الشيعة في السعودية

عودة للموسوعة

الشيعة في السعودية

يشكل الشيعة في السعودية حوالي 15 % من إجمالي عدد السكان. بالمساواة في حقوق المواطنة مع المسلمين السنة.

وينتشر الشيعة بأعداد متفاوتة في مناطق المملكة المتنوعة، لكن نطاق تمركزهم وثقلهم الأساسي هوشرق الجزيرة العربية أوما كانت تعهد قديما بالبحرين التي تضم تاريخيا أوال (مملكة البحرين حاليا) والخط (القطيف) وهجر (الأحساء). وتاريخ التشيع في المنطقة قديم، وبعضهم يعود به إلى عهد الإمام علي ابن أبي طالب الخليفة الرابع. وقد أنجبت المنطقة الكثير من الصحابة والتابعين والشعراء المبرزين، وتميزت المنطقة (البحرين القديمة) باندلاع الثورات والانتفاضات المبكرة ضد الدولة الأموية ثم الدولة العباسية والتي تكللت بسيطرة القرامطة في نهاية القرن الثالث الهجري التي جعلوها قاعدة لحكمهم ومنطلقا لحملاتهم ضد المراكز والعواصم العربية (العراق والشام ومصر)، واستمرت سيطرتهم قرابة 150 عاما.

والقرامطة من الناحية الممضىية ينتسبون إلى فرقة الإسماعيلية، وفي عهدهم جرى استحداث الكثير من التنظيمات الإدارية والعسكرية والقانونية والاجتماعية ذات المدى المتقدم والمتطور التي تأخذ بعين الاعتبار مصالح الغالبية من السكان والتي لا تزال جذورها قائمة في بعض الأنماط الاقتصادية الاجتماعية التقليدية مثل الزراعة والحرف والصيد، كما اتسم البناء السياسي والاجتماعي للقرامطة بالديمقراطية العسكرية.

الهجريب الإثني

الشيعة في المنطقة الشرقية هم إجمالا من الحضر المستقرين الموجودين منذ قرون عديدة ضمن مدن وقرى حضرية، ويمارسون مهنا ثابتة مثل الزراعة والحرف والصيد، وبالتالي فإن الأنماط الاقتصادية للعلاقات القبلية وكذلك أعرافها وعاداتها وقيمها ضئيلة الحضور, فهما بأن الأصول القبلية والبدوية شكلت تاريخيا النواة الصلبة الأساسية للسكان المحليين (الشيعة). وهم في غالبيتهم ينحدرون من قبائل ربيعة (عبد القيس وبكر بن وائل) ومن قبائل وعشائر أخرى وفدت من نجد وغيرها (لأسباب اقتصادية) من المناطق، ومن أهمها قبيلة بني خالد التي استقرت وتحضرت وذابت ضمن النسيج المحلي للسكان.

إذا فالأصول والجذور العربية للشيعة لا جدال فيها، وهوما يدحض التخرصات المشككة في انتماءاتهم القومية والوطنية ومن ضمنها اعتبارهم أجانب أومنحدرين من أصول فارسية مع حتى ذلك لا يعيب ولا يشكل جريرة أومؤاخذة من أي نوع، ففي إطار الحضارة العربية الإسلامية تمازجت وتداخلت واختلطت شعوب وحضارات وثقافات متنوعة، وكان ذلك أحد العوامل لإثراء وحيوية وتقدم تلك الحضارة.

إن وجود أعداد غفيرة من ذوي المنحدرات الإيرانية والآسيوية والأفريقية في معظم مناطق دول الخليج (وفي مقدمتها المملكة) ومعظمهم من السنة لم يثر التحفظات والتشكيك من قبل السلطات والأوساط الدينية الرسمية، وهذا يشير على التوظيف السياسي الذي يستخدم الدين المتشدد كما في فترة المد القومي أويتبنى القومية الشوفينية إزاء مطالب واحتياجات وحقوق الأقليات الإثنية والدينية والطائفية ومن بينهم الشيعة.


نطاق الانتشار

الشيعة موجودون في مناطق وأنطقيم مختلفة من المملكة، ففي المنطقة الشرقية يشكل الشيعة نسبة كبيرة من السكان، وهم ممضىيا ينتمون إلى الإمامية (الجعفرية)، وكذلك الأمر ينطبق على شيعة المدينة (النخاولة)، بل إذا الأشراف وهم سادة بني هاشم في المدينة ومكة وينحدر من سلالتهم الأسرتان الهاشمية والعلوية الحاكمتان في الأردن والمغرب، كانوا ينتمون (وبعضهم لا يزال) للممضى الشيعي. كما حتى هناك وجودا شيعيا بين قبائل حرب وجهينة (الحروب) وفي منطقة ينبع البحر وهم من الشيعة الكيسائية. أما الشيعة "الإسماعيليون" فينتشرون في الجنوب وبخاصة في نجران بين قبائل يام, كما ينتشر الشيعة "الزيود" في مناطق عدة من المنطقة الجنوبية والغربية.

ومع أهمية الوجود الشيعي في المملكة حيث تقدر نسبهم بحوالي 15% من العدد الإجمالي للسكان المحليين البالغ حوالي 17 مليونا، فإن المسألة الشيعية ارتبطت على الدوام بوجود الشيعة في المنطقة الشرقية لأسباب وعوامل تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية. وقبل جميع شيء يتمثل أهمية العامل الشيعي في الحياة المعاصرة للمملكة العربية السعودية في كون المنطقة الشرقية تحتوي على أكبر مخزون نفطي في العالم (25% من أجمالي الاحتياط العالمي) إلى جانب وجود كميات هائلة من الغاز.

أما على الصعيد الجيوسياسي والعلاقات الثقافية والعائلية والممضىية فإن شيعة الشرقية يمتلكون التواصل والارتباط الوثيق بمناطق الوجود الشيعي "الكثيف" في المناطق المجاورة مثل العراق وإيران والشام والكويت والبحرين وغيرها من دول الخليج العربي، لكن هذا التواصل والتداخل لا يعني بأي حال تبعية شيعة المملكة لمركز أودولة "معينة" أخرى من منطلق ولاء سياسي وممضىي. فتاريخ التشيع في الجزيرة يعود إلى حوالي 1400 سنة في حين حتى إيران الشيعية المعاصرة يعود وجودها إلى حوالي 500 سنة (الحكم الصفوي). وفي الواقع فإن فهماء الشيعة من البحرين (التي تضم القطيف والأحساء) كانوا يمتلكون حوزتهم (مدارسهم) الدينية الخاصة منذ زمن سحيق. وقد أطلق على مدينة القطيف مسمى "النجف الصغرى" لكثرة الحوزات الدينية فيها، واستمرت هذه الحوزات تعمل بنشاط حتى بدايات قيام الحكم السعودي (الدولة الثالثة).

والمعروف تاريخيا حتى فهماء الشيعة من البحرين إلى جانب فهماء العراق ولبنان لعبوا دورا أساسيا في نشر التشيع وبناء الحوزات الدينية في إيران الصفوية. وبطبيعة الحال وقع ويحدث انشداد وتجاذب لشيعة المملكة مع تجارب وأوضاع شيعية في الخارج. وهذا أمر طبيعي بعمل التقارب والتداخل الجغرافي والاجتماعي والسياسي والممضىي والثقافي، وهي ليست خصيصة شيعية بالمطلق إذ هوأمر رائج في جميع الأديان والمذاهب والثقافات الإنسانية. وفي الواقع فإن ولاء وانجذاب الأقليات الإثنية والدينية إلى ما وراء الحدود هوفي أحد مظاهره يشير على شعور هذه الأقليات بالظلم والحيف والتمييز الواقع عليها من قبل السلطات الحاكمة أونتيجة الاضطهاد الذي تمارسه القومية أوالأكثرية الاجتماعية أوالفئات المتشددة دينيا وممضىيا.

إننا نجد حتى تجربة ثورية معاصرة كتلك التي مثلتها إيران الإسلامية تحت قيادة الإمام الخميني لم يقتصر الإعجاب والانشداد إليها على الجانب الشيعي فقط، إذ انبهرت بها شعوب وقيادات وفصائل دينية (سنية) وقومية ويسارية مختلفة خصوصا في بدايات فوز الثورة نظرا لما أحدثته من تغير واختراق مهم لصالح الشعوب في المنطقة والعالمين العربي والإسلامي.

والحال كذلك ينطبق إزاء تجربة المقاومة الوطنية الباسلة التي قادها حزب الله في لبنان ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي والتي أجبرته على الرحيل ذليلا من الأراضي اللبنانية. وهوما يحدث حاليا إزاء التعاطف والانجذاب من قبل الشيعة وغيرهم إزاء الوضع الجديد الذي نشأ إثر سقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري وما تكشف من جرائم بشعة ضد شعبه (وفي مقدمتهم الشيعة). والتي من نتائجها المؤسفة -ولكنها طبيعية- إحياء الولاءات والانتماءات والهويات الفرعية التقليدية ومن ضمنها الاصطفافات الطائفية والقبلية والإثنية والجهوية، والتي عملت الدكتاتورية على تقويتها عبر مصادرة المجتمع وتحطيم كافة قوى تشكيلات المجتمع المدني من أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية ومهنية وثقافية.

تاريخ الشيعة في السعودية

احتُلت الهفوف (حاضرة الأحساء) في 12 أبريل 1913 بسهولة بعد مقاومة ضعيفة أبدتها الحامية الهجرية. وكان موقف المجتهد الشيعي الأكبر في الأحساء الشيخ موسى بوخمسين وعدد من الوجهاء بعدم المقاومة لعب دورا حاسما في إحراز النصر السريع لابن سعود الذي عقد اتفاقا مع زعماء الشيعة ينص على "ضمان حرية الأهالي الدينية" وضمان "إعادة الأمن ونشر العدل" لقاء الولاء والانضمام إلى الكيان والحكم الجديد. وعقب احتلال الهفوف أوفد القائد المؤسس عبد العزيز مفرزة صغيرة (عشرة أشخاص) بزعامة ابن سويلم إلى القطيف للتفاوض على دخولها سلما. وقد انقسمت المرجعية الدينية والزعامة السياسية في القطيف بين المقاومة والدعوة إلى التسليم حقنا للدماء، وحسمت المسألة نتيجة موقف الشيخ علي أبوعبد الكريم الخنيزي (وهوبالمناسبة الأخ غير الشقيق لوالدي) الذي رفض المقاومة حقنا للدماء، إلى غير ذلك فتح الأمير عبد الرحمن بن سويلم مبعوث ابن سعود القطيف سلما في 15 مايو1913.

إلى غير ذلك أصبحت واحتا الأحساء والقطيف اللتان تتسمان بالاتساع الجغرافي الضخم وبمصادر ثرواته (قبل اكتشاف النفط) الكبيرة المتوفرة آنذاك تشكلان درة الدولة الجديدة التي كانت في طور التأسيس. واضطرت الحاميتان الهجريتان في الأحساء والقطيف إلى المغادرة عن طريق البحر، لكن ابن سعود نظرا لحنكته ومعهدته الدقيقة بالطبيعة الخاصة للمنطقة وسكانها حرص على التصالح والتعايش وكسب ودهم عن طريق اتفاقيات وتعهدات بعدم مس معتقداتهم وتوفير الحماية والأمن لهم، بل إنه أقدم في فترة لاحقة على تعيين الشيخ علي الخنيزي قاضيا أكبر في المنطقة يتقاضى أمامه جميع السكان الشيعة والسنة على حد سواء، فهما بأن ذلك يخالف ويتعارض مع النهج والتفكير الوهابي المتشدد المتحالف معه.

وفي الوقت نفسه حرص ابن سعود انطلاقا من معهدته بموازين القوى الإقليمية والدولية على عدم إغضاب الدولتين الرئيسيتين المهيمنتين في المنطقة وهما الخلافة العثمانية (الآستانة) وبريطانيا العظمى، لذا كان على الملك عبد العزيز إبرام المعاهدات والاتفاقات معهما من أجل ضمان استقرار حكمه. ومن الواضح حتى أسبابا وعوامل عدة ساعدت في غض النظر من قبل الخلافة العثمانية وبريطانيا وعدم التدخل المباشر للتأثير في الأوضاع المحلية، خصوصا في ظل الموقف السلبي من زعماء السكان المحلين الذين رفضوا التعاطي مع المندوبين والرسل البريطانيين الذين عرضوا عليهم (زعماء القطيف) وضعا مماثلا ومشابها للمشيخات المحمية في الخليج، وذلك لأسباب دينية (عدم جواز حكم غير المسلم) ووطنية.

واضطر الملك عبد العزيز لأسباب تكتيكية إلى عقد اتفاقية معاهدة مع الأتراك في 15 مايو/ أيار 1914. ومع أنه قدم فيها بعض التنازلات الشكلية للأتراك فإنه سرعان ما تجاوزها ورفض التقيد ببنودها إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914). وضمن هذا السياق سقط الملك عبد العزيز على معاهدة (دارين, القطيف) مع ممثل الحكومة البريطانية كوكس في 26 ديسمبر 1915. وهذه المعاهدة حوت بالعمل إجحافا وتنازلات تعد جوهرية إذ مست بمبدأ السيادة والاستقلال الوطني، لكن الوقائع والسياقات التاريخية ذات المسارات تبين على نحوجلي حتى وحدة الكيانات وبناء الأوطان لا يمران عبر طريق مستقيم لا التواءات أومنعطفات أوحتى تراجعات (خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء) فيه. وقد تبدومن الظاهر غير مقبولة أومبدئية، لكن إذا أخذت ضمن المنظور التاريخي العام نجد أنها قد تكون ضرورية وأهون الشرور والخيارات للمحافظة على الهدف المركزي والأساسي وهوما يتمثل في نظري بالإنجاز التاريخي الكبير، وهوإقامة أول وحدة عربية ناجحة في العصر الحديث، وذلك على أنقاض التخلف والفقر والتجزئة والاحتراب القبلي والطائفي والممضىي الذي كان سائدا في أراتى الجزيرة العربية لقرون عدة.

لكن هذا المنجز التاريخي الكبير الذي تحقق يجب حتى لا يجعلنا نغفل جوانب ونتائج سلبية رافقته ونجمت عنه احتقانات اجتماعية وممضىية وسياسية خطيرة، لم يجر وضع حد لها ولذيولها حتى الآن، وذلك لأسباب وعوامل متعلقة بالبيئة السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية السائدة.

ما شاهدناه في أفغانستان والجزائر ومصر والمغرب والسعودية وحتى في داخل الولايات المتحدة نتاج بيئة ثقافية وفكرية منغلقة ومتحجرة تقسم العالم إلى دار حرب ودار إسلام وتحمل شعار البراء والولاء وغيرها من المفردات القاتلة.

لعبت حركة الإخوان منذ تأسيسها 1915 دورا حاسما في توطيد سلطة الملك عبد العزيز، وكانت تمثل الذراع العسكري والمظلة الأيدولوجية في تأسيس وتوحيد المملكة حتى لحظة اللقاءة والصدام حين افترق وتصادم مشروعها مع توجهات الحكم السعودي نحوبناء الدولة المركزية واحترام العلاقات والاتفاقيات الإقليمية التي أبرمها الملك عبد العزيز مع جيرانه ومع بريطانيا الدولة الاستعمارية القوية المهيمنة في المنطقة آنذاك إثر انهيار سلطة الخلافة وتقسيم المنطقة العربية (سايكس بيكو) بين بريطانيا وفرنسا. وما أود الهجريز عليه هنا هوالنتائج والإفرازات السلبية الناجمة عن تأجيج هذه الحركة للمسألة الطائفية دون حتى نغفل الأبعاد السياسية والاجتماعية والدينية التي رافقتها وأعقبتها والتي ما زالت مستمرة حتى الآن سواء في التوجهات والممارسات الحكومية أوموقف المؤسسة الدينية الرسمية ناهيك عن التكوينات والتشكيلات المنبثقة عنها والخارجة عليها في الوقت الحاضر.

لقد اتسمت حركة الإخوان منذ بداية تأسيسها بالتشدد والتزمت الديني والمسلكي الذي يصل إلى حد التكفير والاستئصال للآخر المختلف ضمن الدائرة الإسلامية، بما في ذلك المذاهب السنية الأخرى. غير حتى رأس رمح هذه الحركة كان متجها ومسلطا على نحومتطرف ضد الشيعة على وجه الخصوص الذين اعتبروا في نظرهم في منزلة الكفار الذين يجب إخضاعهم للتوبة والعودة إلى سليم الإسلام أوإعمال السيف في رقابهم ومعاملتهم بأدنى من معاملتهم للذميين.

هذه الممارسات والانتهاكات الخطيرة أدت إلى حتى يعيش الشيعة محنة شديدة، حيث تم إغلاق مساجدهم ومنعهم من ممارسة شعائرهم وفرض عليهم إعادة تأكيد إسلامهم على يد الشيخ (غالباقد يكون جاهلاً ولا يفقه في أمور الدين) يفرض من قبلهم ويقوم بإمامتهم في الصلاة إلى جانب تدميرهم لمقابر آل البيت والأولياء بل وحتى القبور العادية بحجة العودة إلى ينابيع الإسلام السليم. كما شددت ضدهم الإجراءات الاقتصادية (الزكاة والجزية والمكوس) ومنعوا حتى من ممارسات بسيطة وعادية مثل التدخين الذي اعتبروه من الكبائر وهومما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة منهم إلى دول الجوار (البحرين والعراق والكويت.. إلخ) ووصل تماديهم إلى درجة وضعت الملك عبد العزيز في موقف حرج وخطير داخليا وإزاء التزاماته وتعهداته إزاء المحيط العربي(العراق والأردن واليمن ومصر) ومحميات الخليج التي كانت تقع ضمن نطاق نفوذ بريطانيا العظمى والتي لم يكن بمقدور الملك عبد العزيز إغضابها وتجاهل نفوذها ومصالحها في المنطقة، ووصل الأمر إلى حد تكفير الدولة والملك عبد العزيز، وهوما أدى إلى حدوث الصدام الحتمي بين حركة الإخوان والملك عبد العزيز (1929) في معركة السبلة المعروفة حيث تم القضاء على الحركة عسكريا وتم تصفية قياداتها بالقتل والسجن.

غير أنه ما أشبه اليوم بالبارحة، عملى أرضية فكر الإخوان وممارستهم والفكر التكفيري الأحادي الجانب انبثقت وتشكلت مختلف التيارات والفرق المتطرفة التي انبثقت في غالبيتها من قلب المؤسسة الدينية الرسمية، لكنها تمادت ووصل الأمر بها إلى تكفير هذه المؤسسة وتكفير الدولة والدعوة إلى الخروج عليها ومحاربتها تحت عناوين ولافتات مختلفة من حيث الشكل، غير أنها لم تمضى بعيدا عن النهج والممارسات الإخوانية القديمة والجديدة مما شاهدناه في أفغانستان والجزائر ومصر والمغرب والسعودية وحتى في داخل الولايات المتحدة، وهونتاج بيئة ثقافية وفكرية منغلقة ومتحجرة ترى العالم من خلال عدسة واحدة تقسم العالم إلى دار حرب ودار إسلام وتحمل شعار البراء والولاء وغيرها من المفردات القاتلة.


الشيعة وفترة اكتشاف النفط

في 29 مايو1933 أصدر المرسوم الملكي بمنح شركة ستاندرد أوبل أوف كاليفورنيا (أميركية) امتياز التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية، وهوما مثل بداية التحولات الجذرية في الخارطة السياسية حيث ابتدأ النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة في الهيمنة على مقدرات الأوضاع في المنطقة، وكان من نتائجه الهامة على الصعيد الداخلي حدوث تبدلات اقتصادية واجتماعية هامة في المنطقة الشرقية، حيث جذبت صناعة النفط الوليدة أعداداً متزايدة من السكان المحليين ومن المناطق المتنوعة في المملكة، وكان من نتائجه بدايات تشكيل اجتماعي طبقي حديث مرتبط بأهم مصادر الطاقة (البترول) في العالم. وقد دشن ذلك بدايات وإرهاصات لتشكيلات عمالية سياسية حديثة لا تستند إلى الولاءات والانتماءات التقليدية العمودية القديمة، بل تتوجه نحوالعلاقات الاجتماعية الحديثة القائمة على المصالح المشهجرة بغض النظر عن المنحدرات والخلفيات الجهوية والقبلية والطائفية.

وقد جرى أول إضراب عمالي في عام 1944 حيث قدم العمال مطالب عمالية/نقابية وجرى تشكيل أول لجنة عمالية في عام 1952 سعت إلى الاعتراف بها كممثل للعاملين في شركة النفط، وفي 17/10/1953 بدأ العمال بالإضراب عن العمل الذي شارك فيه 20 ألف عامل سعودي وعربي واضطرت الحكومة لإطلاق سراح أعضاء اللجنة العمالية ووعدت شركة النفط بتحسين ظروف العمل وزيادة الأجور. وفي مايو/ أيار 1956 اندلعت تظاهرات عمالية ضد قاعدة الظهران للقوات الأميركية. وقد ساهم الشيعة بفعالية إلى جانب العمال السعوديين الآخرين وكانوا ضمن قيادات وفعاليات العمل والنضال النقابي/السياسي الآخذ بالتشكل. ومما له دلالة واضحة على تسارع الاندماج والوحدة في مصالح وأهداف العمال على اختلاف وتنوع مناطقهم وقبائلهم ومذاهبهم الاجتماع الحاشد الذي عقد في منتصف يونيو/ حزيران 1956 في أحد مزارع القطيف وألقيت فيه الخطب والقصائد الشعبية الحماسية. وفي اليوم التالي جرت اعتنطقات واسعة في صفوف المشاركين من العمال والمثقفين وكانوا من الشيعة والسنة على حد سواء، ثم توالت التحركات العمالية المطلبية والتي بلغت ذروتها في 23 سبتمبر/ أيلول 1956 أثناء زيارة جمال عبد الناصر.

وفي عام 1963 جرت اعتنطقات واسعة وأذيع بيان رسمي عن اكتشاف تنظيم شيوعي يستهدف إشاعة المبادئ الهدامة والعمل على تعريض أمن الدولة للخطر، وتم إصدار أحكام قاسية بحقهم تراوحت بينعشرة و15 سنة، وكان الشيعة يمثلون أغلبية عدد المحكومين منهم.

لقد انخرط الشيعة بفعالية منذ البداية في التنظيمات والحركات السياسية السرية التي شهدتها المملكة والتي كانت معروفة وموجودة على الصعيد العربي مثل القوميين والبعثيين والشيوعيين والناصريين. وفي عام 1969 جرى اعتنطق المئات من مختلف مناطق المملكة (شكّل الشيعة حوالي نصفهم) بحجة اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم. وفي الواقع تبين حتى جميع المعتقلين من العسكريين والضباط لم يكن بينهم أحد من الشيعة.

يتبين مما تجاوز أنه لم يكن للشيعة أي توجهات طائفية وفئوية أوتقسيمية بل كانوا منخرطين بقوة في النشاط السياسي والمطلبي العام إلى جانب إخوانهم المواطنين من بقية مناطق الوطن، وذلك من منطلقات وطنية وقومية ويسارية سائدة آنذاك، والاستثناء الوحيد للتحرك السياسي/المطلبي الخاص للشيعة هي أحداث نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 وما أعقبها والتي اندلعت في البداية كمسيرات احتجاج عفوية ضد سياسة التمييز والتفرقة الطائفية، وسرعان ما تحولت إلى صدامات عنيفة حين بدأت القوات الخاصة في إطلاق النار على المتظاهرين وسقط من جراء ذلك العشرات من القتلى والجرحى ثم جرى اعتنطق المئات منهم لاحقا، وقد توفي الكثير منهم في أقبية التعذيب. وتبين فيما بعد حتى الكثير من الضحايا والمتوفين لم تكن لهم علاقة مباشرة بالأحداث أوبأي من التنظيمات المعارضة.

وفي اعتقادي حتى النزوع الشيعي الفئوي في مظهره لم يكن يعني تبني وتجذر الميول الانقسامية والطائفية لديهم وإنما هي نتاج حالة عامة شهدتها المجتمعات والبلدان العربية قاطبة إثر انهيار المشروع النهضوي العربي بمكوناته واتجاهاته المتنوعة بما في ذلك فشل الأنظمة والخيارات الليبرالية والقومية واليسارية ووصولها إلى درجة الأزمة والطريق المسدود، والذي بلغ ذروته في هزيمة يونيو/ حزيران 1967 مما أدى إلى توليد وتفريخ البديل الإسلامي الذي حمل شعار الإسلام هوالحل. وأسهم فوز الثورة في إيران في تعزيز هذا الاتجاه في الشارع العربي الإسلامي ومن ضمنهم الشيعة بطبيعة الحال الذين كانوا يشعرون بأنهم يعانون من اضطهاد مزدوج، مرة باعتبارهم مواطنين مسحوقين ومرة أخرى من جراء التمييز والاضطهاد الطائفي، خصوصا أنهم جربوا الانخراط في عملية التغيير الجارية وفقا للمستجدات والالتزامات الوطنية.

غير حتى فشل الدولة العربية الحديثة وتآكل مشروعيتها أدى إلى انبعاث مختلف الولاءات والانتماءات القديمة الفرعية التقليدية كالقبلية والعشائرية والإثنية والدينية والممضىية، وعلى هذا الصعيد فإن الشيعة يندرجون ضمن هذه الحالة العامة للمشهد العربي. ومع ذلك فإن السعودية شهدت تكوينات سياسية وطنية/ديمقراطية عامة ومشهجرة ضمت في صفوفها ناشطين وفعاليات من منحدرات شيعية حتى بعد أحداث نوفمبر 1979، ونذكر هنا الاعتنطقات الواسعة التي جرت في عام 1982 والتي ضمت تنظيمات يسارية مختلفة من بينهم قيادات تنتمي إلى المناطق الشيعية.

مشاهير الشيعة السعوديين

  • محمد بن ناصر النمر
  • حسن علي البدر
  • علي بن حسن علي الخنيزي
  • موسى بن عبد الله أبوخمسين
  • عبد الحميد بن الشيخ علي الخطي
  • باقر موسى عبد الله أبوخمسين
  • محمد بن سلمان الهاجري
  • حسن باقر العوامي
  • عبد الهادي بن الشيخ ميرزا الفضلي
  • علي السيد ناصر السلمان
  • حسن موسى الصفار

انظر أيضا

  • الدين في السعودية
  • الاحتجاجات السعودية 2011

المصادر

  1. ^ http://news.bbc.co.uk/2/hi/7959531.stm يطالب الشيعة في السعودية
  2. ^ http://www.cfr.org/publication/10903/shiite_muslims_in_the_middle_east.html Council on Foreign Relations]
  3. ^ http://www.aljazeera.net/NR/exeres/78043615-9EE9-4403-8C01-A60FF61A98C3.htm]
  4. ^ http://www.aljazeera.net/NR/exeres/DFA7FF15-6E4C-4C8F-86FD-1901BC8C15B9.htm]


وصلات خارجية

  • Write-up by Dr. Mohamed J. Al-Hassan (King Saud University)
تاريخ النشر: 2020-06-04 19:50:28
التصنيفات: الشيعة في آسيا, الإسلام في السعودية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ما الذي قاله إلياس أخوماش عن انضمام دياز للمنتخب المغربي؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:10:17
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 85%

نجم “الأسود” غاضب من وليد الركراكي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:10:09
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 70%

تامر عبد المنعم: "أول مرة اتقتل فى مشهد درامى بعد 25 سنة تمثيل".. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:21:57
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 37%

نوة الشمس الكبرى.. أمطار على مدن المحافظة وانخفاض فى درجات الحرارة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:22:15
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 48%

إعلام ليبي: مسلحون يقتحمون معبر رأس جدير الحدودي ويشتبكون مع

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:22:30
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 53%

تامر عبد المنعم: أحمد زاهر "غول تمثيل" والوقوف أمامه ليس سهلًا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:22:17
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 40%

مسلسل بابا جه الحلقة الثامنة.. أكرم حسني يسترجع ذكريات عمله القديم

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:22:13
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 46%

"ليست من أصول نبيلة".. من هي أميرة ويلز كيت ميدلتون التي أثا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:22:25
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 57%

شهداء ومصابون بينهم نساء وأطفال فى قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:22:10
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 49%

وفاة طالبتين بجامعة أم القرى إثر حادث مروري - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:24:12
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 61%

كواليس استقبال ابراهيم دياز بمطار الرباط-سلا وسط تغطية إعلامية غير مسبوقة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:23:26
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 76%

أمن أكادير يوقف سائقا صدم مجموعة من الراجلين ولاذ بالفرار

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:10:14
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 83%

“لارام” تطلق 3 خطوط جوية جديدة مباشرة من الدار البيضاء

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:10:20
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 77%

ما الذي قاله الدوزي عن دينا بطمة؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-03-19 03:10:25
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 82%

تحميل تطبيق المنصة العربية