توما الأكويني
توما الأكويني | |
---|---|
تصوير لتوما الأكويني من مذبح دميدوف The Demidoff Altarpiece بريشة كارلوكريڤلي
| |
وُلـِد | ح. 1225 (قلعة روكـّاسـِكـّا، بالقرب من أكوينو، إيطاليا) |
توفي | 7 مارس, 1274 (Fossanova Abbey, لازيو, إيطاليا) |
العصر | فلسفة العصور الوسطى |
المنطقة | فلاسفة غربيون |
المدرسة | المدرسية، مؤسس التوماوية |
الاهتمامات الرئيسية |
ميتافيزيقا (بما فيها: اللاهوت)، المنطق, العقل، نظرية الفهم، الأخلاق، السياسة |
الأفكار البارزة |
Five Proofs for God's Existence, Principle of double effect |
القديس توما الأكويني (بالإيطالية: Tommaso d'Aquino) فيلسوف ولاهوتي إيطالي كاثوليكي شهير من أتباع الفلسفة المدرسية، طُوب قديساً. هوأحد فهماء الكنيسة الثلاثة والثلاثين، ويعهد بأنه العالم الملائكي Doctor Angelicus، اعتبرته الكنيسة عالمها الأعظم، وظلت فلسفته التوماوية لوقت طويل المدخل الفلسفي الأساسي لمقاربة فكر الكنيسة الكاثوليكية. وهوحامي الجامعات والكليات والمدارس الكاثوليكية.
ولد في روكاسكا قرب أكوين عام 1225، وتوفي في 1274.
سيرته
ولد توما الأكويني في 1225 في قلعة والده الكونت لاندوفل روكاسكا قرب أكوين في مملكة نابولي وإليها نسبته. كان عمه سينيبالد رئيس الرهبان البندكتيين في ديرهم الرئيسي في مونت كاسيني، ونوت العائلة حتى يخلف توما عمه في منصبه، الأمر الذي يعد مسار مهنة طبيعي للابن الأصغر في أسرة نبلاء.
في سن الخامسة أُرسل إلى الدير ليتلقى تعليمه المبكر، وبعد الدراسة لمدة ست سنوات في جامعة نابولي، غادرها في سن السادسة عشرة، بتأثير الرهبان الدومينيكان، الذين كانوا يبذلون قصارى جهدهم لجذب الدارسين الشبان ذوي المهارة، واكتساب مكانة بينهم؛ مقدمين مع الرهبان الفرانسيسكان تحدياً ثورياً للنظام الإكليروسي الراسخ في أوروبا القرون الوسطى المبكرة.
هذا التغيير في المعتقد لم يرض عائلته، وفي طريقه إلى روما، اعتقل توما بواسطة شقيقه وأعيد إلى والديه في قلعة سان جيوفاني حيث بقي مُعتقلاً لسنة أواثنتين لجعله يتراجع عن مقصده. وطبقاً لتراجمه المبكرة، فإن عائلته حاولت جميع شيء لثنية عن مقاصده. وفي النهاية هُزمت معارضة عائلته بوساطة البابا إنوسنت السادس، واعتنق توما ممضى القديس دومينيك في عامه السابع عشر.
عندما لمس مشرفوه استعداده الطبيعي للدراسات اللاهوتية أوفدوه إلى المدرسة الدومينيكانية في كولونيا، حيث كان ألبرتس ماگنوس يُحاضر في الفلسفة واللاهوت. وصل توما إلى هناك في أواخر 1244، وصاحب ألبرتس إلى جامعة باريس في 1245 ليبقى هناك مع مفهمه ثلاث سنوات، تخرج بعدها حاملاً شهادة في اللاهوت. في 1248 عاد إلى كولونيا مع ألبرتوس، وعُين محاضراً ثانياً، وطالب ماجستير. ويُمكن حتى تؤخذ هذه السنة على أنها بداية نشاطه الأدبي، وحياته العامة.
قبل مغادرته باريس، أثيرت منازعات بين رجال الدين غير الرهبان، وبين الرهبان فيما يتعلق بحق التدريس في كلية اللاهوت بجامعة باريس، فاختير الأكويني الشاب ليدافع عن نظامه، ويجادل قائد الحملة ضد الرهبان گيوم دي سانت آمور الذي استطاع، في غيبة لويس التاسع حتى يحد من حقوق الرهبان في التدريس، وقصره على مقر واحد، لكن البابا ألكسندر الرابع أعاد إلى الرهبان حقوقهم المكتسبة في سنة 1245. لسنوات عديدة لاحقة بقي توما مع فيلسوف المدرسية الشهير ألبرتس، وكانت صحبتهما ذات تأثير مهم في تطور توما الفكري، فقد جعلته دارساً شاملاً للمدرسية، ومتبعاً للطريقة الأرسطية.
سيرته من سيرة الحضارة
كان تومس، كما كان ألبرت، من أسرة شريفة، ولكنه تخلى عن الثراء لينال جنة الخلد؛ فقد كان والده الكونت لاندلف الأكوينيCount Landulf من النبلاء الألمان، وابن عم بربرسا، ومن أبرز الشخصيات في البلاط الاكويني لفردريك الثاني الزنديق. كذلك كانت أمه من سلالة أمراء صقلية النورمان. ومع حتى تومس ايطالي المولد فقد كان من ناحيتي أبيه وأمه ينتمي الى اصل شمالي أبرز ما يجري في عرقه هوالدم التيوتوني؛ ولم يكن فيه شيء من الظرف الطليان وخبثهم، بل شب على ضخامة الجسم الالمانية، فكان كبير الرأس، عريض الوجه، أشقر الشعر، هادئاً بجده الذهني، وكان أصدقاؤه يلقبونه (ثور صقيلة الأبكم العظيم) (52).
ولقد ولد في عام 1225 بقصر أبيه في ركاسكاRoccosecca ، على بعد ثلاثة أميال من أكوينووفي منتصف الطريق بين نابلي وروما. وكان دير جبل كسينا قريباً من مسقط رأسه، وفيه تلقى تومس تعليمه المبكر، ولما بلغ الرابعة عشر من عمره بدأ دراسته في جامعة نابلي واستمرت هذه الدراسة خمس سنين؛ وكان في هذه الجامعة ميخائيل اسكت يترجم مؤلفات ابن رشد إلى اللغة اللاتينية؛ ويعقوب الأناضولي يترجم مؤلفات هذا الفيلسوف إلى اللغة العبرية؛ وبطرس الايرلندي أحد أساتذة تومس الشديد التحمس لأرسطو. وكانت هذه الجامعة تموج بالمؤثرات اليونانية والعربية، والعبرية، تصطدم فيها بالأفكار المسيحية. واتجه اخوة تومس نحوالشعر؛ ودخل أحدهم رينلدوRainaldo في بلاط فرديريك وصار فيها من الصائدين بالبزاة، وطلب إلى تومس حتى ينظم إليه وأيده في هذه الدعوة ببرودل فنىPiero delle Vigne وفدريك نفسه، ولكن تومس، بدلاً من ان يقبل الدعوة، انظم إلى الرهبان الدمنيكيين (1244)؛ وأوفد بعد قليل من ذلك الوقت إلى باريس ليدرس اللاهوت؛ غير حتى اثنين من اخوته اختطفاه في بداية رحلته بتحريض أمهما؛ وجيء به إلى قصر ركاسكا حيث وضع تحت الرقابة مدة عام(53)، اتخذت معه في خلاله جميع وسيلة لمنعه من الاتجاه إلى هذه الناحية؛ وتروي إحدى القصص، واكبر الظن أنها موضوعه، حتى فتاة حسناء أدخلت إلى حجرته راتى حتى تغريه بالعودة إلى هذه الحياة الدنيا، ولكنه اختطف من المدفأة شعلة ملتهبة أخرجها بها من الحجرة، وحرق علامة الصليب التي كانت في الباب(54). وما لبثت شدة تقواه حتى ضمت أمه إلى جانبه، فساعدته على الفرار؛ ثم أصبحت أخته ماركتاMarcotta ، بعد أحاديث كثيرة معه، راهبة بندكتيه.
وكان ألبرت الأكبر أحد مفهميه في جامعة باريس (1254)، فلما نقل ألبرت إلى جامعة كولوني تبعه تومس إليها، وظل يفهم معه فيها حتى عام 1252. وكان تومس يظهر غبياً في بعض الأحيان، ولكن ألبرت كان يدافع عنه ويتنبأ بعظمته(55). ثم عاد بعدئذ إلى باريس واخذ يفهم فيها بعد حتى نال درجة البكالوريوس في علوم الدين، وحذا في هذا الوقت حذوأستاذه فبدأ سلسلة من المؤلفات يعهد فيها فلسفة أرسطوفي ثياب مسيحية. وغادر باريس في عام 1259 ليدرس في المعهد الذي أقامه الديوان البابوي تارة في أناني وتارة في آرفيتووطوراً في فيتربو. والتقى في الديوان البابوي بوليم موربيكWilliam Moerbeke وطلب إليه حتى يصدر ترجمة لاتينية لمؤلفات أرسطومن اللغة اليونانية مباشرة.
وكان سيگر برابانت وقتئذ يتزعم في جامعة باريس ثورة تدعوإلى فلسفة ابن رشد، فأوفد تومس ليقاوم هذه الدعوة؛ ولما وصل إلى باريس نقل مركز المعركة إلى معسكر العدوبرسالته في وحدة العقل ضد فلسفة ابن رشد (1270) واختتمها بهذه الفقرة النارية التي لا عهد للناس بها:
انظروا كيف من الممكن أن فدنا هذه الاخطاء؛ انا لم نبن هذا التفنيد على أسس من وثائق مستندة الى الإيمان بالدين، بل بيناه على علل وأقوال منقولة عن الفلاسفة أنفسهم. فإذا عثر إنسان يفخر مزهواً بحكمته المزعومة، ويرغب في نقل ما خطاه، عمليه ألا يعمل هذا في ركن من الأركان، أوأمام الأطفال لا قدرة لهم على البث في مثل هذه المسائل الشائكة. عليه ان يجيب علناً إذا كان له من الشجاعة ما يمكنه من هذا العمل، وسيجدني مستعداً للقاءته، ولن يجد شخصي العاجز وحده، بل سيجد كثيرين غيري ممن جعلوا الحقيقة موضوع دراستهم؛ سنحارب أخطاؤه ونداوي جهله(56).
ولم تكن الحرب في ميدان واحد، لان تومس لم يكن مضطراً في هذه الفترة الثانية من اشتغاله بالتدريس حتى يقاوم فلسفة ابن رشد وحدها، بل كان عليه فوق ذلك حتى يصد هجمات زملائه الرهبان، الذين لمقد يكونوا يثقون بالعقل، ويرفضون قول تومس انه يمكن التوفيق بين أرسطووالمسيحية. ووجه جون بكهام الذي خلف بونافتورا في كرسي الرهبان الفرنسيس للفلسفة بجامعة باريس اشد اللوم إلى تومس لربطه اللاهوت المسيحي بفلسفة إنسان وثني. ويقول بكهام فيما بعد حتى تومس لم يتحول عن موقفه ورد عليه (برفق وتواضع عظيمين)(57). وربما كانت هذه السنوات الثلاث التي احتدم فيها الجدل هي التي أنهكت قواه.
ودعى في عام 1272 إلى العودة إلى إيطاليا بدعوة من شارل دوق أنجوليعيد تنظيم جامعة نابلي، ثم امتنع عن الكتابة في سنيه الأخيرة؛ ولسنا نعهد أكان سبب هذا ما اعتراه من ملل أم انه قد خاب ظنه في فائدة النقاش والجدل. ولما حتى ألح عليه صديق له بان يتم كتابه الموجز في علوم الدين أجابه بقوله: (لا أستطيع؛ لقد تكشفت لي أشياء يظهر لي معها حتى ما خطته ليس الا هباء)(58). ونادىه جريوجوري العاشر في عام 1274 لحضور مجلس ليون؛ وبدأ سفره الطويل على ظهر بغل مخترقاً إيطاليا، ولكنه اعتراه الضعف في الطريق بين نابلي وروما فآوى إلى الفراش في دير السترسبين فسانوفاFossanuova بكنبانيا، وتوفي في عام 1274 غير متجاوز التاسعة والأربعين من عمره. ولما ضم بعد وفاته إلى مجمع القديسين شهد شهود بأنه كان حلواللسان، سهل الحديث، بشوش الوجه وديعاً.. كريم الاخلاق، صبوراً إلى أقصى حد، يتلألأ وجهه بالبشاشة والتقوى الممزوجة بالرقة، شديد العطف على الفقراء(59). وكان منهمكاً في التقى والدرس انهماكاً يشغل جميع تفكيره وكل لحظة يقضيها مستيقظاً في يومه. يحضر جميع الصلوات المقررة في مواعيدها، يتلوقداسا أويستمع لقداسين في جميع صباح، ويقرأ ويخط، ويعظ ويفهم، ويصلي. وكان من عاداته قبل حتى يلقي عظة أومحاضرة، وقبل حتى يجلس للدرس أوالتأليف، حتى يصلي؛ وكان زملاؤه الرهبان يظنون أنه (مدين بفهمه إلى صلواته اكثر مما هومدين به إلى جهود عقله) (60). وأنا لنجد من حين إلى حين على هامش مخطوطاته دعوات صالحات مثل (السلام عليك يامريم Ave Maria!)(61). وقد انهمك في الحياة الدينية والعقلية انهماكاً قلما كان يلاحظ معه ما يحدث حوله؛ فكانت صحفته تحمل وتغير في غرفة الطعام دون ان يدري ما بها في بعض الأحيان؛ ولكن يظهر حتى شهيته للطعام كانت جيدة. دعى مرة للعشاء مع جماعة من رجال الدين على مائدة لويس التاسع، فهجر العنان للتفكير وهوجالس إلى المائدة حتى نسى نفسه، ثم ضرب المائدة فجأة بقبضته وصاح قائلاً: (هذه هي الحجة الدامغة ضد المانويين!). وانبه رئيس ديره على عمله هذا ونطق له: انك جالس إلى مائدة ملك فرنسا، ولكن لويس اظهر من الرقة والمجاملة ما خليق بملك مثله، فأمر أحد اتباعه بأن يأتي للراهب المنتصر بأدوات كتابية(62). ومع هذا كله كان بمقدور الراهب المنهمك في أمور الدين حتى يخط في كثير من شئون الحياة العملية كتابة جيدة المعنى. وكان الناس يلاحظون كيف من الممكن أن يستطيع حتى يكيف مواعظه لتلائم عقول زملائه الرهبان المجدين في الدرس، أوعقول العامة السذج. وكان بعيداً عن التكلف، عديم مطالب الحياة، لا يسعى إلى ألقاب التعظيم، ويرفض الرقى الى مناصب الكنيسة، وقد انتشرت كتاباته في جميع العالم، ولكنها لا تحتوي على حدثة واحدة نابية؛ وهويقابل بها جميع حجة مقاومة لدينه، ويقرعها بالحسنى وفي هدوء.
وجرى على عادة زمانه وزاد عليها، فكان يعترف بصراحة بما يأخذه عن غيره، فهويقتبس من ابن سينا، والغزالي، وأبن رشد، واسحق اسرائيلي، وابن جبيرول، وابن ميمون؛ وما من شك في حتى أي طالب لا يستطيع فهم فلسفة القرن الثالث عشر المدرسية من غير حتى يفهم ما سبقها من فلسفات المسلمين واليهود. ولا يشارك تومس وليم الأوفرني في تقديره لابن جبيرول، ولكنه عظيم الاجلال (للرابي ميسيز Rabbi Moyses ) كما يسمى موسى بن ميمون، ويقول بما نطق به هذا الفيلسوف من انه يمكن التوفيق بين العقل والدين، ولكنه يوافقه أيضاً على ان بعض أسرار الدين بعيدة عن متناول العقل؛ وينقل الحجج المؤيدة لهذا البعد من كتاب دلالة الحائرين(63). وهويتفق مع ابن ميمون في حتى مقدور العقل البشري ان يثبت وجود الله، ولكنه ليس في مقدوره ان يسموا لفهم صفاته، وهويتتبع خطى ابن ميمون خطوة خطوة في درس أزلية العالم . ويسترشد في المنطق وما بعد الطبيعة بأرسطوويكاد ينقل عنه في جميع صفحة من خطه، ولكنه لا يتردد في حتى يخالفه حينما يحيد الفيلسوف عن العقائد المسيحية؛ وبعد حتى يعترف بان التثليث، والتجسد، والافتداء، ويوم الحساب لا يمكن إثباتها عن طريق العقل، يتقبل حكم العقل في جميع المسائل الأخرى قبولا كاملاً لا تردد فيه، ارتاع له اتباع أوغسطين. وكان ينزع الى مبادئ الصوفية في اعترافه بان بعض العقائد المسيحية فوق متناول العقل البشري، ويشاركهم في الشوق الى الاتحاد مع الله؛ ولكنه كان من جماعة (العقليين) لانه يفضل العقل على (القلب) بوصفه أداة توصل الى الحقيقة. وقد تنبأ بان أوربا مقبلة على (عصر العقل)، وكان يرى حتى من واجب الفيلسوف المسيحي حتى يستعد لملاقاة هذه النزعة الجديدة في ميدانها. وكان يبدأ حججه المنطقية بأقوال يقتبسها من الكتاب المقدس وآباء الكنيسة، ولكنه يقول بصراحة محكمة قوية: (أن الحجة التي تستند إلى أقوال الغير أوهن الحجج) (66). ومن أقواله في هذا المعنى: (أن دراسة الفلسفة لا تهدف الى الكشف عما فكر فيه الآخرون بل ترغب حتى تصل إلى حقيقة الأمور) (67). وان كتاباته لتضارع كتابات أرسطوفيما يسري فيها كلها من منطق.
وقلما نجد في التاريخ كله عقلاً واحداً اخضع مثله ميدانا من ميادين التفكير بمثل هذه السعة لحسن التنظيم وللوضوح. ولن نجد في أسلوب تومس ما يبهر أويخلب لبنا، فهوأسلوب سهل يصل الى الهدف من اقرب السبل، موجز، دقيق، خال من الحشووالزخرف؛ ولكننا لا نجد فيه مثل ما نجد في أسلوب أوغسطين من قوة، وسعة الخيال، وانفعال ونزعة شعرية. وكان تومس يرى حتى لا محل في الفلسفة للبلاغة، وكان يستطيع إذا شاء حتى ينازل الشعراء في ميدانهم؛ ذلك حتى اقرب ما خطه الى الكمال هوالترانيم والأوراد التي وضعها لصيد القربان المقدس، ومن بينها ترنيمةLauda Sion salvatorem التي تقول بوجود جسم المسيح ودمه وجوداً حقيقيا في العشاء الرباني، وصاغها في شعر فخم طنان رنان. وفي التسابيح ترنيمة تبدأ بعبارة من أقوال أمبروز:Verqum supernum prodiens ، وتختم بمقطوعتينOsalularis Bostia تنشدان أثناء البركة التي يمنحها الكاهن وقت العشاء الرباني، وفي صلاة المساء ترنيمة هي اعظم ما عثر من الترانيم في جميع العصور، وهي مزيج من الشعر واللاهوت:
تغن، يا لسان، بسر الجسم المجيد،
وبالدم الذي لا يقدر بمال، والذي أراقه
ملك الخلائق جميعا، وثمرة إكرام الأرحام،
فداء للعالمين.
أهدته إلينا وولدته عذراء لم يمسسها بشر،
وأقام على هذا الكوكب ينشر بذور الحدثة التي استحالت لحما،
أقام بيننا في تواضع، ثم اختتم مقامه اختتاماً عجيبا.
وفي ليلة العشاء الأخير والرسل لا يزالون مضطجعين،
مراعين جميع ما تقضى به الشريعة القديمة في شأن الطعام الذي وضعته الشريعة،
الطعام الذي يطعمه الاثنا عشر مجتمعين يقدمه لنفسه بيديه،
إن الحدثة التي تجسدت تحيل الخبز بحدثة إلى لحمه؛
والنبيذ يصبح دم المسيح، وإذا عجزت الحواس حتى ترى،
فليقوالطهر في القلب بالإيمان وحده.
ومن أجل هذا نجلّ هذا العشاء الرباني العظيم ونحن سجد؛
ألا فلتخل الطقوس القديمة مكانها لهذه الشعيرة الجديدة،
ولينج إيماننا عجز حواسنا المظلمة.
سبحوا بحمد الوالد والمولود وغنوا له أبهج الأغاني،
سلام، وتكريم، وسلطان، وبركات كثيرة
وليحمل الله له تسبيحا غير منتقص
صادر عن حواسنا وقلوبنا .
وتكاد كتابات تومس تساوي في كثرتها كتابات ألبرت، وأن كانت حياة أولهما لا تزيد ألا قليلاً عن حياة الأخير، وقد خط شروحاً على أحكام بطرس لمبارد، وعلى أناجيل أشعيا، وايوب، وبولس؛ وعلى كتاب تيماوس لافلاطون، وعلى مؤلفات بؤيثيوس والمؤلفات المدسوسة على ديونيسيوس، وعلى مخط أرغنون، وفي السماء والارض، والسكون والفساد، والأفلاك، والطبيعة، وما وراء الطبيعة، وفي النفس، والسياسة، والاخلاق، وفي الحقيقة، وفي السلطان، وفي الشر، وفي العقل، وفي الفضيلة، وغيرها نن خط أرسطو؛ وخط يبحث نقطا تثار عارضة في جلسات الجامعة. وله رسائل في قوانين الطبيعة، والكائن، والجوهر، وحكم الامراء، وعمليات الطبيعة الخفية، وكتاب في اربعة مجلدات يسمى: خلاصة الممضى الكاثوليكي ضد الوثنيينSumma de veritate catholica de contra Gentiles (1267- 1273) وخلاصة اللاهوتCompendium theologiae (1271- 1273). ويملأ ما نشر من مؤلفات تومس 10.000 صفحة من البتر الكبير ذي العمودين في جميع صفحة.
وكان إعداد خلاصة الدين الكاثوليكي ضد الوثنيين بطلب من ريمند البنيافورتيRaymond of Penafort زعيم طائفة الرهبان الدمنيكيين، ليستعين به على ضم المسلمين واليهود في أسبانيا إلى الدين المسيحي. ولهذا فان تومس يكاد يستند في جميع ما يورد من حجج في هذا الكتاب الى العقل والمنطق، وان كان يقول في أسف حتى (هذا لا يكفي في الأمور المتعلقة بالله) (68). وهويتخلى فيه عن الطريقة المدرسية في النقاس، ويعرض مادته في أسلوب يكادقد يكون هوالأسلوب الحديث بعينه، ويعرضها أحياناً بمرارة لا تليق بهذا العالم الوديع الشبيه بالملاك. وهويقول حتى المسيحية دين الهي بلا ريب؛ لأنها غلبت روما وأوروبا على الرغم من دعوتها ضد ملاذ الدنيا وملاذ الجسد، وهي الدعوة التي لا يرحب بها الناس(69)؛ وهويعترف صراحة الجزء الرابع من الكتاب بان العقائد الأساسية في الدين المسيحي لا يمكن إثباتها بالاستناد الى العقل والمنطق، وأنها تتطلب الإيمان بالوحي الإلهي كما اتى في الخط المقدسة عند اليهود والمسيحيين.
ويوجه تومس أوسع خطه كلها وهوخلاصة اللاهوت الى المسيحيين أنفسهم؛ وهومحاولة لشرح مجموعة العقائد الكاثوليكية في الفلسفة واللاهوت والدفاع عنها بالاستناد الى الخط المقدسة وخط آباء الكنيسة إلى العقل . ومما اتى في مقدمة الكتاب: (سنحاول حتى نتتبع الأمور المتعلقة بالعقائد المقدسة بإيجاز ووضوح بقدر ما تسمح به مادة هذا الموضوع). وقد يحدث من حقنا ان نبتسم لهذا الإيجاز الذي يحتويه واحد وعشرون مجلداً، ولكن هذا ما يقوله المؤلف. والحق حتى هذه الخلاصة ضخمة الحجم ولكنها بعيدة عن الحشوواللغو؛ وليست ضخامة حجمها إلا نتيجة سعة مجال بحثها؛ ذلك حتى في هذه الرسالة عن اللاهوت رسائل كاملة فيما بعد الطبيعة، وفي فهم النفس، والاخلاق، والقانون؛ وفيها ثمان وثلاثون رسالة، و631 سؤالاً أوموضوعاً، وعشرة آلاف اعتراض أورد. وترتيب الحجج الخاصة بكل سؤال مما يدعوإلى الإعجاب.
أما هجريب الكتاب فقد نال من الثناء اكثر مما يستحق، فهلا لا يضارع التنظيم المنطقي لكتاب الأخلاق لاسبنوزا اوالتتابع المسلسل لكتاب الفلسفة الهجريبية لاسبنسر. ورسالته في فهم النفس (الجزء الأول المشتمل على الأبواب من 75 إلى 94) موضوعة بين بحثه في الستة الأيام التي تم فيها الخلق وبين دراسة الإنسان وهوفي عهد البراءة الأولى. وشكل الكتاب اكثر طرافة من هجريبه؛ وهوفي جوهره يواصل طريقة أبلار من الحد الذي بلغته على يد بطرس لمبارد ويبلغ بها درجة الكمال: يبدأ بالسؤال، تتلوه الحجج النافية، والاعتراضات على الحجج الموجبة، ثم الحجج الموجبة المأخوذة من الكتاب المقدس، ومن خط الآباء، والمستندة إلى العقل، ثم الردود على الاعتراضات. وهذه الكيفية تضيع الوقت أحياناً لأنها تورد حججاً واهية ثم تدحضها، ولكن النقاش أحياناً نقاش جوهري وحق. ومن خصائص تومس انه يورد الرأي المخالف لرأيه بصراحة مدهشة وقوة عظيمة؛ وبهذه الطريقة كان الكتاب خلاصة للإلحاد كما هوحصن حصين للعقائد المسيحية، ولكننا لا نستطيع حتى نشكوقط من ان الشيطان لم يجد له مدافعاً قديراً.
فلسفة توماس
المنطق
ما هي الفهم،يا ترى؟ هل هي نور الهي بعثه الله في الإنسان، وبغير هذا لا يمكن حتى تكون،يا ترى؟ يخالف تومس منذ البداية أوغسطين، والمتصوفة، والقائلين بممضى اللقانة : فالفهم في رأيه نتاج طبيعي، يحصل عليها الإنسان من حواس الجسم الخارجية، ومن الحاسة الداخلية المعروفة يا لشعور بالذات. وهي فهم محدودة غاية في القصور، فما من عالم قد عهد حتى وقتنا هذا حقيقة الذبابة(70). ولكن الفهم في داخل حدودها خليقة بان يوثق بها، ولا حاجة بنا لان يتولانا الغضب من حتى العالم الخارجي قد يحدث كله خداعاً في خداع. ويقبل تومس تعريف المدرسيين للحقيقة بأنها مطابقة الفكرة للشيءadequatio rei et intellectus، (71). وإذ كان العقل يستمد جميع معلوماته الطبيعية من الحواس(72) فان معهدته المباشرة للأشياء الخارجة عنه مقصورة على الأجسام- أي على عالم الحس والمحسوس، وليس في مقدوره حتى يعهد من طريق مباشر العالم الذي فوق المحسوس، عالم ما وراء الطبيعة، العقول التي في داخل الأجسام أوالله في خلقه؛ ولكن في وسعه عن طريق المقارنة والقياس حتى يستمد من تجارب الحس فهم غير مباشرة بالعقول الأخرى، وان يحصل بمثل هذه الطريقة على فهم مباشرة بالله(73). أما العالم الثالث عالم ما فوق الطبيعة - حيث يوجد الله- فليس في مقدور عقل الإنسان حتى يعهد عنه شيئاً ألا من طريق الوحي الإلهي. وفي وسعنا ان نعهد طريق الفهم الطبيعي لن الله موجود، وانه واحد، لان وجوده ووحدانيته تتلألآن في عجائب العالم وحسن تنظيمه؛ ولكننا لا نستطيع بعقلنا وحده حتى نعهد جوهرة أوحقيقة التثليث؛ وحتى فهم الملائكة أنفسهم قاصر ومحدود وإلا كانوا آلهة.
وقصور فهمنا في حد ذاته مرشد على وجود عالم فوق الطبيعي. ويكشف الله لنا عن هذا العالم في خطه المقدسة؛ وكما ان من الحمق ان يقول الفلاح إذا نظريات الفلسفة كاذبة لأنه يعجز عن فهمها، كذلكقد يكون من الحمق حتى يرفض الإنسان الإيمان بالوحي الإلهي بحجة انه يظهر له في بعض النقط مناقضاً لمعلومات الإنسان الطبيعية. وعلينا حتى نثق بأنه لوكانت معلوماتنا كاملة، لما كان ثمة تناقض بين الوحي والفلسفة؛ ومن الخطأ حتى نقول إذا قضية ما يمكن حتى تكون خاطئة في الفلسفة وسليمة في الدين؛ ذلك بأن الحقائق كلها تأتي من عند الله وهي واحدة. غير انه يحسن بنا حتى نفرق بين ما نفهمه عن طريق العقل وما نعتقده عن طريق الإيمان(74)، لان ميداني الفلسفة والتصور ميدانان منفصلان؛ ويجوز للفهماء ان يبحثوا فيما بينهم ما يعترض به على الدين، ولكن (لا يحسن بالسذج من الناس حتى يسمعوا إلى ما يقوله غير المؤمنين ضد الدين) لان العقول الساذجة ليس لها من الاستعداد ما تستطيع حتى ترد به على المعترضين(75). ويجب على الفهماء والفلاسفة، كما يجب على الفلاحين ان ينحنوا أمام قرارات الكنيسة؛ ومن واجبنا حتى نهتدي بهديها في جميع شيء(76)؛ لأنها هي المكان الذي أودع فيه الله الحكمة الإلهية؛ وقد منح البابا (الحق في ان يصدر أحكاماً نهائية في شؤون الدين حتى يأخذها الناس جميعاً بالإيمان لا يتزعزع) (77). وبغير هذا لا مفر من الفوضى العقلية، والأخلاقية، والاجتماعية.
ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا)
ميتافيزيقية تومس تعريفات معقدة عويصة وفروق دقيقة يقوم عليها كلها لاهوته. 1- الجوهر والوجود في الأمور المخلوقة مختلفان، فالجوهر هوما لا بد منه لإدراك الشيء؛ والوجود هوعملية الكينونة. فجوهر المثلث - أي انه ثلاثة خطوط مستقيمة تظم بينها فراغاً- واحد لا يتغير سواء عثر المثلث أوكان مجرد إدراك ذهني. أما في حالة الله فالجوهر والوجود شيء واحد؛ لان جوهرها هوانه العلة الأولى، والقوة التي يقوم عليها جميع الأمور (التي تقف تحت الأمور) كما يقول أسبنوزا. وتعريفه يحتم وجوده لكي يوجد جميع ما عداه من الأمور.
2- والله موجود بالحقيقة، وهوالكائن المكون لجميع الكائنات، وعلتها التي تستند إليها، وكل الكائنات الأخرى موجودة بالتصور لا غير، وبالاشتراك المحدد في حقيقة الله.
3- وكل الكائنات المخلوقة فاعلة ومنعملة معاً - أي أنها تعمل وتنعمل. وهي أيضاً مزيج من الكينونة والصيرورة: فلها صفات معينة قد تفقد بعضها وتكسب غيرها- فالماء مثلاً قد يدفأ. ويعبر تومس عن هذا التأثير بالعمل الخارجي أوالتبدل الداخلي بلفظ الإمكانية potentia. والله وحده هوالمنزه عن هذه الإمكانية، فهولا ينعمل ولا يتبدل، وهونشاط خالص، وحقيقة خالصة؛ وهومن بادئ الأمر جميع شيء يمكن حتىقد يكونه. ويمكن ترتيب الموجودات التي دون الله ترتيباً تنازلياً يقوم على عظم إمكانيتها في التأثر بما هوخارج عنها والتحدد به. وعلى هذاقد يكون الرجل أرقى من المرأة لان (الأب هوالمبدأ الفعال، على حين ان الأم هي المبدأ المنعمل أوالمادي؛ فهي تقدم مادة الجسم التي لا صورة لها، والتي تتلقى صورتها عن طريق القوة المكونة التي في منى الأب) (78).
4- جميع الكائنات ذات الأجسام تتكون من مادة وصورة، ولكن الصورة هنا (كما هي عند أرسطو) ليس معناها الشكل بل العنصر الفطري المنشط المميز. وحين تكون الصورة أوالعنصر الحيوي جوهر كائن ما فهي تكون صورة أساسية جوهرية، وبهذا تكون النفس العاقلة- أي القوة التي تهب الحياة والقادرة على التفكير- هي صورة الجسم الأساسية، والله هوصورة الكون الأساسية.
5- والحقائق كلها إما جوهر أوعرض: إما حتى تكون موجودات منفصلة كالحجر والانسان، اوانها لا توجد الا على هيئة صفات في شيء آخر كالبياض والكثافة. أما الله فهوجوهر محض، لأنه هوالحقيقة الكاملة الموجودة بذاتها.
6- والجواهر كلها فردية، ولا شيء غير الأفراد موجود إلا في الفكر، والفكرة القائلة بان الفردية خداع هي نفسها خداع.
7- وفي الكائنات المكونة من مادة وصورةقد يكون العنصر الأساسي أومبدأ الانفراد- أي تضاعف عدد الأفراد في النوع أوالصنف - هوالمادة. أما الصورة أوالمبدأ الحيوي في النوع بأكمله فهي في جوهرها واحدة. وهذا المبدأ يستخدم لكل فرد، مقداراً معيناً وشكلاً من المادة، ويستحوذ عليه، ويعطيه شكلاً؛ وهذه المادة التي تعينت بكميتها هي مبدأ الانفرادية- وليست الانفرادية هي الفردية بل الذاتية المنفصلة.
اللاهوت
المحور الذي تدور حوله فلسفة وموضوع بحثها هوالله لا الانسان، وقد خط في ذلك يقول: (أن أرقى ما نستطيع تحصيله من فهم عنه في هذه الحياة حتى نعهد انه فوق جميع ما يمكن حتى يدور. بخلدنا عنه)(79). وهويرفض حجج أنسلم الكونية، ولكنه يقترب منها حين يقول حتى وجوده وجوهره شيء واحد، فالله عنده هوالوجود نفسه: (أنا من أنا).
ويقول تومس انه يمكن البرهنة على وجود الله بعلل طبيعية (1) فالحركات حدثا تنشأ من حركات سابقة، وهذه تنشأ من أخرى قبلها اسبق منها رجوعاً لا نهاية له وهذا محال (2) كذلك يحتاج تسلسل العلل علة أولى (3) والعرضي، وهوما قد يحدث ولكن لا يتحتم حتىقد يكون، يعتمد على الضروري الذي لا بد حتىقد يكون؛ ويعتمد الممكن على الواقع، وهذا التسلسل يرجع بنا الى كائن ضروري هوالحقيقة الخالصة (4) والأمور طيبة، وحقه، وسامية، بدرجات مختلفة، ولا بد حتىقد يكون هناك اصل أومصدر لهذه الفضائل الناسيرة يبلغ حد الكمال في الطيبة والحقيقة والسمو(5) في العالم آلاف من الشواهد الدالة على ما فيه من نظام، وحتى الجمادات نفسها تتحرك بطريقة منظمة، وكيف يمكن وجود هذا إلا إذا كانت هناك قوة عاقلة هي التي خلقت هذه الأمور؟
وإذا ما استثنينا مسالة وجود الله قلنا حتى تومس يكادقد يكون لا إداريا في اللاهوت الطبيعي (لا نستطيع حتى نعهد ما الله، بل نعهد فقط ما لا يمكن حتىقد يكونه) (82)- انه لا يهجر، ولا يتعدد، ولا يتحول، ولا يحيط به زمان ولم ترغب العقول المتناهية في الصغر ان تزيد فهمها بما لا نهاية له،يا ترى؟ ويقول تومس حتى من الصعب علينا حتى نتصور الروح غير المادية (وهويسبق برجسون في قوله هذا) لان العقل يعتمد على الحواس، ولان تجاربنا الخارجية كلها مقصورة على الأمور المادية؛ وعلى هذا (لا نعهد الأمور المجردة من الأجسام، والتي لا صور لها، إلا بمقارنتها بالأجسام المحسوسة التي لها صور) (83). وليس في مقدورنا حتى نعهد الله (كما يقول ابن ميمون) إلا عن طريق المجاز والتشبيه، فستدل عليه من أنفسنا ومن تجاربنا؛ وعلى هذا فإذا كان في الناس خير، وحب، وحق، وعقل، وقدرة، وحرية، أوأي ميزة اخرى، فلا بد ان تكون هذه أيضاً في خالق الإنسان، وان تكون فيه بدرجة أعلى تتفق مع النسبة الموجودة بين اللانهائية وبيننا نحن. وإذا ما استخدمنا ضمائر المذكر حين نتحدث عن الله فليس ذلك إلا من قبيل التيسير، أما الحقيقة فليس ثمة ذكر وأنثى في الله ولا في الملائكة. والله واحد لأنه حسب تعريفه هوالوجود ذاته، وان السير العالم الموحد ليكشف عن عقل واحد وقانون واحد. وان القول بوجود ثلاثة أقانيم في هذه الوحدة الإلهية له سر غامض لا يدركه العقل، ولا بد حتى تعتقده بإيمان الواثقين.
وليس في مقدورنا كذلك حتى نعهد هل خلق العالم في وقت بعينه، وبذلكقد يكون قد خلق من لاشيء، أوهل هوأزلي كما يظن أرسطووابن رشد،يا ترى؟ ومن رأيه حتى الحجج التي يدلى بها رجال الدين ليثبتوا بها خلق العالم في زمن بعينه حجج واهية يجب رفضها (حتى لا تبدوالعقيدة السمحة بأنها قائمة على أسانيد منطقية جوفاء) (84). ويستنتج تومس من هذا حتى علينا حتى تعتقد بالاستناد إلى إيماننا وحده بخلق العالم في وقت معين؛ إذ ليس ثمة وقت بلا تغيير، ولا مادة تتحرك. وهويحاول بأقصى جهده ان يشرح كيف من الممكن أن ينتقل الله من لا خلق إلى خلق دون حتى يعتريه تغير. وعملية الخلق في رأيه أزلية، ولكنها تضم في إرادة القيام بها تحديد الوقت الذي يتطلبه ظهور نتائجها(85)- وتلك طريقة ظريفة يروغ بها هذا الرجل العنيد من المشكلة التي يقابلها.
والملائكة في رأيه هم أرقى طبقات الخلق، وهم عقول بلا أجسام، غير قابلين للفساد، مخلدون. وهم رسل الله في حكم العالم بهم تهجر الأجرام السماوية وبهم تهتدي(86)؛ ولكل إنسان ملك يحرسه وكبار الملائكة يعنون بجماعات كبيرة كم الناس. وإذ كان من الملائكة عقولاً بلا مادة فان بمقدورهم حتى ينتقلوا من أحد أطراف العالم إلى الطرف الآخر من غير حتى يتجاوزا ما بينهما من فضاء. ويملأ تومس ثلاثاً وتسعين صفحة في طبقات الملائكة، وحركاتهم، وحبهم، وفهمهم، وارادتهم، وكلامهم، وعاداتهم - وهذا هواكثر أجزاء الخلاصة الطويلة تحدثاً واكثر استعصاء على التطبيق.
وكما حتى هناك ملائكة فكذلك يوجد عفاريت، وهم أبالسة صغار يأتمرون بأمر الشيطان؛ وليس هؤلاء مجرد خيالات تخلقها عقول، العوام بل هم كائنات حقيقية يسيبون ما لا حصر له من الأذى؛ وفي وسعهم حتى يجعلوا الرجل عاجزاً عن القيام بالوظيفة الجنسية بأن يثيروا فيه كره المرأة(87)، ويقومون بضروب مختلفة من السحر؛ فقد يرقد العفريت تحت الرجل، ويتلقى منيه، ويحمله مسرعاً في الفضاء؛ ويجامع أمرأة، فتحمل من منى رجل غائب(88). وفي وسع العفاريت حتى يمكنوا السحرة من حتى يتنبئوا بالحوادث التي لا تعتمد على إرادة الإنسان الحرة. وفي وسعهم حتى يبلغوا الناس معلومات بأن يطيعوها في خيالهم، أوبأن يظهروا أمام عيونهم، أويتحدثوا لهم بصوت مسموع؛ وقد يتعاونون مع الساحرات، ويساعدونهن على إيذاء الأطفال، عن طريق الحسد(89).
وكان توماس يعتقد بصدقى التنجيم في كثير من الأمور، شأنه في ذلك شأن كثيرين من معاصريه، وكثيرين من معاصرينا نحن: يجب حتى نربط بين حركات الأجسام... على هذه الأرض وحركات الأجرام السماوية وهي علتها... وثمة طريقتان يستطاع بهما تفسير قدرة المنجمين في كثير من الأحيان على التنبؤ بالحقائق برصد النجوم: أولاهما إذا عدداً كبيراً من الناس يسيرون وراء انفعالاتهم الجسمية، وبذلك تتجه أعمالهم في معظم الأحيان حسب ميل الأجرام السماوية، على حين إذا هناك قلة منهم -وهم العقلاء وحدهم- يهدؤون ميولهم بعقولهم... وثانيتهما ناشئة من تدخل العفاريت(90).
بيد إذا (أعمال البشر لا تخضع لعمل الأجرام السماوية إلا خضوعاً عارضاً وبطريق غير مباشر) (91)؛ وفيها مجال كبير لحرية الآدميين.
فهم النفس
يعنى تومس ببحث المشاكل الفلسفية التي يتضمنها فهم النفس، والصفحات التي يخصصها لهذا الموضوع من أحسن ما في كتابه من تحليل وهويبدأ بفكرة إذا الكائن الحي عضوي معارضاً في ذلك فكرة إنه آلي: فالآلة تتكون من أجزاء تضم بعضها إلى بعض من الخارج، أما الكائن الحي فيكون أجزاءه بنفسه ويحرك نفسه بما فيه من قوة داخلية(92). وهذه القوة الداخلية المكونة هي النفس، ويعبر تومس عن هذه الفكرة بمصطلحات من خط أرسطو: فالنفس عنده (صورة هيولية) للجسم - أي إنها هي المبدأ الحيوي والطاقة التي تعطي الكائن الحي وجوداً وشكلاً: (النفس هي المبدأ الأول لغذائنا، وإحساسنا، وحركتنا وفهمنا)(93). والنفس ثلاث درجات النفس الثابتة - أي القدرة على النماء، والنفس الحساسة - أي القدرة على الشعور، والنفس العاقلة - أي القدرة على التعقل والاستدلال. والأولى موجودة في جميع ما حي، أما الثانية فلا توجد إلا في الحيوانات والآدميين، وأما الثالثة فلا توجد إلا في بني الإنسان. غير إذا الكائنات الحية العليا تمر في نمائها الجسمي والفردي بالمراحل التي تظل فيها للكائنات السفلى؛ و(حدثا علت الصورة في سلم المخلوقات... زاد عدد الأشكال الوسطى التي تمر بها قبل حتى تصل إلى صورتها الكاملة) (94) -ويشبه هذا القول نظرية (الإعادة) التي ظهرت في القرن التاسع عشر والتي تقول إذا جنين الإنسان يمر بالمراحل التي مر فيها النوع أثناء نموه.
وبينما كان أفلاطون، وأوغسطين، والرهبان الفرنسيس يظنون إذا النفس سجينة في الجسم، ويقولون إذا الإنسان هوالنفس لا غير، كان تومس جريئاً في قبول فكرة أرسطو، وهويعهد الإنسان - بل يعهد الشخصية نفسها- بأنه مزيج من الجسم والنفس ومن المادة والصورة(95). فالنفس وهي الطاقة الداخلية التي تبعث الحياة، وتخلق الصورة، توجد في جميع جزء من أجزاء الجسم كاملة غير قابلة للانقسام(96) وهي ترتبط بالجسم بألف طريقة. فهي بوصفها نفساً نباتية تعتمد على الطعام، وبوصفها نفساً حاسة تعتمد على الإحساس، وبوصفها نفساً عاقلة بحاجة إلى الصور التي تنتج أوتهجرب من الاحساسات. وحتى المقدرة العقلية والمدركات الأخلاقية تعتمد على وجود جسم سليم إلى حد معقول. فالجلد السميك يشير على النفس عديمة الإحساس(97)؛ وللأحلام، والانفعالات، والأمراض العقلية، والأمزجة أسس في وظائف الأعضاء(98). ويتحدث تومس في بعض الأحيان كما لوكان الجسم والنفس حقيقة واحدة موحدة، أي الطاقة الداخلية والصورة الخارجية لكل لا يتجزأ. ومع هذا فقد كان يظهر له واضحاً جميع الوضوح ان النفس العاقلة- المجردة، المعممة، المستدلة، المصورة للكون،- حقيقة غير جسمية؛ وإننا مهما حاولنا، وعلى الرغم من ميلنا الى التفكير في جميع الأمور بمصطلحات مادية، لا نستطيع ان نجد شيئاً مادياً في الإدراك؛ فهوحقيقة تختلف جميع الاختلاف عن جميع الأمور المادية أوالمكانية؛ ويجب ان نصف هذه النفس العاقلة بأنها روحية، شيء يبعثه فينا الله وهوالقوة النفسية القائمة وراء جميع الظواهر المادية. والقوة غير المادية وحدها هي التي تستطيع ان تكون فكرة كلية، أوتقفز إلى الإمام والى الخلف في الزمان، اوتدرك الكبير والصغير بدرجة واحدة من السهولة(99). وفي مقدور العقل حتى يدرك نفسه، ولكن من المحال ان نتصور كائناً مادياً يدرك نفسه.
ولهذا فلا حرج علينا إذا اعتقدنا إذا هذه القوة الروحية الموجودة فينا تظل بعد موت الجسم؛ ولكن النفس التي تفارق الجسم على هذا النحوليست ذات شخصية؛ فهي لا تقدر ان تحس أوتريد، أوتفكر، بل هي طيف لا قوة له ولا يستطيع حتى يقوم بعمل بغير الجسم(100)،ولا تكون مع الجسم شخصية منفردة لا يجوز عليها الموت إلا إذا عادت إلى الاتحاد مع الجسم، أي مع الإطار الجسدي الذي كانت هي حياته الداخلية. ولقد كان السبب الذي دفع ابن رشد واتباعه إلى النظرية القائلة بأن (لا خلود إلا للعقل الفاعل) وحده، أونفس الكون، أونفس النوع، هوعدم إيمانهم ببعث الجسم. أما تومس فيسخر جميع ما وهب من قوة الجدل ليدحض هذه النظرية؛ وعنده ان اختلافه عن ابن رشد في مسألة الخلود هم أبرز المشاكل القائمة في القرن الذي يعيش فيه، وان ما ينشأ عن الوقائع الحربية من تبديل في الحدود وتغيير في الألقاب يظهر إلى جانبها عبثا وجنودنا لا أكثر.
ويقول تومس إذا للنفس خمس صور أوقوى: النفس النباتية وبها نطعم، وننمو، ونتكاثر؛ والنفس الحاسة وبها نستقبل التنبيهات من العالم الخارجي؛ والنفس المشتهية، وبها نرغب ونريد، والنفس المحركة وبها تحدث الحركة، والنفس العاقلة وبها نفكر(101). والمعلومات كلها تبدأ بالحواس، ولكن التنبيهات لا تسقط على سطح فارغ أملس؛ بل يتلقاها بناء معقد هومركز الإحساس المشهجر، الذي يصوغ هذه التنبيهات أوالأحاسيس فيؤلف منها أفكاراً. ويتفق تومس مع أرسطوولُك Locke في انه "لا شيء في العقل لم يكن له من قبل وجود في الحواس"، ولكنه يضيف إلى ذلك كما يضيف كانت وليبنتز قوله:
"إلا العقل نفسه"- وهوقوة منظمة تستطيع تنبيهات التنبيهات إلى الأفكار، وأخيراً الى تلك الكليات والأفكار المجردة التي هي أدوات الاستدلال، والميزة التي اختص بها الإنسان على هذه الأرض.
والإرادة أوالرغبة هي الموهبة التي تستطيع بها النفس أوالقوة الحيوية حتى تتحرك نحوما يرى العقل انه خير. ويعهد تومس الخير كما يعهده أرسطوبأنه "هوالشيء المرغوب فيه"(102). والجمال شكل من أشكال الخير، لأنه هوالذي تسر رؤيته. ولم كانت رؤيته سارة،يا ترى؟ إنها تسر لما بين أجزائها من تناسب وتناسق يجعل منها كلا منظما. والعقل خاضع للإرادة لان الرغبة تستطيع حتى تحدد اتجاه الفكر؛ ولكن الإرادة نفسها خاضعة للعقل لان رغباتنا تحددها الكيفية التي تدرك بها الأمور، والآراء التي تكونها عنها (مقلدين في ذلك غيرنا عادة). وليست الحرية مستقرة حقيقة في الإرادة التي "يحركها بالضرورة" فهمنا للمادة كما يعرضها علينا العقل(103). بل هي مستقرة في التمييز(arbitrium) : ولهذا تتناسب الحرية تناسباً مطرداً مع درجات الفهم، والقدرة على الاستدلال، والحكمة، وعلى قدرة العقل ان يعرض صورة سليمة للحالة القائمة على الإرادة؛ ومن ذلك يرى حتى الحكماء وحدهم هم الأحرار حقاً(104). وليس الذكاء خير مواهب النفس وأسماء فحسب بل هوأيضاً أعظمها قوة: "وطلب الحكمة هومن بين مطالب الإنسان كلها أكملها، واسماها، وأعظمها نفعاً، واجلبها للسرور"(105): "وعمل الإنسان الخليق به هوحتى يفهم"(106).
فهم الاخلاق
وإذن فغاية الإنسان الحقة هي حتى يصل إلى الحقيقة في الحياة الدنيا، وان يشهد هذه الحقيقة في الله في الحياة الآخرة؛ ذلك إننا إذا سلمنا مع أرسطوبان ما يسعى إليه الإنسان هوالسعادة، فأين يجد أحسنها،يا ترى؟ انه لا يجدها في الملاذ الجسمية، ولا في الشرف، ولا في الثروة، ولا في السلطان. بل انه لا يجدها في الأعمال الصادرة عن الفضيلة الخلقية، وان حصل من هذه كلها على البهجة. ولنسم كذلك بان (النظام الكامل للجسم ضروري... للسعادة الكاملة) (107). ولكن ليس في هذه الطيبات كلها ما يضارع السعادة الهادئة الكاملة المتصلة الناشئة من الفهم. ولعل تومس كان يذكر وقتئذ قول فرجيل: (ما اسعد من استطاع حتى يعهد علل الأمور!) فاعتقد إذا أسمى عمل تقوم به النفس واعظم ما تغتبط به - أي الذروة الطبيعية لعقليتها الخاصة - هي (أن ينقش عليها النظام الكامل للكون وأسبابه) (108). وان السلام الذي يعلوعلى الفهم لينشأ من الفهم.
ولكن هذه السعادة الدنيوية العليا نفسها لا تهجر لإنسان راضياً جميع الرضا قانعاً جميع القناعة، فهويعهد فهم غامضة ان (السعادة الكاملة الحقة لا يمكن حتى تنال في هذه الحياة). وان في داخله صوتاً لا يمكن إسكاته يجعله يتوق على الدوام ولفهم لا يتأثران بما يتعرض له الآدميون الفانون من تغيرات ومن صرف الزمان. وقد تجد غير هذه الشهوات ما يشبعها في الطيبات الوسطى، أما عقل الإنسان الكامل فلن يستريح إلا إذا وصل الى ذروة الحق وجماعة وهوالله(109). ففي الله وحده الخير الأسمى لأنه مصدر جميع الطيبات الاخرى، ولانه علة سائر العلل، وحقيقة جميع الحقائق، والهدف الأخير للإنسان هونور النعيم الباهر- الرؤيا التي تهب السعادة .
وعلى هذاقد يكون فهم الأخلاق هوالفن والفهم اللذين يعدان الإنسان لبلوغ هذه السعادة النهائية السرمدية؛ ويمكن تعريف الطيبة الخلقية أوالفضيلة بأنها السلوك المؤدي إلى غاية الإنسان الحقة وهي حتى يرى الله. والإنسان بطبعه ميال الى الخير- المرغوب فيه: ولكن ما يراه هوخيراً ليس في جميع الأحوال خيراً من الناحية الأخلاقية؛ وقد عصى الإنسان الله بسبب خطأ حواء في الحكم على ما خير، وهويحمل الآن في جميع جيل وزر هذه الخطيئة الأولى . وإذا ما سأل إنسان عند هذه النقطة لم خلق الله، الذي يعهد جميع شيء قبل حدوثه، رجلاً وامرأة قدر عليهما حتىقد يكونا مشغوفين بالفهم، وخلق جيلاً قدر عليه انقد يكون ملوثاً بهذا الأثم الموروث، أجابه تومس ان المحال على أي مخلوق بمقتضى قوانين ما وراء الطبيعة انقد يكون كاملاً، وان حرية الإنسان في حتى يأثم هي الثمن الذي يجب عليه ان يؤديه نظير حريته في الاختيار. وإذ سلب الإنسان حرية الإرادة واصبح مجرد آلة ذات حركة ذاتية لا تسموعلى الخير والشر بل تنحط دونهما، ولا تكون لها كرامة اكثر من إنها آلة.
وإذا كان تومس قد انغمس في عقيدة الخطيئة الاولى، وانغمس في مبادئ أرسطو، وفي الخوف من النساء واعتزلهن اعتزالاً ناشئاً من حياة الأديرة، فقد كان لابد من انقد يكون سيء الظن بالنساء، وان يتحدث عنهن حديث الرجال، وليس عليه في هذا لوم. وهويحذوحذوأرسطوفي أنانيته البالغة الخطورة حين يظن حتى الطبيعة كبطارقة العصور الوسطى ترغب على الدوام في ان تخرج ذكوراً، وان المرأة مخلوق عاجز عارض، اوانها ذكر أخطائه التوفيق(mas occasisnatum)، وأكبر الظن - على حد قوله - إنها نتيجة لضعف قوة التلقيح عند الأب، أولعامل آخر خارجي مثل كسب جنوبية رطبة(111). وكان يظن بالاعتماد على آراء أرسطووبعض معاصريه في فهم الأحياء إذا المرأة ليس لها إلا المادة المنعملة في الذرية، أما الرجل فهوالذي يعطى الصورة الفاعلة؛ وان المرأة هي فوز المادة على الصورة؛ وهي من ثم اضعف الأوعية في الجسم، والعقل، والإرادة. وشأنها مع الإنسان شأن الحواس مع العقل. وفيها تسود الشهوة الجنسية؛ أما الإنسان فهوالمعبر عن العنصر الأكثر ثباتاً. والرجل والمرأة كلاهما صوراً في صورة الله، ولكن الرجل أشبه به من المرأة. والرجل هومبدأ المرأة وغايتها، كما حتى الله هومبدأ الكون وغايته، وهي بحاجة الى الرجل في جميع شيء، أما هوفلا يحتاج إلا للتناسل؛ والرجل قادر على ان يؤدي جميع الواجبات احسن من أداء المرأة - لا يستثنى من هذا العناية بالبيت(112)، فهي لا تصلح لان تشغل أي منصب هام في الكنيسة اوالدولة؛ وهي جزء من الرجل وان شئت الدقة الحرفية فهي ضلع من ضلوعه(113)؛ وعليها حتى تنظر إلى الرجل نظرتها إلى سيدها الطبيعي، وان تقبل ارشاده، وتخضع لتقويمه وتأديبه، وبهذه الكيفية تؤدي رسالتها وتحظى بسعادتها.
هذا هوما يقوله تومس عن المرأة؛ أما الشر فيبذل غاية جهده ليثبت انه في نظر فهم ما وراء الطبيعة لا وجود له؛ ويقول ان الشر ليس موجوداً إيجابياً، لان جميع حقيقة بوصفها حقيقة خير(114)؛ وليس الشر إلا غياب صفة أومقدرة يجب حتى تكون موجودة في الكائن بطبيعته، أوهي الحرمان من هذه الصفة أوالمقدرة. فليس شراً في الرجل ألاقد يكون له جناحان، لكن شراً إلا تكون له يدان، مع انه ليس من الشر في الطائر إلا تكون له يدان. وكل شيء طيب كما خلقه الله، ولكن الله نفسه لا يستطيع ان ينقل كماله اللانهائي إلى مخلوقاته. والله يجيز بعض الشرور بقصد الوصول الى بعض الغايات الخيرة أولمنع شرور اشد منها كما (تجيز بعض الحكومات... بحق بعض الشرور- كالعهر مثلاً- خشية.. حتى يؤدي منعها إضرار اشد منها) (115).
والخطيئة عمل من أعمال الإرادة الحرة حين تخرق نظام العقل الذي هوأيضاً نظام الكون. ونظام العقل هوالتوفيق السليم بين الوسائل والغايات، وهوفيما يختص بالإنسان تكييف السلوك بحيث يؤدي إلى السعادة السرمدية. والله يهبنا حرية ارتكاب الخطأ، ولكنه يهبنا ايضاً، بوحيه الإلهي، الشعور بالصواب والخطأ. وهذا الضمير الغريزي ذوسلطان مطلق يجب حتى يطاع مهما تكن النتيجة؛ فإذا أمرت الكنيسة إنساناً بشيء يخالف ضميره وجب عليه ان يعصى أمرها، وإذا حدثه ضميره بان الإيمان بالمسيح شر، وجب عليه حتى ينفر من ذلك الدين(116). والضمير في الأحوال العادية لا يميل بنا إلى الفضائل الطبيعية وحدها كالعدالة، والفطنة، والجلد، بل يميل بنا أيضاً الى الفضائل التي يأمرنا بها الدين كالإيمان، والأمل، والصدقات. وهذه الثلاث الصفات الأخيرة هي الصفات الخلقية التي يمتاز بها الدين المسيحي، وهي أيضاً سبب مجده. والإيمان واجب أخلاقي على الإنسان لان العقل البشري قاصر محدود؛ عملى الإنسان حتى يصدق تصديقاً قائماً على الإيمان عقائد الكنيسة التي تعلوعلى إدراك العقل وعقائدها التي يستطيع حتى يعهدها بطريق العقل. وإذا كان الخطأ في شؤون الدين قد يؤدي بالإنسان إلى الجحيم، فان من الواجب ألا يتسامح في عدم الإيمان إلا إذا قصد بذلك تجنب شر أكبر؛ (فالكنيسة قد أجازت في بعض الأحيان شعائر الملحدين والوثنيين أنفسهم، حين كان غير المؤمنين كثيري العدد)(117). ويجب الا يسمح لغير المؤمنين بأنقد يكون لهم السيطرة أوالسلطان على المؤمنين(118)؛ ويمكن التسامح بوجه خاص مع اليهود لان شعائرهم ترمز إلى شعائر الدين المسيحي قبل ظهوره، فتشهد بذلك على صحة هذا الدين(119). ويجب الا يرغم اليهود غير المعمدين على اعتناق الدين المسيحي(120)، ولكن الملحدين- وهم الذين تخلوعن إيمانهم بعقائد الكنيسة- يجوز إرغامهم دون انقد يكون ذلك حرج على من يرغمهم(121). ويجب حتى لا يعد أي إنسان ملحداً إلا إذا أصر على خطئه بعد حتى تبينه له سلطة كهنويته؛ والذين يرجعون عن إلحادهم يمكن حتى يسمح لهم بالتفكير عن ذنوبهم، بل يمكن فوق ذلك حتى تعادلهم كرامتهم الأولى؛ فإذا عادوا إلى إلحادهم (جاز حتى يسمح لهم بالتفكير عن ذنوبهم، ولكنهم لا ينجون من الآم الموت) (122).
فهم السياسة
خط تومس في الفلسفة السياسية ثلاث مرات: في شرحه لكتاب السياسة لأرسطو، وفي الخلاصة في اللاهوت، وفي رسالة قصيرة تسمى: في حكم الأمراءDe regimine principum ويبدولأول ولهة حتى تومس يعيد أقوال أرسطو، ولكننا إذا واصلنا القراءة أدهشتنا كثرة ما في كتاباته من أفكار أصلية قاطعة.
فهويقول إذا التنظيم الاجتماعي أداة أوجدها الإنسان بدلاً من أعضاء الجسم للحصول على مطالبه والدفاع عن نفسه، وان المجتمع والدولة قد وجدا للفرد، ولم يوجد الفرد للمجتمع والدولة، وان السيادة تأتي من عند الله وهي حق للشعب؛ ولكن الشعب كثير العدد، مشتت، متقلب، جاهل، وهولذلك عاجز حتى يمارس حقوق السيادة بنفسه وبحكمة؛ ولهذا فانه يكل هذه السيادة إلى أمير أوزعيم آخر. وتوكيل الشعب من ينوب عنه على هذا النحويستطاع إلغاؤه على الدوام، و(لا يحتفظ الأمير بسلطة التشريع إلا من حيث هوممثل لإرادة الشعب) (123).
ويمكن حتى ينيب الشعب عنه في ممارسة سيادته عدداً كبيراً من الناس أوعدداً قليلاً منهم أوفرداً واحداً. وتصلح الديمقراطية، والأرستقراطية، والملكية إذا صلحت القوانين وحسن تطبيقها. ويمكن القول بوجه عام حتى خير أنواع الحكومات هوالحكومة الملكية الدستورية، لأنها تمكن للوحدة، والاستمرار، والاستقرار. (وحكم الجماهير) كما يقول هوميروس (على يد الفرد خير من حكمهم على أيدي الكثيرين) (124). غير حتى الأمير أوالملك يجب حتى يختاره الشعب من أية طبقة حرة من السكان(125)؛ وإذا استبد الملك وجب خلعه بعمل منظم يقوم بع الشعب(126)، ويجب حتى يظل على الدوام خادم القانون لا سيده.
والقانون ثلاثة أنواع: قانون طبيعي مثل (القوانين الطبيعية للكون)؛ والهي كالقوانين الواردة في الكتاب المقدس، وبشري أووضعي كالقوانين التي تسنها الدولة. وقد اصبح النوع الثالث منها ضرورياً بسبب ما في طباع الناس من انفعالات، وبسبب قيام الدولة. ومن اجل هذا كان آباء الكنيسة يعتقدون ان الملكية الفردية تتعارض مع الشريعتين الطبيعية والإلهية، وإنها نتيجة لنزعة الإنسان في ارتكاب الآثام. لكن تومس لا يعترف بان الملكية تتعارض مع القوانين الطبيعية؛ فهويبحث عن حجج الشيوعيين في أيامه ويرد عليهم كما يرد أرسطوبأنه إذا كان جميع واحد من الناس يملك جميع شيء فان أحداً من الناس لا يعنى بأي شيء(127). غير حتى الملكية الفردية - في رأيه - وديعة عامة، (فالإنسان يجب إلا يمتلك الأمور الخارجية على إنها ملكه الخاص بل على إنها ملك عام، وبذلكقد يكون على استعداد لان ينقلها الى غيره من الناس إذا ما احتاجوا إليها)(128). وإذا ما اشتهى الإنسان الكثير الزائد من الثروة، أوسعى إلى اكثر مما يحتاجه منها لحفظ مركزه في الحياة، كان طامعاً أثيما(129). (وكل ما يمتلكه بعض الناس اكثر من حاجتهم إنما يقصد به حسب القانون الطبيعي مساعدة الفقراء) و(إذا لم يوجد علاج آخر فان من حق الإنسان حتى يسد حاجته من ملك غيره، بالاستيلاء عليه سراً أوجهراً)(130).
ولم يكن تومس الرجل الذي يجعل الاقتصاد فهماً مملا غير شيق بفصله عن الأخلاق. فكان يؤمن بحق الجماعة في تنظيم أعمال الزراعة، والصناعة، والتجارة، والإشراف على الربا، وبلغ منه حتى طالب بتحديد (ثمن عادل) للخدمات والسلع. وكان ينظر بعين الريبة الى عملية الشراء بثمن منخفض والبيع بثمن مرتفع. ويندد اشد التنديد بجميع أنواع المضاربة في التجارة، وبكل المحاولات التي تبذل للحصول على الكسب بالمهارة في الاستفادة من السوق(131). وكان يعارض من الإقراض بفائدة، ولكنه لا يرى إثماً في الاقتراض (لغرض طيب) من مقرض محترف(132). ولم يكن أرقى من أهل زمانه في نظرته الى الاسترقاق، فقد كان الفقهاء السوفسطائيون، والراقيون، والرومان، يفهمون ان الناس (بطبيعتهم) أحرار؛ وكان آباء الكنيسة يوافقون على الرق ويفسرونه كما يفسرون الملك بأنه ناشئ من نزعة الإنسان الآثمة التي كسبها نتيجة لسقوط آدم. وبرر أرسطوصديق الأقوياء الرق بزعمه ان نتيجة عدم المساواة الطبيعية في الإنسان، وحاول تومس حتى يوفق بين هذه الآراء المتعارضة: فنطق أنه لم يكن ثمة رق في حالة البراءة، أما سقوط آدم فقد عثر حتى من الخير إخضاع السذج للعقلاء، لان من لهم أجسام قوية وعقول ضعيفة فقد أريد لهم بحكم الطبيعة حتىقد يكونوا أرقاء(133). لكن العبد ليس ملكاً لسيده إلا بجسمه لا بروحه؛ وليس العبد مرغماً على قبول الاتصال الجنسي بالسيد، ويجب حتى تتبع قواعد الأخلاق المسيحية بأجمعها في معاملة العبد.
الدين
وبدا لتومس انه ما دامت المسائل الاقتصادية والسياسية في آخر الأمر مسائل اخلاقية، فان من العدل حتى يوضع الدين في مرتبة أعلى من مرتبة السياسة والصناعة، وان تخضع الدولة في مسائل الأخلاق لرقابة الكنيسة وإرشادها.
وحدثا سمت أغراض السلطة ازداد نبلها؛ ويجب حتى يخضع ملوك الأرض، الذين يهدون الناس إلى السعادة الدنيوية، لسلطان البابا الذي يهدي الناس إلى السعادة الأبدية. على انه يجب حتى تظل الدولة صاحبة السلطان في الشئون الدنيوية، غير حتى من حق البابا في هذه الشئون نفسها حتى يتدخل إذا خالف الحكام قواعد الأخلاق الصالحة أوتسببوا في الأضرار بشعوبهم إضراراً كان يستطاع تجنبه. ولهذا فمن حق البابا حتى يعاقب الملك المسيء أويعفي رعاياه من يمين الولاء له؛ وفوق هذا فان من واجب الدولة إذا تحمي الدين، وتؤيد الكنيسة، وتنفذ قراراتها(134).
والمهمة العليا للكنيسة حتى تهدي الناس إلى سبيل النجاة؛ وليس الإنسان مواطناً في هذه الدولة الأرضية وحدها، بل هوفوق ذلك مواطن في مملكة روحية اعظم إلى ابعد حد من أية دولة أخرى. وحقائق التاريخ الكبرى تنبئ إذا الإنسان قد ارتكب جرماً لا حد له بعصيان الله، فاستحق بهذا العصيان عقاباً لا حد له، وان الله الابن قد اصبح إنساناً وقاسى العار والموت، وانه قد خلق رصيداً من البركة المنجية يستطيع الإنسان حتى ينجوبه رغم خطيئته الاولى؛ والله يهب من يشاء من هذه البركة ما يشاء؛ وليس في مقدورنا ان نتبين مسببات اختياره، ولكن (ما من أحد من الناس قد بلغ من الجنون حداً يقول معه إذا الجدارة هي سبب الاختبار الإلهي)(135). وتتردد عقيد بولس وأوغسطين الرهيبة في أقوال تومس الرفيق الظريف:
(من الخير حتى يسير الله الإنسان بقضائه وقدره، لان الأمور جميعاً خاضعة لمشيئته... وإذا كان الناس قد هيئوا للحياة السرمدية بمشيئة الله، فان من مشيئة الله أيضاً حتى يسمح لبعضهم حتى يعجزوا عن بلوغ هذه الغاية، وهذا هوما يسمى (الشقاء)... وإذا كان قضاء الله وقدره يضم إرادته في حتى يهب البركة والمجد، فان الشقاء أيضاً يضم إرادته في حتى يسمح لشخص ما ان يقع في الخطيئة، وان يعاقب على تلك الخطيئة بعذاب الجحيم.. (اختارنا فيه قبل تأسيس العالم)(136).
ويبذل تومس ما وسعه من جهد ليوفق بين قضاء الله وقدره وبين حرية البشر، ويبين لم يجب على الإنسان الذي قدر له مصيره حتى يعمل لكسب الفضيلة، وكيف تستطيع الصلوات حتى تؤثر في الله الذي لا يتغير ولا يتحول، وماذاقد يكون عمل الكنيسة في مجتمع قسم أفراده من قبل إلى ناجين ومعذبين،يا ترى؟ وهويجيب عن هذا بان جميع ما هنالك حتى الله قد عهد من قبل ما يفترض أن يختاره جميع إنسان بحريته؛ وهويفترض حتى الوثنيين جميعهم من المعذبين مع جواز استثناء عدد قليل منهم بعث الله إليهم بوحي شخصي خاص .
واعظم ما يناله الناجون من السعادة هوفي رأيه رؤية الله؛ وليس معنى هذا انهم سيفعمونه؛ إذ لا يفهم اللانهائي غير اللانهائي؛ بيد حتى المنعمين بما ينفخ فيهم من النعمة الإلهية يفترض أن يشهدون جوهر الله(139). وبما حتى الخليقة كلها قد نشأت من الله فأنها ستعود الى الله، والنفس البشرية التي هي منحة من كرمه لا تستريح حتى تعود فتنضم الى مصدرها. إلى غير ذلك تتم الدورة المقدسة دورة الخلق والعودة، وتختتم فلسفة تومس كما بدأت بالله.
كيف استقبلت فلسفة تومس؟
لقد رأت الكثرة الغالبة من معاصريه إنها تكديس فضيع للاستدلالات الوثنية شديدة الخطر على الدين المسيحي؛ وصدمت مشاعر الرهبان الفرنسيس الذين كانوا يسلكون لفهم الله طريق الحب الصوفي الذي يقول به أوغسطين (نزعة) تومس (العقلية)، وحملة العقل فوق الارادة، والفهم فوق الحب. وعجب الكثيرون كيف من الممكن أن يمكن النادىء والصلاة لإله فاتر، سلبي، يُعبد كالإله الموصوفي في كتاب الخلاصة،يا ترى؟ وكيف يمكن حتىقد يكون عيسى جزءاً من هذا المعنى المجرد،يا ترى؟ وماذا كان يقول القديس فرانسس عن الله أوبأي شيء كان يتحدث إليه،يا ترى؟ وبدا لهم قوله حتى الجسم والنفسقد يكونان وحدة سيقضى على عقيدة خلود النفس وعدم فسادها، وقوله حتى المادة والصورة وحدة ستؤدي، رغم إنكار تومس المتكرر، إلى الانحدار إلى نظرية ابن رشد القائلة بان العالم أزلي، وإن المادة، لا الصورة، هي مبدأ الانفرادية سيحول دون التفرقة بين نفس ونفس، وينحدر بنا إلى نظرية ابن رشد القائلة بوحدة النفس وخلودها اللاشخصي. وشر من هذا كله حتى غلبة أرسطوعلى أوغسطين في فلسفة تومس قد بدت للرهبان الفرنسيس كأنها فوز للوثنية على المسيحية. ألا يوجد من الآن في جامعة باريس مفهمون وطلاب يحملون خط أرسطوفوق الأناجيل،يا ترى؟
ودافعت المسيحية (السنية) عن نفسها في الربع الثالث من القرن الثاني عشر من فلسفة تومس الأرسطوطيلية، كما قاوم أهل السنة المسلمون ابن رشد لاعتناقه فلسفة أرسطوونفوه، وكما حرق اليهود السنيون في بداية القرن الثالث عشر خط ابن ميمون لنزعته الأرسطوطيلية. فقد وقع في عام 1277 حتى اصدر أسقف باريس بإيعاز البابا يوحنا الحادي والعشرين مرسوماً باعتبار 219 قضية من قضايا تومس خروجا على الدين. وكان من بين هذه القضايا ثلاث (بنوع خاص) اتهم بها الأخ تومس، وهي قوله ان الملائكة لا أجسام لها، وان جميع واحد منهمقد يكون بمفرده نوعاً منفصلاً عن غيره؛ وان المادة أساس الانفرادية؛ وان الله لا يستطيع مضاعفة الأفراد في نوع ما من غير المادة. ونطق الأسقف حتى جميع من يعتنق هذه العقائد يعد بهذا العمل وحده محروما من الدين. وبعد أيام قلائل من صدور هذا المرسوم اقنع ربرت كلواردبي Robert Kilwardby أحد كبار الرهبان الدمنيك أساتذة جامعة أكسفورد بان ينددوا ببعض عقائد تومس ومنها وحدة النفس والجسد في الإنسان.
وكان قد مضى على وفاة تومس في ذلك الوقت ثلاث سنين، ولم يكن في وسعه حتى يدافع عن نفسه، ولكن ألبرت أستاذه القديم اندفع من كولوني الى باريس واقنع رهبان فرنسا الدمنيك بان يشدوا أزر زميلهم وأخيهم. ودخل راهب فرنسيسي يدعى وليم ده لا مارWilliam de la Mare في المعركة برسالة سماها:Correctorium fratris Thomae يقول فيها ان تومس على حق في 118 نقطة، فقام راهب فرنسيسي آخر يدعى يوحنا بكنهام، كبير أساقفة كنتر برى يندد رسمياً بفلسفة تومس وينادي بالعودة الى بونا فنتورا والقديس فرانسس. وانضم دانتي الى المتنازعين فصاغ من فلسفة تومس فلسفة معدلة كانت الإطار العام الذي وضع فيه الملهاة المقدسة، واختار تومس ليقوده على السلم الموصل إلى أعلى سماء. ودامت الحرب مائة عام اقنع بعدها الرهبان الدمنيك البابا يوحنا الثاني والعشرين ان تومس من القديسين، وكان تقديسه (1323) فوزاً لفلسفته. ووجد المتصوفة من ذلك الوقت في كتاب الخلاصة(140). اعمق واوضح عرض للحياة الصوفية الفكرية. ولما عقد مجلس ترنت (1545- 1563) وضع كتاب الخلاصة على المذبح إلى جانب الكتاب المقدس وكتاب القوانين الكنسية(141). وفرض إجناتيوس ليولاIgnatius Loyola على اليسوعيين حتى يفهموا فلسفة تومس، وقرر البابا ليوالثالث عشر في عام 1879، والبابا بندكت الخامس عشر في عام 1921 حتى تكون مؤلفات تومس الفلسفة الرسمية للكنيسة الكاثوليكية، وان لم يعلنا حتى هذه المؤلفات سليمة من الأخطاء؛ وهذه الفلسفة تدرس الان في جميع كليات الروم الكاثوليكية؛ وقد كسبت لها فوزاً جدداً في وقتنا الحاضر، وان كان لها نقاد من بين فهماء الدين الكاثوليك، وهي الآن من أقوى أنظمة التفكير الفلسفي تأثيراً وأبقاها على الزمن، لا تقل في ذلك عن الأفلاطونية والأرسطوطيلية.
وبعد فان من السهل على من يقف الآن على كتفي السبعمائة العام الأخيرة حتى يشير في مؤلفات أكوناس إلى بعض العناصر التي لم تثبت الأيام صحتها. وان مما يعيبه ويشرفه معاً انه كان كثير الاعتماد على ارسطو، وبقدر هذا الاعتماد كان يعوزه الابتكار ويظهر من الشجاعة ما أثار السبل للعقول في العصور الوسطى. وعنى تومس بالحصول على تراجم دقيقة لأرسطومنقولة عن اللغة اليونانية مباشرة، فكان لهذا يجيد فهم مؤلفاته الفلسفية (لا الفهمية) اكثر مما يجيد معهدتها أي مفكر آخر في العصور الوسطى عدا ابن رشد. ولم يكن يستكشف حتى يأخذ الفهم عن المسلمين واليهود، ويعامل فلاسفتهم باحترام صادر عن وثوقه بنفسه. وإنا لنجد في نظامه الفلسفي قدراً كبيراً من السخف والأباطيل التي نجد مثلها في جميع الفلسفات التي لا تتفق مع فلسفتنا؛ وان من اعجب الأمور حتى يخط هذا الرجل المتواضع بمثل ما خط من الطول عن الكيفية التي يعهد بها الملائكة ما يعهدون، وعما كان عليه الإنسان قبل سقوطه، وعما كان يؤول إليه أمر الجنس البشري لولا رغبة حواء في الفهم. ولعلنا نخطئ إذ نفكر فيه على انه فيلسوف، فقد كان هونفسه أميناً إذ سمى مؤلفه كتاباً في فهم الدين، ولم يدع انه يسير وراء العقل الى حيث يقوده، ويعترف انه يبدأ بنتائجه، وهوعمل يسمه معظم الفلاسفة بأنه خيانة للفلسفة وان كانت كثرتهم تعمله. وقد كان مجال بحثه أوسع مما جرؤ عليه مفكر بعده عدا سبنسر، وكان في جميع ميدان واضحاً هادئ المزاج بعيداً عن المغالاة يبحث عن الطريقة الوسطى المعتدلة، ومن أقواله في هذا المعنى (أن الرجل العاقل يخلق النظام) (142). ولم يفلح في التوفيق بين أرسطووالمسيحية، ولكنه وهويحاول هذا التوفيق كسب للعقل نصراً مؤزراً سيدوم على مدى الأيام، فقد قاد العقل أسيراً إلى قلعة الدين؛ ولكنه قضى بفوزه على عصر الإيمان.
انظر أيضاً
- أعمال توما الأكويني
- Dominican Order
- مؤسسات سميت على اسم توما الأكويني
- الأكاديمية النباتية للقديس توما الأكويني
- تومية
- Aristotelianism
- School of Salamanca, 16th century Spanish Thomists
- Bartholomew of Lucca, Aquinas's friend and confessor
- Etienne Gilson, Jacques Maritain, G.E.M. Anscombe, and Alasdair MacIntyre (all recent Thomists)
- High Middle Ages
- Christian mystics
- Flying Saints
هامش
- ^ توما الأكويني. موسوعة الفلسفة- الجزء الأول. المؤسسة العربية للدراسات والنشر
المصادر
- "Bibliography of Additional Readings" (1990). In Mortimer J. Adler (Ed.), Great Books of the Western World, 2nd ed., v. 2, pp. 987-988. Chicago: Encyclopedia Britannica.
- Craig Paterson & Matthew S. Pugh (eds.) Analytical Thomism: Traditions in Dialogue. Ashgate, 2006.
- This article incorporates text from a publication now in the public domain: Jackson, Samuel Macauley, ed. (1914). "". New Schaff-Herzog Encyclopedia of Religious Knowledge (third ed.). London and New York: Funk and Wagnalls.
- تحوي هذه الموضوعة معلومات مترجمة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية لسنة 1911 وهي الآن من ضمن الملكية العامةarticle "Thomas Aquinas".
وصلات خارجية
بقلم الأكويني
- Summa contra Gentiles
- Summa Theologica
- The Principles of Nature
- On Being and Essence (De Ente et Essentia)
- Catena Aurea (partial)
- Corpus Thomisticum - the works of St. Thomas Aquinas (Latin)
- أعمال من Thomas Aquinas في مشروع گوتنبرگ
- Bibliotheca Thomistica IntraText: texts, concordances and frequency lists
- St Thomas' Multilanguage Opera Omnia
عنه الأكويني
- An Aquinas Bibliography
- Catholic Encyclopedia article on Thomas Aquinas
- Article on Thomism by the Jacques Maritain Center of Notre Dame University
- Biography of Aquinas by G. K. Chesterton (Warning: protected by copyright outside of Australia)
- On the legend of St. Albert's automaton
- Aquinas on Intelligent Extra-Terrestrial Life
- Poetry of St. Thomas Aquinas
- entry
- Biography and ideas at SWIF/University of Bari/Italy
- Aquinas's Moral, Political and Legal Philosophy
- Aquinas the Scholar from The Thirteenth, the Greatest of Centuries, ch. XVII. by James Joseph Walsh
- Thomistica.net news and newsletter devoted to the academic study of Thomas Aquinas