التاريخ الصناعي لأوروبا

عودة للموسوعة

التاريخ الصناعي لأوروبا

تقدم الصناعة 1000-1300

تقدمت الصناعة بنفس الخط التي اتسع بها التجارة؛ ذلك حتى اتساع الأسواق زاد الإنتاج، وزيادة الإنتاج أنعشت التجارة. غير حتى وسائل النقل كانت أقل العوامل تقدماً، فقد كانت معظم الطرق الرئيسية في العصور الوسطى مليئة بالأتربة، والأقذار، والأوحال، ولم تكن هناك قنوات أوبرابخ تنقل الماء من الطرق، ولهذا كثرت فيها الحفر والبرك؛ وكانت المخاضات كثيرة والقناطر قليلة. وكانت الأحمال تنقل على ظهور البغال أوالخيل ولا تنقل في العربات لأن العربات يصعب عليها تجنب الحفر كما تتجنبها دواب الحمل. وكانت عربات الركوب كبيرة سمجة عجلاتها ذات إطار من حديد غير ذات مرونة(15)؛ ولهذا كانت هذه العربات غير مريحة مهما تكن زينتها، ومن أجل ذلك فإن الناس رجالاً كانوا أونساء كانوا يفضلون ركوب الخيل منفرجة سيقانهم ذكوراً وإناثاً على الجانبين. وقد ظلت العناية بالطرق حتى القرن الثاني عشر موكولة إلى أصحاب الأملاك المجاورة لها، ولم يكن هؤلاء الملاك يدركون كيف من الممكن أن يطلب إليهم حتى ينفقوا المال على إصلاح الطرق التي ينتفع المارون بها أكثر مما ينتفع بها سواهم. وحذا فردريك الثاني في القرن الثالث عشر حذوالمسلمين والبيزنطيين فأمر بإصلاح طرق صقلية وجنوبي إيطاليا، وأنشئت في هذا الوقت عينه أولى "الطرق الكبرى الملكية" بتثبيت مكعبات حجرية في الثرى المفكك أوالرمال، وشرعت في هذا القرن نفسه ترصف شوارعها الرئيسية، وأنشأت مدائن فلورنس، وباريس، ولندن، والمدن الفلمنكية قناطر غاية في الجودة، كذلك نظمت الكنيسة في القرن الثاني عشر هيئات أخوية دينية لإصلاح القناطر وتشييدها، وعرضت على من يشهجرون في هذا العمل الغفران من الذنوب. وكان إخوان الجسور Freres Pontifs هم الذين أنشئوا جسر أفنيون الذي لا يزال محتفظاً بأربع عقود من خلق أيديهم. وبذلت بعض طوائف الرهبان لا سيما الرهبان البندكتيين جهوداً كبيرة للمحافظة على الطرق والجسور؛ وظل ملك إنجلترا ورجال الدين فيها ومواطنوها فيما بين عامي 1176و1209 يقدمون أموالهم أوجهودهم الجسيمة لإنشاء جسر لندن، وقامت فوق هذا الجسر بيوت وكنيسة صغيرة، وكان الجسر يقوم فوق عشرين عقداً من الحجر يعبر عليها نهر التاميز؛ وأقيمت في بداية القرن الثالث أولى القناطر المعلقة المعروفة فوق خانق في ممر سان گوتارد، بجبال الألپ.

وكانت المسالك المائية أكثر ما يستخدمه الناس في النقل، فأصبحت لذلك ذات شأن عظيم في نقل البضائع لأن الطرق البرية كانت كثيرة المتاعب، فقد كانت السفينة الواحدة تحمل ما تحمله خمسمائة دابة، وكانت إلى هذا أقل نفقة من الدواب، ومن أجل ذلك كانت أنهار أوربا المنتشرة من نهر التاجه Tagus إلى الفلجا Volga من أبرز مسالكها العامة، وكان اتجاه هذه الأنهار ومصابها العامل الرئيسي في انتشار السكان، ونموالمدن، بل والسياسية العسكرية للأمم في كثير الأحيان. وكانت القنوات لا حصر لها وإن كانت الأحواض غير معروفة.

وكان السفر بالبر والبحر على السواء شاقاً بطيئاً، فكان انتنطق الأسقف من كنتر بري إلى روما يحتاج تسعة وعشرين يوماً. وكان في وسع حملة الرسائل إذا استبدلوا الخيل في مراحل الطريق حتى يجتازوا مائة عام في اليوم الواحد؛ لكن الرسل الخصوصيين كانوا يكلفون كثيراً، ولهذا كان البريد (الذي أعيد في إيطاليا في القرن الثاني عشر) مقصوراً في العادة على الأعمال الحكومية، وكانت عربات عامة حافلة تسير بانتظام في أماكن متفرقة من القارة كالعربات التي كانت تسير بين لندن وونشستر. وكانت الأخبار بطيئة الانتنطق شأنها في هذا شأن الرجال؛ مثال ذلك حتى نبأ موت بربروسه في قليقية لم يصل إلى ألمانيا إلا بعد أربعة أشهر(16). ولهذا كان في وسع الرجل في العصور الوسطى حتى يتناول فطوره من غير حتى تزعجه مصائب العالم التي يجد الناس في جمعها؛ وكان من حسن حظه حتى ما يصله من أخبار هذه المصائب قد بلغ من قدم العهد حداً لا يستطاع معه علاجه.

وخطا الناس بعض خطوات في تسخير القوى الطبيعية واستخداماتها لمنفعتهم. وشاهد ذلك حتى "كتاب يوم الحشر" يسجل وجود خمسة آلاف طاحونة مائية في إنجلترا في عام 1086، وثمة رسم باق من عام 1169 يصور عجلة مائية يضاعف دوراتها البطيئة ويزيد سرعتها عدد من التروس المتعاقبة المدرجة في الصغر(17). وبفضل هذا الازدياد في السرعة أضحت العجلة المائية أداة رئيسية من أدوات الصناعة؛ وأخذت تنتشر في بلاد أوربا المتنوعة، فظهرت في ألمانيا عام 1245 آلة مائية لنشر الخشب تدار بالماء(18)؛ وكانت آلة أخرى في دويه Douoi (1313) تستخدم لصنع الآلات الحادة؛ وانتشرت الطواحين الهوائية، التي عهدت لأول مرة في أوربا الغربية عام 1105، انتشاراً سريعاً بعد حتى شاهد المسيحيون سعة انتشارها في بلاد الإسلام(19)، فقد كان في أيبر Ypres وحدها مائة وعشرون من هذه الطواحين في القرن الثالث عشر.

وكان تحسن أدوات العمل وازدياد حاجات الناس عاملاً هاماً في تشجيع أعمال التعدين التي نهضت وقتئذ نهضة فجائية عظيمة. من ذلك حتى حاجة التجارة إلى عملة مضىية موثوق بها، وقدرة الناس المتزايدة على إشباع شهوتهم في لبس الحلي قد أديا إلى تجدد العمل في استخراج التبر بغسل طين الأنهار، ومن العروق المعدنية في إيطاليا، وفرنسا، وإنجلترا، والمجر، ومن ألمانيا بنوع خاص. وكشف حوالي عام 1175 عروق غنية للنحاس الأحمر، والفضة، والمضى في إرز جبيرج Erz Gebirge (أي جبال المعدن)؛ وعلى أثر هذا الكشف هرع الناس إلى فرايبرگ Freiberg، وگوسلار Goslar، وأنابرگ Annaberg كما هرعوا إلى أمريكا بعد كشفها؛ وأطلق اسم بلدة يواخيم‌تالر Joachimsthaler الصغيرة على النقود التي تسك فيها، ثم اختصر هذا اللفظ اختصاراً تحتمه كثرة الاستعمال واشتق منه حدثة ثالر thaler الألمانية وحدثة دولار Dollar الإنجليزية(20)؛ وأضحت ألمانيا بعدئذ أكبر مورد للمعادن الثمينة إلى أوربا، وكانت مناجمها هي الأساس الذي قامت عليه قوتها السياسية، كما كانت تجارتها هي الإطار الذي حدد هذه القوة. فقد كان الحديد يستخرج من جبال هارز Harz ومن وستفاليا Westphalia، والأراضي الوطيئة، وإنجلترا، وفرنسا، وأسبانيا، وصقلية، وعاد الناس مرة أخرى إلى استخراجه من جزيرة إلبا. وكان الرصاص يستخرج من دبي شير Derbyshire، والقصدير من ديفون، وكورنوول، وبوهيميا؛ والزئبق والفضة من أسبانيا، والكبريت والشب من إيطاليا، واشتق اسم سلزبرج Salzburg من طبقاتها الملحية العظيمة. وعاد الإنجليز في القرن الثاني عشر إلى استخراج الفحم الذي كان يستخدم في بلادهم أيام الرمان ثم أهمل- كما يلوح- في عهد السكسون، ومما يشير على كثرة استخراجه حتى الملكة إليانور غادرت قصر نتنجهام في عام 1237 لكثرة الدخان المتصاعد من الفحم لأن الدخان كان يسمم المدينة- ذلك مثل من العصور الوسطى لإحدى المصائب التي يظن الناس أنها من مصائب العصر الحديث(21).

وكان امتلاك الرواسب المعدنية منشأ كثير من الاضطراب في القوانين. فلما حتى كانت يد الإقطاع قوية في البلاد كان السيد الإقطاعي يدعى حتى المعادن الموجودة في أرضه من حقه وحده، وكان يستخرج رواسبها بأيدي رقيق أرضه. وكانت الهيئات الكنيسة تدعى لنفسها مثل هذه الدعوى، وتستخدم أرقاء الأرض، أوالعمال المأجورين في استخراج الرواسب القيمة من أرضيها. وأصدر فردريك بربروسه قراراً ينص على حتى الملك وحده صاحب جميع المعادن التي في بلاده، وأن هذه المعادن لا يمكن استخراجها إلا على أيدي شركات تعمل تحت إشراف الدولة(22). فلما عاد هذا الحق الملكي الذي كان متبعاً أيام أباطرة الرومان أصبح هوالقانون السائد في ألمانيا في العصور الوسطى؛ وسار على هذه السنة نفسها ملوك إنجلترا فادعى الملك لنفسه ملكية جميع رواسب الفضة والمضى، أما المعادن الدنيئة فكان في استطاعة صاحب الأرض حتى يستخرجها بشرط حتى يدفع عن ذلك إتاوة للملك(23).

وكان فحم الخشب هوالذي يستعمل في صهر المعادن، وكان كثير من الخشب في أفران ظلت حتى ذلك الوقت بحالتها البدائية؛ ولكن النحاسين كانوا على الرغم من هذا يخرجون أدوات جميلة من الشبه، كما كان صناع الأدوات الحديدية في لييج، ونورمبرگ، وميلانو، وبرشلونة، وطليطلة يصنعون أسلحة وأدوات حديدية ممتازة. واشتهرت أشبيلية بصلبها الجيد، وأخذ الحديد الزهر (المصهور في درجة 1535°مئوية) يحل محل الحديد المطاوع الملين في درجة 800مئوية). وكانت الأدوات الحديدية كلها تقريباً تصنع قبل هذا التغيير "بالطرق"- Smiting ومن هذا الفظ اشتق لفظ اسمث smith السكسوني أي الطارق للحداد. وكان صب الأجراس من الصناعات الهامة لأن الكنائس الكبرى وأبراج المدن كانت تتنافس في أوزان أجراسها، وارتفاع أصواتها، وحسن نغماتها. وكان النحاسون يصنعون أغطية النيران Curfews أي (Couvre feus) التي يضعها الناس على نيرانهم إذا دقت أجراس المساء Curfew. واشتهرت بلاد سكسونيا بما فيها من مصاهر البرنز، كما اشتهرت إنجلترا "بالتنك" Pewter وهومزيج من النحاس، والبزمزت، والأنتيمون (الإتمد) والقصدير. وكان الحديد المطاوع يستخدم في خلق قوائم حديدية رشيقة للنوافذ، وأخرى من الحديد المشغول لأمكنة المرتلين في الكنائس، والمفصلات الضخمة ذات الأشكال المتنوعة التي كانت تنتشر على الأبواب لتقويتها وتزينها. وكان الحدادون والصائغون كثيري العدد؛ وذلك لأن المضى والفضة لم يكن يستخدمها الناس للمباهات أولإخفائها فحسب، بل كانا يستخدمان فوق ذلك لوقاية صاحبهما من العملة المنتسيرة، وإعطائه في الأزمات نوعاً من الثروة يستطيع تحويله إلى طعام أوسلع.

واتسع نطاق صناعة المنسوجات في القرن الثالث عشر اتساعاً عظيماً في فلاندرز وإيطاليا، وكانت مؤسسات شبه رأسمالية ينتج فيها آلاف من الصناع سلعاً للسوق العامة ويجمعون المكاسب للمستثمرين الذين لا تقع عليهم أعينهم؛ وكان لنقابة الصوف في فلورنس مصانع كبيرة يشتغل فيها نحت سقف واحد غسالون، وقصارون، وقزازن، وغزالون، وناسجون، ومفتشون وخطة يعملون بأدوات، وآلات، وأنوال لا يمتلكونها وليست لهم أية سيطرة عليها(24).

وكان المتجرون بالجملة في الأقمشة ينظمون المصانع، ويقدمون ما يلزمها من الأدوات، ويمدونها بالعمال ورؤوس الأموال، ويحددون الأجور والأثمان، وينظمون عمليتي التوزيع والبيع، ويتحملون أخطار المغامرة، وما ينتج عن الإخفاق من خسائر، ويجنون ما يثمره النجاح من مكاسب(25). وكان غيرهم من أصحاب الأعمال يفضلون حتى يحصلوا على المواد الغفل التي يحتاجها الأفراد أوالأسر، ثم توزعها تلك الأسر أوهؤلاء الأفراد على التجار نظير أجر أوثمن، وبهذه الطريقة انضم آلاف من الرجال والنساء في إيطاليا، وفلاندرز، وفرنسا إلى المهن الصناعية(26)؛ ولهذا أصبحت مدائن أمين، وبوفيه، وليل، ولاون، وسان كنتان، وبروفن Provins، وريمس، وتراوي، وكمبريه، وتورنيه، ولييج، ولوفان Louvain مركزاً عظيماً لأعمال الوساطة السالفة الذكر- وفاقتها في ذلك غنت، وبروج، وإيبر، ودويه واشتهرت كلها بأذواقها الفنية وثوراتها، وأعارت لاؤن اسمها إلى شاش البطانات Lawn حدثا أعارت كمبريه اسمها إلى التيل الرفيع "الكمبريك" Cambric واشتق الطراز المضلع في النسيج diaper من اسم مدينة إيبر(27). وكان في غنت 2300 نساج يعملون على الأنوال؛ وكان في بروفن في القرن الثالث عشر ثلاثة آلاف ومائتان(28). وكانت لأكثر من عشر مدائن في إيطالية صناعاتها الخاصة في النسيج. وتخصصت نقابة الصوف في فلورنس في القرن الثاني عشر في إنتاج البضائع الصوفية المصبوغة، كما نظمت نقابة الأقمشة في بداية القرن الثالث عشر أعمالاً واسعة النطاق لاستيراد الصوف وتصدير منسوجاته، وقبل حتى يحل عام 1306 كان في فلورنس 300 مصنع للنسيج كما كان فيها عام 1336 ألف نساج(29). وكانت جنوى تنسج المخمل اللطيف والحرير ذا الخيوط المضىية. وأخذت فينا في أواخر القرن الثالث عشر تستورد النساجين الفلمنكيين، وسرعان ما نشأت فيها صناعة للنسيج خاصة بها. وكادت إنجلترا تحتكر إنتاج الصوف في شمالي أوربا؛ وكانت ترسل معظم منسوجاتها منه إلى فلاندرز. ومن أجل هذا ارتبطت هذه البلاد بعجلتها في شئون السياسة والحرب واشتقت من اسم وورستد Worstead أسماء لأنواع مختلفة من الأقمشة الصوفية. وكانت أسبانيا تنتج نوعاً جيداً من الصوف، وكانت أغنام المرينوالتي بها مصدراً من مصادر دخلها القومي.

وكان العرب قد أدخلوا إنتاج الحرير ونسجه في أسبانيا في القرن الثامن كما أدخلوها في إيطاليا في القرن التاسع، وواصلت مدائن بلنسية، وقرطاجنة، وأشبيلية، ولشبونة، وبالرمة، ذلك الفن بعد حتى أضحت بلاداً مسيحية، واستقدم روجر الثاني النساجين اليونان واليهود من كورنثة وطيبة اليونانيتين إلى بالرمه في عام 1147، وأسكنها أحد قصورها، وبفضل هؤلاء الرجال وأبنائهم انتشرت تربية دودة القز في جميع أنحاء إيطاليا؛ ونظمت لوكا صناعة الحرير على نطاق رأسمالي واسع، كانت تنافسها فيها مدائن فلورنس، وميلان، وجنوى، ومودينا، وتخطت هذه الصناعة جبال الألب وأنتجت صناعاً مهرة في زيورخ، وباريس، وكولونيا.

وكان في ميدان صناعات العصور الوسطى مئات من مختلف الحرف الأخرى منها حرفة طلاء الآنية الخزفية بطبقة زجاجية وذلك برش سطوحها وهي مبللة بالرصاص ثم حرقها في نار غير شديدة؛ فإذا أرادوا حتىقد يكون لون سطحها الأملس البراق أخضر لا أصفر أضافوا النحاس أوالبرنز إلى الرصاص. ولما أضحت المباني والنيران كثيرة الأكلاف في مدن القرن الثالث عشر المطردة النماء حلت بتر القرميد محل السقف المصنوعة من القش، وفرضت مدينة لندن هذا التغيير على سكانها في عام 1212. وما من شك في حتى الحرف المتصلة بالبناء كانت متقدمة لأن طائفة من أمتن المباني الباقية في أوربا الآن يرجع تاريخها إلى هذا العهد. وكان الزجاج يصنع للمرايا، والنوافذ، والأواني، ولكنه كان يصنع في نطاق ضيق إذا قيس إلى غيره من المصنوعات، وكانت الكنائس تحتوي على أحسن ما خلق من أنواع الزجاج أما البيوت فلم يكن فيها شيء منه. وكانت صناعة الزجاج بالنفخ معروفة في أوربا الغربية منذ القرن الحادي عشر إذا لم يكن قبله، ولعل هذا الفن لم يختف قط من إيطاليا منذ حتى بلغ ذروة مجده في أيام الدولة الرومانية. أما الورق فقد ظل حتى القرن الثاني عشر يستورد من بلاد الشرق الإسلامية أومن أسبانيا، ولكن مصنعاً للورق افتتح في رافنزيرج Ravensburg بألمانيا في عام 1190، وبدأت أوربا في القرن الثالث عشر تصنع الورق من النيل. وكانت الجلود من أبرز السلع في التجارة الدولية، كما كان دبغها منتشراً في كافة الأنحاء. وكان صناع القفازات والسروج، وأكياس النقود، والأحذية والأساكفة من أبرز الناس وأكثرهم تنافساً. وكانت الفراء تستورد إلى داخل أوربا من الشمال والشرق، وكانت من ملابس الملوك والأشراف والطبقة الوسطى. وكانت الخمر والجعة تستخدمان بدل وسائل التدفئة المركزية، وكانت كثير من المدن أرباحاً طائلة من احتكار البلديات لصناعة الخمور، وكانت ألمانيا في ذلك العهد قد تزعمت العالم في الصناعة القديمة.

ويرجع معظم رخاء مدينة هامبورج في القرن الرابع عشر إلى معاصرها الخمسمائة والى بيع منتجاتها، وبقيت الصناعات بوجه عام، إذا استثنينا منها صناعة النسيج، في فترة الصناعات اليدوية، فكان الصناع الذين يعملون للسوق المحلية- كالخبازين، والأساكفة، والحدادين، والنجارين ومن إليهم- هم المالكين لأدواتهم وثمار عملهم، وظلوا أحراراً من الناحية الفردية. وكانت معظم الصناعات لا تزال تقوم في بيوت العمال أوالحوانيت الملاصقة لبيوتهم؛ وكانت كثير من الأسر تؤدي لنفسها كثيراً من الأعمال التي توكل الآن للحوانيت أوالمصانع- كانت تصنع خبزها، وتنسج ثيابها، وتخصف نعالها. وكانت خطى التقدم في هذه الصناعة المنزلية بطيئة؛ وكانت الأدوات ساذجة، والآلات قليلة، ولم تكن دوافع المنافسة والكسب مما يحفز الناس على الإنتاج أوعلى استبدال القوة الآلية بالمهارة البشرية؛ ومع هذا فلربما كان هذا النظام هوأحسن صورة من التنظيم الصناعي في التاريخ كله. نعم إذا إنتاجه كان بطيئاً، ولكن أكبر الظن حتى ما كان يبعثه في نفوس الصناع من رضا وقناعة كان عالياً إذا قيس بغيره من العصور. فقد بقي العامل قريباً من أسرته، وكان هوالذي يحدد ساعات عمله ويحدد بقدر ما ثمن ما يصنع؛ وكان إعجابه بمهارته يسموبخلقه ويبعث فيه الثقة بنفسه؛ وكان فناناً وصانعاً معاً؛ وكان يغتبط اغتباط الفنان حين يرى الشي الكامل الذي يصنعه يتشكل شيئاً فشيئاً بين يديه.


المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

وصلات خارجية

  • Society for the History of Technology
تاريخ النشر: 2020-06-04 16:24:42
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, تاريخ أوروبا, التاريخ الصناعي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تفاصيل طعن إمام مسجد على يد محامي في محافظة الغربية

المصدر: المصري اليوم - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:19
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 60%

طلبات مفاجئة للجنة الإنضباط لـ «فيفا» بشأن إعادة مباراة مصر والسنغال

المصدر: المصري اليوم - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:18
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

جدة وأم في وقت واحد.. سيدات يحملن فى أحفادهن (فيديو)

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:30
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 47%

تفاصيل وفاة مدربة الجودو بالمركز الأولمبى (فيديو)

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:33
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 36%

«من الطبيعي أن نفوز على أي منافس في مصر».. تصريح مثير من نجم الزمالك

المصدر: المصري اليوم - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:21
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 52%

برعاية «مستقبل وطن».. انطلاق ثلاث دورات رمضانية بالقاهرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:05
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 70%

المريخ يفوز بثلاثية على أهلي شندي في الدوري السوداني

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:59
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 70%

اليوم.. أول صلاة جمعة فى مسجد الحسين بعد إعادة ترميمه

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:30
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 42%

الصعود إلى الصفر - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:22:23
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 55%

«العائدون» يكشف تمويل التنظيم الدولى للإخوان لـ داعش

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:10
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 63%

مصر تمتنع عن التصويت على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:14
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 69%

حصاد دوري أبطال أوروبا بعد انتهاء مباريات ذهاب ربع النهائي

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:29
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 48%

البابا تواضروس ينعي القمص ارسانيوس وديد بكلمات مؤثرة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:15
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 56%

النائبة إيفلين متى: قانون الأحوال الشخصية أصبح «قنبلة موقوتة»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 51%

النائب العام يأمر بسرعة إنجاز التحقيقات في مقتل كاهن الإسكندرية

المصدر: المصري اليوم - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:18
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 50%

مثقفون وكتاب ينعون "مجيد طوبيا": واحد من الذين أسعدوا الناس وعلموهم

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-08 03:21:11
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 60%

تحميل تطبيق المنصة العربية