الوِبّ الظل

عودة للموسوعة

الوِبّ الظل

الوِبّ الظل Shadow web

للحكومات والشركات سيطرة على الإنترنت أكثر من أي وقت مضى. والآن يرغب الناشطون الرقميون في بناء شبكة بديلة لا يمكن إيقافها أوترشيح محتوياتها أوإغلاقها أبدا.

باختصار

صُممت الإنترنت لتكون نظاما موزعا يمكن فيه لكل عقدة حتى تتصل بالكثير من العقد الأخرى. وساعد هذا التصميم على جعلها مقاومة للرقابة أوللهجوم الخارجي.

ولكن، في الواقع العملي، يقع معظم المستخدمين الأفراد على أطراف الشبكة، ويرتبطون معها بواسطة مزود خدمة الإنترنت فقط. فإذا جرى إيقاف هذا المزود عن العمل، أدى ذلك إلى منع نفاذهم إلى الإنترنت.

ثمة حل بديل وشيك الظهور على شكل شبكات عُرَوية (1) mesh networks لاسلكية، وهي نظم بسيطة تربط المستخدمين النهائيين معا، وتلتف آليا على إجراءات الإيقاف والرقابة.

إلا حتى أي شبكة عُرَوية بحاجة إلى وجود عدد أصغري من المستخدمين على الأقل كي تعمل على نحومناسب. ولذا على المطورين إقناع المستخدمين المحتملين بمقايضة سهولة الاستخدام بالمزيد من الخصوصية وحرية النفاذ.

بعد منتصف ليلة 28/1/2011، وبعد حتى قابلت الحكومة المصرية ثلاثة أيام كاملة من المظاهرات المناهضة التي نُظِّمَ بعضها جزئيا عبر المسقط فيسبوك وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي، قامت بسابقة في تاريخ الاتصالات في القرن الحادي والعشرين بترت فيها اتصالات الإنترنت. وبقيت الكيفية التي عملت بها ذلك غير واضحة، ولكن الدلائل تشير إلى حتى خمس مكالمات هاتفية من جهات نافذة مع مزودي خدمة الإنترنت الأساسيين في البلاد هي جميع ما لزم. فسجلات تسيير الحركة في الشبكة، تشير إلى حتى مزود الخدمة الرئيسي، وهوالمصرية للاتصالات(2)، قد بدأ ببتر اتصالات زبائنه بالإنترنت في الساعة 12:12 ليلا بتوقيت القاهرة. وفي غضون الدقائق الثلاث عشرة التالية، تبعته المزودات الأربعة الأخرى. وفي الساعة 40:12 ليلا اكتملت العملية. ويقدر حتى نسبة 93% من وصلات الإنترنت في مصر أصبحت حينئذ غير متاحة. وعند شروق شمس اليوم التالي، شق المحتجون طريقهم إلى ميدان التحرير في ظل ظلام رقمي تام تقريبا.

لم يحقق بتر الإنترنت، من الناحيتين التكتيكية والاستراتيجية، مكاسب كثيرة، فقد كانت الحشود في ذاك اليوم ضخمة جدا، وسيطر المتظاهرون على الساحة. إلا حتى الدرس العملي المتمثل بعدم مناعة الإنترنت من الإيقاف بأوامر عليا، كان مقلقا وربما متأخرا.

لقد بُذلت مساع كثيرة بخصوص مقدرة الإنترنت على مقاومة السيطرة عليها. ويُذكر حتى الأصول التقانية لهذه الشبكة تعود إلى السعي في حقبة الحرب الباردة إلى بنية تحتية للاتصالات على درجة من المناعة لا تستطيع عندها حتى الهجمات النووية إيقافها. ومع حتى ذلك سليم نسبيا فقط، فإنه يشير على بعض القوة المتأصلة في تصميم الإنترنت اللامركزي الأنيق. فبوجود المسارات الفائضة المتعددة بين أي عقدتين من الشبكة، ولمقدرتها على استيعاب عقد جديدة بطرفة عين، فإن البروتوكول TCP/IP، الذي يُعرِّف الإنترنت، يستطيع ضمان استمرار تدفق البيانات بغض النظر عن عدد العقد المتوقفة، وعن كون توقفها ناجما عن قنبلة ذرية أوعن حكومة مستبدة. ووفقا لمقولة ناشط الحقوق الرقمية <J. گيلمور> الشهيرة: «تُفسِّر الإنترنت الرقابة على أنها عطل وتلتف عليه.»

ذاك هوما صُمِّمت الإنترنت لتعمله على أية حال. ولكن إذا استطاعت خمس مكالمات هاتفية بتر النفاذ إلى الإنترنت عن 80 مليون مصري، فإن الأمور لم تسر تماما على ذلك النحوعمليا. ولم يكن إيقاف الإنترنت في مصر إلا مثالا صارخا من قائمة متنامية من الحالات التي تبين عدم مناعتها من السيطرة عليها من جهات عليا. ففي أثناء الثورة التونسية قبل شهر من ذلك، اتبعت السلطات نهجا أكثر تخصيصا بحجبها مواقع معينة فقط من شبكة الإنترنت الوطنية. وفي الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات الإيرانية في عام 2009، قلصت السلطات حركة الإنترنت على المستوى الوطني بدلا من إيقافها كليا. ووفر «جدار النار العظيم»(3) للحكومة الصينية طوال سنوات مقدرة على حجب أي مسقط تختاره. وفي الديموقراطيات الغربية، جاز ائتلاف مزودي خدمة الإنترنت لعدد متناقص من الشركات بالتحكم في حصص متزايدة من حركة الإنترنت، معطيا مزودي خدمة مثل كومكاسْت Comcast وAT&T الحافز والقوة لتوسيع الحركة المقدمة من قبل شركات اتصالات حلفائهم على حساب منافسيهم.


[كيف تعمل

مخاطر الشبكات المركزية] عندما هددت الاحتجاجات التي أججها الفيسبوك الحكومة المصرية في السنة الماضية، اختفت الإنترنت من مصر. وتشير السجلات إلى حتى جميع مزودي خدمة الإنترنت الرئيسيين في مصر بتروا اتصالات المستخدمين ببعضهم خلال بضع دقائق. والنظام الوحيد الذي لم يختف هومجموعة نور Noor Group التي كانت تخدم سوق الأوراق المالية المصرية، والتي أغلقت بعد أربعة أيام.

شبكات التخديم المحلي الشائعة يعتمد مستخدموالإنترنت حاليا على وصلة وحيدة للوصول إلى الشبكة العامة، وهي الوصلة التي يوفرها مزود خدمة الإنترنت الذي يقدم خدماته إلى ملايين الأفراد. فإذا توقف مزود خدمة إنترنت، عثر كافة زبائنه أنفسهم في عتمة رقمية digital darkness.

الشبكات العُرَوية اللامركزية في الشبكة العُرَوية، يمكن لكل مستخدم استقبال معلومات وإرسالها، وأنقد يكون وسيطا لنقل معلومات الآخرين نيابة عن بقية الحواسيب الموصولة بالشبكة. وفي هذه الحالة، يمكن لإيقاف مزود خدمة الإنترنت حتى يبطئ الاتصالات، إلا حتى الشبكة الظل تُبقي الاتصالات قائمة من خلال تسييرها للمعلومات بالالتفاف على المسارات الرئيسية.

ما الذي جرى وهل يمكن إصلاحه،يا ترى؟ هل يمكن للإنترنت حتى تعود إلى العمل ثانية بمرونة ديناميكية كإنترنت گيلمور(4) المثالية، وأن تقاوم بنيويا سيطرة الحكومات والشركات عليها،يا ترى؟ ثمة مجموعة صغيرة، ولكنها متفرغة، من النشطاء الرقميين، تعمل على ذلك. وفيما يلي طريقة لتحقيق هذا الهدف.

إنه عصر يوم صيفي مشمس في محطة توليد الكهرباء في ڤاين زِمَّرينگ Wien-Semmering في ڤينا بالنمسا. وقد أمضى A. كاپلان الدقائق السبع السابقة محصورا في مصعد خدمة ضيق مظلم متوجها إلى أعلى برج مدخنة المحطة الذي يبلغ ارتفاعه 200 متر، وهوأعلى منشأة في المدينة. وعندما وضع كاپلان قدميه أخيرا على المنصة في قمة المدخنة، كان المشهد المحيط به رحبا، وظهرت فيه تلال سفوح جبال الألب غربا، وسهول الحدود السلوڤاكية الخضراء شرقا، والدانوب المتلألئ في الأسفل. ولكن كاپلان لم يأت إلى هنا للاستمتاع بالمشهد، بل تقدم مباشرة إلى حافة المنصة لفحص أربعة مُسيِّرات(5) Wi-Fi لاسلكية صغيرة محمية من العوامل الجوية ومثبتة على سور المنصة الخارجي.

تشكل هذه المسيِّرات عقدة واحدة في شبكة مجتمعية غير ربحية تسمى فُنكفويَر FunkFeuer، أي منارة راديوية، وقد أسهم كاپلان في تأسيسها بصفته المطور الرئيسي لها. وترتبط الإشارات التي ترسلها هذه المسيرات وتلتقطها، بطريقة مباشرة أوغير مباشرة، بنحو200 عقدة مماثلة منتشرة على أسطح المباني في ڤينا الكبرى، ويمتلكها ويصونها المستخدمون الذين قاموا بهجريبها لديهم، وتمثل عرض حزمتها جزءا من وصلة إنترنت مشترَكة عالية السرعة يصل مداها واتساع رقعتها إلى حيث يستطيع كاپلان رؤيته من قمة المدخنة.

تُعهد فنكفوير بما يسمى بالشبكة العُرَوية اللاسلكية(6). وليس لهذه الشبكة رسوم للاتصال، وكل ما يلزمك هوجهاز يبلغ ثمنه 150 دولارا (مسيِّر لينكسيس Linksys، مثلا، موضوع في علبة بلاستيكية، وفقا لقول كاپلان ، وسطح لوضع المسيّر عليه، وخط نظر للاتصال بعقدة واحدة على الأقل. وليس الاتصال الراديوي المباشر بأكثر من بضع عقد أخرى ضروريا، لأن جميع عقدة تعتمد على جاراتها لتمرير أي بيانات ترغب في إرسالها إلى العقد التي لا تستطيع بلوغها. وفي الأشهر الأولى لهذه الشبكة، وبعد حتى أطلقها <كاپلان> وصديقه <M. باور> في عام 2003، لم يتجاوز عدد عقدها الكلي 12 عقدة، وكان نمط الإرسال فيها، المتسلسل من عقدة إلى أخرى، متبترا وغير متجانس؛ وعندما كانت تتعطل عقدة واحدة فقط، كان احتمال انقطاع الاتصال بين بقية العقد مرتفعا، وأهم من ذلك، كانت الوصلة الخارجة إلى الإنترنت تنبتر أيضا. ويستذكر كاپلان حتى الحفاظ على الشبكة وهي تعمل على مدار الساعة كان «أمرا صعبا.» فقد قام مع <باور> بزيارات منزلية عديدة للمساعدة على إصلاح عقد المستخدمين المتعطلة، ومنها زيارة في الساعة الثانية صباحا صعدا خلالها إلى السطح في أثناء عاصفة ثلجية بلغت درجة الحرارة فيها 15 درجة مئوية تحت الصفر.

وأخذت الشبكة فنكفوير بالنمومع ازدياد فهم المجتمع المحلي التقنية بما توفره وفقا لمبدأ «عالجها بنفسك.» وعندما أصبح عدد العقد بين 30 و40 عقدة، غَدَتْ الشبكةُ ذاتيةَ الاستمرار بالعمل. فقد كان توزعها الهندسي غنيا بقدر كاف لتمكين أي عقدة من العثور دائما على مسار بديل كانت توفره عقدة قبل حتى تخرج من الخدمة، وذلك بعد حتى تجاوز عدد عقد الشبكة العدد الأصغري اللازم «لانطلاق سحر الشبكات العُرَوية،» وفقا لقول <كاپلان>.

وتُعدُّ تقانة الشبكات العُرَوية تقانة جديدة نسبيا، ولكن «السحر» الذي يتحدث عنه كاپلان ليس جديدا، فهي تتبع المبدأ نفسه الذي قامت عليه سمعة الإنترنت منذ نشأتها من حيث المرونة البنيوية. فبموجب مبدأ «الخََزِّن والإرسال(7)» store-and-forward بطريقة ابتدال الرزم(8) packet-switched، يستطيع أي حاسوب مرتبط بالشبكة إرسال المعلومات واستقبالها، إضافة إلى توجيهها نيابة عن غيره من الحواسيب أيضا، ولذا يُعدُّ سمة بنيوية أساسية في الإنترنت منذ نشوئها. فهوالذي يحقق ببساطة الوفرة في مسارات النقل المتاحة التي تمكِّن الشبكة من «الالتفاف على العطل.» إنه هوالذي يجعل الإنترنت صعبة الإيقاف، نظريا على الأقل.

لوكان واقع الإنترنت العملي حاليا أكثر قربا من تصميمها النظري، لكانت الشبكات العُرَوية غير ضرورية. ولكن منذ حتى تخطت الإنترنت أصولها الأكاديمية في العقدين الأخيرين وغدت خدمة تجارية عميمة على النحوالذي هي عليه الآن، تناقصت أهمية الدور الذي يؤديه مبدأ الخزن والإرسال. فالغالبية العظمى من العقد التي أضيفت إلى الشبكة في تلك الفترة هي حواسيب منازل وأعمال رَبَطَها بالإنترنت مزودوخدمة إنترنت. ووفقا لنموذج الربط عبر المزودين، لا يمثل حاسوب الزبون محطة وسيطة، بل هونقطة انتهائية أوعقدة طرفية مبرمجة للإرسال والاستقبال عبر حواسيب مزود الخدمة حصرا فقط. وبحدثات أخرى، لم يضِف نموالإنترنت الانفجاري مسارات جديدة إلى خريطة الشبكة بقدر ما أضاف إليها من مسارات وحيدة المنفذ، وهذا ما جعل مزودي الخدمة وغيرهم من شركات الاتصالات، نقاطا مركزية للتحكم في مئات ملايين العقد التي يخدمونها. وفي هذه الحالة، لا تتوفر لتلك العقد إمكانية الالتفاف على العطل حين تعطُّل مزود الخدمة أوإيقافه. وفي المحصلة، وبدلا من حتى يجعل المزودون الإنترنت صعبة الإيقاف، أصبحوا هم أداة الإيقاف.

أما الشبكات العُرَوية فتعمل تماما ما لا يعمله مزود خدمة الإنترنت: فهي تجعل حاسوب المستخدم النهائي يعمل بوصفه محطة وسيطة لنقل البيانات. وبحدثات أقل تقنية، تحول المستخدمين من مجرد مستهلكين للإنترنت إلى مزودي إنترنت لأنفسهم [انظر المؤطر في الصفحة اللقاءة]. وإذا أردت تلمس معنى ذلك على نحوأفضل، تقدر النظر إلى ما كان يمكن حتى يحدث بتاريخ 28/1/2011 لوتواصل المصريون بطريقة الشبكات العُرَوية بدلا من التواصل عبر بضعة مزودي خدمة. ففي الحد الأدنى، كان إغلاق الشبكة سيتطلب أكثر بكثير من خمس مكالمات هاتفية. فنظرا لأن جميع مستخدم في الشبكة العُرَوية يمتلك جزءا صغيرا من البنية التحتية الشبكية ويتحكم فيه، فإن إيقافها كان سيتطلب عددا من المكالمات الهاتفية يساوي عدد المستخدمين، إضافة إلى إقناع معظم أولئك المستخدمين بإيقاف الخدمة، وهوعدد أكبر كثيرا من عدد المديرين التطبيقيين لدى مزودي الخدمة.

يُعدّ S. ماينراث شخصا مفتاحيا في مشهد الشبكات العُرَوية المجتمعية منذ ظهورها. فقد ساعد في أثناء دراسته الجامعية بجامعة Illinois على البدء بإنشاء شبكة تشامپين أوربانا المجتمعية اللاسلكية (CUWiN)، وهي من أولى تلك الشبكات في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي فترة لاحقة، شارك في تكوين فريق طوارئ من المتطوعين بعد إعصار كاترينا قام بإنشاء شبكة لاسلكية على عجل امتدت مسافة 60 كيلومترا من المنطقة المنكوبة، وأعادت الاتصالات إلى العمل في الأسابيع الأولى بعد الإعصار. وخلال مسيرته المهنية، انتقل إلى مدينة واشنطن بغية تأسيس شركة أعمال خاصة في مجال الشبكات اللاسلكية المجتمعية، ولكن بدلا من تحقيق ذلك، «اصطادته،» على حد قوله، مؤسسة أمريكا الجديدة(9)، وهي خزان أفكار ذوقدرات عالية، ووظفته فيها لتوليد مبادرات تقانية جديدة والإشراف عليها. وهناك أطلق في وقت مبكر من العام السابق مشروع كومُّوشِن Commotion اللاسلكي، وهومشروع حديث في الشبكات العُرَوية اللاسلكية المفتوحة المصدر، جرى دعمه بمنحة من وزارة الخارجية الأمريكية مقدارها مليونا دولار.

والهدف القريب الأجل للمشروع هوتطوير تقانة قادرة على «إبطال أي إيقاف تام للشبكة وأي نوع من أنواع الرقابة المركزية،» وفقا لقول ماينراث ولتوضيح الفكرة، أنشأ ماينراث مع زملائه من المطورين الأساسيين لمشروع كومُّوشِن ما أسموه نموذجا أوليا لـ «إنترنت في حقيبة،» وهومجموعة صغيرة متكاملة من عتاديات الاتصال اللاسلكي ملائمة للتهريب إلى أراضي الحكومات التي تحجب الإنترنت. ومن هناك يمكن للمعارضين والناشطين توفير تغطية إنترنت لا يمكن إيقافها. وتلك الحقيبة هي تجميع لتقانات ليست تامة التكامل، ولكنها فعالة ومعروفة جيدا للمتحمسين للشبكات العُرَوية، ويمكن لأي هاوٍ تجميعها وتشغيلها.

أما السؤال الطويل الأجل الذي يطرحه ماينراث وزملاؤه فهو«كيـف يمكن جعل إعداد المنظومة سهلا لتطبيقه من قبل الـ 99.9% المتبقين من غير الهواة من الناس؟» لأنه حدثا زاد عدد مستخدمي الشبكة العُرَوية صعبا، ازدادت صعوبة إيقافها.

إن هذا جلي عدديا إلى حد ما: فالشبكة العُرَوية المؤلفة من 100 عقدة بحاجة إلى جهد أقل لإيقافها، عقدة تلوأخرى، من الجهد اللازم لإيقاف شبكة ذات 1000 عقدة. ولعل الأهم من ذلك هوحتى الشبكة العُرَوية التي هي أكبر تحتوي على وصلات أكثر مع الإنترنت العامة. وتصبح هذه الوصلات الصاعدة(10) uplinks إلى الإنترنت، وهي عقد البوابات الموزّعة المتناثرة والتي تمثل نقاط الاختناق بين الشبكة العُرَوية وبقية الإنترنت، أكثر مناعة مع زيادة حجم الشبكة العُرَوية. وبوجود مزيد من الوصلات الصاعدة الآمنة ضمن الشبكة العُرَوية المحلية، ينخفض عدد الاتصالات التي تتعرض للاضطراب بسبب انقطاع وصلة ما مع الشبكة العامة. ولما كان بإمكان أي عقدة في الشبكة العُرَوية حتى تصبح وصلة صاعدة باستخدام أي وصلة إنترنت خارجية يمكن العثور عليها (وصلة هاتفية عبر مزود خدمة أوهاتف خلوي ذكي موصول بالشبكة،) فإن ازدياد عدد عقد الشبكة العُرَوية يعني أيضا زيادة احتمال استعادة الاتصال بالعالم الخارجي سريعا.

وبحدثة واحدة، حجم الشبكة مهم. إلا حتى السؤال المفتوح لدى المهتمين بالشبكات العُرَوية عن المدى الذي يمكن توسيع حجم الشبكة إليه صار سؤالا ضاغطا. فحتى الإمكانية النظرية لاستيعاب الشبكات العُرَوية لعدد كبير من العقد من دون حتى يؤثر ذلك في أدائها تأثيرا ملموسا، يبقى موضع خلاف، تبعا للعدد الذي يمكن حتى يُعتبر مهما. وقبل بضع سنوات فقط، جادل بعض مهندسي الشبكات في حتى حجم الشبكة العُرَوية لا يمكن حتى يزيد على بضع مئات من العقد. ولكن أعداد العقد في كبرى الشبكات العُرَوية البحتة تصل حاليا إلى بضعة آلاف، وثمة عشرات من الشبكات المجتمعية المزدهرة، منها ما يستخدم بنى تحتية هجينة فقارية وعُرَوية(11) لجعل عدد العقد فيها يصل إلى 5000 عقدة (ومن أمثلتها شبكة مدينة أثينا اللاسلكية في اليونان)، وحتى إلى 000 15 عقدة (ومن أمثلتها الشبكة Guifi.net داخل مدينة برشلونة وما حولها). إلا حتى ثمة شكاً في إمكانية كون الشبكات العُرَوية أكبر من ذلك من ناحية تعامل البشر معها، آخذين في الحسبان كيف من الممكن أن ينظر معظم الناس إلى التعامل مع تقانات صعبة ومعقدة كالشبكات العُرَوية.

وخلافا لمعظم التقانات المفتوحة المصدر(12)، التي تسعى إلى التقليل من أهمية قابلة التخاطب(13) الودودة للمستخدم، بدأ أنصار الشبكات العُرَوية يدركون أهميتها لتبسيط عتادياتهم. ومع حتى المشروع كومُّوشِن ليس وحيدا في سعيه نحوجعل الشبكات العُرَوية أبسط استخداما، إلا أنه يقترح تبسيطا جذريا فريدا ينطوي على الاستغناء عن تجهيزات العقد العُرَوية من حيث المبدأ، بدلا من تسهيل هجريبها وتشغيلها في المنازل وأمكنة العمل. ويقول ماينراث : «الفكرة هي أنه تقدر إعادة تعريف أغراض الهواتف الخلوية والحواسيب المحمولة والمسيّرات اللاسلكية وغيرها،» ويقول أيضا: «وبناء شبكة مما هومتوفر عملا في جيوب الأشخاص وحقائب خطهم.» ويسمي ذلك بالشبكة «القائمة على تجهيزة المستخدم بوصفها بنية تحتية لها.» ووفقا للنموذج الذي يقترحه، فإن جميع ما تقتضيه إضافة عقدة أوأكثر إلى الشبكة هوتغيير وضعية مفتاح. يقول <ماينراث>: «من حيث الجوهر، تضغط زرا في جهازك الخلوي آيفون أوأندريود وتقول انضم إلى الشبكة . يجب حتى نصل إلى ذلك المستوى من السهولة.»

تخيل الآن عاَلما وصلت فيه الشبكات العُرَوية في النهاية إلى ذلك المستوى من السهولة، وتخلصت من العقبة التي تقابل قابلية الاستخدام الواسع النطاق لتصبح، إلى حد ما، مجرد تطبيق آخر يعمل في خلفية جهاز خلوي. فماذا يحدث بعدئذ،يا ترى؟ هل ستقلص التكلفة المنخفضة لخدمة إنترنت يشغِّلها مستخدموها، خيارات الإنترنت التجارية إلى حدّ حتى تُخلي آخر إقطاعيات تزويد خدمة الإنترنت المحلية، المجالَ أمام شبكة عُرَوية واحدة تغطي العالم كله؟

يرى أكثر المؤيدين للامركزية الشبكة حتى ذلك لن يحصل. «ففي رأي إذا هذا النوع من المنظومات يفترض أن يمثل دائما شبكة إنترنت ضعيفة،» وفقا لقول J. زيتران [الأستاذ في كلية الحقوق بهارڤارد، ومؤلف: «مستقبل الإنترنت: وطريقة إيقافها»(14)]. وسوف يسعد J. زيتران حتى يرى نهج الشبكات العُرَوية ناجحا، ولكنه يدرك أنه من الممكن لا يرقى أبدا، من حيث الكفاءة، إلى مستوى بعض الشبكات المتحكم فيها مركزيا. ويقول: «ثمة مزايا حقيقية للمركزية، منها سهولة الاستخدام.» ويشكك R. روك، [مؤسس الشبكة] أيضا في قدرة الشبكات العُرَوية على إخراج مزودي خدمة الإنترنت من العمل، وللسبب ذاته يرى حتى تلك الشبكات لن تستحوذ على أكثر من 15% من سوقها. ولكن حتى عند هذا المستوى المنخفض من النفاذ، يمكن للشبكات العُرَوية حتى «تُطهِّر السوق،» على حد قول روك، لأنها تفتح الإنترنت لذوي الدخل المنخفض الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة النفاذ إلى الإنترنت بطريقة أخرى، وتدفع بمزودي الخدمة المهيمنين إلى تخفيض الأسعار لجميع المستخدمين.

ولكن مهما كان مقدار الترحيب بتلك المفاعيل الاقتصادية، فإن المفاعيل المدنية التي هي أكثر أهمية، والمتمثلة بمقاومة الشبكات العُرَوية المبنية فيها للرقابة والحَجْب، بحاجة إلى حصة تزيد كثيرا على 15% من السوق كي تزدهر. وإذا كان من الواضح حتى قوى السوق وحدها لن تساعد الشبكات العُرَوية على بلوغ رقم أعلى، كان السؤال: من القادر إذاً على ذلك؟

عادة، عندما تخفق الأسواق في تقديم خدمة اجتماعية، فإن أولى الجهات التي يجري التوجه نحوها لإصلاح ذلك هي الحكومة. وفي هذه الحالة خصوصا، ليس ذلك مكانا سيئا للتوجه إليه. فالشبكة العُرَوية نفسها التي تلتف على الرقابة معتبرة إياها عطلا، تستطيع الالتفاف على عطل حقيقي بالكفاءة نفسها، وهذا ما يجعلها قناة اتصالات مثالية للقاءة الأعاصير والزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى التي عادة ما تتولى الحكومات مهمة الحماية منها. لذا يرى زيتران حتى من الحكمة حتى تسهم الحكومات بفعالية في نشر الشبكات العُرَوية، لا بين المعارضين في الدول الأخرى فحسب، بل بين مواطنيها أيضا. وكل ما يتطلبه ذلك هوحتىقد يكون جميع هاتف خلوي يباع في الولايات المتحدة مزودا بإمكانات شبكة طوارئ عُرَوية، بحيثقد يكون جاهزا ليتحول إلى عقدة وسيطة بمجرد الضغط على زر فيه. ومن ناحية السياسة العامة، يقول زيتران : «ينبغي بناء ذلك من دون إبطاء، وعلى هيئات الأمن الوطني وسلطات فرض القانون دَعْمُ ذلك.»

إلا أنه من السهل تصور العقبة المتمثلة بهيئات فرض القانون وهي تتهم شبكة عُرَوية وطنية بأنها وسيلة لتيسير اتصالات المجرمين والإرهابيين ببعضهم بعيدا عن شركات الهاتف وتزويد خدمة الإنترنت التي تسهل الرقابة. تلك هي التعقيدات التي يقابلها الاعتماد على الحكومة في دعم الشبكات العُرَوية، في الوقت الذي تكون فيه الحكومات هي غالبا التي تُحدِث الضرر الذي تَعِد الشبكات العُرَوية بإصلاحه.

لذا ثمة شك في حتىقد يكون من الممكن الاعتماد على قيام الحكومات بتلك المهمة على نحوأفضل مما تعمله الأسواق. إلا أنه لدى E. موگلِن بعض الأفكار بخصوص تحقيق ذلك. وموگلِن هوأستاذ حقوق في جامعة كولومبيا، وبقي سنوات كثيرة محاميا لمؤسسة البرمجيات الحرة Free Software Foundation، وهي مجموعة لا ربحية من الناشطين الرقميين. وفي الشهر 2/2012، مستوحيا جزئيا من الأخبار القادمة من تونس، أعرب موگلِن مشروعا أسماه فريدوم بوكس FreedomBox، أي صندوق الحرية. وأعرب أيضا أنه يبحث عن تمويل لتأسيس المشروع، وذلك على مسقط جمع التبرعات مثل كِكسّتارتر Kickstarter، وتمكَّن من تحصيل 000 60 دولار خلال خمسة أيام.


وثمة عدد من أوجه التشابه بين المشروعين فريدوم بوكس وكومُّوشِن، بعضها كان محض مصادفة، على حد قول: ماينراث (مع أنه عضوفي اللجنة التقنية الاستشارية لمؤسسة فريدوم بوكس). عملى غرار كومُّوشِن، حطم المشروع فريدوم بوكس التسقطات بنموذجه الاستعراضي الأولي FreedomBox، وهوجهاز شبكة حجمه يساوي تقريبا حجم لبنة آجر صغيرة، وثمنه يساوي «149 دولارا عند شرائه بكميات صغيرة، وسوف يستعاض عنه في النهاية بحفنة من العتاديات بنصف التكلفة أوأقل،» وفقا لقول موگلِن.

ومرة أخرى على غرار كومُّوشِن، لا يرتبط فريدوم بوكس بأي صيغة عتادية محددة، بل هومجموعة برمجيات يمكن حتى تُنفَّذ في عدد كبير من وحدات المعالجة المركزية المرتبطة شبكيا، والمنتشرة في منازلنا ومختلف مناحي حياتنا مثل «الغبار تحت الأرائك،» وفقا لقول موگلِن .ويمكن لجميع تلك الوحدات حتى تصبح بنية تحتية لإنترنت «تعيد للخصوصية توازنها» وتسترجع مفهوم «شبكة الأنداد اللامركزية(15).» إذا ثمة عناوين بروتوكول إنترنت في التجهيزات الملحقة بأجهزة التلفاز وفي الثلاجات، وأي منها، يقول موگلِن ، يمكن حتىقد يكون جهاز فريدوم بوكس. ليس هذا لمجرد جعل البنية التحتية لامركزية فحسب، بل أيضا لجعل البيانات لامركزية. وعلى سبيل المثال، يرى موگلِن حتى هجريز بيانات المستخدم في خدمات سُحبية(16) cloud services من قبيل الفيسبوك وگوگل، هوتهديد للخصوصية وحرية التعبير يماثل التهديد الناتج من هجريز الحركة في مزودات خدمة الإنترنت. وللقاءة هذا التوجه، يفترض أن يُستمثل(17) فريدوم بوكس للعمل في شبكات تواصل اجتماعي أخرى مثل دياسپورا Diaspora التي تخزن بياناتك الشخصية في حاسوبك، دون حتى يشاركك فيها سوى الأشخاص الذين تختارهم عبر شبكات الند للند(18).

ومع ذلك، يقول موگلِن إذا العنصر الأساسي في هذا المشروع هو«الإرادة السياسية التي يظهرها جيل من الشباب الذين باعتمادهم على الشبكات الاجتماعية يزداد وعيهم بنقاط ضعفهم وضعف الآخرين في الشبكة.» وهذه الجدية هي ما يُعوِّل عليه في التحفيز الجزئي لكثير من المبرمجين المشاركين في هذا المشروع. وهي أيضا أرجح الدوافع لاعتماد المستخدمين هذه التقانة. ويرى <موگلِن> أنه في غياب حملة مستديمة من النادىية التقنية، ليس واضحا ما الشيء الذي يفترض أن ينبه المستخدم العادي إلى التكلفة الباهظة لتآكل الحرية والخصوصية التي ندفعها لقاء سهولة الاستخدام وغيرها من المزايا المباشرة والمحسوسة.

ويقول <موگلِن>: «لا يُحسِن الناس تقدير الخطر الناجم عن انعدام الخصوصية بنفس قدر استهانتهم بالعواقب التراكمية للأفعال الأخرى المدمرة بيئيا» التي من قبيل رمي النفايات والتلوث. ويتابع: «إنه من الصعب على البشر التفكير بيئيا، فهذا ليس من بين الأمور التي تطور دماغ الرئيسيات لعملها.»

يوحي ذلك بأن إعادة اختراع الإنترنت لا يمكن حتى تكون مسألة تغييرات تقنية ضئيلة فحسب. بل إنها تتطلب حراكا سياسيا واسعا وطويل الأجل كالحراك البيئي. وإذا لم تستطع الحكومة أوالسوق نقلنا إلى هناك، من الممكن كان تغيير الوعي الجماعي وحده هوالذي سيعمل ذلك، على غرار ما عملته حركة الخُضْر بقوة الإرادة. لم يُدوِّر النفايات أحد من قبل، ومع ذلك نحن نعمل ذلك الآن. ولا أحد يستخدم البنية التحتية العُرَوية الآن، ولكننا قد نعمل ذلك يوما ما.

وحتى عندئذ، ليس ثمة من إجراء تقني واحد يمكن حتىقد يكون كافيا للحفاظ على الحريات التي توفرها الإنترنت وتحتضنها. ويعود ذلك، في النهاية، إلى حتى الإنترنت، حتى ولوكانت مثالية ومنيعة، لا تستطيع وحدها مقاومة القوى الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع نحوإعادتها إلى المركزية. والشبكات العُرَوية هي واحدة من الطرائق التي يمكن حتى تساعد على المقاومة. «إن هذه الشبكات العُرَوية مناسبة للمجتمعات، وحدثا ازداد حجمها أصبحت أفضل،» على حد قول كاپلان [مؤسس فنكفوير]. ولكن حتى الشبكة العُرَوية الواحدة التي تغطي العالم كله، يمكن حتى تكون مهددة باتباع المراحل التطورية نفسها التي أدت إلى تشويه الإنترنت الحالية. ويضيف كاپلان : «الشبكات العُرَوية ليست بديلا عن الإنترنت، بل هي جزء منها فقط ولا مكان للأفكار المثالية هنا.»

المؤلف

Julian Dibbell

يخط عن الإنترنت والثقافة الرقمية منذ نحوعقدين، وهومؤلف كتاب «نقود اللعب: كيف من الممكن أن استقلت من عملي اليومي وحصلت على الملايين من تجارة الغنائم الافتراضية،»(19) وهومحرر أفضل كتابة تقانية في عام 2010.

تاريخ النشر: 2020-06-04 21:00:16
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مؤشر: الاقتصاد البريطاني يتعثر وضغوط الأسعار لا تزال مرتفعة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-23 12:19:56
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 95%

صورة كتاب على الطاولة.. ومورا يعلق على الاتفاق الإيراني

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-23 12:19:16
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 94%

العجز التجاري التركي يرتفع إلى 12.5 مليار دولار في مايو

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-23 12:20:03
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 87%

سهم "سيمنس" يهوي 30% بعد تحذير من مشاكل تقنية في توربينات الرياح

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-23 12:19:52
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 95%

بعد كارثة تيتان.. هل بإمكان أهالي الضحايا مقاضاة مالكها؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-23 12:20:00
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 85%

الأوقاف تخصص خطبة الجمعة عن "فضل يوم عرفة" وافتتاح 22 مسجدًا

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-23 12:20:39
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 55%

الرئيس السيسي يصل مقر انعقاد قمة ميثاق التمويل العالمى فى باريس

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-23 12:20:55
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 61%

بايدن يتشدد مع روسيا.. ويختلف مع إسرائيل في الشرق الأوسط

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-23 12:19:11
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 90%

احذروا ... موجة حرارية قادمة ستهم معظم أنحاء المملكة المغربية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-23 12:20:46
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية