أم الخير البارقية (توفيت نحو50 هـ/671م) لها رؤية للنبي محمد. ومن أصحاب أمير المؤمنين علي ، سيدة جليلة وحرية الرأي هي أم الخير، مثال المرأة المسلمة المؤمنة الصالحة، وهي من ربات الفصاحة والبلاغة. وحضرت مع قومها بارق، حرب صفين في صف الأمام علي بن أبي طالب، وكانت في واقعة صفين تحرض المؤمنين على قتال معاوية، وتحفزهم على الذب عن الإسلام وعن أمير المؤمنين علي ونصرته، وقد أضمر لها معاوية الحقد والعداء إذا ظفر بها، فلما تم له الامر في الخلافة، خط إلى عامله بالكوفة يأمره حتى يسيرها إليه للانتقام منها.

النسب والنشأة

أم الخير بنت الحريش بن سراقة بن مرداس بن الحارثة بن عوف بن عمروبن سعد بن ثعلبة بن كنانة بن البارقي بن بارق بن عدي بن حارثة بن عمرومزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امريء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

كان لها نسب كريم فهي من بارق ثم من الأزد أشهر قبائل العرب في الجاهلية والإسلام. نشاءت أم الخير في في كنف قومها بارق في اليمن، تشربت الفصاحه والشعر مبكرًا على لسان جدها الشاعر سراقة. هاجرت مع قومها إلى العراق للجاهد واستقروبالكوفة.

موقف أمّ الخير في صفين

لم تقعد أم الخير عن نُصرة أمير المؤمنين علي، حضرت معه حرب صفّين. وكانت على جمل أرمك وقد احيط حولها حواء، وبيدها سوط منتشر الظفرة، وهي كالفحل تخطب وتحرض الجيوش على القتال، وتدعوالأنصار والمهاجرين على الصبر والمثابرة والجهاد.

وفود أم الخير على معاوية

روى ابن طيفور بالاسناد عن الشعبي، نطق: خط معاوية إلى واليه بالكوفة: حتى أوفد علي أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقي رحلة محمودة الصبحة غير مذمومة العاقبة، وافهم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيرا وبالشر شرا. فلما ورد عليه الكتاب، ركب إليها فأقرأها إياه.
فنطقت أم الخير: أما أنا فغير زائغة عن طاعة، ولا معتلة بكذب، ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري، تجري مجرى النفس، يغلي بها غلي المرجل بحب البلسن يوق بجزل السمر .
فلما حملها وأراد مفارقتها، نطق: يا أم الخير، إذا معاوية قد ضمن لي عليه حتى يقبل بقولك في بالخير خيرا، وبالشر شرا، فانظري كيف من الممكن أن تكونين.
نطقت: يا هذا، لا يطمعك والله برك بي في تزويقي الباطل، ولا يؤنسك معهدتك إياي حتى أقول فيك غير الحق.
فسارت خير مسير، فلما قدمت على معاوية أنزلها مع الحرم ثلاثا، ثم أذن لها في اليوم الرابع، وجمع لها الناس، فدخلت عليه، فنطقت: السلام عليك يا أمير المؤمنين.
فنطق: وعليك السلام، وبالرغم والله منك دعوتني بهذا الاسم.
فنطقت: مه يا هذا، فإن بديهة السلطان مدحضة لما يحب فهمه .
نطق: صدقت يا خالة، كيف من الممكن أن رأيت مسيرك،يا ترى؟
نطقت: لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفدت إلى ملك جزل، وعطاء بذلك، فأنا في عيش أنيق، عند ملك رفيق.
فنطق معاوية: بحسن نيتي ظفرت بكم، وأعنت عليكم.
نطقت: مه يا هذا، لك والله من دحض الموضوع ما تردي عاقبته.
نطق: ليس لهذا أردناك.
نطقت: إنما أجري في ميدانك، إذا أجريت شيئا أجريته، فاسأل عما بدالك.
نطق: كيف من الممكن أن كان كلامك يوم اغتال عمار بن ياسر؟
نطقت: لم أكن والله رويته قبل، ولا زورته بعد، وإنما كانت حدثات نفثهن لساني حين الصدمة، فان شئت حتى احدث لك منطقا غير ذلك عملت: نطق: لا أشاء ذلك.
ثم التفت إلى أصحابه، فنطق: أيكم حفظ كلام أم الخير؟
نطق رجل من القوم: أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد.
نطق: هاته.
نطق: نعم، كأني بها يا أمير المؤمنين وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية ، وهي علي جمل أرمك ، وقد أحيط حولها حواء ، وبيدها سوط منتشر الضفر، وهي كالفحل يهدر في شقشقته ،

تقول: يا أيها الناس، اتقوا ربكم، إذا زلزلة الساعة شيء عظيم، إذا الله قد أوضح الحق، وأبان الدليل، ونور السبيل، وحمل الفهم، فلم يدعكم في عمياء مبهمة، ولا سوداء مدلهمة، فإلى أين تريدون رحمكم الله،يا ترى؟ أفرارا عن أمير المؤمنين ،يا ترى؟ أم فرارا من الزحف، أم رغبة عن الإسلام، أم ارتدادا عن الحق،يا ترى؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول:  وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ  

ثم حملت رأسها إلى السماء، وهي تقول:
اللهم قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشر الرعب، وبيدك يا رب أزمة القلوب، فاجمع اللهم الحدثة على التقوى، وألف القلوب على الهدى، واردد الحق إلى أهله، هلموا رحمكم الله إلى الامام العادل، والوصي الوفي، والصديق الأكبر، إنها إحن بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة، ليدرك بها ثارات بني عبد شمس.

ثم نطقت:  وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ   صبرا معشر الأنصار والمهاجرين، قاتلوا على بصيرة من ربكم، وثبات من دينكم، وكأني بكم غدا، لقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة، لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا البصيرة بالعمى، عما قليل ليصبحن نادمين، حتى تحل بهم الندامة، فيطلبون الإنطقة إنه والله من ضل عن الحق سقط في الباطل، ومن لم يسكن الجنة هبط النار.

أيها الناس، إذا الأكياس استنصروا عمر الدنيا فرفضوها، واستبطأوا مدة الآخرة فسعوا لها، والله أيها الناس لولا حتى تبطل الحقوق، وتعطل الحدود، ويظهر الظالمون، وتقوى حدثة الشيطان، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه، فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، وزوج ابنته، وأبي ابنيه ،يا ترى؟ خلق من طينته، وتفرع من نبعته ، وخصه بسره، وجعله باب مدينته، وفهم المسلمين، وأبان ببغضه المنافقين ، فلم يزل كذلك يؤيده الله عز وجل بمعونته، ويمضي على سنن استقامته، لا يعرج لراحلة الدأب ، ها هومفلق الهام، ومكسر الأصنام، إذ صلى والناس مشركون، وأطاع والناس مرتابون، فلم يزل كذلك حتى اغتال مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وفرق جمع هوازن، فيا لها من وقائع غرست في قلوب قوم نفاقا وردة وشقاقا! قد اجتهدت في القول، وبالغت في النصيحة، وبالله التوفيق، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فنطق معاوية، والله يا أم الخير، ما أردت بهذا الكلام لا قتلي، والله لوقتلتك ما حرجت في ذلك.
نطقت: والله ما يسؤوني يا ابن هند حتى يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه.
نطق هيهات يا كثيرة الفضول، ما تقولين في عثمان ابن عفان؟
نطقت: وما عسيت حتى أقول فيه، استخلفه الناس وهم له كارهون، وقتلوه وهم راضون.
فنطق معاوية: إيها يا امر الخير، هذا والله أصلك الذي تبنين عليه.
نطقت: *  لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا  . ما أردت لعثمان نقصا، ولكن كان سباقا إلى الخيرات، وإنه لرفيع الدرجة.
نطق: فما تقولين في طلحة بن عبيد الله؟
نطقت: وما عسى حتى أقول في طلحة، اغتيل من مأمنه، وأوتي من حيث لم يحذر .
نطق: فما تقولين في الزبير؟
نطقت: يا هذا، لا تدعني كرجيع الصبيغ، يعرك في المركن .
نطق: حقا لتقولن ذلك، وقد عزمت عليك.
نطقت: وما عسيت حتى أقول في الزبير ابن عمة رسول الله وحواريه، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله الجنة، ولقد كان سباقا إلى جميع مكرمة في الإسلام، وإني أسألك بحق الله يا معاوية، فإن قريشا تحدث أنك أحلمها، فأنا أسألك بأن تسعني بفضل حلمك، وأن تعفيني من هذه المسائل، وامض لما شئت من غيرها.
نطق: نعم وكرامة، قد أعفيتك، وردها مكرمة إلى بلدها.

مراجع

هوامش

مصادر للاستزادة

• أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان - ابن بكار - الصفحة ٢٧ - الناشر: مؤسسة الرسالة بيروت لبنان - الطبعة: الأولى، 1983م.
• بلاغات النساء - ابن طيفور - الصفحة 41 - مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة عام النشر: 1326 هـ - 1908 م
• صبح الأعشى - القلقشندي - ج1 الصفحة 296 - دار الخط الفهمية، بيروت.
• العقد الفريد - ابن عبد ربه الأندلسي - ج2 الصفحة 354 - دار الخط الفهمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1404 هـ.
• الدر المنثور في طبقات ربات الخدور - زينب فواز - ج1 الصفحة 57 - المطبعة الكبرى الأميرية، مصر الطبعة: الأولى، 1312 هـ.
• نثر الدر في المحاضرات - منصور بن الحُسين الآبِيّ - ج4 الصفحة 56 - دار الخط الفهمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1424هـ - 2004م.
• تذكرة الحمدونية - ابن حمدون - جخمسة الصفحة 186 - دار صادر، بيروت الطبعة: الأولى، 1417 هـ.
• نهاية الأرب في فنون الأدب - النويري - ج7 الصفحة 241 - دار الخط والوثائق القومية، القاهرة الطبعة: الأولى، 1423 هـ.
• مناقل الدرر ومنابت الزهر - ابن رأس غنمة الاشبيلي - ج1 الصفحة 50.
• الغدير - الشيخ الأميني - ج ٣ الصفحة ٢١/ ج٩ الصفحة ٣٧١/ ج١٠ الصفحة ٢٩٩ - دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الرابعة 1397 ه‍ - 1977 م.
• أعلام النساء - عمر رضا كحالة - ج١ الصفحة ٣٨٩ - مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الأولى ١٣٧٩ هـ - ١٩٥٩ م.