توركواتو تاسو

عودة للموسوعة

توركواتوتاسو

توركواتوتاسو

توركواتوتاسو Torquato Tasso (و.11 مارس 1544 - 25 أبريل 1595) كان شاعراً إيطالياً من القرن السادس عشر, شهرته طبقت الآفاق بسبب قصيدته La Gerusalemme liberata (اورشليم تحررت) (1580), وفيها يتصور رواية شديدة الخيالية عن القتال بين المسيحيين والمسلمين في نهاية الحملة الصليبية الأولى, أثناء حصار القدس.

النشأة

توافر لتوركواتوتاسوالكثير من المغريات بالشعر. ولد في سورنتو(1544) حيث البحر ملحمة، والسماء أغنية، وكل ربوة من الأرض انشودة. وكان أبوه برناردوشاعراً، وموظفاً في البلاط، وإنساناً مرهف الحس مشبوب العاطفة، تآمر على الحكم الأسباني، ونفي إلى مملكة نابلي (1551)، وجاب الأرض من بلاط إلى بلاط تاركاً وراءه زوجته وولده في عوز وضنك. وتنتمي أمه بورنسيا دي روسي إلى اسرة توسكانية عريقة تجري الثقافة في عروقها. ودرس الصبي ثلاث سنوات في مدرسة لليسوعيين بنابلي، فشرب اللاتينية واليونانية في جرعات تحطم الأعصاب، ودرب على التقوى العميقة التي اثارت فيه الرجفة اللاهوتية تارة؛ ووهبته السلام الذي يجل عن الوصف تارة اخرى. وفي العاشرة لحق بأبيه في روما، وهجره موت أمه بعد عامين شديد التأثر طويل الحسرة. ثم رافق اباه إلى أوربينووالبندقية، وهناك نشر برناردوقصيدته »اماديجي« (1560) التي حكى فيها بالشعر سيرة غرام من العصر الوسيط.

Castello degli Estensi, Ferrara.
الصليبيون يصِلوا اورشليم - مشاهد من Gerusalemme Liberata. السجادة صممها دومنيكوپاراديسي (active 1691–1721) ونـُسـِجـَت في روما. صوف وحرير 378 * 594 سم، وذلك بأمر من الكاردينال پييترواوتوبوني لتوضع في قصر Palazzo della Cancelleria.
الصليبيون يصِلوا اورشليم - مشاهد من Gerusalemme Liberata.

وكان توركواتونفسه يجيش الآن بالشعر.. أوفد إلى بادوا ليدرس القانون، ولكن قدوة أبيه كانت أقوى من مبادئه، فأهمل الفتى تفهم الشرائع وراح ينظم القوافي، وكان منذ أمد بعيد قد سقط أسيراً لسحر ڤرجيل. فعزم الآن على حتى يطبق الأسلوب المانتوي الرفيع الجاد على اساطير الفروسية التي عالجها أريوستوعلاج المازح العابث. إلى غير ذلك فاجأ أباه برواية في اثني عشر قسما »رينالدو«. وكان شعور برناردومزيجاً من الحزن والابتهاج، فقد تكشف له ما سيلقاه من صروف الأيام شاعر لا يملك غير عبقريته، ولكنه طرب لرؤية ولده الذي لم يجاوز الثامنة عشر ربيعاً ينافس أشعر شعراء العصر رقة وخيالا. ونشرت الملحمة الصغيرة بأمره (1562). واغتبطت نفسه بما لقيت من استحسان، فأذن لتوركواتوبأن يهجر دراسة القانون في بادوا ويستبدل بها الفلسفة والأدب في بولونيا. وهناك أثارت موهبة الفتى المتاعب، لأنه خط »الأبجرامات« اللاذعة في مدرسيه، فهددوه بحمل دعوى القذف ضده، وعاد من فوره إلى بادوا.

وأقنع برناردوالكردينال لويجي دستي، أخا الدوق الفونسوالثاني أمير فيرارا، بأن يستخدم توركواتوسكرتيراً له (1565(. والتحق الشاعر مغتبطاً بهذا البلاط الذي كان يعد يومها أينع زهرة في بستان الثقافة الإيطالية. هناك القى مجتمعا يزخر بالموسيقى والرقص والأدب والفن والدسائس والحب. وافتتن تاسوبأختين للكردينال، لوكريتسيا المتغطرسة الجميلة بنت الواحدة والثلاثين، وليونورا، بنت التسعة والعشرين، المعلولة التقية التي جعلتها مشاجراتها مع الفونسومعبودة البلاط. وتروي الأساطير (كما نقرؤها في مسرحية جوته وفي قصيدة بايرون »عويل تاسو«) عن الشاعر وقوعه في غرام ليونورا، وما من شك في أنه طارحها القصائد المشوبة كما اقتضى العهد، وفي حتى السيدتين قبلتاه في صداقة طوقت بهالة النبالة، ولكن إحداهما كانت تكبره بأحد عشر عاماً، والاخرى بتسعة أعوام، ويبدوحتى واحدة منهما لم تمنحه شيئاً أدفأ من اذنيها. ولم يتزوج تاسوقط، إذا لم يكن في وسعه حتى يعشق إلا الأميرات فلم يكن في وسعهن الزواج إلا من ذوي اليسار. ولعله خشي مطالب الزواج وقيوده، فقد جمع بين ضعف الثقة في قدرته، والتيه بشعره.

وفي عام 1569 توفي أبوه وهولا يملك شروى نقير، واضطر تاسوإلى الاستدانة ليدفنه. وبعد عام اصطحبه الكردينال دستي إلى باريس، فجزع حين عثر شارل التاسع يخالط زعماء الهيجونوت في لطف وود، وجاهر بنقد الحكومة على انسجامها مع المهرطقين. أما الكردينال الحريص على رضاء الملك فقد رد سكرتيره المتعب إلى إيطاليا. ولم يغتفر له تاسوهذه العملة قط.

وعزى ألفونسوالشاعر بأن ألحقه ببيته وأجري عليه معاشاً سنوياً دون حتى يحمله من المسئوليات شيئاً غير حتى يهدي الدوق الملحمة التي عهد أنه يخطها عن الحرب الصليبية الأولى. تلك كانت سنوات سعيدة بالقياس إلى غيرها. ففي صيف عام 1573 أنجز في بلاط درامته الرعوية »أمينتا«، وقد أثلج صدره ما لقيت من نجاح. فسادة فيرارا وسيداتها الذين كانوا يعيشون على استغلال الفلاحين انتشوا حين رأوا نعيم الريفيين-على المسرح. وأطربت جميع وجهاء البلاط صورة العصر المضىي الذي كانت فيه جميع الأمور السارة حلالا وخيراً:

لك الله أيها العصر المضىي الجميل!

لست جميلاً لأن أنهارك كانت تفيض لبناً،

ولا لأن أشجارك كانت تقطر مناً،

بل لأن ذلك الألم الكاذب الذي خلقناه لانفسنا،

وصنم الخطيئة، ذلك المحتال المعبود،

وذلك الشرف-الذي سمته كذلك عقول العوام المرتاعة-،

لم يكن قد استيد بطبيعتنا بعد،

ليكن قد اتى ليكدر صفوالحظيرة الحلوة السعيدة،

حظيرة البشرية الوادعة،

ولا قيد ناموسه القاسي نفوساً ربيت على الحرية،

بل كان هناك قانون جميل،

قانون مضىي سعيد،

خطته يد الطبيعة:

»كل لذيذ حلال«


— توركواتوتاسو
الدراما الرعوية، أمينتـّا


علاقات صعبة في بلاط فـِرارا

ألفونسوالثاني d'Este.

ولكن جرأة الروح غير المعهودة فيه فارقته حين عثر نفسه ينهي ملحمته »أورشليم المحررة« (1574). لقد كان هذا الجهد ذروة جهود حياته، ولوحتى الكنيسة أدانته بالإباحية أوالهرطقة لودع السعادة إلى الابد وفي رهبة وخوف بعث بمخطوطته إلى سبعة نقاد مستفتياً في حبكة القصيدة وشخوصها ولغتها وآدابها. وقد بلغ نقدهم لها من الكثرة ما جعله يلقي القصيدة جانباً لأنه لم يعهد كيف من الممكن أن يرضيهم جميعاً. فظلت محبوسة عن النشر خمس سنوات. إنه وهوعليم بأنه خط رائعة اشتط في مطالبه من النقاد ومن الحياة. وقد اعترف بأنه »لم يطق العيش في مدينة لا يخلى نبلاؤها مكان الصدارة له، أوعلى الاقل يسوون بينه وبينهم مساواة مطلقة«. ولا ريب أنه كان يستحق هذه المساواة، ولكنه اضاف انه »كان يتسقط حتى يعبده الأصدقاء، ويخدمه الخدم، ويعانقه أهل البيت، ويكرمه السادة، ويحتفل بذكره الشعراء، ويشير إليه الجميع بأصابعهم«(74) وكثرت في فيرارا فئة تنقد شعره، وخلقه، ونادىواه. فبدأ يحلم بمكان ألين في قصور ألطف وأرق.


كانت المنغصات البدنية والنفسية قد هزت أعصابه: حمى الملاريا، ونوبات الصداع المتكررة، والصدمات المتراكمة إثر نفي ابيه، وموت أمه، وإملاق أبيه وهومشرف على الموت، يضاف إلى هذا كله حتى الشكوك اللاهوتية التي ساورته - شكوك الجحيم والخلود، والوهية المسيح - ألقت على عقله ظلاً ثقيلاً من الإحساس بالإثم ودفعته إلى الاكثار من الاعتراف وتناول الأسرار(75). وقد وقر في نفسه أنه مارس قوة السحر الاسود (أي الشيطاني)، وتراء له الرؤى المرعبة عن الدينونة الاخيرة، وشهد الله يسوق الهالكين إلى النار الابدية(76). وأنتابه أوهام الاضطهاد - فخامرته الظنون في افشاء الخدم لأسراره، واعتقد حتى أمره أبلغ لمحكمة التفتيش، وتسقط جميع يوم حتى يدس له السم. لقد كان ضيفا عسير الارضاء(77).

ولكن الفونسوترفق به؛ وذلك حتى أروع قصائد العصر - برغم جميع شيء أهديت إليه وافردت نصف قسم منها (السابع عشر) للإشادة بنسبه. فأعفى الشاعر من الحضور إلى البلاط، وأوفده إلى فيللا بلريجواردواللطيفة ليعينه على التغيير والسكينة. ولكن صبره نفد حين عثر حتى تاسويتفاوض خفية مع فرانشسكومديتشي - أقوى منافسي الفونسوواعدى أعدائه - ليقبله متقاعدا بمعاش في بلاط فلورنسة. وفي نوفمبر 1575 غادر الشاعر فيرارا زاعما أنه ذاهب إلى روما لينال غفران اليوبيل. ومضى إليها، ولكنه عرج على فلورنسة مرتين في الطريق. على أنه ل يقع من نفس الدوق الكبير مسقطا حسنا، وخط فرانشسكوإلى صديق له (4 فبراير 1576) يقول »لست أدري هل أدعوه إنسانا مجنونا أم ذكيا مسلياً«؛ وبعد عام قرر أنه »ليس في حاجة إلى وجود رجل مجنون في بلاطه«(78) وقفل تاسوإلى فيرارا كسير الخاطر محزونا.

وطلب إلى الفونسوحتى يعينه في وظيفة المؤرخ الرسمي للبلاط، فنال الوظيفة. وفي يناير 1577 مثل أمام محكمة التفتيش في بولونيا واعترف بأنه ارتاب آثما في العقيدة الكاثوليكية، وأعادته المحكمة بحدثات من المواساة والتشجيع. وفي يونيومن ذلك العام، بينما كان في مسكن لوكريتسيا دستي، شهر سكينه على خادم أثار شبهته، فأمر الفونسوبحبس الشاعر في حجرة بالقلعة، ولكنه أفرج عنه بعد قليل وأخذه إلى بلريجواردو. خط تاسويقول ان الدوق عامله »وكأنه أخ له لا أمير عليه«(79). وطلب الشاعر حتى يرسل إلى دير القديس فرنسيس، فأمر الفونسوبارساله إليه، وأوصى بأن يعطي مسهلا. وخضع تاسو، ولكن ثائرته ثارت في الدير، فاتهم الرهبان بأنهم يغشون نبيذه، وطلب الرهبان اعفاءهم من وجوده. فرد إلى قلعة الدوق ووضع تحت الحراسة. ولكنه هرب متخفيا في ثوب فلاح، وضرب في الأرض سيرا على قدميه وحيداً عبر الأبنين حتى بلغ بيت أخته كورنيليا في سورنتو. فاستقبله بحنان مشرب بالمحبة.

وكان ممكنا حتى يظفر بشيء من صفاء الذهن والسعادة هناك لولا قلقه على مصير القصيدة العظيمة التي ما زالت محبوسة عن النشر والتي خلفها وراءه في فيرارا، ولعله بعد حتى طال إلفه لحياة القصور افتقد مسببات الراحة التي صاحبت شدائده، فمضى إلى روما ورجا سفير فيرارا حتى يتشفع له عند الفونسو. وأوفد الدوق مالا للعناية به ووافق على عودته شريطة حتى يتعهد بالتزام الهدوء والحضور للعلاج الطبي. وحين وصل إلى فيرارا (1578) أعطي مسكنا خاصا خارج القصر، وزود بخادم، ووافوه بالطعام من مائدة الدوق. وقبل تاسوالمسكنات والمسهلات طائعاً، وواصل كتابة الشعر الرائع. ولكنه كان يأمل في العودة إلى مكان الحظوة في البلاط، فوجد بدلا من هذا جميع إنسان تقريبا يعامله كأنه مجنون. ولم يعد الدوق ولا الأميرتان يسمحون له بمجالستهم. أما شر الاهانات فأمر الفونسوبأن تؤخذ مخطوطات الشعر منه، ومن بينها »أورشليم« مخافة حتى يتلفها.

وفي يونيو1578 هرب تاسومرة أخرى من فيرارا، ومضى إلى مانتوا وپادوا والبندقية واوربينووتورينو. وهناك أكرم الدوق شارل ايمانويل مثواه، وبذل له جميع اسباب الراحة التي عهدها في فيرارا. ولكن ما مضت ثلاثة أشهر حتى التمس الشاعر القلق من الفونسوحتى يرده، من الممكن حرصا منه على استرداد مخطوطاته. ووافق الفونسو، وفي فبراير 1579 أسكن تاسومرة أخرى قصر الدردينال لويجي دستي. ولكن الفونسو، التواق إلى وريث كان يتزوج للمرة الثالثة، ولم يكن ليعير الشعراء أذنه، ولم يدع تاسوإلى الحفلات. وظل أسبوعين يحتمل هذا الإغفال مغيظاً محنقاً، وأخيراً غادر مسكن الكردينال (12 مارس 1579)، واقتحم قصر بونتيفولي وهويصيح مهاجما الدوق، والدوقة الجديدة، وجميع الحاشية. وجرى إلى القلعة، مصرا على لقاء الدوقة واستعادة مخطوطاته. وأمر الدوق بايداعه مستشفى قريبا لسقمى العقول يدعى سانتانا، وهناك ظل حبيسا أكثر من سبع سنين.

لم يكن مجنونا جنوناً مطبقاً. فقد كانت له أويقات صفاء خط فيها الشعر واستقبل الأصدقاء. وزعم مونتيني أنه زاره. ووفدت عليه سيدات من البلاط ليطيب خاطره، واصطحبته لوكريتسيا مرة لبيتها في بلفديري، ولكن عنفه روعها فرد إلى المستشفى بناء على طلبها. لقد كان العقل المحطم نهبا لرعب كتبتر تثيره هلوسات بأصوات أشباح يسمعها، وبأرواح علوية تغزوحجرته وتسطوعلى قصائده.


قصيدة اورشليم تحررت Gerusalemme Liberata

وأخيرا نشرت ملحمته. ذلك حتى المحتفظين بمخطوطاتها أوفدوها للناشرين بعد حتى فهموا حتى قراصنة الخط نسخوها (1580). وظل النقاد يتسقطون الأخطاء فيها، ولكن إيطاليا استقبلتها استقبالا حماسيا، وأطرى رجال الكنيسة موضوعها وتقواها. وتتابعت طبعات القصيدة، وبيع منها في يوم واحد ألفا نسخة، ورددت البيوت والقصور أنغامها، واختلف الناس في أمر تاسو، أيضعونه في صف أريوستوأم في صنف بترارك. وفضل فولتير القصيدة على الالياذة وهوعلى ما نفهم من بعد عن التحيز للمسيحية(80). أما إليزابث ملكة إنجلترا فبعد حتى استمعت إلى أجزاء منها مترجمة إلى اللاتينية حسدت دوق فيرارا على أنه عثر على هوميروس يخلد ذكره(81).

ونستطيع إذا همزنا حاستنا التاريخية حتى نبدأ في فهم السبب في استجابة أوربا بهذه الحماسة لهذه السيرة المثيرة- سيرة الحرب الصليبية الأولى.

لقد رحبت بها باعتبارها ملحمة العالم المسيحي التي طال انتظارها ومست الحاجة إليه. ذلك أنه حين بدأ تاسوقصيدته كانت أوربا تحشد الأسطول الذي التحم بالأتراك في ليپانتو. ودارت رحى المعركة الهائلة بينما الشاعر ينظم ملحمته، وكسب الأوربيون المعركة، ولكن انتعاش الأتراك السريع كان يهدد أوربا، لا سيما إيطاليا، وتعرضت روما، معقل المسيحية، للخطر والقصيدة تكتمل. وساد الخوف من الاسلام أراتى العالم المسيحي إذ ذاك، كخوف أوربا اليوم من شرق نفخت فيه الحياة من جديد. وفي هذا الجوقرأ الرجال والنساء في شعر يأخذ بالألباب سيرة تشدد عزائمهم إذ تحكى كيف من الممكن أن قاد جودفري أمير بويون في 1099 جيشاً مسيحياً ظافراً برغم ما لحقه من ضربات واستولى به على أورشليم.

إلى غير ذلك يبدأ تاسوقصيدته متفاخرا، ذاكرا تعبير ڤرجيل «Arma virumque cano» ومتحدياً إياها، » أني اتغنى بذكر الجيوش الصالحة والقائد الذي حرر قبر المسيح العظيم«. وهويناشد ربة الشعر حتى تلهب صدره بحماسة من السماء، ويهدي قصيدته إلى الفونسو، الأمير الهمام الذي أنقذه من زعزع الخطر وهيأ له مرفأ طيبا. ويرسل الله رئيس ملائكته جبريل ليأمر جودفري بأن يحزم أمره ويزحف قدما على أورشليم. وحين يدنوالمسيحيون من المدينة يأمر حاكمها الهجري علاء الدين رجاله بأن ينقلوا تمثالا للعذراء من كنيسة مسيحية إلى جامع للمسلمين، مؤمنا بأن التمثال سيجلب النصر لمالكه. على حتى التمثال يسترد فيخفيه للمسيحيون، ويأمر علاء الدين بذبح جميع من بقي بأورشليم من المسيحيين. وتقدم العذراء سوفرونيا نفسها قرباناً عن شعبها، وتخبر علاء الدين كذباً أنها سرقت التمثال وأحرقته، فيحكم بحرقها. على حتى حبيبها الذي لا تبادله الحب، أوليندو، يحاول افتداءها ويزعم انه المذنب، فيحكم عليهما جميعاً بالموت، ولكن البطلة المسلمة كلوريندا تنقذهما. ويدعوبلوتورب العالم السفلي مجمعاً من أتباعه للنظر في طرق هزيمة المسيحيين الذين يحاصرون المدينة، فيقع اختيارهم على أرميدا الحسناء أداة لتطبيق خطتهم، وهي عذراء دمشقية ذات قوة سحرية. ويقع رينالدووغيره من الفرسان في فخ حديقتها المسحورة، ويرتاح رينالدوبين ذراعيها. أما تانكرد، الفارس المسيحي المثالي، الشهم الهمام، فيعجب بشجاعة كلوريندا ويقع في غرامها برغم حواجز العقيدة. وفي جزء من أجمل أجزاء القصيدة (12) تختفي كلوريندا وتقاتل تانكرد حتى تقتل، ثم تتوسل إليه وهي في النزع حتى يدخلها في دينه. ويرسل جودفري الجند للعثور على رينالدووالفرسان المفقودين، فيكتشفون قلعة أرميدا، ويتجنبون »الحسان العرايا« اللاتي يسبحن في بركتها، ويحررون الأسرى. وتغضب أرميدا لهجر رينالدولها، فتعرض نفسها مكافأة لمن يقتله. ويضطلع تسيفرنيس بالمهمة، ولكن رينالدوينفذ رمحه فيه. وتنوي أرميدا الانتحار، لكن رينالدويثنيها عنه بحب متجدد، فترتضي اعتناق المسيحية، وتستسلم له بعبارة مريم العذراء »هوذا أنا أمة الرب«. ويتسلق المسيحيون الأسوار، ويذبحون جيش المسلين، ويقدمون الشكر لله. ولكن السيرة لا تسترسل إلى ذكر حرق اليهود.

كان أريستويرمق سيرة الفروسية بابتسامة ساخرة. أما تاسوفقد احياها بملء الجد، واضاف سحر العصر الوسيط ومعجزاته إلى الجهاز الكلاسيكي- جهاز الأرباب التي تتدخل في الأحداث. وكانت الحركة المعارضة للإصلاح البروتستنتي قد قمعت حيناً روح الفكاهة الإيطالي القوي. والافتقار إلى الفكاهة مهد لجنون تاسو، فالكون يجب ألا يؤخذ مأخذ الجد الخالص. ولكن تاسوفي ملحمته هوالإيمان غير منازع، والعاطفة لا مخفف لها. وهويزين القصيدة بأخيلة جعلت جاليلويشبهها بمتحف من الغرائب(83)، ويخط نقداً غاضباً على هامش نسخته(84). والتقليد في الملحمة واضح: تقليد هوموفي مناظر القتال، وفيرجل في زيارة الجحيم، وأريوستوفي الغراميات، وڤرجيل ودانته وپترارك في الأفكار وفي أبيات بأسرها. أما السحر فصبياني، وأما الأمازونيات فغير معقولات. ولعل ملحمة »أورشليم« ليست ضريباً في عظمتها للإلياذة، ولا آخذة بالألباب كالأوديسة، ولا رفيعة كالأنيادة، ولكنها تحتفظ بتشويق القارئ كأي ملحمة، وأسلوبها مرصع بانعطافات النغم وتدفقاته الموفقة، وشخوصها حية، وأحداثها مذابة بمهارة في موضوعها الرئيسي. وكثير من مشاهدها وأحداثها ألهم الفنانين لوحات شهيرة. وقد أعان شعرها وروحها سبنسر على تأليف ملحمته »ملكة الجان«. أما مقاطعها فحين لحنت كانت عزاء لملاحي الجندولا البنادقة عن رتابة عملهم المضني.

لم يجن تاسوفي أوقات صفائه غير السرور القليل، والربح الأقل، من نجاح قصيدته. فلم ينل فلساً واحداً من الناشرين. وكانت أوقية من اللوم ترجح عنده رطلا من المديح كما هوالشأن مع أكثر المؤلفين. وقد جزع حين قرأ النقد القاسي الذي وجهه إليه نقاده، الذين زعموا حتى قوافيه في أكثرها ليست إلا صلصلات، وأن مشاهد حية مسفة في الشهوانية، وأن مسلميه يثيرون الإعجاب الاعجاب فوق ما ينبغي، وأن بطلاته في الأغلب مسترجلات. ولكن باقي الإيطاليين هللوا له كأنه فرجيل ولد من جديد، وعلت الأصوات مطالبة بمعاملة أرفق للشاعر المنكوب. على حتى زائريه رأوا حاجته للملاحظة الدقيقة، وأن الفونسويعالج الأمر بكل الرعاية التي تتسقط من رجل أسيء إليه كثيراً وشغلته تبعات الحكم.

'تاسوفي مستشفى سانت آن فـِرارا' بريشة اوجين دلاكروا.


السقم

دير سانت اونوفريو.

وصلحت حال الشاعر. وفي يوليو1586 حصل فنشننزووجونزاجا، الوريث الشرعي لدوقية مانتوا، على الإفراج عنه بعد حتى تعهد بالعناية به. وعاش تاسوفي مانتوا شهرا ثم رحل عنها إلى برجامو، ومودينا، وبولونيا، ولوريتو، وروما، يبيع قصائده ومدائحه لمن يشتريها. ولقى حسن الاستقبال في روما، ولكنه سرعان ما بدأ الترحال من جديد، فمضى إلى سيينا، ففلورنسة، ثم عاد إلى مانتوا، ثم لنابلي مرة أخرى، حيث صادقه المركيز مانسو، ثم عاد إلى روما حيث أنزله الكردينالان تشننزينووألدوبر اندينومسكنهما بالفاتيكان (1594). وأراد العودة إلى فيرارا ليموت فيها، غير حتى الفونسورفض الاذن له. ورتب له البابا حدثنت الثامن معاشا وأعد العدة لتتويجه شاعراً. للبلاط البابوي. ولكن في أبريل 1595 لم يكن بد من نقل الشاعر الذي انهارت قواه وأدركته الشيخوخة والعجز وهوبعد في الحادية والخمسين، إلى دير سان أونوفريوبروما، ليجد رعاية أفضل. هناك، وبعد غضبة أخرى من غضباته، توفي (25 أبريل) وهويتمتم »في يديك يا رب أستودع روحي« ووضع على نعشه إكليل الغار الذي لم يعش ليلبسه. وحمل جثمانه في مشهد إلى كنيسة القديس القديس بطرس وخرج منها تشيعه حاشية البابا واشراف روما وفهماؤها، وروى التراب في كنيسة الدير وفوق مثواه قبرية بسيطة، »هنا يرقد توركواتوس تاسوس« وأصبحت الصومعة التي نزلها مزارا للحجاج كما هي اليوم.

طالع أيضاً

  • لودڤيكوأريوستو
  • اورلندوفوريوسو

المصادر

  • Peter Brand, Charles Peter Brand, Lino Pertile, The Cambridge History of Italian Literature, Cambridge University Press, 1999, ISBN 978-0521666220.
  1. ^ [www.metmuseum.org/toah/hd/tapb/ho_92.1.15.htm "The Crusaders Reach Jerusalem: Scenes from the Gerusalemme Liberata , 1732–39"] Check |url= value (help). Heilbrunn Timeline of Art History.

وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بتوركواتوتاسو، في فهم الاقتباس.
  • أعمال من Torquato Tasso في مشروع گوتنبرگ
    • Project Gutenberg e-text of Jerusalem Delivered (translated by Edward Fairfax)
    • Project Gutenberg e-text of Torquato Tasso by Goethe (بالألمانية)
  • http://www.museodeitasso.com/
  • http://www.sorrentoweb.com/uk/personages/index.htm
تاريخ النشر: 2020-06-04 20:46:35
التصنيفات: Pages with URL errors, Articles which use infobox templates with no data rows, Pages using Infobox writer with unknown parameters, مواليد 1544, وفيات 1595, أشخاص من مقاطعة ناپولي, شعراء إيطاليون, شعراء كاثوليكيون, أدب صليبي, مؤلفو سونيتات, توركواتو تاسو

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

منبــــر: بلد يطحن شبابه

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:21
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

مايا مرسى: خلق وظائف خضراء للمرأة فى نهاية «cop 27»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:46
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 66%

مؤشرات البورصة تواصل الارتفاع بمنتصف التعاملات اليوم الإثنين

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:43
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

بدء اجتماع الرئيس الأمريكى ونظيره الصينى فى إندونيسيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:43
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

بسبب إضراب فجئي: اضطراب كبير في حركة النقل في مدينة قبلي

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:23
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 59%

وسط مشاركة دولية واسعة... قمة المناخ "كوب 27" تواصل جلساتها

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:28
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

الأرصاد تكشف خريطة سقوط الأمطار خلال الـ72 ساعة المقبلة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:44
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 62%

ألمانيا: مصر أحد أهم أسواق منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 53%

بيرس مورجان يدعم رونالدو بعد هجوم جماهير يونايتد: الحقيقة مثل الأسد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:54
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 55%

ننشر قيمة رسوم امتحانات الشهادة الإعدادية لعام 2022/ 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:50
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

أول تحرك برلمانى لمواجهة انتشار الفيروسات التنفسية بين الأطفال

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:45
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 62%

صندوق تحيا مصر ينظم معرض «دكان الفرحة» فى جامعة بنها

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-14 12:21:51
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

تحميل تطبيق المنصة العربية