جمال باروت
محمد جمال باروت () باحث ومحرر سوري. يشعر بمتعة تجمع بين السرد التاريخي والمقاربة النقدية لسلسلة من الوقائع المؤرخة والمؤرشفة ذات الصلة بالموضوع، متعة لا تفارق طبيعة القراءة المعتمدة من لدن الباحث ومن خلال مئات المصادر التاريخية والجغرافية العربية والفرنسية والمترجمة. الكتاب من منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ببيروت.
كقراءة أولى، أذكر بكتابات باروت النقدية “الشعر يخط اسمه” منذ عدة عقود، والذي لفت الأنظار إليه، ولعله في اهتمامه بما هوتاريخي وثقافي عربي بالذات لا يفارق المستجدات في الواقع العربي، أولأقل بصيغة أدق: في الساحة الثقافية والقومية العربية بالذات.
التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية
"التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية: أسئلة وإشكاليات التحوّل من البدونة إلى العمران النظري" (1021 صفحة من البتر الكبير) للباحث السوري محمد جمال باروت، هومرجع تام عن التكوين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للجزيرة السورية باعتبارها جزءًا من الإقليم التاريخي للجزيرة الفراتية، وهويتعقب هذه المنطقة بقبائلها وعشائرها وطوائفها وتحالفاتها وانفكاك هذه التحالفات، والهجرات إليها، والصراعات التي نشبت فيها أوعلى أطرافها بين القبائل المتنوعة أوبين أبناء الديانات المتنافسة، والموازين الديموغرافية التي استقرت عليها. وفي هذا السياق، يغوص الكتاب في المصالح المتنافرة التي تحكّمت بهذه المنطقة، ولا سيما مصالح هجريا وفرنسا وبريطانيا، والتي كان لها شأن في عملية رسم الحدود والفرز السكاني وإشعال النزاعات المسلحة بين الأكراد والسريان والأشوريين وغيرهم من الأقوام النازلة في الجزيرة الفراتية.
يُعدّ هذا الكتاب سجلًا شاملًا للحوادث التي نشبت في هذه المنطقة منذ خرابها في عصر التتار، حتى إعادة إعمارها في العصر الحديث. وفي هذا الميدان، يحلل الكتاب، بالتفصيل، الأصول الأنثروبولوجية للسكان، ويتوقف عند نشوء المجتمعات المحلية، وخصوصًا الكردية والسريانية منها، وعلاقة ذلك كله بالسياسة الهجرية وموقفها من المسألتين السريانية والكردية في هجريا نفسها. ويُفرد فصلًا كاملًا للحديث عن المحاولة المبكرة للحركة الصهيونية لتوطين بعض اليهود في أنحاء من الجزيرة، ثم محاولتها توطين الفلسطينيين فيها. ويشدّد الكتاب على نشوء معضلة "أجانب هجريا" في سورية، وخلفياتها وأبعادها. والكتاب، في نهاية المطاف، دراسة شائقة عن العمران البشري والأقوامي، ولا سيما في هجريزه على نشوء المدن الجديدة - مثل القامشلي - جرّاء الهجرات الحديثة بعد ارتسام الحدود بين هجريا وسورية والعراق.