صوماليا الحبشية

عودة للموسوعة

صوماليا الحبشية

الصومال الحبشية أوالأوجادين في القرن التاسع عشر.

الحبشة قبل القرن التاسع عشر

يروي التاريخ الصادق حتى دولة أثيوبيا هي دولة أكسوم التي بناها العرب وأقاموا عليها أول حكم عربي من قبيلة الحبشات العربية، ثم أصبحت دولة مسيحية في عام 530 بتأثير الثقافة المسيحية الواردة من الشام، وظلت المسيحية دين مملكة أكسوم لا تتعدي الهضاب الشمالية للتگراي حتي القرن التاسع عشر.

ولقد كانت هناك محاولات لإتساع مملكة أكسوم ولكنها كانت تتعرض للفشل بسبب ظهور دول أكثر منها قوة وترابطاً تحيط بها، فحالت دون أي حركة غزوأواتساع من جانب مملكة أكسوم. فقد كانت وما زالت الحبشة إلي يومنا هذا يحيطها سور ضخم البنيان متماسك الوحدة والهدف والأماني من الشعوب الإسلامية. وحينما حاول ملوك أثيوبيا في القرن السادس عشر تحطيم السور الإسلامي والخروج الي البحر، على أساس الدعوة إلي حرب صليبية في شرق أفريقيا والاستنجاد بالأمم المسيحية في أوروبا، لم تجد هذه المحاولة التي قامت باسم الصليب أي تأييد من جانب نصاري الحبشة أنفسهم، بسبب الإختلافات الممضىية التي كانت تعيش فيها الحبشة، والتطاحن بين الرؤساء من أجل الوصول الي العرش الأثيوبي، وظهور مجتمع أرستقراطي على نطاق ضيق، ومجتمع كبير على نطاق واسع يتصف بالعبودية فلم تجد الدعوة للحروب الصليبية التي نادي بها رؤساء الحبشة أي تأييد من الشعب الحبشي، في الوقت الذي وجدت فيه مملكة الفتح الإسلامية في تجاه سنار غرباً ومصر الإسلامية شمالاً وممالك الطراز الإسلامي ( ملوك عدل وزيلع) شرقاً جميع تأييد وقوة. وقد رأينا في دراستنا للصومال الإسلامية مدي الفوزات العظيمة التي حققها المسلمون الصوماليون في قلب أثيوبيا والحالات العظمي للتحول الي الإسلام في عهد الأمام البطل أحمد جراي الصومالي الذي حطم مدينة أكسوم نفسها، وأحرق كنائسها وهدم كنيسة أمهرة قاعدة الملك ونشر الإسلام في ثلثي بلاد الحبشة، وقامت وقائع وحروب عديدة بين حكام الحبشة من ناحية وبين الأحباش والصوماليين من ناحية أخري.


القرن التاسع عشر

واستمرت الحبشة مفككة الأجزاء حتي ظهرت عام 1858 على صورة أربعة أجزاء هي مملكة التيجري، مملكة جوگام، مملكة جوندار (غندرة) مملكة شوا، وهذه الممالك الأربع كانت في تنافس شديد من أجل الوصول الي العرش الأثيوبي والحصول على لقب ملك الملوك أومنجاشا أوأمبراطور ليكون له السلطة على الممالك التابعة له.

أول إمبراطور للحبشة في القرن التاسع عشر

حوالي عام 1858 استطاع أحد ملوك جوجام حتى يسيطر على جوندار، وأن يغير اسمه من كاسا الي ثيودور أي المحبوب من آلاله، مدعياً أنه سيحقق النبوءة التي ابتدعها الكهان في الحبشة في العصور القديمة، والتي تقول حتى ملكاً حبشياً يدعي ثيودور سيحطم المسلمين ويعيد مجد المسيحين في الحبشة الي ما كانت عليه في عهد أكسوم في بداية التاريخ.

وخرج الملك ثيودور على رأس جيشه الي مملكة شوا فأسر مليكها المدعومنليك ووضعه في سجن منعزل بمجدلا، كماقام ثيودور بطرد الأوربيين، ورفض طلب القنصل الفرنسي بالسماح لبعثة تبشيرية كاثوليكية بالدخول الي بلاده قائلاً له.( أنني أعهد أساليب الدول الغربية إذا أرادت الإستيلاء على دولة شرقية، ترسل أولاً المبشرين، ثم القناصل لمساعدة المبشرين، ثم الفرق العسكرية لمساعدة القناصل وحمايتهم، ولست أميراً هندياً من الهندستان حتي أكون سخرية بهذه الطريقة، وأفضل محاربة الفرق العسكرية مباشرة). ولم يستمر ثيودور أوالمحبوب من الآله فترة طويلة في حكمه إذ بعثت له بريطانيا بفرقة عسكرية مسلحة بقيادة الجنرال نابير الذي ولج الحبشة وهزم ثيودور في معركة أورجا ولكن ثيودور ( المحبوب من الآلة ) فضل حتى يموت بيده لا بيد الإنجليز فأنتحر فيعشرة أبريل 1868.

هروب الملك منليك

تمكن الملك منليك أثناء القتال بين البريطانيين وقوات ثيودور من حتى يهرب من مجدلا إلي شوا، وأن يعمل على تدعيم قواته العسكرية بعد انتحار ثيودور، واستمرت الحبشة بدون أمبراطور وفي تنافس وقتال وتطاحن من أجل العرش الإثيوبي حتي تولي حكم البلاد يوحنا الرابع.

الامبراطور يوحنا الرابع

وفي عام 1872 تمكن البريطانيون من مساندة الملك يوحنا الرابع في اعتلاء العرش الإثيوبي باسم ملك ملوك الحبشة.

وأراد يوحنا حتى يتخلص ممن في بلاده من المسلمين، وأن يكسر الحصار الإسلامي الذي أقامته الدولة المصرية تحت شعار الكتلة الاتحادية الإسلامية لشمال شرقي أفريقيا، ولذلك قام يوحنا بإضطهاد مسلمي الصومال بهدف كسر الحلقة الإسلامية من ناحية الشرق، ولكن مصر المسلمة بعثت إليه أربع حملات عسكرية، استطاعت الحملة الثالثة بقيادة راتب باشا حتى تحقق الفوز الساحق على قوات يوحنا في معركة قرع فيتسعة مارس 1876، وتراجعت القوات الحبشية الي الهضاب الشمالية وطلب يوحنا الصلح والسلام، وعقدت اتفاقية السلام في 18 مارس 1876.

ولم يكن يوحنا الرابع امبرطور الحبشة يميل الي مصادقة الدول الأوربية لما لاحظه منهم من ميلهم الي رغبتهم في التدخل في الشئون الداخلية للحبشة، ولذا عمل على ألا يمنح أحدا من الأوربيين أي ميزات داخل الحبشة، فكان على الأوربيين حتى يتجهوا الي منليك ملك شوا لمناصرته على الأمبراطور يوحنا من ناحية وكسب وده والحصول على امتيازات في داخل الحبشة من ناحية أخري.

وقد وقع حتى أوفدت الحكومة الإيطانية بعثة فهمية من قاعدتها في مصوع الي إقليم التيجري، غير حتى الوطنيين تمكنوا من القبض على البعثة في المرتفعات الداخلية، فأوفدت إيطاليا بعثة أخري ومعها خمسمائة جندي في عام 1877 للبحث عن أعضاء البعثة الفهمية وأعادتهم الي إيطاليا، غير أنهم وجدوا مناهضة كبيرة من جانب الأحباش الذين اعترضوا طريقهم في أكثر من عشرين ألف جندي فكانت الخسائر فادحة بالنسبة للإيطاليين.

مناصرة الأوربيين للملك منليك

اتجهت إيطاليا الي منليك ملك شوا والمناهض للامبراطور يوحنا، فعرضت عليه خمسة آلاف بندقية ومساعدته للوصول الي عرش الحبشة في لقاء مساعدتهم في الثأر للبعثة الفهمية والبعثة العسكرية التي أبادها جنود الأمبراطور يوحنا.وقبل منليك العرض المقدم إليه من إيطاليا واستلم الهدية.

ولكن حدثت تغيرات في العلاقات بين الأمبراطور يوحنا والملك منليك بعد عقد معاهدة السلام والصداقة ومناصفة التوسعات القادمة حول أثيوبيا واتفق الطرفان على حتىقد يكون منليك وريثا ليوحنا في تولي عرش الحبشة، وعلى خطبة ابنة منليك (7 سنوات ) الي ابن يوحنا ( 12 سنة ) وكان هذا الإتفاق سبباً قوياً في انهيار الاتفاق الإيطالي السابق مع الملك منليك.

وكانت فرنسا تسعي الي كسب ود منليك عن طريق تسليحه بمعدات حربية حديثة لقاء تحويل تجارته من زيلع الي جيبوتي، فاستلم منليك في دفعة واحدة عام 1885 من فرنسا نحو30 ألف بندقية و100 ألف خوذة حديدية و13 ألفغدارة نارية للمشاة.

وأرادت بريطانيا حتى تحد من تسليح منليك خشية حتى تزداد قوته ومعارضته لمطامع الأوروبيين في الحبشة في الوقت الذي قد تكون فيه الصداقة الفرنسية مع منليك سبباً في خروج البريطانيين من الصومال، ومن أجل هذا عقدت معاهدة مع فرنسا في عام 1886 للحد من تسليح منليك، غير حتى الحكومة الفرنسية لم تأخذ بالمعاهدة واستمرت في تسليح منليك رغبة في تحقيق المطامع الفرنسية بشأن انشاء خط حديدي بين جيبوتي وأديس أبابا تمهيداً لوصل جيبوتي على الساحل الصومالي الفرنسي شرقاً بالسودان الفرنسي غرباً غبر أراضي الحبشة.


التوسعات الحبشية

منليك واحتلال هرر

ظهرت اشاعة على سواحل الصومال تقول عقب جلاء الإدارة المصرية عن هرر (1885) بأن هناك إتفاقاً سرياً بين فرنسا والحبشة بشأن هرر الصومالية المسلمة وتحويلها الي مستعمرة فرنسية في قلب الصومال الغربي لقاء حتى تحصل الحبشة على ميناء على البحر بمساعدة الفرنسيين. وكانت إيطاليا ترغب في ضم هرر لملتلكاتها في شرق أفريقيا، ومن ثم أوفدت بعثة كشفية الي هرر تمهيداً لإرسال بعثة حربية للإستيلاء عليها قبل حتى يصل الفرنسيون، غير حتى أخبار هذه البعثة وصلت الي الأمير عبد الله صاحب هرر فأمر بطرد الدخلاء الأجانب من البلاد، ولكن جنود الأمير لم يطردوا البعثة بل قاموا بإبادة أفرادها جميعاً ولم يتمكن أحدهم من العودة.

وقيل حتى منليك ملك شوا أسرع في احتلال هرر مناصرة منه لإخوانه المسيحيين الإيطاليين الذين قتلوا على أبواب هرر. وقيل أيضا. أنه أي منليك أسرع في احتلال هرر قبل حتى ترسل إيطاليا حملة تأديبية إنتقامية ثم تستولي على هرر. ويذكر الميجر هنتر المقيم السياسي البريطاني على ساحل الصومال حتى دخول منليك الي هرر يرجع الي الأمير عبد الله نفسه الذي لم يعترف بزعامة منليك إلا إذا صار مسلماً. وعلى أية حال فإن الحملة الأولي التي أوفدها منليك لغزوهرر بقيادة ( والدوجبريل ) قد هزمت أمام جنود الأمير عبد الله، فأضطر منليك حتى يقوم بنفسه على رأس جيش من ثلاثة آلاف مقاتل مزودين بأسلحة فرنسية وإيطالية وإنجليزية، ودخلوا مدينة هرر الخالدة بعد هزيمة الأمير عبد الله في معركة شالايكوبعد ربع ساعة من نشوب المعركة بين الطرفين، وكان ذلك في فبراير عام 1887. ويذكر أكثر المؤرخين حتى نجاح الحبشة في غزوهرر يرجع الي الكونت أنتونللي الإيطالي صديق منليك وزوجته، فهوالذي وضع تخطيط عملية الغزوالسريع، والاعتماد على أسلوب المفاجأة في الغزو، ومما يشير على المؤامرة الحبشية الإيطالية في الغزوواحتلال هرر حتى فترة الاشتباك لم تستمر أكثر من ربع ساعة، وهذا مرشد على الكثرة العددية، والسلاح الفتاك الأوروبي، والمفاجأة في الغزو، بالإضافة الي حتى قوة الأمير كانت مجردة من السلاح حسب تعليمات الحكومة البريطانية عقب جلاء الإدارة المصرية من هرر. ويؤيد ذلك قول الميجر هنتر الذي أشرف على جلاء الإدارة المصرية من هرر بقوله. ( أنني لا أستبعد وجود بعض الإيطاليين مع الأحباش في غزوهرر).

وتزعم السلطات الحبشية حتى الأمير عبد الله هوالذي بدأ الهجوم على القوات الحبشية أثناء احتفالهم بعيد رأس السنة، ولكن غيرمعقول حتى يحتفل منليك على رأس ثلاثة ألف جندي مسلح بعيد رأس السنة على نقطة الحدود بين الحبشة وهرر بل إذا ذلك يشير على كذب هذا الإنادىء، والأمير عبد الله الذي جرده البريطانيون من السلاح لم يكن لديه أثناء دخول الأحباش الي هرر إلا مدفعان فقط يعمل عليهما بعض الجنود المصريين الذين تزوجوا بصوماليات، ورفضوا مغادرة البلاد بعد جلاء الإدارة المصرية. وبعد حتى سقطت المدينة الخالدة في يد الأحباش خرج الأمير عبد الله على ظهر جواده الي الأوجادين ملجأ الأحرار الصوماليين، وقام الأحباش بسلب ونهب المدينة، واستولوا على دار للصناعة وعلى خمسمائة بندقية وغيرها، مما كان داخل أسوار المدينة التي كانت عاصمة الصومال الإسلامية في العصر الإسلامي والتي خرجت منها الجيوش الإسلامية الصومالية في القرن السادس عشر فسيطرت على ثلثي الحبشة.

قام الأحباش بحصار المدينة ومنع الدخول اليها أوالخارج منها بدون تصريح من السلطات الحبشية، ومصادرة كافة ما في المساجد والمساكن من سجاجيد وأثاث ومؤلفات ومخطوطات نادرة، وفرض خمسين ألف ريال غرامة على أهالي المدينة. ووضع منليك تخطيطاً عسكرياً لمنطقة هرر لتكون محور الإمتداد والتوسع في الأراضي الصومالية، وعين ابن عمه رأس مكونين حاكماً على مدينة هرر وملحقاتها مع أربعة آلاف جندي مسلح، وألفين من التابعين له للبقاء في هرر بصفة حامية للقاعدة وحتى يتحول رأس مكونين نحوالتوسع واحتلال أرض صومالية جديدة وضمها الي ملك الحبشة. وقام الأحباش في هرر فنشروا فيها الفساد والمنكرات، وحولوها الي بؤرة للمؤامرات، ومركزاً لتجمع العصابات وقطاع الطرق من الأحباش، وملجأ للعاطلين والمنبوذين من سكان الحبشة، وأغلقت المدارس، وتهدمت المساجد، وتحولت البلاد الي حال موجبة للأسي والألم.

أراء حول سياسة التوسع الحبشي

ويحدثنا ترننجهام في كتابه (الإسلام في أفريقيا). ( إذا أبرز خاصية امتازبها حكم منليك هي توسيع امبراطوريته على حساب جيرانه في الجنوب والجنوب الغربي والشرقي من مملكة أثيوبيا، وتعتبر هذه الفتحات التوسعية مهمة إذ نتج عنها انضمام المقاطعات الإسلامية (الصومال الغربي ) والوثنية ( جنوب الحبشة) الي الأمبراطورية الأثيوبية).

التعليق

ويقول المؤرخ الدانمركي جونجولزر في كتابه ( أرض الوجوه الحرقة) ( مثل أسراب جائعة من جراد التهم منليك وجنوده في طريقهم خيرات البلاد، وكان معظم جنوده يصطحبون نساؤهم معهم، فكن يؤلفن مؤخرة هائلة للجيش، كما كن يحضرن نهب التموين مع الجنود، وكانوا جميعا يحملون جميع ما يستطيعون حمله من منازلهن ولكنه ما كان يدوم طويلاً، ولذلك كانوا يلجئون الي النهب، ومن طبيعة الحال ماكان منليك يدفع أجرالجنوده، إذ كانت معاشاتهم هي ما ينالونه من الغنائم، ولذلك لم يكن للجيش مؤخرة أثناء المعركة لأنه مالم يكن الجندي في المقدمة فقد خسر أحسن الغنائم). فالدولة الأثيوبية قامت على أساس التوسع الحربي والسلب والنهب وإغتصاب أرض لم تكن لهما قبل القرن التاسع عشر وادماجها في دولة أثيوبيا دون أعتبار لعوامل الجنس واللغة والعادات والتنطقيد وغيرها من عوامل الربط الاجتماعي أوالاقتصادي أوالجنسي أوالحضري. وما كان لأثيوبيا حتى تحقق هذه التوسعات الحربية لولا حتى بدأت المناورات الأوربية على سواحل الصومال، ولولا التنافس الأوربي في مساعدة منليك بالأسلحة الحربية الحديثة والخبراء العسكريين لتحقيق أهداف استعمارية مما مكن لمنليك حتى يقيم احتلالاً عسكرياً للمناطق التالية من أراضي الصومال. منطقة هرر في عام 1887 والأوجادين بين عام94/1897 سداموفي عام 1893 وعروس في عام 1895 وبوران في عام 1895 وأساتير وأبيروفي عام 8/1909 والمنطقة المحجوزة فيما بين 48- 1949 بالأضافة الي أراضي أخري ضمت للحبشة هي مقاطعات ليمو1886، فيرا 1886 جوما 1886، جوراجي 1887، كيباتا 1889 جللاولتا 1890، جبانجرو1890، جالاتلام (أديا أبابا الحالية) 1893، دلامو1893 أمي 1894، يورجي 1897، كونسو1897 جمبيزا 1897، جامبو1897 كافا 1897 هونرا 1899، بني شنقول 1899، الشعوب النيلية 1900، سلطنة جمبا 135، أرتريا 1952 (أتحاد فيدرالي ).

في عام 1962 ضمت أرتريا كجزء من الحبشة دون أعتبار لقرار هيئة الأمم المتحدة باعتبار دولة مستقلة ذات حكم ذاتي ودون اعتبار للتاريخ العام وعوامل الجنس واللغة ونظام المجتمع. نعود مرة أخري الي الحديث عن حالة هرر فنذكر قول بوريللي الإيطالي الذي كان يعيش في هرر مدة عشر سنوات فعاصر عهد الإدارة المصرية وعهد الحبشة في هرر: ( حتى اللحم قد إختفي من السوق، وأن هذه الفوضي الحبشية ستنتهي الأزمة سأهجر هذه المدينة البائسة التي حولها الأمهريون الي حفر للقاذورات). ويقول الدكتور محمد صبري. (بصراحة) –( ليس في مقدورالحبشة ولا مقدور أية دولة أوربية حتى تعمل ما عملته مصر في هذه الأقطار (هرر)، ذلك لأن المدنية المصرية العربية لا تبقي على السطح بل تمضى الي الأعماق، وتعني بالبناء السليم لا بالطلاء أنها تجد في البيئة واللغة والدين والقلوب أساساً ترتكز عليه، وهذه الحقيقة يعترف بها جميع محرر منزه عن الهوي).


رسالة منليك الي بريطانيا بشأن احتلال هرر

بعث منليك برسالة الي المقيم السياسي البريطاني في عدن عقب إستلائه على هرر، يعرب فيها عن زهوه بالفوز والانتقام من أمير هرر وضم هرر للحبشة- فيقول بأسلوب ركيك. من منليك ملك شوا. وجميع قبائل الجالا الأخيار منهم والأشرار. كيف من الممكن أن حالكم. بفضل الله نحن في صحة جيدة. الأمير عبد الله كان جران آخر، لايتحمل مسيحي في بلده وبفضل الله حاربته وحطمته. وقد هرب على ظهر جواده. وحملت فهمي على عاصمته وجيوشي احتلت مدينته- توفي جران، وعبد الله في أيامنا هذه خلفه فهذه ليست مدينة إسلامية كما يعهد الجميع. وفي هذه الرسالة أعتراف من منليك بأن غزوته لهرر إنما هي انتقام لثأر قديم، وأن جران قد توفي وأن الأمير عبد الله يريد حتىقد يكون محله، إنه لا يجب حتى بكون المسحيون في بلاده أي حتى دولته إسلامية خالصة كما كانت منذ القرون الأولي للإسلام.

وفي الرسالة إشارة الي أنه احتل المدينة وحمل الفهم الحبشي عليها، يقصد بذلك حتى تعترف بريطانيا بأن هررملك للحبشة كأمر واقع ويدعي كذباً أنها مدينة هرر لم تكن دولة إسلامية كما يعهد الجميع. وبذلك قلب الحقائق التي يعهدها الجميع عن هرر كعبة الإسلام في شرق أفريقيا قبل حتى تخرج المسيحية من مدينة أكسوم نفسها.

منليك يتولي عرش الحبشة

في الوقت الذي كانت فيه القوات الحبشية في هرر قد توغلت الي نحو60 ميلاً الي الشرق من هرر حتي مدينة جججة الباسلة التي تقع علي طريق القوافل بين بربره وهرر والأوجادين، كان الأمبراطور يوحنا يقوم بحروب مع دراويش السودان في الشمال، وكان منليك قد استلم عشرة ألف بندقية من صديقه الكونت انتونللي الإيطالي لاستخدامها في محاربة الجالا في مملكة ولاوفي الجنوب. فكانت هناك ثلاثة مجالات حربية يعمل فيها الأحباش للتوسع الأستعماري، غير حتى الدراويش تمكنوا من هزيمة يوحنا في معركة منجشا واستطاعوا قتله بعد حتى تراجع جنوده الي داخل الأحراش وأصبح منليك على عرش الحبشة، يتقرب اليه ملوك أوروبا لتحقيق أهداف استعمارية خاصة في الحبشة أوفي الصومال.

الغزوالإيطالي

معاهدة اوتشيالي 1889

بعد حتى أصبح منليك على رأس الحبشة اتى اليه صديقه أنتونلي الإيطالي في يناير عام 1889 ومعه هدية من هومبرتوملك إيطاليا وهي تعبير عن خمسة آلاف بندقية ومليون خرطوشة، وتباحث معه في شأن إقامة معاهدة بين إيطاليا والحبشة وتم الاتفاق، وأبرمت المعاهدة في 2 مايو1889 باسم معاهدة أوتشيالي، وبمقتضاها منحت إيطاليا اعترافاً من الحبشة بسيادة الإيطاليين على أرتريا، ومنح إيطاليا حق التحدث مع كافة الدول باسم الحبشة، وذلك في المجالات الخارجية ومعني ذلك بسط الحماية على الحبشة كما نطق الإيطاليون، وهذا نص المعاهدة:

حفظاً للسلم والأمن بين المملكة الإيطالية والمملكة الحبشية قرر جلالة الملك همبورت الأول ملك إيطاليا وجلالة منليك الثاني ملك الحبشة حتى يبرما معاً معاهدة صداقة وتجارة.

وقد بعث جلالة ملك إيطاليا الكونت أنتونلي نائبا عنه ومندوبا فوق العادة الي جلالة منليك ملك الحبشة الذي تفاوض معه باسمه كملك ملوك الحبشة وقد اتفقا على المواد التالية:

مادة 1

سلام وصداقة دائمة. مادة 2 تعيين موظفي السلك الدبلوماسي والقنصلي.

مادة 3

تكوين لجنة خاصة من مندوبين إيطاليين وأحباش لتعيين الحدود بين مناطق نفوذهماقد يكون عملها في مجالات اعتبارية هي:

  1. – أعتبار النجاد العالية فقط الحدود بين إيطاليا والحبشة في شرق أفريقيا.
  2. – يدخل في نفوذ الإيطاليين قرى هالاي، وسوخيتا وأسمره أعتباراً من اقليم أفرانالي.
  3. – يدخل في نفوذ الإيطاليين أدي فناس وأوي جوهان في اتجاه قبيلة جدابورسي.
  4. – خط الحدود بين إيطاليا والبشة يسير في خط مستقيم شرقاً وغرباً من أدي جوهان.
مادة 4

تبقي منطقة ديروبلانيرن وملحقاتها ضمن ممتلكات الحبشة على ألا تكون قاعدة حربية في أي صورة.

مادة 5

الرسوم الجمركية التي تؤخذ على القوافل تكون مقدار 8% من القيمة المبينة.

مادة 6

حرية التجارة في الأسلحة والذخائر عن طريق ميناء مصوع للملك منليك فقط على حتى يقدم طلباً بذلك، وعليه الختم الملكي، للسلطات الإيطالية. وحتى تكون حركة القوافل المحملة بالأسلحة والذخائر تحت الحماية الإيطالية حتي دخولها الأراضي الحبشية.

مادة 7

منع رجال القوات المسلحة من اجتياز الحدود بقصد ازعاج المواطنين مع كفالة حرية الانتنطق.

مادة 8

حرية التجارة بين المواطنين في إيطاليا والحبشة.

مادة 9

الحرية الدينية للجميع.

مادة 10

حل النازعات والقضايا التي بين إيطاليين مقيمين في الحبشةقد يكون من اختصاص السلطات الإيطالية في مصوع أويرحلون الي إيطاليا، كما تحل النازعات والقضايا التي بين إيطاليين وأحباش عن طريق السلطات الإيطالية في مصوع، أوعن طريق مندوبين إيطاليين وأحباش.

مادة 11

حمل الأمور الخاصة بالإيطاليين الذين يموتون في الحبشة وكذلك الأحباش الذين يموتون في إيطاليا.

مادة 12

الإيطاليون المتهمون بجريمة ما يحاكمون أمام السلطات الإيطالية في مصوع والأحباش المتهمون بجريمة ما أرتكب في جهة إيطالية يحاكمون أمام السلطات الحبشية. ( ملاحظة – تغيرت هذه المادة بمادة 11 وذلك في المعاهدة الإضافية في أكتوبر 1889 ).

مادة 13

تسليم الخارجين على القانون.

مادة 14

لا يسمح بمرور قوافل العبيد في أراضي منليك ( منع تجارة الرقيق ).

مادة 15

المعاهدة لها صفة قانونية في كافة أنحاء الأمبراطورية.

مادة 16

لا يجوز تعديل المعاهدة قبل مضي خمس سنوات، على حتى يخطر بذلك الجانب الآخر في خلال عام، ولا يجوز تغيير أوتعديل الأمتيازات الخاصة بالأراضي.

مادة 17

يوافق جلالة ملك ملوك الحبشة على حتى يستعين بالحكومة الإيطالية في المفاوضات التي يدخل فيها مع الحكومات أوالدول الأخري.

مادة 18

في حالة إذا ما رغب منليك منح امتيازات خاصة لرعايا دولة ثالثة كإقامة غرف تجارية أوصناعية في الحبشةقد يكون من الأفضل استخدام الإيطاليين في حالة ما تمت كافة الشروط الأخري .

معاهدة إضافية بين الحبشة وإيطاليا

ولم يكتف منليك بهذه المعاهدة التي ربطت الحبشة بمصالح إيطاليا الاستعمارية في شرق أفريقيا بل وفي الحبشة نفسها، وأنما أوفد الرأس مكونين الي إيطاليا للمفاوضة في معاهدة أضافية حصل بمقتضاها على قرض 40 ألف جنيه بضمان جمارك هرر، وقد أضاف الملك همبورت هدية من عنده لمنليك وهي تعبير عن 38 ألف غدارة و28 مدفع ولم يدر ملك إيطاليا حتى هذه الأسلحة ستصوب ضد الأيطاليين أنفسهم في يوم من الأيام.

وكانت إيطاليا تسعي حتى تكون جمارك هرر ضامنة لسد القروض التي يتحصل عليها منليك من إيطاليا حتي إذا ما عجز منليك عن سداد الديون تكون هرر من حق الإيطاليين وبذلك يتحقق حلم إيطاليا في إيجاد مستعمرة إيطالية في هرر.

اشتراك الحبشة في مؤتمر بروكسل سنة 1890

نجحت الحكومة الإيطالية في النادىية للحبشة وفي ضمها لمؤتمر بروكسل عام 1890 وبذلك صار للحبشة حق الحصول على الأسلحة النارية بالأضافة الي الوارد إليها من الهدايا التي يتنافس في تقديمها الدول الاستعمارية على سواحل الصومال. فسمحت بريطانيا للملك منليك حتى يستورد أسلحة عبر ميناء زيلع الصومالي، كما بعثت الملكة فكتوريا برسالة الي منليك تشاركه العطف في الصعوبات التي يلاقيها في محاربة أعدائه وأن الاتفاقية الإنجليزية الفرنسية بشأن منع تسليح الحبشة أصبحت لاغية، وبذلك إزدادت الواردات من الأسلحة والمعدات الحربية على الحبشة بشكل مخيف، والهدف الأساسي منها هوتدعيم الحركة التوسعية المسيحية التي يقودها منليك في شرق أفريقيا والصومال وهذه الحركة التوسعية الصليبية فيها مكاسب لمسيحي أوروبا فوق جميع اعتبار كما يقول أكثر المؤرخين الغربيين.

الخطاب الدوري الاستعماري لمنليك

وجدت إيطاليا حتى منافسيها من فرنسيين وبريطانيين على الصومال قد أصبحوا أعداء صريحين لها، إذ بدأت المناورات الإنجليزية بصفة خاصة تثير الرأي العام الحبشي ضد الإيطاليين بل امتدت المناورات الي الصوماليين لتوجية موجة عدائهم من الحبشة الي إيطاليا، وقد ظهر هذا واضحاً حينما قامت بريطانيا بإرسال قوة تأديبية من خمسمائة جندي إنجليزي إلي قبائل العيسى الصوماليين الخاضعين للحماية الإيطالية مما أثار الصوماليين ضد الطليان لأنهم لا يقومون بواجبات الحماية ضد الغزوالبريطاني وقدمت إيطاليا احتجاجاً ضد بريطانيا وكادت تنبتر العلاقات بين الدولتين مما نادى السفير البريطاني في روما الي حتى يخط لدولته في تهدئة السنيور كرايسبي وزير خارجية إيطاليا، وكرد عمل للمناورات البريطانية بعثت الحكومة الإيطالية بالسنيور أنتونلي صديق منليك الي الحبشة لإغراءه على إصدار خطاب دوري إلي كافة الدول الأوربية مشروحاً فيه حدود الإمبراطورية الإثيوبية وذلك للحد من مطامع الفرنسييين والبريطانيين في شرق أفريقيا.

نص الخطاب الدوري لمنليك (عن النص الأمهري في أديس أبابا).

تحقيقاً للتعريف بحدود أثيوبيا فأننا نرسل هذا الخطاب الدوري الي أصدقائنا من ملوك أوروبا للفهم بحدود بلادنا. نحيطكم فهماً، يا صاحب الجلالة. فتلك هي حدود إثيوبيا. اعتباراً من آرافال الواقعة على البحر عند الحدود الإيطالية يسير الخط غرباً نحوسهل جيجر في أتجاه ماهيووهالاي وديجزا وهورا الي أويبارد ومنها الي ملتقي نهري مارين وأراند. ومن هذه النقطة يمتد الخط جنوبا حتي يلتقي بنهري عطبرة وستيت حيث تقع مدينة تومات وحيث تشغل الحدود مديرية غضارف إلى كاركوج على النيل الأزرق ومن كاركوج يمتد الخط إلى ملتقي نهر السوباط بالنيل الأبيض ومن هناك يسير خط الحدود على نهر السوباط متضمنة بذلك أنطقيم أريورا وجالاس حتي بحيرة سميوري.

وفي اتجاه الشرق يدخل ضمن الحدود أنطقيم بوران وجالاس وعروسي إلى حدود الصومال بما في ذلك أقليم الأوجادين.

وفي اتجاه الشمال تتضمن الحدود هابراواز والجد أبورسي وعيسى صومال حتي أميوس ثم يمر الخط بأميوس ويضم بحيرة عسقل فمديرية الإقطاعي القديم محمد أنفاري حتي مناجم ساحل البحر ليتصل مرة أخرى بأرافال.

سأحاول حتى أعيد إقامة الحدود القديمة لأثيوبيا إذا وهبني الله حياة وقوة حتي تصل الي الخرطوم وحتي بحيرة نيانزا متضمنة بذلك جميع قبائل الجالا. لقد ظلت أثيوبيا خلال أربعة عشر قرنا كجزيرة مسيحية في بحر من الوثنية. وإنني على ثقة بأن عناية الله يفترض أن تحفظ أثيوبيا من التقسيم بين الدول الأخرى. لقد كان البحر هونهاية حدود أثيوبيا فلما أعوزتها القوة ولم تلق أي عون من الدول المسيحية سقطت حدودنا على ساحل البحر في قبضة المسلمين. وفي الوقت الحاضر لا ننوي حتى نستعيد حدودنا البحرية بالقوة ولكننا واثقون بأن القوى المسيحية تحرسها عناية الله فتنقذنا، وستعيد إلينا الخط الساحلي على البحر، أوعلى أي حال بعض نقط فيه. حرر في أديس أبابا في 14 مارس 1883 (عشرة أبريل 1891 )

ملاحظات على الخطاب الدوري لمنليك

  1. – رغبة منليك في ضم ممتلكات صومالية منها أراضي قبائل هبر يونس والجدابورسي وعيسى صومال وهي قبائل صومالية تعيش في الصومال الفرنسي والصومال البريطاني وأراضي قبائل بوران وجالاس وعروسي والأوجادين وهود وهرر وكلها شعوب وأراضي صومالية في غرب وجنوب غرب الصومال.
    وبغض النظر عن رغبة (منليك ) في أعطى ممتلكات أثيوبيا حتي الخرطوم شمالاً فإنه يعترف بأن أثيوبيا خلال 14 قرن كانت كجزيرة مسيحية بل إنها ( إثيوبيا ) ظلت كذلك حتي القرن التاسع عشر.
  2. – ادعي منليك حتى البحر كان نهاية حدود أثيوبيا. ويقصد بذلك البحر الأحمر والبحار الصومالية على المحيط الهندي فليس هناك حدود أخري بحرية تحد الحبشة عن قرب إلا الحدود الصومالية والإرترية، ونحن قد عهدنا مما تجاوز ذكره حتى أثيوبيا طوال التاريخ كانت حول الهضاب الشمالية ولم تصل الي البحر اطلاقاً إلا في القرن الحالي بمساعدة الغربيين.
  3. – يدعي منليك حتى الحدود البحرية سقطت من يد الحبشة حينما سقطت في يد المسلمين في الوقت الذي لم تجد فيه الحبشة أي عون من الدول المسيحية. وقد تجاوز حتى أوضحنا حتى الصوماليين من الشعوب الأصلية في منطقة الصومال وأنها عناصر حامية خالصة، على حين الحبشة من عناصر مختلفة من حامية وزنجية، وحتى الصوماليين أخذوا بالإسلام في عهد الرسول عليه السلام أوعلى الأقل في العشرين سنة الأولي التي تلت وفاة الرسول، بعكس ما مضى إليه منليك من حتى المسلمين استولوا على النطاق البحري أثناء طلب الأحباش بمساعدات من البرتغاليين ونصاري أوروبا ضد مسلمي الصومال.
    فالصوماليين مسلمون قبل حتى تمتد الحبشة إلى الخارج في طلب مساعدات في حروبها الصليبية، كما حتى هذه المساعدات كانت خلال القرن السادس عشر حينما ظهر الداعي الصومالي الكبير الأمام أحمد جري الذي انتصر على الأحباش، وقد وقع في عهده حالات كثيرة في التحول الي الإسلام حتي أصبح عدد المسلمين أكثر من الأحباش منذ القرن السادس عشر حتي اليوم رغم محاولات السلطات الحبشية إنكار هذه الحقيقة.
  4. – في خطاب منليك استعطاف للدول الأوروبية المسيحية لتدعيم المسيحية في الحبشة ومساعدتها في الوصول الي منافذ بحرية. (إننا واثقون حتى القوى المسيحية تحرسها عناية الله التي ستنقذنا وستعيد إلينا الخط الساحلي على البحر أوعلى أي حال بعض نقط فيه).

موقف إيطاليا وبريطانيا من الخطاب الدوري

الخطاب السابق من وضع الإيطاليين، وهدفهم تقديم منليك كبش فداء لمطامعهم الاستعمارية، ومن خلفه يمكن لهم حتى يحققوا أطماع إيطاليا لا في أثيوبيا بل في الصومال عن طريق إخلاء الصومال من الأوربيين لتحل إيطاليا محلهم تبعاً لمعاهدة أوتشيلي. ولكن خاب افترض الإيطاليين، إذ تطاول منليك على الإيطاليين أنفسهم وطردهم من البلاد بعد هزيمتهم في معركة عدوة. كان موقف بريطانيا من الخطاب الدوري الانتظار لفهم تطورات الأحداث، وفي الوقت نفسه بعثت ملكة بريطانيا برسالة إلزام للملك منليك بتطبيق البروتوكول الذي حدد مناطق النفوذ بخط يبدأ من البحر في منتصف مجري نهر جوبا حتي عرضستة شمالاً مع بقاء كسمايووالأراضي الملحقة به في الجهة اليمني للنهر في حوزة بريطانيا، ويسير الخط موازياً من خط عرضستة شمالاً وخط طول 35 شرقاً حتي النيل الأزرق.

المناورات البريطانية وإلغاء معاهدة وتشاله

رأي الإيطاليون أنهم بمعاهدة وتشاله قد فرضوا الحماية على جميع الحبشة، واعتبروا هرر كبقية الحبشة في الوقت الذي كانت فيه فرنسا تطمع في تحويل تجارة هرر الي ميناء جيبوتي وأعربت عدم اعترافها بمعاهدة وتشاله بين إيطاليا والحبشة، أما بريطانيا فقد وقفت ظاهرياً بجانب إيطاليا في دعواها الحماية على الحبشة، وفي الوقت نفسه كانت تعمل على ضم هرر إلي ممتلكاتها هي. وبدأت تقوم بمناورات في الحبشة كان الغرض منها اظهار حقيقة الموقف الإيطالي من الحبشة، وظهرت هذه السياسة البريطانية واضحة في رسالة بعثت بها ملكة بريطانيا إلي المبراطور منليك. تقول فيها. أنها آسفة لعدم ممحررته أوتلقي رسائله مباشرة إلا عن طريق جلالة ملك إيطاليا. وكان لهذه الرسالة أثر كبير في نفس منليك. إذ نطق لمن حوله من المستشارين السياسيين بعد الانتهاء من قراءة رسالة الملكة. ( ما هذا،يا ترى؟ هل أنا خادم حتي ترد علي الملكة هكذا،يا ترى؟ ) وهنا أشار له مستشاره السياسي إلي محتويات معاهدة وتشاله التي منحت إيطاليا حق الحماية على الحبشة. وطلب منليك النسخة الأصلية للمعاهدة باللغة الأمهرية وقارنها بالنسخة الإيطالية فكان هناك اختلاف في تعبير ( حق استخدام إيطاليا في الحديث في العلاقات الخارجية ) عن تعبير ( يجب على إيطاليا الحديث باسم الحبشة في العلاقات الخارجية ). فقدم منليك احتجاجاً على المعاهدة وأنه لا يعترف بها وبعث رسالة الي الملكة يلغي عهده السابق في المراسلات عن طريق إيطاليا، وذكر حتى النسخة الأمهرية للمعاهدة جعلت حق استخدام العلاقات الخارجية بيد إيطاليا اختيارياً وليس إلزامياً، وبذلك نجحت السياسة البريطانية في قلب منليك على إيطاليا مدعية صداقة الحبشة وفي الوقت نفسه تقوم بريطانيا بالتودد الي إيطاليا واستمرار الممحررات عن طريق ملك إيطاليا إلي منليك إمبراطور الحبشة.

الغزوالحبشي للأوجادين

خلال فترة المناورات الأوروبية تجاه الحبشة، وإمداد منليك بالسلاح الحديث كان رأس مكونين قد بعث بجماعة من الأحباش وقطاع الطرق في 30 يونية 1891 للقيام بغارات على أراضي الأوجادين، وقام الغواة بسلب متاع السكان وحيواناتهم وعللوا ذلك بأن هجرتهم الي الأوجادين سببها شدة القحط الذي أصاب مدينة هرر. ويذكر الكابتن سواين البريطاني حتى أفراد قبيلة هبرأول ويونس جبريل اتىهم رسول في جججة يطلب منهم قريتين كجزية لحمايتهم من الأحباش.

وقام الغزاة الأحباش بإحتلال بيوكابوبا التي تدخل ضمن نطاق الصومالند الخاضع للحماية البريطانية وجلديسيا الواقعة بين المحمية البريطانية والمحمية الفرنسية. ويتزايد الضغط الحبشي على الأوجادين وتكثر عمليات السلب والنهب التي يقوم بها أفراد غير نظاميين من الأحباش واتجه السكان إلى عاصمة محمية الصومال البريطاني، يطلبون من البريطانيين حمايتهم وإرسال النجدة الي أراضيهم، ووقف غارات الأحباش عليهم. ولكن بدون جدوى!

ورغم الاتفاقات البريطانية الإيطالية فإن الغزوات الحبشية استمرت في أعمال التخريب والاحتلال في داخل الأوجادين وأخذت الحبشة توسع الممتلكات على حساب الصومال حتي وصلت فرقة حبشية إلى هرجيسة وقامت بتحطيم قلعة قد بناها اللورد لأمير للصيدالي الغرب من هرجيسة كما نادي الأحباش بأن أراضي قبيلة هبرأول من الممتلكات الحبشية ويذكر كابتن برسي البريطاني في عام 1896 أثناء تجوله في الأوجادين مع بعض الصوماليين قائلاً.( حتى الأحباش كانوا يأخذون إتاوة على الحيوانات التي تتجه الي الآبار للشرب، ويسخرون العمال من رجال القبائل إذا لم يدفعوا الضرائب لقاء حيواناتهم). وتسأل.( ماذا يعمل الصومالي الشجاع بدون سلاح)؟. ( حتى الأحباش أنفسهم عندهم أكثر من أنادىء اللهم إلا القوة للسيطرة على الآبار). ومما لا ريب فيه حتى الصوماليين كانوا مضطهدين من قبل الأحباش في الوقت الذي حرمهم فيه المستعمر سواء كان فرنسياً أوإيطالياً أوإنجليزياً من حق حمل السلاح حتي الأبيض منه. ولما عثر المستعمرون حتى مصالحهم تتعارض مع بقائهم في الصومال وخاصة بريطانيا التي تجد مقاومة شديدة من جانب دراويش السودان في الوقت الذي إزداد فيه كراهية منليك أمبراطور الحبشة لإيطاليا بينما إزدادت علاقته توثقاً مع فرنسا بميثاق 1894 و1896.

الاتفاق الإنجليزي الإيطالي ( بروتوكول 1894)

أن بريطانيا الحريصة على مصالحها الواسعة في الحبشة لم تتخذ أي خطوة عملية ضد الغزاة الأحباش ويذكر بعض الناصرين للقضية الصومالية وهوالحاكم العام في الهند في نداء له لبريطانيا. ( لابد من مراعاة المصالح البريطانية في الأوجادين وتدعيمهاخشية حتى يؤدي فقدها الي ضعف مركز بريطانيا في الصومال ). وناشد دولته العمل السريع لصالح قضية الأوجادين الصومالي.وتحركت بريطانيا بالتنبية على إيطاليا بأن ( شمال الأوجادين يعتبر نقطة هامة في طريق تجارة بربره وبلهار، وأن سلطة الحبشة عليها مؤقتة وحتى تجارة الأوجادين وهرر تنتهي طبيعياً الي مواني الساحل الصومالي). وتفاوضت بريطانيا وإيطاليا بشأن مناطق النفوذ وتحديدها وانتهت المفاوضات بتوقيع بروتوكولخمسة مايو1894 وفيه حددت مناطق النفوذ بخط يبدأ من جلديسيا الي خط عرضثمانية درجة شمالاً بجوار حدود إقليم جيرهي، برتري، ودير على والي اليمين يهجر قرية جلديسيا والي ججة وميل وبعد خطثمانية درجة شمالاً يسيربموازاة خط تقاطع مع طول 48 درجة شرق جرينتش، ثم بعد ذلك يتجه الي تقاطع خط عرضتسعة درجة شمالاً مع خط طول 49 درجة شرق جرينتش حتي البحر، كما نص البروتوكول على حرية التجارة في منطقة الأوجادين والمساواة بين بريطانيا وإيطاليا في تجارة ميناء زيلع ورعايا الدولتين ومن تحت حمايتهما.

بريطانيا تتنازل عن أراضي صومالية للحبشة

وجدت بريطانيا حتى تتقرب الي منليك بأية وسيلة قبل حتى يمتد نفوذ الفرنسيين بالتعاون مع منليك الي أعالي النيل، فأوفدت الحكومة البريطانية برسالة عن طريق اللورد هاملتون في يناير 1897 الي المقيم السياسي على ساحل الصومال مستفسرة عما إذا كان ساحل الصومال ضرورياً بالنسبة لبريطانيا. واتى في الرسالة ( حتى حكومة جلالة الملكة تعتبر مصالح الإمبراطورية في محمية الصومالند غير كافية في مساهمتها في الدفاع عنها أواحتلالها بصفة مستمرة إلا من جهة الانتفاع البحري فقط ، وإذا قام احتلال عسكري يجب الابتعاد عن الاصطدام بل التقهقر إلى المواني). وبذلك صرحت بريطانيا أنه في حالة تقدم الأحباش الي محمية الصومال البريطاني فإن قواتها لا تدافع عن المحمية بل تتراجع الي المواني حتي لا تتصادم مصالح بريطانيا مع إمبراطور الحبشة (أنظر الصومال البريطاني بعثة رنيل رود) وفي الوقت نفسه أوفدت بعثة بريطانية برياسة رنيل رود لأجراء مفاوضات، وتنازلت عن أراضي صومالية للحبشة لقاء أمتناع منليك عن مساعدة الفرنسيين في أعالي النيل وتحقيق بعض المطامع البريطانية في الحبشة.

هزيمة إيطاليا في عدوة واستقلال الحبشة

عهدنا فيما تجاوز حتى منليك ألغي عهده السابق بشأن معاهدة أوتشيالي مع إيطاليا في فبراير عام 1893 على أثر الخطاب الذي أوفدته ملكة بريطانيا بأنها لا تتراسل معه إلا عن طريق إيطاليا، وكانت أول المعارك الحربية في 14 فبراير 1895 حينما هزم بارتيري الإيطالي جيش الرأس منغشيا في واقعة تواتيب، وتوغل الإيطاليون الي أديجيرات وماكاللي في الأراضي الحبشية. وكان الفوز الأول للأحباش على الإيطاليين في معركةأمباآلاجي فيسبعة ديسمبر 1895 إذ تقدم منليك الي الشمال لمؤازرة الرأس منغاشياً ضد الطليان وسلمت ما كاللي لمنغاشيا.

وفي أواخر عام 1895 كان الأيطاليون قد قوي من مراكزهم على الحدود التيجرية فبعث منليك بأوامره لحشد قواته لتهجرز في ثلاثة مواقع من الطرق المتجهة شمالاً، وكانت الجيوش الحبشية متأهبة للحرب غير أنه لم يحدث أي شيء حتي أوائل عام 1896. وفي فبراير كان القائد العام الإيطالي يري عدم الاشتباك مع منليك، غير أنه تقدم الي المعركة بأمر من رئيس وزرائه الذي وضح ذلك الأجراء بقوله.

( هذا ما إلا أجراء عسكري ولا يعتبر حرباً ويجب حتى تكون على أستعداد للتضحية للمحافظة على شرف الجيش وهيبة الملكية). وتقدم الإيطاليون الي عدوه ولكنهم قهروا في أول مارس 1896 وخابت مناورتهم، وكانت خسارة حربية تعرضت لها إيطاليا في الحبشة، أوبمعني آخر كانت نكبة لم ير لها مثيل في تاريخ إيطاليا، إذ اغتال بالنار أوبالسلاح الأبيض أربعة آلاف إيطالي، وأسر ألفان، فكانت كارثة لا في الحبشة بل في داخل إيطاليا نفسها مما سبب تغيير الوزارة الإيطالية بعد ذلك.

وكانت نتيجة الفوز الكبير لمنليك حتى ارتفع اسمه بين الدول، وخاصة تلك التي تتطاحن على الساحل الصومالي وطلب الإيطاليون الصلح، وقدم الي الحبشة الماجور نرازيني على رأس بعثة إيطالية فأبرم معاهدة صداقة وصلح وسلام في 26 أكتوبر عام 1896، وبذلك ألغيت معاهدة أوتشيالي، وأعترفت الحكومة الإيطالية باستقلال الحبشة وسيادتها، ورسمت الحدود الحبشية وأرتريا عند الخط النهري مأرب – بيليا – مونا.

التعليق
التعليق

المصادر

سالم, حمدي السيد (1965). الصومال قديماً وحديثاً. القاهرة، مصر: الدار القومية للطباعة والنشر.

  1. ^ انظر الجزء الأول: الصومال قديماً وحديثاً للمؤلف
  2. ^ جران أي جرى والمقصود به الإمام أحمد بن إبراهيم الصومالي الملقب بأحمد جرى الذي كاد يسحق النصرانية الحبشية في القرن السادس عشر.
  3. ^ انظر المادة 17 في معاهدة وتشاله 1889
تاريخ النشر: 2020-06-04 17:46:49
التصنيفات: تاريخ الأوجادين, العلاقات الإثيوپية الصومالية, القرن 19 في الصومال, القرن 19 في الحبشة, شرق أفريقيا الإيطالي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

رسالة من خالد عمر إلى «غاضبون بلا حدود»

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:20
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

وكالات أممية: الجوع الحاد يخيم على منطقة الساحل الأفريقي

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:20
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 62%

الأستراليون ينتخبون غدا برلمانا جديدا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:11
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

الصحة السعودية تؤكد عدم تسجيل أية إصابة بجدري القردة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:06
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 50%

اعتدال فى درجات الحرارة وأجواء ربيعية خلال الـ 48 ساعة المقبلة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:21:54
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 35%

دراسة: الحكومة المصرية لها سجل تاريخى حافل بالإنجازات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:21:47
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 50%

جازان: القبض على شخص بحوزته 129 كلغم قات - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:47
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

الأمم المتحدة: 18 مليوناً في الساحل الإفريقي معرّضون لخطر المجاعة

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:38
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 88%

مصارعة سودانية تحرز البرونزية في بطولة قارية

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:21
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 68%

مسئولون أمريكيون: الولايات المتحدة قد تبقي على 100 ألف جندي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

محمد بن سلمان وماكرون يبحثان المستجدات الدولية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:36
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 93%

الاحتلال الإسرائيلي يجتاح قرى وبلدات في جنين ويعتقل أسيرًا م

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:21:55
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

السودان: تحقيق في مقتل محتجين على أيلولة مشروع زراعي لرجل أعمال

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:21
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 61%

بلجيكا تقرر رفع معظم قيود "كورونا" المتبقية بدءًا من 23 مايو

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:03
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 68%

وزارة الصحة: لم تسجل أي إصابة بجدري القردة في المملكة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:46
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

قصف إسرائيلي يستهدف مواقع عسكرية بمحيط دمشق

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:21:57
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

اكتشاف أول إصابة بجدري القرود في إسرائيل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:22:08
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 66%

نهضة بركان يتوج بكأس الكونفدرالية على حساب أورلاندو بايرتس

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-05-21 00:21:52
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 38%

تحميل تطبيق المنصة العربية