آشور (مملكة)

عودة للموسوعة

آشور (مملكة)

Assyrian Empire

2500 BC–605 BC
Overview map of the Ancient Near East in the 15th century BC (Middle Assyrian period), showing the core territory of Assyria with its two major cities Assur and Nineveh wedged between Babylonia downstream (to the south-east) and the states of Mitanni and Hatti upstream (to the north-west).
العاصمة Aššur, Nineveh
اللغات الشائعة
  • Akkadian
  • Sumerian
  • Aramaic
الدين Ancient Mesopotamian religion
الحكومة Monarchy
King  
• c. 2500 BC
Tudiya (first)
• 612-599 BC
Ashur-uballit II (last)
الحقبة التاريخية Mesopotamia
• Kikkiya overthrown
2500 BC
• Decline of Assyria
612 - 599 BC 605 BC
Currency Tekel
Succeeded by
Median Empire
Neo-Babylonian_Empire
Achaemenid Empire
Today part of  سوريا
 العراق
 هجريا
 إيران

آشور (Assyria, Ashur) هي مملكة كانت أول دولة قامت في مدينة آشور في شمال بلاد ما بين النهرين. وتوسعت في الألف الثانية ق.م. وامتدت شمالا لمدن نينوي ونمرود وخورسباد. ولقد حكم الملك شمشي مدينة آشور عام 1813 ق.م.. واستولي حمورابي ملك بابل على آشور عام 1760 ق.م. إلا حتى الملك الآشوري شلمنصر استولي على بابل وهزم الميتانيين عام 1273 ق.م. ثم استولت آشور ثانية على بابل عام 1240 ق.م.. وفي عام 1000 ق.م. استولي الآراميون على آشور. لكن الآشوريين إستولوا على فينيقيا عام 774 ق.م. وصور عام 734 ق.م. والسامرة عام 721 ق.م. وأسر سارجون الثاني اليهود في أورشليم عام 701 ق.م. وفي عام 686 ق.م. دمر الآشوريون مدينة بابل وحكموا مصر (671 ق.م.–651 ق.م.). وثار البابليون على حكم الآشوريين وهزموهم بمساعدة ميديا عام 612 ق.م. شن الآشوريون حملاتهم على سوريا وهجريا وإيران.

وكانت مملكة آشور دولة عسكرية تقوم على العبيد. وكان لها إنجازات معمارية وتصنع التماثيل ولاسيما تماثيل الثيران المجنحة التي كانت تقام أمام القصر الملكي. وزينت الجدران بنقوش المعارك ورحلات الصيد. وما بين سنتي 883 ق.م. و612 ق.م. أقامت إمبراطورية من النيل للقوقاز. ومن ملوكها العظام آشوربانيبال وتغلات فلاصر الثالث وسرجون الثاني وسنحاريب وآشورناصربال واسرحادون (والد آشور بانيبال) الذي كان مهووسا بحب اذلال الملوك حيث كان يجبر الملوك التابعين له على المجيء إلى عاصمته والعمل في ظروف قاسية لبناء قصوره في نينوى وآخر ملوك آشور المدعوآشور اوباليط الذي اقام مقر قيادة مؤقت في حران (الجزيرة الفراتية) بعد سقوط نينوى بيد البابليين (بقيادة نابوبولاصر الكلداني) محاولاً تأخير المذبحة الكاملة للشعب الآشوري. وكانت كتابة الآشوريين الكتابة المسمارية التي كانت تخط علي ألواح الطين. وأشهر مخطوطاتها ملحمة جلجماش التي ورد بها الطوفان لأول مرة. وكانت علومهم مرتبطة بالزراعة ونظام العد الحسابي السومري الذي عهد بنظام الستينات وكان يعهدون حتى الدائرة 60 درجة. كما عهدوا الكسور والمربع والمكعب والجذر التربيعي. وتقدموا في الفلك وحسبوا محيط خمسة كواكب، وكان لهم تقويمهم القمري وقسموا السنة لشهور والشهور لأيام. وكان اليوم عندهم 12 ساعة والساعة 30 دقيقة. وكانت مخطة آشور بانيبال من أشهر المخطات في العالم القديم حيث جمع جميع الألواح بها من شتي مخطات بلاده.

الملك سرگون الثاني (722-705 ق.م.) مع شخصية هامة، نقش بارز في دور-شروكين (خورسباد)، متحف اللوڤر.


التاريخ المبكر

الثور المجنح، رأس إنسان على جسم ثور

في بداية الأحداث التاريخية بعدما قامت الحضارات السومرية والبابلية القديمة، ظهرت حضارة جديدة إلى شمال بابل وعلى بعد ثلاثمائة ميل منها. واضطر أهل البلاد التي نشأت فيها هذه الحضارة حتى يحيوا حياة عسكرية شاقة أرغمتهم عليها القبائل الجبلية التي كانت لا تنفك تهددهم من جميع الجهات. وما لبثوا حتى غلبوا هؤلاء المهاجمين واستولوا على المدن التي كانت مهدهم الأول في عيلام وسومر وأكد وبابل؛ وتغلبوا على فينيقيا ومصر، وظلوا مائتي عام كاملة يسيطرون بقوتهم الوحشية على بلاد الشرق الأدنى. وكان موقف سومر من بابل، وموقف بابل من أشور كموقف كريت من بلاد اليونان وموقف بلاد اليونان من روما. فقد أنشأت المدينة الأولى حضارة، وتعهدتها الثانية وأتمتها حتى بلغت ذروتها، وورثتها الثالثة وأضافت إليها من عندها، وحمتها، وأسلمتها وهي تحتضر هدية منها إلى البرابرة الظافرين الذين كانوا يحيطون بها. ذلك حتى البربرية تحيط على الدوام بالحضارة، وتستقر في وسطها ومن تحتها، متحفزة لأن تهاجمها بقوة السلاح، أوبالهجرة الجماعية، أوبالتوالد غير المحدود. وما أشبه البربرية بالغابة المتلبدة في البلاد الإستوائية تحاول أشجارها على الدوام حتى تقضي على معالم الإنسان المتحضر وتقاوم جهوده، ولا تعترف قط بهزيمتها، بل تظل قرونا طوالا صابرة تترقب حتى تتاح لها الفرصة لإستعادة ما فقدته من أرضين بعمل الإنسان المتحضر.


المدن-الدول والممالك الآشورية القديمة

نشأت الدولة الجديدة حول أربع مدائن ترويها مياه نهر دجلة وروافده، وهي أشور ومحلها الآن قلعة شرغات، وأربلا وهي إربل الحالية، والكلف وهي الآن نمرود ونينوى وهي قويونجك، على الضفة اللقاءة لمدينة موصل مدينة الزيت. وقد عثر المنقبون في أطلال أشور على شظايا من السبج- الحجر الزجاجي الأسود- وعلى سكاكين وبتر من الفخار الأسود عليها رسوم هندسية توحي بأنها من أصل آسيوي. وكل هذه من مخلفات عصر ما قبل التاريخ. وكشفت بعثة أثرية حديثة في تبي جورا، بالقرب من مسقط نينوى عن بلدة يَرُد كاشفوها الفخورون تاريخها إلى عام 3700 ق.م. رغم ما فيها من هياكل وقبور كثيرة، وأختام أسطوانية متقنة النقش، وأمشاط وحلي، ورغم ما عثروا عليه فيها من نرد هوأقدم نرد عهد في التاريخ. وتلك مسألة جديرة بتفكير المصلحين في هذه الأيام. وخلع الإله أشور إسمه على مدينة من مدنها (ثم على القطر كله آخر الأمر)؛ وفي هذه المدينة كان يسكن أقدم ملوك هذه الأمة، وظلوا يقيمون بها حتى اضطروا بسبب تعرضها لحر الصحراء اللافح ولهجمات جيرانهم البابليين إلى إنشاء عاصمة ثانية لهم في مكان أقل من العاصمة الأولى حرارة. وكانت هذه العاصمة الثانية هي نينوى؛ واسمها هي أيضا مأخوذ من اسم إله من آلهتهم هوالإله نينا عشتار الآشوريين. وكان ثلاثمائة ألف من الأهلين يسكنون في نينوى أيام مجدها في عهد أشور بانيبال كما كان ملوكها- ملوك الأرض العامة- يتلقون الجزية من جميع بلاد الشرق القريبة.

وكان الأهلون خليطا من الساميين الذين وفدوا إليها من بلاد الجنوب المتحضرة (أمثال بابل وأكد)؛ ومن قبائل غير سامية اتىت من الغرب (ولعلهم من الحيثيين أومن قبائل تمت بصلة إلى قبائل نيتاتي)؛ ومن الكرد سكان الجبال الآتين من القفقاس. وأخذ هؤلاء كلهم لغتهم المشهجرة وفنونهم من سومر، ولكنهم صاغوها فيما بعد صياغة جديدة جعلتها لا تكاد تفترق في شيء عن لغة أرض بابل وفنونها. بيد حتى ظروفهم الخاصة باعدت بينهم وبين النعيم المخنث الذي انحدر إليه البابليون؛ ولذلك ظلوا طوال عهدهم شعبا محاربا مفتول العضلات، ثابت الجنان، غزير الشعر، كث اللحى، معتدل القامة، يظهر رجاله في آثارهم عابسين، ثقيلي الظل ، يطئون بأقدامهم الضخمة عالم البحر الأبيض المتوسط الشرقي. وتاريخهم هوتاريخ الملوك والرقيق، والحروب والفتوح، والإنتصارات الدموية والهزائم المفاجئة. وإغتنم ملوكهم- الكهنة الأوائل- وكانوا أقيالا خاضعين لأهل الجنوب - سيطرة الكاشيين على بابل فإستقلوا عنها؛ ولم يمض إلا القليل حتى إزدان أحدهم باللقب الذي ظل ملوك أشور يتباهون به طول عهدهم وهو"الملك صاحب الحكم الكامل". ويبرز أمامنا من بين هؤلاء الأقيال خاملي الذكر أفراد تهدينا أعمالهم إلى فهم السبيل التي سلكتها بلادهم في نمائها وتطورها فبينما كانت بلاد بابل تتخبط في ظلمات حكم الكاشيين ضم سلمانصر الأول دويلات المدن الشمالية تحت حكمه، واتخذ الكلخ عاصمة له.

الفترة الآشورية الوسيطة

آشور اوباليت الأول

التوسع الآشوري

تگلث پلصر الأول يصل البحر المتوسط

نقش بارز يمثل مدينة يحاصرها الجيش الآشوري بقيادة تگلث فلصر الثالث.

على حتى أول الأسماء العظيمة في تاريخ أشور هوإسم تغلث فلاصر الأول. كان هذا الملك صياداً ماهراً؛ وإذا كان من الحكمة حتى نصدق أقوال الملوك فإنه قد اغتال وهوراجل مائة وعشرين أسداً، وقتل وهوفي عربته ثمانمائة، واتى في نقش خطه محرر أكثر ملكية من الملك نفس ه- إنه كان يصيد الأمم والحيوانات على السواء. "وسرت في بأسى الشديد على شعب قموه، وفتحت مدائنهم، وسقت منها الغنائم واستوليت على مالا حصر له من بضائعهم وأملاكهم، وحرقت مدنهم بالنار، ودمرتها وخربتها ... وخرج أهل آدنش من جبالهم واحتضنوا قدمي، وفرضت عليهم الجزية". وقد ساق هذا الملك جيوشه في جميع إتجاه، فأخضع الحيثيين والأرمن وأربعين أمة غيرهما، واستولى على بابل، وأرهب مصر فأوفدت له الهدايا وهي قلقة وجلة، (وكان منها تمساح ألانه كثيراً وخفف من غضبه). وبنى من الخراج الذي ولج خزائنه هياكل لآلهة الآشوريين وإلاهاتهم؛ ولم تسأله هذه الآلهة عن مصدر هذه الثروة كلها كأنما كان همها كله حتى تكون لها هياكل تقرب فيها القرابين. ثم خرجت بابل عليه وهزمت جيوشه، ونهبت هياكله، وعادت إلى بابل تحمل معها آلهته أسرى. ومات تغلث فلاصر خزية وغماً. وكان حكمه رمزا للتاريخ الآشوري كله وصورة مصغرة منه: موت وجزية فرضهما على جيران أشور ثم فُرضا على أشور نفسها.

واستولى أشور ناصربال على إثنتي عشرة دولة صغيرة، وعاد من حروبه بمغانم كثيرة، وسمل بيده عيون خمسين من أمراء الأسرى، واستمتع بنسائه، ومات ميتة شريفة. ومد سلما نصر الثالث هذه الفتوح حتى دمشق، وحارب عدة وقائع تكبد فيها خسائر فادحة، وقتل في واقعة واحدة ستة عشر ألفاً من السوريين، وشيد الهياكل، وفرض الجزية على المغلوبين. ثم ثار عليه ابنه ثورة عنيفة وخلعه. وحكمت سمورامات أم الملك ثلاث سنين، وكان حكمها هوالأساس التاريخي الراهن لأسطورة سميراميس اليونانية، التي تجعل منها نصف إلهة ونصف ملكة، وقائدة باسلة ومهندسة بارعة، وحاكمة محنكة مدبرة. وتلك الأسطورة هي جميع ما نعهده عن هذه الملكة. وقد وصفها ديودور الصقلي وصفا مفصلا بديعاً.


الامبراطورية الآشورية الحديثة

خريطة الامبراطورية الآشورية الحديثة وتوسعاتها.
نصب تذكاري للملك عضد نيراري، من الممكن كان عضد نيراري الأول.

وجيـَّش تغلث فلاصر الثالث جيوشا جديدة، واستعاد أرمينيا، واجتاح سوريا وبابل، وأخضع لحكمه دمشق والسامرة، وبابل، ومد ملك أشور من جبال قفقاس إلى مصر، ولما مل الحرب وجه همه إلى شئون الحكم، فاثبت أنه إداري عظيم، وشاد كثيراً من الهياكل والقصور، وساس إمبراطوريته الواسعة سياسة قوية حازمة، وأسلم روحه وهوفي فراشه.

السرگونيون: سمت الحضارة الآشورية

خريطة الامبراطورية الآشورية الحديثة

وجلس على العرش سرجون الثاني، وهوضابط من ضباط الجيش ، على أثر إنقلاب سياسي نابليوني، وقاد جيوشه بنفسه، وكان في جميع واقعة يتخذ لنفسه أشد المواقف خطورة، وهزم عيلام ومصر، واسترد بابل، وخضع له اليهود والفلسطينيون بل واليونانيون سكان قبرص، وحكم دولته حكماً صالحاً، وناصر الفنون والآداب، والصناعة والتجارة، ومات في واقعة نال فيها النصر على أعدائه، ورد فيها عن أشور غارات الجحافل الكمرية المتوحشة التي كانت تتهددها بالغزو. وقضى ابنه سنحريب على الفتن التي ثار عجاجها في الولايات المجاورة في الخليج العربي، وهاجم أورشليم ومصر دون حتى يلقى نجاحاً، ونهب تسعا وثمانين مدينة، وثمانمائة وعشرين قرية، وغَنِمَ سبعة آلاف ومائتي جواد، وأحد عشر ألف حمار، وثمانين ألف ثور، وثمانمائة ألف رأس من الغنم، ومائتين وثمانية آلاف من الأسرى. وهي أرقام لم يستخف بها المحرر الرسمي الذي خط سيرته. ثم غضب على بابل لنزعتها إلى الحرية فحاصرها، واستولى عليها، وأشعل فيها النار فدمرتها تدميراً، ولم يكد يبقي على أحد من أهلها رجلا كان أوامرأة، صغيرا كان أوكبيراً، بل قتلهم عن آخرهم تقريبا، حتى سدت جثثهم مسالك المدينة، ونهبت المعابد حتى لم يبق فيها شاقل واحد، وحطمت إلهة بابل صاحبة السلطان الأعظم القديم، وسيقت أسيرة ذليلة إلى نينوى. وأصبح مردك الإله الأكبر خادماً ذليلا للرب أشور. ولم ير من بقى حيا من البابليين أنهم كانوا مبالغين في تقدير قوة مردك وعظمته؛ بل نطقوا لأنفسهم ما نطقه الأسرى اليهود بعد مائة عام من ذلك الوقت، نطقوا إذا إلههم قد شاء له تواضعه حتى ينهزم ليعاقب بذلك شعبه. وإستخدم سنحريب غنائم نصره وما انتهبه من البلاد المفتوحة في إعادة بناء نينوى ، وحول مجرى النهرين من الإعتداء، وبذل في إصلاح الأرض البور القوة والنشاط ما تبذله الدول التي تشكوعدم وجود فائق لديها من غلاتها الزراعية، ثم قتله أبنائه وهويتلوالصلوات.

وقام ابن له من غير القتلة وهوعصر هدون وانتزع العرش من إخوته السفاحين، وغزا مصر ليعاقبها على ما قدمته من معونة للثوار السوريين، وضمها إلى أملاكه، وأدهش غرب آسية بسيره المظفر من منف إلى نينوى ومن خلفه ما لا يحصى من المغانم، وجعل أشور سيدة بلاد الشرق الأدنى بأجمعها وأفاء عليها من الرخاء ما لم يكن لها به عهد من قبل، واسترضى البابليين بإطلاق إلهتهم الأسيرة وتكريمها وبناء عاصمتهم المخربة، كما استرضى عيلام بتقديم الطعام إلى أهلها الجياع. وكان ما قدمه من الإغاثة على هذا النحوعملا لا يكاد يوجد له مثيل في التاريخ القديم كله. ومات عسر هدون وهوسائر إلى مصر ليخمد فيها ثورة بعد حتى حكم إمبراطوريته حكماً لم تر له في تاريخها شبه الهمجي مثيلاً في عدله ورحمته.

مصرع سردناپالوس، بريشة اوجين دلاكروا، 1827، تمثل أسطورة من التراث اليوناني القديم رواها قطسياس والتي تستلهم أحداث حكم الملك الآشوري آشوربانيپال.

وجنى خلفه أشور بانيبال (وهوالذي يسميه اليونان سردنابالوس) ثمرة هذه الأعمال، ووصلت أشور في خلال حكمه الطويل إلى ذروة مجدها وثروتها. ولكن بلاده بعد وفاته فقدت هذا العز، فوهنت قوتها وفسدت أمورها لطول عهدها بالحروب المتبترة التي خاضت غمارها أربعين عاما، وإدراكها الثناء، ولم يمض على موت أشور بانيبال عشر سنين. وقد احتفظ لنا أحد الكتاب بسجل سنوي لأعماله. وهوسجل ممل ينتقل فيه من حرب إلى حرب، ومن حصار إلى حصار، ثم إلى مدن جائعة وأسرى تسلخ جلودهم وهم أحياء. ويُنطق هذا المحرر نفسه أشور بانيبال فيحدثنا عما خربه من بلاد عيلام ويقول: "لقد خربت من بلاد عيلام ما طوله مسير شهر وخمسة وعشرين يوما. ونشرت هناك الملح والحسك (لأجدب الأرض) وسقت من المغانم إلى أشور أبناء الملوك، وأخوات الملوك، وأعضاء الأسرة المالكة في عيلام صغيرهم وكبيرهم، كما سقت منها جميع من كان فيها من الولاة والحكام، والأشراف والصناع، وجميع أهلها الذكور والإناث كبارا كانوا أوصغاراً، وما كان فيها من خيل وبغال وحمير وضأن وماشية تفوق في كثرتها أسراب الجراد، ونقلت إلى أشور تراب السوس، ومدكتو، وهلتماش وغيرهم من مدائنهم. وأخضعت في مدة شهر من الأيام بلاد عيلام بأجمعها؛ وأخمدت في حقولها صوت الآدميين، وسقط أقدام الضأن والماشية، وصراخ الفرح المنبعث من الأهلين. وهجرت هذه الحقول مرتعا للحمير والغزلان والحيوانات البرية على إختلاف أنواعها". وجيء برأس ملك عيلام القتيل إلى أشور بانيبال وهوفي وليمة مع زوجته في حديقة القصر، فأمر بأن يحمل الرأس على عمود بين الضيوف، وظل المرح يجري في مجراه؛ وعلَّق الرأس فيما بعد على باب نينوى، وظل معلقا عليه حتى تعفن وتفتت. أما دنانوالقائد العيلامي فقد سلخ جلده حيا، ثم ذبح كما يذبح الجمل، وضرب عنق أخيه، وقطّع جسمه أربا، ووزع هدايا على أهل البلاد تذكارا لهذا النصر المجيد. ولم يخطر قط ببال أشور بانيبال أنه ورجاله وحوش كاسرة أوأشد قسوة من الوحوش؛ بل كانت جرائم التقتيل والتعذيب هذه في نظرهم عمليات جراحية لا بد منها لمنع الثورات وتثبيت نادىئم الأمن والنظام بين الشعوب المتنوعة المشاكسة المنتشرة من حدود الحبشة إلى أرمينيا، ومن سوريا إلى ميديا، والتي أخضعها أسلافه لحكم أشور. لقد كانت هذه الوحشية في رأيه واجبا يفرضه عليه حرصه على حتى يبقى التراث سليماً. وكان يتباهى بما وطده في ربوع إمبراطوريته من أمن وسلام ، وبما ساد مدنها من نظام. والحق حتى هذا التباهي لم يكن على غير أساس. على حتى هذا الملك لم يكن مجرد ملك فاتح أسكره سفك الدماء، وشاهد ذلك ما شاده من المباني وما بذله في تشجيع الفنون والآداب. فقد بعث الملك إلى جميع أنحاء دولته يدعوا المثالين والمهندسين ليضعوا له رسوم الهياكل والقصور ويزينوها كما عمل بعض الحكام الرومان بعد حتى استولت روما على بلاد اليونان. وأمر عددا كبيرا من الخطة حتى يجمعوا وينسخوا جميع ما خلفه السومريون والبابليون من آداب، ووضع ما نسخوه وما جمعوه كله في مخطته العظيمة في نينوى، وهناك وجدها فهماء هذه الأيام سليمة أوتكاد بعد حتى مرت عليها خمسة وعشرين قرنا من الزمان.

وكان مثل فردرك الأكبر يفخر بملكاته الأدبية كما يفخر بإنتصاراته في الحرب والصيد. ويصفه ديودور الصقلي بأنه طاغية فاسق خنثى(19)، ولكننا لا نجد في جميع الوثائق التي وصلت إلينا على كثرتها ما يؤيد هذا القول. وكان أشور بانيبال إذا فرغ من تأليف ألواحه الأدبية خرج إلى الصيد في اطمئنان الملوك وثقتهم بأنفسهم وليس معهم من السلاح إلا سكين وحربة ، فقابل الآساد وجها لوجه. وإذا جاز لنا حتى نصدق ما خطه عنه معاصروه فإنه لم يكن يتردد قط في حتى يتولى قيادة الهجوم عليها بنفسه ، وكثيرا ما سدد الضربة القاضية بيده. فلا عجب والحالة هذه إذا افتتن به الشاعر بايرون Byron ونسج حول اسمه مسرحية نصفها أسطوري والنصف تاريخي ، صور فيها ما بلغته أشور في أيامه من الثروة والمجد ، وما داهمها بعدئذ من خراب تام ، وما حل بمليكها من قنوط.


الآشوريون بعد الامبراطورية

وفد حاملي جزية الآشوريين إلى الفرس الأخمينيون، مصوراً على سلالم أپادانا في پرسپوليس.


الحكم في آشور

إذا جاز لنا حتى نأخذ بالمبدأ الإستعماري القائل حتى سيادة حكم القانون ، ونشر الأمن ، والتجارة ، والسلم في العالم تبرر إخضاع كثير من الدول طوعا أوكرها لسلطان حكومة واحدة، إذا جاز لنا حتى نأخذ بهذا المبدأ كان علينا حتى نقر لأشور بذلك الفضل الكبير ، وهوأنها أقامت في غرب آسية حكما كفل لهذا الإقليم قسطا من النظام والرخاء أكبر مما إستمتع به هذا الجزء من الأرض في ما نفهم قبل ذلك العهد. ذلك حتى حكومة أشور بانيبال التي كانت تضم تحت جناحيها بلاد أشور ، وبابل ، وأرمينيا ، وميديا ، وفلسطين ، وسوريا ، وفينيقيا، وسومر، وعيلام ، ومصر كانت بلا جدال أوسع نظام إداري شهده عالم البحر الأبيض المتوسط أوعالم الشرق الأدنى حتى ذلك العهد؛ ولم يدان أشور بانيبال فيه إلا حمورابي أوتحتمس الثالث، ولم يضارعه قبل عهد الإسكندر إلا الفرس وحدهم.

وكانت هذه الإمبراطورية تستمتع بقسط من الحرية، فقد احتفظت مدنها الكبرى بحظ موفور من الحكم الذاتي المحلي ، كما إحتفظت جميع أمة فيها بدينها ، وقوانينها وحاكمها ، ما دامت لا تتوانى عن أداء الجزية المفروضة عليها. ومن شأن هذا النظام المفكك حتى يؤدي جميع تراخ في سلطته المركزية إلى الثورات الشعبية أوفي القليل إلى بعض التراخي في أداء الجزية ، وكان لابد والحالة هذه من إعادة فتح البلاد المرة بعد المرة. وأرادتغلث فلاصر حتى يتحاشى خطر هذه الثورات المتكررة فوضع تلك السياسة التي تمتاز بها أشور على غيرها من الأمم وهي نقل أهل البلاد المفتوحة إلى بلاد أخرى بعيدة ، يمتزجون فيها بسكانها الأصليين إمتزاجا قد يفقدهم وحدتهم وكيانهم ، ويقلل الفرص السانحة لهم للعصيان. على حتى هذه الخطة لم تمنع إندلاع لهيب الثورات ، فضطرت أشور بسببها إلى حتى تكون مستعدة على الدوام لإمتشاق الحسام. من أجل هذا كان الجيش أقوى نادىمة للدولة وأهم مقوماتها ، وكانت أشور تعترف إعترافا صريحا بأن الحكم هوتأميم القوة لذلك فإن ما لها من فضل على قضية التقدم إنما كان في فن الحرب. فهي التي نظمت فرق المركبات ، والفرسان ، والمشاة ، والمهندسين الذين يقوّضون الأبنية ؛ وقد وضع الآشوريون لهذه الفرق نظاما يسهل معه تحريكها وتوجيهها من ناحية إلى أخرى في ميدان القتال وكانت له آلات للحصار لا تقل في قوتها عما كان منها عند الرومان ، وكانوا يجيدون فهم الفنون الحربية الخاصة بتعبئة الجنود وحركاتهم. وكانت القاعدة الأساسية التي تقوم عليها تحركاتهم العسكرية هي السرعة التي تمكنهم من مهاجمة جميع قسم من أقسام الجيوش المعادية على إنفراد- ألا ما أقدم هذا السر الذي أفاد منه نابليون أعظم الفائدة ! وتقدمت صناعة الحديد عندهم إلى حد أمكنهم حتى يلبسوا الجنود حللاً حديدية سابغة كحلل فرسان العصور الوسطى. وحتى الرماة وحملة الرماح كانوا يلبسون على رؤوسهم خوذات من النحاس أوالحديد ، وأرهاطا محشورة حول الحقوين ، ومجنات ضخمة ، ونطاقات من الجلد المغطى بأسفاط معدنية. وكانت أسلحتهم السهام والرماح ، والسيوف والقصار ، والصوالج والهراوات المنتفخة الرؤوس ، والمقاذيف والبلط الحربية. وكان أكابر القوم يحاربون في عربات في طليعة الجيش، يقودهم في العادة مليكهم نفسه وهوراكب في عربة ملكية؛ ولم يكن القواد قد تفهموا وقتئذ حتى يموتوا في فراشهم.

كتاب "تاريخ الآشوريين القديم"، تأليف إيفا كانجيك. انقر على الصورة لمطالعة الكتاب كاملاً.

وأدخل أشور بانيبال نظام إستخدام الفرسان لمعاونة المركبات، وكانت هذه البدعة ذات أثر حاسم في كثير من الوقائع. وكانت أبرز أدوات الحصار هي الكباش المسلحة مقدماتها بالحديد. وكانت أحيانا تعلق بالحبال في محاول ، وتطوح إلى الوراء لتزيد بذلك قوتها ، وأحيانا أخرى كانت تجري على عجلات. أما المحاصَرون فكانوا يحاربون من وراء الأسوار بالقذائف والمشاعل ، والغاز الملتهب ، والسلاسل التي يراد بها عرقلة الكباش، وأوعية من غازات نتنة تمضى بعقول الأعداء - وما أشبه اليوم مرة أخرى بالبارحة. وكانت العادة المألوفة حتى تُدمّر المدينة المغلوبة وتُحْرق عن آخرها؛ وكان المنتصرون يبالغون في محومعالمها بتقطيع أشجارها. وكان الملوك يكسبون ولاء جنودهم بتقسيم جزء كبير من الغنائم بينهم. وكانوا يضمنون شجاعتهم بإتباع العادة المألوفة في الشرق الأدنى وهي إتخاذ جميع أسرى الحرب عبيداً أوقتلهم عن آخرهم. وكان الجنود يكافأون على جميع رأس مقطوع يحملونه من ميدان القتال، ولهذا كانت تعقب المعركة في أغلب الأحيان مجزرة تبتر فيها رؤوس الأعداء. وكثيرا ما كان الأسرى يقتلون عن آخرهم بعد الواقعة حتى لا يستهلكوا الكثير من الطعام وحتى لاقد يكونوا خطرا على مؤخرة الجيش أومصدر متاعب له. وكانت كيفية التخلص منهم حتى يركعوا متجهين بظهورهم إلى من أسروهم ، ثم يضرب الآسرون رؤوسهم بالهراوات ، أويبترونها بسيوفهم القصيرة. وكان الخطة يقفون إلى جانبهم ليحصوا عدد من يأسرهم جميع جندي ويقتلهم، ويقسمون الفيء منهم بنسبة قتلاهم؛ وكان الملك إذا جاز له وقته يرأس هذه المجزرة. أما الأشراف المغلوبون فكانوا يلقون شيئا من المعاملة الخاصة، فكانت تصلم آذانهم وتجدع أنوفهم ، وتبتر أيديهم وأرجلهم ، أويقذف بهم إلى الأرض من أبراج عالية ، أوتبتر رؤوسهم ورؤوس أبنائهم، أوتسلخ جلودهم وهم أحياء ، أوتشوى أجسامهم فوق نار هادئة. ويلوح حتى القوم لمقد يكونوا يشعرون بشيء من وخز الضمير وهويسرفون في إتلاف الحياة البشرية بهذه الطرق الجهنمية. ذلك حتى نسبة المواليد العالية تعوض عليهم هذا التقتيل، أوحتى هذه الوسيلة تقلل من تزاحم الأهلين على موارد العيش إلى حتى يتناسلوا أويتكاثروا. ولعل ما أشيع من حسن معاملة الإسكندر وقيصر للأسرى ورحمتهما بهم كانا من مسببات قضائهما على روح أعدائهما المعنوية وسرعة إستيلائهما على بلاد البحر الأبيض المتوسط.

وكانت القوة الثانية التي يعتمد عليها الملك هي قوة الدين ، ولكنه لم يكن ينال معونة الكهنة إلا بأغلى الأثمان. فقد كان إجماع القوم منعقدا على حتى رأس الدولة من الوجهة الرسمية هوالإله أشور. وكانت الأوامر الرسمية تصدر باسمه، وكل القوانين قرارات تمليها إرادته الإلهية، وكل الضرائب تجمع لخزانته، وكل الحروب تشن لتأتي له (أولإله غيره أحيانا) بالمغانم والمجد. وكان الملك يحمل الناس على حتى يصفوه بأنه إله، وكان في العادة هوالإله شمش (الشمس) مجسما. وقد أخذ الآشوريون دينهم عن سومر وبابل كما أخذوا عنهما علومهما وفنونهما، وكانت هذه كلها تكيف أحيانا بما يتفق مع مطالب الدولة العسكرية.

وأظهر ما كان هذا التكييف (لمطالب الدولة العسكرية) في القانون، فقد كان يمتاز بالقسوة العسكرية وكانت العقوبات تتراوح بين العرض على الجماهير، والأشغال الشاقة، والجلد بالسياط من عشرين إلى مائة جلدة، وجدع الأنف، وصلم الأذنين، والإخصاء وبتر اللسان ، وسمل العينين ، والخزق ، وبتر الرأس. وتصف قوانين سرجون الثاني بعض المتع الأخرى كشرب السم ، وحرق إبن المذنب أوإبنته حيين على مذبح الإله. ولكنا لا نجد شواهد على حتى هذه القوانين كانت نافذة في الألف السنة الأولى قبل مولد المسيح. وكان الزنا، وهتك العرض ، وبعض أنواع من السرقة تعد من الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام. وكانوا يلجئون أحيانا إلى كيفية تحكيم الآلهة؛ فكان المتهم يلقى في النهر وهومقيد القدمين في بعض الأحيان ، ويهجر الحكم عليه لمشيئة الماء. وكانت القوانين الآشورية في العادة أبعد عن الطابع الدنيوي، وأكثر بدائية من قوانين حمورابي البابلية التي كانت على ما يظهر لنا أقدم منها عهداً.

وكانت الحكومة المحلية في بداية الأمر يقوم بها أمراء الإقطاع، ثم آلت على توالي الزمن إلى ولاة الأنطقيم ومديريها المعينين من قبل الملك. وأخذ الفرس عن الآشوريين هذا الضرب من الحكم الإمبراطوري ومنهم إنتقل إلى روما. وكان يعهد إلى الولاة بجمع الضرائب وتنظيم العمال المسخرين في الأعمال العامة، كأعمال الري، التي لم يكن في الإمكان هجرها للجهود الفردية؛ وأهم ما كان يطلب إليهم هوتجنيد العساكر، وقيادتهم في الحروب الملكية. وكان للملك جواسيس (أورجال قلم المخابرات بلغة هذه الأيام) يراقبون هؤلاء الولاة وأعوانهم وينقلون إلى الملك أخبار الرعية. وكانت الحكومة الآشورية بقضّها وقضيضها أداة حرب قبل جميع شيء. ذلك حتى الحرب كثيرا ما كانت أنفع لها من السلم ، فقد كانت تثبت النظام ، وتقوي روح الوطنية، وتزيد سلطان الملوك ، وتأتي بالمغانم الكثيرة لتغني بها العاصمة ، وبالعبيد لخدمتها. ومن ثم كان تاريخ الآشوريين يدور معظمه حول مدن تنهب ، وقرى وحقول تخرب.

ولما حتى قمع أشور بانيبال ثورة أخيه شمش-شم-أوكين واستولى على بابل بعد حصار طويل مرير: "كان للمدينة منظر رهيب تتقزز منه نفوس الآشوريين أنفسهم ... فقد كان معظم من قضت عليهم الأوبئة والقحط ملقين في الطرقات أوفي الميادين العامة ، فريسة للكلاب والخنازير. وحاول من كانت لهم بقية من القوة من الأهلين أوالجنود حتى يفروا إلى الريف ، ولم يبق في المدينة إلا من كان ضعيفا لا يستطيع حتى يجر قدميه إلى أبعد من أسوارها. وطارد أشور بانيبال هؤلاء المشردين ، ولما حتى قبض عليهم كلهم تقريبا ، صب عليهم جام غضبه ونقمته، فأمر بأن تقتلع ألسنة الجنود ، وأن يضربوا بعد ذلك بالهراوات حتى يموتوا. أما الأهالي فقد أمر بذبحهم أما العجول المجنحة العظيمة ، التي شهدت منذ خمسين عاما مجزرة أخرى شبيهة بهذه المجزرة في عهد جده سنحريب. وظلت جيف هؤلاء الضحايا في العراء زمنا طويلا تفترسها الوحوش القذرة والطيور. لقد كان هذا الإسراف في العنف من أكبر مسببات ضعف الممالك الشرقية. ذلك حتى الثورات المتكررة لم تكن مقصورة على أهل الولايات ، بل إذا قصور الملوك وأسرهم كثيرا ما كانت تهب لتقلب بالعنف ذلك النظام الذي قام على العنف ، والذي يستند إلى العنف. وكثيرا ما كان نقع الفتنة يثور بين المطالبين بالعرش في أواخر أيام جميع ملك ، أوحين وفاته ، فكان الملك المعمر يرى المؤامرات تحاك من حوله ، وكثيرا ما كان يُستعجل موته بقتله. وكانت أمم الشرق الأدنى تؤثر الثورات العنيفة على الإنتخابات الفاسدة الزائفة، وكانت الوسيلة التي يتبعونها لسحب ثقتهم من حاكمهم هي القضاء على حياته. وما من شك في حتى بعض حروب الآشوريين كانت أمرا محتوما لا مفر منه. فقد كان البرابرة يحيطون بتخوم البلاد كلها، فإذا ما جلس على العرش ملك ضعيف انقض السكوذيون والكمريون أوغيرهم من الهمج على المدن الآشورية الغنية يقتلون وينهبون. ولعلنا نبالغ في كثرة الحروب والثورات العنيفة التي تأججت نيرانها في هذه الدول الشرقية، لأن من نقشوا الآثار من الأقدمين، ومن أرخوا تلك الحوادث من الكتاب المحدثين، قد عنوا بالإنضمام المسرحي للوقائع الحربية، وغفلوا عن إنتصارات السلم. إذا المؤرخين طالما تحيزوا إلى سفك الدماء، ذلك أنهم قد وجدوه، أوظنوا حتى قراءهم سيجدونه، أكثر لذة لهم من أعمال العقل الهادئة. ونحن نظن حتى الحروب في هذه الأيام أقل عددا منها في الأيام الحالية لأننا نحس بفترات السلم الصافية المتألقة، على حين حتى التاريخ لا يحس ، كما يظهر لنا ، إلا بأزمات الحرب المحمومة.

الحياة الإقتصادية في آشور

لم تكن الحياة الإقتصادية عند الآشوريين تختلف كثيرا عنها عند البابليين ؛ وذلك لأن هؤلاء وأولئك لمقد يكونوا في كثير من الأحوال إلا أبناء الشمال وأبناء الجنوب من حضارة واحدة. وأهم ما كان بين البلدين من فروق حتى المملكة الجنوبية كانت أكثر اشتغالا بالتجارة على حين حتى الشمالية كانت أكثر إشتغالا بالزراعة ؛ فكان أثرياء البابليين تجارا في الغالب، أما أثرياء الآشوريين فكانوا عادة من كبار الملاك، يشرفون بأنفسهم على ضياعهم الواسعة، ويزدرون إزدراء الرومان من بعدهم أولئك الذين كانوا يكسبون المال بشراء البضائع رخيصة وبيعها غالية. بيد حتى النهرين نفسهما كانا يفيضان على أرض المملكتين ويغذيانها ، ونظام الجسور والقنوات بعينه كان يسيطر فيهما على ما زاد من مياه النهرين، والشواديف ذاتها كانت تحمل المياه من المجاري المنخفضة لتروي الحقول التي تغرس نفس القمح والشعير والذرة الرفيعة والسمسم. وكانت الصناعات التي تعتمد عليها حياة أهل المدن واحدة؛ وكان للمملكتين نظام واحد للموازين والمكاييل والمقاييس تتبادل بمقتضاه البضائع. وامتلأت نينوى وغيرها من الحواضر بالحِرَف والصناعات بفضل ما جلبه لها ملوكها من ثراء عظيم، وإن كان مسقط هذه المدن في الطرف الشمالي من هذا الإقليم قد حال بينها وبين حتى تكون مراكز تجارية كبرى. وكانت المعادن تستخرج من أرض البلاد أوتستورد بكثرة من خارجها.

وفي عام 700 ق.م. أوحواليه أصبح الحديد بدل البرونز المعدن الأساسي في الصناعة والتسليح. وكانت المعادن تصهر، والزجاج يصنع ، والمنسوجات تصبغ، والخزف يطلى؛ وكانت البيوت في نينوى تجهز وتؤثث كما كانت تجهز وتؤثث في أوربا قبل الإنقلاب الصناعي. وأنشئ في عهد سنحريب مجرى مائي فوق قناطر ينقل الماء إلى نينوى من مكان يبعد عنها ثلاثين ميلا؛ وقد كشفت منذ عهد قريب مائة قدم من هذا المجرى فكان أقدم مجرى مائي فوق قناطر عهد في التاريخ. وكانت مصارف الأفراد الخاصة تمول بعض التجارة والصناعة وتتقاضى فوائد على قروضها تبلغ 25%. وكانوا يتعاملون بالرصاص والنحاس والمضى والفضة؛ وحوالي عام 700 ق.م سك سنحريب بترا من الفضة قيمة الواحدة منها نصف شاقل - وهذه البتر من أقدم ما عهد من المسكوكات الرسمية.


الحياة الإجتماعية في آشور

كان الأهلون مقسمين إلى خمس طبقات: الأعيان ؛ ورجال الصناعة المنتظمون في نقابات، والطبقة الثالثة تضم أرباب المهن والحرف والعمال غير المهرة وهم الأحرار من صناع المدن وزراع الريف؛ وتضم الرابعة الأقنان المرتبطين بأرض المزارع الكبرى، كما كان أمثالهم مرتبطين بها في أوربا في العصور الوسطى، وتضم الخامسة الأرقاء أسرى الحروب أوسجناء الديون، وكان هؤلاء يلزمون بالأعيان عن مركزهم الإجتماعي بخزق آذانهم، وحلق رؤوسهم، وهم الذين كانوا يقومون بالأعمال الوضيعة في جميع مكان. ونرى في نقش من عهد سنحريب حراسا بأيديهم سياط يشرفون على هؤلاء الأرقاء المنتظمين في صفين طويلين متوازيين يجرون بترة ثقيلة من تمثال على ننطقات من الخشب.


وكانت أشور تشجع الإكثار من النسل بقوانينها الأخلاقية وبما تسنه من الشرائع ، شأنها في هذا شأن جميع الدول العسكرية، فكان الإجهاض عندهم جريمة يعاقب عليها بالإعدام، وكانت المرأة التي تجهض نفسها، وحتى المرأة التي تموت وهي تحاول إجهاض نفسها ، تخزق بعد موتها. وكانت منزلة النساء في أشور أقل منها في بابل، وإن كان منهن من بلغن منزلة سامية بالزواج والدسائس. وكانت تفرض عليهن عقوبات صارمة إذا ضربن أزقابلن، ولم يكن يسمح للمتزوجات حتى يخرجن إلى الطريق العام بغير حجاب ، وكان يطلب إليهن حتى يكن جد أمينات على أعراضهن - وإن كان يسمح لأزقابلن بأن يتخذوا لهم ما يشاءون من السراري. وكان البغاء يُعد أمرا لابد منه وتنظمه القوانين. وكان للملك عدد من النساء يعشن معيشة العزلة ويقضين أوقاتهن في الرقص والغناء والنزاع والتطريز والتآمر. وإذا اغتال الذي يزني بإمرأته الزاني وهومتلبس بجريمته عد ذلك من حقه، وقد بقيت هذه العادة بعد حتى زالت كثير من الشرائع التي كانت تبيحها. أما فيما عدا هذا فقد كانت قوانين الزواج في أشور مثلها في بابل خلا أمراً واحداً وهوحتى الزواج كان في كثير من الأحيان شراء بسيطاً، وأن الزوجة كثيرا ما كانت تعيش في منزل أبيها ويزورها فيه زوجها من حين إلى حين. ونشهد في كثير من نواحي الحياة الآشورية صرامة أبوية نراها طبيعية في شعب يعيش من فتوحه، ويعيش على حدود الهمجية، بكل ما يضمه هذا اللفظ من معان. وكما حتى الرومان كانوا يتخذون آلاف الأسرى بعد إنتصارهم في الحروب عبيدا لهم يقضون في الرق جميع حياتهم، ويرسلون آلافا آخرين إلى الحلبة الكبرى لتنهشها السباع الجياع، كذلك يظهر حتى الآشوريين كانوا يجدون متعة - أوتدريبا ضرورياً لأبنائهم - في تعذيب الأسرى ، وسمل عيون الأبناء أمام آبائهم، وسلخ جلود الناس أحياء، وشوي أجسامهم في الأفران، وربطهم في السلاسل في الأقفاص ليستمتع العامة برؤيتهم، ثم إرسال من يبقى منهم حيا إلى بتر الجلاد.

وفي هذا يحدثنا أشور بانيبال بقوله:

«

"لقد سلخت جلود جميع من خرج علي من الزعماء، وغطيت بجلودهم العمود، وسمرت بعضهم من وسطهم في الجدران، وأعدمت بعضهم خزقاً، وصففت بعضهم حول العمود على الخوازيق ... أما الزعماء والضباط الذين ثاروا فقد بترت أطرافهم". ويفخر أشور بانيبال بأنه "حرق بالنار ثلاثة آلاف أسير، ولم يبق على واحد منهم حيا ليتخذه رهينة". ويقول نقش آخر من نقوشه "أما أولئك المحاربون الذين أذنبوا في حق أشور وائتمروا بالشر عليّ ... فقد انتزعت ألسنتهم من أفواههم المعادية وأهلكتهم، ومن بقي منهم على قيد الحياة قدمتهم قرابين جنازية؛ وأطعمت بأشلائهم المبترة الكلاب والخنازير والذئاب ... وبهذه الأعمال أدخلت السرور على قلوب الآلهة العظام".»

وأمر ملك آخر من ملوكهم الصناع حتى ينقشوا على الآجر هذه العبارات التي يرى حتى من حقه على الخلَف حتى يعجبوا بها:

«"إن عجلاتي الحربية تهلك الإنسان والحيوان ... إذا الآثار التي أشيدها قد أقيمت من الجثث الآدمية التي بترت منها الرؤوس والأطراف، ولقد بترت أيدي جميع من أسرتهم أحياء"»

.

وتصور النقوش التي كشفت في نينوى الرجال يخزقون أويسلخون أوتبتر ألسنتهم ؛ ويصور نقش منها ملكا من الملوك يفقأ أعين الأسرى برمح ، ورؤوسهم مثبتة في أماكنها بحبل يخترق شفاههم. ولا يسعنا ونحن نقرأ هذه الصحف إلا حتى نحمد الله على مركزنا المتواضع.

ويبدوحتى الدين لم يكن له أثر قط في تخفيف هذا العنف وهذه الوحشية. ذلك حتى الدين لم يكن له من السلطان على الحكومة بقدر ما كان له في بابل ، وإنه كان يكيف نفسه حسب حاجات الملوك وأذواقهم. وكان أشور إلههم القومي من آلهة الشمس ، ذا روح حربية ، لا يشفق على أعدائه. وكان عباده يعتقدون أنه يغتبط برؤية الأسرى يقتلون أمام مزاره. وكان العمل الجوهري الذي تؤديه الديانة الآشورية هوتدريب مواطن المستقبل على الطاعة التي تتطلبها منه وطنيته ، وأن تفهمه مداهنة الآلهة لكسب ودهم ورضاهم بضروب السحر والقرابين. ومن أجل هذا كان جميع ما وصل إلينا من النصوص الدينية الآشورية لا يخرج عن الرقي والفأل والطيرة. ولدينا من هذين كشوف طويلة حددت فيها لكل حادثة نتائجها المحتومة ، ووصفت فيها الوسائل التي يجب إتباعها لتجنب هذه النتائج. وكانوا يصورون العالم على أنه مليء بالشياطين التي يجب إتقاء شرها بالتمائم المعلقة في الرقاب ، أوالرقى الطويلة التي تجب تلاوتها بدقة وعناية. وذلك جولا يزدهر فيه من العلوم إلا فهم الحروب ، فقد كان الطب الآشوري هوالطب البابلي لم يزيدوا عليه شيئا، ولم يكن فهم الفلك الآشوري إلا التنجيم البابلي ، فكان أبرز غرض تدرس من أجله النجوم هوالتنبؤ بالغيب. ولسنا نجد عندهم شواهد على البحوث الفلسفية ، ولم نعثر على ما يثبت أنهم حاولوا حتى يفسروا العالم من غير طريق الدين.

لوح مع جزء من مظروفه، صادر لمراسلات تجارية من عهد الدولة الآشورية القديمة، عـُثر عليها في قول‌تپه.

وقد وضع فهماء اللغة الآشوريون قوائم بأسماء النباتات ، ولعلهم وضعوها ليستعينوا بها في صناعة الطب، وبذلك قدموا بعض العون لفهم النباتات؛ ووضع غير هؤلاء من الخطة قوائم تكاد تحتوي على جميع ما كان على الأرض من أشياء، وكان فيما حاولوه من تصنيفها بعض العون لفهماء التاريخ الطبيعي من اليونان. وأخذت اللغة الإنجليزية من هذه الكشوف، عن طريق اللغة اليونانية في الغالب، لألفاظ الإنجليزية الآتية: hangar, gypsum, camel, plinth, rose, ammonia, jasper, cane, cherry, Laudanum, naphtha, sesame, hyssop and myrrh. ومن حتى نقر للألواح التي تسجل أعمال الملوك الآشوريين بذلك الفضل العظيم وهي أنها أقدم ما بقي لدينا من الخط في فهم التاريخ ، رغم ما تتصف به من الملل والسآمة، وما تسجله من الأعمال الوحشية الدموية، وكانت هذه الألواح في السنين الأولى مجرد أخبار تروى، أوتروي جميع ما تحتويه سجلات لإنتصار الملوك ، لا تعترف لهم بأي هزيمة. ثم أصبحت فيما بعد وصفا أدبيا منمقا لما سقط من الأحداث الهامة في عهد جميع واحد منهم. وأهم ما يخلد ذكر أشور في تاريخ الحضارة هومخطاتها ، فقد كانت مخطة أشور بانيبال تحتوي ثلاثين ألف لوح من الطين مصنفة ومفهرسة ، وعلى جميع واحد منها رقعة يسهل الإستدلال بها عليه. وكان على كثير منها تلك العبارة التي كانت من شارات الملك الخاصة: "فليحل غضب أشور وبليت ... على جميع من ينقل هذا اللوح من مكان ه... وليمحوا إسمه وإسم أبنائه من على ظهر الأرض". وكثير من هذه الألواح منسوخة من أخرى أقدم منها لم يبين تاريخها ، تكشف أعمال الحفر عنها في جميع يوم. وقد أعرب أشور بانيبال أنه أنشأ مخطة ليمنع الآداب البابلية حتى يجر عليها النسيان ذيله. ولكن الألواح التي يصح حتى تسمى الآن أدبا لا تتجاوز عددا قليلا منها، أما معظمها فسجلات رسمية وأرصاد يقصد بها التنجيم والفأل والطيرة والتنبؤ بالمستقبل، ووصفات طبية، وتقارير ورقى سحرية، وترانيم وصلوات وأنساب للملوك والآلهة. وأقل هذه الألواح منادىة إلى الملل لوحان يعترف فيهما أشور بانيبال بحب الخط والفهم، وهواعتراف يزري به في أعين مواطنيه، والغريب أنه يكرر فيهما هذا الإعتراف ويصر عليه إصراراً:

«

"أنا، أشور بانيبال، فهمت حكمة نابووتوصلت إلى فهم جميع فنون كتابة الألواح. وعهدت كيف من الممكن أن أضرب بالقوس وأركب الحيل والعربات ، وأمسك أعنتها... وحباني مردك ، حكيم الآله ة، بالفهم والفهم هدية منه... ووهب لي إتورت وشرجال الرجولة والقوة، والبأس الذي لا نظير له. وعهدت صنعة أدابا الحكيم، وما في فن الخطة كله من أسرار خفية؛ وقرأت في بناء الأرض والسماوات وتدبرته ؛ وشهدت اجتماعات الخطة وراقبت البشائر النذر؛ وشرحت السماوات مع الكهنة الفهماء؛ وسمعت عمليات الضرب والقسمة المعقدة، التي لا تتضح لأول وهلة. وكان من مسببات سروري حتى أكرر الكتابات الجميلة الغامضة المدونة باللغة السومرية، والكتابات الأكدية التي تصعب قراءتها... وإمتطيت الأمهار؛ ركبتها بحكمة حتى لا تجمح، وشددت القوس، وأطلق السهم، وتلك سمة المحارب، ورميت الحراب المرتجفة كأنها رماح قصيرة ... وأمسكت بالأعنة كسائق المركبات ... ووجهت ناسجي دروع الغاب ومجناته كما يعمل الرائد، وعهدت العلوم التي يعهدها الخطة على إختلاف أصنافهم حينما يحين وقت نضجهم ، وتفهمت في الوقت نفسه ما يتفق مع السيطرة والسيادة، وسرت في طرائقي الملكية". »

منحوتة للبوة أشورية في المتحف البريطاني في لندن


الفن في آشور

بلغت أشور في آخر عهدها ما بلغته مفهمتها بابل في الفنون ، وبزتها في النقوش الغائرة. فقد حفزت الثروة العظيمة التي تدفقت على أشور وكلخ ونينوى الفنانين والصناع الآشوريين إلى حتى يخرجوا للإشراف ونساء الأشراف ، وللملوك وقصور الملوك ، وللكهنة والهياكل ، حليا مختلفة الأشكال ، فصهروا المعادن وبرعوا في تشكيلها وصناعتها كما نشاهد ذلك في أبواب بلاوات العظيمة، وفي الأثاث الفخم الجميل ، الشكل الدقيق الصنع المتخذ من أثمن الأخشاب ، والمقوى بالمعادن ، والمرصع بالمضى والفضة والبرنز والأحجار الكريمة. وكانت صناعة الفخار عندهم منحطة ، وفي الموسيقى لم يزيدوا على ما أخذوه منها عن البابليين ، ولكن التصوير بالطلاء الممزوج بالغراء وصفار البيض الزاهي الألوان أصبح من الفنون الآشورية الخاصة التي انتقلت إلى بلاد الفرس فبلغت فيها حد الكمال. وكان التصوير في أشور كما كان على الدوام في بلاد الشرق القديم فنا ثانويا تابعا للحرب يسير في ركابها. وأخرج فن النقش الغائر في أيام المجد أيام سرجون الثاني وسنحريب وعسرهدن وأشور بانيبال وبتشجيع هؤلاء الملوك روائع هي الآن في المتحف البريطاني. على حتى من أجمل آياته تحفة يرجع عهدها إلى أيام أشور بانيبال الثاني. وهي من المرمر النقي وتمثل مردك إله الخير يهزم تيمات الخبيث إله الفوضى.

الصفات الجسدية للملك : آشوربانيپال يصارع أسداً في رحلة صيد ملكية، في نقش بارز في نينوى.

أما صور الآدميين المحفورة فهي جامدة خشنة وكلها متماثلة لا فرق بين الواحدة منها والأخرى ، كأنما قد وضع لها نموذج واحد تام وفرض عليها حتى تحاكيه في جميع العهود. ذلك حتى للرجال جميعهم رؤوسا ضخمة وشوارب غزيرة ، وبطونا كبير، وأعناقا لا تكاد تراها العين. وحتى الآلهة نفسها قد صورت بهذه الصورة الآشورية لا تستتر إلا قليلا. ولا تظهر حيوية الرجال في صورهم إلا في أحوال جد نادرة، منها بترة المرمر المنقوشة التي تمثل الأرواح تتعبد أمام نخلة هندية. وفي اللوحة الجيرية التي تمثل شمسى أداد السابع والتي عثر عليها في كلخ. أما النقوش التي تثير إعجابنا بحق فهي نقوش الحيوانات ، وما من شك في حتى الفن قديمه وحديثه لم ينجح في نحت الحيوانات نجاح الفن الآشوري. إذا الألواح تكرر أمام الأعين مناظر مملة تمثل الحرب والصيد ، ولكن العين لا تمل قط من النظر إلى حركات الحيوانات القوية ونفورها الطبيعي ، وتصويرها البسيط الذي لا تكلف فيه، كأنما الفنان الذي حرم عليه حتى يصور سادته في حقيقتهم وفرديتهم قد وهب جميع فهمه وحذقه لتصوير الحيوانات. وهويصور منها أنواعا جمة لا عديد لها- يصور آسادا، وخيلا، وحميرا، وماعزاً، وكلاباً، ودببة، وظباء، وطيورا، وجنادب ، ويصورها في جميع وضع من أوضاعها ما عدا سكونها. وما أكثر ما يمثلها وهي تعاني سكرات الموت، ولكنه حتى في هذه الحال يجعلها مركز الحياة في صورته وفنه. وهل هناك ما أروع من خيل سرجون الثاني في نقوش خراساباد، أواللبؤة الجريحة التي عثر عليها المنقبون في قصر سنحريب في نينوى، أواللبؤة المحتضرة المنقوشة على حجر المرمر والتي إستخرجت من قصر أشور بانيبال، أومناظر صيد أشورناصربال الثاني وأشور بانيبال للآساد ، أومنظر اللبؤة المستريحة، أوالأسد الذي أطلق من الشرك، أوالبترة التي نقش عليها أسد ولبؤة يستظلان تحت الأشجار. جميع هذه من أجمل روائع هذا الفن في العالم كله. ولسنا ننكر حتى تمثيل الأمور الطبيعية عن طريق الحفر كان عند الآشوريين فنا فجا خشنا يجري على سنن جامدة محددة، وأن أشكاله ثقيلة غير ظريفة ، وأن خطوطه قاسية عسرة، وأن العضلات مبالغ فيها كثيرا ، وأن جميع ما روعي فيها من قواعد المنظور لا يعدووضع الشيء البعيد في النصف الأعلى من الصورة بنفس الأبعاد التي رسم بها ما أقرب منه إلى الراسم، وما وضع من تحته في الصورة ، على حتى المثالين في عهد سنحريب عهدوا كيف من الممكن أن يعوضون هذه العيوب بما أخرجوه من صور واقعية قوية، مصقولة حسب الأصول الفنية، مثل فيها الفنانون حركاتها أوضح تمثيل ، وليس ثمة فيما نقش من الحيوانات شيء يفوقها حتى اليوم. لقد كان فن النقش الغائر للآشوريين ما كان فن النحت لليونان ، أوالتصوير الزيتي للإيطاليين في أيام النهضة، كان فنا محببا إليهم ، يعبر تعبيرا فذا عن مثلهم الأعلى القومي في الشكل وفي الصفات. هذا ما نقوله عن النقش عند الآشوريين، أما النحت فكان أقل منه شأنا وأحط منزلة. ويخيل إلينا حتى الحفارين في نينوى وفي كلخ كانوا يفضلون النقش عن التصوير المجسم؛ ولذلك لم يصل إلينا من خرائب الآشوريين إلا قليل من التماثيل الكاملة. وليس فيما وصل إلينا منها ما ذوقيمة كبيرة. نرى تماثيل الحيوانات مليئة بالحياة والجلال، كأنها لا تشعر بأنها أعظم من الإنسان قوة فحسب بل تشعر فوق هذا بأنها أرقى منه خُلُقا- وحسبنا حتى نذكر منها الثورين اللذين كانا يحرسان مدخل خراساباد ؛ وأما تماثيل الأناسى والأرباب فهي خشنة ثقيلة بدائية ، مزينة ولكنها لا فروق بينها ، منتصبة ولكنها ميتة. ولعل من الجائز حتى نستثني من هذا الوصف تمثال أشورناصربال الثاني الضخم المحفوظ في المتحف البريطاني الآن. ذلك حتى في وسع الناظر إليه حتى يرى فيه من خلال خطوطه الثقيلة ملكا في جميع شبر من جسمه! يرى الصولجان الملكي وقد قبض عليه قبضة قوية، والشفتين الغليظتين تنمان عن قوة العزيمة، والعينين القاسيتين اليقظتين ويرى عنقا كعنق الثور ينذر الأعداء والمزورين في أخبار الضرائب بالشر المستطير ، ويرى قدمين ضخمتين متزنتين على ظهر الأرض أكمل إتزان.

على أننا يجب إلا نقسوفي حكمنا على فن النحت الآشوري ؛ فأكبر الظن حتى الآشوريين كانوا كلفين بالعضلات المفتولة والرقاب القصيرة ، وأنهم لورأوا نحافة أجسامنا التي تكاد تشبه نحافة أجسام النساء أورشاقة هرميز الناعمة الشهوانية كما صورها بركسنليز أوعُلّية أبلون لسخروا من هذا كله أشد السخرية. أما من حيث العمارة الآشورية فكيف نستطيع حتى نقدر قيمتها إذا كان جميع ما بقي منها أنقاضا وخرائب لا تكاد تعلوعما يحيط بها من رمال ، ولا تفيد في شيء إلا حتى تكون مشجبا يعلق عليه فهماء الآثار البواسل ما "يستعيدونه" بخيالهم من أشكال تلك العمائر القديمة. لقد كان الآشوريون كالبابليين الأقدمين والأمريكيين المحدثين لا ينشدون الجمال في مبانيهم بل كانوا ينشدون العظمة والفخامة وينشدونهما في ضخامة الأشكال. وجرى الآشوريون في عمائرهم على سنن الفن في أرض الجزيرة فإتخذوا اللبن مادة أساسية لمبانيهم ، ولكنهم إختطوا لأنفسهم طريقة خاصة بهم ، بأن اتخذوا قابلاتها من الحجارة أكثر مما عمل البابليون.

وورث الآشوريون الأقواس والعقود من أهل الجنوب ، ولكنهم أدخلوا عليها كثيرا من التعديل ، وأجروا بعض التجارب على إقامة العمد ، مهدوا بها السبيل للعمد التي في شكل النساء وللتيجان "الأيونية" اللولبية التي نشاهدها عند الفرس واليونان. ولقد أقاموا قصورهم على مساحات واسعة من الأرض ، وكانوا حكماء إذ لم يعلوا بها أكثر من طبقتين أوثلاث طبقات. وكان القصر يتألف عادة من عدد من الردهات والغرف تحيط بفناء هادئ ظليل. وكان يحرس مداخل القصور الملكية حيوانات مهولة من الحجارة ، وتصف حول جدران الردهة القريبة من مدخل القصر وتعلق عليها نقوش غائرة وتماثيل تاريخية ، وكانت تبلط بألواح المرمر ، وتعلق على جدرانها أقمشة ثمينة مطرزة مزركشة ، أوتكسى بالأخشاب النادرة الغالية وتحف بها حليات جميلة أما السقوف فكانت تقوى بكتل خشبية ضخمة ، تغطى في بعض الأحيان برقائق من الفضة أوالمضى وتصور عليها من أسفلها بعض المناظر الطبيعية. وكان أعظم المحاربين الستة من ملوك أشور هم أيضا أعظم البنائين منهم. فقد أعاد تغلث فلاصر الأول بناء هياكل أشور بالحجارة ، ونطق عن واحد منها أنه "جُعل داخله متلألئاً كقبة السماء ، وزين جدرانه حتى كانت في لآلئ النجوم المشرقة ، وجعله فخا ذا سناء وبريق".

وكان الملوك الذين اتىوا من بعده أسخياء فيما وهبوه للمعابد، ولكنهم كانوا كسليمان يفضلون عليها قصورهم ، فقد شاد أشورناصربال الثاني في كلخ قصرا عظيما من الآجر المبطن بالحجارة ، وزينه بالنقوش التي تمتدح التقوى والحروب. وقد كشف راسام عند بلاوات بالقرب من هذا الموضع عن بقايا بناء آخر عثر فيه على بابين كبيرين عظيمين من البرنز دقيقي الصنع. وخلد سرجون الثاني ذكره بأن أقام قصرا فسيحا عند دور-شروكين "أي حصن سرجون" في موضع خراساباد الحالية. وكان على جانبي مدخله أثوار مجنحة ، وعلى جدرانه نقوش وقرميد براق ، وكانت حجراته الواسعة ذات آثار بديعة النقش والصنع ، كما كانت تزينها تماثيل تبعث في النفس الروعة والمهابة. وكان سرجون حدثا إنتصر في واقعة اتى بالأسرى ليعملوا في هذا الصرح العظيم ، واتى بالرخام واللازورد ، والبرونز ، والفضة ، والمضى ليجمله بها. وشاد حوله طائفة من الهياكل ، وأقام من خلفه زجورات من سبع طبقات غطيت قمة أعلاها بالفضة والمضى. وشاد سنحريب في نينوى قصرا ملكيا سماه "المنبتر النظير" يفوق في ضخامته جميع القصور القديمة. وكانت جدرانه وأرضه تتلألأ فيها نفائس المعادن والأخشاب والحجارة ، وكانت قراميده تنافس في بريقها آيتي النهار والليل ؛ وصب له صناع المعادن آسادا وأثوارا ضخمة من النحاس ، ونحت له المثالون أثوارا مجنحة من حجر الجير والمرمر ، ونقشوا على جدرانه الأغاني الريفية.

وواصل عسرهدن توسيع نينوى وإعادة ما تهدم من عمائرها، وفاقت مبانيه مباني من سبقوه جميعهم في روعتها وفي أثاثها وأدواتها المترفة الثمينة. فقد كانت اثنتا عشرة ولاية تقدم إليه حاجته من الموارد والرجال ؛ ونقل إلى بلاده آراء جديدة عن العمد والنقوش عهدها أثناء إقامته في مصر؛ ولما أتم بناء قصوره وهياكله ملأها بالتحف التي غنمها من جميع بلاد الشرق الأدنى وبما رآه فيها من روائع الفن. وأسوأ ما يمكن حتى ينطق عن فن العمارة الآشورية حتى قصر عسرهدن قد انهار كله وأصبح أطلالاً بعد ستين سنة من بنائه. ويحدثنا أشور بانيبال أنه أعاد تشييده ؛ ويخيل إلينا ونحن نقرأ نقشه حتى القرون التي تفصل ما بيننا وبين هذا العصر قد انطوت ، وأننا نخترق بأبصارنا قلب ذلك الملك:

«وفي ذلك الوقت تقادم عهد الحرم ، مكان الراحة في القصر ... الذي شاده جدي سنحريب ليقيم فيه ، وذلك لطول ما إستمتع فيه من بهجة وسرور وتداعت جدرانه. وإذ كنت أنا أشور بانيبال ، الملك العظيم ، الملك القادر ، ملك العالم ، ملك أشور ،... قد نشأت في ذلك الحرم وحفظني فيه أشور ، وسن ، وشمش ، ورامان ، وبل ، ونابو، وإشتار ،... وأنا وليٌّ للعهد، وبسطوا علي حمايتهم الطيبة وملاذهم الرضى ؛... ولم ينفكوا يبعثون إلي فيه أنباء سارة عن ظفرنا بأعدائنا ، وإذ كانت أحلامي وأنا على سريري في الليل أحلاما سارة ، كما كانت خيالاتي في الصباح مبهجة جميلة ،... فقد مزقت خرائبه ؛ وأردت حتى أوسع رقعته فمزقتها جميعا. وشدت بناء مساحة أرضه خمسون تِبكى. وبنيت ربوة ولكنني وقفت خائفا أمام مزارات أرباب الآلهة العظام ، فلم أعل بهذا البناء كثيرا ؛ وصببت نبيذ السمسم ونبيذ العنب على قباء مؤنه ، كما صببتهما على جداره الطيني. ولكي أشيد هذا الحرم كان أهل بلادي ينقلون اللبنات في عربات عيلام التي غنمتها منهم بأمر الآلهة. وسخرت ملوك بلاد العرب الذين نقضوا الهدنة معي ، والذين أسرتهم في الحرب بيدي وهم أحياء ، يحملون الأسفاط و(يلبسون) قلانس العملة ليشيدوا ذلك الحرم ... وكانوا يقضون نهارهم في خلق اللبنات ، ويرغمون على العمل فيه أثناء عزف الموسيقى. وشدت بناءه من قواعده حتى سقفه وأنا مغتبط مسرور ، وأنشأت فيه من الحجرات أكثر مما كان به قبلاً ؛ وجعلت العمل فيه فخما ، ووضعت فوقه كتلاً طويلة من أشجار الأرز التي تنموعلى سِرارا ولبنان ، وغطيت الأبواب المصنوعة من خشب اللياروذي الرائحة الذكية بطبقة من النحاس وعلقتها في مداخله ... وغرست حوله أيكة حَوَت جميع أنواع الأشجار ، والفاكهة... على إختلاف أصنافها... ولما فرغت من أعمال بنائه قربت القرابين العظيمة للآلهة أربابي، ودشنته وأنا مغتبط منشرح الصدر، ودخلته تحت ظلة فخمة.

»

سقوط مملكة آشور

بيد حتى "الملك العظيم ، الملك القادر ، ملك العالم ، ملك أشور" أخذ في آخر أيامه يندب سوء حظه. وآخر ما خلفه لنا من الألواح يثير مرة أخرى مسألتي سفر الجامعة وسفر أيوب: "لقد عملت الخير لله والناس ، للموتى والأحياء ؛ فلم إذن أصابني السقم وحل بي الشقاء،يا ترى؟ إني عاجز عن إخماد الفتن التي في بلدي ، وعن حسم النزاع القائم في أسرتي ، وأن الفتائح المزعجة لتضايقني على الدوام ، وأمراض العقل والجسم تطأطئ من إشرافي، وهأنذا أقضي آخر أيامي أصرخ من شدة الويل؛ بائسا في يوم إله المدينة، ويوم العيد. إذا المنيّة تنشب في أظفارها، وتنحدر بي نحوآخرتي. أندب حظي ليلا ونهارا، وأنوح وأعول وأتوجع: "أي إلهي! هب الرحمة لإنسان وإن كان عاقا حتى يرى نورك!"

ولسنا نعهد كيف من الممكن أن قضى أشور بانيبال نحبه. فأما السيرة التي وضعها بيرُن في نطقب مسرحية ، والتي تقول أنه أشعل النار في قصره فهلك وسط اللهب ، فإن مردها إلى كتسياس وهومؤرخ مولع بإيراد جميع ما غريب ، وقد لا تكون إلا أسطورة من الأساطير. ومهما تكن ميتته فقد كانت نذيرا بما سيؤول إليه أمر بلاده ورمزا لآخرتها ؛ لقد كانت هي الأخرى مقبلة على الفناء لأسباب بعضها من خلق يده. ذلك حتى حياة أشور الإقتصادية كان جل اعتمادها على ما يصل إليها من خارجها، وقد أسرف ملوكها في الجري على هذه السياسة الحمقاء ، فكان مصدر حياة البلاد هوالفتوح الخارجية التي تأتيها بالمال الوفير من الغنائم والمتاجر. وتلك سياسة تعرضها للخراب في أية لحظة إذا ما هزمت جيوشها في واقعة حاسمة. وسرعان ما أخذت الصفات الجسمية والخلقية. التي جعلت الجيوش الآشورية رهيبة لا تقهر في ميدان القتال ، تضعف بتأثير الإنتصارات التي نالها هؤلاء الجنود ؛ ذلك حتى جميع واقعة تنتصر فيها أشور كان يهلك فيها أقوى جنودها وأبسلهم ، فلا ينج من القتل إلا الضعاف والمترددون والحذرون يعودون إلى بلادهم ليكثروا من نسلهم ، وتلك خطة مآلها إضعاف النسل، ولعلها كانت من مسببات ارتقاء الحضارة لأنها انتزعت من بلاد أشد الناس وحشية ، ولكنها قوضت الأساس الحيوي الذي شادت عليه أشور قوتها. وكان إتساع فتوحها سببا آخر من مسببات ضعفها ، ولم يكن إقفار الحقول وزراعها لإطعام إله الحرب النهم هوالسبب الوحيد في هذا الضعف ، بل كان له سبب آخر وهوحتى فتوحها اتىت إليها بالأسرى وبملايين من الأجانب مملقين الذين تناسلوا كما يتناسل المعدمون البائسون ، فلم يبقوا على شيء من الوحدة القومية في الجسم والخلق ، وكانوا لكثرتهم المطردة قوة معادية تعمل على الضعف والإنحلال بين الفاتحين أنفسهم. وأخذ هؤلاء الرجال القادمون من البلاد الأجنبية يزداد عددهم في الجيش نفسه ، بينما كان الغزاة أنصاف الهمج يهاجمون البلاد من جميع أطرافها ، ويستنزفون مواردها في سلسلة لا آخر لها من الحروب للدفاع عن تخومها غير الطبيعية.


ومات أشور بانيبال في عام 626 ق.م.، وبعد أربعة عشر عاما من موته اجتاح البلاد جيش من البابليين بقيادة نبوخذ نصر ومعه جيش من الميديين بقيادة سياخار وجحافل أخرى غير نظامية من السكوذيين أهل القفقاز. وسرعان ما إستولت هذه الجيوش على القلاع الشمالية بسهولة عجيبة. وخربت نينوى تخريبا لا يقل في قسوته وشموله عما عمله ملوكها من قبل بالسوس وبابل ، وأشعلت النار في المدينة ، وذبح أهلها أوسيقوا أسرى ، ونهب القصر الذي شاده أشور بانيبال من عهد قيصر ثم دُمّر أشنع تدمير. إلى غير ذلك إختفت أشور من التاريخ ، ولم يبق منها إلا بعض أفانين الحرب وأسلحتها وتيجان لولبيّة لبعض عمدها النصف (الأيونية)، وبعض النظم الإدارية لحكم الولايات التي انتقلت منها إلى الفُرْس ومقدونيا وروما. وظل الشرق الأدنى بعض الوقت يذكر لها قسوتها في توحيد نحوإثنتي عشرة دولة صغيرة تحت سلطانها؛ وتحدّث اليهود عن نينوى حديثا ينطوي على الحقد والضغينة ووصفوها بأنها: "المدينة الدموية ، التي تفيض بالكذب واللصوصية". وما هي إلا فترة قصيرة حتى نسى الناس أسماء ملوكها العظام ما عدا أعظمهم قوّة وبطشا ، وأصبحت قصورهم خربات دارسة تحت الرمال السافية. وبعد مائتي عام من الإستيلاء على نينوى وطأت جيوش زتوفون التي تبلغ عدتها عشرة آلاف مقاتل الأكوام التي كانت من قبل نينوى ، ولم يدر بخلدها قط حتى هذه الأكوام بعينها هي موضع الحاضرة القديمة التي كانت تحكم نصف العالم. ولم تقع أعين هذه الجيوش على حجر واحد من حجارة الهياكل التي حاول جنود أشور الأتقياء حتى يجملوا بها أعظم عواصمهم. وحتى أشور نفسه إلهها الخالد أمسى في عداد الموتى.

انظر أيضاً

  • Assyrian eclipse
  • Assyriology
  • Ancient Near East
  • Kings of Assyria
  • Military history of the Assyrian Empire
  • Assyria and Babylonia contrasted
  • Chronology of Babylonia and Assyria
  • Geography of Babylonia and Assyria
  • Social life in Babylonia and Assyria
  • Cuneiform script
  • Assyrian People
  • Asuristan
  • Achaemenid Assyria
  • Adiabene
  • Osroene
  • Hatra
  • Chaldo-Assyrians
  • Roman Province of Assyria
  • Akkadian Empire
  • Sumer
  • Assur
  • Ashurism
  • Assyrian Genocide
  • List of Assyrians
  • List of Assyrian villages
  • List of Assyrian tribes
  • Amorites
  • Aramaic

الهامش

المصادر

  • موسوعة حضارة العالم -أحمد محمد عوف
  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

وصلات خارجية

  • Assyrian Information Management (AIM)
  • Assyria on Ancient History Encyclopedia
  • Assyrian administrative letters
  • "Assyrian Legacy", Prototype Productions (video)
  • in "btm" format
  • "Assyrians in Arzni-Armenia", Website of the Abovyan city
  • Morris Jastrow, Jr., , London: Lippincott (1915)—a searchable facsimile at the University of Georgia Libraries; also available in layered PDF format
  •  [[wikisource:Catholic Encyclopedia (1913)/Assyria "Assyria]"] Check value (help). Catholic Encyclopedia. New York: Robert Appleton Company. 1913.

Coordinates:

تاريخ النشر: 2020-06-04 18:27:45
التصنيفات: صفحات تستخدم خطا زمنيا, Pages using infobox country with unknown parameters, Former country articles categorised by government type, Pages with citations using unsupported parameters, تنظيف الوصلات الخارجية بالمعرفة, Pages with URL errors, مشروع معرفة الشرق الأدنى القديم, States and territories established in the 3rd millennium BC, States and territories disestablished in the 7th century BC, المشرق, آشور

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

إنتر ميلان يعبر تورينو ويستعيد صدارة الدوري الإيطالي

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-10-22 03:06:36
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

قبل 8 أسابيع عن انطلاق “الكان”: وضعيــة مقلقــة لثــلاث ركـــائز

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-22 00:25:12
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

صدور عدد جديد من مجلة القوات المسلحة الملكية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-10-22 00:26:07
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 56%

باريس سان جيرمان يفوز على ستراسبورج في الدوري الفرنسي

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-10-22 03:06:41
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

المغرب.. إحداث أزيد من 28 ألف منصب مالي في سنة 2023

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-22 00:26:54
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 65%

نجران عصية على الأخدود السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-10-22 00:25:08
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 66%

المدرب عبد القادر عمراني يصرح

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-22 00:25:20
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 55%

سجل هدفا جديدا: عمـــــــــــورة الأســــرع في أوروبـــــــــــــا !

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-22 00:25:13
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

نحو شطب رابطة ما بين الجهات: الفاف تعتزم تقليص درجات الهرم الكروي

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-22 00:25:10
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 65%

المغرب.. إحداث أزيد من 28 ألف منصب مالي في سنة 2023

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-10-22 00:26:59
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية