فن إسلامي

عودة للموسوعة

فن إسلامي

الله (الخالق) عنصر مهم يدور حوله جزء كبير من أعمال الفن الإسلامي

الفن الإسلامي هوالفن الذي قدمه المسلمون، والثقافة الإسلامية والدول الإسلامية.

استعراض عام

لما فتح العرب بلاد الشام لم تكن لديهم من الفنون سوى الشعر. وينطق إذا النبي حرم فني النحت والتصوير أنهما من قبيل عبادة الأوثان-كما نهى عن الموسيقى، ولبس الحرير الثمين: والتحلي بالمضى والفضة أنهما من مسببات التنعم المؤدي إلى الانحلال؛ ومع حتى العرب أخذوا يتحللون شيئاً فشيئاً من هذا التحريم، فإن الفن الإسلامي في ذلك العهد الأول كان ينحصر في فنون العمارة، والخزف، والزركشة. يضاف إلى هذا حتى العرب أنفسهم كانوا إلى عهد قريب بدواً أوتجاراً، ولمقد يكونوا ذوي براعة فنية ناضجة؛ وكانوا يعترفون بقصورهم في هذا الميدان، ولذلك لجأوا إلى الأشكال والتنطقيد الفنية المتبعة في بيزنطية، ومصر، والشام، وبلاد العراق، وإيران، والهند، فعدلوها بما يوائم طبيعتهم، كما لجأوا إلى الفنانين والصناع من أهل تلك البلاد. من ذلك حتى نقوش قبة الصخرة في بيت المقدس وعمارة مسجد الوليد الثاني في دمشق كانت بيزنطية خالصة. وفيما يلي هذه البلاد من جهة الشرق اتخذ العرب حليات القرميد التي كانت متبعة في بلاد آشور وبابل القديمة، كما اتخذوا أشكال الكنائس الأرمنية النسطورية، وبعد حتى دمر المسلمون في بلاد الفرس كثيراً من الأعمال الساسانية الأدبية والفنية تنبهوا إلى مزايا مجموعات العمد، والأقواس المستدقة والعقود، والنقوش المكونة من أوراق النبات والأشكال الهندسية التي أثمرت آخر الأمر طراز الزخرفة العربي المعروف. ولم تكن هذه النتيجة تقليداً محضاً، بل كانت هجريباً بارعاً من أشكال مختلفة لا ينقص من شأنها ما أخذه المسلمون عن غيرهم من الأمم. وتخطى الفن الإسلامي الذي انتشر من قصر الحمراء في الأندلس إلى التاج محال في الهند جميع حدود الزمان والمكان، وكان يسخر من التمييز بين العناصر والأجناس، وأنتج طرازاً فذاً ولكنه متعدد الأنواع، وعبّر عن الروح الإنسانية بأناقة موفورة فياضة لم يفقها شيء من نوعها حتى ذلك الوقت.


العمارة

ويكاد فن العمارة الإسلامية، كمعظم فنون العمارة في عصر الإيمان، حتىقد يكون كله فناً دينياً خالصاً. ذلك حتى مساكن البشر كانت تقام ليقضوا فيها حياتهم الدنيوية القصيرة الأجل؛ أما بيوت الله، فكانت من داخلها على الأقل، نماذج من الجمال الخالد. غير أننا مع هذا نسمع عن قناطر، وقنوات لجر مياه الشرب، وفساقي، وخزانات لمياه الري، وحمامات عامة، وقلاع، وأسوار ذات أبراج وإن لم يبقَ من آثار هذه كلها إلا القليل. وقد أقامها مهندسون معماريون كان الكثيرون منهم في القرن الأول بعد الفتوح الإسلامية من المسيحيين، ولكن كثرته الغالبة كانت فيما بعد من المسلمين. ولما اتى الصليبيون إلى بلاد المسلمين وجدوا مباني حربية ممتازة في حلب، وبعلبك، وغيرها من مدن الإسلام في الشرق، وعهدوا هناك فوائد الأسوار ذات المزاغل، وأخذوا عن أعدائهم كثيراً من الأفكار التي أقاموا على أساسها حصونهم وقلاعهم المعدومة النظير، ولقد كان قصر إشبيلة، وقصر الحمراء في قرطبة حصنين وقصرين معاً.

ولم يبقَ من قصور بني أمية إلا القليل. ومن هذا القليل الباقي بيت بريفي في قصير عمرة بالصحراء الواقعة في شرق البحر الميت، وتكشف بقاياه عن حمامات ذات قباب، وجدران ذات مظلمات. ويؤكد لنا المؤرخون حتى قصر عضد الدولة في شيراز كان يحتوي على ثلاثمائة وستين حجرة واحدة منها جميع يوم من أيام السنة، وقد طليت جميع حجرة بطلاء مكون من مجموعة فذة من الألوان، وخصصت منها واحدة للمخطة، وكانت حجرة رحبة يبلغ ارتفاعها طابقين، ذات بواك وعقود، ويقول عنها أحد مؤرخي الإسلام المتحمسين إنه لم يكن ثمة كتاب في أي موضوع من الموضوعات لا تحتوي المخطة نسخة منه(124). ولسنا نشك في حتى للخيال أكبر نصيب فيما وصفت به شهرزاد مدينة بغداد، ولكنه وصف يصور ما كانت عليه فخامة النقوش في داخل القصور أصدق تصوير(125). وكان لأغنياء المسلمين بيوت في الريف وقصور في المدن. وكانت لهم في المدن نفسها حدائق كبرى، أما بيوتهم في الريف فكانت حدائقها "جنات" حقة-فيها بساتين ذات عيون، وجداول، وفساق، وبرك مبطنة بالقرميد، وأزهار نادرة، وظلال، وأشجار فاكهة ونُفل، وكانت تحتوي عادة على سرادق يستمتع فيه أهل القصر بالهواء الطلق، دون حتى يضايقهم وهج الشمس. وكان الدين في فارس دين أزهار؛ فقد كانت تحتفل بأعياد الورد احتفالات تحوي جميع مظاهر الأبهة والفخامة، وطبقت شهرة ورد شيرزاد وفيروز آباد جميع أنحاء العالم، وكانت الورود ذوات المائة من الأوراق من الهدايا التي يحمدها لمهديها الخلفاء والملوك(126).

وكانت بيوت الفقراء وقتئذ، كما هي الآن، أبنية مستطيلة الشكل؛ مقامة من اللبن الملتصق بالطين، سقفها خليط من الطين، وأعواد النبات، وغصون الأشجار، وجريد النخل، والقش. وكانت البيوت الأرقى من هذه نوعاً تشتمل على فناء داخلي مكشوف، ذي فسقية، وشجرة في بعض الأحيان؛ وكانت تحتوي أحياناً على طائفة من العمد الخشبية، ورواق مسقوف بين الفناء والحجرات. وقلما كانت البيوت تبنى على الشارع أوتطل عليه، لأنها كانت حصوناً للعزلة، تقام للأمن والسلام؛ وكان لبعضها أبواب سرية، يهرب منها سكانها من فورهم إذا هوجموا أوأريد اعتنطقهم، أويدخل منها الحبيب سراً(127).

وكان في جميع بيت من البيوت، عدا بيوت الفقراء، أجنحة خاصة بالنساء، لكل منها في بعض الأحيان فناء مستقل. وكانت بيوت الأغنياء خالية من أنابيب الماء، الذي يحمل إليها من خارجها كما تحمل الفضلات منها. وكانت بعض البيوت الحديثة الطراز تؤلف من طابقين تتوسط الواحد منهما حجرة لجلوس الأسرة عامة تعلوها قبة، وفي الطابق الثاني منها شرفة تطل على فناء البيت. ولم يكن بيت من البيوت عدا أفقرها يخلومن مشربية من الخشب تدخل الضوء، وتمنع حرارة الشمس، وتمكن من بداخل البيت حتى يطلوا على خارجهِ دون حتى يراهم من بالخارج. وكثيراً ما كانت هذه المشربيات متقنة النحت، وكانت هي النماذج التي صنعت على غرارها الستر الحجرية أوالمعدنية التي ازدانت بها القصور والمساجد فيما بعد. ولم تكن بالبيت مدفأة ثابتة في جدرانهِ، بل كان يدفأ بموقد نحاسي متنقل يحرق فيه الفحم الخشبي. وكانت الحجرات تجصص وتطلى عادة بألوان متعددة. وكانت الأرض تفرش بطنافس من نسيج اليد، وقد يحدث عليها كرسي أوكرسيان، ولكن المسلمين كانوا يفضلون حتى يتربعوا فوق الطنافس. وكانت أرض الحجرة ترتفع بجوار الجدران في ثلاث نواح منها بقدر قدم، أوما يقرب منه ليتكون من ذلك ديوان يفرش بالوسائد. ولم تكن في هذا النوع من البيوت حجرة خاصة بالنوم، وكان فرش النوم مكوناً من حشية تطوى في أثناء النهار وتوضع في مكان خاص كما يعمل أهل اليابان في هذه الأيام. وكان أثاث البيت بسيطاً: يتألف من بضع مزهريات، وآنية المطبخ، ومصابيح، وكوة للخط في بعض الأحيان.

الفن الإسلامي في العمارة في المغرب.
فسيفساء على أرضية في إحدى قاعات قصر هشام في أريحا.

وكان حسب المسلم التقي الفقير حتىقد يكون المسجد جميلاً، وكان ينفق في تشييدهِ جهده ماله. ويجمع في فنونه وصناعاته ويضعها كالطنفسة بين يدي الله، وكان في وسع الناس حتى يستمتعوا بهذا الجمال وبتلك العظمة: وكان المسجد يقام عادة بالقرب من سوق المدينة يسهل الوصول إليه من كافة أنحائها. ولم يكن عادة فخماً ذا روعة وبهاء من خارجهِ. وإذا استثنينا قابلته الأمامية فإنه لم يكن يسهل تمييزه في بعض الأحيان من المباني المجاورة له، وقد يحدث أحياناً ملتصقاً بها التصاقاً، وقلما كان يشيد من مواد أفخم من الآجر المطلي بالمصيص. وقد حدد شكله الغرض الذي أقيم من أجلهِ: فكان يتألف من بهورباعي الشكل يتسع للمصلين، ومن حوض أوسط ونافورة للضوء، تحيط بها إيواناته ذات البواكي لوقاية المصلين وإظلالهم، وليتلقوا فيها الدروس، وفي ناحية الصحن المتجهة إلى مكة كان يقوم بناء المسجد الأصلي، وهوفي العادة قسم مسور من الرواق.وكان هذا القسم أيضاً ذا شكل رباعي يمكن المصلين من حتى يقفوا صفوفاً متراصة متجهين أيضاً إلى مكة. وقد يحدث فوق هذا الصرح قبة، تكاد تبنى في جميع الأحوال من الآجر، تبرز جميع طبقة منها عما تحتها بمقدار قليل نحوالداخل وتطلى بالجص لإخفاء هذا البروز(128). وكان الانتنطق من القاعدة الرباعية إلى القبة المستديرة يتم كما يتم في العمارة الساسانية أوالبيزنطية بأن تتوسطها في القبة عدة أكتاف مثلثة الشكل بين عقدين متعامدين، أوسلسلة من العقود الحجرية الصغيرة تقام عليها جوانب القبة. وأهم ما تمتاز به عمارة المساجد هوالمئذنة من الزجورات-الصرح-البابلي وبرج الجرس في الكنائس المسيحية، وأخذ الهنود المسلمون الشكل الأسطواني من بلاد الهند، وتأثر مسلموإفريقية في تخطيطها بمنارة الإسكندرية ذات الأركان الأربعة(129). وليس ببعيد حتى تكون الأبراج ذات الأركان الأربعة في المساحة التي أقيم عليها الهيكل القديم في دمشق، ذات أثر في شكل المئذنة(130)، وكانت في هذا العهد الأول بسيطة خالية في أغلب الأحيان من الزخرف، ولم تصل إلا في القرون المتأخرة إلى ما وصلت إليه من الدقة والارتفاع، أونحوما احتوته من الشرفات الرقيقة الهشة، والبواكي الزخرفية، والسطوح القاشانية، التي أنطقت فرجسون Fergusson بقولهِ "إنها أعظم الأبراج رشاقة في عمارة العالم كله"(131).

وقد احتفظ المسلمون لداخل المسجد بأبهج الزخارف وأجملها وأكثرها تنوعاً، احتفظوا لهذا الداخل بالفسيفساء وبتر القرميد البراقة لأرض المسجد ومحرابه؛ وبالزجاج ذي الأشكال والألوان البديعة لنوافذهِ ومصابيحه، وبالطنافس الغالية والبسط الفخمة تفرش على أرضه للصلاة؛ وبألواح الرخام الجميل الألوان تثبت على الأجزاء السفلى من الجدران؛ وبالأفاريز الجميلة ذات الكتابة العربية حول المحاريب والطنف؛ وبالنقوش الجميلة في الخشب أوالعاج أوالمصنوعة من المعدن في الأبواب، والسقف، والمنابر، والسجف... أما جسم المنبر نفسه فكان يصنع من الخشب تبذل أعظم العناية في نحتهِ ونقشهِ وتطعيمه بالعاج والأبنوس. وبالقرب من المنبر توجد الدكة المقامة على عمد صغيرة وعليها نسخة من كتاب الله. وكان الكتاب نفسه بطبيعة الحال أنموذجاً لجمال الخط وروعة الفن الدقيق. ويجاور المنبر القبلة وهي جزء داخل في جدار المسجد لعله مأخوذ من القباب في الكنائس المسيحية. وقد أفرغ الصناع والفنانون جميع جهودهم في تزيين هذا المحراب حتى كان يضارع المذبح أوالمحراب المحيط به في الكنائس والهياكل. فجملوه بالقاشاني والفسيفساء، وصور أوراق الشجر وأزهاره، والنقوش البارزة، والأنماط الجميلة، ذات الألوان البديعة من الآجر، والجص، والرخام، والطين المحروق، والقاشاني.

وأكبر الظن أننا مدينون بما بلغه فن الزخرفة من عظمة وفخامة إلى تحريم الساميين تمثيل صور الإنسان والحيوان في الفن! فكأن الفنانين المسلمين أرادوا حتى يعوضوا هذا التحريم فاخترعوا هذا الفيض الغامر من الأشكال غير البشرية أوالحيوانية، وأخذوا ما كان منها موجوداً عند غيرهم. فبحث الفنان في أول الأمر عن منفذ لمواهبهِ الفنية في الأشكال الهندسية-الخط، والزاوية، والمربع، والمكعب، والكثير الأضلاع، والمخروط، والشكل اللولبي، والبتر الناقص، والدائرة، والكرة؛ وكرر هذه الأشكال كلها وركب منها مئات التراكيب، وأنشأ منها الدوامات، والأربطة، والخطوط المتشابكة المتداخلة، والنجوم. ولما انتقل إلى الأشكال النباتية عمد إلى المواد المتنوعة، فصور من مختلف المواد، تيجاناً، وكروماً، وأزهار البشنين، والكُنْكُر، وخوص النخل وجريده. فلما اتى القرن العاشر مزج هذه كلها فأنشأ منها الزخرف العربي الذائع الصيت، وأضاف إليها كلها حلية فذة كبرى هي الكتابة العربية. ذلك أنه عمد في العادة إلى الحروف الكوفية فأطالها إلى أعلى أومدها على الجانبين، أونمقها بالذيول والنقاط، حتى استحالت الحروف الهجائية على يديه تحفة فنية ذات روعة وجمال. ولما تحلل الناس من بعض الشيء من القيود والمحرمات الدينية أدخل الفنان أنواعاً جديدة من الزينة بأن رسم طير السماء، وحيوان الحقل، أوابتدع أشكالاً عن الحيوانات المتنوعة لا وجود لها إلا في مخيلته. واستطاع بفطنتهِ وشغفهِ بالزينة حتى يسموبكل شكل من أشكال الفن-الفسيفساء، والنقوش الصغيرة على العاج ونحوه، والخزف، والأقمشة، والبسط. وكان النقش في جميع حالة تقريباً تؤلف بين أجزائه وحدة منظمة، تسيطر عليها صورة رئيسية، أوموضوع رئيسي. ينموويتطور من الوسط إلى الأطراف أومن البداية إلى النهاية، كما يعمل المؤلف بالموضوع الموسيقي. ولم يكن الفنان المسلم يرى حتى أية مادة مهما قست تستعصي على فنهِ؛ ولهذا أصبح الخشب، والمعدن، والآجر، والجص، والحجر، والقرميد، والزجاج، والقاشاني-أصبحت هذه كلها وسائل يستخدمها لإظهار ما في خيالهِ من صور وأشكال فنية مجردة لم يسمُ إلى مستواها فن آخر من قبل لا نستثني من ذلك الفن الصيني نفسه.

واستعانت العمارة الإسلامية بهذا الفن الزخرفي فأقامت في جزيرة العرب، وفلسطين، والشام، وأرض الجزيرة، وفارس والهجرستان، والهند، ومصر، وتونس، وصقلية، ومراكش، والأندلس-أقامت في هذه البلاد كلها عدداً لا يحصى من المساجد جمعت بين القوة والمتانة في خارجها، والرشاقة والرقة في داخلها، نذكر منها مساجد المدينة، ومكة، وبيت المقدس، والرملة ودمشق، والكوفة والبصرة، وشيراز ونيسابور، وأردبيل، ومسجد جعفر في بغداد، ومسجد سر من رأى العظيم، ومسجد زكريا في حلب، ومسجد ابن طولون والجامع الأزهر في القاهرة، ومسجد تونس الكبير، ومجلس سيدي عقبة في القيروان، والمسجد الأزرق في قرطبة-وليس في مقدورنا إلا حتى نكتفي بذكر أسمائها لأن مئات المساجد التي بنيت في ذلك الوقت لم يبقَ منها ما يمكن تمييزه إلا عشرة أونحوها، أما سائرها فقد عدا عليه الزمان فدمره بعمل الزلازل أوالإهمال أوالحروب.

وقد كشف في العصر الحديث في بلاد الفرس وحدها-وهي جزء صغير من بلاد الإسلام-عن صروح فخمة لم يكن يدور بخلدنا أنها توجد في تلك البلاد؛ وكان كشف آثارها من الحادثات الكبرى في إزاحة الستار عن الماضي المجهول وإن كان هذا الكشف قد اتى بعد أوانه بزمن طويل؛ لأن كثيراً من روائع العمارة الفارسية قد عبثت به قبل ذلك الكشف يد الزمان فلم تبقِ منه شيئاً. وحسبنا حتى نذكر في هذا المقام حتى المقدسي يصف في فارس مساجد لا تقل روعة عن مساجد المدينة ودمشق ويقول إذا مسجد نيسابور ذا العمد الرخامية. والصفائح المضىية، والجدران ذات النقوش المحفورة الكثيرة كان من عجائب الزمان؛ وإنه لم يكن في خرسان أوسجستان من المساجد ما يضارع في جماله مسجد هيراة(132). وفي وسعنا حتى نصور لأنفسنا صورة غامضة مما بلغته العمارة الفارسية في القرنين التاسع والعاشر من روعة ووفرة، بدراسة النقوش الجصية البارزة، والعمد والتيجان المحفورة الباقية، من محراب مسجد نائين الجامع المخرب، والمئذنتين الجميلتين الباقيتين في دمغان. وقد بقي من مسجد أردستان (1055) محراب وباب جميلان، كما كشف فيه عن كثير من العناصر التي تجلت فيما بعد في العقود القوطية المستدقة، والأكتاف المركبة، والأقبية المتقاطعة، والقبة المضلعة(133). وكانت المادة التي شيدت منها هذه المساجد والكثرة الغالبة من المساجد والقصور الفارسية هي الآجر، شأنها في ذلك شأن المباني القديمة في سومر وبلاد الرافدين، وسبب ذلك ندرة الحجارة وكثرة ما تتطلبه من النفقات، ووفرة الطين والنيران؛ لكن الفنان الفارسي قد حول طبقات الآجر بفضل ما أدخله عليها من ضوء والظل والنماذج الفنية الجديدة، والأوضاع الفنية المتنوعة، حول هذه الطبقات إلى أنواع من الزخرف لم تعهد هذه المادة القليلة الشأن نظيراً لها من قبل. وقد كسا الخزاف الفارسي الآخر في أماكن خاصة، كمداخل المساجد والمنابر والمحاريب، بطبقة الفسيفساء متعددة الألوان، وبالقرميد الزاهي البراق؛ ولما أقبل القرن الحادي عشر زاد السطح البراق لألاء وبهاء بطبقة من القاشاني الملون اللامع. إلى غير ذلك خدم المسجد جميع فن في بلاد الإسلام. هبط إلى هذه الخدمة من العلياء وكسب بها فكراً وكبرياء.

وإذ كان قد حرم على المثال حتى ينحت التماثيل خشية حتى يعود الناس إلى عبادة الأوثان، فقد وجه جهوده إلى الزخرفة بالنقوش البارزة. فأتقن نحت الحجارة، وشكل الجص باليد قبل حتى يجف، وصاغ منه أشكالاً كثيرة مختلفة. وقد بقي أنموذج رائع من هذه العمائر، وهوالقصر الشتوي الذي بدأه الوليد الثاني عام 734 بالصحراء الشرقية من نهر الأردن وهجره دون حتى يتمه. وكان حول سطح القابلة من أسفل إفريز من الحجر المنحوت ذوجمال بارع يتكون نقشه من مثلثات وأزهار الورد يحيط بها إطار من الأزهار، والفاكهة، والطير، والحيوان، والنقش العربي. وقد نقل هذا النقش الرائع إلى برلين في عام 1904 ونجا من الدمار في أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان النجارون يجملون النوافذ، والأبواب، والستر الخشبية، والشرفات، والسقف، والمناضد، وكراسي المصاحف، والمنابر، والمحاريب، ويبدعون في نقشها إبداعاً يستطيع الإنسان حتى يراه في لوحة وجدت في تكريت ونقلت إلى متحف المتروبوليتان للفن في نيويورك. كذلك كان الصناع المشتغلون بنحت العاج والخشب يزينون بفنهم المساجد، والمصاحف، والأثاث، والآنية، والأشخاص أنفسهم، ويجملونها بمصنوعاتهم المنحوتة والمطعمة. غير أنه لم يصلنا من مصنوعات ذلك العصر إلا بترة واحدة هي طابية من بتر الشطرنج (توجد الآن في المتحف الأهلي بفلورنس) وينطق إنها إحدى بتر الشطرنج الذي أهداه هرون الرشيد إلى شارلمان في القرن التاسع الميلادي(124). كذلك أخذ صانعوا المعادن المسلمون عن الساسانيين هذا الفن الدقيق، وصنعوا من النحاس والشبه مصابيح، وأباريق، وجفاناً، وجراراً، وكيزاناً، وأقداحاً، وأطساتاً، ومواقد؛ وصبوها في صور الآساد، والأفاعي، وآباء الهول، والطواويس، واليمام؛ ونقشوا عليها في بعض الأحيان رسوماً بديعة نشاهد مثلاً منها في المصباح الشبيه بالقماش المخرم والمحفوظ في معهد الفن بمدينة تشكاجو. ومن الصناع من كانوا يحشون الرسوم المحفورة بالفضة والمضى، ويبدعون المصنوعات المعدنية "الدمشقية" أي المزخرفة بفن الدمشقيين وإن لم يكن قد نشأ في مدينتهم(135). وكانت السيوف الدمشقية تصنع من الفولاذ المسقى المزين بالنقوش البارزة أوالمطعم بالرسوم العربية، أوالحروف الهجائية، أوغيرها من الأشكال المتخذة من خيوط المضى أوالفضة. وقصارى القول حتى صناع المعادن المسلمين قد يراعوا في هذا الفن براعة ليس بعدها زيادة لمستزيد.


الخزف الإسلامي

الخزف الأندلسي المزجج بالقصدير مع زخرفة lusterware، من اسبانيا، حوالي 1475.

ولما انتهى عصر الفتوح الإسلامية واستقر المسلمون في البلاد المفتوحة وأخذوا عنها ثقافتها ألفوا أنفسهم في صناعة الفخار الوارثين لتنطقيد خمسة في هذا الفن هي التنطقيد المصرية، والإغريقية-الرومانية، والعراقية، والفارسية، والصينية. ونقول الصينية لأن سار Sarre، كشف في سر من رأى فخاراً من عهد أسرة تانج ومعه بترة من الخزف الصيني الرقيق؛ وكانت الأواني الفارسية-الإسلامية في عهدها الأول منقولة نقلاً لا خفاء فيه عن نماذج صينية. ونشأت مراكز صناعة الفخار في بغداد وسامرا ، والري، وكثير غيرها من البلدان. ولم يحل القرن العاشر الميلادي حتى كان صانعوا الفخار من الفرس يصنعون جميع أنواع الآنية الفخارية ما عدا الخزف الصيني، ويصنعونه في الشكل لا حصر لها تبدأ من المباصق اليدوية الصغيرة إلى المزهريات الضخمة المهولة، التي تتسع في القليل لأحد "الأربعين حرامي" ويتبين الإنسان من خير المصنوعات الفخارية الفارسية دقة التصوير، وبراعة في التلوين، وحذقاً في الصناعة لا تسموعليها إلا الصناعتان الصينية واليابانية؛ وظلت ستة قرون لا تضارعها صناعة أخرى في جميع الأنطقيم الممتدة جنوب هضبة پامير وغربها. وكان هذا الفن من أحب الفنون إلى الفرس وأكثرها مواءمة لهم؛ وكان أهل الطبقة العليا منهم يحرصون أشد الحرص على جميع روائعه، وكثيراً ما أخذ عنه الشعراء أمثال أبي العلاء المعري وعمر الخيام تشبيهات واستعارات في أقوالهم الفلسفية. ويحدثنا الكتاب عن مأدبة أقيمت في القرن التاسع ارتجلت فيها قصائد، وأهديت إلى الآنية التي كانت تزدان بها المائدة.

وقد امتاز صانعوالفخار في سامرا وبغداد في ذلك القرن بصنع الفخار اللامع أولعلهم هم ابتدعوه ابتداعاً. وكانت النقوش التي تحليه ترسم بأكسيد معدني على طبقة من الطين المزجج، ثم يعرض الإناء بعدئذ إلى نار ثانية مدخنة مكتومة تحول الصبغة إلى طبقة معدنية رقيقة، وتكسب الطلاء بريقاً متعدد الألوان. وبهذه الطريقة أخرج الصناع أواني ذات لون واحد جميل، وأخرى ذات ألوان متعددة أجمل منها خضراء مضىية، وبنية داكنة، وصفراء، وحمراء، تتدرج بعضها تدرجاً لا يكاد الإنسان يحسه ولا تقل عن المائة عداً وكذلك طبق هذا الفن نفسه فن الطلاء البراق على بتر القرميد التي كانت تستخدم للزينة في فن العراق القديم، فكانت ألوان هذه المربعات الكثيرة وما تتألف منها من وحدات متناسقة مما أكسب مداخل مئات المساجد ومحاريبها وكثيراً من جدران قصور العظماء روعة منبترة النظير. وورث المسلمون في صناعة الزجاج-وهوالفن الشديد الاتصال بصناعة الفخار-كل ما امتاز به أهل مصر والشام من حذق وبراعة، فقد لونوا المصابيح بظلال من الألوان البراقة المتعددة، وزينوها بالرصائع والنقوش، ورسوم النبات والأزهار؛ ولعل أهل الشام قد ابتدعوا في ذلك الوقت فن طلاء الزجاج بالميناء، وهوالفن الذي بلغ ذروة مجده في القرن الثالث عشر.

التصوير الإسلامي

وإذا ما ذكرنا سعة انتشار فني التصوير والنحت في الكنائس الكاثوليكية الكبرى وهي التي لا تكاد تخلومن آثارهِ واحدة منها، وذكرنا في الوقت نفسه أهمية هذين الفنية في نشر العقائد والقصص المسيحية، إذا ما ذكرنا هذا وذاك دهشنا لعدم وجود نظيريهما في الإسلام. نعم إذا القرآن قد حرم النحت (سورة المائدة الآية 89) ولكنه لم يقل شيئاً عن التصوير، غير حتى حديثاً يعزى إلى عائشة يقول إذا النبي قد نهى أيضاً عنه(139). ولهذا فإن الشريعة الإسلامية عند الشيعة وعند أهل السنة على السواء تحريم التصوير وإقامة التماثيل جميعاً. ولهذا التحريم نظير في الوصية الثانية وفي التعاليم اليهودية. ولعل من مسببات هذا التحريم الاعتقاد حتى الفنان حين يخرج مثالاً للكائنات الحية إنما يدعي لنفسهِ ما حقوق الخالق جل جلاله. ومن فهماء الدين من يتساهلون في هذا فيجيزون تصوير الجماد. ومنهم من يتغاضون عن تصوير الحيوان أوالإنسان على الأمور التي لا تستعمل إلا في الأغراض الدنيوية. وكان بعض خلفاء بني أمية لا يعبئون قط بهذا التحريم؛ وشاهد ذلك الوليد الأول زين قصره الصيفي في قصير عمرة حوالي عام 712 بمظلمات هلنستية صور فيها رجالاً يطاردون الوحوش. وبنات يرقصن، ونساء يغتسلن، وهوجالس فوق عرشه يشاهد هذا كله(140). وكان خلفاء بني العباس يجهرون بتقواهم، ولكن كانت لهم قصور حوت في حجراتهم الخاصة جدراناً مزينة بالصور؛ وقد استأجر المعتصم فنانين، أغلب الظن أنهم مسيحيون، ليصوروا على جدران قصرهِ في سامرا مناظر صيد. ورجال دين، وبنات عاريات يرقصن؛ وأجاز المتوكل، وهوالذي كان يضطهد الملحدين، المصورين من أهل بيزنطية حتى يضيفوا إلى هذه المظلمات مظلماً آخر يمثل رهباناً مسيحيين وكنيسة مسيحية(141).

وزين محمود الغزنوي قصره بصور تمثله هووجيوشه، وفيلته؛ وغطى ابن مسعود، قبل حتى يخلعه الأتراك السلاجقة عن عرشهِ بزمن قليل، جدران حجرات قصره في هراة بمناظر قائمة على أسس مأخوذة من خط الفن الشهواني الفارسي أوالهندي(142). وتروي إحدى القصص حتى اثنين من رجال الفن أخذا يتباريان في بيت أحذ الوزراء في التصوير الواقعي؛ فعرض أحدهما حتى يصور فتاة راسيرة تبدوكأنها خارجة من باطن الجدار؛ وعرض الثاني حتى يقوم بعمل أشق من هذا-وهوحتى يصورها بحيث تبدووهي تهم بدخول الجدار. ونجح كلاهما في إبراز فكرته نجاحاً حمل الوزير على حتى يخلع عليهما خلعاً سنية ويهبهما كثيراً من المضى(143). وفي وسعنا حتى نذكر كثيراً من الشواهد الدالة على حتى المسلمين قد خالفوا أمر التحريم؛ وحسبنا حتى نقول إنا نجد في بلاد الفرس بنوع خاص حيوانات وأناسي مصورة بكثرة يطرب لها الرائي، وممثلة بجميع أنواع فنون التصوير. ولكن التحريم رغم هذا كله، يؤيده الشعب تأييداً وصل من القوة إلى درجة حتى كان بعض أفراده يشوهون روائع الفن أويتلفونها، قد عاق نموفن التصوير الإسلامي، حتى اقتصر الكثير منه على التحلية المجردة، وكاد يمنع تصوير الأشخاص (وإن كنا نسمع عن وجود أربعين صورة لابن سينا)، وهجر الفنانين يعتمدون جميع الاعتماد على مناصرة الملوك أوالأشراف.

المنمنمات وتزيين المخطوطات

ولم يبقَ من صور الجدران في ذلك العصر إلا صور قصير عمرة؛ وهي تكشف عن خليط غريب مجدب من القواعد الفنية البيزنطية والأنماط الساسانية. وكأن المسامين أرادوا حتى يعوضوا هذا النقص فارتفعوا بالرسوم الصغرى على العاج ومثله إلى درجة الجمال لا تعلوا عليها درجة أخرى في التاريخ كله. وقد عثر هذا الفن تراثاً متعدد الأنماط بنى عليه، وأخرج منه ثماراً مختلفة، ونعني بذلك التراث البيزنطي، الساساني، والصيني؛ وكان تزيين المخطوطات الإسلامية بالرسوم الصغيرة في العصور الوسطى فناً اختصت به طبقات الأشراف القليلة العدد، شأنه في هذا شأن موسيقى الحجرات في أوربا الحديثة؛ فقد كان الأغنياء وحدهم هم الذين يستطيعون الاحتفاظ بالفنان الفقير المخلص لفنه فقراً وإخلاصاً أنتجا هذه الروائع التي تتطلب كثيراً من الجهد والأناة. وهنا أيضاً أخضع التزيين تمثيل الكائنات الحية لسلطانه؛ فأغفل الفنان عن قصد قواعد المنظور، وخرج على الشكل الذي اتخذ أنموذجاً له، فكان يعمد إلى موضوع أوشكل مركزي-قد يحدث شكلاً هندسياً أوزهرة واحدة-ويتبسط فيه ويتوسع ويخلق منه مائة صورة مختلفة حتى لتكاد جميع إصبع من الصفحة بما في ذلك إطارها تمتلئ بالخطوط المرسومة بدقة متناهية كأنها قد حفرت حفراً. وكان في وسع الفنان حتى يزين الخط غير الدينية بصور الرجال والنساء والحيوان، في مناظر الصيد واللهووالحب، ولكن طراز التزيين كان هوبعينهِ على الدوام، كان هوالصورة المكونة من خطوط دقيقة، ومن ألوان مؤتلفة منسجمة يفنى بعضها بعض، ومن المجرد الهادئ البالغ أقصى درجات الكمال، والذي يهدف إلى متعة العقل المطمئن المستريح.


الخط العربي

خط نسخ تعليق فارسي
خط ديواني
خط ديواني جلي

وكان الخط العربي الجميل جزءاً لا يتجزأ من فن التنميق؛ ولسنا نجد مثالاً آخر لاجتماع الكتابة والتصوير تآخيهما على هذا النحوإلا في بلاد الصين البعيدة. لقد كانت الحروف الكوفية في موطنها الأول، بلدة الكوفة نفسها، حروفاً سمجة ذات زوايا، وأركان محددة فجة، ولكن الخطاط كسا هذه العظام العجاف بالحركات وعلامات الإمالة والنقط وحروف المد ورسوم صغير متخذة من أوراق النبات؛ فلما ارتقى الخط الكوفي إلى هذه الدرجة من الجمال أصبح كثير الاستعمال في تزيين المباني نفسها. أما الكتابة الدارجة فكان الخط النسخ فيها أكثر جاذبية من الخط الكوفي؛ وكانت حروفه المستديرة وكان امتداد الأفقي المتعرج كان هذان في حد ذاتهم وسيلة للزينة في غنى عن الإضافات الأخرى. وليس في خطوط العالم كله سواء كانت مكتوبة باليد أومطبوعة ما يضارع هذا الخط في جمالهِ؛ ولم يحل القرن العشرين حتى كانت الغلبة على الخط الكوفي في تزيين المباني أوالخزف، والكثرة الغالبة من الكبت الإسلامية التي وصلت إلينا من العصور الوسطى مكتوبة بخط النسخ؛ ومعظم هذه من المصاحف لأن كتابة القرآن كانت في حد ذاتها من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها صاحبها؛ وكان تزيينها بالصور تعد انتهاكاً لحرمتها، ولكن كتابتها بالخط الجميل كانت تعد من أشرف الفنون. وبينما كان رساموالصور الصغيرة على العاج أوغيره صناعاً يستأجرون بأجر قليل، كان الخطاطون يبحث عنهم في جميع أنحاء البلاد ويغدق عليهم الملوك والأمراء الهدايا والأموال، وكان منهم هم أنفسهم ملوك وساسة. وكانت الرقعة المكتوبة بيد أحد هؤلاء الفانين كنزاً لا يقدر بمال، وكان في البلاد منذ القرن العاشر طائفة من المولعين بجمع الخط يعيشون ويتحركون ويقضون حياتهم كلها بين ما جمعوه من المخطوطات الجميلة المخطة على الرق بالمداد الأسود، والأزرق، والبنفسجي، والأحمر، وبالمضى الإبريز. ولم يصل لنا إلا عدد قليل من خط ذلك العصر، وأقدمها كلها نسخة من القرآن موجودة في دائرة الخط المصرية بالقاهرة يرجع تاريخها إلى عام 784. وإذا ذكرنا بعد ذلك حتى هذه الخط كانت تجلد بأعظم أنواع الجلد ليناً ومتانة، وأنه قد بذل في تجليدها من حسن الذوق ومن المهارة ما لا زيادة بعده لمستزيد، وأن الجلد المغلفة به كان في كثير من الأحيان يزدان بأجمل الرسوم وأدقها، إذا ذكرنا هذا حق لنا حتى نقول دون حتى نتهم بالمغالاة إذا الخط الإسلامية من بداية القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر هي أجمل ما رأته العين من الخط في العالم كله. وهل منا من لا يطمع في حتى تنشر خطه بهذا الرونق وتلك الفخامة،يا ترى؟


المنسوجات

من خيوط الغزل إلى الألوان في السجاد الفارسي، فإن جميع جزء يـُصنع بعناية يدوياً من مكونات طبيعية على مدى عدة شهور.

وقد اجتمعت الفنون كلها في تزيين الحياة الإسلامية والسموبها إلى ذروة الجمال، فامتزجت أشكال الرسوم الدقيقة بالخط الجميل في المنسوجات، وطبعت بالنار على الفخار؛ وأقيمت على مداخل المباني والمحاريب. وإذا كانت حضارة العصور الوسطى لم تفرق بين الصانع الماهر والفنان، فلم يكن ذلك ليحط من شأن الفنان، بل كان يحمل من قدر الصانع الماهر، وكان الهدف الذي تبتغيه جميع صناعة حتى تصبح فناً من الفنون الجميلة. لقد كان الناسخ يخرج منسوجات عادية يستعملها عامة الناس وتبلى بعد قليل، مثله في هذا كمثل صانع الفخار سواء بسواء؛ ولكنه كان في بعض الأحيان يعبر عن حذقه وصبره، كما يصور أحلامه، في الأثواب، والسجف، والطنافس، وأغطية الفراش، والنسيج المطرز، الحرير المشجر، يخرجه ليبقى عدة أجيال وقد أبدع نقشه، وصبغه بالألوان الزاهية المحبوبة في بلاد الشرق. لقد كانت المنسوجات البيزنطية، والقبطية، والساسانية، والصينية ذائعة الصيت حين فتح المسلمون بلاد الشام، وفارس، ومصر، والهجرستان؛ وما اسرع ما تفهم المسلمون صناعات تلك البلاد، فلم يمضِ إلا قليل من الوقت حتى أخرجت المصانع الإسلامية المنسوجات الحريرية التي نهى النبي عن لبسها، وأخرجتها بكثرة، ولبسها النساء والرجال وهم يدعون الله حتى يغفر لهم خطاياهم الجسمية والروحية. وكانت حلة الشرف أثمن ما يستطيع الخليفة حتى يخلعه على من يؤدي له خدمة جليلة؛ وسرعان ما أصبح المسلمون كبار تجار الحرير في العالم كله في العصور الوسطى. وكانت أقمشة التفتاه الحريرية تبتاع لملابس السيدات غي أوربا، واشتهرت شيراز بالأقمشة الصوفية، كما اشتهرت بغداد بأقمشة الستائر، والمظلات، والحرير المموج، وخوزستان بالأقمشة المنسوجة من وبر الجمال وشعر الماعز، وخراسان بأغطية الهوادج، وصور بالطنافس، وبخارى بسجاجيد الصلاة، وهراة بالحرير المنقوش بخيوط المضى. ولقد عدا الدهر على هذا كله فلم يبقَ لنا منه مثال واحد، وكل ما نستطيعه هوحتى نتصور ما كانت عليه هذه المنسوجات من الرونق والفخامة بالنظر إلى ما كان منها في القرون التالية، وبدراسة ما وصفها به الكتاب المعاصرون لها. وقد وجدت في المحفوظات الباقية من أيام هارون الرشيد مذكرة اتى فيها "400.000 بترة من المضى ثمن حلة وهبت لجعفر بن يحيى الوزير".

أشكال الفن الإسلامي

كان معظم الفن الإسلامي خلال التاريخ الإسلامي تعبير عن فن تجريدي، ممثلا بالأشكال الهندسية، الزهور والأربسك وفنون الخط العربي. على عكس الإتجاه السائد في الفنون المسيحية التي تستخدم رسوم الأشخاص بشكل كبير، لا يشتمل الفن الإسلامي على الكثير من الرسوم لبشر، بما في ذلك رسول الإسلام محمد، وذلك يعود للإعتقاد الإسلامي المبكر بأن ذلك شكل من التمثيل يعود بالناس إلى الوثنية وعبادة الأصنام، وبذلك إبتعد الإسلام عن تمثيل الشخصيات الدينية على شكل أيقونات. وفي خلال القرنين الماضيين، إنتشر فن رسوم الأشخاص بحيث أصبح هذا المنع أقل شدّة لدرجة حتى فقط قلة من المسلمين المتزمتين يعارضون فن رسوم الأشخاص.

يدور الفن الإسلامي بشكل خاص حول فكرة الله، ولأن الله لا يمكن تمثيله، فإن الفن الإسلامي توجه للأشكال الهندسية الجميلة والمعقدة، والشبيهة بما يعهد اليوم بالأرابسك، والتي تشتمل على تصميمات أشكال هندسية متكررة ومتداخلة، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن الكمال في النظام وفي الطبيعة.

الخط العربي

الموضوع الكامل الخط العربي

وصلات خارجية

  • شبكة الفن الإسلامي - Thesaurus Islamicus Foundation
  • إستعراض للفن الإسلامي
تاريخ النشر: 2020-06-04 16:25:52
التصنيفات: فن إسلامي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

أوكرانيا تعلن عن تدمير موقع كبير للمدفعية الروسية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:23:39
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

حملة إساءة ضد اللاعبين من أصول إفريقية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:51
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 57%

تحلل الدولة السودانية

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:00
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 61%

5 فوائد تدفعك للبحث عن زيادة المغنيسيوم - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:52
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 52%

بايدن لزيلينسكي: أمريكا تسعى إلى "السلام العادل" لإنهاء حرب

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:23:34
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 67%

بايدن يلتقي زيلينسكي ويعد بتعزيز دعمه لأوكرانيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:39
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 88%

لانا الصمادي: موسم حائل نجح في مسابقة الطهي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:55
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 61%

العلوي يحتفي بزواج صالح - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:49
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 60%

10 آلاف ريال لشراء مواعيد حجز السيارات بالوكالات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:53
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

مباحثات سعودية فرنسية تتناول سبل تعزيز التعاون الدفاعي والعسكري

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:35
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 97%

الأمطار والكشتات ترفعان المركبات العالقة إلى الضعف السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:54
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 56%

نتنياهو يعلن التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة جديدة في إسرائيل

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:37
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 92%

ولي العهد السعودي يستقبل رئيس وزراء جورجيا ويعقدان جلسة مباحثات رسمية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:34
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 99%

"أمرابط" يحزم حقائبه ويقترب كثيرا من عملاق الدوري الإنجليزي

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:23:40
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 74%

مجلس الشيوخ الأميركي يصادق على تعيين سفيرة في روسيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:41
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 93%

مجلس الأمن يتبنى قراراً عن ميانمار يطالب بالإفراج عن أونغ سان سو تشي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:43
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 97%

شحن «الجوال» قنبلة موقوتة في بيتك.. احذر هذا المكان - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:50
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

«الحسين» يتعاون مع عبدالرب في «موحشة» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:51
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 63%

جودة مقبولة و أسعار معقولة: معاطف الكشمير الجزائرية تكسب رهان السوق

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:21
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

ثورة طبية.. هلام كهربائي لعلاج الجروح الصعبة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:24:51
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

مؤسسة محمد السادس للتعليم تحتفي بالفائزين بمنحة "استحقاق"(فيديو)

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:23:36
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 71%

رئيس الحكومة المغربية يرفع دعوى قضائية ضد نائب أوروبي سابق ي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-22 00:23:43
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية