العلوم في الإسلام

عودة للموسوعة

العلوم في الإسلام

مزدوجة الطوسي، جهاز رياضي اخترعه نصير الدين الطوسي عام 1247 تمثيل حركة الأجرام السماوية. ويتكون هذا النموذج من دائرتين متداخلتين، قطر الصغرى منهما نصف قطر الكبرى.

العلوم في الإسلام هي العلوم التي تطورت ومورست في العصر المضىي الإسلامي في عهد أمويوقرطبة، عباديوإشبيلية، السامانيون، الزياريون، بويهيوفارس، الخلافة العباسية وما بعدها، في الفترة الممتدة من ح. 800 حتى 1250. تضمنت الإنجازات الفهمية الإسلامية نطاقاً واسعاً من المجالات الدراسية، خاصة الفلك، الرياضيات، والطب. وتضمنت المجالات الفهمية الأخرى الخيمياء والكيمياء، فهم النبات، الجغرافيا ورسم الخرائط، طب العيون، الصيدلة، الفيزياء، وفهم الحيوان.

كان للفهم الإسلامي في العصور الوسطى أغراض عملية بالإضافة إلى الهدف الاستيعابي. على سبيل المثال، كان الفلك فهماً هاماً لتحديد القبلة، وكان لفهم النبات تطبيقات عملية في الزراعة، كما في أعمال ابن بصال وابن العوام، ومكنت الجغرافيا أبوزيد البلخي من خلق خرائط دقيقة. طور الرياضياتيون المسلمون مثل الخوارزمي، ابن سينا وغياث الدين الكاشي طرق في الجبر، الهندسة، وفهم المثلثات. وصف الأطباء المسلون أمراض مثل الجدري، الحصبة وتحدوا النظرية الطبية اليونانية القديمة. وصف البيروني وابن سينا وغيرهم تحضير مئات الأدوية المصنوعة من النباتات الطبية والمركبات الكيميائية. تفهم الفيزيائيون المسلمون البصريات والميكانيكا (وكذلك الفلك) وانتقدوا رأي أرسطوفي الحركة.

وقد ناقش المؤرخون أهمية العلوم الإسلامية في العصور الوسطى. تقول النظرة التقليدية إنها تفتقر إلى الابتكار، وكانت مهمة في المقام الأول لتسليم بالمعارف القديمة لأوروپا العصور الوسطى. ترى وجهة النظر الحريفية حتى العلوم الإسلامية تشكل ثورة فهمية. وأياً كان الأمر، فقد ازدهرت العلوم عبر منطقة واسعة حول البحر الأبيض المتوسط في مزيد من المجالات، لعدة قرون، ضمن نطاق واسع من المؤسسات.

خلفية

التوسع الإسلامي: ██ في عهد النبي محمد، 622–632 ██ في عهد الخلفاء الراشدين، 632–661 ██ في عهد الخلفاء الأمويين، 661–750
الخلافة العباسية، 750-1261 (ولاحقاً في مصر) في أقصى اتساعها، ح. 850.
بهوالمدرسة البوعنانية ،1357,فاس (المغرب)

ابتكر المسلمون علوماً جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها العربية كفهم الكيمياء وفهم الجبر وفهم المثلثات. ومن مطالعاتنا للتراث الفهمي الإسلامي نجد حتى فهماء المسلمين قد ابتكروا المنهج الفهمي في البحث والكتابة. وكان يعتمد على التجربة والمشاهدة والاستنتاج. وأدخل الفهماء المسلمين الرسوم التوضيحية في الخط الفهمية ورسوم الآلات والعمليات الجراحية. ورسم الخرائط الجغرافية والفلكية المفصلة. وقد ابتدع المسلمون الموسوعات والقواميس الفهمية حسب الحروف الأبجدية. وكان لاكتشاف صناعة الورق وانتشار حرفة (الوراقة) في العالم الإسلامي فضل في انتشار تأليف المخطوطات ونسخها. وقد تنوعت المخطوطات العربية بين مترجم ومؤلف, ولم تكن المخطات الإسلامية كما هي في عصرنا مجرد أماكن لحفظ الخط، بل كان في المخطة الرئيسية جهاز خاص بالترجمة وآخر خاص بالنسخ والنقل وجهاز بالحفظ والتوزيع. وكان المترجمون من جميع الأجناس الذين كانوا يعهدون العربية مع لغة بلادهم. ثم كان يراجع عليهم ترجماتهم، فهماء العرب لإصلاح الأخطاء اللغوية.


الترجمة والنقل

لم يدخر المسلمون في هذه القرون المجيدة من تاريخ الحياة الإسلامية جهداً في العمل على إيجاد هذا التفاهم الذي أشرنا إليه في الفصل السابق. فلقد استوعب الخلفاء تأخر العرب في الفهم والفلسفة كما أدركوا ما خلفه اليونان من ثروة فهمية غزيرة في بلاد الشام. لقد كان بنوأمية حكماء إذ هجروا المدارس الكبرى المسيحية، أوالصابئية، أوالفارسية، قائمة في الإسكندرية، وبيروت، وإنطاكية، وحران، ونصيبين، وغنديسابور لم يمسوها بأذى، وقد احتفظت هذه المدارس بأمهات الخط في الفلسفة والفهم، معظمها في ترجمة السريانية. واستهوت هذه الخط المسلمين العارفين باللغتين السريانية واليونانية، وما لبثت حتى ظهرت ترجماتها إلى اللغة العربية على أيدي النساطرة المسيحيين أواليهود. وشجع الأمراء من بني أمية وبني العباس هذه الاستدانة الفهمية المثمرة، وأوفد المنصور، والمأمون، والمتوكل الرسل إلى القسطنطينية وغيرها من المدن الهلنستية-وأوفدوهم في بعض الأحيان إلى أباطرة الروم أعدائهم الأقدمين-يطلبون إليهم حتى يمدوهم بالخط اليونانية، وخاصة خط الطب أوالعلوم الرياضية. وبهذه الطريقة وصل كتاب إقليدس في الهندسة إلى أيدي المسلمين. وأنشأ المأمون في بغداد عام 830 بيت الحكمة وهومجمع فهمي، ومرصد فلكي، ومخطة عامة، وأنفق في إنشائه مائتي ألف دينار (نحو950.000 ريال أمريكي). وأقام فيه طائفة من المترجمين وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال. ويقول ابن خلدون إذا الإسلام مدين إلى هذا المعهد الفهمي باليقظة الإسلامية الكبرى التي اهتزت بها أرجاؤه والتي تشبه في أسبابها- وهي انتشار التجارة وإعادة كشف كنوز اليونان- وفي نتائجها- وهي ازدهار العلوم والفنون- نقول إنها تشبه في أسبابها ونتائجها النهضة الأوربية التي أعقبت العصور الوسطى.

ودامت هذه الأعمال، أعمال الترجمة المخصبة المثمرة، من عام 750 إلى 900، وفي هذه الفترة عكف المترجمون على نقل أمهات الخط من السريانية، واليونانية، والفهلوية، والسنسكريتية. وكان على رأس أولئك المترجمون المقيمين في بيت الحكمة طبيب نسطوري هوحنين ابن إسحق (809-873). وقد ترجم وحده-كما يقول هونفسه-إلى اللغة السريانية مائة رسالة من رسائل جالينوس ومدرسته الفهمية، وإلى اللغة العربية تسعاً وثلاثين رسالة أخرى. وبفضل ترجمته هذه نجت بعض مؤلفات جالينوس من الفناء. وترجم حنين فضلاً عن تلك الرسائل السالفة الذكر خط المقولات (ويذكره العرب باسم قاطيغورياس) والطبيعة، والأخلاق الكبرى لأرسطو،وخط الجمهورية، وطيماوس، والقوانين لأفلاطون؛ وعهد أبقراط، وكتاب الأقرباذين لديوسقريدس Dioscorides. وكتاب الأربعة لبطليموس، وترجم العهد القديم من الترجمة السبعينية اليونانية. وكاد المأمون حتى يفلس بين المال حين كافأ حنين على عملهِ هذا يمثل وزن الخط التي ترجمها مضىاً. ولما ولي الخلافة المتوكل عينه طبيباً لبلاطهِ، ولكنه زج به سنة في السجن حين أبى حتى يركب له دواء يقضي به على حياة عدوله مع حتى الخليفة أنذره بالموت إذا لم يعمل. وكان ابن إسحق بن حنين يساعد أباه في أعمال الترجمة، ونقل هوإلى اللغة العربية من خط أرسطوخط الميتافيزيقا، والنفس، وفي توالد الحيوانات وفسادها كما نقل إليها شروح الإسكندر الأفروديسي، وهوكتاب له أثر كبير في الفلسفة الإسلامية.

ولم يحل عام 850 بعد الميلاد حتى كانت معظم الخط اليونانية القديمة في علوم الرياضة، والفلك، والطب قد ترجمت إلى اللغة العربية. وعن طريق الترجمة العربية أطلق اسم المجسطي على كتاب بطليموس في الفلك، وبفضل الترجمة العربية دون غيرها بقيت للعالم المقولات 5،6،7 من المخروطات لأبولونيوس البرجاوي Apollonius of Perga وكتاب الحيل لهيروالإسكندري وكتاب الخصائص الآلية للهواء والغازات لفيلون البيزنطي. ومن أغرب الأمور حتى المسلمين رغم ولعهم الشديد بالشعر والتاريخ قد أغفلوا الشعر اليوناني والمسرحيات اليونانية وخط التاريخ اليونانية، فقد سار المسلمون في ركاب الفرس في هذه النواحي من النشاط الفهمي والأدبي بدل حتى يسيروا في ركاب اليونان. وكان من سوء حظ الإسلام والإنسانية عامة حتى خط أفلاطون وأرسطونفسه لم يصل معظمها إلى أيدي المسلمين إلا في الصورة التي أصبحت عليها أيام الأفلاطونية الحديثة: فقد وصلت إليها خط أفلاطون كما فسرها بورفيري Porphyry، ووصلت خط أرسطوممسوخة في صورة كتاب اللاهوت المعروف عند الإسلاميين بأوثولوجيا أرسطوطاليس، وقد ألفه رجل من أتباع الأفلاطونية الحديثة عاش في القرن الخامس أوالسادس، ثم ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية على أنه كتاب أرسطونفسه. ولم يكد العرب يهجرون كتاباً من خط أرسطووأفلاطون إلا ترجموه إلى اللغة العربية، وإن كانت هذه التراجم غير دقيقة في كثير من المواضع؛ ولكن الفهماء المسلمين حاولوا حتى يوفقوا بين الفلسفة اليونانية والقرآن، ولجأوا إلى الشروح التي خطها رجال الأفلاطونية الحديثة أكثر مما لجأوا إلى خط الفلاسفة اليونان في صورتها الأصلية. ولهذا لم يصل من خط أرسطوالحلقة إلى أيدي المسلمين إلا ما كان منها في المنطق وفهم الطبيعة.

وإن انتنطق العلوم والفلسفة انتنطقاً مستمراً من مصر، والهند، وبابل، عن طريق بلاد اليونان وبيزنطية، إلى بلاد الإسلام في الشرق وفي أسبانيا، ومنها إلى شمالي أوربا وأمريكا، نقول إذا هذا الانتنطق لمن أجل الحوادث وأعظمها شأناً في تاريخ العالم. لقد كانت علوم اليونان حية في بلاد الشام حين أقبل عليها العرب فاتحين، وإن كانت هذه العلوم قد ضعف شأنها بسبب ما أكتنفها قبلئذ من غموض وما ساد البلاد من فقر وفساد في الحكم. وكان الراهب سفيرس سبخت Severus Sobokht رئيس دير قنسرين إحدى مدن أعالي الفرات يخط باليونانية رسائل في الفلك، ويذكر لأول مرة الأرقام الهندية في خارج بلاد الهند. لقد ورث المسلمون عن اليونان معظم ما ورثوه من علوم الأقدمين، وتأتي الهند في هذا في المرتبة الثانية بعد بلاد اليونان. ففي عام 773 أمر المنصور بترجمة السدهنتا وهي رسائل هندية في فهم الفلك يرجع تاريخها إلى عام 425 ق.م. وربما كانت هذه الرسائل هي الوسيلة التي وصلت بها الأرقام "العربية" والصفر من بلاد الهند إلى بلاد الإسلام. ففي عام 813 استخدم الخوارزمي الأرقام الهندية في جداوله الرياضية؛ ثم نشر في عام 825 رسالة تعهد في اللاتينية باسم Algoritmi de numero Indorum "أي الخوارزمي عن أرقام الهنود". وما لبث لفظ الجورثم أوالجورسم حتى أصبح معناه طريقة حسابية تقوم على العدّية العشرية. وفي عام 976 نطق محمد بن أحمد في مفاتيح العلوم إنه إذا لم يظهر في العمليات الحسابية رقم في مكان العشرات وجب حتى توضع دائرة صغيرة لمساواة الصفوف. وسمى المسلمون هذه الدائرة "صفراً" أي خالية ومنها اشتقت الحدثة الإنجليزية Cipher؛ وحور الفهماء اللاتين لفظ صفر Sifr إلى Zephyrum ثم اختصره الطليان إلى Zero.

المؤسسات التعليمية

أما النقلة والنساخون فكانت مهمتهم إصدار نسخ جديدة من جميع كتاب فهمي عربي حديث أوقديم. وكانت أضخم المخطات هي الملحقة بالجامعات والمساجد الكبرى. ففي دمشق وبغداد وفي القاهرة وفي جامعة القيروان وقرطبة، وجامعة القرويين التي تعد أقدم الجامعات الموجودة في العالم، كانت المخطوطات بهم بالآلاف في جميع فهم وفرع من فروع الفهم. وكانت كلها ميسرة للاطلاع أوالاستعارة. فكان يحق للقاريء حتى يستعير أي كتاب مهما كانت قيمته وبدون رهن. لهذا كانت نسبة الأمية في هذا الوقت، تكاد تكون معدومة. وكان تفهم القرآن كتابة وقراءة إلزامياً. بينما كانت نسبة الأمية في أوروبا فيما بين القرن التاسع وحتي القرن 12م أكثر من 95%. ويقول المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري)، حتى أوروبا وقتها لم يكن بها أكثر من عدد محدود من المخطات التابعة للأديرة. ولا يعهد التاريخ أمة اهتمت باقتناء الخط والاعتزاز بها كما عمل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم. فقد كان في جميع بيت مخطة. وكانت الأسر الغنية تتباهي بما لديها من مخطوطات نادرة وثمينة. وكان بعض التجار يسافرون إلى أقصى بقاع الأرض لكي يحصلوا على نسخة من مخطوط نادر أوحديث. وكان الخلفاء والأثرياء يدفعون بسخاء من أجل أي مخطوط جديد.


المجالات الفهمية

الخيمياء والكيمياء

يكاد المسلمونقد يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها فهماً من العلوم؛ ذلك حتى المسلمين أدخلوا الملاحظة الدقيقة، والتجارب الفهمية، والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان- على ما نفهم- على الخبرة الصناعية الفروض الغامضة. فقد اخترعوا الأنبيق وسموه بهذا الاسم، وحللوا عدداً لا يحصى من المواد تحليلاً كيميائياً، ووضعوا مؤلفات في الحجارة، وميزوا بين القلويات والأحماض، وفحصوا عن المواد التي تميل إليها، ودرسوا مئات من العقاقير الطبية، وركبوا مئات منها . وكان فهم تحول المعادن إلى مضى، الذي أخذه المسلمون من مصر هوالذي أوصلهم إلى فهم الكيمياء الحق، عن طريق مئات الكشوف التي يبينوها مصادفة، وبفض الكيفية التي جروا عليها في اشتغالهم بهذا الفهم وهي أكثر طرق العصور الوسطى انطباقاً على الوسائل الفهمية السليمة. ويكاد المشتغلون بالعلوم الطبيعية من المسلمين في ذلك الوقت يجمعون على حتى المعادن كلها تكاد ترجع في نهاية أمرها إلى أصول واحدة، وأنها لهذا السبب يمكن تحويل بعضها إلى البعض الآخر. وكان الهدف الذي يبغيه الكيمائيون هوحتى يحولوا المعادن "الخسيسة" كالحديد، أوالنحاس، أوالرصاص، أوالقصدير إلى فضة، أومضى. وكان حجر الفلاسفة عندهم مادة-يدأبون على البحث عنها ولا يصلون إليها-إذا عولجت بها تلك المعادن العلاج السليم، وقع فيها التغير المطلوب. وكان الدم، والشعر، والبراز، وغيرها من المواد تعالج "بكواشف" متنوعة، وتعرض لعمليات التكليس، والتصعيد، وللضوء، والنار، علها حتىقد يكون فيها ذلك الإكسير السحري(36). وكان الاعتقاد السائد حتى الذي يستحوذ على هذا الإكسير يستطيع إذا شاء حتى يطيل حياته. وكان أشهر الكيميائيين المسلمين جابر بن حيان (702-765) المعروف عند الأوربيين باسم جبير Gebir. وكان جابر ابن حيان كوفي، اشتغل بالطب، ولكنه كان يقضي معظم وقته مع الأنابيق والبوادق. ويعزوإليه المؤرخون مائة من المؤلفات أوأكثر من مائة، ولكنها في الواقع من عمل مؤلفين مجهولين عاش معظمهم في القرن العاشر. وقد ترجم كثير من هذه المؤلفات التي لا يعهد أصحابها إلى اللغة اللاتينية. وكان لها الفضل في تقدم فهم الكيمياء في أوروبا. وحل السحر بعد القرن العاشر محل الكيمياء كما حل محل غيرها من العلوم، وقضى ذلك الفهم بعدئذ ثلاثمائة عام لا يحمل فيها رأسه.

في علوم الكيمياء نجد العالم جابر بن حيان الذي تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق. قد عاش بعد النصف الثاني من القرن الثامن م حيث له كتابات كثيرة سواء في المركبات الكيميائية التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت مثل نترات الفضة المتبلورة وحامض الأزوتيك وحامض الكبريتيك (زيت الزاج) ولاحظ ما يرسب من كلوروز الفضة عند إضافة ملح الطعام، أوفي وصف العمليات الكيميائية كالتقطير والتبخير والترشيح والتبلور والتذويب والتصعيد والتكليس ونحوها. وفي خطه بين نظرية تكوين المعادن جيولوجيا وبين المعادن الكبريتية الزئبقية ونسب تكوين ستة منها. وبين كيفية تحضير المواد الكيميائية المتنوعة ككربونات الرصاص القاعدي وتحضير الزرنيخ والأنتيمون من أملاح الكبريتيدات. وكيفية تنقية المعادن من الشوائب وتحضير الصلب الذي حضرته أوروبا يعده بحوالي عشرة قرون. وحضر أصباغ الملابس والجلد والطلاء لطلاء الجديد ووقايته من الصدأ ومادة تدهن بها الملابس للوقاية من الماء وأدخل ثاني أكسيد المنجنيز في صناعة الزجاج.

وقام بتقطير الخل للحصول على حامض الخليك المركز. وبين حتى الجاذبية لاوزن لها. وكان الكيميائيون العرب يحضرون ملح البارود كيميائياً في المعمل ولاسيما وأن أول من اخترع حامض النيتريك هوجابر بن حيان سنة 722 م. أما الرازي (ولد سنة 850 م) فأجرى عليه التجارب وصنع منه الأملاح أثناء محاولته لإذابة المضى وأطلق على حامض النيتريك (الزاج الأخضر). وكان العرب يطلقون على الأملاح المأخوذة من الطبيعة الحجارة والأملاح المحضرة كيميائيا في المعمل المستنبطات. وتحضير الكيماويات المستنبطة لم يكن معروفا من قبل عصري ابن حيان والرازي. حتى الصينيون الذين اكتشفوا ملح البارود كانوا يستعملونه من خامات الأملاح الطبيعية وكان يطلق عليه الملح الصيني. وقام الكيميائيون العرب بتنقية ملحه الخام من الشوائب.

مما جعله يستعمل كقوة دافعة للقذائف لإشتعاله السريع. وهذه الخاصية موجودة في مادة الكبريت. لهذا كانا يخلطان معا. وكان العرب يصنعون بارود المدفع من نترات البوتاسيوم بنسبة 75% والكبريت بنسبة 10% والفحم بنسبة 15%. وكان المدفعي يحشي هذا المسحوق في فوهة المدفع ثم يضع بها القذيفة (كرة من الحجر أوالحديد) ثم يشعل في المسحوق النار. فيشتغل المسحوق بسرعة مكونا غازات لها قوة ضغط عالية فتنطلق بذلك القذيفة للخارج نحوالهدف المراد تدميره. فالعرب أول من خلق بارود المدافع واستخدموه كقوة دافعة تدميرية في الحروب. بينما كان الصينيون يستخدمون الملح الصيني من ملح البارود الخام لخاصية الاشتعال في الألعاب النارية في أعيادهم. وقد نقل العالم بيكون لأوربا تقنية صناعة البارود بعد ثلاثة قرون من استعمال العرب وإختراعهم له.

وفي مخطوط عربي يرجع للقرن العاشر الميلادي تجده يصف هذه التقنية قائلا: تؤخذ عشرة دراهم من ملح البارود ودرهمان من الفحم ودرهم ونصف من الكبريت، وتسحق حتى تصبح كالغبار ويملأ منها ثلث المدفع فقط خوفاً من انفجاره ويصنع الخراط من أجل ذلك مدفعاً من خشب تتناسب فتحته مع جسامة فوهته وتدك الذخيرة بشدة ويضاف إليها البندق (الحجارة أوكرات الحديد). ثم يشعل ويكون قياس المدفع مناسباً لثقله وكانت المناجيق تطلق قذائف النيران الحارقة. وكانت القذيفة تتكون من خليط من الكبريت والنفط والحجارة ملفوفة في الكتان، وفي الحروب الصليبية ابتكر المسلمون آلة جديدة أطلقوا عليها الزيار لرمي أعدادا كبيرة من السهام الثقيلة دفعة واحدة. وفي الأسطول العربي في عصر الدولة الأموية كانت الكلاليب التي استخدمها المسلمون في ذات الصواري لربط سفنهم بسفن الروم.

وكان الأسطول الأموي يستخدم النفاطة (مزيج من السوائل الحارقة تطلق من اسطوانة في مقدمة السفينة وتسمى النار الإغريقية وهي خليط من الكبريت والمواد السهلة الاشتعال ومادة الجير الحي التي تتفاعل مع الماء فتنتج الحرارة). وكان صلاح الدين الأيوبي في حربه ضد الصليبيين قد استخدم القنبرة كسلاح الغازات التخديرية الذي كان الحشاشون الإسماعيليون قد إخترعوه في معقلهم بقلعة آلاموت (وكر النسر) حيث كانوا يحرقون الحشيش (القنب) كبخور فيشمون أتباعهم دخانه فيصابون بحالة من التخدير. فكان قوات صلاح الدين تحرق الحشيش في موضع قريب من جيش العدوبحيثقد يكون اتجاه الريح نحوه.

فكان تنتابه حالة من التخدير والنعاس. وهذا التكتيك من أسلوب الحرب الكيماوية مكن صلاح الدين من مباغتة الصليبيين وهزيمتهم. وطور المسلمون هذا الأسلوب فصنعوا قنبلة الغازات المخدرة وأطلقوا عليها القنبرة. وكانت تحتوي على مزيج من البنج الأزرق والأفيون والزرنيخ والكبريت فإذا تفاعل الكبريت والزرنيخ تولدت عنه غازات حارقة وخانقة. وكانوا يقذفونها بالمنجنيق على معسكر العدووهي مشتعلة.

وفي فهم السبائك كان صناعة الصلب العربي الذي تصنع منه الأسلحة فقد بلغت هذه الصناعة أوجها في دمشق والقاهرة، وأصبح السيف العربي لا يدانيه سيف، وقد اشتهر السيف الدمشقي شهرة كبيرة من حيث حدة شفرته وعدم قابليته للصدأ أوالاعوجاج وسمي المعدن الذي يصنع منه السيف الدمشقي بالمعدن الأسطوري. وكان المسلمون قد طوروا في أسلحتهم فكانوا يستخدمون الأسلحة الثقيلة كالدبابة والمنجنيق لمهاجمة البيزنطيين.


فهم الفلك وفهم الكون

رسم بياني صممه البيروني يوضح حتى خسوف القمر يحدث عندما يحجب كوكب الأرض وصول ضوء الشمس إلى القمر.
أشجار السفرجل، السرو، والسماق، في عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، زكريا القزويني، القرن 13.
مخطوطة عربية تشرح ظاهرة خسوف القمر.

بعد الفهم بما لا يسع الإنسان جهله من شرائع الدين وسنته، اعتبر المسلمون فهم الفلك أوكما يسمى أيضا "فهم الهيئة" من أشرف العلوم منزلة وأسناها مرتبة وأحسنها حلية وأعلقها بالقلوب وألمعها بالنفوس وأشدها تحديداً للفكر والنظر وتذكية للفهم ورياضة للعقل؛ لما في ذلك من جسيم الحظ وعظيم الانتفاع بفهم مدة السنين والشهور والمواقيت وفصول الأزمان وزيادة الليل والنهار ونقصانها ومواضع النيرين وكسوفها ومسير الكواكب في استقامتها ورجوعها وتبدل أشكالها ومراتب أفلاكها وسائر مناسباتها وقد أنشئ المسلمون مرصد فلكي كبير هومرصد تدمر في الشام ضم أبرز فهماء الفلك. وقد عثر المسلمون منه في القرآن كثير مما يطول وصفه ويتسع القول بذكره واستشهاده " إذا في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "و" تبارك الذي جعل في السماء بروجاً" و" هوالذي جعل الليل والقمر نوراً خلفة " و" هوالذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتفهموا عدد السنين والحساب " و" والقمر بحسبان" يدعوهم إلى إنعام النظر وإدامة الفكر ليثبتوا التوحيد وليعهدوا كنه عظمة الخالق وسعة حكمته وجليل قدرته ولطيف صنعه. لذلك برعوا في هذا الفهم فكان إبراهيم الفزاري أشهر من خلق الإسطرلاب في الفلك. كما ظهرت عبقرية الخوارزمي في الزيج (جدول فلكي) الذي صنعه وأطلق عليه اسم "السند هند الصغير" وقد جمع فيه مذاهب القدامى في الفلك. وصار لهذا الزيج أثر كبير في الشرق والغرب.

وكان فهماء المسلمين يصدرون كتاباً دورياً باسم المناخ، وهي موسوعات تنبؤية حولية أوفصلية تبين أحوال الجوفي جميع عام، ومواسم الزراعة للنباتات والطقس والمطر حسب التسقطات الفلكية. مما كان يساعد الزراع والمسافرين على التعهد على الأرصاد الجوية. وقد نقلت أوروبا فكرته. وحاليا ما زالت الموسوعة السنوية من المناخ Al) manac) تصدر سنويا في معظم بلدان العالم.

واستخدم المأمون جماعة من الفلكيين ليرصدوا الأجرام السماوية ويسجلوا نتيجة هذه الأرصاد، وليحققوا كشوف بطليموس الفلكي، ويدرسوا كلف الشمس. واتخذوا كرية الأرض أساساً بدءوا منه بقياس الدرجة الأرضية بأن رصدوا موضع الشمس من تدمر وسنجار في وقت واحد. وتوصلوا من هذا الرصد إلى تقدير الدرجة بستة وخمسين ميلاً وثلثي ميل-وهوتقدير يزيد بنصف ميل على تقديرنا في الوقت الحاضر ومن هذه النتائج قدروا محيط الأرض بما يقرب من عشرين ألف ميل. ولم يكن هؤلاء الفلكيون يقبلون شيئاً إلا بعد حتى تثبته الخبرة والتجارب الفهمية، وكانوا يسيرون في بحوثهم على قواعد فهمية خالصة، وخط أحدهم -الفرغاني من أهل فرغانة وهي ولاية وراء جيحون (حوالي عام 860)-كتاباً في الفلك ظل مرجعاً تعتمد عليه أوربا وغربي آسية سبعمائة عام. وأوسع منه شهرة البتاني الذي ظل واحداً وأربعين عاماً يقوم بأرصاد فلكية اشتهرت بدقتها واتساع مداها. وقد وصل بهذه الأرصاد إلى كثير من "المعاملات" الفلكية تمتاز بقربها العجيب من تقديرات هذه الأيام-منها تقديره زيوح الاعتدالين بـ 54.5ً في العام، وميل مستوى الفلك بـ55َ23ْ. منهم أبوالوفا الذي كان يعمل تحت رعاية سلاطين بني بويه الأولين حكام بغداد والذي كشف (كما يقول سادلوSadilot وإن كان قوله لا يزال مثاراً للجدل) الانحراف الثالث للقمر قبل حتى يكشفه تيخوبراهي Tycho Brahe بستمائة عام. وقد أقيمت للفلكيين المسلمين آلات غالية الثمن لم تقتصر على الإسطرلاب، والكرات ذوات الحلق التي كانت معروفة لليونان الأقدمين، بل كانت تضم كذلك آلات لقياس الزوايا يبلغ نصف قطرها ثلاثين قدماً، وآلات سدس نصف قطرها ثمانون قدماً. وقد أدخل المسلمون. على الإسطرلاب تحسينات كثيرة، ووصل منهم إلى أوربا في القرن العاشر الميلادي، وظل رائج الاستعمال بين الملاحين حتى القرن السابع عشر. وقد صروه العرب وأبدعوا صنعه، حتى أصبح بفضلهم أداة فهمية وتحفة فنية معاً.

فهم النبات

وفي الدول الإسلامية اتبعوا تقنيات الميكنة الزراعية المتوارثة كالمحراث والساقية والشادوف والنورج. وكان الأندلسيون يسخرون الرياح في إدارة الطواحين وحمل المياه بالسواقي. وأخذت أوروبا عنهم هذه التقنية وغيرها من الأندلس أيام العصر ألأموي. وهذه التقنية أخذها الغرب عن العرب إبان الدولة الأموية، وقد اشتهرت الطواحين في مدينة حماة وهي نواعير حماة الذي لايوجد لها مثيل في العالم حتى اليوم وهونظام حمل المياة من النهر عبر قنوات منصوبة فوق قناطر لري البساتين والمناطق على جانبي النهر وقد نقل الغرب طريقة هذه السواقي أوالنواعير لكن بأحجام اصغر بكثير من الموجودة في حماة، وفي بغداد كانت تدار طواحين بالميله أوالهواء لحمل المياه وإدارة مصنع الورق هناك. وكانت طوتحين الهواء وحمل المياه تدار بتروس معشقة وعجلات ضخمة متداخلة. لنظرية الأنابيب المستطرقة في توصيل المياه في شبكة من المواسير إلى البيوت،، وقد عهدت دمشق في بناء النوافير داخل المنازل وكانت سباقة في ذلك، وقد أبدع المسلمون في استغلال فهم الحيل في صناعة السلاح. فطوروا المنجنيق والدبابات الخشبية وكانوا أول من خلق المدافع والبندقية ومضخة المكبس التي اخترعها بديع الزمان الرزاز الجزري (ت سنة 1184م). ومضخة، الجزري تعبير عن آلة من المعدن تدار بقوة الريح أوبواسطة حيوان يدور بحركة دائرية، وكان الهدف منها حتى تحمل المياه من الآبار. العميقة إلى اسطح الأرض، وكذلك كانت تستعمل في حمل المياه من منسوب النهر إذا كان منخفضاً إلى الأماكن العليا مثل وقد اتى في المراجع أنها تستطيع ضخ الماء إلى حتى يبلغ ثلاثة وثلاثين قدماً، أي حوالي عشرة أمتار وهوما يعادل ازدياد مبنى يتألف من ثلاثة أوأربعة طوابق، وتنصب المضخة فوق سطح الماء مباشرة بحيثقد يكون عمود الشفط مغموراً فيه، وهي تتكون من ماسورتين متقابلتين في جميع منهما ذراع يحمل مكبساً اسطوانياً، فإذا كانت إحدى الماسورتين في حالة كبس (اليسرى) فإن الثانية تكون في حالة شفط، ولتأمين هذه الحركة المتقابلة المضادة في نفس الوقت يوجد قرص دائري مسنن قد ثبت فيه جميع من الذراعين بعيداً عن المركز، ويدار هذا القرص بوساطة تروس متصلة بعامود الحركة المركزي وهناك ثلاثة صمامات على جميع مضخة تسمح باتجاه المياه من أسفل إلى أعلى ولا تسمح بعودتها في الطريق العكسي. هذا التصميم العبقري لم يكن معروفاً لدى الرومان والاغريق، ولا يزال مبدأ مضخة المكبس مستعملاً حتى الوقت الحاضر في جميع مضخات المكبس التي تعمل باليد لحمل المياه. وهي منتشرة في كثير من القرى في العالم أجمع. وهذه المضخة هي الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها جميع المضخات المتطورة في عصرنا الحاضر والمحركات الآليه كلها ابتداء من المحرك البخاري الذي في القطار أوالبواخر إلى محرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل بالبنزين كما في السيارة والطائرة، والفكرة الرائدة التي أدخلها الجزري هي استعماله مكبسين واسطوانتين يعملان بشكل متقابل وبصورة متوازية، ثم نقل الحركة الناتجة وتحويلها من حركة خطية إلى حركة دائرية بواسطة نظام يعتمد استعماله التروس المسننة وهوما يطبق حالياً في جميع المحركات العصرية.


الجغرافيا ورسم الخرائط

جزء متبقي من خريطة العالم الأولى لپيري ريس، وتوضح الخريطة أمريكا الجنوبية وما يوجد على سواحلها من كائنات حية وقبائل.

وهذا الاهتمام العظيم بتصوير السماء قد فاقه اهتمامه بتصوير أنطقيم الأرض لأن المسلمين كانوا يعيشون على فلح الأرض وعلى التجارة في أنطقيمها المتنوعة. فقد حمل سليمان التاجر-الذي عاش حوالي عام (851) وصفاً لرحلة سليمان هذا، كان هوأقدم وصف عربي لبلاد الصين، وخطه قبل رحلات ماركوبولوMarco Polo بأربعمائة وخمسة وعشرين عاماً. وفي ذلك القرن نفسه خط ابن خردذيه وصفاً لبلاد الهند، وسيلان، وجزائر الهند الشرقية، وبلاد الصين، ويبدوأنه اعتمد فيما خط على رحلاته في تلك البلاد وما شاهده فيها بنفسهِ. ووصف ابن حوقل بلاد الهند وإفريقية، وخط أحمد اليعقوبي، من أهل أرمينية وخرسان في عام 891 كتاب البلدان الذي وصف فيه الأقطار والمدن الإسلامية وكثيراً من الدول الأجنبية وصفاً خليقاً بالثقة. وزار محمد المقدسي جميع البلاد الإسلامية فضلاً عن بلاد الأندلس، ولاقى في أثناء رحلاته كثيراً من الشدائد، ثم خط عام 985 كتابه أحسن التقاسيم في فهم الأنطقيم، وهوأعظم كتاب في فهم جغرافية البلاد الإسلامية قبل كتاب البيروني عن الهند.


الرياضيات

صفحة من كتاب المختصر في حساب الجبر واللقاءة للخوارزمي.
المعادلة التكعيبية وتقاطع المقاطع المخروطية" لعمر الخيام.
شكل هندسي للرياضي أبي سهل الكوهي.

لما كان فهم الحساب مستغلق على المبتدئ إذا كان من طريق البرهان، فإن المسلمين كانوا يعتبرون حتى من أحسن التعليم الابتداء بالحساب من طريق أعمال المسائل لأنه معارف متضحة وبراهينه منتظمة، فينشأ عنه في الغالب عقل مضيء يشير على الصواب، ويقولون إذا من أخذ نفسه بتفهم الحساب أول أمره يغلب عليه الصدق، لما في الحساب من صحة المباني ومنافسة النفس فيصير له ذلك خلقاً ويتعود الصدق ويلازمه ممضىا زادت حاجة المسلمين إلى فهم حديث من علوم الحساب يساعدهم في معاملات البيع والشراء بين الشعوب مع اختلاف العملات والموازين ونظام العقود. المأمون يكلف الخوارزمي عالم الرياضيات، بالتفرغ لوضع وسيلة جديدة لحل المعادلات الصعبة التي تقابل المشتغلين بالحساب. فوضع كتابه "الجبر واللقاءة" وبين أغراضه قائلا عند تقديمه: (يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكرى الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه). وتناول الكتاب الحسابات وطرقها ابتداء من حساب محيط في الكرة الأرضية وقطرها وخطوط الطول والعرض في البلدان إلى مساحات البلدان والمدن والمسافات بينها. ثم مساحات الشوارع والأنهار إلى مساحات الضياع والبيوت.. وحساب الوصايا والمواريث وتقسيم الهجرات المعقدة. والحسابات الفلكية، وحساب المعمار. وكلها كانت تقابل مشاكل وصعوبة في حسابها بطرق الأولين. وكان فهماء الرياضيات المسلمين قد بحثوا في مختلف جوانب علوم الحساب والهندسة والأعداد جمعا وتفريقا وتضعيفا وضربا وقسمة وتوصلوا لكيفية إخراج الجذور في الأعداد السليمة وغير السليمة. وبينوا الكسور وصورها وطرق جمعها وتفريقها وضربها وقسمتها واستخراج جذور الكسور التربيعية والتكعيبية والضرب والقسمة باستخدام الهندسة وحلوا مسائل العدد ولبنوا خصائصه وتطبيقاته في المعاملات والصرف وتحويل الدراهم والدنانير والأجرة والربح والخسارة والزكاة والجزية والخراج وحساب الأرزاق والبريد والأعداد المضمرة وغيرها من علوم الحساب.

وكانت لأهل المغرب طرق ينفردون بها في الأعمال الجزئية من هذا الفهم، فمنها قريبة المآخذ لطرق ابن الياسين ومنها بعيدة كطرق الحضار كما اتى في كتاب مدينة العلوم. كما والأرقام المستخدمة الآن في المشرق هي بالأصل أرقام هندية، بينما الأرقام المستخدمة دوليا هي الأرقام العربية التي وضعها المسلمون بناء على طريقة الزوايا وأضاف إليها المسلمون نظام الصفر، والذي لولاه لما استطعنا أيضاً حتى نحل كثيراً من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات، فقد سهل استعماله جميع أعمال الحساب، وخلص نظام الترقيم من التعقيد، ولقد أدى استعمال الصفر في العمليات الحسابية إلى اكتشاف الكسر العشري الذي اكتشفه العالم الرياضي جمشيد بن محمود غياث الدين الكاشي (ت 840 هـ-1436 م)، كما ورد في كتابه (مفتاح الحساب للعالم). وكان هذا مقدمة للدراسات والعمليات الحسابية المتناهية في الصغر.لقد كانت الأرقام العربية بصفرها وكسورها العشرية بحق هدية الإسلام إلى أوروبا. هذا الكتاب تضمن الزيج وهوتعبير عن جداول حسابيًة فلكية تبين مواقع النجوم وحساب حركاتها. ويعتبر إبراهيم الفزاري أول من خلق الإسطرلاب. وهوالآلة الفلكية التي تستخدم لرصد الكواكب.

الطب

لقد طور الأطباء المسلمون أساليب معالجة الجروح فابتكروا أسلوب الغيار الجاف المغلق. وفتائل الجراحة المغموسة في عسل النحل لمنع التقيح الداخلي وهوأسلوب نقله عنهم الأسبان وطبقه الأوربيون في حروبهم. وكان الجراحون المسلمون قد قفزوا بالجراحة قفزة هائلة ونقلوها من فترة نزع السهام كما كان عند الإغريق إلي مرحة الجراحة الدقيقة ومما سهل هذا اكتشافهم للتخدير قبل الجراحة، فتوصلوا إلى ما سموه المرقد (البنج تعبير عن اسفنجة تنقع في محلول من الأعشاب المركبة القنب (الحشيش) والزوان والخشخاش (الأفيون) وست الحسن. وتهجر لتجف وقبل العملية توضع الاسفنجة في فم المريض فإذا امتصت الأغشية المخاطية تلك العصارة استسلم للرقاد العميق لا يشعر معه بألم الجراحة.

ولم يقتصر أطباء المسلمين على طريقة الإسفنجة المخدرة فقط، بل كانوا يستعملونه لبوساً من الشرج أوشراباً من الفم. وعهد المسلمون التخدير بالاستنشاق. وبين ابن سينا أثره بقوله: (من استنشق رائحته عرض له سبات عميق من ساعته). وللإفاقة من البنج كان الأطباء العرب يستخدمون أسفنجة أطلقوا عليها الإسفنجة المنبهة المشبعة بالخل لإزالة تأثير المخدر وإفاقة المريض بعد الجراحة. وحدثنا ابن سينا في كتابه "القانون" عن التخدير بالتبريد قائلا: (ومن جملة ما يخدر، الماء المبرد بالثلج تبريداً بالغاً). ووصف كيفية استعمال التبريد كمخدر موضعي كما في جراحة الأسنان.. ولقد كان الجراحون قبل ذلك يتهيبون من الجراجة الداخلية، ويكتفون بعمليات البتر. ثم الكي بالنار لإيقاف النزيف الداخلي. لكنهم باكتشاف واختراع الرازي لخيوط الجراحة من أمعاء الحيوان جعل بإمكانهم خياطة أي عضوداخلي بأمان دون الحاجة إلى فتحه من حديث لإخراج أسلاك الجراحة. وكان الجراحون يستعملون في خياطة جراحاتهم الإبر والخيوط من الحرير أومن أمعاء الحيوانات لربط الجروح الداخلية والخارجية أومن خيوط من المضى لتقويم الأسنان.

ومع تطور الجراحة عند المسلمين بعد اكتشافهم للتخدير، ابتكروا الكثير من آلات الجراحة التي لم تكن معروفة قبلهم، فمنها آلات من الفضة أوالصلب أوالنحاس. وكانت أسماء الآلات تدل على مدي توسع الجراحة وتنوعها فهناك المشارط بأنواعها للجراحة الخارجية والداخلية ومنها ذوالحد وذوالحدين والمناشير الكبيرة للبتر والصغيرة لقص العظام الداخلية. والمباضع المتنوعة الأشكال فمنها المباضع الشوكية والمعقوفة لقص اللوزتين. والمجادع والمجادر والمبادر والكلاليب. ودست المباضع والمقصات الخاصة بعمليات العيون والجفوت بأحجامها وأشكالها المتنوعة، كالجفوت الكبيرة المستعملة في أمراض النساء لاستخراج الجنين أوتسهيل ولادته. أوالجفوت المستعملة في جراحة العظام لاستخراج بقايا العظم أوالسلاح داخل الجسم، أوالمستعملة في جراحة الأذن والأنف والعيون. والصنانير التي تدخل بين الأوعية والعروق والأعصاب وفي جراحة الأوعية الداخلية وخياطتها.

أحد الرسوم التوضيحية الملونة للتشريح البشري، لمنصور بن إلياس. هذا الرسم يوضح الجهازين الدوري والعصبي، كما يظهرا من الخلف. من مخطوطة «تشريح بدن الإنسان»، حوالي 1450. في المخطة الوطنية للطب.

وفي كسور العظام كان الأطباء يستعملون أنواعا من الجبائر من البوص أوجريد النخل أومن الخشب. وكان المجبرون يعالجون خلع المفاصل وكسر العظام بالطرق اليدوية في خبرة ومهارة دون حاجة إلى الشق بالجراحة وفي كثير من الأحيان يستعملون الشد على المفصل لمنع تكرار الخلع، كما أنهم ابتكروا طريقة الرد الفجائي للخلع. وكان الكي بالمكاوي المتنوعة، قد توارثه العرب منذ فترة الجاهلية وقد استخدمه المعالجون المسلمون كمسكن للألم للأمراض المزمنة والمستعصية كعرق النساء واللمباجووالصداع النصفي. وحددوا خرائط لجسم الإنسان حددوا فيها مواضع الكي بالنسبة لكل سقم. وقد قد يكون الكي في أكثر من موضع للسقم الواحد. وابتكر الأطباء المسلمون أنواعا من المكاوي المحماة، من بينها الإبر الدقيقة ذات السن الواحد أوشعبتين أوثلاثة. وصنعوها من الحديد أوالنحاس أوالمضى أوالفضة وحددوا درجة الحرارة المناسبة لعلاج جميع سقم. وحدد العالم ابن سينا في كتابه "القانون" القواعد الرئيسية لجراحة السرطانات. في مراحل ثلاث هي: الاكتشاف المبكر، ثم الجراحة المبكرة، فالاستئصال التام. وذكر الزهراوي علاج السرطان في كتابه "التصريف" قائلا: (متى كان السرطان في موضع يمكن استئصاله كله كالسرطان الذيقد يكون في الثدي أوفي الفخد ونحوهما من الأعضاء المتمكنة لإخراجه بجملته، إذا كان مبتدءاً صغيراً فاعمل. أما متى تقدم فلا ينبغى حتى تقربه فاني ما استطعت حتى أبرئ منه أحدا. ولا رأيت قبلى غيري وصل إلى ذلك). ووصف العملية قائلا: (ثم تلقى في السرطان الصنانير التي تصلح له ثم تقوره من جميع جهة مع الجلد على استقصاء حتى لا يبقى شيء من أصوله واهجر الدم يجري ولا تبتره سريعا بل اعصر المواضع ما أمكنك).

وكان الزهراوي يجري عملية استئصال الغدة الدرقية. وهي عملية لم يجرؤ أي جراح في أوروبا على إجرائها إلا في القرن التاسع عشر بعده بتسعة قرون وقد بين هذه العملية بقوله: (هذا الورم يسمى فيلة الحلقوم ويكون ورما عظيما على لون البدن وهوفي النساء كثير. وهوعلى نوعين إماقد يكون طبيعيا وإماقد يكون عرضيا. فأما الطبيعي فلا حيلة فيه. وأما العرضي فيكون على ضربين أحدهما شبيه بالسلع الشحمية والنوع الآخر شبيه بالورم الذيقد يكون من تعقد الشريان وفي شقة خطر فلا تعرض لها بالحديد البتة), كما بين الزهراوي أوضاع المريض في جراحة الأمعاء بوضعه على سرير مائل الزاوية فاذا كانت الجراحة في الجزء السفلي من الأمعاء وجب حتىقد يكون الميل ناحية الرأس. والعكس سليم والهدف من ذلك الإقلال من النزيف أثناء العملية والتوسعة ليد الجراح. ونبه على أهمية تدفئة الامعاء عند خروجها من البطن إذا تعسر ردها بسرعة، وذلك بالماء الدافيء حتى لا تصاب بالشلل. كما إبتكر (الزراقة) لغسيل المثانة وإدخال الأدوية لعلاجها من الداخل. كما عملية تفتيت حصاة المثانة قبل إخراجها فنطق: (إن كانت الحصاة عظيمة جدا فإنه من الجهل حتى تشق عليها شقا عظيما لأنه يعرض للمريض أحد أمرين: إما حتى يموت أويحدث له تقطير في البول والأفضل حتى يتحايل في كسرها بالكلاليب ثم تخرجها بترا).

وفي سنة 836 م أمر الخليفة المعتصم ببناء مشرحة كبيرة على شاطيء نهر دجلة في بغداد وان تزود هذه المشرحة بأنواع من القرود الشبيهة في هجريبها بجسم الإنسان وذلك لكى يتدرب طلبة الطب على تشريحها. ولم يخل كتاب من مؤلفات المسلمين في الطب من باب مستقل عن التشريح توصف فيه الأعضاء المتنوعة بالتفصيل وكل عضلة وعرق وعصب باسمه وكان الرازي يقول في كتابه: (يمتحن المتقدم للإجازة الطبية في التشريح أولا، فإذا لم يعهده فلا حاجة بك حتى تمتحنه على السقمى). وكان المسلمون يعتمدون أول أمرهم على ما خطه الإغريق في تشريح جسم الإنسان وذلك تجنبا للحرج الدينى. ولكنهم اكتشفوا عن طريق التشريح المقارن (أي تشريح الحيوانات) الكثير من الأخطاء في معلومات الإغريق فابتدؤوا الاعتماد على أنفسهم. زمن خلال دراستهم للتشريع اكتشف ابن النفيس على الدورة الدموية الصغرى. واكتشفوا حتى الكبد يتكون من فصين وليس من خمسة فصوص كما كان يعتقد الإغريق. واكتشف عبد اللطيف البغدادي المتوفى سنة 1231 م حتى الفك السفلي للإنسان يتكون من عظمة واحدة وليس من عظمتين كما ذكر جالينوس بعد حتى فحص (2000) جمجمة بشرية. واكتشف حتى عظمة العجز تتكون من بترة واحدة وليس من ست بتر كما ذكر جالينوس الإغريقي. وكان ابن الهيثم المتوفى سنة 1037م قد اكتشف تشريح طبقات العين ووظائف جميع طبقة؛ كالعدسة والحدقة والشبكية وهجريب الأعصاب المتصلة من العين إلى المخ. كما اكتشف ابن رشد وظائف شبكية العين.

وكان المسلمون يطلقون على طب العيون اسم الكحالة وقد اشتهر عدد من أطبائهم بلقب الكحال.. لبروزهم في هذا الفن.. ولا تقتصر الكحالة على العلاج بالكحل والقطور فحسب "فدرج الكحل" كان يضم إلى جانب هذه الادوية على الآلات الجراحية المتخصصة، وقد تطورت جراحة العيون في البلاد التي تكثر فيها هذه الأمراض مثل مصر والأندلس.

وفي فهم طب الأعشاب اكتشفوا ألوف النباتات التي لم تكن معروفة وبينوا فوائدها. وكانت معظم الأعشاب تجرب على الحيوانات كالقرود أولا. وكان الطبيب المعالج هوالصيدلي أوالعشاب في آن واحد. ثم انفصلت المجالات وأصبح الطبيب يخط الوصفات وتسمى (الأنعات). وكان يسلمها المريض إلى العشاب أوالعطار الذي يركبها له, وقد اشتهرت دمشق بطب الأعشاب وكان بها أشهر العطاريين والمعالجين والعاملين بألاعشاب وكان الفهماء المسلمون يتحايلون على الأدوية المرة التي تعافها نفس المريض بطرق مختلفة, فابن سينا أول من أوصى بتغليف الدواء بأملاح المضى أوالفضة لهذا السبب, فأصبحت أقراص الدواء عند المسلمين مغلفة ليس لها طعم. فكان ابن البيطار (شيخ العطارين) يجوب العالم ومعه رسام يرسم له في خطه النبات بالألوان في شتى أحواله واطواره ونموه. وقد اكتشف وحده 300 نبات طبي حديث شرحها في خطه واستجلبها معه. وقد ألف كبار العشابين الكثير من الخط والموسوعات الفهمية في هذا الفهم ومن أبرز ابن البيطار مؤلف كتاب "مفردات الأدوية".

وكان الطب العربي قد عني "بطب المسنين" وعهد "الطب النفسي العضوي" كطب المجانين والمسجونين وكان ابن سينا أول من أشار إلى أثر الأحوال النفسية على الجهاز الهضمي وقرحة المعدة وعلى الدورة الدموية وسرعة النبض. وكان الأطباء العرب يتبعون الطب الوقائي والأمراض المعدية. حبث كانوا يعهدوم العدوى ودورها في نقل الأمراض قبل اكتشاف الميكروسكوب والميكروبات بمئات السنين.. فبينوا أضرار مخالطة المريض بسقم معد أواستعمال آنيته أوملابسه، ودور البصاق والإفرازات في نقل العدوى. وكان ابن ابن رشد قد إكتشف المناعة التي تتولد لدى المريض بعد إصابته بسقم معد مثل الجدري. وبين أنه لايصاب به مرة أخرى. وكانوا يصنعون نوعا من التطعيم ضد الجدري (إذ يأخذون بعض البثور من مريض ناقه ويطعم به الشخص السليم بأن توضع على راحة اليد وتفرك جيدا أويحدثون خدشا في مكانها) وهي نفس فكرة التطعيم التي نسبت فيما بعد إلى أوروبا. وقد اهتم ألأمويون بتنظيم مهنة الطب وطرق العمل بها والمعالجة وأصدروا التشريعات المنظمة لذلك وللمعالجين وألأطباء, وكان يوجد قانون تشريعي ينظم مزاولة مهنة الطب ففي عهد الخليفة المقتدر العباسي صدر أول قانون للرخص الطبية وبموجبه لا يجوز ممارسة الطب إلا بعد امتحان وشهادة. ووضعت آداب وأخلاقيات للمهنة. وكان جميع من يقوم بممارسة مهنة الطب، يؤخذ عليه قسم الطبيب المسلم والذي كان يعتمد على المحافظة على سر المريض وعلاجه دون تمييز وأن يحفظ كرامة المهنة وأسرارها. وكان في سنة 833 م- 218 هـ (14) في عهد الخليفة المأمون قد صدر أول قانون للرخص الصيدلية وبموجبه يجري امتحان للصيدلاني ثم يعطي بموجبه مرسوم يجيز له العمل. وأخضع القانون الصيدليات للحسبة (التفتيش). وكان الخليفة قد كلف الرازي شيخ الأطباء بتأليف كتاب بعنوان "أخلاق الطبيب" ليدرس للطلبة.. وقد شرح فيه العلاقة الإنسانية بين الأطباء والسقمى وبينهم وبين بعضهم كما ضمنه نصائح للسقمى في تعاملهم مع الطبيب ووضع أيضا كتاب "طب الفقراء" يصف لهم فيه الأدوية الرخيصة للعلاج المنزلي.

البصريات وطب العيون

العين تبعاً لحنين بن إسحاق، ح. 1200.
ابن الهيثم، 965-1039، العراق. علامة يعتبره البعض أبا المنهجية العليمة المعاصرة، بفضل تشديده على البيانات المجمعة عن طريق التجربة والاختبار وعلى تناتجية النتائج.


الصيدلة

ابن سينا يفهم استخدام الأدوية. قانون ابن سينا، القرن 15.


الفيزياء

رسم لمصباح في كتاب الحيل، تأليف بنوموسى، ح. 850.

ويضم فهم الفيزياء فهم الحيل وفهم البصريات, في فهم الحيل اشتهر أولاد موسى بن شاكر في القرن التاسع ميلادي، وقد ألفوا كتاب "الحيل النافعة" وكتاب "القرطسون" -القرطسون ميزان المضى- وكتاب "وصف الآله التي تزمر بنفسها صنعة بني موسى بن شاكر". ومن مختراعاتهم آلة رصد فلكي ضخمة وكانت تعمل في مرصدهم وتدار بقوة دفع الماء وكانت تبين جميع النجوم في السماء وتعكسها على مرآة كبيرة واذا ظهر نجم رصد في الآلة وإذا اختفى نجم أوشهاب رصد في الحال وسجل.


فهم الحيل

صورة من كتاب الجزري "الجامع بين الفهم والعمل النافع في صناعة الحيل".

فهم الحيل النافعة أو(الميكانيكا)، ابتكر العرب بفهم الحيل النافعة وطوروه إلى درجة رفيعة من الإتقان. وكان الهدف من هذا، الاستفادة منه وتوفير القوة البشرية والتوسع في القوة الميكانيكية والاستفادة من الجهد البسيط للحصول على حهد أكبر من جهد الإنسان والحيوان. فاعتبره الفهماء طاقة بسيطة تعطي جهدا أكبر. فأرادوا من خلاله تحقيق منفعة الإنسان واستعمال الحيلة مكان القوة والعقل مكان العضلات والآلة بدل البدن. والاستغناء عن سخرة العبيد ومجهودهم الجسماني.

فلجؤوا للطاقة الميكانيكة للاستغناء عن الطاقة الحيوية التي تعتمد على العبيد والحيوانات، ولاسيما وأن الإسلام منع نظام السخرة في قضاء الأمور المعيشية التي بحاجة لمجهود جسماني كبير. كما حرم إرهاق الخدم والعبيد والمشقة على الحيوان بعدم تحميلهم فوق ما لا يطيقونه، لذلك اتجه المسلمون إلى تطوير الآلات لتقوم عوضا عنهم بهذه الأعمال الشاقة.

وفهم الحركة حاليا، يقوم على ثلاثة قوانين رئيسية، كان قد وضعها العالم الإنجليزي نيوتن في أوائل القرن 18،عندما نشرها في كتابه الشهير "الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية". وكان نيوتن في هذه القوانين قد قام بتجميع المعلومات العربية القديمة مما خطه الفهماء العرب عن الحركة للأشياء قبل عصره بسبعة قرون. إلا أنه صاغها في نطقب معادلات رياضية. وأخذ تعريفاتهم لهذه القوانين الثلاثة ونسبها إليه. ففي القانون الأول عن الحركة نطق: (أن الجسم يبقى في حالة سكون أوفي حالة حركة منتظمة في خط مستقيم مالم تجبره قوى خارجية على تغيير هذه الحالة). ويقول هذا إخوان الصفا، في رسائلهم الشهيرة: (الأجسام الكليات جميع واحد له موضع مخصوص ويكون واقفاً فيها لا يخرج إلا بقسر قاسر). ويقول ابن سينا المتوفى سنة 1037م. في كتابه "الإشارات والتنبيهات": (إنك لتفهم حتى الجسم إذا خلى وطباعه ولم يعرض له من الخارج تأثير غريب لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين. فإن من طباعه مبدأ استيجاب ذلك. إذا كان شيء ما يحرك جسما ولا ممانعة في ذلك الجسم كان قبوله الأكبر للتحريك مثل قبوله الأصغر، ولاقد يكون أحدهما أعصى والآخر أطوع حيث لا معاوقة أصلاً). ثم يأتي بعد ابن سينا فهماء مسلمون على مر العصور يشرحون قانونه ويجرون عليه التجارب العملية، وفي ذلك يقول فخر الدين الرازي المتوفى سنة 1209م بكتابه "المباحث المشرقية": (إنكم تقولون طبيعة جميع عنصر تقتضي الحركة بشرط الخروج عن الحيز الطبيعي. والسكون بشرط الحصول على الحيز الطبيعي). وفي كتابه "المباحث الشرقية في فهم الإلهيات والطبيعيات" يقول ابن سينا : (وقد بينا حتى تجدد مراتب السرعة والبطء بحسب تجدد مراتب المعوقات الخارجية والداخلية). أما قانون نيوتن الثاني في الحركة فنصه : (أن تسارع جسم ما أثناء حركته، يتناسب مع القوة التي تؤثر عليه، وفي تطبيق هذا القانون على تساقط الأجسام تحت تأثير جاذبية الأرض تكون النتيجة أنه إذا سقط جسمان من نفس الارتفاع فإنهما يصلان إلى سطح الأرض في نفس اللحظة بصرف النظر عن وزنهما ولوكان أحدهما كتلة حديد والآخر ريشة، ولكن الذي يحدث من اختلاف السرعة مرده إلى اختلاف مقاومة الهواء لهما في حين حتى قوة تسارعهما واحدة).

ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه "المباحث المشرقية": (فإن الجسمين لواختلفا في قبول الحركة لم يكن ذلك الاختلاف بسبب المتحرك، بل بسبب اختلاف حال القوة المحركة، فإن القوة في الجسم الأكبر ،أكثرمما في الأصغر الذي هوجزؤه لأن ما في الأصغر فهوموجود في الأكبر مع زيادة)، ثم يفسر اختلاف مقاومة الوسط الخارجي كالهواء للأجسام الساقطة فيقول: (وأما القوة القسرية فإنها يختلف تحريكها للجسم العظيم والصغير. لا لاختلاف المحرك بل لاختلاف حال المتحرك، فإن المعاوق في الكبير أكثر منه في الصغير).

القانون الثالث لنيوتن ينص على حتى لكل عمل رد عمل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه). وأبوالبركات هبة الله البغدادي المتوفى سنة 1165 م. في كتابه "المعبر في الحكمة" نطق بما يفيد بهذا المعنى: (إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من المتجاذبين في جذبها قوة مقاومة لقوة الآخر. وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه تكون قد خلت من قوة جذب الآخر، بل تلك القوة موجودة مقهورة، ولولاها لما احتاج الآخر إلى جميع ذلك الجذب)، ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه "المباحث المشرقية": (الحلقة التي يجذبها جاذبان متساويان حتى وقفت في الوسط لا ريب حتى جميع واحد منهما عمل فيها عملاً معوقا ًبعمل الآخر). هذه القوانين الثلاثة للاستقرار والحركة ورد العمل هي القوانين الأساسية التي ترتكز عليها حاليا جميع علوم الآلات والأمور المتحركة.

فهم الحيوان

صفحة من كتاب الحيوان، للجاحظ.
مخطوطة عربية لتشريح حصان.


كانت البيطرة قد أصبحت فهما له قواعده وأصوله لأن الإسلام عني بالرفق بالحيوان وعلاجه وتغذيته ونهانا عن عدم تحميله ما لاطاقة له به أوتعذيبه، ومنع قتله إلا لضرورة. وحرم وشمه أوجدع أنفه أووخزه بآلة حادة. وقد حقق العرب قدرا عظيما من التطور الفهمي في ميدان الطب البيطري حيث عني بأمراض الخيل، والمظهر الخارجي والصفات العامة المميزة للفرس والحمار والبغل ووظائف الأعضاء الخارجية والعيوب الوراثية في الخيل.

فهم الأحياء

وليس لدينا إلا القليل من بقايا فهم الأحياء عند المسلمين في ذلك العصر. ومن هذه الآثار كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري الذي عاد فيه إلى مؤلفات ديوسقوريدس ولكنه أضاف فيه إلى فهم الصيدلة عقاقير أخرى كثيرة. وقد عهد فهماء الحياء المسلمون طريقة إنتاج فواكه جديدة بطريق التطعيم، وجمعوا بين شجرة الورد وشجرة اللوز ، وأوجدوا بذلك التطعيم أزهاراً نادرة جميلة المنظر(37). وشرح عثمان بن عمر الجاحظ (المتوفى سنة 869) نظرية في التطور شبيه بنظرية المسعودي فنطق إذا الحياة قد ارتفعت من الجماد إلى النبات، ومن النبات إلى الحيوان، ثم من الحيوان إلى الإنسان(38). واعتنق الشاعر الصوفي جلال الدين هذه النظرية، ولم يضف إليها إلا قولهِ إنه إذا كان هذا مستطاعاً في الماضي، فإن الناس في الفترة الثانية سيصبحون ملائكة ثم يرقون إلى مرتبة الإله.


الأهمية

انظر أيضاً

  • خط زمني للعلوم الإسلامية والتقنية
  • قائمة الفهماء المسلمين
    • قائمة الفهماء العرب
      • أكاديمية ابن سينا لطب العصور الوسطى والعلوم
    • قائمة الفهماء الإيرانيين
    • قائمة الفلاسفة والفهماء الأتراك
  • العصر المضىي الإسلامي
    • الفلسفة الإسلامية المبكرة
    • اختراعات العالم الإسلامي
    • الثورة الزراعية الإسلامية
    • العصر المضىي للثقافة اليهودية في اسبانيا
  • دراسات إسلامية
  • الترجمات اللاتينية للقرن 12
  • المدرسية
  • القرآن والفهم

المصادر

  1. ^ Jim Al-Khalili (4 January 2009). ". BBC News.
  2. ^ Tracey Tokuhama-Espinosa (2010). Mind, Brain, and Education Science: A Comprehensive Guide to the New Brain-Based Teaching. W. W. Norton & Company. p. 39. ISBN . Alhazen (or Al-Haytham; 965–1039 CE) was perhaps one of the greatest physicists of all times and a product of the Islamic Golden Age or Islamic Renaissance (7th–13th centuries). He made significant contributions to anatomy, astronomy, engineering, mathematics, medicine, ophthalmology, philosophy, physics, psychology, and visual perception and is primarily attributed as the inventor of the scientific method, for which author Bradley Steffens (2006) describes him as the "first scientist".

المراجع

  • Hobson, John M. (2004). The Eastern Origins of Western Civilisation. Cambridge University Press. ISBN .
  • Linton, Christopher M. (2004). From Eudoxus to Einstein—A History of Mathematical Astronomy. Cambridge University Press. ISBN .
  • Masood, Ehsan (2009). Science and Islam: A History. Icon Books. ISBN .
  • McClellan, James E. III; Dorn, Harold, eds. (2006). Science and Technology in World History (2 ed.). Johns Hopkins. ISBN .
  • Morelon, Régis; Rashed, Roshdi (1996). Encyclopedia of the History of Arabic Science. 3. Routledge. ISBN .
  • Saliba, George (1994). A History of Arabic Astronomy: Planetary Theories During the Golden Age of Islam. New York University Press. ISBN .
  • Turner, Howard R. (1997). Science in Medieval Islam: An Illustrated Introduction. University of Texas Press. ISBN .

قراءات إضافية

  • Al-Daffa, Ali Abdullah; Stroyls, J.J. (1984). Studies in the exact sciences in medieval Islam. Wiley. ISBN .
  • Hogendijk, Jan P.; Sabra, Abdelhamid I. (2003). The Enterprise of Science in Islam: New Perspectives. MIT Press. ISBN .
  • Hill, Donald Routledge (1993). Islamic Science And Engineering. Edinburgh University Press. ISBN .
  • Kennedy, Edward S. (1983). Studies in the Islamic Exact Sciences. Syracuse University Press. ISBN .
  • Morelon, Régis; Rashed, Roshdi (1996). Encyclopedia of the History of Arabic Science. 2–3. Routledge. ISBN .
  • Saliba, George (2007). Islamic Science and the Making of the European Renaissance. MIT Press. ISBN .

وصلات خارجية

  • "How Greek Science Passed to the Arabs" by De Lacy O'Leary
  • Saliba, George. "Whose Science is Arabic Science in Renaissance Europe?".
  • Habibi, Golareh. is there such a thing as Islamic science? the influence of Islam on the world of science, Science Creative Quarterly.
تاريخ النشر: 2020-06-04 21:47:56
التصنيفات: Portal templates with redlinked portals, علوم إسلامية, الإسلام والعلم, العصر الذهبي للإسلام, حضارة إسلامية, تاريخ إسلامي, تاريخ العرب

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

صرخة المودعين تدعو لوقفة احتجاجية أمام مصرف لبنان

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:25
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

شعبة الذهب: انخفاض بأسعار الذهب اليوم فى ختام التعاملات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:31
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

جهاز بني سويف الجديدة.. يغلق المحلات التجارية التي تعمل بدون ترخيص

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:31
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 51%

في أول يوم دراسة.. «التعليم» تكشف حقيقة وجود 119 طالبا في فصل واحد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:33
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

قبل نشرها.. ماذا تتضمن مذكرات الإذاعى الشهير أحمد سعيد؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:38
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 57%

«الإسكندرية المسرحى» يحتضن ذكرى «فيلسوف الكوميديا»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:22
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

بالأسماء.. قائمة المفرج عنهم من المحبوسين احتياطيًا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:27
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

هل ينهى خط الغاز الجديد لبولندا الهيمنة الروسية على سوق الغاز؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:24
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

نقيب المحامين يستفيد أعمال التطوير في نادي سمنود

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:48
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 63%

«الغد» ينظم احتفالا وطنيا بمناسبة الذكرى 49 لانتصارات أكتوبر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:28
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

محمد منير يستعد لإحياء حفل جديد وسط جمهوره بالإسكندرية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:19
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

انتصار بدر تناقش «عايدة فهمي.. امرأة من طراز خاص» بالدولي للكتاب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:39
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

رئيس صحة النواب: سنعقد غدا جلسة استماع لقانون المسئولية الطبية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:45
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

خالد شقير يكشف أهم محاور مكالمة الرئيس الفرنسى لنظيره الأوكرانى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

هند صبرى تكشف حقيقة مشاركتها فى ماراثون مسلسلات رمضان 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:19
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 70%

وزير العمل اللبنانى: قانون «قيصر» وراء تعطيل الدعم المصرى للطاقة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-02 21:21:24
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية