت تتطلب منهم إشرافاً مستمراً كثير النفقة في جميع فترة من مراحل العمل؛ وكان عمل هؤلاء الأرقاء في حوانيت الضيعة أكثر نفقة وأقل جودة من العمل الحر الذي يخرج السلع نفسها في المدن.

وأراد سادة الإقطاع حتى يستبقوا الفلاحين في أرضهم، ويجعلوا عملهم مربحا حقيقياً لأولئك السادة، فاستبدلوا بالقروض الإقطاعية القديمة مقادير من المال تؤدي دفعة واحدة، وباعوا أرقاء الأرض حريتهم بأثمان يؤدونها من مدخراتهم، وأجروا مساحات متزايدة من أرضهم إلى الفلاحين الأحرار بأجر نقدي، واستأجروا عمالاً أحراراً يعملون في حوانيت ضياعهم. وحذت أوربا الغربية حذوبلاد الشرق الإسلامية والبيزنطية فشرعت من بداية القرن الحادي عشر تنتقل انتنطقاً يزداد عاماً بعد عام من الدفع عيناً في أكثر الأحوال إلى الدفع نقداً في معظمها. واشتدت رغبة ملاك الأراضي الإقطاعيين في الحصول على السلع المصنوعة التي يعرضها التجار عليهم، فزادت في المال يبتاعون به هذه السلع؛ ولما ساروا إلى قتال المسلمين في الحروب الصليبية كانوا أحوج إلى المال منهم إلى الطعام والبضائع. كذلك كانت الحكومات تطالب بأداء الضرائب نقداً لا عيناً؛ فلم ير الملاك بداً من الخضوع إلى مقتضيات الظروف، فباعوا محصولاتهم بالنقود العاجلة بدل حتى يستهلكوها بالهجرة الشاقة المتعبة من قصر ريفي إلى قصر آخر مثله. وكان هذا الانتنطق إلى الاقتصاد النقدي كثير النفقة على الملاك الإقطاعيين. ذلك حتى إيجار أرضهم والأموال التي كانوا يحصلون عليها من الزراع نظير الرسوم المفروضة عليهم قد أصبح لها من الثبات في العصور الوسطى ما للعادات المألوفة، ولم يكن في مقدورهم حتى يزيدوها بنفس السرعة التي تنخفض بها قيمة النقد؛ ولذلك اضطر كثيرون من الأشراف إلى بيع أرضهم- وباعوها عادة إلى رجال الطبقة الوسطى الناشئة. وحسبنا دليلاً على هذا حتى بعض النبلاء قد ماتوا من زمن بعيد أي منذ عام 1250 وهولا يملكون أرضاً، ومنهم من توفي فقيراً معدماً(115). وكان من نتيجة هذه الأحوال حتى أعتق فليب الجميل ملك فرنسا جميع أرقاء الأراضي الملكية في أوائل القرن الرابع عشر، وأن أمر ابنه لويس العاشر في عام 1315 بتحرير جميع أرقاء الأرض "بشروط عادلة صالحة"(166). وأخذ نظام رقيق الأرض يتلاشى شيئاً فشيئاً في عدد من البلاد المتنوعة الواقعة غرب نهر الإلب وذلك في أوقات مختلفة من بداية القرن الثاني عشر إلى نهاية القرن السادس عشر، وحلت محلها ملكية الفلاحين لأرضهم، وتقسمت ضياع الإقطاع الكبرى إلى مزارع صغيرة، وحصل الفلاحون في القرن الثالث عشر على درجة من الحرية والرخاء لم يستمتعوا بمثلها مدى ألف عام. وفقدت القرى المحاكم الإقطاعية ما كان لها من سلطان على الفلاحين، وأخذ سكان القرى يختارون حكامهم، ولم يكن هؤلاء يقسمون يمين الولاء لسيد الإقطاع المالك لأرضهم بل للملك نفسه. على حتى تحرير رقيق الأرض في أوربا الغربية لم يتم كله قبل عام 1789، فقد ظل عدد كبير من سادة الإقطاع يطالبون بحقوقهم القديمة من الوجهة القانونية، ولقد حاولوا في القرن الرابع عشر حتى يستعيدوها من الوجهة العملية؛ غير حتى الحركة التي تهدف إلى العمل الحر المنتقل لم يكن يستطاع وقفها طالما كانت التجارة والصناعة آخذتين في النماء.


وكان الحافز الجديد للحرية، مضافاً إلى اتساع الأسواق الزراعية، من مسببات تحسن أساليب الزراعة، وأدواتها، ومحصولاتها، كما كان تكاثر سكان المدن، وازدياد الثراء، وأساليب الجديدة التي يسرت الأعمال التجارية والمالية÷ جميع هذا كان سبباً في اتساع نطاق الاقتصاد الريفي وزيادة غناه. وتطلبت الصناعات الجديدة محصولات صناعية غير التي كانت موجودة من قبل- قصب السكر، وبذر اليانسون، والكمون، والكتان، والعنب الهندي، والزيوت النباتية والأصباغ. وكان قرب المدن المزدحمة بالسكان مشجعاً على تربية الماشية، وصناعة منتجات الألبان، وغرس حدائق الخضر. وجرت السفن بالخمور في الأنهار وفي البر والبحر من آلاف الكروم المنتشرة في أودية التيبر، والآرنو، والبو، والوادي الكبير، والتاجه، والإبرة، والرون، والجروند، والجارون، واللوار، والسين، والموزل، والموز، والرين، والدانوب، وجرت السفن بهذه الخمور لتفرج كرب العمال الكادحين في حقول أوربا، حوانيتها، وغرف الحاسبين فيها؛ وحتى إنجلترا نفسها كانت تعصر الخمر في الفترة الممتدة من القرن الحادي عشر إلى القرن السادس عشر. وخرجت الأساطيل الضخمة في البحر البلطي، وبحر الشمال لتصيد منهما الرنكة وغيرها من أنواع السمك لتطعم المدن الجائعة التي تكثر فيها أيام الصوم، ويرتفع فيها ثمن اللحم؛ فكانت يارموث Yarmouth مدينة بحياتها إلى تجارة الرنكة، وأقر تجار لوبك بفضلها عليهم بأن نقشوا الرنكة على مقاعدهم في الكنيسة(117)، واعترف الهولنديون الشرفاء بأنهم "شادوا على الرنكة" مدينة أمستردام الشامخة(118).

وتحسنت أساليب الزراعة الفنية على مهل، فلقد تفهم المسيحيون من العرب في أسبانيا، وصقلية، وبلاد الشرق، وأدخل الرهبان البندكتيون والسسترسيون Cistercians الأساليب الرومانية القديمة والإيطالية الحديثة الخاصة بالزراعة، وتربية الماشية، والاحتفاظ بخصب التربة في الأقطار الواقعة شمال جبال الألب؛ وهجر الزراع في الضياع الجديدة يبتكرون ويغامرون كما يشاءون ولم يفرض عليهم تقسيم أراضيهم بين المزروعات المتنوعة. وكان الزراع الذين يفلحون في القرن الثالث عشر حقول فلاندرز المستحصلة من المستنقعات يتبعون الدورة الزراعية الثلاثية، فكانت الأرض تغرس جميع عام ولكن خصبها كان يجدد مرة جميع ثلاث سنين بغرس الكلأ الذي يتخذ غذاء للحيوان أوالبقول. وكان زوجان من الثيران القوية يجران المحاريث ذات السهام الحديدية تتعمق الأرض أكثر من ذي قبل. غير حتى الكثرة الغالبة من المحاريث ظلت مع ذلك تصنع من الخشب (1300). ولم يكن يعهد التسميد إلا أصقاع قليلة، وقلما كانت عجلات العربات تطوق بإطار من حديد. وكانت تربية الماشية من الأعمال الشاقة لطول فترات الجفاف؛ ولكن القرن الثالث عشر شهد التجارب الأولى في تهجين السلالات وأقلمتها. ولم تتقدم صناعة مستخرجات الألبان، فلم تكن البقرة العادية في القرن الثالث عشر تدر إلا قليلاً من اللبن، وقلما كان يصل إلى رطل واحد في الأسبوع (مع حتى البقرة الحسنة التربية تنتج الآن ما بين عشرة أرطال وثلاثين رطلاً من الزبد في الأسبوع الواحد).

وبينما كان السادة في أوربا يقاتل بعضهم بعضاً، كان فلاحوها يخوضون معارك أعظم شأناً، وتتطلب من الشجاعة والبطولة ما يسموعلى المعارك الحربية، ولا يتغنى بمديحهم إنسان؛ تلك هي معارك الإنسان مع الطبيعة. فقد طغى البحر بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر خمساً وثلاثين مرة على الجسور، وأغرق الأراضي الوطيئة، وشق خلجاناً وأجواناً جديدة في البقاع التي كانت من قبل أرضاً صلبة، وأهلك مائة ألف من السكان في مائة عام. ونقل الفلاحون أهل هذه الأنطقيم في خلال الفترة الممتدة من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر بإشراف أمرائهم ورؤساء أديرتهم جلاميد الصخر من اسكنديناوة وألمانيا وشادوا بها "السور المضىي" الذي أنشأ البلجيكيون والهولنديون وراءه دولتين من أعظم دول التاريخ كله حضارة، وانتزعت بذلك آلاف الأفدنة من البحر، ولم يستهل القرن الثالث عشر حتى كانت شبكة من القنوات تشق الأراضي الوطيئة. واحتفر الإيطاليون بين عامي 1179و1257 القناة العظمى Naviglio Grande بين بحيرة مجيوري ونهر البوفأخصبوا بها 86.485 فداناً، وأحال المهاجرون القادمون من فلاندرز، وفريزيا Frisia، وسكسونيا، وأرض الرين مناقع المورن Mooren الواقعة بين نهر الإلب والأودر حقولاً غنية. وبترت غابات فرنسا الزائدة على الحاجة شيئاً فشيئاً وحلت مكانها الضياع التي ظلت تطعم فرنسا خلال الاضطراب السياسي الذي دام قروناً طوالاً. ولعل هذه البطولة الجماعية التي بذلت في تقطيع الغابات، وتجفيف المستنقعات، وإرواء الأرض وزراعتها، لا الفوزات الحربية أوالتجارية، هي العامل الأساسي الذي أدى آخر الأمر إلى فوز الحضارة الأوربية في الأعوام السبعمائة الأخيرة.

تاريخ النشر: 2020-06-04 16:24:38
التصنيفات: ثورات زراعية, القرون الوسطى, القرن 11 في اوروپا, القرن 12 في اوروپا, القرن 13 في اوروپا, القرن 14 في اوروپا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

محافظ شمال سيناء يشهد توقيع بروتوكول تعاون لرفع كفاءة الحضانات

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:15
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

مدبولي: حريصون على تحفيز روح المنافسة بين العاملين بالجهاز الإداري

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:21
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

بشكل رسمي .. الفيفا يعلن مشاركة الأهلى فى كأس العالم للأندية 2025

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:08
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

تكاليف صندوق المقاصة بلغت 400 مليون درهم

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:34
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 77%

«كتف في كتف»: دراسة تشيد بجهود التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:34
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

دار الإفتاء تستطلع شهر رمضان الثلاثاء القادم

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 60%

جامعة الأزهر تشارك في المبادرة الرئاسية «100 مليون شجرة مثمرة»

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

مديرة الوكالة الفرنسية للتنمية تشيد بالإصلاح الصحي الشامل في مصر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:26
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

افتتاح 78 مسجداً في آخر جمعة من شهر «شعبان» - تحقيقات وملفات

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:20:43
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 64%

تضم 47 مصنعًا.. كواليس معايشة داخل «النصر للكيماويات الوسيطة»| صور

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:28
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

حي النزهة يحصل على المركز الثالث لجائزة المؤسسة الحكومية المتميزة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:18
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 62%

«كتف في كتف».. توفير 4 ملايين كرتونة من المواد الغذائية قبل رمضان

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:32
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

اختيار مستشارة شيخ الأزهر ضمن قائمة الـ50 سيدة الأكثر تأثيرًا في مصر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:00
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

تراجع أسعار الذهب بختام تعاملات الثلاثاء .. التفاصيل 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:04
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 58%

مسلسلات رمضان 2023.. عرض مسلسل الصفارة على قناة dmc - فن

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:20:51
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

إعادة فتح ميناء شرم الشيخ البحري بعد تحسن الأحوال الجوية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-14 21:21:23
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

تحميل تطبيق المنصة العربية