العدالة الانتقالية

عودة للموسوعة

العدالة الانتنطقية

احدى جلسات محاكمات نورمبرگ التي عقدت لمقاضاة قادة ألمانيا لأعمالهم العدوانية أثناء الحرب العالمية الثانية. أولى مراحل تطبيق العدالة الانتنطقية.

العدالة الانتنطقية Transitional justice، هومفهوم يشير إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات. ويمكن اختصاره في التعبير الشائع "عفا الله عما سلف."

وليست العدالة الإنتنطقية نوعاً خاصاً من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الإنتنطق من النزاع و/أوقمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الإنتنطقية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية.

طبيعة العدالة الانتنطقية

لجنة الحقيقة والمصالحة، جنوب أفريقيا، 1996.

يعتبر مفهوم العدالة الانتنطقية من المفاهيم التي ما تزال غامضة النسبة للكثيرين، لاسيما فيما يتعلق المبتر الثاني من المصطلح؛ أي الانتنطقية إذ يثور التساؤل هل توجد عدالة انتنطقية،يا ترى؟ وما الفرق بينها وبين العدالة التقليدية المرتبطة؟

وهنا لابد من توضيح حتى العدالة الانتنطقية تختلف عن العدالة التقليدية في كونها تُعنى بالفترات الانتنطقية مثل: الانتنطق من حالة نزاع داخلي مسلح إلى حالة السلم، أوالانتنطق من حكم سياسي تسلطي إلى حالة الحكم الديمقراطي، أوالتحرر من احتلال أجنبي باستعادة أوتأسيس حكم محلي، وكل هذه المراحل تواكبها في العادة بعض الإجراءات الإصلاحية الضرورية وسعي لجبر الأضرار لضحايا الانتهاكات الخطيرة.

أي حتى مفهوم العدالة الانتنطقية يعني الاستجابة للانتهاكات المنهجية أوالواسعة النطاق لحقوق الإنسان، بهدف تحقيق الاعتراف الواجب بما كابده الضحايا من انتهاكات، وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية. أي أنها تكييف للعدالة على النحوالذي يلائم مجتمعات تخوض فترة من التحولات في أعقاب حقبة من تفشي انتهاكات حقوق الإنسان؛ سواء حدثت هذه التحولات فجأة أوعلى مدى عقود طويلةبعبارة أخرى، يربط مفهوم العدالة الانتنطقية بين مفهومين هما العدالة والانتنطق، بحيث يعني: تحقيق العدالة أثناء الفترة الانتنطقية التي تمر بها دولة من الدول.

وعلى الرغم من حتى المفهوم ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا حتى حضوره تكثف بشكل خاص منذ سبعينات القرن العشرين، فمنذ ذلك الحين شهد العالم أكثر من 30 تجربة للعدالة الانتنطقية من أهمها تجربة تشيلي والأرجنتين وبيرووالسلفادور ورواندا وسيراليون وجنوب إفريقيا وتيمور الشرقية وصربيا واليونان.

رغم حداثة فكرة العدالة الانتنطقية نسبيّا، إلا حتى الربع الأخير من القرن العشرين قد شهد تجارب مهمة في مجال العدالة الانتنطقية في مختلف أنحاء العالم. وفي هذا الصدد، بدأ موضوع العدالة الانتنطقية، يطرح نفسه خلال السنوات الأخيرة، وبدرجات متفاوتة في السياقات الوطنية لبعض البلدان العربية. وقد تباينت صيغ طرح الموضوع، سواء في شكل دعوات رسمية لبعض صناع القرار السياسي، في سياقات تثبيت السلم المدني وإنهاء النزاع المسلح أوفي صيغة دعوات رسمية ذات صلة بحاجيات تعزيز الانتنطق الديمقراطي عن طريق المصالحات الوطنية. كما تباينت صيغ طرح موضوع العدالة الانتنطقية، بالنسبة إلى الضحايا والجمعيات المدنية المرتبطة أوالمتفاعلة معه، من خلال أشكال متعددة، هيمنت عليها، بصفة رئيسة الدعوات الرامية إلى الكشف عن الحقيقة وعدم الإفلات من العقاب.

إلى غير ذلك، طرح موضوع العدالة الانتنطقية بصفة مباشرة، من قبل هيئات وجهات رسمية في إطار ديناميات تثبيت السلم المدني وإقرار المصالحة الوطنية في جميع من الجزائر والسودان والعراق. كما بدأ الموضوع يفرض نفسه في سياقات ذات صلة بتعزيز الديمقراطية وتثبيت الوحدة الوطنية في جميع من البحرين وموريتانيا. وطرح الموضوع كإرهاصات، وكدعوات للتفكير، في سياقات التصدي لإشكالات الدمقرطة والتفكير الاستراتيجي المرتبط بها، في جميع من لبنان واليمن. وغير بعيد عن السياقات السالفة الذكر، بدأ الموضوع يطرح كإشكال للتفكير - بسبب "الإغراء الأكاديمي" ربما- بالنسبة لبعض النخب السياسية والحقوقية المنشغلة بالقضايا الإستراتيجية للإصلاح السياسي في جميع من مصر وسوريا والأردن.


تاريخ العدالة الانتنطقية

الفترة الأولى

الفترة الأولى، اتىت في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، وتمثلت بشكل أساسي في محاكمات نورمبرگ، تمحورت العدالة الانتنطقية خلال هذه الفترة حول فكرة التجريم والمحاكمات الدولية المترتبة عليها. وتمثلت أبرز ميكانيزمات عملها في اتفاقية الإبادة الجماعية التي تم إقرارها، وإرساء سوابق لم يعد من الممكن بعدها تبرير انتهاك حقوق الإنسان باسم الاستجابة للأوامر. في هذه الفترة، شكل مرتكبوانتهاكات حقوق الإنسان مركز الاهتمام في مساع تحقيق العدالة.

الفترة الثانية

وأثناء الحرب الباردة، ركدت جهود تحقيق العدالة الانتنطقية واستمر ذلك حتى الفترة الثانية والتي حدثت بعد انهيار الاتحاد السوڤيتي والتغيرات السياسية المتنوعة في دول أوروبا الشرقية وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا، وفي هذه الفترة تم تطبيق مفهوم مُسيس وذا طابع محلي أووطني من العدالة الاجتماعية ارتبط بالهياكل الرسمية للدولة، وهنا تجاوزت فكرة المحاكمات وتضمنت آليات أخرى مثل لجان الحقيقة، والتعويضات، أي إنه خلال هذه الفترة صارت العدالة الانتنطقية بمثابة محادثة وطني بين الجناة والضحايا، وخلال هذه الفترة برزت تجربة لجان الحقيقة في الأرجنتين وعدد من دول أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا.

لقد تطور المفهوم خلال الفترات الانتنطقية التالية لحكم الدكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية، جنوب أفريقيا بعد نظام الفصل العنصري وبعض الدول الأفريقية ودول شرق ووسط أوروبا في أعقاب الحرب الباردة. كان هناك توافق دولي على الحاجة لإجراءات العدالة الانتنطقية للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان الماضية، وهذا ما تزامن مع أهداف الدول والهيئات المانحة التي تطلبت وجود تطبيقا محكما لحكم القانون بما يسمح بالتنمية الاقتصادية.

الفترة الثالثة

بعبارة أخرى، أعطت الموجة الثالثة للديمقراطية في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات زخما وحافزا جديدا للعدالة الانتنطقية، انتقل به من كونه مفهوما رابطا بين الفترة الانتنطقية للتحول الديمقراطي والعدالة (كما نشأ في أواخر الأربعينات)، إلى فضاء أوسع بحيث أضحى هذا المفهوم يتضمن منظورا أوسع يقوم على إعادة تقييم تام للوصول بمجتمع ما في الفترة الانتنطقية إلى مسقط آخر تعد الديمقراطية أحد أهدافه الأساسية.

ثم كانت البداية الحقيقية لما يمكن حتى يسمي تطبيق للعدالة الانتنطقية، في محاكمات حقوق الإنسان في اليونان في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، وبعدها في المتابعات للحكم العسكري في الأرجنتين وتشيلي من خلال لجنتي تقصي الحقائق في الأرجنتين عام 1983 وتشيلي عام 1990 ومن بعد ذلك في الكثير من دول القارة اللاتينية.

احدى جلسات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، 1993.

ويعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في 1993 بداية لمشهد سياسي حديث ضم الفترة الثالثة للعدالة الانتنطقية، إذ أدى تكرر النزاعات إلى تكرر حالات تطبيق تطبيق العدالة الانتنطقية، كما ارتفعت الأصوات المنادية بالحد من الأخذ بمبدأ الحصانة ليصبح الاستثناء وليس القاعدة، وفي هذا السياق تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا في 1994، ثم في 1998 تم إقرارا النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وقد أثرت هذه التطورات في الكثير من اتفاقيات السلام التي عقدت بعد ذلك، والتي أشارت إلى المحاكمات الدولية باعتبارها جزءا من عملية التسوية السلمية؛ من ذلك اتفاقية أروشا المتعلقة ببوروندي، واتفاقية ليناس-ماركوسيس Linas-Marcoussis Agreement الخاصة بساحل العاج. وفي هذه الفترة، التي لا تزال مستمرة حتى الآن تتم الإحالة دائما إلى القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى العودة لاستلهام نموذج محاكمات نورمبرگ، لاسيما مع دخول ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية لحيز التطبيق في 2004 وإقرار وجود المحكمة كآلية دائمة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.


أهمية العدالة الانتنطقية

على أثر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يحقّ للضحايا حتى يروا معاقبة المرتكبين وفهم الحقيقة والحصول على تعويضات.

ولأنّ الإنتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككلّ، فمن واجب الدول حتى تضمن، بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات، عدم تكرار تلك الإنتهاكات، وبذلك واجب خاص يقضي بإصلاح المؤسّسات التي إما كان لها يد في هذه الإنتهاكات أوكانت عاجزة عن تفاديها.

وعلى الأرجح أنّ تاريخاً حافلاً بالإنتهاكات الجسيمة التي لم تُعالج سيؤدي إلى انقسامات اجتماعية وسيولّد غياب الثقة بين المجموعات وفي مؤسّسات الدولة، فضلاً عن عرقلة الأمن والأهداف الإنمائية أوإبطاء تحقيقهما. كما أنّه سيطرح تساؤلات بشأن الإلتزام بسيادة القانون وقد يؤول في نهاية المطاف إلى حلقة مفرغة من العنف في أشكال شتّى.

أهدافها

ليست مختلف العناصر المكوَّنة لسياسة العدالة الإنتنطقية عبارةً عن أجزاء في لائحة عشوائية، إنّما هي تتصل الواحدة بالأخرى عمليًّا ونظريًّا. وأبرز هذه العناصر الأساسية هي:

  • الملاحقات القضائية، لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية.
  • جبر الضرر، الذي تعترف الحكومات عبره بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية (كالمدفوعات النقدية أوالخدمات الصحيّة على سبيل المثال) فضلاً عن نواحٍ رمزية (كالإعتذار العلني أوإحياء يوم الذكرى).
  • إصلاح المؤسسات ويضم مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوى المسلّحة، والشرطة والمحاكم، بغية تفكيك – بالوسائل المناسبة – آلية الإنتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب.
  • لجان الحقيقة أووسائل أخرى للتحقيق في أنماط الإنتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.

وهذه ليست بلائحة مغلقة. فقد أضافت دول مختلفة تدابير أخرى. فتخليد الذكرى، مثلاً، والجهود الكثيرة للحفاظ على ذكرى الضحايا من خلال إنشاء متاحف، وإقامة نصب تذكارية وغيرها من المبادرات الرمزية مثل إعادة تسمية الأماكن العامة، وغيرها، قد باتت جزءاً مهماً من العدالة الإنتنطقية في معظم أنحاء العالم.

ومع أنّ تدابير العدالة الانتنطقية ترتكز على موجبات قانونية وأخلاقية متينة، إلّا أنّ هامش الاستيفاء بهذه الموجبات كبير، وبذلك ما من معادلة تناسب السياقات كافة.

استراتيجيات وأشكال العدالة الانتنطقية

تشير التطبيقات العملية للمفهوم إلى حتى أي برنامج لتحقيق العدالة الانتنطقية عادة ما يهدف لتحقيق مجموعة من الأهداف تضم: وقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، التحقيق في الجرائم الماضية؛ تحديد المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبتهم، تعويض الضحايا؛ منع وقوع انتهاكات مستقبلية، الحفاظ على السلام الدائم، الترويج للمصالحة الفردية والوطنية.

ولتحقيق تلك الأهداف، تتبع الكثير من الاستراتيجيات بعضها ذي صبغة قضائية وبعضها لا يحمل هذه الصبغة، هي:

النادىوى الجنائية: وتضم هذه تحقيقات قضائية مع المسئولين عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان؛ وكثيراً ما يركز المدعون تحقيقاتهم على من يعتقد أنهم يتحملون القدر الأكبر من المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة أوالمنهجية. ويمكن القول إذا أول إعمال لهذه الآلية كان مع محاكمات نورمبرج التي أجريت للنازيين في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وهي قد تتم على المستوى أوالإقليمي أوالدولي أومن قبل بعض الأجهزة الخاصة مثل المحكمة الخاصة بسيراليون.

لجان الحقيقة: وهي هيئات غير قضائية تجري تحقيقات بشأن الانتهاكات التي سقطت في الماضي القريب، وإصدار تقارير وتوصيات بشأن سبل معالجة الانتهاكات والترويج للمصالحة، وتعويض الضحايا وإحياء ذكراهم، وتقديم مقترحات لمنع تكرر الانتهاكات مستقبلا.

برامج التعويض أوجبر الضرر: وهذه مبادرات تدعمها الدولة، وتسهم في جبر الأضرار المادية والمعنوية المترتبة على انتهاكات الماضي؛ وتقوم عادة بتوزيع خليط من التعويضات المادية والرمزية على الضحايا، وقد تضم هذه التعويضات المالية والاعتذارات الرسمية.

الإصلاح المؤسسي: وتستهدف إصلاح المؤسسات التي لعبت دورا في هذه الانتهاكات (غالبا القطاع الأمني والمؤسسات العسكرية والشرطية والقضائية.. وغيرها)، وإلى جانب تطهير هذه الأجهزة من المسئولين غير الأكفاء والفاسدينِ، غالبا ما تضم هذه الجهود تعديلات تشريعية وأحيانا دستورية.

كما يشير الواقع إلى وجود آليات أخرى من قبيل جهود تخليد الذكرى وتضم إقامة المتاحف والنصب التذكارية التي تحفظ الذكرى العامة للضحايا، وتحمل مستوى الوعي الأخلاقي بشأن جرائم الماضي.

ويمكن حتى تتم هذه الآليات على المستوى الوطني بشكل كامل، أوعلى المستوى الدولي أوعلى نحومختلط أوهجين مثل الترتيبات الخاصة في سيراليون وتيمور الشرقية وكوسوفا، إذ يعد إنشاء الاستراتيجيات المختلطة أوالهجينة للعدالة الانتنطقية استجابة منطقية للمشكلات التي تقابل الاستراتيجيات ذات الطابع الدولي مثل البعد الجغرافي والانفصال القيمي عن المجتمعات المعنية، ومن ثم فالاستراتيجيات الهجينة من المتسقط حتى تكون أكثر قدرة على تحقيق المصالحة الوطنية والسلام الاجتماعي، لاسيما طالما اعتمادها على مجموعة من القيم الاجتماعية والثقافية قادرة على استيعاب الاختلافات في روايات الأطراف المتنوعة للأعمال العدائية التي تكون هذه المجتمعات قد شهدتها.

من ناحية أخرى، لا تعمل آليات ومناهج العدالة الانتنطقية بصورة منفصلة عن بعضها البعض إنما تعمل وفق رؤية تكاملية فيما بينها وقد تكون مكملة لبعضها البعض؛ فمثلا قد يعتبر البعض إذا قول الحقيقة دون تعويضات خطوة بلا معنى، كما إذا منح تعويضات مادية دون عمليات مكملة لقول الحقيقة والمكاشفة سيكون بنظر الضحايا محاولة لشراء صمتهم. كما إذا تكامل عملية التعويض مع المحاكمات يمكن حتى توفر جبرا للأضرار أكثر شمولا مما توفره جميع على انفراد. وقد بحاجة التعويضات من جانب آخر إلي دعمها بواسطة الإصلاحات المؤسسية لإعلان الالتزام الرسمي بمراجعة الهياكل التي ساندت أوارتكبت انتهاكات حقوق الإنسان.مع الأخذ في الحسبان إذا النصب التذكارية غالباً ما تهدف إلي التعويض الرمزي والجبر المعنوي للأضرار.


العدالة الانتنطقية في القانون الدولي

تنتمي دراسات العدالة الانتنطقية بشكل تقليدي إلى حقل القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومع التطور في تطبيقات المفهوم تم توسيع مجالات دراسة المفهوم لتضم الكثير من الآليات والأهداف تنتمي للعديد من المجالات الفهمية والبحثية. والآن يمتد الاهتمام بالعدالة الانتنطقية عبر الكثير من المجالات الفهمية لاسيما مع إسهامات فهماء القانون والسياسية والاجتماع والأنثروبولوجي والمؤرخين، ورجال دين، والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، وتعكس هذه الممارسات والأجندات البحثية التطورات المستمرة في مفهوم العدالة الانتنطقية، والظواهر المرتبطة به من قبيل جهود تحقيق العدالة، إشكالية المسؤولية/ الحصانة، ولجان الحقيقة، وجهود إعادة حكم القانون.

وبصفة عامة، ينقسم المفكرون والفلاسفة المعنيون بالعدالة الانتنطقية (على اختلاف تخصصاتهم) حول اثنين من الروافد الثقافية؛ الأول الفكر الليبرالي لحقوق الإنسان، أما الثاني فهوالرافد الديني. ورغم تباينهما، يشهجر الرافدان في الكثير من الفرضيات والاستنتاجات، وإن كان لكل منهما نقاط تميزه بل وتوجد خلافات بينية في جميع رافد.

يقوم النهج الليبرالي للعدالة الانتنطقية على الميراث الفكري لكل من جون لوك وإيمانويل كانط وجون ستيوارت ميل الداعي إلى المساواة والحرية، فضلا عن فكر جون رولز الداعي لعدالة توزيع الموارد الاقتصادية. وفيما يخص جرائم الماضي، يميز رواد الرافد الليبرالي ما بين نظريتين، أولاهما هجرز على معاقبة مرتكبي الجرائم، في حين هجرز الثانية على إعادة تأهيل الضحايا، والردع، وتحسين النظام الاجتماعي بصفة عامة.

أما الروافد الدينية للعدالة الانتنطقية، فتعد "حقوق الإنسان" هدفا لها، ولكنه ليس المفهوم الأساسي المحرك، ولكن تعد "المصالحة" هي الفكرة التي تتلاقى حولها جميع الروافد الدينية، وهوما يعد أحد التطورات غير المتسقطة في الخطاب المتعلق بالعدالة الانتنطقية. وإن كانت لتلك الروافد اختلافاتها البينية أيضا، فمثلا تعد حقوق الإنسان فكرة محورية بالنسبة للفكر الكاثوليكي وبعض الطوائف البروتستانتية واليهودية، إلا إذا الاهتمام بها يقل في الإسلام والبوذية والهندوسية.


يتناول حقل العدالة الانتنطقية، عملية إعادة النظر في الأوضاع السياسية والقانونية والفلسفية في بلد ما في أعقاب حرب ما. وهويثير جدليات كثيرة أهمها التعارض بين الرغبة في تحقيق الهدوء بعد الحرب والرغبة في محاكمة منتهكي حقوق الإنسان، والحاجة لإرساء قواعد ذات مصداقية لمحاكمة انتهاكات الماضي في لقاء القيود على عمل النظام العقابي والجنائي والقانون الدولي، فضلا عن إمكانية تحقيق المغفرة في الحياة السياسية، وعلى ذلك يمكن الدفع بأن العدالة الانتنطقية نتاج للخطاب الدولي حول حقوق الإنسان أوعلى الأقل تشكل جزءا منه.

ويلاحظ من متابعة الخطاب المتعلق بالعدالة الانتنطقية حتى هناك خارطة للتفاعلات بين هذا المفهوم، ومجموعة من المفاهيم التي تتقاطع معه في مجالات العمل، ويجدر التعرض لها على النحوالتالي:

العدالة الانتنطقية وبناء السلام: يستخدم "بناء السلام" كمفهوم تام يتضمن مجموعة من الأنشطة أوالإجراءات المتعلقة بخلق الشروط الضرورية لتحقيق السلام المستدام في المجتمعات محل الصراعات، وتحديد ودعم الهياكل التي تسهم في تقوية وترسيخ السلم من أجل تجنب الارتداد إلى حالة الصراع. ومن أبرز الإجراءات التي يضمها: إعادة توطين اللاجئين والمشردين داخلياً، والتسريح وإعادة إدماج المحاربين السابقين، ودعم عملية التطور الديموقراطى، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإعادة تأسيس حكم القانون.

وعلى هذا الأساس، يمكن القول إذا المساحات المشهجرة بين المفهومين تضم برامج استعادة حكم الواقع فإن عدد كبير من عمليات بناء السلام تتعامل مع نشاطات العدالة الانتنطقية، مثل الإدارات الدولية لبعض الأنطقيم مثل UNMIK في كوسوفا وUNTAET في تيمور لسته إذ تولت تلك البعثات مسؤولية السلطات القضائية، وإدارات السجن والشرطة. كذلك بعثات الأمم المتحدة في السلفادور وجواتيمالا وليبريا وهايتي والتي تولت مهام دعم حكم القانون وحقوق الإنسان.

العدالة الانتنطقية والمصالحة الوطنية: يرجع تعبير"المصالحة الوطنية" إلى الزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديجول، وارتبط بشكل أساسي بضرورة تحمل مسؤولية محوديون وجرائم الماضي التي سقطت تحت الاحتلال أوإبان حرب الجزائر، كما تحدث الرئيس الفرنسي الأسبق ميتران عن هذا المفهوم باعتباره ضامن الوحدة الوطنية. بعد ذلك استخدم مانديلا هذا المفهوم في جنوب أفريقيا عندما كان ما يزال قابعاً في السجن، إذ رأى حتى من واجبه حتى يضطلع بنفسه بقرار التفاوض حول مبدأ إجراء العفوالعام، الذي سيتبع أولاً عودة منفيي المؤتمر الوطني الإفريقي ويطمح إلى مصالحة وطنية، من دونها سيكون البلد عرضةً لمزيد من الاحتراق وإراقة الدماء التي سيقف وراءها الانتقام بكل تأكيد. وتضم المصالحة الوطنية الإجراءات والعمليات التي تكون ضرورية لإعادة بناء الأمة على أسس شرعية قانونية وتعددية وديمقراطية في الوقت ذاته. وبذا يمكن القول إذا المصالحة هي أحد أهداف العدالة الانتنطقية، بل هي في الواقع شكل من أشكال العدالة الانتنطقية.

العدالة الانتنطقية والنوع الاجتماعي: يتم الربط بين هذين المفهومين بهدف تصميم وتطوير عمليات العدالة الانتنطقية بحيث تخاطب انتهاكات حقوق الإنسان القائمة على النوع الاجتماعي خلال فترات الصراع العنيف أوالحكم الاستبدادي، خاصة وأن المرأة عادة ما تكون أكثر عرضة للانتهاكات، كما إذا الإساءات الموجهة للمرأة أكثر عرضة للتجاهل والاستهانة بها في إطار المؤسسات السائدة. فغالبا ما يتم انتقاد الكثير من آليات العدالة الانتنطقية لأنها لم تأخذ بالنوع الاجتماعي خاصة في بداياتها، لاسيما مع مساهمة بعض التنطقيد الاجتماعية والبنى الفكرية المحافظة والتشريعات الخصوصية في مزيد عرقلة مبادرات العدالة الانتنطقية المرتبطة بالنوع في المجتمعات المعنية، لاسيما الدول العربية.

في هذا السياق غالبا ما تدعومؤسسات المجتمع المدني إلى إعطاء المزيد من الانتباه لوضعية النساء في عمليات العدالة الانتنطقية، ويصبح السؤال هوكيف من الممكن أن يمكن لإجراءات العدالة الانتنطقية حتى تمكن النساء، وأن تصحح الأوضاع التمييزية ضدهن في مجتمع ما،يا ترى؟ وهنا تتم الإشارة لحالة سيراليون للتذكير بأنه من الممكن حتى يتم تصميم استراتيجيات العدالة الانتنطقية بحيث تتعامل مع المشكلات الاجتماعية المتنوعة ومنها عدم المساواة بين الرجل والمرأة بشكل ناجح.

العدالة الانتنطقية في العالم

جنوب أفريقيا

رسم كاريكاتيري يوضح اخفاق لجان الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا.
دزموند توتو، رئيس لجنة الحقيقة والمصالحة.

بدأت تجربة العدالة الانتنطقية في جنوب أفريقيا في سياق التحضير لنهاية نظام التمييز العنصري، وأخذت شكل محاكمات شعبية أطلق عليها ، عهد إليها بإماطة اللثام عن التجاوزات والجرائم وإنصاف الضحايا وصولًا إلى تسوية غير جزائية للملفات العالقة. في البداية، نجحت التجربة بصفة خارقة في جنوب أفريقيا. وأدى إطلاق سراح نلسون مانديلا عام 1990 بعدما قضى 27 سنة في السجن، إلى مفاوضات بين حكومة جنوب أفريقيا العنصرية والمؤتمر الوطني الأفريقي وإلى عقد إنتخابات في العام 1994. ثم في عام 1995، منح برلمان جنوب أفريقيا تخويلًا بتأسيس لجنة الحقيقة والمصالحة التي أصدرت في العام 1998 تقريرًا تضمّن شهادات أكثر من 22,000 ضحيّة وشاهد، حيث جرى الإدلاء بألفي شهادة في جلسات إستماع علنية.

الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابومبيكي، بدأ بعمليات عفورئاسي خاصة، كوسيلة لمعالجة قصور لجنة التحقيق والمصالحة.

لكنّ معظم الجهود التي بُذلت لتحقيق المحاسبة عن الجرائم المرتكبة خلال حكم التمييز العنصري باءت بالفشل. أجاز قانون لجنة الحقيقة والمصالحة عرضًا مثيرًا للجدل "العفومن أجل الحقيقة" لمرتكبي إنتهاكات حقوق الإنسان الذين رغبوا بالإعتراف. وتمت عمليات العفوالرئاسية الخاصّة بالرئيس السابق ثابومبيكي – التي اعتُبرت وسيلة لحلّ "العمل الناقص وغير المنجز للجنة الحقيقة والمصالحة" – بموجب محاكمات سرية بغياب الضحايا ومن دون أي تمثيل لهم. وتضمنت سياسة الملاحقة القضائية الخاصة بسلطة المتابعة القضائية الوطنية تعديلات من أجل "عفوعام غير نزيه"، مكّنت مرتكبي الجرائم في زمن التمييز العنصري، ممّن لم يتقدّموا بطلبات للحصول على عفولجنة الحقيقة والمصالحة، الإفلات من العقاب.

في عام 2008، أعربت محكمة بريتوريا العليا عدم دستورية تعديلات سياسة الملاحقة القضائية. وفي العام 2010، أيّدت المحكمة الدستورية حقّ الضحايا باستشارتهم قبل منح العفوالسياسي.

على الرغم من هذه الإنتصارات، لا يوجد حاليًّا أمام المحاكم ولا حتّى حالة واحدة من الحالات التي أُوصي بملاحقتها قضائيًّا ، ما جعل الضحايا يتقدّمون بشكاوى تصف عملية التشاور بأنّها غير ذات فحوى. محاسبة الشركات الدولية وجبر الضرر.

اضراب العمال في أغسطس 2012، سقط في أكثر من 30 من عمال المناجم بعد قيامهم باضراب احتجاجاً على ظروفهم المعيشية.

في 2002، قامت مجموعة دعم خولوماني، وهي منظّمة ضحايا جنوب أفريقيين، بمقاضاة 23 شركة متعدّدة الجنسيات، ومن ضمنها شركة فورد موتور وجنرال موتورز وأي بي إم في محكمة في الولايات المتّحدة، للتعويض المادي عن الأضرار المدنية التي ألحقتها هذه الشركات من خلال دورها في إنتهاكات حقوق الإنسان الجماعية خلال فترة التمييز العنصري.

في عام 2007، وفي حكم تاريخي هام، سمحت المحكمة الأمريكية للضحايا بتقديم مطالبهم للتعويض. ومنذ مارس 2011، تنظر المحكمة بطلب قدّمته الشركات لإسقاط القضية، بحجّة أنّ القانون العهدي الدولي لا ينصّ على مسؤولية الشركة في إنتهاكات قانون حقوق الإنسان الدولي.

وفي النهاية ففي تجربة جنوب أفريقيا تم الاكتفاء بالاعتراف بما تم من الانتهاكات خلال الحكم العنصري عن طريق لجان استماع للضحايا وللجناة أيضا مع استبعاد خيار المتابعة خصوصاً بالنسبة للفاعلين السياسيين الذين شاركوا في وضع حجر الأساس للانتنطق الديمقراطي وإقرار سيادة القانون والمساواة بين المواطنين واحترام حقوق الإنسان.

أحداث ماريكانا 2012 تثير الشكوك حول نجاعة العدالة الانتنطقية

وفي أغسطس 2012، كشفت الأحداث التي تلت اضراب منجم ماريكانا، التي قتلت فيها الشرطة أكثر من 30 من عمال المناجم يحتجون سلمياً على ظروفهم المعيشية، عن حتى العدالة الانتنطقية لم تغير شيئاً من الظلم الاجتماعي الذي ظل متواجداً حتى بعد تفكيك نظام الأپارتهايد (الفصل العنصري). وهوالأمر الذي بات يلقى ظلالاً وخيمة على نجاعة نهج العدالة الانتنطقية.

الأرجنتين

محاكمات العسكريين في الأرجنتين.

شهدت الأرجنتين تجربة ثرية من التحول الديمقراطي وتطبيق مفهوم العدالة الانتنطقية، حتي إذا ظهور المصطلح نفسه ولد من داخل الأرجنتين، التي تقدم تجربة رائدة في هذا المجال، خاصة بالنسبة لدول العالم الثالث بوجه عام، وبالنسبة لأمريكا اللاتينية، بوجه خاص.

الفترة الأولي

مسيرة لجمعية أمهات ميدان مايوللمطالبة بفهم مصير أبنائهم المختفين، أكتوبر 2006.

بدأت هذه الفترة بانقلاب عسكري قاده الجنرال خورخي فيديلا علي حكومة رئيسة الأرجنيتن ايزابيلا بيرون في 1976، إلى غير ذلك استطاع العسكر حتى يفرضوا سيطرتهم علي البلاد، حيث شكل الجنرال فيديلا مجلس عسكري مكون منتسعة جنرالات قام بفرض الأحكام العهدية، وألغي الدستور، ثم حظر التظاهر والتجمهر وفرض الرقابة علي الصحافة والإعلام وفرض هيمنة العسكر علي النقابات ومنظمات المجتمع المدني، وأخيرا بدأ ما عهد باسم "الحرب القذرة" والتي استمرتستة سنوات هي طول فترة الحكم العسكري 1976ـ 1983. أما عن السبب الحقيقي لقيام الجيش الأرجنتيني بهذا الانقلاب أولا وبهذه الحرب ثانيا، كان هوحماية الأرجنتين من خطر الشيوعية، إلى غير ذلك ظل العسكر طوال السنوات الست يستخدمون جميع الطرق غير المشروعة في قمع جميع ما يساري سواء كانوا ثواراً أوطلبة أوإعلاميين أوأعضاء نقابات عمالية أوحتي مؤيدين، وكانت القوات العسكرية في حالة حرب حقيقية مع جميع هؤلاء برغم أنهم في نهاية الأمر لمقد يكونوا أكثر من مواطنين عزل. جميع ذلك كان يحدث تحت شعار "حماية أمن الأرجنتين".

إلى غير ذلك خلفت هذه الفترة 30 ألف حالة اختفاء لشباب من الأرجنتين لم يعط العسكر لذويهم حتي الحق في دفن جثثهم أوفهم كيف من الممكن أن قتلوا أومتي، وغالبا ما كان يقوم النظام بقتل المعارضين وإلقاء الجثث في البحر أوحرقها حتي لا يهجر وراءه أي دليل، هذا بالإضافة أيضا إلي حالات الاعتنطق والتعذيب. ونظرا لحالة القمع الشديدة لم يكن من الممكن تكوين أي حزب أوحركة احتجاجية داخل الأرجنتين خلال هذه الفترة، فيما عدا حركة واحدة تعد مثالا رائعا وفريدا شهدته تلك الحقبة السوداء في تاريخ الأرجنتين، وهي حركة جمعية أمهات ميدان مايوAssociacion Madres de Plaza Mayo وهي حركة بدأت في 1977 بتجمع 14 أم في ساحة "ميدان مايو" أمام قصر الرئاسة ليطالبوا بفهم مصير أبنائهم المختفين، ولأنهن مجرد مجموعة من الأمهات المسالمات فقد هجرهم العسكر، إلا حتى الحركة اتخذت في الاتساع وفي اكتساب الشعبية حتي أصبحت هي الحركة السياسية والمعارضة الوحيدة، والتي لم يستطع النظام قمعها يوما حتي إنها ومنذ ذلك التاريخ وحتي اليوم تواصل التجمهر في ساحة الميدان من خلال آلاف الأمهات جميع يوم خميس، واللاتي لم يتخلفن مرة واحدة لأكثر من 30 عاما ليطالبن بحق أبنائهن الذين لم يعهدن أبدا ما وقع لهم، ومحاكمة القتلة، بل وتطورت الحركة لتنادي في وقفتها الأسبوعية بعدم تكرار ما وقع لأبنائهن الشباب ليس فقط في الأرجنتين، ولكن في أي مكان آخر في العالم. وفي أبريل 1982 اتجه العسكر إلي احتلال "جزر الفوكلاند" التابعة لبريطانيا وضمها إلي السيادة الأرجنتينية، وذلك لصرف أنظار الشعب الأرجنتيني عن مشاكله الداخلية المعقدة، إلا حتى الأسطول البحري البريطاني أنهي الصراع سريعا وخرج الجيش الارجنتيني منهزما ومنكسرا من المعركة، إلى غير ذلك انتهت فترة الحكم العسكري القمعي، وعُقدت أول انتخابات ديمقراطية لأول مرة في البلاد منذستة سنوات اتىت براؤول ألفونسين إلي سدة الحكم.

الفترة الثانية

حفي 1983 بدأ ألفونسين فترة التحول الديمقراطي في البلاد، ولكن كان عليه في أثناء هذا التحول حتى يتعامل مع قضية شائكة جدا، وهي معضلة الأشخاص المختفين، وهنا أنشأ لجنة لتقصي الحقيقة باسم اللجنة الوطنية لدراسة معضلة اختفاء الأشخاص واستطاعت اللجنة حتى تضع تقريرا عن اختفاء 9000 إنسان برغم عدم توفر الوثائق الكافية، وذلك بسبب إتباع النظام العسكري سياسة إخفاء الأدلة والوثائق باستمرار، ولكن علي أي حال عندما اكتمل التقرير ونٌشر في الجريدة الرسمية علي حلقات حدثت صدمة لدي الشارع الأرجنتيني من هول ما اتى به، ومن ثم بدأت المحاكمات ضد رموز ورجال الجيش المتهمين بانتهاكات إنسانية ضد المعارضة الأرجنتينية حتي حتى ألفونسين لُقب برئيس نورمبرج الأرجنتيني لكن في واقع الأمر كانت طموحات "الفونسين" أكبر بكثير من قدراته علي تحقيق العدالة الانتنطقية وكانت خبرة حكومته ضئيلة جدا في هذا المجال نظرا لكون التجربة الأرجنتينية تجربة رائدة في هذا المجال كما سبقت الإشارة إلي ذلك. وقد أخطأت حكومته في تقدير قوة النظام العسكري الذي تم إسقاطه، حيث إذا خروجه من حرب "جزر الفوكلاند" مهزوما جعله يتراجع عن الحكم ويخرج ذليلا، ولكن هذا لم يكن يعني أنه كان ضعيفا أولا يملك السلاح علي غرار الجيش النازي بعد الحرب العالمية الثانية، بل علي العكس ظل الجيش الارجنتيني محتفظا بكامل قوته وأسلحته وتنظيمه، ولكنه فقط عاد إلي ثكناته. وسريعا ما استطاع العسكريون استعادة قوتهم من جديد، وخاصة مع زيادة حدة المحاكمات، حيث بدأت تشهد الأرجنتين موجة من التفجيرات مجهولة المصدر، ولكن من طبيعة الحال كان الجميع داخل الدولة يفهم جيدا حتى الجيش هومن يقف وراء هذه الأعمال الإرهابية، وزادت وطأة تلك الأعمال علي حكومة "الفونسين" الذي سرعان ما تراجع عن سياسته في إعمال آليات العدالة الانتنطقية، ومحاكمة مرتكبي الجرائم من مسئولي النظام القمعي السابق. وخلال سنتين من الجذب والشد الذي تعرضت له حكومة الفونسين بين الإرهاب من قبل عصابات النظام العسكري القمعي السابق من جهة، ومطالب الشعب وجمعيات حقوق الإنسان وأهالي الضحايا من جهة أخري، ظهر مسار العدالة الانتنطقية داخل الأرجنتين أشبه بالخط المتعرج بين أحكام قوية ضد العسكريين المسئولين عن اعتنطق وقتل وإخفاء الآلاف وأحكام بالعفورغم ثبوت التهم علي العسكر، وقد اضطر "الفونسين" إلي إصدار قانونين في 1985 تحت تهديد رجال الجيش بإدخال البلاد في حرب أهلية إذا ما استمرت المحاكمات وتم تطبيق الأحكام عليهم. وكانت تلك القوانين هي قانون، النقطة النهائية" الذي حدد تاريخ نهائي لتقبل أي نادىوي ضد رجال النظام السابق، وأيضا قانون "الامتثال للواجب"، وهوالقانون الذي يعفي أي ضابط في الجيش في رتبة أقل من كولونيل من أي مسئولية قانونية إزاء قتله للمواطنين تحت دعوي أنه كان مضطرا لعمل ذلك لكونه عسكريا كان ينفذ أوامر القيادة. حتي القادة أمثال "رينالدوبينونه" آخر رؤساء الأرجنتين في الحقبة العسكرية تمت إدانته والحكم عليه في 1983 وتم العفوعنه في 1985. وقد كانت قوانين العفوالعام التي صدرت في الأرجنتين بمثابة انتكاسة حقيقية لعملية تطبيق العدالة وسيادة القانون في الفترة الانتنطقية داخل الأرجنتين، لكن علي اية حال كان تقرير لجان تقصي الحقائق ونشره بتفاصيله علي عامة الشعب، وكذلك أيضا نشر تفاصيل المحاكمات مكسباً لمسيرة العدالة الانتنطقية لا يمكن إهماله علي الأقل في تلك الفترة. واستمر الوضع علي هذا المنوال من التعرج، حيث تكرر مشهد فتح ملفات المحاكمات ثم غلقها وأحيانا إصدار أحكام تم تطبيقها بالإقامة الجبرية وليس داخل السجون حتي اختلف الأمر تماما في 2005 أي بعد 20 عاما من صدور قوانين "الفونسين" الأخيرة.

الفترة الثالثة

بدأت هذه الفترة في عهد الرئيس السابق نستور كريشنر، حيث أعرب مجلس القضاء الأعلي في الأرجنتين قرارا في 2005 بعدم دستورية العفوالعام الذي تجاوز تحت ضغط العسكريين. إلى غير ذلك بدأت الأرجنتين فترة جديدة من المحاكمات الجادة والعادلة لهؤلاء العسكريين الذين تمت إدانتهم بالعمل من خلال لجان الحقيقة والمحاكمات التي تمت في الثمانينات، واستطاع القانون حتى يسري بشكل سليم في هذه المرة وسارت المحاكمات دون أي ضغوط من الجيش. فهؤلاء القادة تجاوزت أعمارهم الثمانين وحتي الضباط الآخرين المتهمين بتطبيق المجازر ضد الشباب اليساري قد شارفوا علي الستين، بالإضافة إلي حتى الجيش قد تغيرت هجريبته وأصبح يضم أجيالا جديدة لا تدين بالولاء لهؤلاء القادة وليس لديها أدني رغبة في شن حرب أهلية أوحتي أعمال إرهابية لحماية هؤلاء العسكريين المتهمين بارتكاب تلك الجرائم الوحشية. وبالعمل شهد عام 2010 صدور أحكام ضد خورخي فيديلا قائد الانقلاب العسكري وحاكم البلاد حتي 1981 والمهندس العملي لما عهد باسم الحرب القذرة بالسجن لمدة 25 عاما وقضاء هذه المدة في السجن المدني وليس تحت الإقامة الجبرية رغم حتى عمره تجاوز ال85 عاما، وأيضا حكم علي بينونه آخر الحكام العسكريين لمدة 25 عاما وعمره 81 عاما، بالإضافة الي الكثير من الأحكام ضد قادة وضباط من الجيش قادوا أوقاموا بتطبيق انتهاكات جسيمة مثل الاعتنطق والتعذيب والقتل وإخفاء الجثث بل وصل الأمر إلي حد خطف أطفال رضع من أبناء المعارضين بهدف ترهيبهم والقضاء علي تلك المعارضة. وقد أثبتت المحاكمات تورطهم بالعمل في جميع تلك الجرائم، بالاضافة الي اعترافاتهم. علي سبيل المثال أعترف أحد العسكريين والمعروف باسم "ملاك الموت الأشقر" (فهمتني قوات البحرية كيف من الممكن أن أدمر وكيف أغرس القنابل وكيف أقتل، من الممكن ارتكبت بعض الأخطاء لكنني لن أتوب). كما دافع "خورخي فيديلا" عن نفسه قائلا (إن النظام العسكري عمل علي الحيلولة دون وصول الشيوعية إلي الأرجنتين). إلى غير ذلك كان طريق الأرجنتين طريقا طويلا ومتعرجا إلا أنه في مجمله شهد خطوات عملية وتطبيقات جديرة بالمتابعة والدراسة للاستفادة من هذا التعرج والتخبط، وقد استفادت دولة شيلي كثيرا من هذه التجربة، حيث شهدت هي الأخري أحداثاً مماثلة إلي حد بعيد مع ما جري في الأرجنتين، ولكن علي عكس الأرجنتين فقد كانت تجربة شيلي أكثر نضجا لأنها استفادت كثيرا من النموذج الارجنتيني.

أوغندا

أنشئت أول لجنة للحقيقة والمصالحة في أوغندا عام 1974 وشكلها الدكتاتور الأوغندي عيدي أمين في العام 1974 بايعاز وضغوط من مجموعات حقوق الإنسان فشلت في تحقيق أي من أهدافها لأن النظام اليوغندي رفض نشر نص التقرير الذي توصلت إليه اللجنة أوتطبيق أي من توصياته ومنذ ذلك التاريخ حذت عدة بلدان حذواوغندا في تكوين لجانا للحقيقة والمصالحة كسبيل لتحقيق العدالة الانتنطقية في بلدان مزقتها الحروب والصراعات واحتاج النسيج الاجتماعي فيها للرتق بعد حتى اتسعت الشقة بين مكوناته.

تشيلي

وشكل الرئيس الشتيلي باتريسيوأيلوين، في عام 1990 لجنة للتحقيق والمصالحة بهدف تطبيق العدالة الانتنطقية ولكنها لم تُمنح أي صلاحية لمحاكمة أوإدانة أحد بل أدت في نهاية الأمر الي تنصيبه رئيسا مدي الحياة. فمجرد الحديث عن الحقيقة والمصالحة لا يعني اجتثاث جذور المشكلة وحلها خاصة عندما يعطي سماعها الإنطباع بأنها ليست سوي شكل آخر من أشكال (عفي الله عن ما سلف) والتي تتغافل عن أوضاع تستعصي علي الإهمال بعد حتى صار الجدال حول هل هي إبادة جماعية أم لا ؟؟وما دمنا قد أقررنا بوجود الإنتهاكات فالذي يتبادر للذهن هوالتفكير في آلية محاسبة من ارتكبها قبل حتى يقفز القافزين إلي (مصالحة) لا يملك الحق فيها الا من تعرضوا لويلاتها من طرف (مبهم) لم تحدد هويته علي ذلك النحوالدقيق ولم يتم الكشف عن تفاصيل الجرائم التي ارتكبت ولا هوية الضحايا في جميع حالة وبلا ذكر للجان ولا محاكم ولا صلاحيات فهي (مصالحة) علي درجة من السذاجة تستفز الضحايا الذين يأملون في عدالة تأتيهم بواسطة القضاء الوطني بعد رفضهم لتدخل المحاكم الدولية بدعوي الحفاظ علي السيادة والكرامة الوطنية فلا أقل من هذه المحاسبة أوإبتداع شكل مختلط من المحاسبة والمصالحة وفي الحالتين لا بد من الإعلان عن أسماء الجناة والجرائم التي ارتكبوها وأسماء الضحايا ومن ثم يخير الضحايا في العفوعن من أرتكبوا الانتهاكات بحقهم أومقاضاتهم وعندما نتحدث عن الحقيقة والمصالحة فهذا يعني بالضرورة أسبقية الحقيقة.

المغرب

مسيرة في المغرب للمطالبة بتطبيق التوصيات الصادرة عن هيئة الانصاف والمصالحة بالمغرب.

شهدت المغرب خلال الفترة من 1956 حتى 1999 أي ما يقارب 43 سنة لإنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بمختلف أصنافها من إختفاء قسري وإعتنطق تعسفي وإنتزاع الممتلكات وقد حدثت هذه الإنتهاكات نتيجة أحداث سياسية طرأت على البلد وقد تعرضت خلالها بعض الجماعات والمناطق بشكل مباشر أوغير مباشر لآثار العنف السياسي. وتبرز تجربة المغرب في مجال العدالة الانتنطقية من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة كمثال يستحق التقدير، لاسيما وأن هذه التجربة ارتبطت بشكل أساسي بتوفر إرادة سياسية شكلت أرضية للإصلاحات التي انخرط فيها المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي، ويرى البعض حتى القيمة الأساسية التي تميز التجربة المغربية في مجال العدالة الانتنطقية تتمثل في "عنصر المشروعية". وهوما أثبت إمكانية تحقيق العدالة الانتنطقية من داخل السلطة، خصوصاً بإشراك المعارضة التي كان في مقدمتها عبد الرحمن اليوسفي الذي تم تعيينه رئيساً للوزراء وفتح ملفات الانتهاكات وفيما بعد تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة وتعويض الضحايا والعمل على إصلاح وتأهيل عدد غير قليل من المؤسسات.

مصر

تجاوزات الشرطة أثناء ثورة 25 يناير.

في أعقاب قيام ثورة 25 يناير 2011 طرحت فكرة تطبيق العدالة الانتنطقية. تحقق الثورة أهدافها بإجراءات غير عادية لتحقيق مبدأين أساسيين، هما المحاسبة والتطهير. هذه المبادئ شكلتها ما سمى دولياً بالعدالة الانتنطقية، والتى تضمن برنامجا متكاملا، يبدأ بالمحاكمات والنادىوى الجنائية مروراً بلجان الحقيقة، وبرامج التعويض، وأخيرا جبر الضرر، وإصلاح الأجهزة الأمنية، وإعادة هيكلتها، وأخيرا جهود تخليد شهداء الثورة ورموز المعارضة الذين دفعوا حياتهم ثمناً للحرية. وقد كان أحد مسببات تعثر الثورة المصرية هوالإصرار على محاكمة رموز النظام السابق المتهمين بقتل الثوار وبجرائم مالية وعزلهم عن الحياة السياسية بينما كان هذا المطلب يتعارض مع ارتباطات المجلس العسكري الحاكم مع النظام والذي يعتبر في الواقع جزءا لا يتجزأ منه ، وتحت الضغط الشعبي اضطر إلى محاكمة الرئيس السابق وبعض معاونيه محاكمة استمرت عاما كاملا وفي النهاية تم تأجيل إصدار الحكم فيها حتى نهاية يونيومن العام الحالي. ولم تتمكن مصر من استرداد الأموال المهربة للخارج لعدم صدور أحكام قضائية ضد الرئيس السابق وأفراد أسرته بشأنها.

وفي فبراير 2012، عقد مؤتمر العدالة الانتنطقية في العالم العربي بالقاهرة، واختتم المؤتمر على قيام المشاركون فيه والمنتمين لدول عربية مختلفة مثل المغرب، الجزائر، تونس، العراب، مصر، ليبيا، البحرين، اليمن وسوريا على صياغة مشاريع قانونية وهيكلية لتطبيق مفهوم العدالة الانتنطقية في البلدان العربية فيما بعد ثورات الربيع العربي، في أربع مجموعات عمل وهي :

  • بالمساءلة والمحاسبة لمنتهكي حقوق الإنسان.
  • التعويضات وجبر الأضرار
  • المصالحة والإصلاحات لضمان القطيعة مع الماضي.
  • إعداد تصور لإرساء مجموعات الإنصات وجلساتها وتوثيق الشهادات، وذلك بهدف الخروج بوثيقة توجيهية لإقامة العدالة الانتنطقية في البلدان العربية.

غير حتى فكرة تطبيق العدالة الانتنطقية في مصر صاحبها الكثير من الجدل. فتحقيق العدالة يتم من خلال إجراءات تتكامل تبدأ بعملية جمع الاستدلالات، وهي أبرز فترة في التحقيق، والتى يبدأ من خلالها جمع الأدلة الأساسية على ارتكاب جريمة ما، وهذه الفترة تقوم بها السلطة التطبيقية، فإذا كانت الأوضاع عقب الثورة قد شهدت انهيار جهاز الأمن، وهوالمكلف بالضبطية القضائية، فمن قام بإعداد هذه الأوراق، وكيف لنا حتى نثق فيما ورد في الملفات، فضلاً على حتى الوزراء والمسؤولين كانوا يستندون إلى قوانين وتشريعات يقومون هم بصنعها، وبالتالى كان الفساد يتم وفقاً للقانون. ووفقاً للمعايير المتعارف عليها في جمع المعلومات والاستدلالات، وتوثيق الأدلة والقرائن، فإننا بالعمل يفترض أن نشهد محاكمات عادلة ومنصفة.

وهل يمكن تحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر، لاسيما تلك التى صاحبت الثورة المصرية، وما اقترف من انتهاكات في أعقاب تولي المجلس العسكري الحكم. ويؤخذ على الحكومة المصرية فيما بعد الثورة عدم التزامها بتطبيق القواعد والآليات القانونية العادية للقاءة الجرائم التي ارتكبت ضد الثوار، ذلك حتى الجهة المطلوب منها إعداد محاضر جمع الاستدلالات الأولية هى وزارة الداخلية، وهى الجهة المتهمة من وجهة نظر الثوار، فلا يمكن تسقط أدلة أوقرائن توثق للانتهاكات، بل الأكيد أنه يفترض أن تستخدم خبرات تلك الأجهزة لإفلات عناصرها من العقاب، ويمكن الشعور بأن عدم الثقة بين المواطنين والشرطة ناتج بالأساس من أنه لن تتم محاكمة هذا الجهاز، ولن تتم محاسبة المسؤولين عن الجرائم، وذلك لكى تتبرأ وزارة الداخلية من هؤلاء الذين فقدوا ضمائرهم، وأن يتم الفرز بين الضباط الوطنيين الشرفاء- وهم أغلبية الضباط- وهؤلاء الذين استباحوا أرواح المصريين.

تونس

اللقاءات بين المحتجين والشرطة التونسية في ضحاية التضامن بالقرب من تونس العاصمة، 13 يناير 2010.

بعد قيام الثورة التونسية، تقدمت تونس إلى حد ما على درب التحول الديمقراطي بعد حتى تم منحه هووالتنمية أولوية على ما عداه من مطالب تتعلق بمحاكمة المسئولين السابقين. كما وجدت الحكومة الانتنطقية غير قادرة على الاستغناء عمن يشغلون وظائف رئيسية ممن تجاوز لهم العمل ضمن النظام السابق لعدم إمكانية تعويضهم بغيرهم ممن لهم خبرات مكتسبة في مجالات عملهم . ومازالت الحكومة التونسية تتعرض لانتقادات محلية لهذا السبب.

ليبيا

في ليبيا التي كانت الثورة فيها مدنية وانتهت بفوز عسكري للثوار على كتائب القذافي فما زالت الرغبة في الثأر والانتقام هي المتأججة في صدور الثوار، ويطالبون بحرمان جميع من عملوا مع القذافي من الوظائف العامة بينما لا تجد الحكومة الانتنطقية مفرا من الاستعانة بهم لتسيير شؤون الدولة. ولذا فإنها تعتبر في أمس الحاجة إلى تطبيق قواعد العدالة الانتنطقية وإحلال مصالحة وطنية تجمع جميع القوى لتحقيق انتنطق ديمقراطي من النظام الشمولي السابق إلى نظام سياسي حديث قادر على تحقيق الأماني الوطنية. ويتطلب ذلك تحرير الشعب من رواسب الماضي ونوازع الرغبة في الثأر والانتقام. ولا يمنع ذلك من محاكمة من ارتكبوا جرائم ثابتة بالأدلة، وخاصة الجرائم المالية، محاكمة عادلة، لكي يتسنى استرداد الأموال التي نهبوها أوهربوها إلى الخارج والتي لا يمكن استعادتها دون صدور أحكام قضائية تؤكد عدم مشروعية حصولهم عليها.

بلدان أخرى

كما طرح موضوع العدالة الانتنطقية بصفة مباشرة، من قبل هيئات رسمية في إطار ديناميات المصالحة الوطنية في جميع من الجزائر والسودان والعراق. كما بدأ الموضوع يفرض نفسه في سياقات ذات صلة بتعزيز الديمقراطية وتثبيت الوحدة الوطنية في جميع من البحرين وموريتانيا. وطرح الموضوع كإرهاصات، وكدعوات للتفكير، في سياقات التصدي لإشكالات التحول الديمقراطي والتفكير الاستراتيجي المرتبط بها، في جميع من لبنان واليمن. بل وبدأ الموضوع يظهر كإشكال للتفكير أو"كإغراء الأكاديمي" في أطروحات بعض النخب السياسية والحقوقية في جميع من مصر وسوريا والأردن.

انظر أيضاً

  • البحث عن الحقيقة
  • Vergangenheitsbewältigung
  • المركز الدولي للعدالة الانتنطقية
  • Memorialization

المصادر

  1. ^ "ما هي العدالة الانتنطقية؟". المركز الدولي للعدالة الانتنطقية. Retrieved 2012-08-31.
  2. ^ د. عبد الحسين شعبان، "العدالة الانتنطقية وذاكرة الضحايا"، مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، 2008-01-26.
  3. ^ "العدالة الانتنطقية: قراءة مفاهيمية ومعهدية". الشركة العربية العالمية. 2012-05-10. Retrieved 2012-08-31.
  4. ^ "العدالة الإنتنطقية". مركز الكواكبي لحقوق الإنسان. Retrieved 2012-08-31.
  5. ^ العدالة الانتنطقية" كيف من الممكن أن نستفيد من تجارب الدول الأخري". جريدة الأهرام. 2011-06-01. Retrieved 2012-09-07.
  6. ^ د. السيد ولد أباه (2011-04-25). "الثورة وجدل العدالة والمسامحة". جريدة الاتحاد الإماراتية. Retrieved 2012-09-07.
  7. ^ "المركز الدولي للعدالة الانتنطقية، جنوب أفريقيا". المركز الدولي للعدالة الانتنطقية. Retrieved 2012-09-07.
  8. ^ "الأرجنتين". المركز الدولي للعدالة الانتنطقية. Retrieved 2012-09-07.
  9. ^ "العدالة الانتنطقية والمحاسبة: الأرجنيتن". الديمقراطية وب. Retrieved 2012-09-07.
  10. ^ "الحقيقة والمصالحة...أسبقية الحقيقة". أجراس الحرية (مسقط). 2010-02-08.
  11. ^ "هيئة الإنصاف والمصالحة في المملكة المغربية". هيأة نادىوى المملكة. 2011-03-30. Retrieved 2012-09-07.
  12. ^ "العدالة الانتنطقية للثورة المصرية". جريدة اليوم السابع. 2011-06-14. Retrieved 2012-09-07.
  13. ^ "العدالة الانتنطقية في دول ما بعد الثورات". شبكة فوزي منصور الاخبارية. 2012-02-29. Retrieved 2012-09-07.

المراجع

  • Aertsen, Holger-C.; Arsovska; Rohne; Valiňas, Marta, eds. (2008). Restoring justice after large-scale violent conflicts: Kosovo, DR Congo and the Israeli-Palestinian case. William Publishing. ISBN .
  • Cobban, Helena (2007). AMNESTY AFTER ATROCITY: Healing Nations after Genocide and War Crimes. Boulder, CO: Paradigm Publishers. ISBN . The final chapter of this book is available online at "Restoring Peacemaking, Revaluing History". Retrieved 2008-01-01.
  • Roman David, Lustration and Transitional Justice, Philadelphia: Pennsylvania University Press, 2011.
  • Kritz, Neil, ed. (1995). Transitional Justice: How Emerging Democracies Reckon with Former Regimes, Vols. I–III. Washington, D.C.: U.S. Institute of Peace Press.
  • McAdams, A. James (2001). "Judging the Past in Unified Germany." New York, NY: Cambridge University Press.
  • Mendez, Juan E. (1997). "Accountability for Past Abuses." Human Rights Quarterly 19:255.
  • Nino, Carlos S. (1996). Radical Evil on Trial. New Haven, Conn.: Yale University Press.
  • Lavinia Stan, ed., Transitional Justice in Eastern Europe and the Former Soviet Union: Reckoning with the Communist Past, London: Routledge, 2009.
  • Ruti Teitel, "Transitional Justice", Oxford University Press, 2000.
  • Zalaquett, Jose (1993). "Introduction to the English Edition." In Chilean National Commission on Truth and Reconciliation: Report of the Chilean National Commission on Truth and Reconciliation, trans. Phillip E. Berryman. South Bend, Ind.: University of Notre Dame Press.

وصلات خارجية

  • United Nations Rule of Law: Transitional Justice, on the relationship between transitional justice, the rule of law and the United Nations.
  • For a comprehensive bibliography on transitional justice with over 2,300 sources see University of Wisconsin's Transitional Justice Data Base Project at: [1]
  • Further resources on transitional justice can be found at the International Center for Transitional Justice (ICTJ) web page.
  • Further resources on transitional justice can be found on the Governance and Social Development Resource Centre's Topic guide on transitional justice
  • Information about transitional justice in the former Yugoslavia can be found on Balkan Insight's site Balkan Transitional Justice
  • Podcast of an Oxford lecture for the Foundation for Law, Justice and Society by Professor Mark Drumbl, Director of the Transnational Law Institute, Washington and Lee University Justice After Atrocity: A Cosmopolitan Pluralist Approach
  • Video of a July 2010 presentation by David Tolbert, President of the International Center for Transitional Justice, and other experts at the Woodrow Wilson International Center for Scholars, Washington DC,Transitional Justice in Post-Conflict Societies: What Works Best?
تاريخ النشر: 2020-06-05 06:16:53
التصنيفات: صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, عدالة انتقالية, حقوق الإنسان, قانون دولي, فلسفة القانون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بتهمة التحريض على التخريب.. الحكم بالسجن على طلاب في هونج كونج

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:23:50
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 56%

كأس "سوبر جلوب "بين يد برشلونة وماغديبورغ - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:22:48
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 60%

مجموعة السبع تدين خطف روسيا لقيادات وموظفي محطة نووية في أوكرانيا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:22:36
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 95%

أجواء حارة في توقعات طقس الأحد

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-23 09:15:30
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 44%

الهند تطلق 36 قمرا اصطناعيا للإنترنت

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:21:37
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 45%

دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الآخر لعام 1444 هجريا مساء الثلاثاء

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:21:38
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 42%

ضباب على ينبع والرايس وينبع النخل

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:23:48
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

صناعات من مستخلصات "الرمال السوداء".. تعرف عليها

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:21:30
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 42%

كيف يمكن لوسادة النوم أن تسهم في “الموت المبكر”؟

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-23 09:15:31
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 37%

"التضامن" تستأنف صرف معاشات شهر أكتوبر من فروع بنك ناصر الاجتماعى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:21:31
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 36%

إصابة مديرة المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض بكورونا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:23:42
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 52%

"الصحة" توجه بضرورة الحصول على الجرعات التنشيطية للحد من عدوى كورونا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:21:29
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 49%

الطريق الأبيض.. بديل مرورى جديد يختصر مسافة الوصول إلى 6 أكتوبر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:21:34
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 40%

إخراج الرئيس الصيني السابق بشكل غريب من مؤتمر الحزب الشيوعي

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:22:12
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 56%

آخر استعدادات مدينة شرم الشيخ لاستقبال ضيوف مؤتمر المناخ.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:21:32
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 47%

زيلينسكي يتحدى: «يمكننا إسقاط معظم الصواريخ الروسية»

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:23:40
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 56%

أتلتيكو مدريد يواجه ريال بيتيس لحسم المربع الذهبي فى الدورى الإسباني

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:21:35
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 42%

مواعيد قطارات السكة الحديد على خطوط الوجهين البحرى والقبلى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:21:33
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 39%

سيدة أوكرانيا الأولى: «لا توجد في الحرب أصوات نشاز»

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-23 06:23:45
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 58%

تحميل تطبيق المنصة العربية