القصر العباسي
القصر العباسي هومن ممتلكات بغداد التي ترقى إلى العصر العباسي، وإن مسقطه على نهر دجلة من جهة الرصافة، وتحديداً في منطقة الميدان ، فخلفاء بني العباس اتخذوا من بغداد عاصمة لهم قبل هجرتهم إلى سامراء ثم العودة إليها مجدداً. هل هذا المبنى حقاً هوالقصر العباسي أم انه دار المسناة أم المدرسة الشرابية،يا ترى؟ لندع جميع شيء إلى أوانه.
توصيف عام
ليست بريطانيا العظمى وحدها التي لاتغيب الشمس عن إمبراطوريتها مترامية الأطراف فهذا المكان يوصف كذلك على حد ما تذكره الباحثة سليمة عبدالرسول في كراسها المعنون (القصر العباسي في بغداد)، لأن الشمس تشرق عليه من جوانب متعددة وعلى مدى أوقات النهار، وفي جميع وقت يتآلف ضوء الشمس مع الزخارف والتكوينات البنائية ليقدم لوحة تشكيلية أوفوتوغرافية عامرة بالضوء والظل والمكونات الباعثة على الأيحاء والتأمل، وكل ذلك يجري بقدر كبير من الأنسجام مع معطيات النهر الفاتنة.
جدران عريضة عالية راعى فيها المهندس العراقي القديم أجواء المكان والمناخ الصيفي اللاهب والشتوي القارص وبوابة لاتليق الابالقصور الفخمة، ولكن تفاصيل كثيرة عتمتها يد الأنسان علينا، فهذا المبنى الذي يقع ضمن بناية القلعة التي إتخذها العثمانيون منذ إحتلالهم بغداد، ثكنة عسكرية قد تعرضت إلى أحداث كثيرة، كما شهدث إضافات بنائية داخل المكان، وقد تأثر القصر من جراء ذلك بصورة مباشرة.
وأياً كان الأمر فأن الوثائق التي بين أيدينا تشير إلى القصر العباسي ماهوفي حقيقته إلا (دار المسناة) التي بناها الخليفة العباسي الناصر لدين الله سنة 576 للهجرة/1181م، وهذا ما أكدته بحوث الأستاذ يعقوب سركيس الذي أفاد كثيراً من إشارة الروايات التأريخية إلى مسقط دار المسناة التي وجدها تتطابق مع القصر، وفي هذا المجال يروي الرحالة ابن جبير بأنه عندما زار بغداد سنة 580 هجرية شاهد الخليفة الناصر لدين الله وهويصعد من منظرته في الشاطئ الغربي لنهر دجلة إلى قصره في أعلى الجانب الشرقي، وكان الرحالة يسكن قريباً من المنظرة، وهناك إجتهاد ينسب القصر إلى مقدم الجيوش شرف الدين إقبال الشرابي الذي أقام بناءه ليكون مدرسته تحمل إسمه، ويمضى أصحاب هذا الرأي إلى حتى الشرابي قد إنتهى من البناء سنة 628 هجرية، إلا حتى الأدلة التأريخية لاتساند هذا الرأي لأن مسقط المدرسة الشرابية على ماتذكره المصادر ليس في مسقط دار المسناة، هذا إلى جانب قضية أخرى بالغة الأهمية وهي حتى أسلوب ومحتويات المبنى لاتدل على أنه مبنى للفهم بقدر إنتمائه إلى طراز القصور العباسية.
يصف أحد مؤرخي القرن السادس الهجري دار المسناة بأنها أول دار شرع الناصر في عمارتها لتكون للتنزه والفرجة، وهذا يفسر مسببات المغالاة والتفنن في عمارتها ونقوشها وزخرفتها، وهي كذلك أول دار فرشت بالطابوق الملون، ويروى بأن الخليفة كان كثير الملازمة لها، وكان بناؤها على طرف السور ممايلي دجلة، وقد أنفق عليها بسخاء كبير ولما تم العمل بها نقل إليها فرشاً كثيرة وآنية من مضى وفضة، وعين لها خلقاً كثيراً يقومون على خدمتها وحراستها، وحرم على الناس الأقتراب منها!
وهذا القصر بناء محكم الجدران قوي الأساس غلفت بعض أقسامه بقابلات زخرفية نحتت على الآجر، تتوسط ساحته الداخلية نافورة تبلغ أبعادها (21.5×20م) ويحيط بالساحة رواق يتكون من طبقتين وهويفصل مابين الساحة وبين مجموعة من الغرف صغيرة الحجم نسبيا، ويستند الرواق في جميع طبقة من البناء علىثمانية نادىمات، إلا في القسم الشرقي حيث يقوم بناء إيوان مهيب يرتفع عقده إلى مستوى الطبقتين تقريباً وهومن أجمل أقسام القصر بناءً وزخرفة ويتميز رواق الطابق الأرضي بجمال المقرنصات التي تزين سقفه ويلي مجموعة الغرف في الجانب الجنوبي ممر عالي السقف قليل الأتساع وينفذ من هذا الممر عبر مداخل إلى أربعة قاعات كبيرة نسبياً بالمقارنة إلى غرف القصر وتتميز بأرتفاع سقوفها أيضاً، ولم يغفل المهندس عن توفير فتحات للتهوية والأضاءة في أغلب أقسام المبنى.
العنصر الأساس للزخرفة يعتمد على تشكيلات من الآجر بحجوم وصور مختلفة تحمل قسماً أوجزءاً من موضوع زخرفي مستقى من التراث الفني الأسلامي فهناك توظيف واضح للمثمنات والمقرنصات والتداخلات الذكية والماهرة للآجر بما يعطي تناظراً راقياً بين الوحدات الزخرفية تتناغم مع الاطار العام لمفردات البناء.
المبنى لم يهجر مهجوراً فقد تم إستغلاله لأكثر من غرض، لعل أهمها إتخاذه قصراً للثقافة والفنون وبعد إلغاء هذه المؤسسة تم إتخاذه مقراً للدراسات والبحوث حمل إسم بيت الحكمة، ونعتقد بأنه من الأبنية التي تستحق حتى تظل محط الأنظار والتوظيفات الرسمية أوالتراثية.
المصادر
- بناء يبحث عن هويته الحقيقية بقلم المهندس عباس غني