آلة ذاتية النسخ

عودة للموسوعة

آلة ذاتية النسخ

الطيور تعمل ذلك، وكذلك النحل، فهل بوسع الماكينات عمل ذلك،يا ترى؟ إذا محاكيات حاسوبية جديدة تشير إلى حتى الإجابة ستكون نعم.

إن التفاح «ينجب» تفاحا، فهل بوسع الماكينات حتى «تنجب» ماكينات،يا ترى؟ إذا بناء مجرد ماكينة بسيطة يحتاج اليوم جهازا تصنيعيا معقدا. فهل باستطاعتنا حتى نَهِب أداة صنعية المقدرة على حتى تتضاعف من تلقاء نفسها،يا ترى؟ لطالما اعتبرنا التنسّخ الذاتي خاصية أساسية تميز الحي من اللاحي. وتاريخيا، فإن معهدتنا المحدودة بآلية حدوث التوالد البيولوجي أسبغت عليه حالة من الغموض، وأظهرته على نحويستحيل معه بأي حال إنجازه بواسطة شيء من خلق الإنسان. يُذكر أنه عندما أكد <R. ديكارت> لملكة السويد <كريستينا> حتى الحيوانات هي مجرد شكل من أشكال الأتوماتا(1) automata، أومأت جلالتها إلى ساعتها قائلة: «تدبر أمرها واجعلها تنجب.»

في أواخر الأربعينات انتقلت معضلة الماكينة الذاتية التنسخ من نطاق الفلسفة إلى حقل الفهم والهندسة، نتيجة أبحاث الرياضياتي الفيزيائي البارز جون ڤون نويمان. وبالعمل، بنى بعض الباحثين مُنَسِّخات replicators فيزيائية. فقبل أربعين عاما، مثلا، بنى عالم الوراثيات ل. پنروز، وابنه الفيزيائي الشهير روجر تجمعات صغيرة من الخشب الرقائقي playwood، أبدت شكلا بسيطا من أشكال التنسخ الذاتي(2). ولكن ثبت فيما بعد حتى التنسخ الذاتي على درجة من الصعوبة، بحيث إذا معظم الباحثين درسوه باستخدام أداة فكرية conceptual tool التي كان <ڤون نويمان> قد ابتدعها، وتتمثل بأتوماتا خلوية ثنائية البعد.

وإذا ما نُفذت بالحاسوب، فإن بوسع الأوتوماتا الخلوية حتى تحاكي تشكيلة هائلة من المُنَسِّخات الذاتية، بما يصل إلى حتى تضاهي عوالم بسيطة جدا، ذات قوانين فيزيائية تختلف عن قوانينا. لقد حررت هذه النماذج الباحثين من القلق بشأن قضايا الإمداد والتموين، مثل قضايا الطاقة والبناء الفيزيائي، فأتاحت لهم الهجريز على المسائل الأساسية الخاصة بانسياب المعلومات. فكيف يستطيع الكائن الحي حتى يتنسخ من دون أي عون، في حين حتى الأمور الميكانيكية لابد حتى يبنيها الإنسان،يا ترى؟ وكيف ينبثق التنسخ الذاتي في مستوى الكائن الحي من التآثرات الكثيرة التي تحدث في النُّسج والخلايا والجزيئات،يا ترى؟ وكيف تمكن التطور الدارويني حتى ينشئ كائنات ذاتية التنسخ؟

أوحت الأجوبة عن هذه التساؤلات بتطوير رقاقات السيليكون الذاتية التصليح [انظر الإطار في الصفحة 16]، والجزيئات التلقائية التحفيز [انظر: «الجزيئات الصنعية ذاتية التكرار»، مجلة العلوم، العدد 4(1995)، ص 4]. وقد تكون هذه مجرد بداية؛ فمنذ زمن طويل، اقترح الباحثون في مجال التقانة النانوية حتى خاصية التنسخ الذاتي ستكون حاسمة في تصنيع ماكينات بمقاييس جزيئية. ويرى مؤيدوارتياد الفضاء حتى نسخة ماكروية (كبرية) لهذه السيرورة تعد وسيلة لاستعمار الكواكب باستعمال مواد محلية (من الكواكب نفسها). وأكد التقدم الفهمي الحديث مصداقية هذه الأفكار التي تبدومستقبلية. وكما هي الحال في فروع الفهم الفهمية الأخرى، بما في ذلك الوراثيات والطاقة النووية والكيمياء، يقابل الذين يدرسون منا التنسخ الذاتي تحديا ثنائيا: إنشاء ماكينة مُنَسِّخة، وكذلك تجنب التنبؤات الشريرة عن الأجهزة التي تفلت من عنطقها. إذا الفهم التي ستتوافر لنا، ستساعدنا على التمييز بين التقانات البناءة وتلك الهدامة.

لعبة الحياة

غالبا ما تصف قصص الخيال الفهمي التنسخ الذاتي السيبري cybernetic (المتعلق بفهم أجهزة التحكم والاتصال) كتطور طبيعي للتقانة الحالية، بيد حتى هذه القصص تحاول حتى تخفف من المشكلة العميقة التي يطرحها ذلك التنسخ: كيف من الممكن أن تتجنب حدوث انتكاس (نكوص) لانهائي. قد تحاول منظومة ما حتى تنشئ نسيلة (مستنسَخا) clone باستعمالها طبعة زرقاء (المخطط الأصلي) blueprint، أي باستعمال توصيف ذاتي. ولكن التوصيف الذاتي هوجزء من الماكينة، أليس كذلك،يا ترى؟ وإذا كان الأمر هكذا، فما الذي سيصف التوصيف،يا ترى؟ وفي هذه الحالة قد يغدوالتنسخ الذاتي كمن يسأل مهندسا معماريا حتى يصنع طبعة زرقاء كاملة للاستديوالخاص به. وسيكون على هذه الطبعة الزرقاء حتى تحوي نسخة مصغرة للطبعة الزرقاء التي تتضمن بدورها نسخة مصغرة للطبعة الزرقاء، إلى غير ذلك دواليك. ومن دون هذه المعلومات سيتعذر على طاقم البناء حتى يعيد على نحوتام إنشاء الاستديو؛ فستكون هناك مساحة خالية حيث كانت الطبعة الزرقاء.

ولقد تمثل ما لدى ڤون نويمان من نفاذ بصيرة هائل في إيضاحه طريقة للتخلص من الانتكاس اللانهائي. لقد استوعب أنه بالإمكان استعمال التوصيف الذاتي بطريقتين متميزتين: الأولى بصفتها التعليمات التي تؤدي ترجمتها إلى بناء نسخة مطابقة للأداة، والثانية بصفتها البيانات التي يجب نسخها من دون ترجمة، وربطها بالنسخة المبتدعة الجديدة، بحيث تمتلك هي أيضا المقدرة على التنسخ الذاتي. وباتباع هذه السيرورة ذات الخطوتين لنقد يكون التوصيف الذاتي بحاجة إلى حتى يحوي توصيفا لذاته. وبالمشابهة مع المجال المعماري، نجد حتى الطبعة الزرقاء تشتمل على مخطط لبناء ماكينة نسخ فوتوغرافي photocopy machine. وما إذا يتم بناء الاستديوالجديد وماكينة النسخ الفوتوغرافي، حتى يصور طاقم البناء ببساطة نسخة من الطبعة الزرقاء، ويضعها في الاستديوالجديد.


وتستعمل الخلايا الحية توصيفها الذاتي (الذي يسميه البيولوجيون النمط الجيني genotype) وفقا لهاتين الخطوتين بالضبط، وهما: الانتساخ (يُنسَخ الدنا من دون تفسير في معظمه ليشكل رنا مرسال mRNA)، والترجمة (يُترجَم الرنا المرسال لبناء الپروتينات). لقد ميز <ڤون نويمان> بين هاتين الخطوتين (الانتساخ والترجمة) قبل سنوات عديدة، وذلك قبل حتى يميز بينهما فهماء البيولوجيا الجزيئية، وكانت أبحاثه حاسمة في فهم التنسخ الذاتي كما يحدث في الطبيعة.

وللبرهنة على صحة هذه الأفكار، ابتكر ڤون نويمان والرياضياتي م. س. أولام مفهوم الأوتوماتا الخلوية. وتشتمل محاكاة الأوتوماتا الخلوية على شبكة من المربعات (أوالخلايا) شبيهة برقعة الشطرنج، تكون جميع خلية منها إما فارغة وإما مشغولة بعنصر واحد من الكثير من العناصر المحتملة. ويحدث على فترات زمنية متباعدة حتى تتفحص جميع خلية من الخلايا وضعها ووضع جاراتها، لتقرر إذا كان عليها التحول إلى عنصر آخر. وحتى تتخذ هذا القرار، تخضع الخلية لقواعد بسيطة نسبيا، وهي القواعد نفسها بالنسبة إلى جميع الخلايا. وتشكل هذه القواعد الفيزياء الأساسية لعالم الأوتوماتا الخلوية. ويتم اتخاذ القرارات والأفعال موضعيا؛ ولا تعهد الخلية الواحدة مباشرة ما الذي يحدث خارج جيرتها القريبة.

إن البساطة الظاهرية للأوتوماتا الخلوية هي بساطة مضللة، فهي لا تنطوي على سهولة في التصميم، أوفقر في السلوك. وأشهر أوتوماتا، كما ورد في «لعبة الحياة» لهـ .ج. كونواي، تنتج أنماطا ذات تعقيد مذهل. وهناك أسئلة كثيرة حول السلوك الدَيْنَمي للأوتوماتا الخلوية تظل عادة من غير حل. وعليك لفهم كيف من الممكن أن يتكشف أحد الطُّرز حتى تعمد إلى محاكاته محاكاة كاملة(3). ويمكن لطراز من الأوتوماتا الخلوية حتى يَكُون بطريقته الخاصة معقدا بمثل تعقيد العالم الحقيقي.

أومأت جلالتها إلى ساعتها قائلة: «تدبر أمرها واجعلها تنجب»


ماكينات نسخ

أنشئ بنفسك مُنَسِّخَتك الخاص
إن إجراء محاكاة لعروة صغيرة ذاتية التنسخ باستعمال رقعة شطرنج عادية طريقة جيدة للتوصل إلى إدراك حدسي للكيفية التي تعمل وفقها منظومات المُنَسِّخات هذه. ولهذا النموذج الخاص من الأوتوماتا الخلوية أربعة أنواع مختلفة من العناصر: البيدق (الجندي) والفرس(5) والفيل والرَّخ (الطابية). وتشتمل الماكينة بداية على أربعة بيادق وفرس واحد وفيل واحد. وللأوتوماتا قسمان: العروة نفسها التي تتألف من مربع من اثنين في اثنين، وذراع بِنَاء تبرز إلى اليمين.

يمثل الفرس وكذلك الفيل التوصيف الذاتي؛ فالفرس، الذيقد يكون لتوجهه أهمية خاصة، يحدد اتجاه النمو؛ في حين حتى الفيل يتابع، ويحدد الطول الذي ينبغي حتىقد يكون عليه جانب العروة. وتؤدي البيادق دور الحشوات التي تحدد بقية شكل العروة. أما الرُّخ فيمثل إشارة انتنطقية توجه نموذراع بِنَاء جديدة.

ومع تقدم الزمن، فإن الفرس والفيل يدوران حول العروة باتجاه معاكس لحركة عقارب الساعة. وحدثا قابلا الذراع، تغادر نسخة خارج الذراع، في حين حتى النسخة الأصلية تستمر في الدوران حول العروة.

كيف تلعب: ستحتاج إلى رقعتي شطرنج: الأولى لتمثيل التشكيل الحالي، والأخرى لتبين التشكيل التالي. في جميع جولة تفحّص جميع مربع في التشكيل الحالي، واقرأ القواعد، وضع البترة الملائمة في المربع المناظر في الرقعة الثانية. وسيحدث تحول لكل بترة على نحويتوقف على هويتها، وعلى هوية المربعات الأربعة الموجودة مباشرة في اليسار واليمين والأعلى والأسفل. عندما تراجع جميع مربع وتُقِيم التشكيل التالي تكون الجولة قد انتهت. أفرغ الرقعة الأولى وكرر العملية. بالنظر إلى تعقد القواعد، فإن الأمر سيتطلب في البداية شيئا من الصبر. بإمكانك مشاهدة هذه المحاكاة أيضا على المسقط: Islwww.epfl.ch/chess.

ثمة أهمية لاتجاه الفرس. هذا وقد استخدمنا في الرسم المرافق المصطلحات المعيارية للشطرنج لنشير إلى توجه الفرس:قد يكون خطم الفرس متجها إلى الأمام. فإذا لم تنطبق قاعدة ما بوضوح، تظل محتويات المربع من دون تغيير. وتجب معاملة مربعات الحافة وكأن لها مربعات تجاورها خارج الرقعة.

مراحل التنسخ

في البداية، يستوي التوصيف الذاتي أو«الجينوم» (ويمثله هنا فرس يتبعه فيل) عند بداية ذراع البناء.

1 يتحرك الفرس والفيل حول العروة باتجاه معاكس لحركة عقارب الساعة. تبرز نسيلة (مستنسَخ) clone للفرس من الذراع.

2 يستمر الزوج الأصلي (الفرس-الفيل) بالدوران ويستنسَل (يستنسَخ) الفيل، ويتبع الفرس الجديدة خارج الذراع.

3 يستثير الفرس تشكيل زاويتي العروة الابنة. ويتابع الفيل المسار متمما نقل الجينة.

4 يصوغ الفرس الزاوية المتبقية من العروة الابنة. تتصل العرى بوساطة ذراع البناء وبفرس مغامر.

5 يتحرك الفرس المغامر ليهب العروة الأم ذراعا جديدة. وفي خطوة تالية، تبدأ سيرورة مماثلة بالحدوث للعروة الابنة.

6 يستحضر الفرس الشارد، ومعه زوج «الفرس ـ الفيل»، رُخّا. وتُمحى في تلك الأثناء الذراع القديمة.

7 يقتل الرخ الفرس، ويولِّد الذراعَ الجديدة الصاعدة. ويتهيأ رخ آخر ليعمل الشيء نفسه بالابنة.

8 أخيرا، تصبح العروتان منفصلتين وتامتين. وتستمر التوصيفات الذاتية بالدوران، وما عدا ذلك، فإن جميع شيء يبقى هادئا.

9 تستعد الأم لتلد من جديد. وفي المستوى التالية تبدأ الابنة أيضا بالتنسخ.

يحدث التنسخ الذاتي بين الأوتوماتا الخلوية عندما تمر مجموعة من العناصر (أوماكينة) في تسلسل من المراحل لتبني نسخة عنها مجاورة لها. لقد تأسست ماكينة <ڤون نويمان> على بنّاء شامل؛ أي ماكينة تنشئ (إذا ما أعطيت التعليمات المناسبة) أي طراز من الطرز. وتكوَّن البنّاء من طرز عديدة من العناصر، نشرت على عشرات الآلاف من الخلايا، وتطلب تحديد توصيفها مخطوطة بحجم كتاب. وبسبب تعقيدها، فإنها لم تجر محاكاتها بكاملها، ناهيك عن بنائها عمليا؛ بل إذا البنّاء سيكُون، حتى في لعبة الحياة، أكثر تعقيدا، ذلك حتى الوظائف التي تؤديها الخلايا المنفردة في نموذج <ڤون نويمان> (كنقل الإشارات وتوليد عناصر جديدة)، ينبغي أداؤها في الحياة بواسطة بنى مركبة.

أما في الطرف الآخر، فإنه يسهل العثور على أمثلة بسيطة من التنسخ الذاتي. فرضا مثلا حتى لدينا أوتوماتا خلوية، تشتمل على نمط واحد من العناصر، يرمز له بإشارة +، وأن جميع خلية تخضع لقاعدة واحدة فقط: فإذا احتوت خلية واحدة بالضبط من الخلايا الأربع المجاورة على الإشارة +، فإن هذه الخلية ستصبح +؛ وإلا فإنها ستغدوخالية. وباتباع هذه القاعدة، فإن إشارة + متفردة ستنموإلى أربع + أخرى، تنموجميع إشارة منها بطريقة مماثلة، وهلم جرا.

وهذا التكاثر المماثل لتكاثر الأعشاب البرية لا يسلط ضوءا كافيا على قواعد التنسخ الذاتي، لأنه لا توجد هنا ماكينة ذات أهمية. وهذا يدعوإلى التساؤل عن الكيفية التي يتم وفقا لها التمييز بين ماكينة ذات أهمية وأوتوماتا تتكاثر على نحومبسط. لم يستنبط أحد حتى الآن إجابة شافية. ولكن من الواضح حتى على البنية المُنَسِّخة حتى تكون، بشكل أوبآخر، معقدة. عمليها حتى تتكون مثلا من عناصر عديدة ومتباينة، حيث ينتج من تآثراتها جميعا حدوث ظاهرة التنسخ، عملا بالمثل القائل: «لا بد حتىقد يكون الكل أكبر من مجموع الأجزاء». ويتيح وجود عناصر كثيرة متميزة اختزان التوصيف الذاتي داخل البنية المُنَسِّخة.

في السنوات التي أعقبت البحث الرائد ل<ڤون نويمان> سَبَر عدد كبير من الباحثين المجال الممتد بين المعقد والبسيط، وطوروا مُنَسِّخات تتطلب عناصر أقل أوحيزا أصغر أوقواعد أبسط. وأُنجزت خطوة رئيسية للأمام عام 1984 عندما لاحظ G .C. لانگتون، الذي كان يعمل وقتها في جامعة مشيگن حتى هناك أدوات تخزين تشبه العُرَى ـ تجاوز استعمالها كوحدات مكملة في الماكينات الذاتية التنسخ الأكثر قدما ـ يمكن حتى تبرمَج لتنسخ نفسها تلقائيا. وتتألف هذه الأدوات عادة من بترتين: العروة نفسها (التي هي عِقْد string من العناصر، يدور حول مستطيل)، وذراع بناء تبرز من إحدى زوايا المستطيل إلى الفراغ المحيط. وتؤلف العناصر الدائرة وَصْفة (مجموعة تعليمات) للعروة ـ كأن تأمرها، مثلا، بأن «تتقدم ثلاثة مربعات إلى الأمام، ثم تنعطف إلى اليسار.» وعندما تصل هذه الوصفة إلى ذراع البناء، فإن قواعد الأوتوماتا تصنع نسخة عنها. وتستمر نسخة واحدة في الدوران حول العروة؛ في حين تهبط النسخة الأخرى على طول الذراع، حيث تترجم إلى تعليمات.

وإذ يتخلى <لانگتون> عن متطلبات البِنَاء الكامل، التي كانت أمرا محوريا في مقاربة <ڤون نويمان>، فإنه بذلك يبين إمكان بناء المتنسِّخ من مجرد سبعة عناصر فريدة، تشغل 86 خلية فقط؛ بل إنه تم ابتكار عرى ذاتية التنسخ أصغر حجما وأشد بساطة بواسطة واحد منا (ريجيا) وزملاء لنا (انظر الإطار في الصفحة 14). وبالنظر إلى حتى هذه العرى لديها الكثير من العناصر التي تتآثر فيما بينها، وتحتوي على توصيف ذاتي، فهي ليست بسيطة. ومن المحير حتى اللاتناظر يؤدي هنا دورا غير متسقط؛ فعندما تكون العناصر المكونة لامتناظرة في مداراتها، فإن القواعد التي تحكم التنسخ الذاتي غالبا ما تكون أبسط مما لوكان هناك تناظر.

تنسخ منبثق

لقد تم تصميم هذه البنى الذاتية التنسخ كلها بفضل براعة الباحثين ومن خلال الكثير من محاولات التجربة والخطأ. وهذه سيرورة شاقة وكثيرا ما تكون محبطة؛ فأي تغير ضئيل في إحدى القواعد ينتج منه سلوك تام الاختلاف كليا، يؤدي إلى (على الأرجح) تفكك تفسخ البنية المعنية. ولكن هناك أبحاثا حديثة تجاوزت مقاربة التصميم المباشر. فعوضا عن تفصيل القواعد لتلائم نمطا معينا من البنية، أجرى الباحثون تجارب على مجموعات متباينة من القواعد، وملؤوا شبكة الأوتوماتا الخلوية بـ «حساء بدئي»(4) مؤلف من عناصر منتقاة عشوائيا، وتفحصوا إذا كانت المتنسَّخات الذاتية تنبثق تلقائيا.

وفي عام 1977 لاحظ جميع من H-H. تشو[الذي يعمل الآن في جامعة أيوا الحكومية] وريجيا أنه مادامت الكثافة البدئية للعناصر الحرة المتاحة فوق عتبة معينة، فإن عرى صغيرة ذاتية التنسخ تظهر على شكل موثوق. وعندما تتصادم العرى فإنها يفترض أن تَبيد؛ ومن ثم تتواصل هنا سيرورة من الموت وكذلك من الولادة. وبمرور الزمن، تتكاثر العرى وتنموحجما، وتتطور بوساطة الطفرات التي يستثيرها الحطام الناجم عن التصادمات السابقة. ومع حتى قواعد الأوتوماتا كانت محتومة، فإن تلك الطفرات كانت، في واقع الأمر، عشوائية؛ ذلك حتى المنظومة كانت معقدة، وقد بدأت العناصر المكونة وهي في مواضع عشوائية.

لقد قُصد من هذه العرى حتى تمثل ماكينات تجريدية، وليس صورا لأي شيء بيولوجي، غير أنه من المهم مقارنتها ببنًى جزيئية بيولوجية. إذا العروة تشبه، ولوبشكل تقريبي، الدنا الدائري للبكتيرات، وتعمل ذراع البناء مثل الإنزيم الذي يحفز تنسخ الدنا. والأهم من ذلك حتى عرى التنسخ توضح كيف من الممكن أن يمكن لأنماط سلوك تام معقد حتى تنشأ عن تآثرات موضعية بسيطة. فالعناصر، مثلا، تتحرك حول العروة، مع حتى القواعد لا تتدخل في الحركات؛ إذا ما يحدث عملا هوحتى الخلايا المنفردة تبعث حية أوتموت أوتتحول، على نحوتتم فيه إزالة نمط ما من أحد المواضع ليعاد بناؤه في مكان آخر ـ وهذه سيرورة ندركها على أنها حركة. وخلاصة القول إذا الأوتوماتا الخلوية تعمل موضعيا، ولكنها تبدووكأنها «تفكر» على نطاق شمولي. والكثير مما يماثل ذلك يصدق في البيولوجيا الجزيئية.

وفي تجربة حاسوبية حديثة، أجراها <J. لون> [يعمل حاليا في مركز أبحاث إيمز التابع للوكالة NASA] و<ريجيا>، لم يختبرا فيها بنى مختلفة، وإنما مجموعات متباينة من القواعد. وكانت نقطة البداية كتلة اعتباطية تتألف من أربعة عناصر، فوجدا حتى بوسعهما تحديد مجموعة من القواعد، تجعل الكتلة ذاتية التنسخ. واكتشفا تلك القواعد بخوارزمية وراثية: سيرورة أوتوماتية تحاكي التطور الدارويني.

وأكثر مظاهر هذا العمل إثارة للتحدي كان تعريف ما يسمى بدالّة التلاؤم ـ المعيار الذي يستعمل في الحكم على مجموعات القواعد بحيث تميز الحلول الصح من الحلول الخطأ، ومن ثم تَدفع السيرورة التطورية باتجاه مجموعات القواعد التي تيسر التنسخ. فليس بوسعك حتى تضفي ببساطة صفة التلاؤم العالي على تلك المجموعات من القواعد التي تجعل إحدى البنى تتنسخ، ذلك أنه من غير المرجح حتى أيا من مجموعات القواعد البدئية يفترض أن تتيح التنسخ. لقد تمثل الحل في استنباط دالة تلاؤم تتألف من حاصل جمع مُثقل weighted sum لثلاثة مقاييس: مقياس النمو(المدى الذي يولِّد به جميع نوع من العناصر المكونة مددا متزايدا من ذلك العنصر)، ومقياس الموضع النسبي (مدى بقاء العناصر المتجاورة بعضها مع بعض)، ومقياس التنسخ replicant measure (دالة لعدد المُنَسِّخات العملية الموجودة). فبوجود دالة التلاؤم الصح، يصبح بوسع التطور حتى يحول مجموعات القواعد العقيمة إلى مجموعة خصبة؛ وهذه سيرورة بحاجة عادة إلى 150 جيلا أونحوذلك.


إن البنى الذاتية التنسخ التي اكتشفت بهذا الشكل تعمل بطريقة مختلفة جوهريا عن عمل العرى الذاتية التنسخ. فهي تتحرك، مثلا، وتخلِّف وراءها نسخا، خلافا للعرى المُنَسِّخة التي هي أساسا ساكنة. ومع حتى هذه المُنَسِّخات المكتشفة حديثا تتألف من عناصر عديدة تتآثر موضعيا، فإنها لا تمتلك توصيفًا ذاتيًا يمكن تعهده ـ أي لا يوجد جينوم (مَجين) واضح. وقد تكون المقدرة على التنسخ الذاتي (بدون وجود توصيف ذاتي) لها علاقة بالمسائل التي تدور حول الكيفية التي نشأت بها أقدم المُنَسِّخات البيولوجية. وبمعنى ما، يرى الباحثون حتى هناك متصلة continuum تمتد بين البنى اللاحيّة والبنى الحية.

ولقد جرب باحثون كثيرون نماذج حاسوبية أخرى، إلى جانب الأوتوماتا الخلوية التقليدية. ولا يتم في الأوتوماتا الخلوية اللامتزامنة تحديث متناغم للخلايا، ذلك أنه يمكن في الأوتوماتا الخلوية اللامنتظمة non-uniform حتى تتباين القواعد من خلية لأخرى. وهنالك مقاربة مختلفة تماما تعهد باسم حرب الصميم Core War [انظر: «التسلية بالحاسوب»،مجلة العلوم، العدد 1(1986)، ص 103]، وكذلك المقاربات التي تلتها، كنظام «تييرا» Tierra للباحث الإيكولوجي.

وتَكُون «الكائنات الحية» في هذه المحاكيات برامج حاسوبية، تتنافس من أجل زمن المعالِج والذاكرة. لقد لاحظ ريي انبثاق «طفيليات» تنتقي كود التنسخ الذاتي لكائنات حية أخرى.


الاتجاه إلى الواقعية

أيتها الروبوت: داوِي نَفْسَك

إن أول تطبيقات التنسخ الذاتي الصنعي يفترض أن يتمثل في الحواسيب التي تتدبر أمر نفسها.

لوزان، سويسرا ـ ليس هناك الكثير من الباحثين الذين يشجعون التدمير المتعمد لأجهزة مختبراتهم. ولكن <D. مانگ> يحبذ ذلك عندما يتجه الزائرون إلى أحد اختراعاته، ويضغطون على زر خط عليه «اقتل». تنطفئ عندئذ أضواء اللوحة، ويتحطم صندوق صغير مملوء بالدارات الكهربائية. وفي مطلع الشهر 5(2001) كشف فريق <مانگ> النقاب عن آخر بدعة له، وذلك ضمن «مهرجان للعلوم» عقد في لوزان: ساعة رقمية بحجم الجدار، تقدر تحطيم مكوناتها كما تشاء. وطلب أفراد الفريق الفهمي إلى الجمهور: «ابذلوا قصارى جهدكم، لنرى إذا كان بوسعكم تحطيم المنظومة.»

يهدف مانگ وفريقه إلى تجهيز الدارات الإلكترونية بالقدرة على تلقي ضربة انسحاقية ومواصلة العمل بعدها، تماما كالكائنات الحية. وربما كانت الكائنات المخلوقة من لحم ودم لا تجيد حساب قيمة پاي (Л) إلى جزء من مليون جزء، ولكن باستطاعتها تمضية اليوم من دون حتى يضغط أحد على الأزرار: Ctrl-Atl-Del. إذا الجمع بين دقة الأداة الرقمية (التي تميز الحواسيب) والمرونة (التي تتمتع بها أدمغة البشر) لهوأمر فيه تحد رئيسي للإلكترونيات الحديثة.

لقد عمل مهندسوالإلكترونيات، منذ نشوء هذا الفرع من الهندسة، على ابتكار دارات تتحمّل الخطأ(7). ولولا كشف الخطأ والتسليم، لظلت مودمات (معدالات الحاسوب)(8) modems تنز البيانات قطرة قطرة بمعدل 1200 بود(9). يمكن في تطبيقات كثيرة الاكتفاء بفحوص بسيطة لضبط الجودة، كأن يستعمل مثلا عدد إضافي من بتات البيانات. وتوفر المنظوماتُ الأكثر تعقيدا مجموعةً كاملة من الحواسيب الداعمة. فلدى مكوك الفضاء مثلا خمسة معالِجات، أربعة منها تجري الحسابات نفسها، في حين حتى الخامس يتحقق من صحة توافقها، ويوقف تشغيل أي مخالف منها. ومع هذا، فإن معضلة هذه المنظومات اعتمادها كلها على جهاز تحكم مركزي. فما الذي سيحدث إذا ما أصيبت تلك الوحدة المركزية بتلف؟ أوجدت الطبيعة حلا لتلك المعضلة من خلال لامركزية متطرفة. فجميع خلايا الجسم متماثلة أساسا؛ وتضطلع جميع واحدة منها بمهمة متخصصة، وتؤديها على نحومستقل ذاتيا. وفي حالات العدوى (الخمج) أوالإخفاق في العمل فإنها تنتحر بطريقة الهارا كيري hara-kiri اليابانية، كي تحل محلها خلايا جديدة تضطلع بمهمتها. وهذه هي الخاصيات التي يسعى <مانگ> [أستاذ في المعهد الفدرالي السويسري للتقانة في لوزان] وآخرون غيره منذ عام 1993 إلى مضاهاتها في الدارات الإلكترونية كجزء من مشروع الإلكترونيات الجنينية embryonics (10)u .

إن أول اختراع لهم مما عهد اختصارا ب«ميكتري» MICTREE (شجرة التعليمات الميكروية (الصِغرية) microinstruction tree) وهي خلية صنعية، تتألف من معالج بسيط، وأربع «بتات» لتخزين البيانات. وتضم الخليةَ علبةٌ لدائنية (پلاستيكية) بحجم نصف الكف تقريبا. وتحدث تماسات إلكترونية على طول جوانب العلبة، ومن ثم يمكن تشبيك الخلايا بعضها مع بعض كما هوالأمر في بتر الليگو. وكما هي الحال في الأوتوماتا الخلوية (النماذج التي تستعمل في دراسة نظرية التنسخ الذاتي) تتصل خلايا الميكتري بجيرانها المباشرين فقط. ولذا، فإن عبء الاتصال بالنسبة إلى جميع خلية لا يتوقف على العدد الكلي لهذه الخلايا. وبمعنى آخر، فإن المنظومة يمكن تدريجها بسهولة، خلافا للكثرة من بِنَى الحواسيب المتوازية.

إن الخلايا تتبع التعليمات التي في «جينومها»، وهوبرنامج كُتب بمجموعة رموز فرعية للغة الحاسوبية «پاسكال». وكما هي الحال في سلفها البيولوجي، فإن الخلايا كافة تحوي بالضبط الجينوم نفسه، وتنفذ، بناء على مسقطها في المنظومة، جزءا منه، وهومسقط تحسبه جميع خلية بالنسبة إلى ما يجاورها من خلايا. وعلى الرغم من التبذير الذي يظهر عليه هذا الحشوالزائد، فإنه يتيح للمنظومة حتى تصمد عند فقد أي خلية من الخلايا. وحدثا ضغط أحد على الزر «اقتل» في خلية ما، فإن الخلية تتوقف عن العمل، ويتم فورا وصل خليتي الجوار اليسرى واليمنى. وتعيد خلية الجوار اليمنى حساب مسقطها، وتشرع في تطبيق برنامج الخلية التي قضت؛ أما مهامّها، فستضطلع بها الخلية التالية إلى اليمين، ويتواصل الأمر هكذا حتى تدخل للخدمة خلية احتياطية، أي مخصصة للعمل كبترة غيار.

وتتطلب كتابة البرامج لأي معالج متواز براعة خاصة، بيد حتى منظومة «الميكتري» تتطلب مقاربة غير تقليدية بوجه خاص. فعوضا عن إعطاء تعليمات صريحة، على المبرمج حتى يستنبط قواعد بسيطة، تنبثق منها الوظيفة المرغوبة. وبالنظر إلى حتى مانگ مواطن سويسري، فإنه برهن عمليا على ما تجاوز بأن بنى ساعة إيقاف stopwatch فائقة الوثوقية. ويتطلب إظهار الدقائق والثواني أربع خلايا في صف، واحدة لكل رقم. ويتيح الجينوم نمطين من الخلايا: عداد يعد من الصفر إلى تسعة، وعداد يعد من الصفر إلى خمسة. وتغذي مذبذِبَةٌ (مجاوبة) oscillator أقصى خلية إلى اليمين بنبضة واحدة في جميع ثانية. وبعد عشر نبضات، تدور هذه الخلية رجوعا إلى الصفر، وترسل نبضة إلى الخلية التي إلى يسارها، ليستمر ذلك حتى نهاية السلسلة. وتشغل الساعة جزءا من منظومة مكونة من 12 خلية؛ فعندما تُقتل خلية واحدة، فإن الساعة تواصل عملها من خلال خلية مجاورة. ومع هذا، فإنه من الواضح حتى هنالك حدًا لهذه المرونة؛ إذ ستخفق المنظومة عند حد أقصاه ثماني عمليات قتل.

إن خلايا النموذج الأوَّلي من «الميكتري» تعتمد على وسائل للمعالجة مبنية داخليا hardwired (11)l ، ولذلك فإن طاقة المعالجة في هذه الخلايا لا يمكن حتى تكيف لتلائم تطبيقا خاصا. وبدلا من ذلك فإن الخلايا في المنتج النهائي تستخدم في صفيف بوابي قابل للبرمجة هوشبكة من العناصر الإلكترونية، (1997)، ص 32] ويقوم فريق <مانگ> حاليا بتصميم صفيف بوابي بحسب الطلب، يعهد باسم موكستري MUXTREE (من multiplexer tree، الشجرة التعددية)، وهي الشجرة المثلى للخلايا الصنعية. وفي استعارة بيولوجية مجازية، فإن العناصر المكونة لهذا الصفيف هي «الجزيئات» التي تشكل الخلية. فكل واحدة تتألف من بوابة منطقية، وبتة للبيانات، وعِقْد (سلسلة) من بتات التشكيل يحدد وظيفة هذه البوابة.

عندما تُبنى إحدى الخلايا من مثل هذه الجزيئات، فإن هذا لا يحقق المرونة فحسب، وإنما يوجِد أيضا تحملا إضافيا. ويحوي جميع جزيء نسختين من البوابة، وثلاث نسخ من بتة التخزين. وإذا وقع بأي حال حتى تمخضت البوابتان عن نتيجتين مختلفتين، فإن الجزيء سيقتل نفسه في سبيل المصلحة العليا للخلية. وعند لفظ أنفاسه الأخيرة يرسل هذا الجزيء بتة بياناته (المحفوظة بالتخزين الثلاثي) وكذلك تشكيله إلى الجزيء المجاور الأيمن، الذي يعمل الشيء نفسه، وتستمر السيرورة حتى يقوم أقصى جزيء لليمين بنقل بياناته إلى جزيء احتياطي. ويؤدي هذا المستوى الثاني من تحمل الخطأ إلى منع أي غلطة منفردة من حتى تمحوالخلية بكاملها.

يتألف البيووول BioWall (الجدار الحيوي)، تلك الساعة الرقمية العملاقة التي عرضها فريق مانگ من عدد من الجزيئات يبلغ مجموعها 2000 جزيء، تتوزع في أربع مجموعات، تتألف جميع واحدة منها من 25x20 خلية. ويوجد جميع جزيء داخل علبة صغيرة، ويشتمل على زر القتل وعلى جهاز العرض LED (12)1 . وتتخذ بعض الجزيئات تشكيلا يؤدي عمليات الحوسبة؛ في حين تعمل جزيئات أخرى في شاشة العرض كپكسلات (عنصر صورة ـ عنصورات)(13) pixels. لقد أسرفْت في استخدام أزرار القتل، باذلا قصارى جهدي لتحطيم المنظومة، وهذا عمل أُجيد عادة إتقانه. ولكن الساعة العنيدة أبت حتى تذعن. وشرعت شاشة العرض تأخذ مظهرا مثيرا للغرابة ـ فبدت الأعداد ملتوية مع زحزحة پكسلاتها إلى اليمين ـ ولكنها ظلت على الأقل مقروءة، خلافا لمعظم الإشارات الإلكترونية المعيبة.

ومع هذا، فإن المنظومة عانت بالعمل اختلالات في العرض، عزاها <مانگ> بصورة رئيسية إلى مشكلات في التوقيت. ومع حتى طاقة المعالجة لامركزية، فإن الخلايا ظلت تعتمد على مذبْذِبة مركزية تنسق اتصالاتها؛ وكانت الخلايا تفتقر أحيانا إلى التزامن. ودرس فريق آخر يعمل في حقل الإلكترونيات الجنينية، يقوده أ. تيرّل، من جامعة يورك في إنكلترا، أمر جعل الخلايا لا متزامنة، كنظائرها البيولوجية. وستولد الخلايا إشارات تصافحية لتنسق نقل البيانات. والمنظومة الحالية لا تستطيع أيضا حتى تكشف أنماطا معينة من الخطأ، بما في ذلك عقود (سلاسل) التشكيل المعطوبة. ولقد اقترح فريق <تيرل> إضافة جزيئات حراسة تعمل كجهاز مناعي ـ يضبط التشكلات، ويراقب بعضها بعضا للكشف عن أي من أوجه الخلل.

ومع حتى هذه المنظومات تتطلب قدرا هائلا من النفقات العمومية، فهذا ينطبق أيضا على التقانات الأخرى التي تتحمل الخطأ. ويجادل <تيرل> قائلا: «في حين حتى الإلكترونيات الجنينية تبدومثقلة بالحشوالزائد على الحاجة، فهي في الواقع ليست بهذا السوء عندما تقارن بالمنظومات الأخرى.» أضف إلى ذلك، أنه ينبغي حتىقد يكون تصغير «موكستري» حتى المستوى النانوي أمرا أكثر سهولة؛ «فالجزيئات» على درجة من البساطة بما يكفي لأن تكون محض جزيئات حقا. ويقول مانگ: إننا نعد العدة لموقف تصبح فيه الإلكترونيات في المستوى نفسه الذي توجد فيه البيولوجيا.

وعلى المستوى الفلسفي سنجد حتى الإلكترونيات الجنينية تقترب قربا وثيقا من حلم بناء ماكينة ذاتية التنسخ. وقد لا تكون هذه الماكينة مثيرة بنفس الدرجة التي تثيرها إنسالة يمكنها التوجه إلى أحد محلات راديوشاك (التي تبيع الأجهزة الإلكترونية وأجزاءها)، وأخذ بتر غيار من على الرفوف، وحملها إلى المنزل لإعادة لحم وصلة ما، أولبناء رفيقة يلهومعها. ومع هذا، تتماثل النتائج كثيرا. وعلى ما يبدو، فإن السماح للماكينات بأن تحدد مصيرها بنفسها (سواء بأن تعيد تشكيل نفسها على شيپة سيليكونية، أوبأن تعيد برمجة نفسها باستعمال شبكة عصبية أوخوارزميات وراثية) لهوأمر مخيف، ومع ذلك فربما ينبغي حتى نشعر بالرضا لأن هذه الماكينات أصبحت تماثلنا أكثر فأكثر؛ بمعنى أنها لا تتصف بالكمال، وليست معصومة عن الخطأ، ولكنها واسعة الحيلة بصورة لا هوادة فيها.

حاسوب يقاوم التحطيم: تمثل هذه الصورة منظومة ثنائية البعد لخلايا صنعية، تتألف جميع واحدة منها من معالج بسيط. وفي هذا النوع من التطبيق تعمل أربع خلايا معا كساعة إيقاف stopwatch، وهناك خلية واحدة لكل رقم. تعد جميع خلية إما حتى الرقم خمسة، أوحتى الرقم تسعة، ويتوقف ذلك على إحداثيات الخلية ضمن المنظومة. أما بقية الخلايا في المنظومة، فتعمل كبتر غيار احتياط تتولى المهمة مكان الخلية التي تخفق أوتقتَل. إذا خلايا المنظومة المسماة بيوديول Biodule 601،التي تظهر في هذا الشكل، هي خلايا تأسست استنادا إلى بنية «الميكتري» الموصوفة في النص.

إذًا، ما الفائدة من هذه الماكينات،يا ترى؟ إذا بوسع بنَّاء <ڤون نويمان> الكامل إجراء الحوسبة، وذلك إضافة إلى التنسخ، بيد أنه يبقى بهيمة غير عملية. ونجد حتى أحد أوجه التقدم الرئيسية هوتطوير مُنَسِّخات بسيطة، إنما مفيدة. ففي عام 1995 بسّط <G. تمپستي> [من المعهد الفدرالي السويسري للتقانة في لوزان] التوصيف الذاتي للعروة، بحيث أمكن حتى تنضفر interlace مع برنامج قصير (هوفي هذه الحالة حدثة مؤلفة من الأحرف الأولى لاسم مختبره، أي LSL). وظهر نفاذ بصيرته في إنشائه قواعد أوتوماتية تتيح للعرى حتى تتنسخ عبر مرحلتين. في الفترة الأولى، تصنع العروة نسخة عن ذاتها، شأنها شأن عروة <لانگتون> وما إذا يتم ذلك حتى ترسل العروة الابنة إشارة إلى الأم، التي تصدر التعليمات لكتابة الأحرف.

كان رسم الأحرف مجرد إثبات بالأمثلة. وفي العام التالي (1996) صمم Y-.J. پيرييه و[[J. زاند> وواحد منا (سيپر) عروة ذاتية التنسخ ذات قدرات حاسوبية شاملة؛ أي إذا لها القوة الحاسوبية لماكينة <تورينگ> الكاملة؛ بمعنى أنها حاسوب شديد البساطة، ولكنه حاسوب كفؤ تماما. ولهذه العروة شريطان، أي عِقدان طويلان من العناصر المكونة: الأول خاص بالبرنامج والثاني خاص بالبيانات. وبوسع هذه العرى حتى تنجز برنامجا اعتباطيا، إضافة إلى التنسخ الذاتي. وبمعنى ما، فإن هذه العرى معقدة كتعقيد الحاسوب الذي يحاكيها، ولكن قصورها الرئيسي يتمثل في حتى البرنامج يُنسخ من الأب إلى الابن من دون أي تغيير، وبذا، فإن العرى كافة تنفذ مجموعة التعليمات ذاتها.

وفي عام 1998، أزال <شو> و<ريجيا> هذا القصور. لقد أوضحا كيف من الممكن أن حتى العرى الذاتية التنسخ (التي تحمل معلومات متميزة، وليس مجرد برنامج نسيل cloned) يمكن حتى تستعمل لحل معضلة تعهد ب«الإرضائية» satisfiability. فيمكن استعمال العرى لتحديد ما إذا كانت المتغيرات التي في تعبير منطقي يمكن حتى تُعطَى قيما محددة، بحيث يصل بنا تقييم التعبير بكامله إلى أنه «حقيقي». إذا هذه المعضلة هي معضلة NP تامة. وبحدثات أخرى، إنها تنتمي إلى فصيلة الألغاز البغيضة، بما فيها معضلة البائع المتجول(14) الشهيرة، التي لم يتحقق لها حتى الآن حل كفؤ. ففي عالَم أوتوماتا <شو> و<ريجيا> الخلوي الكامل، حظيت جميع مُنَسِّخَة بحل جزئي مختلف. وفي أثناء سيرورة التنسخ، طفرت الحلول، وأتيح للمُنَسِّخات ذات الحلول الواعدة حتى تتكاثر، في حين انقرضت المُنَسِّخات ذات الحلول الفاشلة.

ومع حتى مجموعات درس متباينة قامت ببناء أوتوماتا خلوية في معدات إلكترونية، فمن المحتمل حتىقد يكون في هذه المنظومات، عند التطبيق العملي، أوجه إسراف أكثر مما ينبغي، فالأوتوماتا لم يقصد لها بتاتا حتى تكون أدوات تطبيق مباشر؛ إذ إذا الغرض من الأوتوماتا هوإيضاح المبادئ الأساسية للتنسخ، وهي إذ تعمل ذلك فإنها تحث على بذل محاولات أكثر تماسكا. ويقدم مفهوم العرى نموذجا (صيغة) paradigm جديدا لتصميم حاسوب على التوازي، سواء من الترانزستور أومن الكيميائيات [انظر: «الحوسبة بوساطة الدنا»، مجلة العلوم، العدد10 (1999)، ص 40].


وبمعنى ما، يرى الباحثون حتى هناك متصلة continuum تمتد بين البنى اللاحيّة والبنى الحية
تخيل فني لمصنع قمري روبوتي "ذاتي النمو"

وفي عام 1980 اقترح فريق من «ناسا» NASA، يقوده ر. فرايتاز، الأصغر إنشاء مصنع على القمر، قادر على التنسخ الذاتي (مستعملا مواد قمرية محلية) والتوسع أُسِّيا في منطقة كبيرة. والحقيقة، كما يحاج الفيزيائي ج. ف. تيپلر، من جامعة تولين، إذا مسبارا مماثلا يمكن حتى يستعمر المجرة بكاملها. وتجدر الإشارة إلى حتى فهماء الحاسوب ومهندسيه أجروا تجارب على تصاميم مؤتمتة للإنسالات(15) (الروبوتات)(16). ومع حتى هذه النظم في الحقيقة لا تتنسخ (لأن الأبناء أكثر بساطة من الآباء)، فإنها تعد المستوى الأولى باتجاه تحقيق طلب ملكة السويد.

وإذا ما صارت الماكينات الفيزيائية الذاتية التنسخ ماكينات عملية، فإنها ستستثير ـ هي والتقانات المتصلة بها ـ قضايا عويصة، بما في ذلك سيناريوفيلم ترمينيتور Terminator الذي تَبُز فيه كائنات صنعية المخلوقات الطبيعية. إننا نحبذ السيناريوالأكثر تفاؤلا والأكثر احتمالا، سيناريويمكن فيه تسخير المُنَسِّخات لنفع البشرية(17). وسيكون مفتاح ذلك الأخذ بنصيحة فيلسوف القرن الرابع عشر البريطاني وليام من اوكم: «ليس للكيانات حتى تتكاثر بما يتجاوز الضرورة.»


أعمال حديثة

مطورونماذج أولية عاجلة ذاتية النسخ

RepRap 1.0 "Darwin" prototype


كل الأجزاء البلاستيكية للآلة على اليمين أنتجتهم الآلة المطابقة إلى اليسار . (أدريان بوير (يسار) وڤيك اوليڤر (يمين) هما عضوان في مشروع RepRap.)


المؤلفان

Mosbe Sipper - James A. Reggia ، يتشاركان في اهتمامات حول الكيفية التي تتعضى فيها ذاتيا المنظومات المعقدة. وسيپر محاضر أول في قسم فهم الحاسوب بجامعة بن گوريون، وباحث زائر في مختبر المنظومات المنطقية التابع للمعهد الفدرالي السويسري للتقانة بلوزان. وينصب اهتمام سيپر بصورة رئيسية على النماذج الحاسوبية المستلهمة من البيولوجيا، كالحوسبة التطورية والمنظومات الذاتية التنسخ والحوسبة الخلوية. أما ريجيا فهوأستاذ فهم الحاسوب وطب الجهاز العصبي في معهد الدراسات الحاسوبية المتقدمة بجامعة مريلاند. وإضافة إلى دراسته ظاهرة التنسخ الذاتي، فإن ريجيا يجري أبحاثا على النماذج الحوسبية للدماغ ولاضطراباته، مثل السكتة الدماغية.

انظر أيضا

  • Nanorobotics
  • Conway's Game of Life
  • Grey goo
  • Ecophagy
  • Computer virus
  • منطقات في الفهم تتضمن نصوصا من مجلة العلوم.
  • بوابة مجلة العلوم


المراجع

  • Simple Systems That Exhibit Self-Directed Replication. J. Reggia, S. Armentrout, H. Chou and Y. Peng in Science, Vol. 259, No. 5099, pages 1282-1287; February 26, 1993.
  • Emergence of Self-Replicating Structures in a Cellular Automata Space. H. Chou and J. Reggia in Physica D, Vol. 110, Nos. 3-4, pages 252-272; December IS, 1997.
  • Special Issue: Von Neumann's Legacy: On Self-Replication. Edited by M. Sipper, G. Tempesti, D. Mange and E. Sanchez in Artificial Life, Vol. 4, No. 3; Summer 1998.
  • Towards Robust Integrated Circuits: The Embryonics Approach. D. Mange, M. Sipper, A. Stauffer and G. Tempesti in Proceedings of the IEEE, Vol. 88, No. 4, pages 516-541;April 2000.
  • Moshe Sipper's Web page on artificial self-replication is at Islwww.epfl.ch/-moshes/selfrep/
  • Animations of self-replicating loops can be found at necsi.org/postdocs/sayama/sdsr/java/
  • For John von Neumann's universal constructor, see alife.sp`ntafe.edu/alife/topics/jvn/jvn.html
  • Scientific American, August 2001

الهامش

  1. ^ مجلة العلوم

المصادر

وصلات خارجية

  • Video of Adrian Bowyer talking about RepRap at the Pop!Tech 2007 Conference.
  • The Clanking Replicator Project: Bootstrap your own self-replicating, rapid prototyping machine
  • Cornell's Self-replicating machine
  • The RepRap Project: Creating wealth without money...
  • Terraforming Mars and Venus using machine self-replicating systems (SRS)
  • Green Goo - Life In The Era Of Humane Genocide by Nick Szabo
  • Replikon Research: Singly-closed self-reproducing machine tools
تاريخ النشر: 2020-06-04 19:49:04
التصنيفات: حياة اصطناعية, روبوتية, عن مجلة العلوم

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

وثيقة إلزامية جديدة للراغبين في السفر إلى أوروبا

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:30
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 70%

«التعليم»: 3 شروط لإعادة إصدار شهادات الثانوية العامة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:23
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 51%

هذا ما قاله مصطفى حجي عن نيمار بعد التحاقه بالهلال السعودي

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:26
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 84%

الأمير سعود بن جلوي يطّلع على خطة استعدادات تعليم جدة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:31
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 69%

الليلة..نجوم التسعينيات تزين سماء جدة في "كاسيت 90" السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:36
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 57%

18 في المائة من المصريين يدخنون 100 مليار سيجارة سنوياً

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:24:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 56%

جامعة القصيم تدخل في تصنيف شانغهاي الدولي لأول مرة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:30
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

زامبيا تحتجز طائرة مصرية خاصة على متنها ملايين الدولارات وأسلحة وذهب

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:28
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 72%

لهذا السبب انسحب بايرن ميونخ من صفقة بونو

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:25:15
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

أعضاء 3 متوفين دماغيا تنقذ حياة 8 أشخاص السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:34
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 62%

جامعة الملك خالد تتقدم 200 مركزا في تصنيف شنغهاي العالمي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:31
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 58%

القبض على مغربية و3 مواطنين لترويجهم 14.5 كيلو جرامًا من الحشيش السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:23:35
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 70%

لهذا السبب انسحب بايرن ميونخ من صفقة بونو

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-16 12:25:09
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 50%

تحميل تطبيق المنصة العربية