فريتس كرنكوڤ
فريتس كرنكوڤ Fritz Krenkow (عاش 1872 - 1953) مستشرق ألماني، من أعضاء المجمع الفهمي العربي، له يد طولى في نشر أمهات خط العربية في الأدب والتاريخ وغيرهما.
وُلد في شونبرگ Schoenberg، وهي قرية صغيرة في شمالي ألمانيا. تُوفِّي والده ولمّا يبلغ السادسة، فانتقلت به والدته إلى بيت أبيها، فربي هناك، وتعلّم في المدرسة الثانوية في القرية التي ولد فيها. وفي تلك الفترة بدأ يلمّ بالإنكليزية والفرنسية؛ فضلاً عن اللاتينية واليونانية. ولما بلغ السادسة عشرة عمل في متجر بمدينة لوبك، وأخذ يتقن اللغات الأوربية، ويتفهم الفارسية بغير مفهم سوى الكتاب، نطق: «ولم أهجر ساعة تسنح لي إلا اشتغلت فيها بالخط التي سقطت بين يديّ».
وفي سنة 1892 انتقل إلى برلين، وهناك زار شخصاً مشهوراً بفهم اللغات الشرقية؛ هوالأستاذ زاخاوونصحه هذا الأخير بالانصراف عن الاستشراق؛ لما يتطلبه من وقت ومال لم يتوافرا لديه، بيد حتى كرنكولم يعمل بنصيحته، بل ازداد إقبالاً على الدراسة.
وبعد سنتين سافر إلى إنكلترا، وتجنّس بالجنسية البريطانية، وتزوج سيدة إنكليزية، وتوظف عند تاجر اشتغل معه سنين كثيرة إلى حتى اجتمع له من المال ما لا يستهان به، وأسّس في لستر مصنعاً للأقمشة كان يشتغل فيه أكثر من ألف عامل وعاملة.
ومع كثرة انشغال كركنولم تفته ساعة إلا طالع فيها الخط. وقد حصل له ميل شديد إلى دراسة آداب اللغة العربية والتمدّن الإسلامي، ولاسيما ما يتعلق بأوائل الإسلام والقرون التي سبقته. ولما نشبت الحرب العالمية الأولى نُكب فيها بولده الوحيد، وأعقب ذلك هبوط الأسعار بعد الهدنة، فاعتلّ، وهجر أشغاله، وسافر إلى أستراليا مدّة سنة، وبعد رجوعه من سفره أواخر سنة 1922 عاد إلى مزاولة التجارة، وظل كذلك حتى شهر أغسطس سنة 1927، انبتر بعدها للفهم، وكان المستشرق تشارلز ليال قد حثّه على التضلع من العربية والفارسية والأوردية فلم يَحل مصنعه ولا المشكلات التي عرضت له دون العناية بالاستشراق، وتكوين إنتاج خصيب له ولاسيما في تحقيق المخطوطات النادرة، فلما أنشأ نظام حيدر آباد دائرة المعارف العثمانية اتصل كرنكوبها، فكلفته نشر ما يشاء من خط العرب المحفوظة في المتحف البريطاني لقاء ثلاثمئة جنيه، في السنة فحققها على خير وجه، واعتنق الإسلام، وسمى نفسه (محمد سالم الكرنكوي)، وانتخب عضواً في المجمع الفهمي العربي بدمشق، فأكبر هذا التنويه، وعدّه فخراً له. وانتدبته جامعة عليگره الإسلامية بالهند لتدريس العربية، فأمضى نحوسنتين، وعاد إلى كمبردج، فاستقر فيها إلى حتى تُوفي.
نطق محمد كرد علي: «أحب كرنكوالعرب والإسلام محبّة لا ترجى إلا من العريق فيهما، يتعصّب للعرب على سائر الأمم من الفرس والهجر والهند، ويعتقد (كما خط لي في 23 آذار 1935م) حتى زوال الدولة العربية -أعني خلافة بني أمية- وانتنطق مركز الإسلام من دمشق إلى العراق، وظهور الفرس على العرب كانت أول سبب في الحيلولة دون انتشار الإسلام في الأمم التي في الشمال الغربي، أي في أوربا…» ونطق كاظم الدجيلي، وكان صديقاً حميماً له يؤبّنه: «كان كرنكوغزير الفهم، واسع الاطلاع صادق القول، أبيّ النفس، بهيّ الطلعة، محبّاً للشرقيين عامة وللمسلمين خاصة، ولا أدري ما تمّ في أمر خزانته التي تحوي آلاف الخط الثمينة النادرة من مخطوطات ومطبوعات، إذ في ضياعها وتفرّقها خسارة للآداب العربية والإسلامية».
آثاره
نطق محمد كرد علي: «نشر السيد كرنكوعشرات من الخط والرسائل والموضوعات بالعربية والألمانية والإنكليزية ما لونشر بعضه مجمع فهمي في ثلاثين سنة لعُدّ ذلك من مفاخره».
فمن دواوين الشعراء والمجموعات الشعرية التي نشرها: «ديوان مزاحم العقيلي»، و«أبي دهبل الجمحي»، و«عمروبن كلثوم»، و«الحرث بن حلزة»، و«طفيل الغنوي»، و«النعمان بن بشير»، و«أبي بكر بن عبد العزيز العجلي»، و«الطرمّاح»، و«عبيد بن الأبرص»، و«عامر بن الطفيل»، و«عمروبن قميئة»، وكتاب «الأصمعيات» بشرح ابن السكيت، و«حماسة ابن الشجري».
ومن خط الأدب: «المجتنى» لابن دريد، و«مقامات بديع الزمان الهمذاني»، و«معاني الشعر» لابن قتيبة.
ومن خط اللغة والنحو: «ما اتفق لفظه واختلف معناه» لأبي العميثل الأعرابي، و«الأفعال» لابن القطّاع، و«تفسير ثلاثين سورة» لابن خالويه، و«شرح بانت سعاد» للتبريزي.
ومن المعاجم: «الجمهرة» لابن دريد، و«الجيم» لأبي عمروالشيباني.
ومن خط التراجم والطبقات والتاريخ: «طبقات النحاة» للزبيدي، و«الدرر الكامنة»، و«المؤتلف والمختلف»، و«معجم الشعراء» للمرزباني، و«أخبار النحويين البصريين» للسيرافي، و«طبقات أبي بكر الإشبيلي»، و«ذيل مرآة الزمان» لليونيني، و«تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي، و«التيجان في تواريخ ملوك حمير» لابن هشام و«المنتظم» لابن الجوزي، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم.
ونشر أيضاً: «الجماهر في فهم الجواهر» للبيروني، و«تنقيح المناظر» للشيرازي، وكتاب «المناظر» لابن الهيثم المصري.
وله من الأبحاث: «الوحدة في الإسلام»، و«السيرة النبوية في الخط الشعبية العربية»، و«الأدب الشعبي العربي»، و«الشعر الجاهلي»، و«المغيرة بن المهلب»، و«أبوريحان البيروني».
المصادر
- نبيل أبوعمشة. "كرنكو(فريتس ـ)". الموسوعة العربية.
مراجع للاستزادة
- فريتس كرنكو، ترجمته بقلمه، مجلة المجمع الفهمي العربي المجلد 9، ج 1، 1929.
- نجيب العقيقي، المستشرقون (دار المعارف، مصر 1965).
- محمد كرد علي، «المستعربون من فهماء المشرقيات»، مجلة المجمع الفهمي العربي المجلد 23، ج 3، 1948.