كتاب أشياء لا تنسى

عودة للموسوعة

كتاب أشياء لا تنسى

كتاب أشياء لا تنسى
المؤلف فرانشسكوپترارك
العنوان الأصلي (إذا لم يكن بالعربية) Rerum memorandarum libri
البلد  إيطاليا
اللغة اللاتينية
الناشر
الإصدار بدأ تأليفه ح. 1350 ولم يكتمل.

كتاب أشياء لا تنسى Rerum memorandarum libri، هي مجموعة أمثلة وحكايات تاريخية تهدف إلى التعليم الأخلاقي، على شكل نثر لاتيني، ألفه فرانشسكوپترارك. يرجع تاريخ التأليف إلى ح. 1350 ولم يكتمل العمل لنوايا تتعلق بالشاعر.

جُمعت القصص في مجموعات حسب الفضائل المتنوعة. يهدف العمل إلى إبراز دور فورتونا في الحياة البشرية والحث على إكتساب عقلية قوية ومتوازنة للتعامل مع الحياة بشكل سليم.

الأمثلة تم إختيارها من التاريخ الروماني، لكنها تضمنت أيضاً قصص أخرى من أصول معاصرة، مثل تلك التي وصف الكتاب من خلالها الاستجابة السريعة من دانته أليگييري وكان‌گرانده الأول دلا سكالا.

فكرة الكتاب

يشهد استعادة الانسان إنسانيته ومكانته في الحياة والكون. وعادة ما ينطق إذا الكتاب الذي انطلق فيه پترارك لدعوة الانسان الى فهم ذاته وعيش تاريخه الخاص هوكتابه «رجال مرموقون» (أو«De Viris Illustribus»)، الذي دوَّن فيه سير الكثير من المفكرين الذين اعتبرهم قدوة، ومثلاً تحتذى. غير ان الإنصاف يدعواحياناً الى التوجه بالنظر ناحية كتاب آخر لبترارك من الصعب القول انه يقل اهمية عن كتابه هذا. بل بالأحرى لا بد من وضعه في مكانة متقدمة، ليس في انجازات المفكر والشاعر الانساني الكبير هذا، فقط، بل في انجازات تلك الفترة الانعطافية من تاريخ البشرية: القرن الرابع عشر الميلادي. الكتاب الذي نعنيه هنا هو«أشياء لا تنسى» (أوفي اللاتينية «Rerum memorandarum libri»)، وهوكتاب من المفروض انه يتألف من اربعة أجزاء، لكن بترارك، الذي بدأ تدوينه عام 1344 لم يتمكن من ان ينجزه بأكمله ابداً على رغم انه عاش ثلاثين سنة بعد ذلك. والكتاب، في شكله العام دراسة تاريخية... ولكن ليس في المعنى الاكاديمي الجامد للحدثة كما سنرى.

قبل أي شيء آخر، لا بد من الاشارة الى ان بترارك استوحى فكرة كتابه هذا من كتاب مشابه، انما اقل طموحاً ألّفه ڤالريوماكسيموس. ويجمع المؤرخون على ان ما فتن بترارك في كتاب ماكسيموس كان بنيته التعددية، حيث إذا الشكل الذي اتخذه النص، كان يتيح للمحرر ان يستعرض مبتراً بعد مبتر وفصلاً بعد فصل قوة معهدته الفهمية التاريخية فيروح مستعرضاً اياها قبل ان ينتقل الى استخلاص الدروس والعبر التي تفيد قارئه. وهذا النوع من البنية كان نادراً في الآداب الغربية في ذلك الحين، حتى وإن كنا نعهد ان اليونان عهدوه، ثم الرومان من بعدهم، كما عهده العرب والصينيون. اما أوروبا ما قبل النهضة، فكان هذا الاسلوب قد صار غريباً عنها اذ استبدل بنصوص سردية دينية لا مكان فيها لتجزيء يعطي جميع جزء امكان الحديث عن إنسان اوعن موقف اوحدث. لكن هذا لم يكن الاساس، طبعاً، في هذا الكتاب البتراركي، تشهد على هذا مقدمة الكتاب التي آثر الشاعر/ المفكر ان يكرسها لامتداح ما سمّاه «عمل لا شيء» او«زمن الفراغ» وبالتالي: الكسل، ولكن ليس الكسل الفكري بالطبع.

في هذه المقدمة، لا يخفي بترارك مراده ولا ما يعنيه بـ «عمل لا شيء» حيث إذا هذه الفسحة من الوقت التي ينصح بها لا بد من حتى تكون استراحة للمفكر يتصرف فيها بعيداً من همومه الفكرية وأشغاله الابداعية. إنها فترة تحتاجها الروح لكي تعيد خلق نفسها وتكوين أجزائها، قصد الانطلاق بعد ذلك الى فسحة عمل فكري جديدة. وإذ يرى بترارك انه بنصه الثاقب والجميل تمكن من إقناع قارئه بضرورة الخلود الى تلك الراحة (على اعتبار ان القارئ هوالمعني بها طالما ان قراء ذلك الزمن ما كان يمكنهم أبداً انقد يكون من العامة، بل من خاصة المفكرين والمبدعين)، ينتقل الى فترة تالية من كتابه حيث يعدد الفضائل والقيم ودائماً عبر ارتباطها بإنسانية الإنسان. وفي رأي بترارك تقف فضيلة الفطنة والحذر في مقدم الفضائل، لكنه في الوقت نفسه يقسم هذه الفضيلة الى ثلاث يعرّفها على النحوالآتي: الفطنة في تذكر الماضي، الفطنة في التعاطي مع الحاضر، وأخيراً الفطنة في تسقط ما سيأتي به المستقبل. وبترارك في جميع مرة يتحدث فيها عن أمر من الامور، يتعمق في التشديد على كلامه عبر لجوئه الى أمثلة لا تحصى مستقاة من التاريخ، بل بشكل اكثر تحديداً من تاريخ شخصيات من الواضح انه يكنّ لها اعجاباً كبيراً، ويرى ان سيرة حياتها وتعاملها مع الاشياء التي يحكيها، تكفي لإيصال الفكرة الأخلاقية الأساسية التي يريد إيصالها الى قارئه. إلى غير ذلك مثلاً نراه حين يتحدث عن ضرورة الراحة للروح المنتجة الفكر، يدخل في لعبة تفاصيل الاسماء حيث يروح ذاكراً أموراً كثيرة حول عدد لا بأس به من شخصيات أُثر عنها اهتمامها بتلك الراحة وحرصها على اللجوء اليها حدثا اقتضى الامر ذلك (والأمر يقتضيه بشكل مستديم متواصل، يقول بترارك هنا). وفي رأي بترارك، من بين ألمع شخصيات الماضي والحاضر، التي اهتمت بالراحة وعهدت كيف من الممكن أن تلجأ اليها وتنمّي روحها من خلالها، نجد شيبيون الاول (الافريقي) وشيبيون الثاني، وشيشرون وايبامينونداس، وأخيل سقراط (الذي كان ملكاً غير متوّج في هذا المجال الى درجة انه لم يقم بأي عمل غير التفكير خلال حياته... وبالأحرى غير دفع الناس الى التفكير). وبترارك ضمن اطار هذا الاسلوب الاستقرائي نفسه، بعد ان يطبّق اسلوبه هذا على فضيلة اللجوء الى الراحة، يطبّقه كذلك على فضيلة الفطنة والحذر، ثم ينتقل الى تطبيق الأسلوب على جميع من الاقسام الثلاثة التي وزّع اهمية الفطنة عليها (الماضي، الحاضر والمستقبل) مستنبطاً لكل فئة اسماء اشخاص يسهب في ربط تصرفات وسلوك جميع واحد منهم بفكرته الاساس.

إلى غير ذلك اذ يمضي الكتاب على هذا النحو، سرعان ما يلوح طابعه السقراطي، ما يجعل الكتاب يظهر نهضوياً في شكل يعزّ في الحقيقة على أي من نصوص بترارك الاخرى. لأنه هنا لم يكتف بالمعلومات التي كان يعهد انها متوافرة في جميع مكان، وخصوصاً في كتابات وحكايات الذين سبقوه، بل تجاوز هذا الى لعبتي التحليل والربط، بمعنى انه ما إذا يحلل فكرة حتى يروح رابطاً اياها بالشخصية التي يريد ان يتحدث عنها مستنبطاً من نصوص خطتها تلك الشخصية، اومن مآثر عهدت عنها، ما يدعم كلامه. فبالنسبة اليه، هذه الشخصيات هي لأناس مميزين، جعلوا لوجودهم في الكون معنى حقيقياً، ما يجعل هذا السلوك قانون حركة للبشرية جمعاء. وهوإذا كان يصر في تحليله ثم هجريبه، على ان هذه الفضائل وارتباطاتها انما هي أمور يجب ان تكون وقفاً على الخاصة، فإنه لا يفوته ان يضمّن كلامه دعوة الى جميع الناس كي يقتدوا بأولئك الخاصة. ولعل في هذه النقطة المواربة بالذات تكمن رؤية بترارك الانسانية النهضوية الاصيلة. ولعل النقطة الاساس التي يجدر بالمرء ان يلاحظها هنا هي ان نصوص بترارك كلها في هذا الكتاب، انما تكشف عن عميق حبه للأقدمين، أي لكل اولئك القادة - قادة الفكر وقادة الناس - من الذين ابدعوا للإنسانية تاريخها، بصرف النظر عما وقع من تغيير في هذا التاريخ بعمل ظهور الاديان، التي على عميق سموّها، نحّت الانسان كمفكر مسؤول عن مصيره جانباً، لتدفعه الى الاتكال ناسية ما دعت اليه هذه الاديان البشر من ان يعملوا ويسعوا لأن الربقد يكون معهم. فهذه الدعوة الدينية الاصيلة تحولت تحت ربقة تفسيرات لاحقة للدين الى دعوة للاتكال والتقليد. وهوما أراد بترارك ان يحاربه عبر تصوير فضائل العظماء من الذين هالتهم تلك الاتكالية فجعلوا من همّهم العمل والتحرك... وقبل ذلك ممارسة التفكير والتأمل الخلاقين.

انطلاقاً، اذاً، من هذه الفكرة التي من الواضح انها تهيمن على الكتاب ككل، كان في الإمكان اعتبار بترارك اول انسان حقيقي في تاريخ النهضة. وبالتالي اعتباره مفكراً همّه الأساس ان يعيد الاعتبار خصوصاً الى مفكري اليونان القديمة من الذين أنسنوا العقل وجعلوه نبراساً ودليلاً لهم، وكذلك الى مفكري الرومان الذين اهتموا بالشرائع (صابّينها في خدمة الانسان ومكانه في المجتمع) وبالأخلاق. ومن هنا لا يتوقف بترارك في أي صفحة من صفحات كتابه عن اعلان فخره بأنه من يعيد الاعتبار الى عصور الاقدمين وجهادهم في الحياة، تلك العصور التي يبدي بترارك (1304-1374) أسفه الشديد لأن الاجيال السابقة عليه قد شوهت افكارها وحكايات حياتها، غير مكتفية بأن تنساها وتهجرها لحال سبيلها. ولعل خير تعبير لبترارك في هذا المجال هوذاك الذي يقول فيه انه فرح بالتأمل طالما الماضي والحاضر عبر «أمور لم أرثها عن آبائي، لكنني صرت قادراً على ان أورّثها لأبنائي».


الهامش

  1. ^ ابراهيم العريس. "«أشياء لا تنسى» لبترارك: إعادة الاعتبار الى الفكر الإنساني". صحيفة الحياة اللبنانية.


تاريخ النشر: 2020-06-04 18:27:29
التصنيفات: قصائد پترارك, أدب لاتينية عصر النهضة, كتب القرن 14, كتب باللاتينية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

التضخم فى كندا يبلغ أعلى مستوياته منذ عام 1983 ويصل إلى 8.1%

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:58
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 39%

ورش فنية ومحاضرات متنوعة بثقافة المنيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 52%

%5.2 ارتفاع في قيمة التبادل التجاري بين مصر وألمانيا خلال 2021

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:30
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

«الجار مفهومه وحقوقه».. نص خطبة الجمعة القادمة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:38
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 67%

صدور «أحلام ورقة التوت» ضمن سلسلة الكتاب الأول من «الأعلى للثقافة»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:34
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

أبرز ما قاله روى فيتوريا في مؤتمر تقديمه مدربا لمنتخب مصر.. إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:59
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 35%

نائب محافظ بني سويف يتابع مشروعات المبادرة الرئاسية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

الدنمارك تسجل أعلى درجة حرارة منذ عام 1941

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:22:05
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 39%

الموافقة على إنشاء مدرسة توشيبا للتعليم الفني ببني سويف

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:43
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

23 مرشحًا على مقعد نقيب المحامين

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:44
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

التموين تعلن بدء الأوكازيون الصيفى 2022 من 8 أغسطس لمدة شهر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:22:08
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 42%

رئيس الوفد قدمنا رؤية تليق بعراقة حزبنا وتطلعات المصريين

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:21:46
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

تعيين المصرى سيف أحمد رئيسا بالإنابة للاتحاد الدولي للهوكى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-20 18:22:00
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 36%

تحميل تطبيق المنصة العربية