لورنزو دى مديتشي

عودة للموسوعة

لورنزودى مديتشي

لورنزوده مديتشي
Lorenzo de' Medici
پورتريه رسم أگنولوبرونزينو
الزوج Clarice Orsini
الأنجال Lucrezia de' Medici
Piero de' Medici
Maddalena de' Medici
Contessina Beatrice de' Medici
Giovanni de' Medici, Pope Leo X
Luisa de' Medici
Contessina de' Medici
Giuliano de' Medici, Duke of Nemours
الاسم الكامل
Lorenzo di Piero de' Medici
الأسرة النبيلة مديتشي
الأب Piero the Gouty
الأم Lucrezia Tornabuoni
وُلِد 1 يناير 1449
فلورنسا، جمهورية إيطاليا
توفي 9 أبريل 1492]
Careggi, جمهورية فلورنسا
التوقيع

لورنزوده مديتشي Lorenzo de' Medici (عاش 1 يناير 1449 -تسعة أبريل 1492) كان رجل دولة إيطالي وحاكم أمر واقعللجمهورية الفلورنسية أثناء النهضة الإيطالية. عُرف بلقب لورنزوالرائع (Lorenzo il Magnifico) من معاصريه في فلورنسا، وكان دبلوماسياً وسياسياً وراعي للباحثين والفنانين والشعراء. تزامن مع أوج النهضة الإيطالية المبكرة؛ وكانت وفاته نهاية للعصر المضىي لفلورنسا. فقد انهار بوفاته السلام الهش الذي كان يرعاه بين مختلف الدويلات الإيطالية. وهومدفون في مصلى مديتشي في فلورنسا.

خلف بيروولدين لورندسووكانت سنه عشرين عاماً وجوليانوGiuliano وكان في السادسة عشر من عمره. ولم تكن فلورنس تصدق بأن هذين الغلامين يصلحان لإدارة أعمال أسرتهما دع عنك شئون الدولة عامة، وأخذ بعض الأهلين يطالبون بإعادة الحكم الجمهوري في حقيقته وفي مظهره، وكان كثيرون يخشون حتى تضرب الفوضى أطنابها في المدينة وتتقد فيها نار الحرب الداخلية، ولكن لورندسوأدهشهم بأن أزال هذا الخداع فجأة عن عيونهم.

النشأة والحياة المبكرة

لم يكن ضعف صحة بيروخافياً على كوزيمو، ولهذا بذل جميع ما في وسعه ليعد لورنزوللإطلاع بواجبات الحكم. وكان الغلام قد تفهم اللغة اليونانية على جوانس أرجير وبولس Joannes Argyropoulos، والفلسفة على فتشينو، وتفهم وتربى عن غير قصد بالاستماع إلى حديث الحكام، والشعراء، والفنانين، والكتاب الإنسانيين. وتفهم كذلك فنون الحرب، ونال وهوفي التاسعة عشرة من عمره الجائزة الأولى في مباراة للفروسية قامت بين أبناء الأسر الكبيرة في فلورنس »بفضل شجاعته لا محاباة« لأسرته(2). وكان منقوشاً على درعه من تلك المباراة شعار فرنسي معناه »سيعود الزمان« Le temps revient، وهوشعار يصح حتىقد يكون شعار النهضة. وكان قد عمد في هذه الأثناء إلى كتابة المقطوعات الغنائية بإسلوب دانتي وبترارك، وإذا كان لا بد له حتى يتبع التنطقيد السائدة في ايامه فيخط في الحب، فقد أخذ يبحث في الأسر الشريفة عن سيدة يتصبب فيها بشعره، حتى سقط اختياره على لكريدسيا دوناتي Lucrezia Donati وأخذ يتغنى بجميع فضائلها ما عدا عفتها التي كانت موضع اسفه، فقد يظهر أنها لم تسمح له بأكثر من عواطف قلمه. ورأى بيروحتى الزواج هوالعلاج الشافي من داء العشق، فأقنع الشاب بأن يتزوج كلارتشي أرسيني Clarice Orsini (1469)، وبهذا استطاع ان يعقد حلفاً بين آل ميديتشي وبين واحدة من اقوى أسرتين من روما. وأقام آل ميديشتي بهذه المناسبة ولاءً لأهل المدينة كلهم دامت ثلاثة أيام متوالية، وأستهلك فيها خمسة آلاف رطل من الحلوى.

تمثال نصفي لمديتشي رسم Verrocchio

وكان كوزيموقد درب الصبي على ممارسة الشئون العامة بعض التدريب، فلما تولى بيروالأمر وسع دائرة تبعاته المالية والحكومية، ولما توفى بيرو، الفى لورندسونفسه أغنى رجل في فلورنس، بل من الممكن كان اغنى رجل في إيطاليا كلها. ولقد كان تصريف شئون ماله وأعماله عبئاً ينوء به كاهله الغض ويتيح الفرصة لأن تعود الجمهورية فتفرض عليه سلطانها، ولكن عملاء آل ميديتشي، ومدينتهم، واصدقائهم، ومن ولوهم هم مناصبهم قد بلغوا وقتئذ درجة عظيمة من الكثرة ومن الحرص على حتى يدوم سلطان الأسرة. فلم يمض على وفاة بيروغير يومين حتى مثل بين يدي لورندسوفي بيته وفد من ذوي المكانة في المدينة، وطلبوا اليه حتى يتولى ريادة سفينة الدولة. ولم يجد الوفد صعوبة في إقناعه بالنزول على مطلبه، ذلك حتى مصالح أسرة ميديتشي المالية متصلة بشئون المدينة اتصالاً يخشى معه ان تنهار إذا استطاع اعداء هذه الأسرة أومنافسوها حتى يستحوذوا على السلطة السياسية. وأراد حتى يكّم أفواه من يوجهون النقد لصغر سنه، فعين مجلساً من المواطنين المجربين يستشيروا في جميع الأمور ذات البال، وظل طول حياته يستشير هذا المجلس، ولكنه سرعان ما أظهر من الحصافة وأصالة الرأي ما جعل المجلس يسلم بزعامته فلا يعارض آرائه إلا في القليل النادر. وقد عرض على أخيه الأصغر قسطاًُ كبيراً من السلطة، ولكن جوليانوا كان يؤثر عليها الموسيقى، والشعر، والمثاقفة، والعشق، وكان شديد الإعجاب بلورندسووسره حتى يتخلى له عن مشاغل الحكم وما يضفيه عل صاحبه من الشرف.ونهج لورندسوفي الحكم منهج كوزيمووبيرومن قبله، فظل (حتى عام1490) مواطناً عادياً، ولكنه كان يشير بالخطط السياسية على الباليا Balia التي كان لأنصار أسرته فيها أغلبية مضمونة موثوثق بها. وكان لمجلس الباليا بنص للدستور سلطة مطلقة وإن كانت مؤقتة، وقد أصبح في عهد الميديتشيين مجلساً دائماً من سبعين عضواً.

A. Pucci, Lorenzo de Medici and F. Sassetti

وارتضى أهل المدينة حكمهم لأن الرخاء ظل كما كان، ولما زار گالياتسوماريا اسفوردسا Galeazzo Maria Sdorza دوق ميلان مدينة فلورنس في عام 1471 ذهل حين شهد ما تتمتع به المدينة من ثراء، وذهل أكثر من هذا مما جمعه كوزيمو، وبيروولورندسومن روائع الفن في قصر آل ميديتشي وحدائقهم. فقد كانت المدينة حتى في ذلك الوقت متحفاً حقاً من التماثيل، والمزهريات، والجواهر، والصور، والمخطوطات المزدانة بالنقوش، والآثار المعمارية. وأكد جليتسوأنه شاهد في هذه المجموعة وحدها من الصور الجميلة أكثر مما شاهده منها في سائر إيطاليا، ذلك حتى فلورنس قد سبقت غيرها بمراحل طويلة في هذا الفن الذي يمتاز به عصر النهضة. وزاد آل مديتيشي ثراء على ثرائهم حين رأس لورندسو(1471) وفداً من أهل فلورنس قدم إلى روما ليهنئ سكتس Sixtus الرابع بارتقائه عرش البابوية، ورد سكتس على هذه التهنئة بأن جدد تعيين ممثل بيت ميديتشي مديراً للأموال البابوية، وكان بيروقد حصل قبل خمس سنين من ذلك الوقت على حق استغلال المناجم البابوية القريبة من سفيتا فيتيشيا وكانت تخرج حجر الشب الثمين المستعمل في صباغة الأقمشة وصقلها، وكان استغلال هذه المناجم يدر عليه أموالاً طائلة.

وقابل لورندسوبعد قليل من عودته من روما أولى أزماته الكبرى التي لم يفلح جميع الفلاح في معالجتها. وتفصيل ذلك حتى منجماً من مناجم الشب في ناحية فلتيرا Volterr- وهي جزء من أملاك فلورنس- قد أجر إلى بعض المتعهدين أكبر الظن أنهم كانوا ذوي صلة بآل ميديتشي. فلما تبين لأهل فلتيرا حتى المنجم يدر ربحا حقيقياً موفوراً طالبوا بأنقد يكون للبلدية قسط من هذا الربح. فأحتج المتعهدون على هذا الطلب، وحملوا امرهم إلى مجلس فلورنس الأعلى. وزاد المجلس المشكلة تعقيداً حين أمر بأن يمضى الربح بأجمعه إلى بيت مال دولة فلورنس كلها. واعترضت فلتيرا على هذا الأمر، وأعربت استقلالها، وقتلت عدداً من الأهلين الذين عارضوا في انفصالها عن فلورنس.وأشار توماسوسودير يني Tommaso Soderini بتسوية الخلاف بالتوفيق بين الطرفين، ولكن لورندسورفض ما عرض عليه من وسائل التوفيق، وكانت حجته حتى ذلك يشجع الفتن وحركات الانفصال في أنحاء أخرى من الدولة، وأخذ بهذا الرأي، وأخمدت الفتنة بالقوة القاهرة، وأفلت زمام جنود فلورنس المرتزقين، ونهبوا المدينة الثائرة فلم يسمع لورندسوإلا حتى يعجل بالذهاب إلا فلتيرا، ويبذل جهده لإعادة النظام وإصلاح ما فسد من الأمور، ولكن ذلك العمل بقي وصمة في سجل حكمه.

ولم يتردد الفلورنسيون في حتى يغفروا له قسوته على فلتيرا، وامتدحوا نشاطه حين أنقذ المدينة من المجاعة في عام 1472 باستيراد مقادير موفورة من الحبوب. وسرهم فوق ذلك حين عقد حلفاً ثلاثياً مع البندقية وميلان لكي يحتفظ بالسلم في شمالي إيطاليا غير حتى البابا سكتس لم يرض جميع الرضى عن هذا العمل، ذلك حتى البابوية لا يمكن حتى تعيش مطمئنة على سلطتها الزمنية الضعيفة إذا كانت على أحد جانبي الولايات البابوية دولة قوية موحدة في شمالي إيطاليا، ومملكة نابلي القوية تحف بها من الجانب الآخر. ولما عهد سكتس حتى فلورنس تحاول ابتياع مدينة إيمولا واقليمها (وهي الواقعة بين بولونيا ورافنا) ارتاب في حتى لورندسويعمل لبسط أملاك فلورنس حتى تصل إلى البحر الأدرياوي. فما كان من سكتس نفسه إلا حتى عجل بشراء إيمولا Imola ليجعل منها الحلقة التي لا غنى عنها في سلسلة المدن الخاضعة لسلطان البابوات من الناحية القانونية، وإن كانت قلما خضعت لهم عملاً. وقد استعان في هذا العمل بخدمات شركة باتسي Pazzi المصرفية وبأموالها، وكانت هذه الشركة وقتئذ أقوى منافس لآل ميديتشي. ثم نقل من فلورنس إلى باتسي الامتيازات التي تدر الربح الموفور والخاصة بتصريف شئون المالية البابوية، ولم يكتف بذلك بل عين رجلين من أعداء الميديتشين-جيرولامورياريوGirolamo Riario حاكماً لإيمولا وفرانتشسكوسلفياني Francesco dalviati كبيراً لأساقفة بيزا، وكانت وقتئذ من أملاك فلورنس. ورد لورنزوعلى ذلك في ساعة غضبه بعمل عاجل طائش لم يكن كوزيموليرضي به: ذلك أنه أتخذ الوسائل المؤدية إلى انهيار شركة باتسي، وأمر بيزا حتى تمنع سلفياني من الجلوس على كرسي الأسقفية. واستشاط البابا غضباً من هذا العمل، ووافق على مؤامرة دبرها آل باتسي، ورياريو، وسلفياني يبغون بها إسقاط لورندسو، وقد أبى حتى يوافق على اغتيال عدوه الشاب، ولكن المتآمرين لم يجدوا في هذا التأنق عقبة تحول بينهم وبين غرضهم، فدبروا أمر اغتال لورندسووجوليانوا أثناء القداس الذي سيقام في الكنيسة الكبرى في يوم عيد الفصح (26 أبريل من اعم 1478)، في اللحظة التي يحمل فيها القس القربان المقدس غير مبالين بمخالفة ذلك العمل للأصول الدينية المرعية. وأتفق على حتى يستولي سلفياتي وجماعة آخرون على البلاتسوفيتشيوويطردوا مجلس فلورنس الأعلى.

واتى لورندسوإلى الكنيسة في اليوم المحدد لا يحمل سلاحاً وليس معه حرس جرياً على سنته، وتأخر جوليانوعن الموعد المضروب، فمضى إليه فرانتشسكوده باتسي وبرناردوبنديني، وكانا قد تعهدا باغتياله، وأخذا يمزحان معه، واقنعاه بالذهاب إلى الكنيسة، وفيها وبيننا كان القس يحمل يده بالقربان المقدس طعنه بنديني جوليانوفي صدره، فسقط على الأرض مدرجاً بدمه، وانقض عليه فرانتشسكوواخذ يكيل له الطعنات بعنف أدى إلى جرح ساقه هو. وهاجم أنطونيودا فلتيرا Antonio da Volterra وقسيس يدعى استفانوا لورندسوبخنجريهما، فاتقى الضربات بذراعيه، ولم يصب إلا جرح خفيف، ثم أحاط به أصدقاؤه وساروا به إلى إحدى غرف المقدسات في الكنيسة، وفر المعتديان من الجمهور الغاضب، وحمل جوليانوبعد موته إلى قصر آل ميديتشي.

وبينما كانت هذه الأحداث تقع في الكنيسة زحف سلفياتي كبير الأساقفة، وياقوبودة باتسي ومائة من أتباعهما المسلحين نحوالبلاتسا (قصر) فيتشيو، وحاولوا حتى يثيروا الشعب ويضموه لهم بصياحهم الشعب! الحرية! ولكن الشعب التف حول آل ميديتشي في هذه الأزمة ورد عليهم بندائه لنحي السكرات!- وهي شارة آل ميديتشي، ولما ولج سلفياتي القصر طعنه سيزاري بتروتشي حامل الشعار، وشُنق ياقوبودة بجيوJacopo di Poggio ابن المحرر الإنساني المعروف في إحدى نوافذ القصر، وقبض كبار الحكام في عزم وشجاعة على عدد آخر من المتآمرين الذين ارتقوا الدرج، وألقوا بهم من النوافذ، فمنهم من توفي شدة الاصطدام بالأرض ومنهم من أجهز عليه الشعب رجماً بالحجارة. ولما ظهر أمامهم لورندسوومن حوله عدد كبير من الحراس عبر الشعب عن فرحته بنجاته بغضبه العنيف على جميع من ارتاب في أنه كانت له يد في هذه المؤامرة، واختطف فرنتشسكودة باتسي من فراشه، وكان قد خارت قواه من كثرة ما نزف من دمه، وشنق إلى جانب كبير الأساقفة, الذي أخذ يعض كتف فرانتشسكووهويعالج سكرات الموت. . وجرت جثة ياقوبودة باتسي كبير الأسرة المبجل عارية في شوارع المدينة وألقيت في نهر الآرنوArno. وبذل لورندسوجميع ما يستطيع ان يبذله لتخفيف حنق العامة وتعطشهم للدماء، وأنقذ حياة عدد من الذين اتهموا ظلماً بالاشتراك في المؤامرة، ولكن الغرائز الكامنة حتى في المتحضرين لا تستطيع ان تهجر هذه الفرصة السانحة لها لتعبر عن نفسها وهي آمنة وخافية عن الأعين في زحمة الجماهير.

وهال سكستس الرابع حتى يشنق كبير الأساقفة على هذا النحو، فاصدر قراراً بحرمان لورندسو، وحامل الشعار، وكبار الحكام في فلورنس، ووقف جميع الخدمات الدينية في كافة أملاك المدينة، واحتج عدد من رجال الدين على قرار الحرمان، وأصدر وثيقة ينددون فيها البابا وملأوها بأشنع ألفاظ السباب،وبعث فرانتي Ferrante أي فرديناند الأول ملك نابلي بناء على طلب البابا وفداً إلى فلورنس يدعومجلسها الأعلى وأهلها إلى حتى يسلموا لورندسوإلى البابا أوينفوه من المدينة على الأقل. ونصح لورندسوالمجلس بإجابة طلب فرديناند، ولكن المجلس رد عليه بأن فلورنس مستعدة لان تتحمل أية محنة تنزل بها وألا تغدر بزعيمها فتسلمه إلى الأعداء. فما كان من سكتس وفرانتي إلا حتى أعربا الحرب على فلورنس (1479). وهزم ألفنسوابن الملك جيش فلورنس بالقرب من پوجيوبونسي Poggiobonsi وأخذ يعيث في الريف فساداً.

لوحات بوتيتشلي التي تستخدم عائلة مديتشي كموديلات
Madonna of the Magnificat shows Lucrezia as the Madonna, surrounded by her children with Lorenzo holding a pot of ink.
The Adoration of the Magi includes several generations of the family and their retainers. Sixteen-year-old Lorenzo is to the left, with his horse, prior for his departure on a diplomatic mission to Milan.

وما لبث أهل فلورنس حتى أخذوا يتذمرون من فدح الضرائب التي فرضت عليهم لأداء نفقات الحرب، وأدرك لورندسوأنه ما من جماعة تطول تضحيتها بنفسها من أجل فرد واحد. فأستقر رأيه في هذه الأزمة الخطيرة من تاريخ حياته على قرار لا يستقر عليه سواه ولم يسبق حتى أتخذ مثله من قبل. ذلك أنه ركب البحر من بيزا إلى نابلي، وطلب حتى يؤخذ إلى الملك. وأعجب فرانتي بشجاعته، فقد كان الرجلان يحتربان ولم يحصل لورندسوعلى تصريح بضمان حياته في سيره، لم يكن معه سلاح ولاحرس. وأكثر من هذا حتى فرانتشسكوبسينيوالزعيم الحربي المغامر الذي نادى إلى نابلي لينزل ضيفاً على مليكها قد اغتيل غدراً وخيانة من وقت قريب بأمر من الملك نفسه. واعترف لورندسوبصراحة بالصعاب التي كانت فلورنس تقابلها، ولكنه أوضح شدة الخطر الذي يحيق بنابلي إذ قوى سلطان البابوية بتمزيق أملاك فلورنس، لأن البابوية إذا تم لها هذا استطاعت حتى تصر على طلبها القديم وهوحتى تكون نابلي إقطاعية بابوية تعطي الجزية عن يد وهي صاغرة. يضاف إلى هذا حتى الأتراك كانوا يزحفون على الغرب براً وبحراً، وأنهم قد يغزون إيطاليا في أي وقت من الأوقات، ويهاجمون أملاك فرانتي الواقعة على البحر الأدرياوي، وليس من مصلحة إيطاليا في تلك الأزمة حتى تنقسم على نفسها وأن تمزقها الأحقاد والحروب الداخلي. ولم يرتبط فرانتي مع لورندسوبشيء، ولكنه مر بأن يحجز لورندسوكما يحجز الأسير والضيف الكريم.

وزادت الفوزات المستمرة التي نالها ألفنسوعلى جيوش فلورنس وإلحاح سكتس المستمر بأن يرسل لورندسوإلى روما أسيراً بابويا، زادت هذه وتلك مهمة لورندسوصعوبة على صعوبتها. وبقي أمر زعيم فلورنس ثلاثة أشهر طوال معلقاً لا يبت فيه، وكان يدرك حتى إخفاقه في مهمته سيؤدي في أكبر الظن إلى قتله وإلى القضاء على استقلال فلرونس. وكان في هذه الأثناء قد كسب صداقة الكثيرين بكرمه وسخائه، ودماثة أخلاقه، وبشاشته، وكان ممن كسب صداقتهم الكونت كارفا Count caraffa وزير الدولة، فأخذ هذا يدافع عن قضيته. وقدر فرانتي أعظم التقدير ثقافة أسيره، ونبل خصاله، فها هوذا كما يلوح رجل مهذب كريم، فإذا عقد الصلح مع رجل على شاكلته فإن ذلك سيضمن لنابلي صداقة فلورنس طوال حياة لورندسوعلى أقل تقدير. ولهذا سقط معه معاهدة، وأهداه جواداً كريماً، وسمح له بأن يركب البحر من نابلي. ولما فهمت فلورنس حتى لورندسواتى بالصلح رحبت به ترحيباً فخماً اعترافاً منها بجميله. واستشاط سكتس غضباً، وأراد حتى يواصل الحرب بمفرده، ولكن محمدا الثاني فاتح القسطنطينية أنزل جيشاً له في أترانتوOtranto (1480)، وهدد باجتياح إيطاليا، والاستيلاء على حصن المسيحية اللاتينية نفسه. فما كان من سكتس إلا حتى نادى أهل فلورنس للمفاوضة في شروط الصلح. وقدمت وفودهم إلى البابا ما يجب له من فروض الطاعة، وأخذ هويؤنبهم أشد التأنيب، ثم عفا عنهم. وأقنعهم بأن يجهزوا خمس عشرة سفينة لمحاربة الأتراك، وعقد الصلح معهم، واصبح لورندسومن ذلك الحين سيد تسكانيا لا ينازعه في ذلك منازع.


لورنزوالأفخم - النهضة

لورنزو، رسم Girolamo Macchietti

وشرع الآن يحكم حكماً رحيماً أكثر مما كان يحكم في أيام شبابه، وكان وقتئذ قد بدأ العقد الرابع من عمره، ولكن الناس كانوا سريعي النضوج في أيام النهضة ذات الأحداث التي تعجل النضوج، ولم يكن لورندسووسيما، فقد كان أنفه الكبير الأفطس يشرف على شفته العليا، ثم يعود فيتجه نحوالخارج اتجاهاً عجيباً. وكان أدكن اللون، وكانت جبهته الصارمة وفكه الثقيل ينمان عن غير ما يظهر من دماثة أخلاقه، ورقة أدبه ومجاملته، وحلوفكاهته، وعقله المرهف الشاعري. وكان طويل القامة، عريض المنكبين، قوي البنية، أشبه برجال الرياضة منه برجال السياسة والحكم، والحق أنه قلما كان يفوقه أحد في ألعاب القوة. وكان في سيره وجلوسه مهيباً إلى الحد الذي لا غنى له عنه في منصبه السامي، أما في حياته الخاصة فإنه سرعان ما يجعل أصدقاءه ينسون سلطانه وثراءه. وكان كابنه ليوالعاشر يستمتع بأعظم الفنون دقة، وأكثر المهرجين سذاجة، وكان فكها مع يلتشي Pulci، شاعراً مع بولتيان Politian عالماً مع لندينوLandino فيلسوفاً مع فيتشينوFicino، يتذوق جمال الفن مع بتيتشلي Botticelli، موسيقياً مع سكوار تشيالوبي Squarchialupi، مرحاً مع اشد الناس مرحاً في أيام الأعياد. خط مرة إلى فيتشينويقول: (إذا ما اضطرب عقلي بكثرة الأعمال العامة وصخبها، واستكت مسامعي بصراخ المواطنين المشاكسين، فكيف أطيق ذلك الخصام والنزاع إذا لم أجد الراحة في الفهم"؟- ويقصد بالفهم طلب الفهم على اختلاف أنواعها.

بيد حتى اخلاقه لم تكن مضرب المثل في الكمال كما كان عقله، ذلك أنه كان، مثله مثل الكثيرين من معاصريه، لا يدع عقيدته الدينية تحول بينه وبين الاستمتاع بالحياة. فكان يخط ترانيم دينية بإخلاص ظاهر، ولكنه كان ينتقل منها دون تأنيب من ضمير إلى القصائد التي تتغنى بالحب الشهواني. ويبدوأنه لم يعهد الندم قط إلا على ما فاته من الملاذ، ولما حتى قبل مكرها ولأسباب سياسية زوجة كان يجلها أكثر مما يحبها، أخذ يستمتع بالزنا كعادة أهل زمانه، ولكنه لم يكن له أبناء غير شرعيين، وكانوا يرون في ذلك ميزة له على غيره من أمثاله. ولا يزال الجدال حامياً حول خلقه التجاري. لكن أحداً لم يشك قط في سخائه، والحق أنه كان متلافا للمال مثل كوزيمو، لا يستريح له بال حتى يجزي على جميع عطية بعطية أكبر منها، وقد أمد بالمال أكثر من عشر منشآت دينية، وأعان عدداً لا يحصى من الفنانين، والفهماء، والشعراء، وأقرض الدولة أموالا طائلة. وكان من نتيجة ذلك أنه عثر بعد مؤامرة باتسي حتى ما أنفقه من الأموال على الشئون العامة والخاصة قد هجره غير قادر على حتى يوفي بالتزاماته، فما كان من المجلس، الحريص على استرضائه، إلا حتى يقرر الوفاء بديونه من مال الدولة (1480). وليس من الواضح جميع الوضوح أكان هذا العمل جزاء عادلا على خدماته التي أداها لبلاده، وأمواله الخاصة التي أنفقها في الأغراض العامة، أم كان اختلاساً سافراً للأموال العامة. فإذا عهدنا حتى هذا العمل لم يقلل من حب الشعب للورندسومع أنه كان معروفاً له غير خاف عليه، فإن هذا في حد ذاته يوحي بأن التفسير الهين الرقيق أدنى التفسيرين إلى الصواب. ولقد كان جوده، وثراءه، وترفه في منزله جميع ما كان يفكر فيه الناس حين لقبوه بالأفخم II magnifico.

وكان من أثر نشاطه الثقافي المتعدد النواحي حتى اضطره إلى إهمال مؤسساته المالية المترامية الأطراف بعض الإهمال. وقد استغل عماله انشغاله بهذه الشئون فاندفعوا في الإسراف والتدليس. ولكنه أنقذ ثروة أسرته بأن سحبها شيئاً فشيئاً من الأعمال التجارية واستثمرها في الملاك العقارية بالمدينة، وفي الزراعة الواسعة النطاق، وكان يجد لذة كبرى في الإشراف بنفسه على مزارعه وبساتينه، ولم يكن فهمه بالمخصبات يقل عن فهمه بالفلسفة. حتى اضحت أرضه القريبة من قصره الريفي في كاريجي Careggi وبجيوأكايانوPoggio a Caiano مضرب المثل في الاقتصاد الزراعي. وانتعشت حياة فلورنس الاقتصادية تحت حكمه، فنقصت فوائد الديون فيها إلى خمسة في المائة، وسرعان ما ازدهرت المشروعات التجارية التي كانت تجد المال موفوراً، دام هذا الازدهار حتى صارت إنجلترا منافسا لها يخشى بأسه في صادراتها من المنسوجات. وكانت سياسة السلم التي انتهجها في حكمه وسياسة توازن القوى التي استمسك بها في إيطاليا في العشر السنين الثانية من هذا الحكم أقوى أثراً من العوامل السابقة نفسها. ذلك حتى فلورنس اشهجرت مع غيرها من الدول الإيطالية في طرد الأتراك من إيطاليا، فلما هجر لها ذلك اقنع لورندسوفرنتي ملك نابلي، وجاليتسواسفوردسا Gaoleazzo Sforza صاحب ميلان حتى يعقدا مع فلورنس حالفاً للدفاع المتبادل، ولما حتى انضم البابا إنوسنت الثامن إلى هذا الحلف، بادرت الكثير من الدول الصغرى إلى الانضمام أيضاً إليه. وتنحن عنه مدينة البندقية، ولكن خوفها من الحلفاء أرغمها على حتى تسلك بإزائه مسلكاً طيباً، ودامت السلم في إيطاليا بفضل هذه الوسيلة حتى توفي لورنزوإذا استثنينا فترات قصيرة قليلة.. وقد بذل في هذه الأثناء جميع ما كلن لديه من كياسة وماله من نفوذ لحماية الدول الضعيفة من القوية، ولتسوية المصالح المتضاربة والمنازعات، والتوفيق بينها، والقضاء على جميع سبب من مسببات الحرب قبل استفحاله. وبلغت فلورنس في هذه العشر السنين السعيدة (1480-1490) ذروة مجدها في الشئون السياسية والأعمال الفنية والأدبية.

Excerpt from the Confirmation of the Franciscan Rule from the Sassetti Chapel frescos. Mounting the stairs in the forefront are the tutor of Lorenzo's sons, Angelo Poliziano, and Lorenzo's sons Giuliano, Piero and Giovanni, followed by two members of the Humanist Academy.


وكان لورندسومن حيث الشئون الداخلية يحكم عن طريق مجلس السبعين Consiglio di Settante. وكان هذا المجلس يتألف بنص دستور سنة 1480 من ثلاثين عضواً يختارهم مجلس سيادة المدينة القائم في ذلك العام، ومن أربعين عضواً آخرين يختارهم هؤلاء الثلاثون. وكانت عضويته تدوم مدى الحياة، وكان ما يحدث فيه من فراغ يملأ باختيار هؤلاء الأعضاء أنفسهم، وبفضل هذا النظام لم يكن مجلس السيادة وحامل الفهم أكثر من عمال منفذين لسياسة مجلس السبعين، واستغنى بهذا عن البرلمان الشعبي وعن الانتخابات العامة. ولم تكن معارضة هذه السياسة بالأمر الهين، لأن لورندسوكان يستخدم الجواسيس للوقوف عليها، وكانت لديه الوسائل الكافية لمضايقة معارضيه من الناحية المالية. وبذلك اختفت الأحزاب القديمة إلى حين، وقضى على الجرائم، وساد النظام وإن ضعفت الحرية، وفي ذلك يقول أحد الكتاب المعاصرين: " ليس لدينا هنا تلصص، ولا اضطرابات ومشاغبات ليلية، ولا اغتيالات بل إذا في مقدور جميع إنسان حتى يصرف شئونه ليلاً أونهاراً وهوآمن جميع الأمان". ويقول جوتشيارديني Guiceiardini: " إذا كان لا بد لفلورنس حتىقد يكون لها حاكم مستبد، فإنها لم يكن في مقدورها حتى تجد مستبداً خيراً منه أواكثر منه بهجة". وكان التجار يفضلون الرخاء الاقتصادي على الحرية السياسية، أما صعاليك المدينة فقد شغلوا على الدوام بالاشغال العامة الواسعة النطاق، وغفروا للورندسوسلطانه المطلق مادام يمدهم بالخبز والالعاب. وأما الاغنياء فكان يغريهم بالعاب الفروسية، ويثير مشاعر الطبقات الوسطى بسباق الخيل، والعامة بالحفلات والمواكب.

وكان من عادة أهل فلورنس في أيام المواكب التنكرية حتى يطوفوا بشوارع المدينة في أقنعة زاهية مخيفة، ينشدون أغاني هجائية أوغرامية، وأن ينظموا مواكب نصر- مايسمونه الترينفي Trionfi - وهي استعراض من جموح تسير في أزياء منقوشة أوتيجان من أزهار تمثل شخصيات أوأحداثاً أسطورية أوتاريخية. وكان لورندسويحب هذه السنة ولكنه يخشى ما تنزع إليه من اضطراب، ولهذا اعتزم حتى يخضعها لسيطرته، وذلك بأن يمنحها موافقة الحكومة وتنظيمها، وبهذا اضحت هذه المواكب في عهده أحب مظاهر الحياة إلى نفوس الفلورنسيين. وقد استخدم الفنانين لتصميم المركبات، والاعلام، والأزياء وتلوينها، ووضع هووأصدقاؤه الأغاني التي يتغنى بها من فوق المركبات، وكانت هذه الاغاني تمثل ما في الأعياد التنكرية من تحلل في الأخلاق، وكان اشهر مواكب لورندسوهذه موكب " فوز باخوس" وفيه كان يسير موكب من العربات يحمل فتيات حساناً وجماعة من الشبان ذوي الثياب الغالية الجميلة يمتطون جياداً وثابة مختالة، يجتازون جسر فيتشيوPonte Vecchio حتى يصلوا إلى الميدان الفسيح القائم أمام الكنيسة الكبرى، وكانت أصوات متناسقة متعددة النغمات تملأ الجومصاحبة لدق الصنوج، والعزف على العود، تغني قصيدة من نظم لورندسونفسه لا تتفق بأي حال مع الموضع الذي تغنى فيه أمام الكنيسة.

1- ما أحلى الشباب وما أخلاه من الهموم !

ولكنه يسرع بالفرار في جميع ساعة.

أيها الفتيان والفتيات استمتعوا بهذا اليوم

لأنكم لا تعهدون شيئاً مما يأتي به الغد.


2- هذا هوباخوس وهذه أدرياني المبتهجة

المحبان الصادقان !

وهما، على الرغم من سرعة مر الزمان

يجد كلاهما في صاحبه متعاً جديدة على الدوام


3- أولئك الحور العين وأتباعهن جميعاً

يستمتعن بأعياد متواصلة،

أيها الفتيان والفتيات استمتعوا بهذا اليوم

لأنكم لا تعهدون شيئاً مما ياتي به الغد.

4- أيتها السيدات وأيها العشاق من الشبان !

ليعش باخوس، ولتحي الشهوات

ارقصوا، والعبوا، وغنوا،

وليملأ الحب الحلوصدوركم ناراً.


5- ومهما يكن ما يأتي به المستقبل

فاستمتعوا أيها الشبان وأيتها الفتيات بيومكم هذا

لأنكم لا تعهدون شيئاً مما يأتي به الغد.

وتؤيد أمثال هذه القصائد والمواكب بعض التأييد ما اتهم به لورندسومن أنه أفسد شباب فلورنس، واكبر الظن حتى هذا الشباب كان " يفسد" من تلقاء نفسه وإن لم يعمل هوعلى فساده؛ ذلك حتى الآداب العامة في البندقية، وفرارا، وميلان لم تكن خيراً منها في فلورنس، بل إذا هذه الآداب كانت في فلورنس على آل ميديتشي المصرفيين خيراً منها في روما أيام البابوات الميديتشيين.

لقد كانت حاسة الجمال المرهفة في فلورنس أقوى من حتى تكبح جماحها آدابه العامة، وكان الشعر من أبرز ما يصبوإليه وينفق فيه ساعات فراغه، وكانت قصائده تضارع خير ما قيل من الشعر في أيامه؛ وبينا كان بوليتان الذي يفوقه في هذه الميدان لا يزال يتردد بين اللغتين اللاتينية والإيطالية، كانت أشعار لورندسوقد أعادت إلى اللغة الإيطالية القومية الأسبقية الأدبية التي اتى بها دانتي ونبذها الكتاب الإنسانيون؛ وكان يفضل مقطوعات بترارك الغنائية على أشعار الحب التي اتىت في الآداب اللاتينية القديمة، وإن كان يسهل عليه حتى يقرأ هذه الاشعار في لغتها الاصلية، وكم من أغنية أنشأها كانت خليقة بأن تزدان بها أغاني بترارك نفسه. ولكنه لم يمن يأخذ الحب الشعري مأخذ الجلد فوق ما يجب حتى يأخذه. وكان يخط بإخلاص أكثر وأجمل على المناظر الريفية، التي يمرن فيها أطرافه ويستمتع فيها بهدوء عقله، وكانت خير قصائده هي التي يتغنى فيها بما في الريف من الغابات ومجاري المياه، والاشجار والأزهار، وبتران الماشية والرعاة. وكان في بعض الأحيان يخط بتراً شعرية فكهة سمت بلغة الفلاحين الساذجة، فأوجدت فيها شعراً حياً بهيجاً؛ وخط في بعض الأوقات هزليات هجائية متحررة من المبادئ الخلقية تحرر هزليات رابليه Rabelais، ثم خط مسرحية دينية لأبنائه، وترانيم نجد في مواضع متفرقة منها نغمة من التقي الذي تسري فيه روح الإخلاص، غير حتى أكثر ما يميزه من القصائد عن غيره من الشعراء هي أغاني التنكر التي خطت ليتغنى بها في أوقات الأعياد وفي ساعات اللهووالانشراح، والتي تعبر عن مشروعية اللذة، وتسخر من احتشام العذارى. وليس ثمة ما نستبين منه أخلاق النهضة الإيطالية وآدابها، وتعقدها، واختلاف مناحيها، من صورة أعظم شخصياتها ومحور قطبها يحكم دولة، ويصرف شئون ثروة، ويثاقف في ألعاب الفروسية، ويخط شعراً ممتازاً، ويشكل برعايته النقادة المميزة الفنانين والمؤلفين، ويختلط في غير تكلف أوتباعد بالفهماء والفلاسفة، والفلاحين، والمهرجين، ويمشي في المواكب ويترنم بالأغاني الفاجرة الخليعة، ويؤلف الأناشيد الرقيقة، ويداعب العشيقات، ويلد أحد البابوات، وتجلّه أوربا بأجمعها وتعده أعظم الإيطاليين في زمانه وأكثرهم نبلاً.


رعايته للثقافة

أفاد أدباء فلورنس من عون لورنزوده مديتشي ومثلهن فأخذوا يزيدون في جميع يوم ما يخطونه باللغة الإيطالية، وأخرجوا على مهل اللغة التسكانية الأدبية التي أضحت نموذجاً ومثلاً تحتذيه شبه الجزيرة كلها. ويصفها فاركي Varchi المتحمس لوطنيته: » بأنها ليست أحلى واغنى لغات إيطاليا وأكثرها ثقافة فحسب، بل إنها تفوق في هذا كله جميع اللغات المعروفة في هذه الأيام«.

وبنما كان لورندسويحيي الأدب الإيطالي، كان في الوقت عينه يواصل في جد وحماسة مشروعا جده فيجمع كا ما يستطيع من الخط الأدبية اليونانية والرومانية القديمة ليفيد منها الفهماء في فلورنس. من ذلك أنه بعث بوليتيان Politian وجون لاسكارس John Lascaris إلى كثير من المدن في إيطاليا وخارجها لشراء المخطوطات القديمة، وقد اتى لاسكارس من دير واحد عند جبل آثوس Mt. Athos بمائتي مخطوط، منها عشرون لم تكن معروفة حتى ذلك الوقت في أوربا الغربية. ويقول بوليتيان إذا لورندسوكان يود لوجاز له بأن ينفق جميع ثروته، بل ويرهن أثاث بيته ليبتاع الخط. وكان يستأجر النساخين لينسخوا له ما لا يستطيع شراءه من المخطوطات، ويجيز في نظره ذلك لغيره من المولعين بجمع الخط أمثال ماثياس كورفينوس Matthias Corvinus ملك المجر وفد ريجوFederigo دوق أربينوحتى يرسلوا نساخين من عندهم ليعيدوا نسخ ما في مخطة آل ميديتشي من مخطوطات.. وقد ضمت هذه المجموعة بعد موت لورندسوإلى المجموعة الأخرى التي وضعها كوزيمومن قبل في دير سان ماركو، وكانت المجموعتان تضمان في عام 1495 تسعة وثلاثين والف مجلد منها ستون وأربعمائة باللغة اليونانية. وخطط ميكل أنجيلوفيما بعد داراً فخمة لهذه الخط، وأطلق عليها الخلف أسم لورندسوفسماها المخطة اللورنتيانية Bibliotheca Laurentiana. ولما أنشأ برناردوتشينيني Bernardo Cennini مطبعة في فلورنس (1471)، لم يسخر لورندسومن الفن الجديد، كما سخر منه صديقه بوليتيان أوفد ريجودوق أربينو، بل يظهر حتى ما يفترض أن يتمخض عنه نظام الحروف المتنقلة من إمكانيات، واستخدم الفهماء للقاءة النصوص المتنوعة حتى تطبع الخط القديمة بأعظم الدقة المستطاعة في ذلك الوقت. وشجع ذلك بارتولوميودي لبري Bartolommeo di Libri فطبع النسخة الأصلية من مؤلفات هومر (1488) برعاية العالم المدقق دمتريوس كلكنديلس Demetrius Chalcondyles، وكذلك أصدر جون لاسكارس النسخة الأصلية من مؤلفات يوربديز (1494)، والمختارات الشعرية اليونانية، ومؤلفات لوتشيان Lucian، وطبع كرستوفورولندينوCristoforo Landino أشعار هوراس (1482)، وفرجيل، وبلني الأكبر، ودانتي، وكانت لغة هؤلاء الثلاثة وإشاراتهم بحاجة في هذا الوقت إلى شئ من الإيضاح. وفي وسعنا حتى نستشف روح ذلك العصر إذا عهدنا حتى فلورنس كافأت كرتوفوروعلى أعماله الفهمية بأن أهدت إليه بيتاً فخماً.

وهرع الفهماء إلى فلورنس بعد حتى أغراهم بذلك اشتهار آل ميديتشي وغيرهم من أهل فلورنس بما يغدقونه عليهم من الهبات، واتخذوا هذه المدينة عاصمة الثقافة الأدبية. وكان من هؤلاء الفهماء فسبازيانودا بستتشي Vespasiano da Bisticci الذي كان يعمل بائعاً للخط وأميناً للمخطات في فلورنس، وإربينو، وروما، ثم ألف سلسلة بليغة محكمة في سير أعيان الرجال خلد فيها أسماء كتاب ذلك العصر وأنصار الفهم فيه. وأراد لورندسوحتى ينمي التراث الذهني للوع البشري وينقله إلى الأجيال القادمة فأعاد إلى الوجود الجامعة القديمة في بيزا والمجمع الفهمي الأفلاطوني في فلورنس ووسع نطاقهما. ولم يكن مجمع فلورنس الفهمي كلية رسمية بل كان هيئة من الفهماء المولعين بفلسفة أفلاطون، يجتمعون في فترات غير منتظمة في قصر لورندسوبمدينة فلورنس أوفي قصر فتشينوالريفي في كاريجي Careggi، ويطعمون معاً، ويقرءون بصوت عال محاورة من محاورات أفلاطون أوأجزاء منها، ثم يتناقشون فيما تحتويه من آراء فلسفية. وكان المجمع يحتفل باليوم السابع من نوفمبر، وهوالذي يزعمون حتى أفلاطون ولد ومات فيه، احتفالا لا يكاد يقل روعة ومهابة عن الاحتفالات الدينية، فكانوا يتوجون بالأزهار تمثالا نصفياً يعتقدون أنه تمثال أفلاطون، ويوقدون أمامه مصباحاً كما توقد المصابيح أما صور الآلهة. وقد اتخذ كرستوفورومن هذه الاجتماعات أساساً للحديث الخيالي الذي سماه جدل الكملدولينين Disputationes Camaldulenses (1468) وذكر فيه كيف من الممكن أن زار هووأخوه دير الرهبان الكملدولينين، والتقى فيه بالشابين لورندسووجوليانودة ميديتشي، وليون باتستا ألبرتي وستة آخرين من علية أهل فلورنس، وكيف كانوا يضطجعون على الكلأ قرب عين ماء جارية، ويوازنون بين حياة المدينة المسرعة القلقة، وسكنى الريف الصحي الجميل، وبين حياة النشاط وحياة التأمل والتفكير، وكيف كان ألبرتي يمتدح حياة التفكير الريفي، بينما كان لورندسويقول إذا العقل الناضج يؤدي أكمل وظيفته ويجد أعظم ما يرضيه في خدمة الدولة وفي تجارة العالم.وكان بين من يحضرون مناقشات المجمع الفهمي الأفلاطوني بوليتبيان، وبيكودلا ميرندولا Pico della Mirandola ومرسيليوفيتشينوMarsilio Ficino

ولم يكن لورندسوليبلغ ما بلغه من مرتبة الرجل المكمل، لم يكن له بعض الهوى بالفلسفة، وبعض الشك في الدين، وبعض الانطلاق في الحب، وكان أمير فلورنس المصرفي يدعوإلى صحبته ومائدته لويجي بلتشي Luigi Pulci ويلذ له سماع الهاتى الفظ في قصيدته مرجنتي الأعظم Morgante maggiore. فقد كانت هذه القصيدة الشهيرة التي يعجب بها بيرون تقرأ للورندسووضيوف بيته بصوت عال فقرة فقرة.

وإذا كانت جماعة لورندسوقد استطاعت حتى تنتج هذه الآداب المتنوعة في جيل واحد، فإن من حقنا حتى نظن-وسنجد في واقع الأمر- حتى يقظة مثل هذه اليقظة قد وجدت في مدن أخرى غير فلورنس-في ميلان، وفراراً، ونابلي، وروما. والحق حتى إيطاليا كانت قد أتمت الفترة الأولى من نهضتها وتجاوزتها إلى الفترة التالية، فقد أعادت كشف بلاد اليونان القديمة، ووضعت المبادئ الأساسية للدراسات القديمة، وجعلت اللاتينية مرة أخرى لغة ذات بهاء وجلال، وقوة وعنفوان. ثم عملت أكثر من هذا: فقد كشفت إيطاليا من حديث الذي بين موت كوزيموولورندسولغتها هي وروحها، وطبقت مقاييس اللفظ والأسلوب على اللغة القومية، وأنشأت شعراً قديماً في رومة، ولكنه أصيل و»حديث« في لغته وتفكيره، متأصل في شئونها ومشاكلها اليومية أوفي مناظر الريف وأشخاصه. يضاف إلى هذا حتى إيطاليا قد نهضت في جيل واحد، وبفضل بلتشي، بالمسلاة الفكهة فجعلتها أدباً راقياً، ومهدت الطريق إلى بورادوBorardo وأريتسوAriosto، بل إنها قد استبقت بسمات سرفنتير Cervantes من خيلاء الفروسية وتنطعها وانادىءاتها، وأخذ عهد الدراسة يختنق تدريجياً، وحل بالخلق والإبداع محل المحاكاة، وبعث الأدب الإيطالي بعثاً جديداً بعد حتى ذبل على أثر اختيار بترارك اللغة اللاتينية ليخط بها ملحمته. ولم يمض بعد هذا الوقت الذي نتحدث عنه زمن طويل حتى كاد إحياء الأدب القديم حتى ينسى في نضرة الثقافة الإيطالية وغزارتها، وهي الثقافة التي تزعمت العالم في الأدب وغمرته بفيض من الفن.

العمارة والنحت

وواصل لورنزوفي حماسة بالغة تنطقيد آل مديتشي القديمة القاضية بمناصرة الفن، يشهد بذلك ما خطه معاصريه فالوري يقول : » لقد بلغ من شدة إعجابه بآثار العهود القديمة لأنه لم يكن شيء أحب إليه من هذه الآثار وإن كان من يريدون التقرب إليه وإدخال السرور عليه يجمعون من جميع أنحاء العالم مدليات، ونقوداً،... وتماثيل كاملة ونصفية، وكل ما طبع بطابع اليونان أوروما القديمة. وأضاف لورندسوما جمعه من مخلفات العمارة والنحت إلى ما خلفه كوزيمووبيرو، ووضعها كلها في حديقة قائمة بين قصر آل ميديتشي ودير سان ماركو، وأجاز لكبار الزائري والفهماء الموثوق بهم حتى يدخلوها، وعين راتباً لمن كان يظهر الجد أوتلوح عليه سمات النجابة من الطلاب- وكان من بينهم الشاب ميكل أنجيلو-ليعيشوا منه، كما كان يمنح الجوائز لمن يظهر منهم كفاية ممتازة. وفي ذلك يقول فاساري: »ومن أبرز ما يستلفت النظر حتى جميع من كانوا يدرسون في حديقة آل مديتشي، وكانوا من المقربين للورنزو، قد أصبحوا من رجال الفن الممتازين، ويرجع الفضل جميع الفضل في هذا إلى عظيم الحكمة هذا الرجل العظيم المناصر للفنون... الذي لم يكن صادق الحكم على العباقرة فحسب، بل أوتي فوق ذلك من الإرادة والقوة ما استطاع به حتى يكافئهم على نبوغهم.

وكانت أبرز الحوادث ذات الشأن العظيم في تاريخ الفن في عهد لورندسوهي نشر رسالة فتروفيوس Vitruvius (1486) المسماة في العمارة De Architectura (التي خطت في القرن الأول قبل الميلاد) والتي كان بجيوقد استخرجها من أرض دير سانت جول قبل ذلك الوقت بنحوسبعين عاماً. واستحوذت هذه الرسالة القديمة الجامدة على مشاعر لورندسو، واستخدم نفوذه في نشر طراز روما الإمبراطورية في العمارة، ولعله في هذه المسألة بالذات قد أساء أكثر مما احسن، لأنه أعاق في فن العمارة ما كان يمارسه بنجاح مثمر في ناحية الأدب-تعني تنمية الأشكال الوطنية. لكن الروح التي حفزته إلى هذا العمل كانت روحاً كريمة بحق، فقد ازدانت روما بفضل تشجيعه، وبفضل أمواله في كثير من الأحوال، بطائفة كبيرة من المباني الرشيقة كانت ملكاً للمدينة أوالأفراد. وكان من هذه الأعمال إتمامه كنيسة سان لورندسووالدير القائم في فيسولي، واستخدامه جوليانودة سنجلوGiuliano da sangallo لتخطيط دير خارج باب سان جلوSan Gallo هوالذي خلع على هذا المهندس اسمه. وبنى له جليانوقصراً ريفياً فخماً في بوجيوأكايانوPoggio a Caiano وبلغ من جماله حتى أوصى به لورندسوفرديناند ملك نابلي حين طلب إليه هذا مهندساً يعمل عنده. ويدلنا على مقدار حب أولئك الفنانين للورندسوما أظهره جوليانومن الكرم بعدئذ، فقد أوفد إليه هدايا جميع ما منحته إياه فلورنس من هبات-وهي تمثال نصفي للإمبراطور هدريان، وتمثال كيوبيد النائم وغيره من التماثيل القديمة، وضم لورندسوهذه الهبة إلى مجموعاته التي في حديقته، والتي تكون منها فيما بعد نواة مجموعة التماثيل القائمة في معرض أفيزي Uffizi، وكان غيره من ذوي المال يضارعونه -ومنهم من بزه-في فخامة مسكنه. من ذلك حتى بينيديتوده ميانوBenedetto de Maiono شاد لفلبواسترتزي الأكبر Filippo Strozzi Elder قصراً يتجلى فيه باكمل صورة ذلك الطراز التسكاني من العمارة الذي أبرزه في قصر بتي Pitti- والذي يتمثل فيه الفخامة والنعيم من الداخل تحجبهما عن العين قابلة ضخمة من الكتل الحجرية »الريفية« غير المصقولة. وقد بدا المهندس بناءه بعد حتى رصد له طالع بأكبر عناية، وبعد حتى أقيمت لذلك صلوات دينية في عدة كنائس، وبعد حتى وزعت الصدقات زلفى واستدراراً للبركة. وأتم سيموني بولايولوSimone Pollaiuolo هذا البناء بعد حتى توفى بينيديتو(1497) وأضاف إليه طنفاً جميلاً على مثال طنف آخر شاهده في روما. وفي يوسعنا حتى نتصور ما كان ثمة من جمال في داخل هذه الأسوار التي يخيل إلى من يراها أنها سجون، بالنظر إلى مواقدها الفخمة، وهي أروقة ضخمة تستند إلى عمد منحوتة على شكل أزهار تعلوها نقوش بارزة، وظل مجلس السيادة في هذه الأثناء يزيد داره الفذة الجميلة وهي قصر فيتشيوجمالاً على جمالها.


وفاة لورنزو

لم يكن لورندسونفسه من أفراد تلك القلة التي بلغت في تلك القرون سن الشيخوخة، وقد كان كأبيه يعاني آلام الرِّثية والنقرس مع اضطراب في المعدة كثيراً ما كان يسبب له آلاماً مبرحة توهنه وتهد قواه. وقد جرب كثيراً من وسائل العلاج، فلم يجد خيراً مما كان يتيحه الاستحمام بالمياه المعدنية من تخفيف لآلامه لم يكن يلبث حتى يزول؛ ولقد استوعب قبل وفاته بوقت ما أنه هوالذي كان يبشر بإنجيل المرح والبهجة لن يطول به العمر.وتوفيت زوجته في عام 1488 وحزن على فقدها حزناً صادقاً وشعر بما فقده من معونتها وإن لم يكن في أثناء حياتها وقيالها. وكانت قد ولدت له أبناء كثيرين بقي منهم سبعة بعد وفاتها. وكان يعنى على الدوام بالإشراف على تعليمهم وتربيتهم، وبذل ما في وسعه في السنين الأخيرة من حياته كي يهديهم إلى زيجات تعود بالسعادة على فلورنس وعليهم هم أيضاً. فخطب لبيروأكبر أولاده فتاة أورسينية ليكسب بذلك أصدقاء له في روما، وتزوج جوليانوأصغرهم إحدى أخوات دوق سافوي، وخلع عليه فرانسس الأول لقب دوق نمور Nemours، وأعانه ذلك على حتى ينشئ جسراً بين الكنيسة، وقبل الشاب هذا قبولاً حسناً، وسر الناس جميعاً بجمال طبعه، بأن يخرج على جميع السوابق فيرسمه كردنالا وهوفي سن الرابعة عشرة، وخضع البابا لرأيه لنفس الأسباب التي خضعت من أجلها معظم الزيجات الملكية وهي ربط حكومة بأخرى برباط الود الناشئ من صلات الدم.

وتنحى لورنزوعن الاشتراك العملي في حكم فلورنس، وأخذ يعهد بقسط متزايد من أعماله العامة والخاصة لابنه بيرو، وطلب الراحة لنفسه في هدوء الريف وحديث الأصدقاء؛ ودافع عن مسلكه هذا برسالة تفصح عن طبيعته المميزة له نطق فيها:

وهل شئ أحب لذي العقل المنظم من الاستمتاع بالفراغ مع الكرامة،يا ترى؟ إذا هذا هوالذي يرغب في الحصول عليه جميع الخيرين من الرجال، ولكنه لا يناله إلا العظام منهم. نعم إننا ونحن في خضم الشئون العامة قد يتاح لنا حتى نتطلع إلى يوم نستريح فيه من عناء العمل؛ ولكن الراحة أيا كانت يجب ألا تحول بيننا حيلولة تامة عن العناية بما يهم بلدنا. ولست بمستطاع حتى أنكر حتى الطريق الذي قدر على حتى اسلكه كان طريقاً مجهداً وعراً، مليئاً بالأخطار، محوطاً بالغدر من جميع جانب؛ ولكنني يعزيني عن هذا أنني قد اسهمت في العمل على رفاهية بلدي، الذي يضارع الآن في رخائه أية دولة أخرى مهما بلغ ازدهارها.كذلك لم أهمل قط مصالح أسرتي والعمل على تقدمها، فقد وضعت نصب عيني على الدوام حتى أحذوحذوجدي كوزيموالذي كان يشرف على شئونه العامة والخاصة بيقظة لا تقل في هذه عنها في تلك. وإذا كنت قد وصلت الآن إلى الهدف الذي كنت أعمل واعنى به، فإني أعتقد حتى من حقي حتى استمتع بلذة الراحة، وأنال نصيبي من حسن سمعة مواطني، وأعتز بالمجد الذي ناله وطني.

ولكنه لم يتح له إلا قليل من الوقت للاستمتاع بالهدوء الذي لم يعتده؛ ذلك أنه لم يكد ينتقل إلى قصره الريفي في كزيجي Careggi (مارس سنة 1492) حتى اشتدت عليه آلام المعدة اشتداداً مروعاً. واستدعى الأخصائيون من الأطباء، فسقوه مزيجاً من الجواهر فساءت حاله على الفور، واستسلم للموت. وقد أفصح لبيرووبوليتيان قبل وفاته عن حزنه لأنه لم يطل أجله حتى يتم مجموعة المخطوطات ليستعينا بها ويفيدا منها الطلاب. ولما دنيت منيته بعث في طلب قسيس، وأصر وهوفي آخر رمق حتى يغادر سريره لكي يتلقى القربان المقدس وهوجاث على ركبتيه، وطافت بذاكرته في تلك اللحظة صورة ذلك الواعظ العنيد الذي ندد به ورماه بأنه قضى على الحريةـ، وأفسد الشباب، وتاقت نفسه لأن ينال عفوهذا الرجل قبل حتى يموت. ولذلك بعث بصديق يرجوسفنرولا حتى يحضر إليه ليستمع إلى اعترافه ويغفر له ذنوبه غفراناً أعظم قدراً مما ناله قبل.. واتى سفنرولا وعرض عليه الغفران بثلاثة شروط، كما يقول بوليتيان: حتى يؤمن لورندسوإيماناً صادقاً برحمة الله، وأن يعد بأن يستقيم في حياته إذا شفي من سقمه، وأن يلقى الموت صابرا. وقبل لورندسوهذه الشروط وغُفِر له، ويقول ج.ف. بيكو(وهوغير بيكوالمحرر الإنساني) أحد الأولين اللذين خطوا سيرة شفنرولا إذا الشرط الثالث كان حتى يعد لورندسو»بأن يعيد الحرية إلى فلورنس«؛ وتقول السيرة حسب رواية بيكوإذا لورندسولم يرد على هذا الطلب وإن الراهب هجره دون حتى يغفر له. وتوفي لورندسوفي اليوم التاسع من شهر إبريل من عام 1492 وهوفي سن الثالثة والأربعين.

ولما ترامى نبأ احتضاره إلى فلورنس لم يبق في المدينة كلها تقريباً أحد إلا حزن عليه، وحتى خصوم لورنزونفسه لم يعهدوا كيف من الممكن أن يستطاع حفظ النظام الاجتماعي في فلورنس، أوالسلم في إيطاليا، من غير يده الصناع الهادية. واعترفت أوربا بمقدرته الفائقة في شئون الحكم، وأدركت ما فيه من خصائص الوقت الذي كان يعيش فيه؛ فقد كان هو»رجل النهضة« في جميع شيء سوى كرهه العنف. ولقد استطاع بفطنته في السياسة وهي الفطنة التي كسبها على مهل، وبلاغته في الجدل وهي البلاغة السهلة المقنعة رغم سهولتها، وصلابته وشجاعته في الإقدام والعمل، استطاع بهذه المزايا حتى يجعل جميع أهل فلورنس إلا القليلين منهم، ينسون الحرية التي قضت عليها أسرته؛ ومن لم ينسوها من أهلها كانوا يدركون أنها هي حرية العشائر الغنية في حتى تستخدم القوة والخداع في تنافسها على السيطرة الاستغلالية في »ديمقراطية« لا يستطيع الإدلاء بأصواتهم فيها إلا جزء من ثلاثين جزءاً من الأهلين. وكان لورندسويستخدم سلطته في اعتدال، ويستخدمها لخير الدولة، وغن أدى ذلك إلى إهمال ثروته الخاصة. ولقد كان فاسد الخلق من الناحية الجنسية وضرب بذلك اسوأ الأمثلة لشباب فلورنس، لكنه ضرب أحسن الأمثلة في الأدب، وأعاد إلى اللغة الإيطالية مكانتها الأدبية الراقية، وكان ينافس محاسبيه في قرض الشعر؛ ويناصر الفنون بذوق راق نقاد ووضع بذلك مستوى له تسعى أوربا لبلوغه؛ وإذا ما عُدَّ المستبدون كان هوخيرهم وأرقهم أخلاقاً، وقد نطق عنه فرديناند ملك نابلي: (لقد طال أجل هذا الرجل حتى بلغ مجده؛ ولكنه لم يطل أجله بالقدر الذي تتطلبه إيطاليا)؛ واضمحلت فلورنس من بعده ولم تذق إيطاليا طعم السلم بعد وفاته.

السنوات اللاحقة

پوتريه للورنزوبعد وفاته جورجيوڤاساري

انظر أيضاً

  • مديتشي
  • Medici giraffe
  • Lorenzo de' Medici Timeline
  • Medici Chapel

للاستزادة

  • Miles J. Unger, Magnifico: The Brilliant Life and Violent Times of Lorenzo de Medici (Simon and Schuster 2008) is a vividly colorful new biography of this true "renaissance man", the uncrowned ruler of Florence during its golden age.
  • Christopher Hibbert, The House of Medici: Its Rise and Fall (Morrow-Quill, 1980) is a highly readable, non-scholarly general history of the family, and covers Lorenzo's life in some detail.
  • F. W. Kent, Lorenzo de- Medici and the Art of Magnificence (The Johns Hopkins Symposia in Comparative History (The Johns Hopkins University Press, 2004) A summary of 40 years of research with a specific theme of Il Magnifico's relationship with the visual arts.
  • Peter Barenboim, Michelangelo Drawings - Key to the Medici Chapel Interpretation ( Moscow, Letny Sad, 2006) ISBN 5-98856-016-4, is a new interpretation of Lorenzo the Magnificent' image in the Medici Chapel.

روايات تاريخية

  • Linda Proud, A Tabernacle for the Sun (Godstow Press, 2005), a literary novel set in Florence during the Pazzi Conspiracy adheres closely to known facts.
  • Linda Proud, Pallas and the Centaur (Godstow Press, 2004), deals with the aftermath of the Pazzi Conspiracy and Lorenzo de' Medici's strained relations with his wife and with Poliziano.
  • Linda Proud, The Rebirth of Venus (Godstow Press, 2008), the final volume of The Botticelli Trilogy, covers the 1490s and the death of Lorenzo.

الهامش

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

  1. ^ Kent, F.W. (2006). Lorenzo De' Medici and the Art of Magnificence. USA: JHU Press. p. 248. ISBN .

وصلات خارجية

  • Texts of Lorenzo de' Medici
  • Associazione Culturale "Clarice Orsini" - Monterotondo (Italy)
تاريخ النشر: 2020-06-04 18:08:00
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, مواليد 1449, وفيات 1492, إيطاليون من القرن 15, عائلة مديتشي, إنسانيو عصر النهضة, رواد الأدب, ناجون من الطعن, أشخاص من فلورنسا, حكام فلورنسا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«طاقة البرلمان» تناقش طلب إحاطة بشأن تأخر إنشاء المرصد البيئي بإدكو

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:22:03
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

ضبط متهم بغسـل 75 مليون جنيه متحصلة من الاتجار بالنقد الأجنبى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:40
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

نفاد تذاكر حفل أنغام بالتجمع الخامس

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:48
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

صندوق الثروة السيادي النرويجي يسجل خسائر قياسية بلغت 150 مليار يورو

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:58
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

أمريكا تفرض قيود تصدير على شركات إيرانية أنتجت طائرات مسيرة لروسيا

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:37
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

قيس سعيد: "قبضوا 200 الف دينار للتباكي ولتاجيج الاوضاع في جرجيس"

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:28
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

الأهلي في المونديال| تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة أوكلاند سيتي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:29
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

محافظ الوادي الجديد يتابع سير العمل بمصنع تمور المحافظة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:35
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 63%

في واقعة طفل أسيوط: النيابة طالبت بمنع الحقن داخل الصيدليات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:39
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

حسين الجسمي يطرح أغنية «أستاذ في الدنيا» باللهجة المصرية (فيديو)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:47
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

رسميًا.. إمام عاشور ينتقل إلى ميتلاند الدنماركى قادمًا من الزمالك

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:28
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 70%

محافظ الغربية يفتتح معرض أهلاً رمضان بطنطا (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:36
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

أول تعليق من إمام عاشور بعد رحيله عن الزمالك والانتقال لـ ميتلاند

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:27
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

جمهور معرض الكتاب يتفاعل مع عروض فرقة مدينة نصر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:43
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

النيابة في واقعة طفل أسيوط: لن نسمح بالعبث بأرواح المواطنين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:40
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

سعيد: الحق النقابي مضمون لكن لا يمكن أن يتحول إلى مآرب سياسية

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:40
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 55%

السيطرة على حريق شب في زراعات المانجو بأسوان (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:36
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 60%

المدعية العامة بنيويورك تطالب بتوقيع غرامات إضافية ضد «ترامب»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:56
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

بوسترات منفردة لأبطال مسلسل «بالطو» قبل عرضه على WATCH IT (صور)

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-31 21:21:49
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

تحميل تطبيق المنصة العربية