تاج الدين السبكي

عودة للموسوعة

تاج الدين السبكي

تاج الدين السبكي

معلومات شخصية
اسم الولادة عبد الوهاب
الاسم الكامل تاج الدين أبونصر عبد الوهاب بن تقي الدين أبي الحسن علي بن زين الدين عبد الكافي بن ضياء الدين علي بن تمام بن يوسف بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم السبكي الشافعي الأنصاري الخزرجي
الميلاد 727هـ — 1327م


القاهرة

الوفاة 771هـ — 1370م


دمشق

سبب الوفاة
مكان الدفن
قتله
تاريخ الإختفاء
مكان الاعتنطق
الإقامة دمشق
مواطنة
العرق
نشأ في
لون الشعر
الطول
الوزن
المحيط
استعمال اليد
الديانة
الممضى الفقهي شافعي
العقيدة أهل السنة والجماعة، أشعرية، صوفية
عضوفي
مشكلة صحية
الزوج/الزوجة
الشريك
أبناء
عدد الأولاد
الأب
الأم
أخوة وأخوات
عائلة
مناصب
الحياة العملية
كنية أبونصر
اللقب تاج الدين، شيخ الإسلام
الحقبة العصر المضىي للإسلام
ينتمي إلى  مصر —  سوريا
مؤلفاته طبقات الشافعية الكبرى
السيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور
معيد النعم ومبيد النقم
جمع الجوامع في أصول الفقه
المدرسة الأم
تخصص أكاديمي
شهادة جامعية
مشرف الدكتوراه
تفهم لدى
طلاب الدكتوراه
التلامذة المشهورون
المهنة
الحزب
اللغة الأم
اللغات
مجال العمل
الاهتمامات الفقه، أصول الفقه، أصول الدين، فهم الكلام، فهم الحديث، المنطق
موظف في
أعمال بارزة
تأثر بـ الأئمة الأربعة وخصوصاً الإمام الشافعي
أبوالحسن الأشعري
أبومنصور الماتريدي
أبوجعفر الطحاوي
أبوالقاسم القشيري
أبوإسحاق الشيرازي
أبوبكر الباقلاني
أبوالمعالي الجويني
أبوإسحاق الإسفراييني
أبوحامد الغزالي
أبوحيان الأندلسي
أبوالفتح بن برهان
فخر الدين الرازي
سيف الدين الآمدي
تقي الدين السبكي
صفي الدين الهندي
شهاب الدين القرافي
جمال الدين المزي
ابن حبان
ابن فورك
ابن عساكر
ابن الحاجب
ابن تومرت
العز بن عبد السلام
أثر في صديقه صلاح الدين الصفدي
ولي الدين العراقي
جلال الدين السيوطي
ابن حجر العسقلاني
أحمد بن قاسم البوني
ابن تغري بردي
ابن حبيب الحلبي
سعيد عبد اللطيف فودة
الثروة
التيار
الرياضة
بلد الرياضة
تهم
التهم
الخدمة العسكرية
الولاء
الفرع
الرتبة
القيادات
المعارك والحروب
الجوائز
التوقيع
المواقع
المسقط
IMDB

قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (727هـ - 771هـ = 1327م - 1370م) هوفقيه أصولي شافعي، مؤرخ، أديب، ناظم، ناثر، ومتحدث على ممضى أهل السنة والجماعة وطريقة أبي الحسن الأشعري. وهوفهم من أعلام الشافعية الأشاعرة، كان طلق اللسان، قوى الحجة، انتهت إليه رئاسة القضاء في الشام، وكان يُلقب بشيخ الإسلام. وكانت له جهود عظيمة في خدمة الدين في فهم التوحيد والفقه وأصوله، وله كتاب مشهور في طبقات الشافعية اسمه: طبقات الشافعية الكبرى. وهومن الأئمة المجتهدين، وقد وصفه المحدث الشهاب أحمد بن قاسم البوني بقوله: "الإمام المجمع على جلالة قدره وتمام بدره، بل قيل لوقدر إمام خامس مع الأئمة الأربعة لكان ابن السبكي".

ولد بالقاهرة عام 727هـ عند جمهور المؤرخين، وهناك من الفهماء من نطق أنه ولد سنة 728هـ. ونسبته إلى سبك العبيد التي هي الآن سبك الأحد، وهي من قرى محافظة المنوفية بمصر، وانتقل إلى دمشق مع والده شيخ الإسلام تقي الدين السبكي فسكنها، وهناك تلقى الفهم عن كبار فهماء دمشق. ومن شيوخه والده، والحافظ المزي، والحافظ المضىي. وأجازه شمس الدين بن النقيب بالإفتاء، وقد أفتى ولم يتجاوز عمره ثماني عشرة سنة.

له مؤلفات كثيرة منها: طبقات الشافعية الكبرى والوسطى والصغرى؛ السيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور؛ معيد النعم ومبيد النقم؛ شرح مختصر ابن الحاجب؛ شرح منهاج البيضاوي في أصول الفقه المسمى الإبهاج شرح المنهاج؛ القواعد المشتملة على الأشباه والنظائر؛ الترشيح في اختيارات والده؛ جمع الجوامع في أصول الفقه؛ وشرحه المسمى منع الموانع.

توفي بدمشق سنة 771هـ. أي أنه عاش 44 سنة، ولكن رغم قصر عمره امتد صَيْتُه بفضل ثراء حياته الفهمية وكثرة إنجازاته.

عصره

تُعدُّ الفترة التي عاش فيها التاج السبكي من أبرز مراحل الدولة المملوكية الأولى المسماة (بالبحرية)، ذلك أنّ التاج قد عاش في الفترة الواقعة ما بين عامي 727هـ و771هـ، وهذه نبذة مختصرة توضح ماهية الوضع السياسي والفهمي والاجتماعي في مصر والشام في تلك الفترة، والتي تمثّل في مجملها القرن الثامن الهجري.


الحياة السياسية

تمكّن المماليك - بعد سلسلة من المؤامرات التي كانوا يُحِيكُونها ويُدبِّرونها للسلاطين - من استلام السلطنة في مصر، وذلك بعد مقتل السلطان تورانشاه آخر ملوك بني أيوب سنة 648هـ، وكانت بذلك بداية العهد المملوكي الذي استمر نحوقرنين من الزمان.

ولم يكن عهد المماليك بأفضلَ حال من سابقه؛ ذلك أنّ هذا العهد كان يقابله عدداً من المخاطر على الساحة الخارجية، فالخطر الصليبي ما زال يتهدد العالم الإسلامي، وذلك لوجود بعض القلاع والإمارات الصليبية على سواحل بلاد الشام؛ مما استدعى المماليك حتى يأخذوا على عاتقهم عبء استرجاع وتحرير ما تظل من هذه الإمارات استمراراً لجهود السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي المتوفى سنة 589هـ إثر هزيمته للصليبيين في مسقطة حطين سنة 583هـ.

بالإضافة إلى الخطر الصليبي المتجذر، كان قد ظهر على الساحة خطر لا يقل خطورة - بل هوأشد خطراً - من الخطر الصليبي، ألا وهوغزوالمغول لبلاد الإسلام، إذ بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية على يد هولاكوعام 656هـ، وزَحْف المغول باتجاه بلاد الشام واحتلوا دمشق عام 658هـ، ومن ثَمَّ محاولة الزحف باتجاه مصر، حيث كان المماليك قد تنبّهوا لذلك، وخرجوا بجيوشهم لملاقاة المغول في مسقطة عين جالوت سنة 658هـ، بقيادة السلطان المملوكي سيف الدين قطز، حيث حقق الله تعالى النصر على يديه، وبذلك استطاع المماليك من وقف الزحف المغولي، ومن ثَمَّ بدأوا باسترجاع المدن والإمارات الإسلامية من بين أيديهم حتى تمَّ تحرير سائر بلاد الشام من أيدي المغول في عهد السلطان الظاهر بيبرس.

وبعد ذلك التاريخ دانت بلاد الشام كلها لحكم المماليك، ومنذ ذلك الوقت ارتبط تاريخ الشام بتاريخ مصر، بحيث لا يمكن دراسة تاريخ الشام بمعزل عن تاريخ مصر؛ وذلك لقوّة الالتحام بين مصرَ والشام في هذا العصر في مختلف مظاهر الحياة العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وإنَّ ما يحدث في مصرَ من حالات ضعف وقوَّة كانت بدورها تَنْعكِس على الشام إيجاباً أوسلباً.

يمكن تلخيص الملامح العامّة للوضع السياسي في مصر والشام في القرن الثامن الهجري بما يأتي:

  1. صغر سن السلاطين الذين تعاقبوا على الحكم.
  2. ازدياد نفوذ الأمراء واشتداد سطوتهم وتَحَكُّمهم في مصالح البلاد وتلاعبهم بالسلاطين، بالتعيين والعزل والقتل وفقاً لأهوائهم.
  3. ازدياد نفوذ طائفة المماليك الجراكسة البرجية ازدياداً مضطرداً، فاستطاع أفرادها كسب الجولة الأخيرة من الصراع، وأسسوا دولة مملوكية ثانية على أنقاض الدولة المملوكية الأولى.
  4. اشتداد الانحلال الخلقي بشكل واضح، وكان السلاطين والأمراء هم مصدر هذا البلاء، فاشتهروا بالإدمان على الخمور ومعاشرة الجواري والخاصكية والمغنيات.

موقف التاج السبكي من الوضع السياسي

لم يكن التاج السبكي رجلاً منعزلاً عن أمّته، بل كان قريباً جداً منها، يلتمس همومها ويتأثر بما تتأثر به الأمّة، ولم يكن تأخذه في الله لومة لائم؛ لذا فقد كان كثير الانتقاد لأحوال الدولة السياسية العامّة، وكانت له مواقف كثيرة في هذا المجال، ومن هنا اتى انتقاد التاج السبكي للسياسة التي اتبعها المماليك في ذلك العصر، واعتبر أنّ سياستهم لا تنفع أحداً، بل مَضرّتها أكثر من نَفْعِها، وأنّه لابد من حمل الأمور إلى الشرع، فهويقول في ذلك مُبيّناً ما على الحاجب من أمور: «عليه حمل الأمور إلى الشرع، وأن يعتقد أنّ السياسة لا تنفع شيئاً (قصده السياسة الظالمة)، بل تَضرّ البلاد والرعايا، وتُوجبُ الهَرَج (أي الفتنة والقتل) والمَرَج (أي الفساد والقلق)، ومصلحةُ الخلق فيما شرعه الخالق الذي هوأفهم بمصالحهم ومفاسدهم، وشريعةُ نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم متكفّلةٌ بجميع مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم، ولا يأتي الفسادُ إلا من الخروج عنها، ومن لَزِمَها صَلُحَتْ أيامه واطمأنت».

ثم بيّن أنّه ما من سلطان ولا حاجب ولا صاحبُ شرطة يُعْمِلُ حُكمَ الله تعالى، ويُلقِي الأمور إلى الشرع إلا اطمأنت نفسه ونجا من المصائب والمحن، وكانت أيامه أصلح وأقل مفاسد... ونطق: «وكذلك اعتبرت فلم أرَ ولم أجد من يظن أنّه يُصْلح الدنيا بعقله، ويُدَبّر البلاد برأيه وسياسته، ... ويَتعدّى حدود الله تعالى وزواجره، إلا وكانت عاقبتُهُ وخيمةً وأيامُه منغصةً منكدة، وعيشُه قلقاً، ... وتُفتح عليه أبواب الشرور، ويتسع الخرق على الراقع، فلا يَسدُّ ثُلمة (أي فرجة المكسور والمهدوم) إلا وتُفتَح ثُلمات، ولا تُرفَع فتنة إلا وينشأ بعدها فتن كثيرة».


الحياة الاجتماعية

كان الوضع السياسي في القرن الثامن الهجري في مصر والشام وضعاً كثير الاضطراب والانقلاب؛ مما يعني ضعف المجتمع وضعف الحياة الاجتماعية في مصر والشام في تلك الفترة.

لقد كان المجتمع المملوكي في تلك الفترة مجتمعاً طبقياً تَميَّز بكَثْرَة طبقاته، إذ أنّ طبيعةَ حكم المماليك الأغراب عن تلك البلاد، وانعزالهم عن أهل البلاد وعن انخراطهم في سلكهم، أدى إلى ظهور طبقة مُتمَيّزة في المجتمع، تمتلكُ زِمامَ الحكم فيه وهي طبقة المماليك أصحاب السيادة والنفوذ.

بناءً على ذلك يمكن تقسيم المجتمع المملوكي في تلك الفترة إلى الطبقات الآتية:

  • الطبقة الأولى: أهلُ الدولة من السلاطين والمماليك، وهؤلاء كانوا يعيشون حياة الترف واللهو، وكَثُرت الأموال في أيديهم، مما جعلهم طبقة مُتَميّزة منعزلة عن بقية الشعب.
  • الطبقة الثانية: أهلُ اليَسار من التجار وأولي النِّعمة من ذوي الرفاهة، وكان هؤلاء من المقرّبين إلى السلاطين، ذلك أنّ السلاطين كانوا قد أحسّوا أنّ هذه الطبقة هي المصدر الأساسي الذي يَمُدُّ الدولة بالمال لا سيّما في ساعات الحرج والشدة.
  • الطبقة الثالثة: المُعَمّمون، وهم أَرباب الوظائف الديوانية والفقهاء والفهماء والأدباء والكُتّاب، وهؤلاء كانوا موضعَ احترامٍ وتقدير من السلاطين؛ ذلك أنّ المماليك كانوا يَرغبون بالفهماء والفقهاء لأنّهم قوّةٌ لها وزنُها في اكتساب الرأي العام في البلاد، وبذلكقد يكون لهم دِعامة قوية يستندون إليها في حكمهم، ويستعينون بها على إرضاء عامّة الشعب.
  • الطبقة الرابعة: طبقة الصناع والعمال وأصحاب المهن والأُجَراء، وهم ما يطلق عليهم بالاصطلاح المعاصر بطبقة (العامّة)، وهؤلاء كالعادة كانوا يعيشون حياة البؤس والفقر بالنسبة لطبقة المماليك وغيرهم من المُنَعّمين؛ لذا كانوا كثيراً ما يلجئون إلى السلب والنهب والتسول للحصول على ما يسد رَمَقَهُم في أوقات الفتن والاضطرابات.
  • الطبقة الخامسة: الفلاحين وهم أهل الزراعات والحرث سكان القرى والريف الذين يمثّلون السَّواد الأعظم من السكان، وهؤلاء لم يكن لهم نصيب في هذا العصر سوى الإهمال والاحتقار حتى أصبح لفظ فلاح في ذلك العصر مرادفاً للشخص المُستضعف المغلوب على أمره، وزاد من سوء حالهم كَثْرَة المغارم والمظالم التي حلّت بهم من الولاة والحكام.
  • الطبقة السادسة: ذوي الحاجة والمسكنة، وهم الذين يتكفَّفون الناس ويعيشون منهم، وهؤلاء كما يقول المقريزي: «فَنِي معظمهم جوعاً وبرداً ولم يَبقَ منهم إلا أقلَّ من القليل».

هذه هي هجريبة المجتمع في ذلك العصر، والملاحظ عليها أنّ أكثَرَ هذه الطبقات كانت تعيش حياة البؤس والظلم والفقر، ولم يقف الحد عند ذلك فحسب، بل أنّ هذه الفترة التاريخية قد ابْتُلِيَت بالكثير من الأمراض والأوبئة الفتاكة، فيَذْكُر المُؤَرّخون أنّ الأَوبئة كانت تجتاح أكثَرَ المدن والإمارات المملوكية، ولكنّ أخطر هذه الأوبئة والأمراض والتي أودت بحياة الآلاف من الناس والحيوانات، ثلاثة أوبئة اجتاحت الأمّة في تلك الفترة وهي:

  1. وباء سنة 748هـ: اجتاح هذا الوباء والذي ابتدأ في أواخر سنة 748هـ بلاد المسلمين قاطبة بما فيها مصر والشام، بل إنّ المؤرخين يَذْكُرون أنّ هذا الوباء قد عم الأرض كلها، وكان يَحصُدُ الآلاف من النفوس، واستمر هذا الوباء نحوسنتين حتى عام 750هـ، وفَنِيَ فيه من الناس نحوثلثيهم تقريباً. وجميع خط التاريخ التي أرخت لتلك الفترة تذكر هذا الوباء ويسميه المؤرخون "الفناء العظيم"؛ وذلك لكثرة ما أفنى من البشر والحيوانات والأسماك.
  2. وباء سنة 761هـ: سقط هذا الوباء سنة 761هـ، واستمر إلى أوائل سنة 762هـ، ومات فيه جماعة كثيرة من الأعيان، وقد سماه المؤرخون (الوباء الوَسَطيّ)، لكونه سقط بين وباءين.
  3. وباء سنة 769هـ: سقط هذا الوباء في القاهرة والديار المصرية واستمر أربعة شهور، انحصر بعدها بعد حتى خلف عددا كبيرا من الموتى.

ولم يقف الأمر عند الأمراض والأوبئة الفتاكة فحسب، بل فشت في أهل ذلك العصر الكثير من الأمراض الاجتماعية والمتمثلة باشتداد الانحلال الخلقي الذي عم الكثير من طبقات ذلك المجتمع، وخاصة طبقة السلاطين، وأهل الدولة، فانتشر فيهم الزنا والبغاء وشرب الخمور والمخدرات التي كانت تفتك بالمجتمع ذلك العصر. وكان السلاطين حدثا دَاهم البلاد وَباء لجؤوا إلى الله تعالى، وحاربوا تلك المنكرات، وأغلقوا بيوت الخواطيء وحانات الخمر، حتى يفرج الله تعالى عنهم؛ فإذا حمل الله تعالى البلاء عادوا إلى ما كانوا عليه سابقاً.

إلا أنّه وفي ظل هذا الوضع السيء كان هناك بعض الإيجابيات القليلة وهي:

  1. الاهتمام بالفهم والفهماء، وانتشار الفهم الذي ابتكر الكثير من الفهماء الذين كان لهم دور بارز في ذلك العصر.
  2. انتشار التصوف بشكل كبير ملحوظ في ذلك العصر، حتى غدا التصوف سِمة بارزة للحياة في مصر والشام في ذلك الوقت.

موقف التاج السبكي من الوضع الاجتماعي

كان الإمام تاج الدين السبكي صاحبُ دعوةٍ إصلاحيةٍ للمجتمع، فهولم يرضَ أبداً عن حال الأمّة في ذك الوقت، ذلك أنّ التاج السبكي وكما وصفه الأستاذ محمد صادق حسين: «من أولئكم الرجال ذوي الشخصيات الضخمة والنفوس القوية والأخلاق المتينة، أولئكم الذين يَسمُون بأنفسهم فوق منافعهم الخاصة، ويأبون - وإن تهيأت لهم جميع مسببات الراحة - حتى يصبروا على فساد بيئة أوطغيان قوّة أوموت حق وقيام باطل، فلم يكن من أولئكم الأنذال أشباه الرجال الذين يرحّبون بالفساد يستغلّونه لمآربهم... ويُسَخّرونه لمنافعهم».

هكذا كان تاج الدين السبكي، ومن هنا اتى تأليفه لكتابٍ يُعدّ من أعظم ما أُلِّف في بابه ألا وهوكتابه (معيد النعم ومبيد النقم)، هذا الكتاب الذي حاول فيه التاج السبكي الدعوة إلى إصلاح المجتمع الإسلامي من أعلى طبقة فيه ألا وهوالسلطان إلى أدنى طبقاته المتمثّلة بالشحاذين، فقد بيّن التاج في هذا الكتاب ما يجب على جميع أحد من أفراد الأمّة - حكاماً كانوا أومحكومين - حتى يعمله، وما يجب عليه حتى يَجتَنبه، وبيّن الكثير من نواحي الضعف في هذه الأمّة مبيّناً سببها، وواصفاً لها علاجاً ناجعاً يقوم على أساس شكر النعمة، وقيام كُلٍّ بما يجب عليه.

وبهذه التوجيهات التي ضمنها التاج السبكي كتابه (معيد النعم) يعدّ التاج مصلحاً اجتماعياً ومربياً فاضلاً قلّما تجد له نظيراً، وبذلك عدّه الأستاذ محمد الصادق مصلحاً لم تعهد مصر من أبنائها آخر من طرازه.


الحياة الفهمية

يعد القرن الثامن الهجري أوبالأحرى عصر المماليك، كان من أزهى العصور فهمياً وثقافياً بعد القرن الثالث الهجري؛ ذلك أنّ هذا العصر قد امتاز بكَثرة الفهماء الذين أنتجتهم الأمّة في ذلك الوقت، تاركين للأجيال القادمة تراثاً ضخماً في شتى فنون الفهم. ولم يكن سلاطين المماليك بمعزل عن هذا النشاط الفهمي، فما كان لهذا النشاط الثقافي حتى يزدهر لولا تشجيع المماليك للفهم وترحيبهم بالفهماء، لذا فقد أَكثَرَ المماليك من بناء المدارس والجوامع والرُّبَط والخانقاوات لتكون قبلة للفهماء وطلاب الفهم ينهلون منها الفهم في شتى ميادين الفهم.

ولعلَّ من أبرز المدارس التي أنشئت في زمن المماليك وكان لها دور بارز في هذا التقدم الفهمي المشهود:

  • المدرسة الظاهرية: وهي المدرسة التي أنشأها السلطان الظاهر بيبرس سنة 662هـ، وفيها خِزانَةُ كُتُبٍ تشتمل على أمهات الخط في سائر العلوم، وكان يُدَرّس فيها الفقه الحنفي والشافعي والحديث والقراءات.
  • المدرسة المنصورية: أنشأها السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي، ورتّبَ فيها درساً لطوائف الفقهاء الأربعة، ودرساً للطّب، ودرساً للحديث وآخر للتفسير.
  • المدرسة الناصرية: ابتدأ بناءها العادل خطغا، وأتمها الناصر محمد بن قلاوون، وإليه نُسبت، فُرِغَ من بنائها سنة 703هـ، ورُتّب فيها درساً للمذاهب الأربعة.
  • المدرسة الحجازية: أنشأتها الست الجليلة خوندتتر الحجازية، بنت السلطان محمد بن قلاوون وزوجة الأمير بكتمر الحجازي وإليه تُنسب، وقد رَتَّبتْ فيها درساً للفقهاء المالكية وآخر للشافعية، وجعلت فيها خزانة لأمهات الخط.
  • مسجد ومدرسة السلطان حسن: شرع في إنشائها الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون سنة 758هـ، وهي من أعظم المدارس في ذلك العصر بناءً، وأحسنها هنداماً، وفيها أربع مدارس للمذاهب الأربعة.

هذه أبرز المدارس في ذلك الوقت، غير أنّه كانت هناك الكثير من المدارس قد انتشرت في طول البلاد وعرضها، مثل: الخانقاه البيبرسية، وخانقاه قوصون، وخانقاه شيخو، ومدرسة صرغتمش، والمدرسة الظاهرية الجوانية بدمشق، والمدرسة القيمرية، والمدرسة الناصرية الجوانية، وغيرها الكثير.

هذا بالإضافة إلى المدارس التي كانت منتشرة من قبل إبان عهد الدولة الأيوبية، والتي اهتمت اهتماماً بالغاً بإنشاء المدارس. ومن هذه المدارس: المدرسة الصلاحية والمدرسة الكاملية والمدرسة الصالحية وغيرها. وكان من نتاج هذه النهضة الفهمية حتى ظهر الكثير من الفهماء في مختلف العلوم والفنون، حيث كان لهم أثر بارز في مسيرة الفهم ونشر الثقافة العربية والإسلامية، ومن هؤلاء الفهماء على سبيل المثال:

  • ابن الحملة: الإمام شيخ الإسلام، نجم الدين أبوالعباس أحمد بن محمد بن علي بن الحملة المتوفى سنة 710هـ إمام الشافعية في زمانه، نطق عنه التاج السبكي: (أُقسم بالله يميناً بَرَّةً لورآه الشافعي لَتَبَجّح بمكانه، وترجَّح عنده على أَقرانه، وترشّح لأنقد يكون في طبقة مَن عاصَرَه وكان في زمانه). من مصنفاته: (المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي)، (كفاية النبيه في شرح التنبيه)، وغيرها.
  • ابن الزملكاني: الإمام العلامة المناظر محمد بن علي بن عبد الواحد كمال الدين بن الزملكاني، شيخ الشافعية في زمانه، انتهت إليه رياسة الممضى تدريساً وإفتاء، ذَكَره المضىي في المعجم المختص ونطق: (شيخنا قاضي القضاة عَلَمُ العصر ... كان من بقايا المجتهدين ومن أذكياء أهل زمانه، دَرَّس ... وأفتى وتَخَرّج به الأصحاب). له تصانيف كثيرة، منها: (شرح منهاج النووي)، وكتاب في (الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة)، وغيرها، توفي سنة 727هـ.
  • ابن كثير: الإمام الحافظ عماد الدين أبوالفداء اسماعيل بن كثير بن ضَوء بن كثير القرشي الدمشقي، المؤرخ والمفسر، ذَكَره المضىي في معجمه فنطق: (يدري الفقه، ويفهم العربية والأصول، ويحفظ جملة صالحة من المتون والتفسير والرجال وأحوالهم). من مصنفاته المشهورة: (البداية والنهاية) وهوفي التاريخ، (تفسير القرآن العظيم)، (طبقات الشافعية)، (تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب)، توفي بدمشق سنة 774هـ.
  • جمال الدين الإسنوي: الإمام الأصولي جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر الإسنوي، شيخ الشافعية في زمانه وفقيههم، وأَكثَرُ أهل زمانه اطلاعاً على خط الممضى، نطق عنه ابن قاضي شهبة: (أَكثَرُ فهماء الديار المصرية طَلَبتُه، وكان حَسَن الشكل، حَسَن التصنيف، ليِّنَ الجانب، كثيرَ الإحسان إلى طلبته، ملازماً للإفادة والتصنيف). من مصنفاته: (شرح منهاج الوصول للبيضاوي)، وغيرها، توفي سنة 772هـ.
  • سعد الدين التفتازاني: الإمام المحقق المتحدث الأصولي النظار سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، عالم النحووالبيان والأصلين والمنطق وغيرها. نطق عنه ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة: (كان قد انتهت إليه فهم علوم البلاغة والمعقول بالمشرق، بل بسائر الأمصار، لم يكن له نظير في فهم هذه العلوم، توفي ولم يخلف بعده مثله). من مصنفاته: (شرح العقائد النسفية)، (المقاصد) في أصول الدين وفهم الكلام، (شرح الشمسية) في المنطق، (شرح تصريف الغزي) في الصرف، (التلويح) في أصول الفقه، وغيرها الكثير. توفي سنة 792هـ.

اسمه ونسبه

هوالإمام قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أبونصر عبد الوهاب بن تقي الدين أبي الحسن علي بن زين الدين عبد الكافي بن ضياء الدين علي بن تمام بن يوسف بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم السبكي الشافعي الأنصاري الخزرجي، ونسبته إلى سبك الأحد قرية من أعمال المنوفية بمصر وكانت تسمى بـ «سبك العبيد وبسبك العويضات».

مولده

اختلف المؤرخون والمترجمون للتاج السبكي في سنة مولده على ثلاثة أقوال:

  • الأول: أنّه ولد سنة 727هـ. ذكر هذا التاريخ ابن حجر في الدرر الكامنة، وابن طولون في القلائد الجوهرية، وابن العماد في شذرات المضى. وقد ارتضى هذا التاريخ أغلب المترجمين له من المعاصرين وأكثر المتأخرين.
  • الثاني: أنّ مولده سنة 728هـ. ذكر هذا التاريخ المضىي في المعجم المختص، وصلاح الدين الصفدي في الوافي بالوفيات، وابن رافع في الوفيات، وابن تغري بردي في المنهل الصافي.
  • الثالث: أنّ مولده سنة 729هـ. ذكر هذا التاريخ مرتضى الزبيدي في تاج العروس، وجلال الدين السيوطي في حسن المحاضرة.

والذي يترجّح من هذه الأقوال هوالثاني أنّ مولده سنة 728هـ وذلك للأسباب الآتية:

  1. أنّ المضىي وهوشيخ التاج السبكي، وصديق والده، قد نص على أنّ مولده سنة 728هـ، وكونه شيخه وصديق والده يقوي إمكانية سماع هذا التاريخ من التاج نفسه أومن والده، أضف إلى ذلك أنّ التاج السبكي قد ذَكَر (المعجم المختص) في مصنفات المضىي مما يقوي احتمالية اطلاعه عليه، ولوكان المضىي أخطأ في تاريخ مولده لتعقبه وبيّن أنّه أخطأ فيه.
  2. أنّ ابن رافع وهومن معاصري التاج ومن تلامذة والده قد ذَكَر هذا التاريخ أيضاً، وقوله أقرب إلى الصحة لاحتمالية سماعه من شيخه أومن التاج نفسه.
  3. إنّ الصلاح الصفدي وهومن أعز أصدقاء التاج السبكي قد ذَكَر هذا التاريخ أيضاً، ومن الصعب حتىقد يكون الصفدي قد أخطأ في تاريخ مولد صديقه وحميمه رغم ما بينهما من صداقة ومراسلات ومساجلات مشهورة.
  4. إنّ الذين ذَكَروا سنة 728هـ هم من المعاصرين للتاج السبكي ومنهم شيوخه وأقرانه، في حين الذين ذَكَروا سنة 727هـ أوسنة 729هـ كلهم متأخِّرون عن عصره وعهده ولم يُدرِك أيّ منهم التاج السبكي، مما يَعني تقديمَ قول المعاصرين عليهم؛ لأنّهم أفهمُ بحاله من غيرهم، كلُّ ذلك يؤكّدُ أنّ مولدَه سنة 728هـ.

أسرته

تعدّ الأسرة التي منها التاج السبكي أسرة عريقة فريدة من نوعها، إذ أنّ معظم أفراد هذه الأسرة فهماء أوقضاة أوخطباء أومدرسون للفهم، منهم:

والده الإمام تقي الدين السبكي

الإمام قاضي القضاة شيخ الإسلام أبوالحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف السبكي الخزرجي الأنصاري، الفقيه المجتهد، المحدث الحافظ، المفسر المقريء، الأصولي النحوي اللغوي الأديب المتحدث النظار. شهد له الموافق والمخالف بأنه وصل إلى رتبة الاجتهاد في سائر علوم الدين. ذَكَره المضىي في المعجم المختص ونطق عنه: (القاضي الإمام العلامة الفقيه المحدث الحافظ فخر الفهماء... كان صادقاً متثبتاً خيراً ديناً متواضعاً حَسَنَ السَّمتِ من أوعية الفهم يدري الفقهَ ويقرّره، وفهم الحديث ويحرّره، والأصولَ ويُقْرِئها، والعربيةَ ويحقّقها... ، وصنّف التصانيف المتقنة، وقد بقي في زمانه الملحوظَ إليه بالتحقيق والفضل، سمعت منه وسمع مني، وحكم بالشام وحُمِدَت أحكامه والله يُؤيّده ويُسدّده).

له تصانيف كثيرة تربوعلى 211 مصنفاً، منها: (السيف المسلول على من سب الرسول)، و(السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل)، و(الدرة المضية في الرد على ابن تيمية)، و(الاعتبار ببقاء الجنة والنار)، و(النكت على سليم البخاري)، و(الابتهاج في شرح المنهاج)، وغيرها الكثير. توفي في القاهرة سنة 756هـ. والإمام تاج الدين تربى على يدي والده الذي كان يفهمه ويدربه في فنون الدين أصولاً وفروعاً.

إخوته

  • بهاء الدين السبكي: الإمام العلامة قاضي القضاة أبوحامد أحمد بن علي السبكي، فقيه أصولي، لغوي نحوي، صاحب فضائل جمة ومناقب كثيرة، نطق عنه المضىي: (الإمام العلامة المدرس ... له فضائل وفهم جيد، وفيه أدب وتقوى، ساد وهوابن عشرين سنة، ودرّس في مناصب أبيه وأثنى على دروسه). (5) ونطق عنه ابن قاضي شهبة: (كان كثير الحج والمجاورة والتعبد والأوراد، كثير المروءة والإحسان). من مصنفاته: (شرح التلخيص)، (المناقضات) في الفقه، وشرح (بترة من الحاوي)، (وبترة أخرى من مختصر ابن الحاجب)، توفي بمكة مجاوراً سنة 773هـ.
  • جمال الدين السبكي: الإمام العلامة القاضي أبوالطيب الحسين بن علي بن عبد الكافي السبكي، النحوي الأديب الشاعر الفقيه الأصولي، نطق عنه ابن كثير عند ذِكْر وفاته: (تأسف الناس عليه لسماحة أخلاقه وانجماعه على نفسه، ولا يتعدّى شره غيره، وكان يحكم جيداً، نظيف العرض في ذلك، ... أفتى وتصدر، وكانت لديه فضيلة جيدة بالنحووالفقه والفرائض).

ونطق عنه أخوه التاج السبكي: (كان من أذكياء العالم، وكان عجباً في استحضار (التسهيل) في النحو، ودرس بالآخرة على (الحاوي الصغير)، وكان عجباً في استحضاره). من مصنفاته: جمع كتاباً في من اسمه الحسين بن علي. توفي سنة 755هـ في حياة والده، ودفن بتربة السبكية بسفح قاسيون.

  • أبوبكر محمد بن علي السبكي: أكبر أولاد الشيخ تقي الدين السبكي، ولا يوجد شيء من أخباره إلا ما ورد في طبقات أخيه التاج السبكي، حيث ذَكَره عرضاً في ترجمة والده، مبيّناً أنّ والده قد وجه إليه قصيدة يخاطبه بها ناصحاً له الاهتمام بالفهم ودروسه من القرآن الكريم والسنة النبوية وفقه الشافعي، واتباع طريقة الجنيد في التصوف. وقد توفي قبل حتى يُشتَهر ويُعرَف عن حاله شيء.

شقيقاته

  • أم محمد: خديجة بنت علي بن عبد الكافي، الشيخة الصالحة، توفيت في ذي القعدة من سنة 770هـ، ودفنت بقاسيون في مقبرة السبكية.
  • ست الخطباء: الشيخة الصالحة بنت القاضي علي بن عبد الكافي، حدَّثت بمصر وبحمص وغزة وغيرها، وأُضِرَّتْ في آخر عمرها، وثَقُلَ سمعها، وقد كانت خيِّرة ديِّنة، توفيت رحمها الله تعالى في جمادى الآخرة من سنة 773هـ بالقاهرة، ودفنت بمقابر باب النصر.
  • أم الخير: ستيتة بنت علي، محدثة فاضلة، ماتت بالقاهرة سنة 776هـ.
  • سارة: بنت علي بن عبد الكافي، سمعت من أبيها ومن زينب بنت الكمال، وتزوجها أبوالبقاء السبكي، ولما توفي رجعت إلى القاهرة، ثم عادت إلى دمشق فالقدس فالقاهرة، وحدَّثت وسمع منها الكثير منهم ابن حجر العسقلاني، توفيت في القاهرة سنة 805هـ، وقد جاوزت التسعين.

نشأته ومكانته الفهمية

نشأ الإمام تاج الدين في أسرة عهدت بالفهم والفهم، فأبوه هوالشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين علي بن عبد الكافي (ت: 756هـ) الفقيه الأصولي صاحب التصانيف المفيدة في فنون عديدة، وجده زين الدين عبد الكافي (ت: 735هـ)، وأخوه الأكبر بهاء الدين أحمد بن علي (ت: 773هـ)، وأخوه الآخر جمال الدين الحسين بن علي (ت: 755هـ) وكلهم من الفهماء الأكابر، فنشأ تاج الدين في بيئة فهمية، سمع بمصر من جماعة ثم قدم دمشق مع والده وقرأ على الحافظ المزي ولازم الحافظ المضىي وتخرج به وطلب بنفسه وأجازه ابن النقيب بالإفتاء والتدريس وهوابن ثمان عشرة سنة واشتغل بالقضاء وولي الخطابة ثم عزل وحَصَل له فتنة شديدة وسجن بالقلعة نحوثمانين يوماً، وجرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله، وحصَّل فنوناً من الفهم في الفقه والأصول وكان ماهراً فيه والحديث وبرع فيه، وشارك في العربية وكان له يد في النظم والنثر، جيد البديهة، انتهت إليه رئاسة القضاء والمناصب بالشام. ونزل له المضىي عن مشيخة دار الحديث الظاهرية قبل وفاته.

وقد اشتغل الإمام تاج الدين بالتدريس في كثير من مدارس دمشق وغيرها، فقد تفهم في العزيزية، والعادلية الكبرى، والغزالية، والعذراوية، والناصرية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، والشيخونية والتقوية وغيرها. وتولى القضاء عدة مرات، وتولى الخطابة في الجامع الأموي بدمشق.

ثناء الفهماء عليه

خط الطبقات والتراجم مليئةً بالثناء عليه والإشادة بفهمه بنصوص كثيرة من أقوال رفاقه ومعاصريه وكبار أهل الفهم في شتى العصور والأزمنة.

  • فالسيوطي يعدّه من الأئمة المجتهدين، ويقول: «خط مرة إلى نائب الشام ورقة يقول فيها: وأنا اليوم مجتهد الدنيا على الإطلاق لا يَقدِرُ أحدٌ يردٌ هذه الحدثة» وعقّب السيوطي على ذلك بقوله: ... «وهومقبول فيما نطق عن نفسه».
  • والشهاب أحمد بن قاسم البوني الجزائري المالكي (ت 1139هـ) يعدّه في منزلة الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة، ويقول في حقه: «الإمام المجمع على جلالة قدره، وتمام بدره بل قيل لوقُدّر إمام خامس مع الأئمة الأربعة لكان ابن السبكي».
  • ونطق عنه رفيقه صلاح الدين الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات: «الإمام العالم الفقيه، المحدث النحوي الناظم ... أفتى ودرّس ونَظَمَ الشعر، وراسلني وراسلته وبالجملة عملمه كثير على صغر سنّه».

ونطق أيضاً: «وحصل بهذا الولد النجيب اليأس من القاضي إياس وكونه تقّدم في شبابه على كهول أصحابه، فهذا أصغرُ سنّاً وأكبُر منّا، وقد شهد له العقل والنّقل بأنّه فَتيُّ السنّ كَهْلُ الفهم والحلم والعقل، والله يمتّعُ الزّمانَ بفوائده، ويرقّيه في الدين والدنيا إلى درجات والده بمنّه وكرمه».

  • ويصفه ولي الدين العراقي بقوله: «وكان ذكياً عالماً مستحضراً فصيحاً، طَلْقَ العِبارةِ كثيرَ الإحسان إلى الطلبة».
  • والحافظ ابن حجّي يقول فيه: «حصّل فنوناً من الفهم، من الفقه والأصول وكان ماهراً فيه والحديث والأدب، وبرعَ وشاركَ في العربية، وكان له يد في النظم والنثر، جيّدَ البديهةِ، ذا بلاغة وطلاقة لسان، وجرأة جنان، وذكاء مُفرِط، وذهن وقّاد، وكان له قدرةً على المناظرة، وصنف تصانيف عديدة في فنون على صغر سنه وكَثرَة أشغاله، قُرِئت عليه، وانتشرت في حياته وبعد موته».
  • ونطق عنه شيخ حفاظ الإسلام ابن حجر العسقلاني: «أمعن في طلب الحديث، وخط الأجزاء والطباق مع ملازمة الاشتغال في الفقه والأصول والعربية حتى مَهَرَ وهوشاب، وكان ذا بلاغة وطلاوة لسان، عارفاً بالأمور، وانتشرت تصانيفه في حياته، ورزق فيها السعد».
  • ونطق عنه ابن تغري بردي: «قاضي قضاة دمشق وعالمها». ونطق أيضاً: «كان إماماً عالماً بارعاً فقيهاً نحوياً أصولياً... وكان ذكياً سليم الذهن، وبرع في الفقه وغيره، وأفتى ودرّس»، ونطق في موضع آخر: «كان إماماً بارعاً متفنناً في سائر العلوم».
  • ووصفه ابن هداية الله بقوله: «كان فاضل أهل زمانه وناطح أقرانه، شديد الرأي قوي البحث يجادل المخالف في تقرير الممضى ويمتحن الموافق في تحريره، وبرع حتى عُدِم مثله في عصره، يرتحل إليه الطلبة من الآفاق».
  • وقد مدحه ابن حبيب الحلبي بقصيدة بعثها إليه عند قدومه إلى دمشق قاضياً عليها سنة 760هـ، بعد حتى أقام مدة في القاهرة معزولاً عن القضاء فنطق:
قَدِمَ الغَمامُ فَمَرْحَباً بِقُدومِهِ ومَسَرَّةٍ بِخُصوصِهِ وعُمومِهِ
أَهَلاً بِغَيثٍ صَيِّبٍ أَثْرى الثَّرى بِنُزولِهِ واخْضَرَّ لَونُ هَشيمِهِ
أَهلاً بِغَوثٍ عارِفٍ يَهدي الوَرى بِالنُّورِ مِن أَعلائِهِ وعُلْويِّهِ
أَهلاً بِأَوْبَةِ حَاكِمِ مُتَثَبِّتٍ يَنْفِي عَنِ المَقْهُورِ ظُلْمَ خُصومِهِ
ويُؤَيِّدُ الشَّرعَ الذي يَقولُهُ ويَكُفُّ عَن ذي الحَقَّ كَفَّ غَريمِهِ
تاجُ العُلى مَعْنى الوُجودِ ولَفْظُهُ شَرَفُ الأُلى مَعْنى الزَّمانِ كَريمه
يُبْدي بُرُودَ الزَّهْرِ مِن مَنْثُورِهِ يُسْدي عُقُودَ الدُّرِّ مِن مَنْظومِهِ
يَسْموبِبَيْتِ خَزْرَجيٍّ عامِرِ يُبْنَى الحَلالُ على قَواعِدِ خَيْمِهِ
بِمَسيرِهِ عَذُبَتْ مِياهُ النِّيلِ مِن فُسْطاطِ مِصْرَ وطابَ عُرْْْْْفُ نَسيمِهِ
والشّامُ لمّا شامَ بارِقَهُ غَدا يَخْتالُ في جَنَّاتِهِ ونَعِيمِهِ
والكَونُ أَضْحَى ضَاحِكاً مُسْتَبْشِراً بِإيابِ فَيّاضِ النَّوالِ عَمِيمِهِ
وبِزَعَفَرانِ الأُفْقِ راحَ مُخَلِّقاً والأُفْقُ زُيِّنَ فَرْحَةً بِنُجومِهِ

ومنها:

قَاضٍ لَهُ لَفْظٌ يَبِينُ الحَقَّ مِن مَنْطُوقِهِ الحالي ومِن مَفْهُومِهِ
وله التَّصَانيفُ التَّي لِلْفَضْلِ مِن أَوراقِها ثَمَرٌ زَها بِكُرومِهِ
وله طَرِيقٌ مُسْتَقيمٌ واضِحٌ خَجِلَتْ رِماحُ الخَطِّ مِن تَقْويمِهِ
للسُّنَّةِ الغَرَّاءَ والقُصَّادِ في أَيّامِهِ عِزٌّ كَعِزِّ حَميمِهِ
ولِمَجْلِسِ الحُكْمِ العَزِيزِ بِشَخْصِهِ شِمَمٌ تَغَارُ الشُّمُّ مِن تَفْخيمِهِ

وفي آخرها:

لا زِلْتَ تَعْلوفي البَرِيّةِ ما عَلا قَدْرُ المَقامِ بِفَضْلِ إِبْراهِيمِهِ

ومع حتى الإمام المضىي شيخه إلا أنه في ترجمته له في العبر في خبر من غبر يقول: «وسئل سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي -فسح الله في مدته- في العود إلى قضاء الشام على عادته فلم يجب، حتى روجع في ذلك مرات، فعاد بحمد الله تعالى إلى دمشق قاضيًا على عادته، ودخلها بكرة يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر فقرت برؤية وجهه العيون، وسُرَّ بقدومه الناس أجمعون. وكان يوم دخوله إلى دمشق كالعيد لأهلها، وقد كان أيده الله تعالى في مدة إقامته بمصر على حال شهيرةٍ من التعظيم والتبجيل، يعتقده الخاص والعام، ويتبرك بمجالسته ذووالسيوف والأقلام، ويزدحم طلبة فنون الفهم على أبوابه، وتمسح العامة وجوهها بأهداب أثوابه، ويقتدي المتنسكون بما يرونه من آدابه. فالله يمتع ببقائه أهل المصرين، ويجمع له ولمواليه خير الدارين بمحمد وآله».

وبالإضافة إلى سعة فهم التاج الذي قد أثنى عليه وأشاد به فهماء عصره ومن بعدهم، كان التاج متصفاً بالأخلاق الحميدة، فقد كان حسن السّمت، جواداً كريماً مهيباً تخضع له رقاب القضاة ومن غيرهم ويخشون جانبه.

المناصب التي تولاها

المناصب التعليمية

تولى التاج السبكي مشيخة الكثير من المدارس الكبار، التي كانت مشهورة ويؤمها كبار الفهماء والطلبة في عصره، فمن هذه المدارس التي تولاها: مدرسة الحديث الأشرفية، والمدرسة الأمينية، ومدرسة التقوية، والدماغية، والشامية البرانية، والعادلية الكبرى، والعذراوية، والعزيزية، والغزالية، والمسرورية، والناصرية الجوانية.

كما تولى التدريس في عدد من مدارس مصر في الشيخونية وجامع ابن طولون وجامع الشافعي، وقد كانت دروس التاج السبكي دروساً حافلة بالتحقيقات الرائعة والمسائل الفائقة التي تبهر جل الحاضرين، ويصف ابن كثير في البداية والنهاية صورة تفهم التاج السبكي الأول في الأمينية فيقول: «كان درساً حافلاً أخذ في تفسير قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) فاستنبط أشياء حسنة وذكر ضرباً من العلوم بعبارة طلقة جارية معسولة، أخذ ذلك من غير تلعثم ولا تلجلج (أي من غير تردد في الكلام) ولا تنحنح ولا تكلف، فأجاد وأفاد، وشكره الخاصة والعامة من الحاضرين وغيرهم؛ حتى نطق بعض الأكابر إنه لم يسمع درساً مثله قط».

هذا وبالإضافة إلى التدريس كان التاج السبكي قد تولى خطابة الجامع الأموي، بعد وفاة ابن جملة سنة 764هـ.

المناصب الإدارية والقضائية

لم يقتصر عمل الإمام تاج الدين السبكي على التدريس وحسب، بل تولى بعض المناصب الإدارية الهامّة ومنها:

  • تولية وظيفة مسقط الدست في دار العدل عن نائب الشام أمير علي المارديني سنة 754هـ.
  • ناب في الحكم عن أبيه عدّة مرات.
  • تولى مشيخة قاضي قضاة الشام لأكثَر من مرة.

محنته التي قابلها في القضاء

لا شك أنّ المكانة الاجتماعية والفهمية المرموقة التي حازها تاج الدين السبكي، وما تولاه من وظائف إدارية، ومناصب تدريسية عجز كثير من معاصريه عن نيلها أوتحقيق بعضها، جميع ذلك أثار حفيظة الحساد والمناوئين له الذين ناصبوه العداوة والبغضاء، ولقد تجلّت هذه العداوة بوضوح عندما تولى التاج السبكي وظيفة القضاء في الشام سنة 756هـ، فبدأ الحاقدون يدسون الدسائس، ويثيرون الشبهات حول الإمام، ويطعنون في تقواه وعدالته، بل تعدّى ذلك إلى الطعن في إسلامه ورميه بالكفر، وكان من نتيجة هذه المحاولات حتى صرف التاج السبكي عن القضاء مراراً.

  • الأولى: كانت سنة 759هـ حيث عزل وتوجه إلى مصر ومكث فيها فترة قصيرة ثم أعيد إلى القضاء في نفس هذا العام.
  • الثانية: كانت سنة 763هـ حيث عزل مرة أخرى بأخيه بهاء الدين، وتوجه التاج إلى مصر وتولى وظائف أخيه البهاء، واستمر في ذلك حتى عام 764هـ، حيث روجع التاج في عودته إلى القضاء بالشام إلا أنّه رفض، فروجع في ذلك مراراً حتى وافق وهوكاره لذلك، وطوال مدة إقامته في مصر تلك الفترة حظي من الإكرام والتعظيم والتبجيل الشيء الكثير، وفي ذلك يقول الحسيني: (وقد كان أيده الله تعالى في مدة إقامته بمصر على حالة شهيرة من التعظيم والتبجيل، يعتقده الخاص والعامّ ويتبرك بمجالسته ذووالسيوف والأقلام، ويزدحم طلبة فنون الفهم على أبوابه، وتمسح العامّة وجوهها بأهداب أثوابه، ويقتدي المتنسكون بما يرونه من آدابه، فالله يمتع ببقائه أهل المصرين، ويجمع له ولمواليه خير الدارين بمحمد وآله). وقد كان يوم دخوله دمشق كالعيد لأهلها حيث استقبلته دمشق بالسرور والبشر والفرح العظيم.
  • الثالثة: وهي الأخيرة وأشدها على التاج السبكي، فقد كانت سنة 769هـ، حيث عزل التاج عن القضاء وعن التدريس وأمر بالقبض عليه، ومصادرة أمواله والختم على بيوته، وقد عقدت له عدّة مجالس بدار النائب في دمشق للكشف عليه بحجة ما رمي به من تهم باطلة، وقد دافع التاج عن نفسه، فأفحم خصومه، وظهر قوله عليهم، غير أنّ الحساد الذين تولوا هذه التهم، وعلى رأسهم ابن الرهاوي ما فتأ يُلحّ في ملاحقة التاج والتنقير عنه، حتى أمر القاضي ابن قاضي الجبل بحبسه مدة سنة، وبالعمل سجن التاج في قلعة دمشق، واستمر فيها مدة ثمانين يوماً، ثم طُلِبَ إلى القاهرة وهناك عقد له مجلس حضره كبار الفهماء، وبيّنوا أنّ ما اتهم به التاج لا يقتضي عزله ولا الحكم بسجنه، وبالعمل أبطل حكم ابن الجبل وأعيد التاج إلى وظائفه مكرماً مبجلاً معظماً وكان ذلك سنة 770هـ.

هذا ولم يَذْكُر التاج السبكي تفاصيل محنته هذه، غير حتى شمس الدين السخاوي ذكر في وجيز الكلام أنه قرأ محنة التاج السبكي بخطه في مجلد، ولا نعهد أي شيء عن هذا المجلد الآن ولوعثر لربما أزال الكثير من الغموض حول هذه المحنة العجيبة. ولكن وجدت له إشارات تدلّ على ذلك فمنها: ما أشار إليه في مقدمة كتابه (الترشيح)، من أنّه قد نظم أرجوزة في اختيارات والده وهوفي السجن حيث نطق: (إنّي كنت قد نظمت وأنا في السجن أرجوزة، ثم نطق: ولما كانت تلك الأرجوزة حيث أنا مسجون مهموم، قليل الخط أوعديمها إنّما تُملى على حافظتي). وقد ذكر ابن طولون في القلائد الجوهرية بعض أبيات هذه الأرجوزة فمنها:

الحَمْدُ لله وقَدْ تَنَجَّزا نَظْمي هَذا واضِحاً مُرَجَّزا
في السِّجْنِ والتَّضْييقِ والتَّرْسيمِ أَتْمَمْتُ ما حَرَّرْتُ مِن مَنْظومي
ورُبْما أَهْمَلتُ أوغَفِلْتُ فالحَبْسُ قد يُنْسي الّذي عَلِمْتُه
وليَس عِنْدي كُتُبُ أُطالِعُ والحِفْظُ يَألَمُ جُهْدَ ما يُراجِعُ
أَسْأَلُ رَبَّ العالمَينَ فَرَجا مُعَجَّلاً فَهُوالكَريمُ المُرْتَجى
ولَم أَزَل في حَبْسِ قَبْرٍ عُذْرا خَمْسينَ يَوماً لا عُدِمْتُ أَجْرا

ثم نطق:

حَتّى نُقِلْتُ بَعْدَهُ لِلْقَلْعَه وحَبْسُها مُرُّ ولكن ذُوسَعَه
ومَكَرَ الأَعْداءُ مَكْراً ومَكَر رَبِّيَ لي مَكْراً عَزِيزاً ونَصَر

أسباب هذه المحنة

إنّ المصادر التاريخية التي ترجمت للتاج السبكي، لم تبيّن بوضوح مسببات هذه المحنة، لذا فلا زال الكثير من الغموض يكتنف هذه الواقعة، وبعض ما قيل من هذه الأسباب:

  1. ما ذكره ابن حجر العسقلاني وابن قاضي شهبة: أنّ سبب هذه المحنة هووجود وصولات لدى الأوصياء صرفت بها أموال ولم يُعيَّن فيها اسم القابض، فحاول ابن الرهاوي إقناع ناظر الأيتام حتى يعترف أنّها وصلت للقاضي تاج الدين فرفض ذلك، فآل الأمر إلى اتهام القاضي بها بسعي ابن الرهاوي.
  2. أنّ القاضي تاج الدين لما عقدت له المجالس في دار السعادة، تعلق بحكم لنائبه شمس الدين الغزي في شيء ذكره، فَرُدّ عليه بإبطال حكم الغزي، فنطق: إذا كان حكم الغزي باطلاً فما بقي إسلام أوفبطل دين الإسلام، فتعلقوا بهذه الحدثة، وحكموا بكفره وفسقه.
  3. يرى بعض المحققين أنّ سبب هذه المحنة هوإصرار تاج الدين على أحكام صدرت منه مخالفاً فيها لنائب الشام أمير علي المارديني.
  4. ويرى بعضهم أنّ السبب إنّما هو: تأليف تاج الدين لكتاب (معيد النعم ومبيد النقم) الذي انتقد فيه السياسة العامّة والأحوال الاجتماعية في دولة المماليك، مما أثار عليه حفيظة أولي السلطة والمناصب.
  5. أنّ سبب هذه المحنة هومخالفة التاج السبكي لابن تيمية ونقده له في كثير من آرائه وأفكاره، وقد كان في دمشق الكثير من المحبين لابن تيمية والمتعصبين له، مما أثار حفيظة هؤلاء المتعصبين ضده، فحاولوا الإيقاع به بحجة تلك الوصولات، ومما يؤكد ذلك أنّ الذي حكم بسجنه هوابن قاضي الجبل وهومن تلاميذ ابن تيمية ومن أشهر المتعصبين له.
  6. الحسد الذي أعمى الكثير من القلوب وأوغرها ضد التاج السبكي، يؤيد ذلك ما ورد في رسالة التاج إلى رفيقه صلاح الدين الصفدي سنة 763هـ إبّان عزله الثاني، حيث ذكر فيها مبلغ الحسد والمكائد التي كانت تُحاكُ ضده، وبيّن أنّ الله تعالى قد أبطل مكرهم وحمل بين الناس ذِكْره وأعلى منزلته وقدره.

ويؤيده أيضاً: ما اتى في رد الصفدي على رسالة التاج حيث نطق: «ولولم يكن مولانا في هذا الكمال ما حُسِدَ على ما حازه من غنائم المعالي، ولا ودّتْ النفوس الظالمة حتى تَسلُبه ما وهبه الله، وهوأبهى وأبهر من عقود اللآلي، ولا تمالئوا على اهتضام قدره، وكم هذا التمادي في التمالي ... فالحمد لله على النُّصرة ... وما يُغلَق باب إلا ويُفتَح دونه من الخيرات أبواب، وعلى جميع حال: أبونَصْرٍ أبونَصْر، وعبدُ الوهاب عبدُ الوهاب».

عقيدته

لقد كان الإمام تاج الدين السبكي يدين الله تعالى بعقيدة أهل السنة والجماعة وعلى طريقة إمام أهل السنة أبي الحسن الأشعري.

وعقيدة الشيخ أبي الحسن هي العقيدة التي تلقتها الأمّة سلفاً وخلفاً بالقبول وارتضوها لهم معتقداً، وفي ذلك يقول التاج السبكي في معيد النعم ومبيد النقم: «وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة، ولله الحمد في العقائد يد واحدة، كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله، لا يَحيد عنها إلا رِعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورِعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبَرّأ الله المالكية فلم نَرَ مالكياً إلا أشعرياً عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي، التي تلقاها فهماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة».

ويرى الإمام تاج الدين السبكي: أنّ أبا الحسن الأشعري لم يُنْشئ ممضىاً ولم يبتدع رأياً، وإنّما هومقرر لمذاهب السلف مناضل عما كانت عليه الصحابة، وأنّ الانتساب إلى الأشعري إنّما هوباعتبار أنّه عقد على طريق السلف نطاقاً وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه؛ فصار المقتدى به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعرياً.

وعلى ذلك فلا يمكن حتى يعد الأشاعرة ضمن المبتدعة، ولا يجوز ذمهم ولا الطعن عليهم، بل الابتداع جميع الابتداع في مخالفة نهجهم وطريقتهم، يقول التاج السبكي مؤكداً على ذلك: «وهذه المذاهب الأربعة ولله الحمد في العقائد يد واحدة إلا من لحق منها بأهل الاعتزال أوالتجسيم، وإلا فجمهورها على الحق، يُقِرّون عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها الفهماء سلفاً وخلفاً بالقبول، ويدينون الله برأي شيخ السنة أبي الحسن الأشعري، الذي لم يعارضه إلا مبتدع».

والإمام تاج الدين السبكي، يصرّح في أكثر من موضع في كتاباته بانتسابه إلى الأشعري عقيدة، وهوكثير الإجلال والتعظيم له، فمن الأدلة على ذلك قوله في حق الشيخ أبي الحسن في ترجمة حافلة له خَرّجَها التاج في طبقات الشافعية الكبرى: «شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى، ... شيخ طريقة أهل السنة والجماعة، إمام المتحدثين، وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المسلمين، سعياً يَبْقى أَثَرهُ إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين».

كما أنّه عقد فصلاً خاصاً في بداية كتابه الطبقات، بيّن فيه مسائل الإيمان والإسلام، وهل يزيد الإيمان وينقص أم لا، مقرراً في ذلك كله معتقد الأشاعرة. وكذلك ختم مختصره (جمع الجوامع) بخاتمة ذَكَر فيها معتقده مبيّناً فيها عقيدة الأشاعرة. وافتتح كتابه (ترشيح التوشيح) بمقدمة ذَكَر فيها جملة معتقده، حيث نطق: «فالحمد لله عوداً على بدء، رب العالمين، قيوم السماوات والأرضين، الأول فليس قبله شيء، الباطن فليس دونه شيء، ... الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي ليس بجسم مصور، ولا جوهر محدد، من زعم أنّ إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود، ومن زعم أنّ الأماكن تحيط به فقد لزمته الحيرة والتخليط، بل هوالمحيط بكل مكان مُقدَّس عن الجهات مُنزَّه عن المماسات، رفيع الدرجات ذوالعرش، يُلقي الروحَ من أمره على من يشاء من عباده، استوى على العرش الذي نطقه بالمعنى الذي نطقه لا تُنقِص منه ولا تَزيدَه، لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بعظيم قدرته، ولطيف صنعته. القرآن كلامه غير مخلوق، كَلَّم موسى تكليماً بلا جوارح ولا أدوات ولا شفه ولا لَهَوات، سبحانه عن تكييف الصفات» إلى آخر تلك المقدمة الحافلة التي جمع فيها أبرز مسائل الاعتقاد.

دفاعه عن أئمة الأشاعرة

يعدّ الإمام تاج الدين السبكي، حامل لواء الدفاع عن أهل السنة، وبخاصة الأشاعرة، فتراه يتحيّن الفرص للدفاع عنهم والذب عن أعراضهم فهوفي كتابه (طبقات الشافعية الكبرى) ـ والذي يعدّ بحق طبقات للأشاعرة أيضاً ـ بيّن حقيقة ما عليه هؤلاء الفهماء، ورد كثيراً مما رُمِي به هؤلاء الأئمة الجِلّة الذين حملوا راية الإسلام، والدفاع عن عقائده تُجاه الملاحدة، وأتباع الفرق الضالة، وجماعة المبتدعة.

وكثيراً ما كان التاج يَتعقّب شيخَه المضىي، الذي يعدّه التاج السبكي كثيرَ الغضِّ من أئمة الأشاعرة، وكثير الوقيعة فيهم، وقد تتبعه التاج في كثير من المواضع، وكان يردُّ دَعاويه وأقاويله التي فيها غضٌّ من هؤلاء الأعلام، ترى ذلك واضحاً في ترجمة التاج السبكي للإمام أبي الحسن الأشعري، وإمام الحرمين الجويني، والإمام فخر الدين الرازي، حيث وجه في هذه التراجم نقداً لاذعاً قوياً لشيخه المضىي، الذي اعتبره التاج لم يُوفِّ هؤلاء الجهابذة حقهم في تراجمه لهم.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل أنّ التاج السبكي يقرّر أنّه لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر حتى يعتمدَ على أقوال المضىي في الغضّ عن الأشاعرة فيقول: «والمضىي أستاذنا، والحق أحق حتى يُتّبعَ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر حتى يعتمدَ عليه في الضَّعة من الأشاعرة...» أي: الحط من أقدارهم.

قصيدته في مدح الأشاعرة والماتريدية

نطق التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: «تفحصت خط الحنفية (ويقصد بهم الماتريدية لتممضىهم بالممضى الحنفي) فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاث عشرة مسألة، منها معنوي ست مسائل، والباقي لفظي، وتلك الست المعنوية لا تقتضي مخالفتهم لنا، ولا مخالفتنا لهم فيها تكفيراً ولا تبديعاً... ولي قصيدة نونية، جمعت فيها هذه المسائل، وضممت إليها مسائل، اختلفت الأشاعرة فيها، مع تصويب بعضهم بعضاً فِي أصل العقيدة، ودعواهم أنهم أجمعين على السنة، وقد ولع كثير من الناس بحفظ هذه القصيدة، لا سيما الحنفية، وشرحها من أصحابي الشيخ الإمام العلامة نور الدين بن أبي الطيب الشيرازي الشافعي، وهورجل مقيم في بلاد كيلان، ورد علينا دمشق في سنة سبع وخمسين وسبع مائة، وأقام يلازم حلقتي نحوعام ونصف عام، ولم أر فيمن اتى من العجم في هذا الزمان أفضل منه ولا أدين». ثم ذكر القصيدة، وهي كالتالي:

الورد خدك صيغ من إنسان أم في الخدود شقائق النعمان
والسيف لحظك سل من أجفانه فسطا كمثل مهند وسنان
تالله ما خلقت لحاظك باطلا وسدى تعالى الله عن بطلان
وكذاك عقلك لم يركب يا أخي عبثا ويودع داخل الجثمان
لكن ليسعد أوليشقى مؤمن أوكافر فبنوالورى صنفان
لوشاء ربك لاهتدى جميع ولم يحتج إلى حد ولا برهان
فانظر بعقلك واجتهد فالخير ما تؤتاه عقل راجح الميزان
واطلب نجاتك إذا نفسك والهوى بحران في الدركات يلتقيان
نار يراها ذوالجهالة جنة ويخوض منها فى حميم آن
ويظل فيها مثل صاحب بدعة يتخيل الجنات في النيران
كذب ابن فاعلة يقول لجهله الله جسم ليس كالجسمان
لوكان جسما كان كالأجسام يا مجنون فاصغ وعد عن بهتان
واتبع صراط المصطفى في جميع ما يأتي وخل وساوس الشيطان
وافهم بأن الحق ما كانت عليه صحابة المبعوث من عدنان
من أكمل الدين القويم وبين الحجج التى يهدي بها الثقلان
قد نزهوا الرحمن عن شبه وقد دانوا بما قد اتى فى الفرقان
ومضوا على خير وما عقدوا مجالس في صفات الخالق الديان
كلا ولا ابتدعوا ولا نطقوا البنا متشابه في شكله للباني
وأتت على أعقابهم فهماؤنا غرسوا ثمارا يجتنيها الجاني
كالشافعي ومالك وكأحمد وأبي حنيفة والرضا سفيان
وكمثل إسحاق وداود ومن يقفوطرائقهم من الأعيان
وأتى أبوالحسن الإمام الأشعري مبينا للحق أي بيان
ومناضلا عما عليه أولئك الأسلاف بالتحرير والإتقان
ما إذا يخالف مالكا والشافعي وأحمد بن محمد الشيباني
لكن يوافق قولهم ويزيده حسنا بتحقيق وفضل بيان
يقفوطرائقهم ويتبع حارثا أعني محاسب نفسه بوزان
فلقد تلقى حسن منهجه عن الأشياخ أهل الدين والعهدان
فلذاك تلقاه لأهل الله ينصر قولهم بمهند وسنان
مثل ابن أدهم والفضيل إلى غير ذلك معروف المعروف فى الإخوان
ذوالنون أيضا والسري وبشر بن الحارث الحافي بلا فقدان
وكذلك الطائي ثم شقيق البلخي وطيفور كذا الداراني
والتستري وحاتم وأبوتراب عسكر فاعدد بغير توان
وكذاك منصور بن عمار كذا يحيى سليل معاذ الرباني
فله بهم حسن اعتقاد مثل ما لهم به التأييد يوم رهان
إذ يجمع الخصمان يوم جدالهم ولما تحقق يسمع الخصمان
لم لا يتابع هؤلاء وشيخه الشيخ الجنيد السيد الصمداني
عنه التصوف قد تلقى فاغتذى وله به وبفهمه نوران
ورأى أبا عثمان الحيري والنوري يا لهما هما الرجلان
ورأى رويما ثم رام طريقه وأبا الفوارس شاها الكرماني
والمغربي كذا ابن مسروق كذا البسري قوم أفرس الفرسان
وأظنه لم يلتق الخراز بل قيل التقى سمنون فى سمنان
وكذاك للجلاء لم ينظر ولا ابن عطا ولا الخواص ثم بنان
وكذلك حمشاذ مع الدقي مع خير وهذا غالب الحسبان
وكذاك أصحاب الطريقة بعده ضبطوا عقائده بكل عنان
وتتلمذ الشبلي بين يديه وابن خفيف والثقفي والكتاني
وخلائق كثروا فلا أحصيهم وربوا على الياقوت والمرجان
الكل معتقدون حتى إلهنا متوحد فرد قديم دان
حي عليم قادر متحدث عال ولا نعني علومكان
باق له سمع وإبصار يريد جميع ما يجري من الإنسان
والشر من تقديره لكنه عنه نهاك بواضح البرهان
قد أنزل القرآن وهوكلامه لفظت به للقارئ الشفتان
وإلهنا لا شيء يشبهه وليس بمشبه شيئا من الحدثان
قد كان ما معه قديما قط من شيء ولم يبرح بلا أعوان
خلق الجهات مع الزمان مع المكان الكل مخلوق على الإمكان
ما إذا تحل به الحوادث لا ولا كلا وليس يحل في الجسمان
كذب المجسم والحلولي الكفور فذان في البطلان مفتريان
والاتحادي الجهول ومن يقل بالاتحاد فإنه نصراني
ونبينا خير الخلائق أحمد ذوالجاه عند الله ذي السلطان
وله الشفاعة والوسيلة والفضيلة واللواء وكوثر الظمآن
فاسأل إلهك بالنبي محمد متوسلا تظفر بكل أمان
لا خلق أفضل منه لا بشر ولا ملك ولا كون من الأكوان
ما العرش ما الكرسي ما هذي السما عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المصطفى العدنان
والرسل بعد محمد درجاتهم ثم الملائك عابدوالرحمن
ثم الصحابة مثل ما قد رتبوا فالأفضل الصديق ذوالعهدان
ثم العزيز السيد الفاروق ثم اذكر محاسن ذي التقى عثمان
وعلي ابن العم والباقون أهل الفضل والمعروف والإحسان
والأولياء لهم كرامات فلا تنكر تقع في مهمه الخذلان
والمؤمنون يرون ربهم كرؤيتهم لبدر لاح نحوعيان
هذا اعتقاد مشايخ الإسلام وهو الدين فلتسمع له الأذنان
الأشعري عليه ينصره ولا يألوا جزاه الله بالإحسان
وكذاك حالته مع النعمان لم ينقض عليه عقائد الإيمان
يا صاح إذا عقيدة النعمان والأشعري حقيقة الإتقان
فكلاهما والله صاحب سنة بهدى نبي الله مقتديان
لاذا يبدع ذا ولا هذا وإن تحسب سواه وهمت في الحسبان
من نطق إذا أبا حنيفة مبدع رأيا فذلك قائل الهذيان
أوافترض حتى الأشعري مبدع فلقد أساء وباء بالخسران
كل إمام مقتد ذوسنة كالسيف مسلولا على الشيطان
والخلف بينهما قليل أمره سهل بلا بدع ولا كفران
فيما يقل من المسائل عده ويهون عند تطاعن الأقران
ولقد يؤول خلافها إما إلى لفظ كالاستثناء في الإيمان
وكذا الرسالة بعد موت إذا تكن صحت وإلا أجمع الشيخان
وقد ادعى ابن هوازن أستاذنا فيها افتراء من عدوشان
وهوالخبير الثبت نقلا والإرادة ليس يلزمها رضا الرحمن
فالكفر لا يرضى به لعباده ويريده أمران مفترقان
وأبوحنيفة قائل إذا الإرادة والرضا أمران متحدان
وعليه أكثرنا ولكن لا يصح وقيل مكذوب على النعمان
وكذاك إيمان المقلد وهومما أنكر ابن هوازن الرباني
ولوأنه مما يصح فخلفهم فيه للفظ عاد دون معان
وكذاك كسب الأشعري وإنه صعب ولكن قام بالبرهان
من لم يقل بالكسب مال إلى اعتزال أومنطق الجبر ذي الطغيان
أوللمعاني وهوست مسائل هانت مداركها بدون هوان
لله تعذيب المطيع ولوجرى ما كان من ظلم ولا عدوان
متصرف فِي ملكه فله الذي يختار لكن جاد بالإحسان
فنفى العقاب ونطق يفترض أن أثيبهم فله بذاك عليهم فضلان
هذا منطق الأشعري إمامنا وسواه مأثور عن النعمان
ووجوب فهم الإله الأشعري يقول ذاك بشرعة الديان
والعقل ليس بحاكم لكن له الإدراك لا حكم على الحيوان
وقضوا بأن العقل يوجبها خط الفروع لصحبنا وجهان
وبأن أوصاف الفعال قديمة ليست بحادثة على الحدثان
وبأن مكتوب المصاحف منزل عين الكلام المنزل القرآن
والبعض أنكر ذا فإن يصدق فقد مضىت من التعداد مسألتان
هذي ومسألة الإرادة قبلها أمران فيما قيل مكذوبان
وكما انتفى هذان عنهم هكذا عنا انتفى مما ينطق اثنان
نطقوا وليس بجائز تكليف ما لا يستطاع فتى من الفتيان
وعليه من أصحابنا شيخ العراق وحجة الإسلام ذوالإتقان
ورواه مجتهد الزمان محمد بن دقيق عيد واضح السبلان
نطقوا وتمتنع الصغائر من نبي للإله وعندنا قولان
والمنع مروي عن الأستاذ والقاضي عياض وهوذورجحان
وبه أقول وكان ممضى والدي دفعا لرتبتهم عن النقصان
والأشعري إمامنا لكننا في ذا نخالفه بكل لسان
ونقول نحن على طريقته ولكن صحبه في ذاك طائفتان
بل نطق بعض الأشعرية إنهم برآء معصومون من نسيان
والكل معدودون من أتباعه لا يخرجون بذا عن الإذعان
وأبوحنيفة هكذا مع شيخنا لا شيء بينهما من النكران
متناصران وذا اختلاف هين عار عن التبديع والخذلان
هذا الإمام وقبله القاضي يقولان البقا لحقيقة الرحمن
وهما كبيرا الأشعرية وهونطق بزائد في الذات للإمكان
والشيخ والأستاذ متفقان في عقد وفي أشياء مختلفان
وكذا ابن فورك الشهيد وحجة الإسلام خصما الإفك والبهتان
وابن الخطيب وقوله إذا الوجود وهوالأشعري الثاني
والاختلاف في الاسم هل هووالمسمى واحد لا اثنان أوغيران
والأشعرية بينهم خلف إذا عدت مسائله على الإنسان
بلغت مئين وكلهم ذوسنة أخذت عن المبعوث من عدنان
وغدا ينادى كلنا من جملة الأتباع للأسلاف بالإحسان
والأشعري إمامنا والسنة الغراء سنتنا مدى الأزمان
وكذاك أهل الرأي مع أهل الحديث في الاعتقاد الحق متفقان
ما إذا يكفر بعضهم بعضا ولا أزرى عليه وسامه بهوان
إلا الذين تمعزلوا منهم فهم فيه تنحت عنهم الفئتان
هذا الصواب فلا تظنن غيره واعقد عليه بخنصر وبنان
ورأيت ممن نطقه حبر له نبأ عظيم سار في البلدان
أعني أبا منصور الأستاذ عبد القاهر المشهور في الأكوان
هذا صراط الله فاتبعه تجد في القلب برد حلاوة الإيمان
وتراه يوم الحشر أبيض واضحا يهدي إليك رسائل الغفران
وعليه كان السابقون عليهم حلل الثناء وملبس الرضوان
والشافعي ومالك وأبوحنيفة وابن حنبل الكبير الشان
درجوا عليه وخلفونا إثرهم إن نتبعهم نجتمع بجنان
أونبتدع فلسوف نصلى النار مذمومين مدحورين بالعصيان
والكفر منفي فلست مكفرا ذا بدعة شنعاء في النيران
بل جميع أهل القبلة الإيمان يجمعهم ويفترقون كالوحدان
فأجارنا الرحمن بالهادي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - محمد من ناره بأمان
ما وضح الضحى وبدا بديجور الدجى النسران
والآل والصحب الكرام ومنهم الصديق والفاروق مع عثمان
وعلي ابن العم والباقون إنهم النجوم لمقتد حيران

تصوفه وموقفه من الصوفية

جزء من سلسلة

تصوف


تاريخ التصوف

توحيد · الشهادتين
الصلاة · الصوم
الحج · الزكاة

حارث المحاسبي · الغزالي
عبد القادر الجيلاني · حسن البصري
أحمد السرهندي · ابن عربي
مهر علي شاه · علي هجويري· جوهر شاهي

إحياء علوم الدين · الرسالة القشيرية · مكتوبات الربانية
الفتوحات المكية · كشف المحجوب · دين الله

صوفية السنة · صوفية الشيعة · صوفية الفلسفة

الطريقة القادرية · الطريقة النقشبندية · الطريقة الجشتية · الطريقة السهروردية
الطريقة المجددية · الطريقة الشاذلية· الطريقة السنوسية · الطريقة المولوية · الطريقة الإدريسية . الكيفية التيجانية · البكداشية · الأحباش

المحبة · الفهم
فناء بقاء · سالك
الشيخ · الطريقة
تجلي · وحدة الوجود

المسجد الحرام · المسجد النبوي
المسجد الأقصى ·الأزهر

دمشق · خراسان · القدس
بصرة · الإسكندرية · فاس

لم تَذْكُر المصادر التاريخية عن تَصوّف السبكي شيئاً، وعن صحبته في التصوف أوعلى من تخرج فيه، غير أنّه من المقرّر المعلوم أنّ والده الشيخ تقي الدين كان قد صحب في التصوف الشيخ العارف بالله ابن عطاء الله السكندري وعليه تخرج في هذا الفهم. والشيخ تقي الدين كان من الفهماء العارفين بالله تعالى وقد كان الشيخ تقي الدين أول مربٍّ موجِّه لولده، مما يقوي لديَّ احتمالية أنّ التاج قد أخذ التصوف عن والده وانتسب فيه إليه.

وهناك من النصوص ما يثبت أنّ التاج السبكي كان ذا قدم راسخة في التصوف، فمن ذلك قوله في كتابه (معيد النعم ومبيد النقم) إبّان حديثه عن مسببات زوال النعم: (وأنا أبحث عن هذه الأمور ... بحثاً مختصراً، لا أرخي فيه عنان الإطناب؛ فإنّه بحر لا ساحل له، لوركبت فيه الصعب والذلول، وشمرت فيه مساق البيان، وخضت فيه لجج الدقائق، لذَكَرتُ ما يعسر فهمه على أكثر الخلائق، ... ولانتهينا إلى ما لم يُؤذَن لنا في إظهاره من الأسرار الفهمية). ثم أخذ يتحدث عن الشكر بلسان العارف البصير، وبيّن ما على الإنسان عمله شكراً لربه تعالى، وذكر مسببات زوال النعم، فشخص الداء ووصف له العلاج، وما هذه العلوم إلا من لب فهم التصوف.

وقد كان تاج الدين السبكي كثير المحبة والإجلال والتعظيم للصوفية فهولا يذكرهم إلا بألفاظ التبجيل والتفخيم، فهويقول عنهم في كتابه (معيد النعم ومبيد النقم): «الصوفية: حَيّاهُم الله وبَيَاهُم وجمعنا في الجنة وإياهم». ويقول أيضاً: (والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين تُرتَجى الرحمةُ بذكرهم ويُستنزلُ الغيثُ بنادىئهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم).

وقد حذّر التاج السبكي من الإنكار عليهم والوقوع في أعراضهم، فنطق: «وقد جرّبنا فلم نجد فقيهاً ينكر على الصوفية إلا ويهلكه الله تعالى وتكون عاقبته وخيمة... إلى حتى نطق: لأنّ هؤلاء القوم لا يعاملون بالظواهر، ولا يفيد معهم إلا الباطن ومحض الصفاء، وهم أهل الله وخاصته نفعنا الله بهم، وأكثر من يقع فيهم لا يفلح».

وأما موقفه مما يَصدُرُ عن الصوفية من ألفاظٍ مُوهمٌ ظاهرها الخروج عن رِبْقَةِ التوحيد فهوموقف معتدل وسط، فهويرى أنّه ينبغي النظر أولاً إلى لزوم الشخص لأوامر الله تعالى، فإن كان كذلك وجب حسن الظن به ويقول: «وتلك الأمور قَلَّ حتى يفهما من يَعِيبُها، والواجب تسليم أحوال القوم ... إليهم، وإنا لا نؤاخذ أحداً إلا بجريمة ظاهرة ومتى أمكننا تأويل كلامهم وحمله على محمل حسن لا نعدل من ذلك لا سيّما من عهدناه منهم بالخير ولزوم الطريقة، ثم إذا بَدَرتْ لفظة من غلطة أوسقطة فإنّها عندنا لا تهدم ما مضى».

والتصوف الذي يتحدث عنه التاج السبكي، هوالتصوف الصافي النقي على طريقة إمام الطائفة الجنيد البغدادي، وأبوالقاسم القشيري، وليس جميع من تزيّى بزي الصوفية ونسب نفسه إليهم ممن يسيئون إلى التصوف وأهله الذين يقول فيهم التاج: «افهم أنّهم [أي الصوفية] قد تشبه بهم أقوام ليسوا منهم، فأوجب تشبه أولاء بهم سوء الظن، ولعل ذلك من الله تعالى قصداً لخفاء هذه الطائفة التي تؤثر الخمول على الظهور».

مظاهر من شخصيته

إنّ من يطالع مصنفات التاج السبكي يرى واضحاً بروز شخصيته، ويستطيع حتى يدركَ بعض الجوانب المهمة في شخصيته، والتي منها ما يلي:

قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

كان الإمام تاج الدين السبكي سَليطَ اللّسان والبنان في محاربة المنكرات أيا كان نوعها وأيا كان فاعلها، فهودائماً ما يصحّح ويشدّد النكير إما على عامّي فاسق، أوحاكم مارق، أوعالمٍ أوقاضٍ أومُفتٍ أوصوفي جاهل.

فمن ذلك نقده لحكام زمانه الذين يكثرون من بناء الجوامع بلا حاجة لها، مع الفهم بأنّ تعدّد الجمعة فيها غير جائز عند أكثر الفهماء فيقول التاج في حق هؤلاء: «ولقد رأينا منهم من يَعمُرُ الجوامع ظانّاً أنّ ذلك من أعظم القرب ... فينبغي حتى يُفهّمَ هذا الملك أنّ إقامة جمعتين في بلد لا تجوز عند الشافعي وأكثر الفهماء؛ فإن نطق: قد جوزها قوم منهم قلنا له: إذا عملت ما واجب عليك عند الكل فذاك الوقت إعمل الجائز عند البعض، وأما أنّك ترتكب ما نهى الله عنه وتهجر ما أمر به، ثم ترغب حتى تَعمُرَ الجوامع بأموال الرعايا لينطق: هذا جامع فلان، فلا والله لن يتقبله الله أبداً، وإنّ الله سبحانه طيّب لا يَقبلُ إلا طيباً».

ويقول في موضع آخر منتقداً أحكام الولاة: «وبعض من طبع الله على قلبه من الولاة يأمر الرجلَ حتى يُجّرد، فإذا شرع الجلاد في ضربه قام الوالي للصلاة وأطال ـ سمعت ذلك عن بعض ولاة القاهرة ـ فيستمرُّ المضروب تحت العصي والمقارع ما دام الوالي في الصلاة فقبحه الله، آلله أمره بهذا، وأي صلاة هذه؟!».

ويقول عن عوائد نظّار الجيش القبيحة: «أنّهم يقولون هذا شرع الديوان، والديوان لا شرع له، بل الشرع لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا الكلام يُنهي إلى الكفر، وإن لم تنشرح النفس لتكفير قائله، فلا أقلَّ من ضربه بالسياط؛ ليكفَّ لسانه عن هذا التعظيم الذي هوفي غنىً عنه».

وبعد حتى ذكر جملةً من القبائح والمنكرات التي ينغمس فيها أصحاب الساسة والأمراء نطق: «ولكنهم احجتروا (أي التجئوا واستعاذوا) وعملوا هذه القبائح، وطلبوا من الله تعالى حتى ينصرَهم، ومنا حتى ندعوَ لهم، ولوأنّهم اتقوا الله حقّ تقاته، لما افتقروا إلى نادىئنا».

هذا وقد استرسل الإمام تاج الدين السبكي في بيان قبائح الولاة والحكام، وبيّن ما يجب عليهم حتى يعملوه، ومن ثم تناول جميع فئات الشعب، مبيّناً لكل فئة ما يجب عليها عمله وما ينبغي عليها الكفَّ عنه، بأسلوب سهل مبسط مقبول، فهويشدد حيث تعيَّنَ التشديد وبخاصة عند توجيه النقد للحكام والولاة، ويمارس الرفق واللين عند مخاطبته العامّة والدهماء من الناس.

احترامه لأهل الفهم

الإمام تاج الدين السبكي كان كثير الاحترام والتقدير لأهل الفهم قاطبة، فقد كان يعهد للفهماء أَقدارَهُم، وينزلهم منازلهم في أعلى المراتب، وكان التاج يرى أنّ منازل الفهماء هي من أعلى المنازل، بل لقد عدّ الفهماء أعلى وأحمل من الملوك والأمراء، فهويقول في مقدمة طبقاته: «الحمد لله الذي حمل طبقات الفهماء على هام الملوك وتاجها، ودفع بألسنتهم من تُرَّهات المبطلين ما لم يدفعه مساجد التقى، ومشاهد الوغى عند عجاج ليلها، وليل عجاجها، وقمع بهم شبهات الملحدين، وما شبهة الملحدين إلا ليل غمة، وحدثة العالم صبح انفراجها».

ولعل أكبر مرشد على حب التاج للفهماء، هوإخراجه لكتاب جمع فيه طبقات الفهماء الشافعية، فجمع فيه أشتات الفهماء وبيّن مراتبهم، وكان لا يذكرهم إلا بصفات المدح والتبجيل والتفخيم والتعظيم، فهولا يذكر إلا مناقبهم، ويدافع عنهم، ويَذبّ عن أعراضهم، وينتقد من ينتقدهم. وكان كثيراً ما يَغضّ الطرف عن مثالبهم، وإذا ما بَدَرتْ من أحدهم غلطة أوسقطة كان دائماً حَسَنَ الظَنِّ بهم يَلتمِسُ لهم الأعذار، ويُؤوّل لهم الأقوال، إلا إذا اقتضت الضرورة غير ذلك؛ فإنّه كان ينبّه على بعضها، وذلك لا يوجب نقصاً من أقدارهم، ولا طعناً فيهم؛ بل ليكون طلبة الفهم على فهم بها والحذر منها حتى لا يقعوا فيها.

اتباعه للحق وإنصافه لخصومه

كان الإمام تاج الدين السبكي كثير التحرّي للحق، وهويدور مع الحق حيث دار، ولا يمنعه من قبول الحق محاباة لأحد ولا مجاملة لأي كان حتى ولوكان والده، فهولا يتحرّج من مخالفة والده في مسألة رأى أنّ والده قد جانب الصواب فيها، لذلك قد عقد فصلاً في آخر كتابه (الترشيح) للمسائل التي رجّح فيها خلاف والده ويقول في ذلك: «وذكرت من معترضاتي على الوالد، وسأذكر في آخر الكتاب أيضاً منه، ليُعلَم أنا إذا شاء الله لا نحابي في دين الله أحداً، ولوحابينا لحابينا الوالد».

وبلغ من شدة تحرّيه الحق في المسائل، كان أحياناً ما يختلف قوله في المسألة الواحدة في خطه المتنوعة، فتراه في موضع ما يقرّر المسألة بوجه، ثم يرجع في كتاب آخر ويقرّرها بوجه آخر مغايراً له، بل إنّه قد يصرّح بخطئه ويرجع عن قوله ولا يرى في ذلك تحرّجاً، فمن ذلك أنّه صرّح في (جمع الجوامع) في مبحث (لو) اختيار كلام والده في عدم كونها امتناعية حيث نطق هناك: «والسليم وفاقاً للشيخ الإمام امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه».

ثم عاد عن هذا الرأي في (منع الموانع) واختار كونها امتناعية فنطق: «وافهم أنّا خطنا هذا ونحن نوافق الوالد إذ ذاك على ما رآه، ولذلك عبّرنا عنه بلفظ السليم، وأما الذي أراه الآن، وأدعي ارتداد تعبير سيبويه إليه، وإطباق كلام العرب عليه، فهوقول المعرَّبين، وقول الوالد: (إنّه منقوض بما لا قبل له) مما لا يَظهَر لي،... إلى حتى نطق: ولكنا هنا نَحيد عنه؛ فإن كان خطأً فمنّا ومن الشيطان، وإن كان صواباً فمن الله وببركته رحمه الله، فأقول: مدلول (لو) الشرطية: امتناع التالي لامتناع المقدم مطلقاً».

هذا وقد امتاز التاج السبكي بمِيزة أخرى لا تقلّ أهمية عن كونه وقّافاً مع الحق حيث كان ومع أيّ كان، ألا وهي أنّه كان كثير الإنصاف لخصومه الذين يخالفهم في الرأي، ويوجّه النقدَ لاجتهادهم، فهومع النقد الفهمي الموجّه إليهم إلا أنّه لم يكن لينتقصَ من أقدارهم، أويهتضم حقوقهم، بل كان ينزلهم منازلهم، ويحفظ لهم مكانتهم رغم مخالفته الشديدة لهم في كثير من أفكارهم. وليس أدل على ذلك من موقف التاج السبكي من شيخه المضىي، فهورغم شدة انتقاده له بسبب تحامله على الأشاعرة؛ إلا أنّه ما كان ليذكره إلا بصفات التبجيل والتفخيم والتعظيم.

فهويقول عنه، محدث العصر، ويقول: «اشتمل عصرنا على أربعة حفاظ بينهم عموم وخصوص: المزي والبرزالي والمضىي والشيخ الإمام». وقد رثاه بقصيدة طويلة، منها:

مَن لِلْحَديثِ ولِلسَّارينَ في الطَّلَبِ مِن بَعْدِ مَوتِ الإِمامِ الحافِظِ الذَّهَبي
مَن لِلرِّوايةِ للأَخْبارِ يَنْشُرُها بَيْن البَريَّةِ مِن عُجْمٍ ومِن عَرَبِ
مَن لِلدِّرايةِ والآثارِ يِحْفَظُها بِالنَّقْدِ مِن وَضْعِ أَهْلِ الغَيِّ والكَذِبِ

إلى حتى نطق:

هُوالإِمامُ الّذي رَوَّتْ رِوايَتَه وطَبَّقَ الأَرْضَ مِن طُلابِهِ النُّجُبِ
مُُهَذَّبُ القَولِ لا عَيٌّ ولَجْلَجَةٌ مُثَبَّتُ النَّقْلِ سامي القَصْدِ والحَسَبِ
ثَبْتٌ صَدُوقٌ خَبيرٌ حافِظٌ يَقِظٌ في النَّقْلِ أَصْدَقُ أَنْباءً مِن الكُتُبِ
كَالزُّهْرِ في حَسَبٍ والزَّهر في نَسَبٍ والنَّهْرِ في حَدَبِ والدَّهْرِ في رُتَبِ

نبذه للتعصب الممضىي

رغم تممضى التاج السبكي على فقه الإمام الشافعي، واعتباره ممضىه هوالممضى الحق، وأنّ من عانده فقد عاند الحق، ورغم عظيم حبه للإمام الشافعي، وأتباعه من السادة الفهماء الذين دفعه حبه لهم إلى جمع أشتاتهم وتتبع أخبارهم في كتاب خاص بأئمة الفقهاء الشافعية. رغم جميع ذلك إلا أنّه كان ينبذ التعصب الممضىي والجمود على أقوال الأئمة، بحيث تُجعَل الفروع المروية عن الأئمة أصولاً، بحيث يعادي بعضهم بعضا لأجلها ويُبدّع بعضهم الآخر بسببها، ويرى التاج السبكي أنّ هذا التعصب الممقوت لا يرضى به أحد ولوكان الأئمة الفقهاء أحياء لشددوا النكير على أمثال هؤلاء، ويقول: «ومنهم من تأخذه في الفروع الحمية لبعض المذاهب ويركب الصعب والذلول في العصبية، وهذا من أسوأ أخلاقه، ولقد رأيت في طوائف المذاهب من يبالغ في التعصب بحيث يمتنع بعضهم من الصلاة خلف بعض إلى غير ذلك مما يُستَقبح ذكره، ويا ويح هؤلاء! أين هم من الله تعالى! ولوكان الشافعي وأبوحنيفة رحمهما الله تعالى حَيّين لشددوا النكير على هذه الطائفة».

ويضيف التاج السبكي أنّ على الفهماء حتى يتجاوزوا هذه الفروع التي للخلاف فيها مدخل وللاجتهاد فيها باب واسع، وكل مجتهد مأجور وإن أخطأ، وعليهم حتى يشتغلوا بما هوأبرز من ذلك؛ كالرد على أهل البدع والأهواء الذين يُفسِدون على الناس دينهم وعقائدهم، ويقول: «وليت شعري لم لا هجروا أمر هذه الفروع التي الفهماء فيها على قولين، من قائل: جميع مجتهد مصيب، وقائل: المصيب واحد، ولكن المخطئ يؤجر، واشتغلوا بالرد على أهل البدع والأهواء... ثم نطق: فقل لهؤلاء المتعصبين في الفروع وَيْحكم: ذروا التعصب، ودعوا عنكم هذه الأَهْويَة، ودافعوا عن دين الإسلام، وشَمّروا عن ساق الاجتهاد في حَسْمِ مادة من يسبّ الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما».

ويَعيبُ التاج على هؤلاء الفقهاء الذين شغلوا أنفسهم بالفروع ونسوا أنّ بين ظهرانيهم يعيش أهل الذمة، ولا تجد فقيهاً يجالس ذمياً يبيّن له هذا الدين ويدعوه إليه فيقول: «بل هؤلاء أهل الذمة في البلاد الإسلامية تهجرونهم هَمَلاً... ولا نرى منكم فقيهاً يجلس مع ذمي ساعة واحدة، يبحث معه في أصول الدين... إلى حتى نطق: فيا أيها الفهماء في مثل هذا فاجتهدوا، وتعصبوا، وأما تعصبكم في فروع الدين، وحملكم الناس على ممضى واحد؛ فهوالذي لا يقبله الله منكم ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد».

والمصيبة الكبرى التي يراها التاج السبكي، حتى ترى من الفقهاء من يُشدّد النّكير على المسائل الفرعية، ويهجر الإنكار على المسائل الأصلية البترية، فلا تجدهم ينكرون على تارك الصلاة، ولا على كثير من المحرمات المجمع عليها ويضيف: «فَلَعَمْرُ الله لا أحصي من رأيته يُشمّر عن ساعد الاجتهاد في الإنكار على شافعي يذبح ولا يسمي... وهويرى من العوام ما لا يُحصي عدده إلا الله تعالى يهجرون الصلاة التي جزاء من هجرها عند الشافعي ومالك وأحمد ضرب العنق، ولا ينكرون عليه، بل لوولج الواحد منهم بيته لرأى كثيراً من نسائه يهجرن الصلاة، وهوساكت عنهن، فيالله وللمسلمين! أهذا فقيه على الحقيقة! قبح الله مثل هذا الفقيه، ثم ما بالكم تنكرون مثل هذه الفروع، ولا تنكرون المكوس والمحرمات المجمع عليها، ولا تأخذكم الغيرة لله تعالى فيها! وإنّما تأخذكم الغيرة للشافعي، وأبي حنيفة، والمدارس المزخرفة».

وقد كان الإمام تاج الدين السبكي ذا بعد نظر، وفكر ثاقب؛ فهويريد حتى يجتمع الفهماء على حدثة واحدة، ولا يريد للأمّة حتى تفترق فيما بينها وتمضى هيبتها، فقد كان يدعوالفهماء إلى توحيد الحدثة ورصّ الصفوف ويرى أنّ افتراق الفهماء هوسبب هلاك الأمّة فيقول: «فيؤدي ذلك إلى افتراق حدثتكم وتَسلّط الجهال عليكم، وسقوط هيبتكم عند العامّة، وقول السفهاء في أعراضكم ما لا ينبغي، فتهلكون السفهاء بكلامهم فيكم؛ لأنّ لحومكم مسمومة على جميع حال، لأنّكم فهماء، وتهلكون أنفسكم بما ترتكبونه من العظائم».

اعتزازه بنفسه وبمؤلفاته

كان التاج السبكي كثير الاعتزاز بنفسه، فهويقول عن نفسه: «وأنا اليوم مجتهد الدنيا على الإطلاق لا يقدر أحد يرد عليّ هذه الحدثة» فانظر إلى مدى هذا الاعتزاز وهذه الثقة بالنفس والتي جعلته يتفوه بمثل هذه الحدثة، في زمن كان الفهماء يقفون فيه سداً منيعاً أمام من يدعى الاجتهاد ولم يكن قد تأهل له بعد.

ولا يرى التاج السبكي حرجاً بالتحدث عن مؤلفاته ومزاياها، فهولا يهجر فرصة إلا ويشيد بمؤلفاته ويحمل منها، بعبارات تفوح منها رائحة العزّة والأنَفَة فهويقول عن كتابه الطبقات: «ومن نظر كتابي هذا فهم كيف من الممكن أن كان البدر يغيب وأنا شاهد، وتيقن أنّه وظيفة عمر رجل ناقد؛ فلقد اشتمل على بحر زاخر من غرائب المسائل، وقدر وافر من عجائب الأقوال والأوجه والدلائل وغيث هامع من الفهم تتقاصر عنه الأنوا (أي جمع نوء وهوالنجم المنازل في الغرب وكانت العرب تضيف إليه المطر والرياح)، وغدير جامع تلقى عنده الدلا (أي جمع دلووهوما يستقى به الماء)».

ويضيف: «إنّ هذا المجموع شمس عوارف المعارف، وقمر لطائف الظرائف، ونجم سماء الفهم، والناس تِلقاءَ حرمه بين عاكف وطائف، من شاهده نطق: هكذا هكذا، وإلا فلا لا، ومن أنفق من خزانة فهمه لم يخش من ذي العرش إقلالاً، ومن تأمله منصفاً جبن عن معارضته وأنشد: ..أهابك إجلالاً...».

وهويؤكد على أنّ إشادته بمصنفاته ليس للسمعة والفخر، وإنّما من باب "وأما بنعمة ربك فحدث" ويهدف من ذلك إلى تشويق القارئ وحضه على مطالعته. ومع ذلك كان يرجع ويتواضع، فهوفيه عزة وتواضع معاً، فبعد حتى يمدح ويستطرد في المدح يقول: «وأنا مع وصفي هذا الكتاب، ما أبرئ كتابي ولا نفسي من شك ولا ريب، ولا أبيعه بشرط البراءة من جميع عيب، ولا أدعي فيه كمال الاستقامّة، ولا أقول: بأنّ الطبقات جمع سلامّة، بل إذا دار في خلدي ذكر هذه الطبقات اعترفت بالقصور، وسألت الله الصفح الجميل عما جرى به القلم، فكم جرى بهذه السطور، وقلم اللوح المحفوظ والكتاب المسطور، ورجوت مسامحة ناظريه، فهم أهلوها، وأملت جميلهم فهم أحسن الناس وجوهاً وأنضرهموها».

صبره وتحمله الأذى

لقد كان للتاج السبكي، الكثير من الحساد والمناوئين الذين يَحسدونه، وكان هؤلاء الحسّاد يَحيكون المؤامرات ضدّه للنيل من عرضه، وقد نجحوا في ذلك، فاضطهد التاج وعزل عن القضاء واتهم بالكفر وسجن. وقد تجلّى صبر التاج السبكي في هذه المحنة في أبهى صورة فقد ظل قوياً ثابتاً صابراً محتسباً، فهولم يَجزَع ولم يتألّم، وظل كذلك حتى فرج الله تعالى عنه، وكشف عنه الغمة، وعاد التاج إلى منصبه معززاً مكرماً.

ولما عاد إلى منصبه؛ عفا وصفح عن جميع من أساء إليه؛ فلم يعاقب أحداً بجريرة، ولم يراجع أيّاً منهم في شيء ذكره في حقه إبّان محنته، يقول ابن كثير في ذلك: «جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله... وأبان في أيام محنته عن شجاعة، وقوّة على المناظرة، حتى أفحم خصومه مع كثرتهم ثم لما عاد عفا وصفح عمّن قام عليه» نقل هذا القول عن ابن كثير ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة، ويقول ابن حجر: «حصل له بسبب القضاء محنة شديدة مرة بعد مرة، وهومع ذلك في غاية الثبات، ولما عاد إلى منصبه صفح عن جميع من أساء إليه».

شيوخه

كتاب: (منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه) تأليف: د. أحمد الحسنات.

أخذ الشيخ عن جماعة من الفهماء الفحول منهم:

  1. والده الإمام شيخ الإسلام تقي الدين السبكي (683-756هـ). من كبار أئمة الشافعية في عصره؛ وقد كان الإمام تاج الدين شديد الاعتداد بوالده وآرائه؛ حتى كان يَعُدُّهُ من مجتهدي الممضى الشافعيِّ، ويضعه في مصافِّ الرافعي والنووي.
  2. المؤرخ الحافظ شمس الدين المضىي الشافعي (673-748هـ)، يقول عنه: «محدث العصر، إمام الوجود حفظاً، ومضى العصر معنى ولفظاً، وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في جميع سبيل كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها».
  3. الإمام الحافظ جمال الدين المزي الشافعي، المتوفى عام (742هـ) نطق عنه الإمام تاج الدين: «شيخنا وأستاذنا وقدوتنا، حافظ الزمان حامل راية السنة والجماعة والقائم بأعباء هذه الصناعة، إمام الحفاظ حدثة لا يجحدونها، وشهادة على أنفسهم يؤدونها، واحد عصره بالإجماع وشيخ زمانه الذي تصغي لما يقوله الأسماع».
  4. الشيخ الإمام أثير الدين أبوحيان الغرناطي الأندلسي (654-745هـ).
  5. الشيخ شمس الدين بن النقيب (ت: 745هـ) قرأ عليه بالشام بالمدرسة الشامية وأجازه بالإفتاء والتدريس وهوابن ثمان عشرة سنة.
  6. الشيخ نجم الدين القحفازي كان يقرأ عليه بجامع تنكز.
  7. الشيخ أبي العباس الأندرشيكان كان يقرأ عليه بالجامع الأموي.
  8. الشيخ المسند أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصوفي (ت: 777هـ) قرأ عليه السليم.
  9. الشيخ المقرئ ناصر الدين نصر الله بن أبي بكر بن نصر الله (ت: 776هـ) أخذ عنه القراءات.
  10. زينب بنت الكمال المزي (ت: 749هـ).
  11. أجاز له ابن الشحنة ويونس الدبوسي.
  12. سمع على عبد المحسن بن أحمد بن محمد الصابوني (ت: 736هـ) وابن سيد الناس.
  13. صالح بن المختار (ت: 738هـ) وعبد القادر بن المملوك.

تلاميذه

كتاب: (تاج الدين السبكي والقضايا الأدبية من خلال كتابه طبقات الشافعية الكبرى) تأليف: عوض محمد أحمد كدكي؛ تقديم: محمد مصطفى هدارة.

درس الإمام تاج الدين في كثير من المدارس الفهمية الكبيرة التي كانت قائمة في دمشق وغيرها، فتخرج على يديه جمع من الفضلاء والفهماء نذكر ممن نبغ منهم:

  1. الإمام قاضي القضاة مجد الدين الفيروزآبادي الشيرازي اللغوي (729-817هـ).
  2. الشيخ عز الدين أبوعبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز الحموي الشافعي المعروف بابن جماعة (ت: 819هـ) وقد ألف كتاب «النجم اللامع شرح جمع الجوامع».
  3. الشيخ أبوموسى محمد بن محمود بن إسحاق بن أحمد الحلبي ثم المقدسي (ت: 776هـ) كان حنفيّاً فتحول شافعيّاً بعنايته ورعايته.
  4. الشيخ علاء الدين حجي بن موسى بن أحمد بن سعد الحسباني الشافعي (721-782هـ) أخذ عنه الفقه وشهد له بالتقدم فيه.
  5. عمران بن إدريس بن معمر الجلجولي ثم الدمشقي الشافعي (734-803هـ) لازمه وقرأ عليه.
  6. الشيخ شرف الدين عبد المنعم بن سليمان بن داود الشيخ البغدادي الحنبلي (ت: 807هـ) صحبه وقرأ عليه.
  7. القاضي شهاب الدين أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن المقدسي الناصري الباعوني (751-816هـ) عرض عليه محفوظاته وأخذ عنه وانتفع به.
  8. الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد عرندة المحلي الوجيزي الناسخ (742-818هـ) لازمه لما قدم القاهرة.
  9. الشيخ شرف الدين عيسى بن عثمان بن عيسى الغزي (ت: 799هـ) لازمه وأخذ عنه.
  10. ناصر الدين أبوالمعالي محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد أبي حامد بن أبي المكارم عبد المنعم بن أبي العشائر السلمي الحلبي الخطيب (742-789هـ) قرأ عليه الأصول.
  11. الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن خضر الغزي القرشي الأسدي الزبيري (ت: 808هـ) وقد ألف كتاب «البروق اللوامع فيما أورد على جمع الجوامع».
  12. الشيخ جمال الدين أبوالمحاسن يوسف بن الحسن بن محمد الحموي الشافعي المعروف بابن خطيب الناصرية (ت: 809هـ).
  13. الشيخ علي بن سند بن علي بن سليمان الأنباري الشافعي النحوي (ت: 814هـ).

علومه

لم يُعمّر تاج الدين السبكي طويلاً، فقد عاش ثلاثة وأربعين سنة، ومع قصر مدة حياته إلا أنّه هجر تراثاً ضخماً في كثير من العلوم والمعارف فهويعدّ موسوعة فهمية متكاملة، لم يهجر فهماً من العلوم الشرعية وآلاتها إلا وله فيه يد طولى، ومن العلوم التي كان يتقنها:

فهم الحديث

لقد عُنِيَ التاج بالحديث عناية فائقة سواء رواية أودراية، فهويروي لنا الحديث بالأسانيد المتصلة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويتحدث على رجالها بالنقد والتعديل، ويتحدث على ألفاظها بالإيضاح والبيان. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل يقرّر قواعدَ خاصةً في فهم الجرح والتعديل ينتقد فيها سابقيه ويبيّن فيها قوله المعتمد في الجرح والتعديل. ومن يطالع مصنفات التاج وخاصة كتاب الطبقات يُدرِكُ بوضوح مكانته العَليّة في هذا الفهم. وحسبه بذلك شهادة شيخ حفاظ الإسلام ابن حجر العسقلاني حيث نطق في حقه: (ومن الطبقات تعهد منزلته في الحديث).

فهم الكلام

إنّ من يطالع مصنفات التاج السبكي، لَيَرى واضحاً اهتمامه بفهم الكلام، فهومُتكلِّم على طريقة الأشاعرة من أهل السنة، وخطه زاخِرةٌ بمسائل هذا الفن الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بفهم الأصول الذي كان التاج فيه إمام زمانه، فهويذَكْرُ المسألة الكلامية مبيّناً ما فيها من مذاهب معقّباً على جميع ممضى بما يستحق مع بيان الحق في جميع ذلك، وليس أدل على ذلك من أنّه قد هجر مصنفات خاصة بفهم الكلام، وكتابه الطبقات مليءٌ وغنيٌّ بمسائل هذا الفن.

فهم المنطق

وأما المنطق فلم يُهمِلهُ التاج قَط، بل له فيه باعٌ طويل، يَظهَرٌ ذلك جليّاً من خلال شرحه على (مختصر ابن الحاجب)، حيث ضمّن ابن الحاجب (مختصره) بمقدمة منطقية على طريقة الإمام الغزالي وبعض الأصوليين، وترى في شرح التاج له مَقدَرةً وبراعةً في هذا الفهم مما يَعدُّه من كبار فهماء المنطق.

فهم أصول الفقه

وهذا الفهم قد بلغ به التاج عَنانَ السماء، وخضعت له رقاب الفهماء، وفاق جميع أقرانه بل فاق أكثَر الفهماء، لقد منح التاجُ الأصولَ جُلَّ عنايته وعظيم اهتمامه، فتارةً يُدرّسه وأخرى يُؤلّف فيه، ويَستدرِك على من سبقه، ويُناقش من عارضه، وتارةً يقرّر تعبير سابقيه، مقيداً ما أطلقوه ومفسراً لما أجملوه، ومكمّلاً لما قد أغفلوه، وله في هذا الفن قدم راسخة، فهوينظر إلى الأصول بنظر الناقد البصير، يوضّح مشكلاته، ويحلّ غوامضه، ويجمع شتاته، حتى عُدّتْ مؤلفاته مائدة زاخرة بكل ما لذ وطاب من هذا الفن. وليس أدلُّ على اهتمامه بهذا الفهم من هجره ثمانيةَ مصنفات في فهم الأصول، قلّما تجد لعالمٍ في فنّ الأصول قد هجر هذا القدر من المصنفات.

القواعد الفقهية

اهتم التاج بهذا الفهم اهتماماً بالغاً، وله فيه مصنف زاخر يعدّ من أبرز المصنفات في الأشباه والنظائر، فقد خرج فيه الفروع على الأصول وجمع شتات هذه الفروع في قواعد عامّة تنتظمها، فأجاد فيه وأجاد.

فهم الفقه

يعدّ التاج السبكي فقيهاً متمكناً وناقداً بصيراً، فقد تربّى في أحضان والده إمامِ الدنيا في عصره، فنهل من فهمه واستقى من معارفه، وخطُه مشحونةٌ بالفتاوى والمسائل المنقولة عنه، وقد جمع فتاوى والده، واختياراته الفقهية في مصنفات خاصّة. وفي كتابه الطبقات يُكثِر من ذِكْر المسائل الفقهية المروية عن الشخصية المترجَم لها وغالباً ما يعقّب عليها، ويختار ما يراه الأصوب منها.

فهم التاريخ والتراجم

وأما فهم التاريخ والسير والتراجم فقد برع فيه، وكان ذواطّلاع واسع على أخبار الماضين، وأحوال السابقين، وقد أسهم التاج في هذا المجال إسهاماً عظيماً، يُثبتُ أنّه مؤرخ لا نظير له، وتعدّ مؤلفاته في الطبقات من أعظم ما دوّن في هذا المجال، إذ يستوعب فيها جوانب الشخصية المترجَم لها، ويأتي بالعجب العجاب من قصص وغرائب لهذه الشخصيات، قلّما تجده عند غيره من كُتّاب الطبقات.

فهم الأدب

إنّ مَن يستقرئ مصنفات التاج السبكي، لَيجدُ فيها رَصانةً في الأسلوب، ودقّةً في التعبير وذوقاً عالياً في انتقاء العبارة والحدثة فهوأديب ذوّاق، وما ذلك إلا نتيجة لصحبته لأديب وفحل زمانه صلاح الدين الصفدي، حيث صحبه منذ صغره وجرت بينهما مراسلات ومساجلات أدبية وشعرية مشهورة، نطق التاج السبكي: (كنت أصحبه منذ كنت دون سن البلوغ، وكان يُكاتِبني وأمحرره، وبه رَغِبتُ في الأدب).

وقد أتقن التاج الأدب بقسميه: النثر والشعر، أما النثر فيبرز في كتاباته وخاصة مقدماته في تلك الخط، كما ويبرز فيما يصف به الشخصيات المترجَم لها في كتابه الطبقات؛ فمن ذلك ما صدّر به ترجمة إمام الحرمين الجويني بقوله: «هوالبحر وعلومه درره الفاخرة، والسماء وفوائده التي أنارت الوجود نجومها الزاهرة يَمَلّ الحديد من الحديد، وذهنه لا يَمَلّ من نصرة الدين فولاذه، وتَكِلّ الأنفس وقلمه يَسِحّ وابل دمعه ورذاذه، ويدجوالليل البهيم ولا ترى بدراً إلا وجهه في محرابه، ولا ناظراً إلا طرفه ناظراً في كتابه... هذا إلى لفظ غُرَّه سحر، إلا أنّه حِلّ وبِل، ودرّه يتيم، إلا أنّه لا يَذِل، بفصيح كَلِمٍ، نطقت النحاة: هذا ما عجز عنه زيد وعمرووخالد، وبليغ قول نطقت البُلَغاء: قصّر عن مداه طريق الفصاحة والتّالد (أي القديم الأصلي)».

وأما الشعر ففيه رقّةٌ وعذوبةٌ وروعةٌ قد لا تجدها عند كبار الشعراء، فمن ذلك ما خطه إلى صديقه وحميمه الصلاح الصفدي:

يا راحلاً بِحَشا الُمقيمِ على الوفا ما الطَّرفُ بَعدَكَ مُؤذِناً بِهُجُوعِهِ
إن غِبتَ عَنهُ فَما تَغَيَّرَ مِنه إلا جِسمُهُ سَقَماً ولَونُ دُموعِهِ
والقَلبُ بَيتُ هَواكَ رَاحَ كأنّهُ بَيتُ العَروضِيِّينَ مِن تِقطيعِهِ

وقوله أيضاً:

ما غَيَّرَ البُعْدُ حالاً كُنتَ تَعرِفُهُ ولا تَبَدَّلْتُ بَعدَ الذِّكْرِ نِسيانا
ولا ذَكَرْتُ جَليساً كُنتُ آلفُهُ إلا جَعَلتُكَ فَوقَ الكُلِّ عُنوانا

فهم النحو

فهم النحومن علوم الآلة التي لاقد يكون الفقيه فقيهاً ولا الأصولي أصولياً إلا إذا كان ذا قدم راسخة في النحو، والتاج السبكي لم يُهمِل النحوأبداً، فقد قرأ النحوعلى أبي حيان الأندلسي إمام النحوفي عصره بلا منازع، ويكفيه فخراً أنّه تلميذ أبي حيان في ذلك، ومن هنا تُدرِك منزلة التاج في هذا الفن. ويظهر تَبحُّر التاج في النحومن خلال ما خطه في طبقاته وبخاصة عندما ترجم لشيخه أبي حيان وما ذَكَر فيها من مسائل هامّة في النحو، كما أنّه عقد فصلاً خاصاً للنحوفي كتابه (الأشباه والنظائر) وسماه بـ: (حدثات نحوية يترتب عليها مسائل فقهية)، وقد أطال النفس في هذا الفصل.

آثاره الفهمية

صنف التاج السبكي مصنفات كثيرة تدل على براعته وتقدمه في جل العلوم الإسلامية وبيان تلك المصنفات كالتالي:

أولاً: مؤلفاته في فهم الكلام

  • نونية في العقائد.
  • قواعد الدين وعمدة الموحدين.
  • حمل الحوبة في وضع التوبة.
  • تشحيذ الأذهان على قدر الإمكان في الردِّ على البيضاوي.
  • السيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور.
  • ثانياً: مؤلفاته في الفقه

    • التوشيح على التنبيه والمنهاج والتسليم.
    • ترشيح التوشيح وترجيح التسليم في اختيارات والده الفقهية.
    • أرجوزة في الفقه.
    • أوضح المسالك في المناسك.
    • تبيين الأحكام في تحليل الحائض.
    • حمل المشاجرة في بيع العين المستأجرة.
    • حمل الحوبة في وضع التوبة.
    • الأشباه والنظائر في الفروع الفقهية الشافعية: وهذا الكتاب من أوائل وأفضل ما صنف في فني القواعد الفقهية والأشباه والنظائر مع تحقيقات وتدقيقات حتى إذا من اتى بعده ممن صنف في الأشباه والنظائر عيال على كتابه هذا.

    ثالثاً: مؤلفاته الحديثية

    • تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للغزالي.
    • قاعدة في الجرح والتعديل وقاعدة في المؤرخين. طبع بتحقيق الدكتور عبد الفتاح أبوغدة.
    • جزء على حديث (المتبايعان بالخيار).
    • جزء في الطاعون.
    • أحاديث حمل اليدين.
    • كتاب الأربعين.

    رابعاً: مؤلفاته في التاريخ والطبقات

    • طبقات الشافعية الكبرى. الديوان الذي ضم ترجمته 1419 فقيهاً شافعياً لم يذكر منهم أحداً إلا وذكر في الغالب مسائل وفوائد فقهية وأصولية وأدبية عنه، وقد طبع الكتاب بتحقيق الدكتورين عبد الفتاح الحلوومحمود الطناحي بمطبعة عيسى البابي الحلبي ثم بدار هجر.
    • طبقات الشافعية الوسطى.
    • طبقات الشافعية الصغرى.
    • مناقب الشيخ أبي بكر بن قوام.
    • طبقات الأبدال. وهوما زال مخطوطاً ومنه نسخة محفوظة بمخطة تشستربتي وعليها تعليقات بخط الإمام تاج الدين نفسه.

    خامساً: المؤلفات في أصول الفقه

    • تكملة الإبهاج في شرح المنهاج. كان قد ابتدأه والده الإمام تقي الدين وانتهى فيه إلى مبحث «مقدمة الواجب»، ثم أتمه الإمام تاج الدين، حيث انتهى منه سنة 752هـ أي قبل وفاة والده بحوالي أربع سنوات، وقد طبع الإبهاج كاملاً عدة طبعات.
    • حمل الحاجب عن مختصر ابن الحاجب. شرح ماتع على مختصر ابن الحاجب الأصولي استمر فيه من أول سنة 758هـ إلى ربيع الآخر سنة 759هـ وقد حقق الكتاب في عدة رسائل جامعية بجامعة الأزهر.
    • التعليقة في أصول الفقه.
    • جمع الجوامع في أصول الفقه.
    • منع الموانع عن جمع الجوامع. شرح به ما استغلق واستبهم من مشكلات جمع الجوامع، طبع محققاً بدار البشائر الإسلامية سنة 1420هـ.

    سادساً: مؤلفات متنوعة

    • الدلالة على عموم الرسالة (خطه جواباً على سؤال من أهل طرابلس).
    • الألغاز.
    • جواب حلب (جواب على أسئلة للأذرعي).
    • معيد النعم ومبيد النقم. وهوكتاب يشتمل على فوائد جمة ومصطلحات مهمة، وقد طبع بتحقيق الشيخ محمد علي النجار والشيخ محمد أبوالعيون بدار الكتاب العربي بمصر.
    • أرجوزة في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته.
    • ترجيح لسليم الخلاف.

    وفاته

    بعد حياة حافلة بالعطاء في التدريس والقضاء والإفتاء، أصيب الإمام التاج السبكي بالطاعون ليلة السبت، ثم توفي شهيداً ليلة الثلاثاء السابع من شهر ذي الحجة سنة 771هـ، عن أربعة وأربعين عاماً تقريباً، وقد كانت جنازته جنازة حافلة حيث صُلّي عليه أكثر من مرة، وحضر نائب السلطنة، وحمل نعشه الأمراء الكبار، وقد شيعه خلائق كثر، ودفن بمقبرة السبكيين بسفح جبل قاسيون بدمشق.

    خط ومؤلفات عنه

    • منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه.
    • تاج الدين السبكي والقضايا الأدبية من خلال كتابه طبقات الشافعية الكبرى.
    • جمع الجوامع لتاج الدين السبكي في ميزان الأصوليين القُدامى منهم والمحدثين.

    ملاحظات

    1. ^ هوالسلطان الملك المعظم تورانشاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، آخر ملوك بني أيوب في مصر، توفي مقتولاً على يد أمراء المماليك سنة 648هـ.
    2. ^ جمع رباط وهودار يسكنها أهل طريق الله من الصوفية.
    3. ^ وهي حدثة فارسية معناها بيت وأصلها خونقاه أي الموضع الذي يأكل فيه الملك وهي أماكن للصوفية للتخلي فيها لعبادة الله.
    4. ^ هوالسلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي كان ملك مهيباً حليماً قليل سفك الدماء كثير العفو، توفي سنة 689هـ.
    5. ^ هوالأمير زين الدين خطغا المنصوري، تسلم الملك مدة يسيرة ولقب بالعادل ثم خلع وتقلبت به الأحوال حتى أصبح نائب السلطنة في حماة، كان من أكابر الدولة وفيه شجاعة وخيرة وحسن خلق، توفي سنة 702هـ.
    6. ^ من خوانق القاهرة، أنشأها بيبرس الجاشنكيري سنة 709هـ.
    7. ^ من خوانق القاهرة، انشئت عام 736هـ.
    8. ^ من خوانق القاهرة، أنشأها الأمير سيف الدين شيخوسنة 757هـ.
    9. ^ بناها الأمير سيف الدين صرغمتش سنة 757هـ ورتب فيها درساً للحديث وآخر للفقه الحنفي.
    10. ^ من مدارس دمشق، أنشأها الظاهر بيبرس وأتم بناءها السلطان سيف الدين قلاوون وهي اليوم مقر دار الخط الوطنية بدمشق كما أفاده محقق كتاب الدارس في تاريخ المدارس.
    11. ^ من مدارس دمشق، أنشئت سنة 665هـ.
    12. ^ من مدارس دمشق بناها الملك الناصر بن صلاح الدين 653هـ.
    13. ^ هوالإمام العلامة قاضي القضاة صدر مصر والشام بهاء الدين أبوالبقاء محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام بن يوسف السبكي وهوابن ابن عم تقي الدين السبكي، كان إماماً نظاراً جامعاً لعلوم شتى، توفي سنة 777هـ، من مصنفاته: بترة من اختصار المطلب وبترة من شرح الحاوي.
    14. ^ هوالإمام العلامة المحدث شهاب الدين أبوالعباس أحمد بن قاسم بن محمد البوني، توفي سنة 1139هـ، من مصنفاته: نظم الخصائص النبوية، والمستدرك على السيوطي.
    15. ^ عقيدة الأشاعرة قائمة على أساس التنزيه لله تعالى عن مماثلة الحوادث، والإيمان بكل ما وصف الله تعالى به نفسه من صفات الكمال، ونفي جميع ما نفاه عن ذاته العلية من صفات الحوادث والنقص، فالأشاعرة يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه، ولهم موقف وسط في متشابه الصفات قائم على أمرين:
      1. أنّه لا يُتَكلّم في معناها؛ بل يقولون يجب علينا حتى نُؤمنَ بها، ونَعتقدَ لها معنىً يَليقُ بجلال الله تعالى وعظمته، مع اعتقادنا الجازم أنّ الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنّه منزّه عن التجسيم والانتنطق والتحيّز في جهة وعن سائر صفات المخلوق، وهذا هوقول أئمة السلف، وأكثر المتقدمين.
      2. أنّها تُأول على ما يليق بها على حسب مواقعها، بما ويتفق مع مقتضى لغة العرب وينسجم مع سياقها في النص، وهوممضى أكثر المتحدثين ومعظم المتاخرين.

    انظر أيضاً

    • قائمة أعلام الأشاعرة والماتريدية

    المصادر

    1. ^ ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 210)، المضىي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 648هـ ص: 388-390.
    2. ^ استمر حكم المماليك لمصر والشام منذ عام 648هـ وحتى عام 923هـ، حكم فيها المماليك البحرية من عام 648هـ وحتى عام 784هـ، في حين حكم الجراكسة من عام 784هـ وحتى عام 923هـ. انظر: محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (7/ 35، 69)، محمد سهيل طقوش، تاريخ المماليك في مصر والشام ص: 35، 341.
    3. ^ ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 235)، المضىي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 656هـ ص: 39.
    4. ^ ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 256)، المضىي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، حوادث سنة 658هـ ص: 51.
    5. ^ ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 258)، المضىي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 658هـ ص: 60-61.
    6. ^ ابن كثير، البداية والنهاية (13/ 261).
    7. ^ محمد سهيل طقوش، تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام ص: 300.
    8. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 41.
    9. ^ سعيد عبد الفتاح عاشور، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، ص: 24، مصر في عصر دولة المماليك ص: 175.
    10. ^ انظر: المقريزي، إغاثة الأمة بكشف الغمة ص: 98. سعيد عبد الفتاح عاشور، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، ص: 11.
    11. ^ سعيد عبد الفتاح عاشور، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، ص: 19.
    12. ^ سعيد عبد الفتاح عاشور، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، ص: 34.
    13. ^ سعيد عبد الفتاح عاشور، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، ص: 29.
    14. ^ سعيد عبد الفتاح عاشور، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، ص: 38.
    15. ^ تقي الدين المقريزي، إغاثة الأمة بكشف الغمة، ص: 98.
    16. ^ سعيد عبد الفتاح عاشور، مصر فى عصر دولة المماليك البحرية، ص: 162.
    17. ^ تقي الدين المقريزي، إغاثة الأمة بكشف الغمة، ص: 102.
    18. ^ ابن حبيب الحلبي، تذكرة النبيه، (3/ 111).
    19. ^ انظر تفاصيل هذا الوباء في: ابن حبيب الحلبي، تذكرة النبيه (3/ 110–113)، الحسيني، ذيل العبر (4/ 149). ابن كثير، البداية والنهاية، (14/ 650–654). المقريزي، السلوك (4/ 78–93)، ابن قاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (2/ 541–552). ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (10/ 155–168)، وجميع خط التاريخ التي أرخت لتلك الفترة تذكر هذا الوباء ويسميه المؤرخون "الفناء العظيم"؛ وذلك لكثرة ما أفنى من البشر والحيوانات والأسماك.
    20. ^ انظر عن هذا الوباء في: ابن كثير، البداية والنهاية، (14/ 704)، ابن قاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 164). ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، (10/ 243).
    21. ^ انظر تفاصيل هذا الوباء في: ابن حبيب، تذكرة النبيه (3/ 312)، المقريزي، السلوك (4/ 319)، ابن إياس، بدائع الزهور (1 قسم 2/ 65–66)، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (10/ 42).
    22. ^ انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (9/ 39، 112)، المضىي، العبر (4/ 56)، ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (2/ 204)، سعيد عبد الفتاح عاشور، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك ص: 229-233.
    23. ^ مثل ما عمله السلطان محمد بن قلاوون، حيث أبطل الكثير من هذه المنكرات في فترة حكمه، وكذلك كان يعمل بقية السلاطين إبان الأزمات، انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (9/ 39). جلال الدين السيوطي ، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، (2/ 259).
    24. ^ انظر: محمود رزق سليم، عصر سلاطين المماليك ونتاجه الفهمي والأدبي، (3/ 16). إحسان عباس، تاريخ بلاد الشام في عصر المماليك ص: 161-162. سعيد عبد الفتاح عاشور، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك ص: 141. وانظر للمزيد من المعلومات عن فهماء ذلك العصر كتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني المعنون بـ "الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة" فقد استوعب فيه ذكر فهماء ذلك العصر.
    25. ^ محمد الصادق حسين، البيت السبكي ص: 14.
    26. ^ طبع هذا الكتاب عدة طبعات منها طبعة بتحقيق محمد علي النجار وآخرون.
    27. ^ محمد الصادق حسين، البيت السبكي ص: 13.
    28. ^ المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 225)، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 228).
    29. ^ المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 226)، السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 229).
    30. ^ المقريزي، المواعظ والاعتبار (4/ 230).
    31. ^ السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 332).
    32. ^ السيوطي، حسن المحاضرة (2/ 224).
    33. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 25).
    34. ^ انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 471)، الإسنوي، طبقات الشافعية (1/ 601)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (2/ 273).
    35. ^ المضىي، المعجم المختص ص: 165-166.
    36. ^ انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 548)، التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 190).
    37. ^ المضىي، المعجم المختص ص: 56.
    38. ^ ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 113 - 115)، المضىي، المعجم المختص ص: 56.
    39. ^ ابن قاضي شهبة، طبقات الشافعية (3/ 134).
    40. ^ انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 132–135)، ابن هداية الله، طبقات الشافعية ص: 236.
    41. ^ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة (4/ 350).
    42. ^ انظر ترجمته في ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة (4/ 350)، ابن العماد، شذرات المضى (7/ 67).
    43. ^ Empty citation (help)
    44. ^ كتاب: منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه، تأليف: أحمد إبراهيم حسن الحسنات، الناشر: رسالة ماجستير بإشراف (عبد المعز عبد العزيز حريز) كلية الشريعة، الجامعة الأردنية - عمان، عام النشر: 2002م، المطلب الثالث: مولده.
    45. ^ لفهم المزيد عن هذه الأسرة انظر البيت السبكي لمحمد الصادق حسين، فقد جمع جميع ما يمكن جمعه عن هذه الأسرة وترجم لثلاثة وخمسين شخصية منها، غير أنه أغفل ذكر بعض نساء هذه الأسرة كأمثال خديجة وست الخطباء ابنتي تقي الدين السبكي.
    46. ^ المضىي، المعجم المختص ص: 116.
    47. ^ انظر مقدمة السيف المسلول على من سب الرسول ص: 78.
    48. ^ انظر ترجمته في التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 139-338)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 47-53).
    49. ^ المضىي، المعجم المختص ص: 28.
    50. ^ ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 105).
    51. ^ انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 103-106).
    52. ^ المضىي، المعجم المختص ص: 64.
    53. ^ ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 677).
    54. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 412).
    55. ^ انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 677)، التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 411-425)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 25-27).
    56. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 177).
    57. ^ انظر ترجمتها في ابن رافع، الوفيات (2/ 347)، ابن العراقي، الذيل على العبر (1/ 285).
    58. ^ انظر ترجمتها في ابن رافع، الوفيات (2/ 387)، ابن حجر العسقلاني، إنباء الغمر (1/ 26).
    59. ^ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة (2/ 130)، عمر رضا كحالة، أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام (2/ 176).
    60. ^ ترجمتها في ابن حجر، ذيل الدرر ص 129، السخاوي، الضوء اللامع (12/ 551)، ابن العماد، شذرات المضى (7/ 175).
    61. ^ السيوطي، حسن المحاضرة (4/ 200).
    62. ^ نقل هذا القول عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس (2/ 1038).
    63. ^ الصفدي، الوافي بالوفيات، (19/ 315).
    64. ^ الصفدي، الوافي بالوفيات (19/ 316).
    65. ^ ابن العراقي، الذيل على العبر (2/ 3005).
    66. ^ نقل هذا القول ابن قاضي شهبة في تاريخه (3/ 374)، وفي طبقات الشافعية (3/ 142).
    67. ^ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة (2/ 426).
    68. ^ ابن تغري بردي، الدليل الشافي (1/ 433).
    69. ^ ابن تغري بردي، المنهل الصافي (7/ 385).
    70. ^ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (11/ 86).
    71. ^ ابن هداية الله، طبقات الشافعية ص: 234.
    72. ^ ابن حبيب الحلبي، تذكرة النبيه (3/ 219).
    73. ^ ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 375)، ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 426).
    74. ^ انظر هذه المدارس في النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (1/ 38، 200، 223، 240، 285، 367، 394، 424، 458، 463).
    75. ^ ابن كثير، البداية والنهاية، (14/ 720).
    76. ^ انظر: ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 688)، الحسيني، الذيل على العبر (4/ 177)، ابن شهبة في تاريخه (3/ 133).
    77. ^ انظر: ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 725)، ابن شهبة في تاريخه (3/ 202)، ابن العراقي، الذيل على العبر (1/ 82).
    78. ^ انظر: ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 727)، الحسيني، الذيل على العبر (4/ 200).
    79. ^ الحسيني، الذيل على العبر (4/ 200).
    80. ^ انظر هذه المحنة بتوسع في ابن كثير، البداية والنهاية (14/ 746 - 749)، ابن العراقي في الذيل على العبر (1/ 234 - 235)، ابن شهبة في تاريخه (3/ 313 - 320، 345 - 346)، ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 427)، السخاوي، وجيز الكلام (1/ 162 - 163).
    81. ^ ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 347).
    82. ^ وجيز الكلام في الذيل على دول الاسلام (1/ 178).
    83. ^ التاج السبكي، ترشيح التوشيح ص: 165.
    84. ^ ابن طولون، القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية (2/ 372).
    85. ^ ابن حجر، الدرر الكامنة (2/ 462)، ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 313).
    86. ^ ابن العراقي، الذيل على العبر (1/ 234)، ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (3/ 316)، السخاوي، وجيز الكلام (1/ 162).
    87. ^ محمد الصادق حسين، البيت السبكي ص: 17 محمد علي النجار وآخرون، مقدمة تحقيق معيد النعم.
    88. ^ انظر: عبد الله ربيع وسيد عبد العزيز، مقدمة تشنيف المسامع ص: 20.
    89. ^ عبد الستار أبوغدة، مقدمة عودة النعم بعد زوالها ص: 8.
    90. ^ انظر ذلك في التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 13-19).
    91. ^ نقل ذلك التاج السبكي في طبقات الشافعية (10/ 32).
    92. ^ انظر ترجمة الإمام الأشعري وأخباره في كتاب تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، وانظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 347 - 445).
    93. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 75.
    94. ^ انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 365).
    95. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 22.
    96. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (3/ 347).
    97. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (1/ 42-151).
    98. ^ التاج السبكي، ترشيح التوشيح ص: 2-12.
    99. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (2/ 13)، معيد النعم ومبيد النقم ص: 87.
    100. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 74.
    101. ^ طبقات الشافعية الكبرى للتاج السبكي، تحقيق: محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو-الطبعة الأولى: 1383هـ/القاهرة، ج/3، ص: 378-379.
    102. ^ انظر: ابن شهبة، طبقات الشافعية (3/ 49).
    103. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 2.
    104. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 119.
    105. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 120.
    106. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 88.
    107. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 123.
    108. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 20.
    109. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 45.
    110. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 34.
    111. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 50.
    112. ^ انظر للمزيد من هذه المواقف في مؤلف التاج السبكي: معيد النعم ومبيد النقم.
    113. ^ التاج السبكي، الطبقات الشافعية (1/ 24).
    114. ^ التاج السبكي، ترشيح الوشيح ص: 65.
    115. ^ التاج السبكي، جمع الجوامع ص: 141.
    116. ^ التاج السبكي، منع الموانع ص: 155-156.
    117. ^ انظر التاج السبكي، طبقات الشافعية (9/ 100).
    118. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 76.
    119. ^ التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 77.
    120. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (1/ 209).
    121. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (1/ 214).
    122. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (1/ 215).
    123. ^ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة (2/ 428).
    124. ^ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة (2/ 426).
    125. ^ انظر: التاج السبكي، طبقات الشافعية (2/ 9).
    126. ^ نقل هذا القول عن ابن حجر من تذكرة الحفاظ، الكتاني في فهرس الفهارس (2/ 1037).
    127. ^ انظر في ذلك شرح التاج السبكي على مختصر ابن الحاجب (1/ 256-349).
    128. ^ لمزيد من الإطلاع على منزلة التاج السبكي الأدبية انظر رسالة الدكتور عوض محمد أحمد كركي المعنونة بـ (تاج الدين السبكي والقضايا الأدبية من خلال كتابه طبقات الشافعية الكبرى) حيث عرض لشخصية التاج السبكي الأدبية من خلال كتابه الطبقات وبين قيمة ومنزلة التاج الأدبية من خلال أمثلة استخرجها من ثنايا تراجمه في الطبقات.
    129. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 6).
    130. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (5/ 165-166).
    131. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 7).
    132. ^ التاج السبكي، طبقات الشافعية (10/ 12).
    133. ^ هذا الكتاب مطبوع بتحقيق عادل عبد الموجود وعلى معوض بدار الخط الفهمية سنة 1991م.

    مصادر ترجمته

    • المضىي (ت 748هـ) في (المعجم المختص) ص: 108.
    • صلاح الدين الصفدي (ت 764هـ) في (الوافي بالوفيات) (19/ 315) وفي (أعيان العصر) (3/ 132، 436، 437، 657 وغيرها).
    • الحسيني (ت 765هـ) في (ذيله على العبر) (4/ 177، 200).
    • ابن رافع (ت 772هـ) في (الوفيات) (2/ 364).
    • ابن كثير (ت 774هـ) في (البداية والنهاية) (14/ 688، 690، 726، 735، 746، 728).
    • ابن حبيب الحلبي (ت 779هـ) في (تذكرة النبيه) (3/ 218).
    • ولي الدين العراقي (ت 826هـ) في (ذيله على العبر) (2/ 303).
    • ابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842هـ) في (مجالس في تفسير قوله تعالى: لقد منّ الله على ... المؤمنين ...) ص: 49-50.
    • تقي الدين المقريزي (ت 845هـ) في (السلوك) (4/ 337).
    • ابن قاضي شهبة (ت 851هـ) في (تاريخه) (3/ 372) وفي (طبقات الشافعية) (3/ 140).
    • ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) في (الدرر الكامنة) (2/ 425).
    • ابن تغري بردي (ت 874هـ) في (النجوم الزاهرة) (11/ 86) وفي (المنهل الصافي) ... (7/ 385) وفي ((الدليل الشافي)) (1/ 433).
    • شمس الدين السخاوي (ت 902هـ) في (وجيز الكلام) (1/ 122، 130، 162 - 163، 174، 177).
    • جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) في (حسن المحاضرة) (1/ 282).
    • النعيمي (ت 927هـ) في (الدارس في تاريخ المدارس) (1/ 18، 37 - 38، 200، 216 ... وغيرها).
    • ابن طولون (ت 953هـ) في (قضاة دمشق) ص: 105 وفي (تاريخ الصالحية) (2/ 371).
    • ابن إياس الحنفي في (بدائع الزهور) (الجزء الأول، قسم 2، ص: 98).
    • طاش كبرى زاده (ت 968هـ) في (مفتاح السعادة) (1/ 285، 340).
    • ابن هداية الله (ت 1014هـ) في (طبقات الشافعية) ص: 234.
    • حاجي خليفة (ت 1067هـ) في (كشف الظنون) (1/ 467).
    • الباباني البغدادي (ت 1399هـ) في (هدية العارفين) (5/ 639).
    • ابن العماد (ت 1089هـ) في (شذرات المضى) (6/ 419).
    • شمس الدين الغزي (ت 1167هـ) في (ديوان الإسلام) (3/ 45).
    • مرتضى الزبيدي (ت 1205هـ) في (تاج العروس) (7/ 141).
    • الشوكاني (ت 1250هـ) في (البدر الطالع) ص: 415.
    • محمد صديق حسن خان القنوجي (ت 1307هـ) في (أبجد العلوم) (2/ 301).
    • نعمان الألوسي (ت 1317هـ) في (محاكمة الأحمدين) ص: 24.
    • الكتاني في (الرسالة المستطرفة) ص: 105 وفي (فهرس الفهارس) (2/ 1037).
    • الثعالبي (ت 1376هـ) في (الفكر السامي) (2/ 411 - 412).
    • عبد الله مصطفى المراغي في (الفتح المبين) (2/ 191 - 192).
    • شعبان محمد إسماعيل في (أصول الفقه: تاريخه ورجاله) ص: 363-364.
    • محمد الصادق حسين في (البيت السبكي) ص: 1-22.
    • الزركلي في (الأعلام) (4/ 184).
    • عمر رضا كحالة في (معجم المؤلفين) (2/ 343)
    • شاكر مصطفى في (تاريخ العرب والمؤرخون) (4/ 81 - 83).
    • السيد عبد العزيز سالم في (التاريخ والمؤرخون العرب) ص: 181.
    • صلاح الدين المنجد في (معجم المؤرخين الدمشقيين) ص: 199 - 202.

    وانظر أيضاً:

    • الدرر الكامنة (2/ 87، 203، 425، 3/39، 398، 426).
    • البداية والنهاية (14/303، 319، 330).
    • البدر الطالع (1/410، 2/352).
    • شذرات المضى (6/126، 153، 200، 221، 7/107).
    • حسن المحاضرة (1/328، 329).
    • العبر في خبر من غبر (4/131، 168، 197، 199، 200).
    • تاج العروس (7/140).
    • الثغر البسام ص: (103).
    • النجوم الزاهرة (11/ 108).
    • الدارس في تاريخ المدارس (1/37).
    • المعجم المختص ص: (152).
    • طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (3/ 104، 4/ 73، 87).
    • معجم المؤلفين (6/ 225).
    • طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (9/ 142، 276).
    • بغية الوعاة (1/ 222).
    • الأعلام (4/ 184).

    كما له ذِكْر في: موسوعة طبقات الفقهاء (8/ 124، الموسوعة العربية العالمية (12/ 136) والموسوعة العربية الميسرة والموسعة (1/ 79)، وفي دائرة معارف القرن الرابع عشر، القرن العشرين (5/ 28).

    المراجع

    • الإمام تاج الدين السبكي.

    وصلات خارجية

    • السبكي قابل السجن والعزل لإصراره على حدثة الحق

    خطأ لوا في وحدة:Authority_control على السطر 346: attempt to index field 'wikibase' (a nil value).

    تاريخ النشر: 2020-06-04 19:43:13
    التصنيفات: صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي, Pages with empty citations, صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, خطأ في قوالب ويكي بيانات, صفحات تستخدم قالب معلومات شخص بحاجة لمراجعة, شيوخ الإسلام, الدول التاريخية الإسلامية, أئمة مصريون, أشاعرة, أصوليون, أعلام التصوف, شافعية, صوفيون مصريون, علماء حديث مصريون, علماء دين سنة, فقهاء سوريون, قضاة مسلمون, نحاة, مسلمون باحثون عن الإسلام في القرن 14, مسلمون إصلاحيون, مؤرخون مسلمون, متكلمون مسلمون, مواليد في القاهرة, مواليد 1327, مواليد 727 هـ, وفيات 1370, وفيات 771, وفيات 771 هـ, وفيات في دمشق

    مقالات أخرى من الموسوعة

    سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

    آخر الأخبار حول العالم

    لجنة دعم تنظيم المهرجانات السينمائية تدعم 15 مهرجانا وتظاهرة

    المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:15:18
    مستوى الصحة: 36% الأهمية: 48%

    إيلون ماسك: إقالات تويتر الجماعية أنقذت المنصة

    المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:17:13
    مستوى الصحة: 92% الأهمية: 86%

    شي يدعو الجيش إلى تعزيز التدريب من أجل "قتال فعلي"

    المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:17:23
    مستوى الصحة: 78% الأهمية: 90%

    إيلون ماسك يقر بارتكاب أخطاء منذ تسلمه رئاسة تويتر

    المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:15:15
    مستوى الصحة: 35% الأهمية: 48%

    تحايل مقهى على السلطات ينتهي بتدخل حازم لباشا جليز

    المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:15:16
    مستوى الصحة: 33% الأهمية: 36%

    قطر للطاقة تمنح شركة صينية حصة في حقل الشمال الشرقي للغاز

    المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:17:21
    مستوى الصحة: 94% الأهمية: 98%

    إستهلاك الكوكايين في عز رمضان يطيح بمبحوث عنه وطنيا

    المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:15:26
    مستوى الصحة: 35% الأهمية: 50%

    التشاجر امام انظار سياح يقود سائقي طاكسي للمحاكمة بمراكش

    المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:15:19
    مستوى الصحة: 42% الأهمية: 35%

    وضعية المجلس الوطني للصحافة تجر بنسعيد للبرلمان

    المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:15:21
    مستوى الصحة: 44% الأهمية: 40%

    دورة مونتي كارلو: زفيريف يلحق بركب المتأهلين الى ثمن النهائي

    المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:17:22
    مستوى الصحة: 95% الأهمية: 91%

    الحوثيون: من هم وكيف نشأت حركتهم؟

    المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:17:12
    مستوى الصحة: 83% الأهمية: 90%

    انتشال جثث عشرة مهاجرين إثر غرق مركب قبالة سواحل شرق تونس

    المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
    تاريخ الخبر: 2023-04-12 15:17:24
    مستوى الصحة: 84% الأهمية: 93%

    تحميل تطبيق المنصة العربية