تسوية النزاعات الدولية

عودة للموسوعة

تسوية النزاعات الدولية

تسوية النزاعات الدولية International Dispute resolution

عرّفت محكمة العدل الدولية الدائمة، النزاع الدولي بأنه «خلاف حول نقطة قانونية أوواقعية أوتناقض أوتعارض للطروحات القانونية أوالواقعية أوالمنافع بين دولتين». وتنشأ النزاعات الدولية تقريباً للأسباب ذاتها التي تنشأ عنها نزاعات الأفراد، مع حتى نتائج الأولى أشد خطراً وأعمق أثراً. فإلى جانب الخلافات البسيطة وسوء التفاهم اللذين قد يسمان العلاقات بين دولتين أوأكثر لمدة قصيرة أوطويلة هنالك قضايا تسبب توتراً واحتكاكاً بين الدول وتعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، أوعلى الأقل تعكر الهدوء وتخلّ بالتوازن في العلاقات الدولية.

قضايا كهذه أدت في الماضي إلى الحرب والخراب. غير حتى العصر الذي نعيشه، عصر الذرة والأسلحة الفتاكة حمل الدول على الإحجام عن الاندفاع بالنزاع إلى منتهاه. وفي حال عدم التمكن من حل النزاع قد تكتفي الدول المتنازعة ببتر العلاقات الدبلوماسية أوالاقتصادية فيما بينها من دون حتى تلجأ إحداها للحرب التي يبقى شبحها ماثلاً مهدداً. فعالم اليوم عالم تكامل وتعاون في شتى الميادين ولا تستطيع دولة مهما بلغت من الغنى والقوة والاستقرار حتى تدعي الاكتفاء الذاتي. لذا فسوء العلائق بين دولتين له مضاعفات لا على مصالحهما فحسب بل على مصالح مجموعة من الدول. وقد يؤدي الأمر حينقد يكون النزاع بين دولتين كبيرتين إلى مضاعفات تؤثر في الإنسانية كلها. لذا فإن من مصلحة المجتمع الدولي حتى تكون هناك طرق سلمية مفتوحة أمام الدول المتنازعة لتسّوي خلافاتها القائمة على نحوسريع وسقمٍ للأطراف المعنية بقدر الإمكان ومن ثمّ فحل النزاعات الدولية واحد من أبرز الموضوعات التي عُني بها القانون الدولي[ر] منذ نشأته. وقد تم الاتفاق على تقسيم أساليب تسوية النزاعات الدولية settlement of international disputes إلى أسلوبين ودي وغير ودي:

أولاً ـ التسوية الودية للنزاعات الدولية درجت غالبية الاتفاقات الدولية المتعلقة بحل النزاعات بطريقة ودية على تصنيفها في:

  • نزاعات سياسية political disputes.
  • نزاعات قانونية legal disputes.

ومضىت إلى حتى الثانية منها دون الأولى قابلة للحل بالطرق القضائية، وقد أخذ ميثاق الأمم المتحدة ذاته بهذا التمييز، إذ نصت الفقرة (3) من المادة 36 على حتى يوصي مجلس الأمن أطراف النزاع بوجوب إحالة منازعاتهم القانونية على محكمة العدل الدولية. لذا يستحسن اعتماد التصنيف السابق للنزاعات على الرغم من صعوبة التفريق واقعياً بين النزاعات السياسية المجردة وتلك القانونية المجردة فعنصر السياسة موجود في الأخرى إجمالاً.

الحلول السياسية

أقرت هذه الحلول في مؤتمري لاهاي المنعقدين في عامي 1899 و1907. والحلول السياسية الودية هذه كثيرة يفضلها بعضهم على الحلول القضائية لسببين أولهما: إمكان تطبيقها في جميع أنواع النزاعات، وثانيهما لأنها لا تهجر في النفوس شعور الاستياء عند اللجوء إليها. ويرد على ذلك بأن الحلول السياسية قد تنجح في إزالة سوء التفاهم إزالة مؤقتة بين الدول. وكثيراً ما تكون مبنية على هضم حقوق طرف من الأطراف المعنية فتنحرف عن مبادئ العدالة والإنصاف equity التي هي هدف جميع نظام قانوني. وأكثر من هذا فإنها قد تقود إلى خلافات مستقبلية أكثر خطراً من تلك التي حُلّت بالمساومة السياسية.

وفيما يلي أبرز الحلول الودية السياسية التي اتى عليها ميثاق الأمم المتحدة، مع ملاحظة أنها ليست حصرية وأنه يمكن تصور أي حل آخر أوحلّ هومزيج بين نوعين منها من شأنه إحلال الوئام محل الخصام.

  1. التفاوض المباشر direct negotion: وهي أبسط الوسائل التي تلجأ إليها الدول لحل نزاعاتها، وتتم عادة على يد ممثلي الحكومات المتنازعة الذين يجرون فيما بينهم محادثات بقصد تبادل الرأي في الموضوعات المتنازع فيها وتقليب وجهات النظر فيها قصد الوصول إلى حلول سقمية للفريقين. والمفاوضات قد تكون شفوية تجري في مؤتمرات، أوخطية تتجلى في تبادل مذكرات Exchange of Letters وخط ومستندات. ويشترط لنجاحها تكافؤ الأساليب السياسية التي تتبع من قبل من يباشرها وإلا سقطت الدولة الضعيفة فريسة لشروط تمليها عليها الدول الكبرى. هناك أمثلة كثيرة على لجوء الدولة إلى حل مشكلاتها عن طريق المفاوضة المباشرة (قضية حوض السار، وقضية إنهاء المعاهدة البريطانية الأردنية ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26/3/79 ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في 26/9/9419) كما حتى الأمم المتحدة اعتمدت على المفاوضة المباشرة بين الأطراف المعنية لحل نزاعاتهم التي عرضت عليها أوطرحت أمامها (قضية قبرص وقضية الجزائر والمسألة الفيتنامية).
  2. المساعي الحميدة good offices: إذا أخفقت دولتان في الوصول إلى حل سقم لنزاعهما قد تقوم دولة ثالثة، بالتدخل الودي لمساعدتهما على حلّه. فالمساعي الحميدة تعني حتى دولة لا علاقة لها بالنزاع القائم تتدخل من تلقاء نفسها بكياسة بين الدولتين لحملهما على إنهائه. ومن شأن المساعي الحميدة إما العمل على الحيلولة دون تطور الخلاف إلى نزاع مسلح أومحاولة القضاء على نزاع مسلح نشب بن الدولتين. والأمثلة كثيرة على جميع من النوعين المذكورين فقد عينت منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمرها الثالث المنعقد في الرياض أواخر عام 1980 لجنة إسلامية للمساعي الحميدة بين العراق وإيران بهدف وضع حد للنزاع القائم بينهما. وقد جرت العادة منذ عهد «داغ همرشولد» الأمين العام الثاني للأمم المتحدة حتى عهد الأمين العام الحالي كوفي أنان حتى يبذل الأمين العام للأمم المتحدة مساعيه الحميدة لحل النزاعات بين الدول، وقد نجح في بعضها كالمساعي الحميدة المبذولة عام 1955 بين الولايات المتحدة والصين، وأخفق في بعضها الآخر كالنزاع العراقي الإيراني قبل تفجره في الحرب الدموية ذات الثماني سنوات، والحروب الجارية في التسعينات في البوسنة وكوسوفوورواندة وأفغانستان.
  3. الوساطة mediation: هي مساع حميدة تتضمن عنصراً جديداً هواشتراك الشخص الثالث في التفاوض المباشر بين الأطراف المتنازعة وقيامه بضابطة الارتباط بينها. والوساطة قد تأتي عفوية من قبل الوسيط كما أنه يجوز حتى يستدعي الطرفان المتنازعان وسيطاً طالما استفحال النزاع بينهما وعندئذٍ تنص المادة /8/ من معاهدة لاهاي الثانية على حتى مهمة الوسيط تنتهي بعد مرور ثلاثين يوماً على انتقائه، كما تنتهي مهمة الوسيط حين يشعره أحد الطرفن المتنازعين بذلك، أوعندما يتأكد هونفسه حتى وسائل التوفيق التي اقترحها لم تصادف قبولاً حسناً (م5من معاهدة لاهاي الثانية). ومن الأمثلة الحديثة على الوساطة دور الوزراء الأمريكيين المتتالين من هنري كيسنجر إلى مادلين أولبرايت في النزاع السوري الإسرائيلي القائم منذ سنين وقد بدأت عقيب مؤتمر مدريد لعام 1990 مساعٍ حثيثة لحله وغيره من النزاعات العربية مع الكيان الصهيوني، ودور السفير هالبروك الأمريكي الذي أدت وساطته الفاعلة إلى توقيع اتفاقية «ديتون» لإحلال السلام في جمهورية البوسنة والهرسك في نهاية 1995. ولعل من أنجح الوساطات الحديثة. ودور السناتور ميتشل في التخفيف من أزمة إيرلندة الشمالية في التسعينات من القرن العشرين.
  4. التحقيق inquiry: يهدف التحقيق أصلاً إلى تحديد الوقائع المادية والنقاط المختلف عليها تاركاً للأطراف المتنازعة استخلاص النتائج التي تنشأ عنه إما بصورة مباشرة، ويكون ذلك عن طريق المفاوضة، وإما بصورة غير مباشرة، أي عن طريق التحكيم. لكن التحقيق تطور في ظل المنظمتين العالميتين (عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة) فأصبح من الوسائل الودية التي كثيراً ما يلجأ إليها تمهيداً لحل النزاعات الدولية. إلى غير ذلك لم يعد عملها مقتصراً على تحديد الوقائع كما كان الأمر عندما ابتدع التحقيق في مؤتمري لاهاي، بل تعداه لإبداء رأي ما في النزاع. ومن أقدم الأمثلة على التحقيق الدولي ذلك الذي جرى في قضية الباخرة الإنكليزية «دوغجرباتك» التي أغرقتها السفن الروسية في عام 1904 ظناً منها بأنها يابانية. فاجتمعت لجنة للتحقيق اقترحتها فرنسة برئاسة الأميرال فورنيه Forniet ونتيجة للتقرير الذي وضعته اضطرت روسية إلى دفع تعويض مادي لإنكلترة. ولعل من أحدث الأمثلة التحقيق المتواصل الذي أجراه خبير الأمم المتحدة «إيكهريهوس» في مدى تقيد العراق بقرارات مجلس الأمن الخاصة بنزع أسلحته غير التقليدية منذ انتهاء حرب الخليج الثانية في آذار 1991، إلى حتى طرد من العراق بتهمة تحيزه الواضح ضده. وتجدر الإشارة إلى حتى المادة 90 من ملحق (بروتوكول) جنيف الأول لعام 1977 الذي اتى يكمل اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 التي وضعت أساس القانون الدولي الإنساني[ر] نصت على إنشاء لجنة دولية لفحص الوقائع التي حددتها المادة فقد أسند إلى هذه اللجنة لا التحقيق في جميع خرق خطير لاتفاقيات جنيف فقط بل إمكانية بذل مساعيها الحميدة لدى الدول المعنية.
  5. التوفيق أوالمصالحة coniliation: هذا أسلوب حديث العهد قياساً بغيره من الأساليب المعروفة لحل النزاعات السياسية بالطرق الودية، إذ لم تعرض له معاهدتا لاهاي ولم يدخل حيز القانون الدولي إلا عام 1919 حين بدأت الإشارة إليه بتكرار ذكره في كثير من المعاهدات وكانت جميع واحدة منها تتفنن في وضع صيغة خاصة له. فهناك مجموعة المعاهدات الاسكندنافية والبولونية والألمانية والفرنسية وغيرها. ولكن أهمها بلا شك كان معاهدة لوكارنو(16/10/1925) التي وضعت للتوفيق القواعد التالية:
    1. تتألف اللجان من ثلاثة أوخمسة أعضاء على الأكثر وتكون دائمة.
    2. ينحصر اختصاصها في الخلاف على المصالح Interests لا على الحقوق Rights ولاقد يكون هذا الاختصاص إلزامياً، كما حتى التقرير الذي تضعه لاقد يكون ملزماً للطرفين بلقد يكون مستنداً إلى حلول تحكيمية أوقضائية لاحقة.
    3. تتبع لجان التوفيق الأصول المنصوص عليها في معاهدة لاهاي بشأن التحقيق.

والأمثلة على التوفيق ليست كثيرة منها لجنة التوفيق التي عينتها الأمم المتحدة لفلسطين (قرار الجمعية العامة 194 لعام 1948)، وللكونغو1960. وقد نصت المادة /66/ من اتفاقية فيينة لقانون المعاهدات على إحالة النزاعات الناجمة عن تطبيقها على لجان توفيق نظمها الملحق الخاص بها، لكن النص بقي حتى اليوم حبراً على الورق.


الحلول القضائية

تتم هذه الحلول عن طريق القضاء أوالتحكيم الدوليين. يُعهد القضاء الدولي بأنه «وسيلة لحسم نزاع بين شخصين أوأكثر من أشخاص القانون الدولي بحكم قانوني صادر عن هيئة دائمة تضم قضاة مستقلين جرى اختيارهم مسبقاً، أما التحكيم الدولي فهووسيلة لحسم نزاع بين شخصين أوأكثر من أشخاص القانون الدولي بحكم صادر عن محكم أومجموعة محكمين يختارون من قبل الدول المتنازعة«. توجد اليوم محاكم دولية على الصعيدين العالمي والإقليمي وتعد محكمة العدل الدولية [ر.الأمم المتحدة] المساعد القضائي الرئيس لهيئة الأمم المتحدة، وقد مارست اختصاصها القضائي (بين الدول) والإفتائي (بطلب من المنظمات الدولية) بتصاعد بيّن طوال نصف القرن الماضي، وكانت قد خلفت في مهامها محكمة العدل الدولية الدائمة التي لازمت عصبة الأمم [ر]. غير حتى القاعدة العامة في محكمة العدل الدولية وسلفها حتى ولايتها القضائية اختيارية لا تنعقد إلا برضا الأطراف المعبر عنه بطرق مختلفة. وتوجد إلى جانب المحكمة الدولية محاكم إقليمية أهمها محكمة العدل الأوربية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان والهيئة القضائية لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط، وأنشأت منظمة المؤتمر الإسلامي[ر] محكمة عدل إسلامية، كما تتجه الأقطار العربية منذ مدة نحوإقامة محكمة عدل عربية. وقد أنشئت في مؤتمر روما الدبلوماسي لعام 1998 المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة عتاة المجرمين الدوليين[ر]. أما على صعيد التحكيم الدولي International Arbitration فتوجد اليوم محكمة التحكيم الدولية الدائمة وهي في حقيقتها ليست محكمة مؤلفة من محكمين جاهزين في مقرها بلاهاي لفض ما يعرض عليهم من نزاعات. بل ينتخب أعضاء هذه المحكمة من بين قائمة بالأسماء التي أودعتها الدول لدى ديوان المحكمة حدثا دعت الظروف لتأليفها ويتم اختيار المحكّمين باتفاق الطرفين فإن أخفقا تتألف المحكمة وفق النظام الخاص المنصوص عليه في الاتفاقية أي يعين جميع طرف محكّمه ويختار المحكمان محكماً فيصلاً وإلا عينه مرجع محايد كرئيس محكمة العدل الدولية.

وسواء في القضاء أم التحكيم الدولي تتبع، مع الفوارق بينهما، القواعد الأساسية العامة في المرافعات أمام القضاء والتحكيم الوطني. ومن أحدث أمثلة اللجوء إلى التحكيم في قضايا عربية التحكيم الذي جرى حول طابا بين مصر والكيان الصهيوني وانتهى لمصلحة مصر، والتحكيم الذي جرى حول السيادة على جزر حنيش اليمنية بين اليمن وأريترية. أما لجوء الدول العربية إلى محكمة العدل الدولية فقد تكرر. حكمت المحكمة بين ليبية وتونس في نزاعهما على الجرف القاري بينهما. كما حكمت في النزاع على الحدود البحرية بين قطر والبحرين وتسعى دولة الإمارات العربية المتحدة حثيثاً لحمل نزاعها مع إيران حول جزر أبوموسى وطنب الكبرى والصغرى إلى القضاء أوالتحكيم الدوليين.

الحلول الودية في ميثاق الأمم المتحدة

أوجبت المادة 2(3) من الميثاق على الدول الأعضاء حتى يفضوا منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر. وخصص الفصل السادس (م 33ـ 38) لترجمة هذا الالتزام فقد أوجبت المادة 33 على المتنازعين في جميع خلاف قد يؤدي استمراره إلى تهديد السلم والأمن الدوليين حتى يسعوا إلى حله بادي ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية واللجوء إلى المنظمات أوالاتفاقات الإقليمية[ر:الإقليمية] أوبغيرها من الوسائل السلمية. واتى في المادة 34 حتى لمجلس الأمن حتى يحقق في جميع نزاع conflit =dispule أوفي جميع حالة situation قد تؤدي إلى خلاف بين الدول. والفرق بين النزاع والحالة هوأنه في الأخيرة تهتم الدول بحادثة دولية ليس لها مصلحة مباشرة في حلها. غير حتى تجارب السنين الخمسين الماضية أثبتت حتى الدول كثيراً ما تكيف الوصف القانوني للخلاف القائم على نحولا يحرمها من حق التصويت عليه، وهذا ما يحدث إذا ما صنف الخلاف على أنه نزاع (م 27/3). كذلك يمكن للجمعية العامة حتى تنظر في أي نزاع لا ينظر فيه مجلس الأمن عملاً وتصدر توصياتها بشأنه. يبقى الفرق في حتى قرارات مجلس الأمن ملزمة على عكس توصيات الجمعية العامة فهي، في رأي جمهور الفقهاء، تحمل قوة التوصيات ليس إلا. ومن جهة أخرى ومنذ حتى تسلم الأمين العام الأسبق داغ همرشولد مهام الأمانة العامة للأمم المتحدة ازدادت أهمية هذا المنصب السياسية فقد أسهم هووخلفاؤه أوفانت وفالدهايم ودري كويلار وبطرس غالي وكوفي أنان في وضع حد لعدد من المنازعات الدولية بالحلول السياسية الودية (أفغانستان وهاييتي والبوسنة والصومال وغيرها).

ثانياً ـ التسوية غير الودية للنزاعات الدولية

هي التسوية الإكراهية التي تجبرُ بوساطتها دولة ما أومنظمة دولية دولة أخرى على الرضوخ لوجهة نظرها أوالانصياع لقرارات الجماعة الدولية بحسب الحال. ولقد عَرف العالم عدداً غير قليل من الوسائل العملية للتسوية بالنزاعات الدولية international disoutes وأهمها الحرب وفيما يلي تعداد لهذه الوسائل:

  1. بتر العلاقات الدبلوماسية severenc of diplomatic relation: وهولا يستجّر حتماً بتر العلاقات القنصلية ما لم يقصد منه ذلك صراحة.
  2. الاقتصاص retaliation: ومثاله اتخاذ تدبير مماثل لمنع رعايا دولة خارجية من دخول البلاد أوتحديد عددهم فيها أوحمل تعهدة الجمارك، جميع ذلك على سبيل المعاملة بالمثل reciprocity.
  3. الثأر أوالانتقام reprisal: ويطبق بحق جميع دولة ارتكبت مخالفته لنص صريح وارد في المعاهدات أوالقواعد الدولية العهدية. وقد كان الثأر في الماضي يتم بوساطة القرضة piracy، ومن أحدث الأمثلة عليه اليوم قصف الطائرات الأمريكية لفييتنام الشمالية رداً على نسف المنشآت الأمريكية في فييتنام الجنوبية، وقصف الطائرات الأميركية مدينتي طرابلس وبنغازي عام 1986 بحجة تورط ليبية المزعوم في تفجير ملهى ليلي يرتاده الجنود الأمريكيون في مدينة فرانكفورت بألمانية.
  4. الاحتلال المؤقت temporary occupation: ومثاله احتلال الألمان للأراضي الفرنسية عام 1870 لحملها على دفع الغرامة المفروضة عليها، وكذلك محاولة احتلال الجيوش الفرنسية والإنكليزية لبعض الأراضي المصرية عام 1956 لإجبار مصر على التراجع عن تأميم شركة قناة السويس ووقف دعمها لثورة الجزائر على فرنسة، واحتلال الكيان الصهيوني لسيناء والجولان عام 1967 لحمل جميع من مصر وسورية على الاعتراف بإسرائيل والرضوخ لتسوية سلمية تضمن هيمنتها على المنطقة العربية.
  5. الحصار السلمي pacific blockade: وهوضرب نطاق حول بلاد ومنعها من الاتصال بالبلاد الأجنبية، مثال ذلك الحصار الذي ضربته بريطانية على اليونان لحملها على تأدية دين أحد المرابين من رعاياها، وحصار الولايات المتحدة لكوبة في مطلع الستينات عقب فوز ثورة الرئيس فيدل كاسترو.
  6. حجز السفن: Embargo أي حجز السفن العائدة للدول المعادية عند رسوها في مياه الدولة المعتدى عليها، ومنعها من الخروج حتى تسلم الدولة المعادية بوجهة نظر الدولة الحاجزة.
  7. توقيف السفن: أي منع السفن من مغادرة الموانىء ردحاً من الزمن، وقد أضحت اليوم وسيلة بالية لا تفكر الدول باللجوء إليها.
  8. المقاطعة الاقتصادية: Economic Boycott وهي بتر التعامل التجاري مع الدولة أوالدول الأخرى لإكراهها على إصلاح خطأ سقطت فيه أوتعديل تصرف غير مشروع أقدمت عليه، وهوسلاح حديث العهد ابتكره هذا العصر، وتعتبر من الأسلحة القوية. وتقضي المقاطعة الاقتصادية ببتر جميع علاقة مالية أوتجارية بين الدولتين وبتر أي اتصال مالي أوتجاري بينهما أوبين رعاياهما، بل كثيراً ما تمضى إلى حد عدم السماح لسفن أوطائرات الدولة التي استهدفت باستعمال مرافىء الدول التي استخدمته وتمتد المقاطعة أحياناً لتطال رعايا الدول الأخرى، التي تسهم في دعم اقتصاد الدولة المفروض بحقها المقاطعة الاقتصادية، ويسمى هذا النوع المقاطعة من الدرجة الثانية. وقد فرضت الدول العربية منذ الخمسينات المقاطعة الاقتصادية الكاملة على الكيان الصهيوني كما فرضت المقاطعة من الدرجة الثانية على الشركات والأفراد من رعايا الدول الأخرى التي يقرر مؤتمر مفوضي المقاطعة أنها تسند الاقتصاد الإسرائيلي أوالجهد الحربي الإسرائيلي. وكانت الأمم المتحدة ممثلة بمجلس أمنها[ر] قد فرضت مقاطعة اقتصادية على جنوب إفريقية حتى عادت عن سياسة التمييز العنصري]ر[ (الأبارتهايد) في مطلع التسعينات.
  9. الحرب war: كانت الدول تلجأ إلى الحرب كحل وحيد لمشكلتها مع دولة أخرى فتشهرها عليها [ر. الحرب] غير حتى ميثاق الأمم المتحدة [ر:الأمم المتحدة] اتى يحرم الحرب، بل حتى استخدام القوة أوالتهديد باستخدامها إلا في حالتين اثنتين هما: حالة الدفاع المشروع[ر]، وحالة كون القوة مستخدمة تحت راية الأمم المتحدة تطبيقاً لأحكام الفصل السابع من الميثاق.

ومع ولادة الأمم المتحدة أصبحت وسائل الاقتصاص والثأر والاحتلال المؤقت وحجز السفن وتوقيفها محرّمة. وحلت محلها التدابير الزجرية التي نص عليها في الفصل السابع الخاص بمباشرة مجلس الأمن لاختصاصات وسلطات مختلفة في أحوال تهديد السلم أوالإخلال به أووقوع العدوان ويمكن إجمال هذه وتلك فيما يلي:

إذا قرر مجلس الأمن حتى ما سقط يهدد السلام أويخل به أويعتبر عملاً من أعمال العدوان كما عرّفه قرار الجمعية العامة رقم 3314 لعام 1974 جاز له اتخاذ تدابير حددتها المادتان 41 و42 من الميثاق وهي على نوعين:

آـ تدابير قسرية: لا تصل إلى حد استعمال القوة: وتضم وقف الصلات الاقتصادية مع الدولة المعتدية، ووقف المواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات مع الدولة المعتدية كلياً أوجزئياً (م41).

ب ـ تدابير عسكرية: إذا رأى مجلس الأمن حتى التدابير السابقة لا تفي بالغرض أوغير كافية جاز له حتى يتخذ بطريق القوات البحرية والبرية والجوية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أولإعادته إلى نصابه. ويجوز حتى تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصار والعمليات الأخرى الجوية أوالبرية أوالبحرية. وللمجلس في ذلك حتى يسخر المنظمات الإقليمية لمساعدته (م53) وقد طبقت التدابير العسكرية عملاً في كورية 1950، ومؤخراً في البوسنه والهرسك 1992. وبما حتى الأمم المتحدة ليست دولة فوق الدول وليس لها بالتالي شرطة دولية خاصة بها فقد وردت عدة نصوص في ميثاق الأمم المتحدة القصد منها بيان الوسيلة التي تنفذ فيها التدابير التي يقررها المجلس، وهي نصوص تحمل في تضاعيفها الإلزام القانوني الكامل للدول الأعضاء كافة بقرارات المجلس المتخذة بموجب الفصل السابع. فقد تعهدت جميع الدول الأعضاء بقبول قرارات مجلس الأمن وتطبيقها. وهذا الالتزام القانوني الذي اتىت عليه المادة 25 من الميثاق يتضمن تعهد الدول الأعضاء بإسهامها في التدابير التي يقررها المجلس ومعاونته في الأعمال التي يقوم بها.

وتعهدت جميع الدول الأعضاء إسهاماً منها في حفظ الأمن الدولي بأن تضع تحت تصرف مجلس الأمن، حين يقرر استخدام القوة المسلحة طبقاً لاتفاقات خاصة، ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية، ومن ذلك حق المرور في أنطقيمها.

وينص الميثاق على إنشاء لجنة رؤساء أركان الحرب التابع لمجلس الأمن بغية إسداء المشورة والمعونة له ومساعدته في جميع المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات لحفظ السلم والأمن الدوليين. هذا هونظام الأمن الجماعي[ر] collective security الذي اتى به ميثاق الأمم المتحدة لتسوية النزاعات وردع العدوان، لكنه في الواقع لم يطبق إلا مرة واحدة في الأزمة الكورية، أما ما تبعها من أزمات فإن الأمن الجماعي بكل مضامينه الرادعة تحول إلى ما أسماه الأمين العام الأسبق، داغ همرشولد «دبلوماسية الردع» preventive diplomacy وهي تقوم على وضع قوات دولية تفصل بين المتنازعين بفرض حتى الزمن حلاّل المشاكل المستعصية. وكان أول استخدام لهذه القوات في سيناء أثر انسحاب قوات العدوان الثلاثي، ثمّ في أماكن مختلفة من السلفادور في أمريكة اللاتينية إلى كمبودية في الشرق الأقصى. وحين كانت قوات الأمم المتحدة الرمزية تكلّف القيام بعمل عسكري ما كان توقف نجاحها أوإخفاقها يتوقفان على رغبة الدول المسيطرة على مجلس الأمن، وقد أصبحت هذه السيطرة بيد الولايات المتحدة منذ أيلول 1990 أي منذ أعرب الرئيس «بوش» ولادة النظام العالمي الجديد بانهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، وسيطرة أمريكة على العالم مباشرة أوبالوساطة. لذا أصبح استخدام الوسائل غير الودية لحل النزاعات الدولية مسالة مزاجية تقوم على أساس المصلحة الوطنية الأمريكية أومصلحة حلفائها وهنا يلعب المعيار المزدوج دوراً حاسماً ففي حين يسرح الكيان الصهيوني ويمرح في عدوانه واحتلاله لأراضي الغير بلا رادع، تعاقب ليبية على مجرد الشك، وتهدد إيران لمجرد الإحساس بالخوف من ثورتها، وفي هذا ما فيه من عشوائية في حفظ السلام والأمن الدوليين، وفرض حلول تبتعد كثيراً عن العدل وبالتالي تحمل في مضمونها بذور خلافات جديدة وخطيرة. وتهدد هذه مع العراق وكورية الشمالية بحجة أنها تصنع ما يسمى بوسائل الدمار الكامل وإن حكامها لا يمثلون شعوبها.


المصادر

  • محمد عزيز شكري. "تسوية النزاعات الدولية". الموسوعة العربية.

موضوعات ذات صلة

الأمم المتحدة (منظمة ـ) ـ العدوان.

  • Alternative dispute resolution
  • Collaborative divorce
  • Collaborative law
  • Conflict resolution
  • Conflict resolution research
  • Creative Peacebuilding
  • Diplomacy
  • Party-directed mediation
  • Peacekeeping
  • Restorative justice
  • National Arbitration Forum

Educational programs:

  • Geneva Master in International Dispute Settlement (MIDS)

References

للاستزادة

ـ محمد عزيز شكري، التنظيم الدولي العالمي بين النظرية والواقع (دار الفكر، دمشق1973).

  • فؤاد شباط ومحمد عزيز شكري، القضاء الدولي (مطبوعات جامعة دمشق، دمشق 1966).
  • Morris, Catherine, ed. Conflict Transformation and Peacebuilding: A Selected Bibliography. Victoria, Canada: Peacemakers Trust.
  • Sherwyn, David, Tracey, Bruce & Zev Eigen, In Defense of Mandatory Arbitration of Employment Disputes: Saving the Baby, Tossing out the Bath Water, and Constructing a New Sink in the Process, 2 U. Pa. J. Lab. & Emp. L. 73 (1999)
  • Ury, William, 2000. The Third Side: Why We Fight and How We Can Stop. Penguin Putnam. New York. ISBN 0-14-029634-4


وصلات خارجية

  • New York State Dispute Resolution Association Resources for dispute resolution practitioners and consumers.
  • City University of New York Dispute Resolution Consortium (CUNY DRC)
  • Peacemakers Trust offers extensive resources in the field of dispute resolution.
  • Straus Institute for Dispute Resolution at Pepperdine University School of Law
  • Peacemakers Trust
  • National Conflict Resolution Center (NCRC)
  • National Mediation Training Registry
تاريخ النشر: 2020-06-04 18:21:39
التصنيفات: فض المنازعات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

خادم الحرمين يطمئن على صحة ملك الأردن السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:16
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

«التجارة»: إلزام المقاهي بإيضاح الحد الأدنى للطلبات - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:12
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 51%

ما سر الدبابة التي هاجمت 10 عسكريين أوكرانيين على مسافة 20 مترا السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:15
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 58%

FMPS AL HAOUZ: recrute des Éducateurs du Préscolaire (138 Postes)

المصدر: الوظيفة كلوب - المغرب التصنيف: وظائف وأعمال
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:37
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 81%

هزة أرضية تضرب مدينة مغربية لحظات قبل الإفطار

المصدر: طنجة 7 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:18
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

إحباط تهريب نصف مليون قرص إمفيتامين مخدر السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:17
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 61%

بنغلاديش: الإعدام لـ 4 متطرفين قتلوا كاتبا بمنجل السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:15
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

726 مخالفة مكبرات صوت بالمساجد.. الرياض في الصدارة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:11
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 62%

قاصر يقتل شقيقه بطقلة نارية داخل منزله بمدينة قايس بخنشلة 

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:42
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

أمانة عسير تنفذ أعمال سفلتة وتأهيل لعدة مواقع بالربوعة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 53%

قطاع الملابس يتصدر عمليات نقاط البيع السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-04-13 18:23:16
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 52%

تحميل تطبيق المنصة العربية