اليهودية الإصلاحية

عودة للموسوعة

اليهودية الإصلاحية

كنيس اصلاحي يختلط فيه الجنسان بمشاركة متساوية للرجال والنساء.

الحركة الإصلاحية اليهودية ، أصل نشأتها في القرن الثامن عشر الميلادي. يقول د. المسيري في منطق له : (يوجد إذن جانبان في اليهودية: واحد إنساني يقبل الآخر ويحاول التعايش معه وهوجانب أقل ما يوصف به أنه كان هامشياً، وجانب آخر غير إنساني عدواني يرفض الآخر تماماً. ولكن في القرن التاسع عشر ظهرت حركة الاستنارة اليهودية واليهودية الإصلاحية التي أكدت الجانب الإنساني وعمقته وحذفت من الصلوات اليهودية أية إشارات لإعادة بناء الهيكل وللعودة وللأرض المقدسة) .


تاريخ الحركة وأماكن وجودها

يقول الباحث د. لطف الله حيدر: شهد القرن الثامن عشر اتجاهين دينيين رئيسيين، متميزين ومتنافسين، في حياة اليهود الاجتماعية والفكرية، وقد ارتبط الاتجاه الأول ارتباطاً عضوياً باسم مؤسسة مندلسون (1729-1786) ونادى إلى التخلي عن العقائد اليهودية والطقوس الدينية القديمة. وقاد أنصار هذا الاتجاه حملة في سبيل التنوير (هاسكالاه) بينما كان الاتجاه الثاني يجسد النزعة نحوالتمسك الصارم بحرفية التعاليم اليهودية التوراتية القديمة وشعائرها الجامدة والحفاظ على انعزالية اليهود ضمن (الجيتو) بانتظار المسيح المنقذ الذي سيقود اليهود إلى ارض الميعاد في فلسطين، وقد سمي الاتجاه الأول (التيار الغربي) نظراً لانتشاره الواسع بين يهود غرب أوروبا، وأطلق على الاتجاه الثاني اسم (التيار الشرقي) (نسبة إلى شطر أوروبا الشرقي) ا.هـ.

وهذه الحركة نبتت في ألمانيا حيث مولد مندلسون ، وأما مكان وجودهم الفاعل وانتشارهم المذهل فهوفي الولايات المتحدة الأمريكية ويقدر عددهم بمليونين ، وفيها 700 معبد لهم ، كما حتى لهم مؤسسات فهمية واجتماعية من أهمها : " كلية افتحاد العبري " و" المعهد اليهودي للدراسات الدينية" و" اتحاد المجتمعات الكنسية العبرية الأمريكية " و" المؤتمر المركزي للحاخامات اليهود" ، ولهم ايضا انتشار كبير في إنجلترا . وكان أنصارها يتزايدون باستمرار قبل حتى تبدأ الاصطدام بالعقبات والصعاب.

واليهودية الإصلاحية والمحافظة هما أكبر الفرق الدينية اليهودية في الغرب . يقول د. المسيري : ( وتوجد معابد إصلاحية في حوالي 29 دولة تابعة للاتحاد العالمي لليهودية التقدمية، ويبلغ عدد أتباع الحركة حوالي 1.25 مليون. لكن الولايات المتحدة لا تزال المركز الأساسي الذي يضم معظم أعضاء هذه الفرقة. وتوجد 848 إبراشية يهود إصلاحية في الولايات المتحدة، ويشكل الإصلاحيون 30% من جميع يهود أمريكا المنتمين إلى إحدى الفرق اليهودية (لقاء 33% محافظين و9% و26% لا علاقة بهم أى فرقة دينية أرثوذكس) ومع هذا تذكر أحد المراجع حتى عدد اليهود الإصلاحيين مليون و300 ألف...

وقد اعترفت روسيا باليهودية الإصلاحية باعتبارها ممضىاً يهودياً. وبالعمل، توجد جماعة يهودية إصلاحية الآن لها مقر في موسكو. ويمكن حتى نتسقط انتشار اليهودية الإصلاحية لأنها صيغة مخففة سهلة من العقيدة اليهودية تناسب تماماً يهود روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء ممن يودون التمسك بيهوديتهم وإظهارها والإعلان عنها حتى يتسنى لهم الهجرة إلى إســرائيل. ولكنهم، كباحثين عن اللذة، لا يريدون في الوقــت نفسه حتى يدفعوا أي ثمـن عن طـريق إراتى المتعــة أوكبـح ذواتهم أوإقامة الشعائر. واليهودية الإصلاحية تحقق لهم جميع هذا،فهي تتكيف بسرعة مع روح العصر،وكل عصر ) .


المؤسس وأبرز الشخصيات

المؤسس ، وبعض جهوده

تأسست الحركة الإصلاحية على يد موسى مندلسون (بن مناحم ) ، الذي ولد في ديسوي بألمانيا فيستة سبتمبر سنة 1729, ومات في برلين في أربعة يناير 1786. وقد أشاع العلوم العصرية بين اليهود ، وكان قد جمع بين علوم الدين اليهودي وفلسفته ومعارف القرن الثامن عشر ، وكان شعاره : ( الاستجابة للعادات وأعراف المجتمع العصرية ، مع المحافظة والإخلاص لدين الآباء ) ونمت من خلال تفاعل الثقافة اليهودية مع التجربة الأمريكية . ولقد انبرى مندلسون كما يقول بعض الكتاب بتأثير من آراء وفلسفة لابينتز (1246-1716) التي آمن بها ، إلى بيان طبيعة الصلة بين الوحي والفلسفة ، فأعاد صياغة العقيدة اليهودية رافضا الاعتراف بأي ركن من أركانها الثابتة والمتوارثة ، مما لا يمكن للعقل البشري بنوره الفطري حتى يهتدي إليه أويتثبت من صحته ، فأعرب صراحة في كتابه "القدس" قوله : "أنا لا أقر بمبدأ "خالد" إلا ما أمكن تأسيسه أوالتحقق من صدقه بالعقل " ، فهوقد توج العقل على عرش الدين ، وهويختلف جوهريا عن العقل الذي آمن به موسى بن ميمون وغيره من فهماء العقيدة اليهودية ، ممن اعتبروا العقل رديفا للدين وتابعا له . وكان من المراحل التي انتهجها مندلسون في سبيل جعل أتباعه مقبولين من قبل الأجانب غير اليهود ترجمته للأسفار الخمسة (البنتاتوخ) إلى الألمانية ، ليدعواليهود الألمان إلى استبدال لغتهم بلغة الألمان القومية ، وأتبع هذه الترجمة برعايته لتفسير التلمود بالعبرية حاول إعادة تأويل النصوص الدينية في ضوء معطيات الفكر الحديث . عاش مندلسون ليشهد الثمرة الأولى لجهوده التربوية وذلك بافتتاح أول مدرسة يهودية حرة "frei schule" في برلين عام 1778 والتي كانت أول مدرسة يهودية حديثة جمعت في برامجها التعليمية بين العلوم الدينية والعلوم العصرية ، والتي كانت تدرس جميعا باللغة الألمانية .


أبرز الشخصيات في الحركة

لقد انتصرت لدعوة مندلسون عصبة من الرواد المخلصين ممن أيدوا منهجه ، وأطلقوا على أنفسهم اسم المنورين ، وتعاهدوا على إصدار دورية أدبية عنوانها " الجامع" استمر إصدارها لفترات منبترة ما بين (1784-1811) باللغة العبرية معرضين عن لغة اليديش.

1- وكان من أشهر أنصار مندلسون "نفتالي هرتس ويسلي" (1725-1805) الشاعر الذائع الصيت والشهرة ، وكان من أكثرهم إخلاصا وحماسا لدعوته ، نادى إلى الانصهار في ثقافة العصر ، وقام في كتابه المعروف " حدثات عن السلام والحقيقة " بدعوة يهود النمسا والمجر إلى الاستجابة المخلصة لنداء الإمبراطور جوزيف الثاني الذي نادى إلى استخدام اللغة الألمانية وإنشاء المدارس الحديثة لتعليم العلوم العصرية ذات الصلة بروح العصر ومطالبه. 2- ومن زعماء الحركة الإصلاحية "أبراهام جايجر – جايكر-" (1810-1874)" زعيم الجناح المعتدل " الذي يشار إليه عادة بلفظ "التقدمي " وهومن أشهر الوعاظ والخطباء لهم ، والذي تولى هذا المنصب في مدينة فيزبادن ، وإليه يرجع الفضل أيضا في نشر صحيفة ناطقة بالاتجاهات الفكرية لهذه الطائفة ابتدءا من سنة 1832 ، واسمها " الصحيفة الفهمية للاهوت اليهودي" ، وفي سنة 1838 انتخبته طائفته حاخاما أكبر لها في مدينة برسلو، منافسا لحاخامها القديم " تيتكين " ، وقد أحدث هذا الانتخاب خلافا حادا في زمانه في تلك المدينة . ومن جهود جايجر في هذا أنه طالب بالتخلي عن فكرة (شعب الله المختار) كلياً, واعتبر حتى تلك الفكرة عمقت عزلة اليهود .

وقد نادى جايجر إلى ضرورة ممارسة ضبط النفس في عملية الإصلاح مخافة حتى تفقد الحركة تام صلتها بأبناء بني إسرائيل ومشاعرهم الدينية ، واجتهد في تطوير معارف أتباعه وذلك بما ألف ودون من خط ورسائل أنكر فيها الأصل الإلهي للأسفار الخمسة ، ورفض الاعتراف بالأحكام الشرعية الثابتة وحيا من السماء ، وناصر الدعوة إلى إلغاء سنة الاختتان.

وبشر جايجر بمفهوم عالمي مجرد عن جميع مضمون قومي ، باعتبار حتى إضفاء صفة قومية عليها يناقض ما أراده الله تعالى وقصده ، وأعرب بأن داعيته إلى إجراء ما أجراه ينسجم مع التنطقيد التلمودية المتوارثة التي تؤكد ضرورة رعاية المصالح تبعا لتغير الأزمان .

3- ومنهم "ديفيد فرايد لندر" (1706-1834)" زعيم الجناح الثوري " الذي يشار إليه أحيانا بصفة " الليبرالي" ، وهوأحد أكثر تلامذة مندلسون إخلاصا لدعوته والمؤسس الحقيقي لحركة الإصلاح ، ولقد مضى في جهوده إلى حدود متطرفة فقدم عام 1799 التماسا إلى السلطات الكنسية البروتستانتية ببرلين يطلب فيه السماح له ولأنصاره ومريديه الاشتراك في مراسيم الكنيسة ، شرط حتى يُعفوا من القول بألوهية المسيح ، أوأي عقيدة تنافي العقل ، ومن ممارسة الطقوس الدينية التي هي من لوازم المسيحية ، وكان طبيعيا حتى ترد الكنيسة طلبه هذا الذي تظمن ردة مشروطة عن اليهودية .

وقد كان أحد المفكرين اليهود القلائل الذين نادوا بالتخلي عن عقيدة الماشيَّح التي تسببت في عزل اليهود عن العالم غير اليهودي. وكان فرايدلاندر يرى حتى المسألة اليهودية في شرق أوربا لا يمكن حلها إلا عن طريق الإصلاحات التي تؤدي إلى الاندماج.

وكان هدفه هوالحفاظ على السبب الجوهري وراء نشاط الحركة والذي كان يتمثل في الدعوة إلى التوافق مع مطالب العصر والانصهار في المجتمع الغربي ،واجتثابالعناصر والخصائص القومية التي من شأنها حتى تؤثر سلبا على علاقات اليهود مع الأغيار .

4- ومنهم اليهودي الإصلاحي"إسرائيل يعقوبزون" الذي خصص أول هيكل للطائفة في بيته وكان ذلك في زيزن بألمانيا ، ثم هيأ هيكلا آخر في بيته ببرلين سنة 1815 .

5- وكان من أشد الإصلاحيين: "إسحاق صمويل ريجو" ، وهويهودي إيطالي ولد في جويريتس بمقاطعة إيليريا سنة 1874 ، وتوفي بها في 29 أغسطس سنة 1855.

6- ومنهم الحبر اليهودي "صموئيل هولدهايم"(1806-1860) من زعماء هيكل برلين عام 1849, وقد أقدم على استبدال السبت اليهودي ومراسيمه بالأحد المسيحي وطقوسه ، وألغى الاحتفال باليوم الثاني لشهود القمر الجديد وولادته ، ومع ظهوره وظهور جايجر بدأت حركة الإصلاحيين تتخذ أشد تطرفا وغلوا من قبل ، فقد صرحا معا بلغة واضحة حتى اليهودية عقيدة دينية وأخلاقية صرفة ليس فيها ما يشير إلى خصائص قومية .

7- وترتبط هذه الحركة الإصلاحية أيضا باسم " إسرائيل جاكبسون أوجيكوبسون "(1768-1828) الذي أسس أول هيكل (كنيس) يهودي للإصلاح في مدينة " سيسن برنزويك" بجهده الخاص ومن ماله ، وقد جرى في هذا الهيكل ولأول مرة في تاريخ اليهودية أداء الصلوات والطقوس الدينية وفق صيغ المسيحية وتنطقيدها الكنسية ، وأول مناسبة يسمى فيها المعبد اليهودي بالهيكل .

8- سولومون فورمستشر (1808 - 1889) Solomon Formstecher حاخام ومفكر ديني ألماني يهودي، وأحد قادة حركة اليهودية الإصلاحية. اشهجر في المؤتمرات الحاخامية المتنوعة التي تناولت قضية اليهودية في العصر الحديث، وخط عدة دراسات عن فلسفة الدين، ويُعَدُّ مؤلفه ديانة الفكر (1841) أبرز مؤلفاته التي يصف فيها اليهودية بأنها ليست ديانة طبيعية (أي متمركزة حول الطبيعة) وإنما ديانة فكر عالمية ترى حتى الإله يتجاوز الطبيعة، وأنه الحقيقة المطلقة ومصدر القيم. ويقصد فورمستشر بالفكر التحقق التاريخي الواعي للمطلق. ويمضى فورمستشر إلى حتى التوحيد في الإسلام والمسيحية ليس كاملاً كما هوالحال مع اليهودية، وإنما هوتوحيد مختلط تمتزج فيه العناصر الوثنية بالعناصر التوحيدية، وبذا تظل الأمة اليهودية التعبير الوحيد الصافي عن المطلق.

9- ومنهم إيـوجـــين بورويتـز (1924- ) Eugene Borowitz حاخام ومفكر ديني إصلاحي. وُلد في نيويورك، وكان ابناً لموظف في أحـد مصانع الملابـس. تفهم في جامعـة أوهـايووكلية الاتحاد العبري، وحصل على الدكتوراه في التربية من جامعة كولومبيا. عمل بورويتز حاخاماً في عدد من المدن الأمريكية من بينها نيويورك، كما عمل حاخاماً في البحرية الأمريكية. من أبرز مؤلفاته لاهوت يهودي حديث يُولَد (1968) حيث يلخص المواقف اللاهوتية اليهودية الأساسية في العصر الحديث. أما كتابه القناع الذي يلبسه اليهود (1973)، فهويتناول ما يتصور بورويتز أنه الأقنعة التي يرتديها يهود أمريكا. ويتناول الكتاب قضايا، مثل: الاندماج، وكُره اليهودي لنفسه، ومفهوم الشعب اليهودي، وعلاقة يهود الولايات المتحدة بالتنطقيد الدينية اليهودية. ويتكون كتابه اليهودية الإصلاحية اليوم (1978) من ثلاثة أجزاء، وهويتناول الأفكار والممارسات الأساسية لليهودية الإصلاحية، ويؤيد بورويتز في هذا الكتاب الاتجاه المتصاعد في صفوف اليهودية الإصلاحية نحوتَبنِّي الصهيونية والعودة إلى ممارسة بعض الشعائر اليهودية باعتبارها سبيلاً لتقوية الهوية. ويقوم بورويتز بتحرير مجلة شماع التي تعبِّر عن أفكار اليهودية الإصلاحية.

10- ومنهم كوفمــــان كولـــر (1843-1926) Kaufmann Kohler أحد زعماء اليهودية الإصلاحية. وُلد وتلقَّى دراسته في ألمانيا، ثم استقر في الولايات المتحدة عام 1869. وعمل حاخاماً للجماعة الإصلاحية في شيكاغوونيويورك إلى حتى عُيِّن رئيساً لكلية الاتحاد العبري عام 1903، وظل في هذا المنصب ثمانية عشر عاماً. وكان كولر الشخصية الأساسية في مؤتمر بتسبرج الإصلاحي حيث تم تَبنِّي قراراته الإصلاحية الشهيرة. كان كولر محرراً كثير الإنتاج في حقلي الفلسفة واللاهوت، وكان معارضاً قوياً للصهيونية. وقد أسهم في تطور اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة، وكان يُعَد العالم الإصلاحي الأساسي. اشهجر في تحرير الترجمة اليهودية الأمريكية للعهد القديم، وفي الموسوعة اليهودية (القديمة التي صدرت في أوائل هذا القرن). وله دراسة منهجية تاريخية للاهوت اليهودي تُعَدُّ من أبرز أعماله .


التسمية وأسباب النشأة

التسمية

تسمى هذه الحركة بـ ( الحركة الإصلاحية اليهودية ) و( التقدميين ، التقدمية ) -وعادةً ما يُستخدَم مصطلح «تقدمي» بديلاً لمصطلح «إصلاحي» خارج الولايات المتحدة - ، و( الليبراليين ، الحركة الليبرالية ) و( المتنورين ، حركة التنوير) و( اليهودية المتحررة) وبعضهم يطلق عليها ( اليهودية التجديدية) والبعض يرى أنها فرقة أخرى ، وكانت تسمى ( الهسكالاة) أي التفهم واليقظة والنهضة . وهي العصرانية عند اليهود ، وتسمى الإتجاه الإندماجي ، وهي حركة فهمانية حاولت إصلاح اليهودية من خارجها ، وشعارهم : ( كن يهوديا في بيتك وإنسانا خارج البيت ) . وتسمى الحركة : " النيولوج" وهوالاسم العهدي (غير الرسمي) الذي كان يُطلَق على أعضاء الجماعة اليهودية في المجر والمنتمين إلى اليهودية الإصلاحية. يقول د. المسيري : (وهذه المصطلحات ليست مترادفة تماماً، إذ يُستخدَم أحياناً مصطلح «اليهودية الليبرالية» للإشارة إلى اليهودية الإصلاحية التي حاولت حتى تحتفظ بشيء من التراث. كما استُخدم المصطلح نفسه للإشارة إلى حركة دينية أسسها كلود مونتفيوري في إنجلترا عام 1901، وكانت متطرفة في محاولاتها الإصلاحية. أما مصطلح «اليهودية التقدمية» فهومصطلح عام يشير إلى التيارات الإصلاحية كافة) . ويقول منير البعلبكي في تعريف العصرانية : ( إنها حركة تجديد واسعة نشطت في داخل الأديان الكبرى ، داخل اليهودية وداخل النصرانية ، وداخل الإسلام أيضا ، إذا هذه الحركة للتجديد عهدت في الفكر الديني الغربي باسم العصرانية "modernism". وحدثة عصرانية هنا لا تعني مجرد الانتماء إلى هذا العصر ، ولكنها مصطلح خاص ، إذ تعني العصرانية في الدين : أي وجهة نظر في الدين مبنية على الاعتقاد بأن التقدم الفهمي والثقافة المعاصرة ، يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية على ضوء المفاهيم الفلسفية والفهمية السائدة ) .

أسباب النشأة

وأما مسببات النشأة فذكر المؤلفون أسبابا كثيرة ، وهي :

أولا : تبني الإيمان بروح العصر ، وأهمية التطوير في الدين ليناسب العصر ، وساعدتها الثورة العقلانية في أوروبا.

ثانيا : وهويشبه الأول أنها اتىت نتيجة لحركة التنوير في القرن الثامن عشر ، وازدياد معدلات الفهمنة في العالم الغربي وفي اليهود .

ثالثا : ومن الأسباب : ما يدور من شكوك حول النص الديني ، وكثرة تناقضاته بحيث يمكن لكل أحد حتى يجد مستند لفكرته.

رابعا : ومن مسببات النشأة أنها رد عمل للمتشددين الحسيديم وغيرهم ، وإنقاذ اليهود من القيود التي كانوا يعانون من وطأتها طوال القرون . فيذكر الدكتور حسن ظاظا / ما ملخصه : أنه لا يمكن الحديث عن هذه الفرقة منفصلة عن شعبة من اليهودية التقليدية وهي شعبة المتصوفين ( الحسيديم ) وهم الذين وصلوا باليهودية المظلمة إلى أقصى درجات الدروشة ، والتعلق بالخرافات ، وانادىء المعجزات ، وفهم الغيب ، ونحوذلك من مظاهر الدجل التي تلازم انحطاط الفكر الديني ، في جميع الأديان ، وجموده .

وفي الوقت الذي كادت تسيطر هذه الفرقة على أرواح اليهود في أوروبا الشرقية وجزء من أوروبا الغربية ، وعلى أجسامهم وأموالهم ، ومع رقي الفهم والثقافة في أوروبا ، وظهور القوميات المستقلة ، وتألق نظريات الحرية الفردية وحقوق الإنسان ، أتيح لبعض الشباب اليهودي حتى يأخذ بنصيبه من العلوم الحديثة ، وأن يدخل من أبواب الفهم نحووعي أكثر من هذه الإنعزالية اليهودية ، وكانت هذه الحركة طلائع الوعي الفكري اليهودي . فكانت هذه الحركة ردت عمل طبيعي للحسيديم ، بل ولقرون التزمت والظلمات والدروشة ، ولذلك كرهوالمشنا والتلمود وكان عدوهم اللدود هوكتاب " شولحان عاروخ " الذي جمع فيه الرّبي يوسف كاروجميع الشرائع والأحكام والفتاوى والتفريعات الواردة في المشنا والتلمود ، وأصبح العمدة عند المتحذلقين من اليهود ، وكان الإصلاحيون يعتبرونه رمزا للجمود والتأخر ، وعقبة في طريق التقدم .

خامسا : ومن الأسباب المذكورة أنها تأثرت بحركة الإصلاح الديني البروتستانتية التي همشت دور القساوسة والبابوات ، وجعلت الكتاب المقدس مطروح لكل أحد يفهمه دون الحاجة إلى من يفسره.

سادسا : طبيعة الديانة اليهودية ، فليس فيها مثلا معيار ديني يمكن به فهم اليهودي من غيره ، كما يوجد في الإسلام مثلا معيار يعهد به المسلم من الكافر ، وعدم وجود تحديد واضح لأركان افيمان في العهد القديم ، ما يوجد في دينهم من تقديس للحاخامات مما جعل للعقل البشري مجالا في الدين ، ومحاولة الوصول لهذه الفترة أوإوالة الفواصل بين هذه الطبقة وغيرها من الطبقات . وكانت هذه الطبيعة في الديانة نتيجة طبيعية فإن التوراة لم تدون إلا بعد نزولها بفترة طويلة ، ودخل شروحها اختلافات كثيرة .

سابعا :وقد بدأ الإصلاح أيضا حين لاحَظ كثير من قيادات اليهود انصراف الشباب تدريجياً عن المعبد وعن الشعائر اليهودية بسبب جمودها وأشكالها التي اعتبروها بدائية متخلفة .

ثامنا : ومن الأسباب فشل اليهودية كنسق ديني في التكيف مع الأوضاع الجديدة التي نشأت في المجتمع الغربي ابتداءً من الثورة التجارية واستمرت حتى الثورة الصناعية وبعدها، وكذلك سقوط الجيتوكما يذكر د. المسيري .

تاسعا : وذكر في بعض المواقع على الشبكة حتى سبب نشأة الحركة التأثر بالأفكار التي غرسها نابليون بونابرت وهي فكرة المساواة في فرنسا وفي البلدان الأوروبية التي وصلها نفوذه .

عاشرا: الشتات والعزلة والاغتراب الذي أصاب اليهود لمدة قرون كان من أبرز مسببات نشأتها ، فكان أنصار هذا التيار يدعون لخروج اليهود من معازلهم ليأخذوا حقوقهم من دولهم ومجتمعاتهم، ويقومون بواجبهم تجاه أوطانهم التي يجب حتىقد يكون لها ولاءهم أولاً وأخيراً على أساس المساواة في الحقوق والواجبات والمواطنية الكاملة . وكل من المؤلفين يعبر عن هذا بأسلوب ، ولا مانع حتىقد يكون جميع هذه الأسباب سليمة . فيعبر د. المسيري عن مسببات النشأة بما ملخصه : تحاول الحركة حل إشكالية الحلول الإلهي في الشعب اليهودي ، وفي مؤسساته القومية ، فهذا الحلول يجعل منهم شعبا مقدسا ملتفا حول ذاته ، ولا يشير إلى شيء خارجه ، وهوأمر مقبول داخل إطار المجتمع التقليدي ، ولكن مع ظهور الدولة القومية التي ترى نفسها مطلقا فهي مرجعية ذاتية لا تقبل مرجعية متجاوزة لها ، أصبح من الصعب حتى تتعايش نقطتان مطلقتان – كما يعبر د. المسيري – داخل المجتمع الواحد .

لذا كان على أعضاء الجماعات اليهودية حتى يتعاملوا بشكل أوبآخر مع الحلولية اليهودية التقليدية ، وكان عليهم الوصول إلى صيغة حديثة لليهودية يمكنها التعايش مع الدولة القومية الحديثة المطلقة مع إصرارها على حتى يعيد اليهودي صياغة ذاته ورؤيته حتى يدين لها وحدها بالولاء .

وقد حاولت اليهودية الإصلاحية حل إشكال الشعب المقدس عن طريق تبني الحل الغربي للمشكلة ، وهوحتىقد يكون الحلول الإلهي في نقطة ما في الطبيعة أوفي الإنسان أوفي التاريخ ، بحيث يشكل المطلق ركيزة نهائية كامنة في هذه النقطة وغير متجاوزة لها ، وقد ظهر الكثير من هذه المطلقات الدنيوية أوالغيبيات الفهمانية ، لكن الذي يهمنا هوالمطلق الدنيوي الذي يسمى " الروح" "جايست" في أدبيات القرن التاسع عشر في أوروبا ( " روح المكان " أو" روح العصر" أو" روح الشعب " أو" روح الأمة " ) الذي حل محل الإله وقد آمن الإصلاحيون بروح العصر ( بالألمانية : تسايت جايست zeitgeist).

وهذه الصياغة من الحلولية تلغي الإله كنقطة متجاوزة ، فتتوسع نقطة الحلول بحيث يصبح المطلق "روح العصر" إطارا يضم جميع من اليهود والأغيار ، وبذلك تصل اليهودية إلى صيغة تلائم العصر ، وتتخلص من آثار الحلولية الجامدة التي عزلت اليهود عن مجتمعاتهم وجعلت معتقداتهم الدينية عبئا ينوؤون بحمله ، وجعلت تعايشهم مع المطلق الجديد ( الدولة الفهمانية الحديثة ) محالا .ا.هـ ويرى الإصلاحيون حتى اليهود شتتوا في أطراف الأرض ليحققوا رسالتهم بين البشر ، وأن النفي وسيلة لتقريبهم من الآخرين وليس لعزلهم . واتى نادىة هذه الحركة ليقولوا بضرورة التخلي عن العنصرية التعصبية القديمة عند المطالبة بالحقوق المدنية ، يقول إسحاق صمويل : ( كيف من الممكن أن نبرر أنفسنا أمام الأمم إذا كنا نثبت بسلوكنا جميع يوم حتى استمرارنا في التدين يتعارض مع التمتع بالحرية والمساواة ) .


الآراء والأفكار

كانت لمندلسون آراء جديدة على اليهود من الناحية السياسية والإنسانية العامة ، وهي تعتبر دستورا لهذه الفرقة ، وخلاصتها : 1- أن اليهود يجب حتى يندمجوا في إنسانية العصر ، وأن يخرجوا من قسقطة العنصرية التي حبسوا أنفسهم فيها طيلة قرون طويلة . 2- أن اليهودية دين فقط ، وليست جنسية ، وأنه من الخطأ حتى أقول " يهودي إنجليزي " أو" يهودي روسي " ..الخ ، والأصح حتى ينطق إنجليزي متدين باليهودية ، وروسي متدين بها ، إلى غير ذلك . 3- أن المساواة في الحقوق المدنية بين اليهود وغيرهم غير ممكنة إلا إذا اعتبر اليهود أنفسهم مواطنين في البلاد التي يعيشون فيها ، لا يتميزون بلباس أوأكل أولغة 4- لا يمكن ذلك إلا إذا تحدث اليهود بلغات أوطانهم ، وتفهموا في مدارسها ، وحاربوا في جيوشها ، ولبسوا من الملابس ما يشبه بقية المواطنين ، وخرجوا من الجتووأقاموا مع غيرهم من الناس .


الجهود في سبيل تحقيق الأفكار

لم يغير مندلسون بنفسه شيئا من الشرائع والطقوس التقليدية القديمة ، ولم يتحقق في حياته شيء مما أراده إذ لم تختف مظاهر التعصب والكراهية والتمييز الديني ضد اليهود واليهودية ، لكن أتباعه غيروا الشيء الكثير ، لكي يعطوا للدين اليهودي صورة إنسانية ووطنية دون حتى يضطروا إلى القيام بالتعمية على شكل شريعتهم ، ورغم حتى الحركة استهدفت ابتداءا ، فإن السبب الجوهري وراء نشاط الحركة ونموها الذي هيمن على مساراتها كان يتمثل في الدعوة إلى التوافق مع مطالب العصر والانصهار في المجتمع الغربي الحديث .

المؤتمرات والمنظمات

فقد كان للحركة عدة مؤتمرات صاغت منطلقاتها :

المؤتمر الأول : وكان من أخطرها تاريخيا عقدته الحركة لنزع الخلاف الذي حصل بين بعض أفرادها بسبب إنكارها لقدسية التوراة ، هوالمؤتمر الذي عقد بمدينة فرانكفورت عام 1845 والذي جرى فيه نقاش عام وتام للتغييرات التي أجريت على الطقوس والمراسيم الدينية ، وقد نادى عدد من الوفود إلى إلغاء تام للعبرية ، باعتبار حتى تأكيد المحافظة عليها ينتهي إلى القول بأن اليهودية ديانة قومية ، في حين أكدت أغلبية الوفود على ضرورة الإبقاء عليها لا باعتبارها القومي والتاريخي وإنما مراعاة لمشاعر أبناء الجيل القديم وتقديرا لعواطفهم .

الثاني : وكان أكبر وقع شهدته الحركة أيضا عام 1885, حيث اجتمع تسعة عشر حبرا من مفكريها في أمريكا وأصدروا وثيقة هامة ، ظلت لمدة نصف قرن تعبر عن مبادئ الحركة وعقيدتها ، وعهدت هذه الوثيقة باسم " خطة بتسبرج" ضمت ثمانية مبادئ . تدعوا إلى موافقة العقل ، والتلاؤم مع أفكار العصر ، وأن لا يقبل من الشريعة الموسوية إلا أحكامها الأخلاقية .

الثالث : ومن هذه المؤتمرات وهوأقدم مما قبله : مؤتمر برونزويك 1844, حضره 24 حاخاما معظمهم من الاصلاحيين ، وكانت نتائجه إلغاء صلاة جميع النذور ، واعتبار البلاد التي يعيشون فيها أوطانهم وبلاد آبائهم ، والموافقة على الزواج المختلط والنسلقد يكون يهوديا .

المؤتمر الرابع : مؤتمر برسلاء 1846: حضره22حاخاما إصلاحيا ، وكانت نتائجه تعديل قوانين السبت والتخفيف من حدتها ، وألغى اليوم الثاني من الأعياد ، وحاول تعديل طريقة الختان ، وأبطل بعض عادات الحداد ، وأدى ذلك إلى زيادة الخلاف مع اليهود الآخرين ، وتوقفت المؤتمرات في ألمانيا وبدأت في أمريكا.

المؤتمر الخامس : مؤتمر فيلادلفيا : حضره 12 حاخاما إصلاحيا ، كانت نتائجه إنهاء بقايا التفرقة بين الكهنة واليهود العاديين ، إنكار البعث ، والصلاة تكون بلغة الوطن . المؤتمر السادس : المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين 1889: وقد اصبح يعقد سنويا بعد ذلك ، وكانت نتائجه : أعدت خط صلوات ، اختفت النزعة القومية ، البعد عن استخدام اللغة العبرية ، وكان في بدايته معاد للصهيونية ، ولكن مع استمرار عقده وفي عام 1974 جعل من المهم إعمار فلسطين وانعكس ذلك على كتاب الصلوات الذي عدل بعد.

ومما خلق من جهود لنشر فكر هذه الحركة : كلية الإتحاد العبري ، المعهد اليهودي للدين : وهومعهد ديني يهودي أسسه إسحق ماير وايز عام 1875 في سنسناتي بولاية أوهايوالأمريكية لدعم اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة، ودفعها إلى الأمام. وقد أسس ستيفن وايز المعهد اليهودي للدين في نيويورك عام 1922 لتحقيق الأهداف نفسها. واتحدت المدرستان عام 1950 تحت اسم كلية الاتحاد العبري ـ المعهد اليهودي للدين. وكان من بين رؤسائها: ستيفن وايز، وإسحق وايز، وكولر كوفمان. ويتخرج في هذه المدرسة الموحدة نحو30 حاخاماً في السنة بعد خمس سنوات دراسية. وقد خرَّجت مدرسة سنسناتي ما يربوعلى ستمائة حاخام. وقد خرجت مدرسة نيويورك أكثر من مائتين وخمسين حاخاماً. وتغطي مدرسة سنسناتي مساحة تساوي 18 هكتاراً تقريباً، وتحتوي مخطتها على 140.000 كتاب، و3.000 مخطوط، و3.000 مخطوط للموسيقى. وهي تنشر كتاباً سنوياً ودراسات في الببليوجرافيا وأخبار الخط. وفي سنة 1947، أسست المدرسة الأرشيف اليهودي الأمريكي، الذي يهدف إلى تطوير دراسة تاريخ اليهود في الولايات المتحدة. ويتبع المعهد كذلك متحف لبعض المقتنيات المهمة من وجهة النظر اليهودية. وتضم المدرسة التي مقرها نيويورك مدرسة الاتحاد اليهودي للتربية لإعداد مديري المدارس والمدرسين للعمل بالتعليم الديني اليهودي، كما تضم مدرسة الاتحاد اليهودي للموسيقى الدينية التي تدرِّب المرتلين بعد أربع سنوات من الدراسة. وتضم مخطتها ما يزيد على 50.000 كتاب. ولكلية الاتحاد اليهودي مركز فرعي في القدس .

وقد أسست أولى الأبرشيات الإصلاحية في فلسطين عام 1936, في حيفا وتل أبيب والقدس ، وفي عام 1939, اسست مدرسة ليوبابك في حيفا ، وهي أول مدرسة دينيية غير أرثوذكسية في فلسطين ( إسرائيل) ، ويعد معبد أيل الذي أسس عام 1958 أقدم المعابد الإصلاحية (التقدمية) في إسرائيل ، وفي عام 1963, أسست كلية الاتحاد العبري فرعا لها في القدس . وقد تم توسيعها عام 1987 ، ثم اصبحت المقر الرئيسي للإتحاد العالمي لليهودية التقدمية ، ويوجد قسم بالكلية لإعداد الإسرائيليين ليصبحوا حاخامات إصلاحيين ، وقد تم ترسيم أول حاخام إصلاحي متخرج في المدرسة عام 1980 ، وبلغ عددهم 12 عام 1992 ، وكل حاخامات إسرائيل الإصلاحيين (التقدميين) أعضاء في مجلس الحاخامات التقدميين . ولا يقبل حاخامات إسرائيل الإصلاحيون تعريف اليهودي الذي يقبله حاخامات الولايات المتحدة الإصلاحيون . ويوجد فرع لكلية الإتحاد العبرية في إسرائيل ، وقد انتقل المقر الرئيسي للاتحاد العالمي لليهودية التقدمية إلى القدس عام 1972, وفي عام 1980 تم تأسيس حركة الشباب الدولية الإصلاحية الصهيونية في القدس وتتبعها عشرة فروع ، وتتبع الفرع الإسرائيلي حركة الكشافة الإسرائيلية ، ولا يزيد عدد اليهود الإصلاحيين في إسرائيل عن عشرين ألف وهذا ما يراه المسيري أما غيره فيرى أنهم لا يزيدون عن ألف يهودي إصلاحي .

وأيضا : الاتحـــاد العــالمي لليهوديــة التقدميــة World Union for Progressive Judaism وهي منظمة أُسِّست في لندن عام 1926 للتنسيق بين مجموعات اليهود الإصلاحيين ولتأسيس مراكز جديدة لليهودية الإصلاحية. ويعقد الاتحاد مؤتمراً عالمياً لمناقشة موضوع بعينه. وقد أسس الاتحاد في سنة 1955 مركزاً عالمياً للدراسات الدينية والتدريب في باريس للحاخامات التقدميين الإصلاحيين. وتتبع الاتحاد مؤسسات في 18 بلداً، كما يتبعه نحومليوني عضو. ولقد تم الاعتراف بالاتحاد كمنظمة استشارية غير حكومية في الأمم المتحدة واليونسكو.


التغييرات والآراء

مما عمله أتباع مندلسون نتيجة لتلك المؤتمرات والجهود الأخرى أنهم عدلوا فكرة التوراة حتى أصبحت بالنسبة لهم مجرد نصوص أوحى الله بها للعبرانيين الأولين ، فيجب احترامها لكن يجب حتى تتكيف مع العصور المتنوعة ، فيكون للقانون الإلهي السلطة والحق طالما كانت أوضاع الحياة التي اتى لمعالجتها مستمرة ، وعندما تتغير الأوضاع يجب حتى ينسخ القانون ، حتى وإن كان الإله صاحبه ومشرعه ، أي حتى الشريعة فقدت سلطتها الإلزامية المطلقة وأصبحت روح العصر النقطة المرجعيه والركيزة النهائية . يقول اليهودي " هولدهايم" في أحد خطه : ( إذا التلمود يتحدث متأثرا بفكر زمانه ، وهوحق في ذلك الزمان ، وأنا أتحدث منطلقا من فكر متقدم في عصري هذا ، وبالنسبة لهذا العصر فأنا محق ) ، وبهذا المبدأ أزاح هولدهايم التلمود من مكانته التشريعية المعهودة عند اليهود . وكان من أبرز ما أحدث أتباع مندلسون وقد تجاوز ذكر بعضها :

1- إنقاص الأدعية والصلوات إلى الحد الأدنى ، مع إباحة تلاوتها بلغات البلاد القومية حيث يعيش هؤلاء اليهود . 2- نادى جايجر بحذف جميع الإشارات إلى خصوصية الشعب اليهودي من جميع طقوس الدين وعقيدته وأخلاقه وأدبه . 3- أبطلوا جميع الفوارق بين الكهنة واللاويين وبقية اليهود. 4- هجر الترانيم الشعرية العبرية والآرامية القديمة . 5- إدخال الآلات الموسيقية وفرق الإنشاد الجماعي " الكورس" من الجنسين في المعبد والترنم بألحان حديثة مؤلفة ومكتوبة"على النوتة" خصيصا لطقوسهم ، وانتهى ذلك التطوير بإدخال الأرغن في المعبد اليهودي تقليدا للكنائس والكاتدرائيات. 6- أنكروا في اعتقادهم حتىقد يكون "الخلاص" معناه إقامة دولة في فلسطين ، وهم بذلك كانوا وما زالوا من الفرق غير الصهيونية ، فعندهم حتى الخلاصقد يكون في الدنيا بالحصول على المساواة في الحقوق المدنية ولا ضرورة إطلاقا لربط ذلك بفلسطين أوبغيرها من البلاد . فمن مواقفهم المفصلية (نحن لا نعتبر أنفسنا أمة بعد اليوم، بل جماعة دينية، ولذا نحن لا نتسقط عودة إلى فلسطين، أوعودة قربانية في ظل أبناء هارون، ولا استرجاعاً لأي من القوانين المتعلقة بالدولة اليهودية). فقد رفضوا وعد بلفور وكل المحاولات السياسية التي تنطلق من فكرة الشعب اليهودي . 7- خالفوا جميع اليهود إذ نطقوا إذا الله عمل خيرا ببني إسرائيل إذ فرقهم في الأرض ، فهم بذلك يستطيعون حتى يعيشوا في جميع الآفاق وأن يقيموا فيها الدليل على الدعوة الموسوية . 8- كما عدل الإصلاحيين من فكرة عودة (الماشيح) فأحلوا محلها فكرة العصر الحديث، عصر حضارة العقل والقلب الجامعة، اقترابا لتحقيق أمل (إسرائيل الماشيحاني) العظيم من أجل إقامة مملكة الحقيقة والعدالة والسلام بين جميع البشر. 9- ولأنهم صرفوا النظر عن إعادة بناء الهيكل في أورشليم بالذات ، فإن جميع معبد من معابدهم في أي مكان يطلق عليه اسم " الهيكل" ، وكانت هذه أول مرة يستخدم فيها هذا المصطلح ، لأنه لم يكن يطلق إلا على الهيكل الموجود في القدس ، ومعنى ذلك حتى الإصلاحيين بتسميتهم معبدهم هذه التسمية الجديدة " هيكل" كانوا يحاولون تعميق ولاء اليهودي إلى الوطن الذي يعيش فيه ، ويحاولون نقل الحلول الإلهي من مكان سيعودون إليه في آخر الأيام إلى مكان يرتادونه هذه الأيام . وأول هيكل خصص للطائفة هوالذي هيأه في بيته اليهودي الإصلاحي إسرائيل يعقوبزون كما تجاوز ، وفي سنة 1818 شهدت الطائفة تشييد أول هيكل يبنى خصيصا إقامة الشعائر ، في الثغر الألماني الكبير همبورج ، وكانت الصلوات ، معضمها إذا لم يكن كلها ، تنطق فيه باللغة الألمانية لا العبرية طبقا لمبادئ اليهود الإصلاحيين ، واتى في خطبة افتتاح أول معبد لهم ( إذا الدنيا كلها تتغير من حولنا ، فلماذا نتخلف نحن ) . 10- أباحوا اختلاط الجنسين من المصلين في هذا " الهيكل" وأجازوا الزواج بغير اليهودي . 11- منعوا تغطية الرأس أثناء الصلاة أواستخدام تمائم الصلاة " تفيلين". متأثرين في ذلك بالصلوات البروتستانتية. 12- حاولوا تأكيد الجانب العقائدي والأخلاقي على حساب الجانب الشعائري أوالقرباني ، فهم يرون حتى اليهودية الحاخامية تدور في إطار الشعائر المرتبطة بالدولة اليهودية والهيكل ، والتي لم تعد لها أي فعالية أوشرعية ، فيقول بعضهم : ( حتى جوهر اليهودية ليست أشكالا ولا حتى شريعتها ، ولكن جوهرها هوأخلاقها ) 13- أعادوا في الجانب الفكري تفسير اليهودية على أساس عقلي ، وأعادوا دراسة التوراة على أسس فهمية فالعقل أوالفهم هوموضع الحلول الإلهي ، أوالمطلق في المنظومات الربوبية . 14- نادوا بأن الدين اليهودي أوالعقيدة الموسوية وهي التسمية المقدمة لديهم تستند إلى قيم أخلاقية تشبه قيم الأديان الأخرى. 15- سمحوا مؤخرا بترسيم حاخامات إناث . 16- لا اعتراف بأي يوم من أيام الصيام ، بعد حتى كان اليهود يصومون أيام كيوم الغفران وأسابيع الحداد وغيرها . 17- أبطلوا لبس شال الصلاة إلا للحاخامات ، كما أنهم أصبحوا لا يلبسون طاقية الصلاة . 18- نفوا وجود الملائكة. 19- أنكروا فكرة البعث والجنة والنار ، وأحلوا محلها فكرة خلود الروح . 20- أسقطوا معظم شعائر السبت ومن بينها تحريم استخدام السيارة بما في ذلك الوصول للمعبد ، وعدم استعمال أية آلة كهربائية ، وهم في الوقت الحاضر لا يحتفلون في يوم السبت وإنما يختار أعضاء الأبرشية أي يوم في الأسبوع للاجتماع ، وتأخذ الشعائر في هذه الحالة شكل صلاة قصيرة وقراءة بعض الفقرات من أي كتاب ، ولعل هذا هوالفوز النهائي لروح العصر . 21- وقد ازداد التكيف مع روح العصر تطرفا ، ولذا فقد قبلت اليهودية الإصلاحية الشواذ جنسيا كيهود ، ثم رسمت بعضهم حاخامات ، وأسست لهم معابد إصلاحية معترفا به من قبلهم . اتى مسقط هيئة الإذاعة البريطانية/ بي . بي . سي : "ووافق المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين التابع لحركة الإصلاح اليهودية على مباركة زواج الشواذ من الجنسين في طقوس دينية يهودية . ونطق رئيس المؤتمر الحاخام تشارلز كرولوف : إذا من حق الشواذ الاعتراف بزقابلم واحترامهم . إذا المؤتمر اليهودي مضى بموافقته تلك إلى مدى أبعد من أي حركة دينية أخرى في الولايات المتحدة في منح حقوق للشواذ ؛ فحتى صدور هذا القرار كان الشواذ يضطرون للبحث عن حاخام يقبل تزويجهما بصورة فردية . وكانت مراسم الزواج تتفاوت بين مباركة بسيطة وعرس تام يشبه حفلات الأعراس التقليدية . في عام 1990م وافقت الحركة على تعيين حاخامات يهود من الشواذ اعتماداً على مبدأ حتى جميع اليهود متساوون في التدين بغض النظر عن توجهاتهم الجنسية" . 22- اهتموا جدا بالوعظ والإرشاد في داخل الهيكل ، بحيث كانوا يختارون لكل هيكل ، إلى جانب " الحزان " وهوالحاخام الذي يقوم بالكهانة في أثناء الطقوس ؛ خطيبا يتحرون فيه طلاقة اللسان وسعة الفهم وقوة التأثير في الجماهير ، ويسمى عندهم " مَطِّيف" ومن أشهر هؤلاء الوعاظ الخطيب اليهودي الإصلاحي المشهور " إبراهام جايجر " كما تجاوز . 23- عادوا الحركة الصهيونية وكان هذا من الطبيعي ، وقد عقدوا عددا من المؤتمرات للتعبير عن رفضهم للصهيونية . 24- وانتهى الأمر بهذه الحركة إلى حتى خلعت النسبية على جميع العقائد ونزعت القداسة عن جميع شيء ، أي أنها في محاولتها إدخال عنصر النسبية الإنسانية والتهرب من الحلولية ، سقطت في نسبية تاريخية كاملة بحيث أسقطت جميع الشعائر وكل العقائد تقريبا ..

وطبيعة هذه الطائفة كانت تفرض عليها حتى تظل نشيطة لا تتوقف عن الحركة ، والواقع أنها لم تقصر من هذه الناحية ، فكان أقطابها ما يزالون يجتمعون في مؤتمرات عامة ، وكان من أوائلها مؤتمر في برنشويج وآخر في فرانكفورت وثالث في برسلوفي السنوات من 1844 إلى 1846 .

الآثار والمواقف

الآثار على أتباعها

التجربة الواقعية أثبتت حتى (الديانة اليهودية) بدون طقوسها الخاصة التقسقطية تصبح لا شيء ، ولذا كان من اليسير، بل من المنطقي بالنسبة لليهود المندمجين المعتنقين للممضى الإصلاحي حتى يعتنقوا المسيحية . فأولاد موسى مندلسون وأولاد فرايد لندر، كلهم اعتنقوا المسيحية ، ويذكر ابراهام ليون أنه خلال ثلاثين سنة تحول نصف يهود برلين إلى المسيحية . وكان كثيرون أيضا يخرجون من الدين ويعتنقون المسيحية رغبة في السلام وإيثارا للإندماج وأملا في الحصول على مراكز متقدمة في الحياة . ولقد كفر كثير من أتباع مندلسون بالدين عموما فتابع جميع عقله إلى حيث هداه ، عملا بوصايا مرشدهم .

الموقف منها والمعارضات وأسبابها :

قد كانت الإصلاحات في بداية الأمر ذات طابع شكلي وجمالي وقام بها أعضاء ليسوا جزءاً من المؤسسة الدينية ؛ ولذا ، لم تثُر ردة عمل حادة عند التقليديين برغم اعتراضهم على كثير منها، ولكن لما بدأت التغيرات تكتسب طابعاً عقائدياً واتجهت نحوإصلاح العقيدة نفسها، تغيَّرت طبيعة رد العمل، فقد لقي أصحاب هذه الحركة معارضات ومعوقات ومصاعب شديدة خاصة في شرق أوروبا. يقول أحد الكتاب : وبالرغم من نجاح حركة الاستنارة اليهودية في غرب أوروبا إلا أنها جوبهت بمقاومة عنيفة في شرق أوروبا بسبب ظهور القوميات في أوروبا وسرعة تطور الرأسمالية المحلية، الأمر الذي لم يتح التكيف لليهود المرتبطين بأشكال إنتاجية إقطاعية، هذا بالإضافة إلى وجود طوائف يهودية أكثر تخلفا من طوائف أوروبا الغربية مثل (الحسيدية) و(الربانيم) . وكان من مسببات لقاءة الإصلاحيين هوالتخوف الكبير من قبل نادىة (الأمة اليهودية) من هذه الحركة الإصلاحية. فقد كانوا يتخوفون من حتى يؤدي تنوير اليهود وخروجهم من عزلتهم واندماجهم في مجتمعاتهم لانتهاء أسطورة (الأمة اليهودية) وأسطورة (شعب الله المختار). ومن مسببات هذه المعارضات حتى الحركة الإصلاحية اتىت محاولاتها وسط دوامة التأثيرات التلمودية الواسعة على اليهود التي فاقت تأثير "التوراة" عليهم ؛ لذلك فقد اصطدم أنصار هذا التيار الذي أراد حتى يُخرج اليهود من تقسقطهم وانعزالهم، بسيطرة التلمود وسطوته على عقول أتباع الديانة اليهودية . وبسبب الأصولية اليهودية المتشددة لا يعترف الكيان الصهيوني بهذه الحركة لأن الأحزاب السياسية يمينية أوأصولية بحاجة إلى الأرثوذكسية . ولما كان الإصلاحيون يعادون الصهيونية ، وكانت الصهاينة جزء لا يتجزأ من المصالح الاقتصادية والحضارية للغرب ، والولايات المتحدة تشجع المشروع الصهيوني ، لم يكن من الممكن حتى تستمر العقيدة الإصلاحية في مقاومة الواقع الإمبريالي في الغرب ، الممالئ للصهيونية . ومما يبين حدة الخلاف بين أفراد الصهاينة والإصلاحيين ما اتى في صحيفة (هآرتس) والتي أوردت ذلك في عددها الصادر في 20/7/1998 : حتى اللجنة الحكومية التي يترأسها وزير مالية العدويعقوب نئمان ، أعدت توصية تقضي بإنشاء باحة إضافية جديدة إلى الجنوب من الباحة الرئيسية الحالية لما يسمى حائط المبكى ـ البراق ـ؛ لتكون «مكاناً بديلاً» يصلي فيه أتباع التيار الديني اليهودي الإصلاحي ، الذين تحرمهم الحاخامية اليهودية الكبرى حتى الآن من التعبد والصلاة مع أتباعها من المتدينين المتزمتين والمحافظين في نفس المكان من الباحة الرئيسة لما يسمى حائظ المبكى ـ البراق ـ الذي تحتكر الحاخامية الكبرى لنفسها المسؤولية عن إدارة شؤون صلاة اليهود فيه . وفي مسقط الشهيد على الشبكة : (واتهم رئيس بلدية القدس "إيهود أولمرت" الحركة اليهودية الإصلاحية ومقرها الولايات المتحدة بأنها "بصقت في وجه" إسرائيل بعدولها عن تنظيم رحلات للشباب اليهودي إلى إسرائيل. واتخذت الحركة قرارها بعد العملية الاستشهادية التي أسفرت في الأول من حزيران عن مقتل عشرين شخصا في تل أبيب، معظمهم من الشباب الإسرائيليين من أصل روسي) ، وهذا يبين المعارضة والانقسام في صفوف اليهود والذي اعترفوا به ، مما ينبغي معه على المسلمين من استغلاله لصالحهم إذا أمكن ، وقد تقدم بيان شدة معارضة الإصلاحيين أهداف الصهيونية السياسية .


ويمكن تلخيص العقبات والصعاب الأخرى التي اصطدمت بها حركة "التنوير اليهودي" كما لخصها بعض الكتاب فيما يلي :

1- تراجع شعارات المساواة في الحقوق والواجبات للجميع على أساس المواطنة الواحدة، إثر عودة الملكية إلى فرنسا، وسيطرة الأفكار الرجعية على أوروبا مجدداً وسيادة روح التعصب. 2-إن معظم الحركات اليهودية الفاعلة، كانت منتشرة في دول أوروبا الشرقية حيث كانت تحكم أنظمة تسلطية مطلقة. 3- النظرة الدونية تجاه الديانة اليهودية في دول أوروبا الشرقية، وبالتالي فلا مساواة بين المتفوق حضارياً والدوني الذي يجب عليه تمثل المتفوق لا المساواة معه. 4- عمليات القمع والإرهاب التي كانت تمارس بحق اليهود خارج الفيتوخاصة في أوروبا الشرقية. 5- المنافسة البرجوازية "المسيحية" لليهود في مجالات عملهم: التجارة – الأقراض. دون حتى تتوفر لليهود العوامل المناسبة (موضوعياً وذاتياً) لممارسة مهن أخرى. 6- الازدياد المطرد في أعداد اليهود، ففي روسيا على سبيل المثال "... على الرغم من معدلات الهجرة العالية إلى الولايات المتحدة، وعلى الرغم من اندماج أعداد لا بأس بها، فإن معدل تزايد السكان اليهود كان يفوق بمراحل معدل الهجرة والاندماج. لقد كان عدد اليهود عام 1850: 2.350.000 ، ولكنه تضاعف خلال خمسين عاماً ليصبح 5.000.000 عام 1895 .


أسماء أشهر المعارضين

1- كانت أول المضايقات والمعارضات للحركة من الأفراد من جانب الداعية العنصري الصهيوني "سمولنسكين " ومدرسته التي ضمت جماعة من أمثال المحرر والمفكر الصهيوني موسى هيس ومن قبله الحاخام المتطرف صبي كاليشر . 2- ومنهم الحاخام الأرثوذكسي الإسرائيلي تسفي هلبرشتاين الذي وصف الإصلاحيين بأنهم كفرة ، حتى إنه لم يستخدم حدثة يهود فيهم أصلا ، ونطق : أخرجوا أنفسهم عن الدين اليهودي ، وأصبحوا خارج السياج المحيط بشعب إسرائيل ، وليست لهم أية حصة في ارض إسرائيل . ثم أضاف قائلا : " إنهم طابور خامس ، خطره علينا أكبر من خطر التنازل عن أرض إسرائيل للعرب " والعرب أعدى أعداء اليهود . ويرى أنه يفضل إعطاء أنه يفضل حتى يعطي الأرض للعرب ، على حتى يساوم عليها في علاقته باليهودي الإصلاحي . 3- وصرح حاخام آخر " أرثوذكسي أمريكي " بأن اليهودية في واقع الأمر قد انقسمت انقساما عميقا ليس معهودا إلى يهوديتين : اليهودية الإصلاحية والمحافظة من جهة ، واليهودية الأرثوذكسية من جهة أخرى . 4- يقول الحاخام الروسي آحاد ( آشر جنزبرج) (1806-1927): (أن اليهودية إذ تخرج من أسوار الجيتوالانعزالية تتعرض لخسارة كيانها الأصلي، أوعلى الأقل وحدتها القومية، وتصبح مهددة بالانقسام إلى أكثر من نوع واحد من اليهودية). 5- ويكرر المفكر الألماني والزعيم الصهيوني ماكس نوردو( 1849-1923) نفس الفكرة في كتاباته إذ يقول : (كانت جميع العادات وأنماط السلوك اليهودية تهدف دون وعي إلى شيء واحد ، الحفاظ على اليهودية وذلك بعدم الاختلاط بالأغيار حتى تحافظ على المجتمع اليهودي، ولنستمر في تذكير الفرد اليهودي بأنه سيفقد ويهلك إذا هوتخلى عن شخصيته الفريدة، وهذا الدافع نحوالانفصال عن الغير، كان منبع جميع قوانين الطقوس الدينية التي كان اليهودي يعتبرها -عادة- في مرتبة إيمانه ذاته) فإتباع حركة التنوير – حسب تصوره - فيه بتر لكل جذور الحياة بالنسبة لليهود وفيه تقويض لبيت (إسرائيل) كليا . 6- ويرى " سامسون هرس" حتى موت اليهودية هوفي تطويعها لمبادئ العصر . 7- كما هاجمها الحاخام "الياهوبكاشي" واتهمها بإذابة ثلث اليهود في المجتمعات غير اليهودية ، وشبهها بالنازية ، وهذا يشكل خطرا على أفرادها ، وقد طلب الحاخام "أروي رجف" من حكومة الاحتلال الصهيوني التحقيق مع الحاخام بكاشي لإهداره دم اليهود الإصلاحيين إلى المجالس الدينية . 8- ومن بين أشد المعارضين للإتجاهات الإصلاحية وأصلبهم عودا وأغزرهم مادة الربائي "موسى صوفر" (1763-1863) من يهود برسبورغ الذي كان حاخاما ذائع الشهرة ومعروفا بفتاويه الشرعية التي بلغت في مجموعها مجلدات ضخمة ، والتي ما تزال لها قيمة شرعية لا تنسى. لقد انقلب صوفر بعنف على جميع دعوة إلى الحداثة والإصلاح في شئون الحياة الدينية لليهود ، وإليه وإلى جهوده وصراعه الدائب المستمر ضد الإصلاحيين يعود الفضل في إنحسار تيار الحركة الإصلاحية وفشلها في مجريا على الرغم من جهود أتباعها المخلصين وحماسهم المتزايد في الدعوة إلى برامجها . 9- وفي ألمانيا فقد وجدت الأصولية المحافظة أعظم نصير لها في إنسان "سمسون روفائيل هيرش"(1808-1888) الذي عارض بشدة بالغة أتباع الحركة الإصلاحية ، وأسس منهجا مغايرا لها عهد فيما بعد ب"الأرثوذكسية المحدثة " . وقد أعرب هيرش باعتباره ربائيا مسئولا عن طائفة الأرثوذكس في فرانكفورت مبدأ الاعتزال أوالهجرة ، قاصدا به ضرورة انفصال اليهود الأصوليين عن المجتمعات والهيئات التي تسود فيها النزعة الإصلاحية ، وتأسيس مجتمعات خاصة بهم .

تلك وغيرها كانت معوقات موضوعية أمام اندماج اليهود في مجتمعاتهم الأوروبية. لكن السبب الذاتي الكامن في الطبيعة الانعزالية – القبلية – للديانة اليهودية، كان العامل الحاسم في فشل حركة الهسكلاة – التنوير" بتفاعلة مع ما ذكرنا من عوامل موضوعية .

النتيجة ومستقبل الحركة

نتيجة لما تجاوز ، ولما كان أيضا على الإصلاحيين حتى يقابلوا العالم غير اليهودي ، مطالبين الأمم الأخرى بالشرائع الضرورية للإندماج والمواطنة ، أي أنهم كانوا مضطرين إلى حتى يخوضوا معركة الحرية وحقوق الإنسان في نفس الوقت . ولما كانت الحركة معارضة ومخالفة لما أكدته مسيرة التاريخ اليهودي كان سرعان ما ظهرت عيوب الحركة للمؤمنين بالعقيدة اليهودية . ولهذا لم تسر الأمور بالنسبة لهم يسيرة هينة ، مما سبب أن: انكمش كثير من اليهود عن حركة الإصلاحيين كما تجاوز . وتخلت الحركة بالتدريج عن رؤيتها الليبرالية ، وأخذت في تعديل رؤيتها بشكل يتواءم مع الرؤية الصهيونية ، وبالعمل بدأ الإصلاحيون في العودة إلى فكرة القومية اليهودية الصهيونية ، وإلى فكرة الأرض المقدسة . وقد حاولوا تبرير هذا التحول فبينوا حتى الأنبياء كانوا يؤيدون الإتجاه القومي الديني دون حتى يتخلوا عن الدفاع عن الأخلاقيات الإنسانية العالمية ، ودون حتى يجدوا أي تناقض بين الموقفين . والعام 1935 كان بداية انهيار التيار الإصلاحي، وقد اتى في البيان الختامي للمؤتمر المركزي له: "... كانت المقررات التي اتخذها المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين تصب في الخط المعارض للصهيونية، إلا أننا مقنعون بأن القبول بالبرنامج الصهيوني أورفضه يجب حتى يهجر أمره للحرية الشخصية لأعضاء المؤتمر. لذلك فإن المؤتمر لن يأخذ أي موقف من موضوع الصهيونية"، وفي العام 1937 في مؤتمر كولومبس، اتى في البند الخامس من البيان الختامي: "إن اليهودية هي الروح، وإسرائيل الجسد"، وأضاف البيان: "يجب على جميع يهودي تقديم العون لبناء فلسطين وطناً لليهود، لا من أجل حتى تكون مأوى للمستضعفين فحسب بل لتكون مركزاً للحضارة اليهودية والحياة الروحية" . بل قد تزايد النفوذ الصهيوني داخل معسكر اليهودية الإصلاحية إلى درجة حتى الاتحاد العالمي لليهودية التقدمية ( أي الإصلاحية ) عقد مؤتمره السنوي الخامس عشر في مدينة القدس للمرة الأولى عام 1968 ، وذلك عقب عدوان1967 وفي غمرة الحماس القومي الذي اكتسح يهود العالم نتيجة للفوز الإسرائيلي ، وقد تزايدت أيضا العناصر القومية في الشعائر الإصلاحية ( حيث تتلى الآن بعض الصلوات بالعبرية ) ، كما حتى الإصلاحيين ينفخون في البوق ( شوفار) في المعبد في عيد رأس السنة وأدخلوا بعض العناصر التراثية على الصلوات الأخرى . وبدأت اليهودية الإصلاحية ، ابتداء من منتصف السبعينات تساهم بشكل واضح في الحركة الصهيونية ، حيث أصبحت ممثلة فيها من خلال جمعية أراز ( جمعية الصهاينة الإصلاحيين في أمريكا ) ، وقد انضم الاتحاد العالمي لليهودية التقدمية إلى المنظمة الصهيونية العالمية عام 1976, وانضمت أرتسينو( الرابطة الدولية للصهاينة الإصلاحيين ) باعتبارها حزبا صهيونيا إلى المنظمة ، فأصبح لليهودية الإصلاحية كيبوتسات ومؤسسات تربوية في إسرائيل وتنظيمات لجمع الأموال لها . وفي عام 1976 ، عقد آخر المؤتمرات الإصلاحية التي أعادت صياغة العقيدة اليهودية في سان فرانسيسكو، ويلاحظ في قراراته أنها تحث على استمرار الاتجاه نحوتعميق البعد القومي ، وقد بدأت اليهودية الإصلاحية تتجه نحومحاولة الالتزام ببعض الشعائر اليهودية ، وقد صدر في عام 1975 كتاب إصلاحي حديث للصلوات يسمى بوابات الصلاة ، وهوكتاب تتبدى فيه الاتجاهات الصهيونية السابقة ، وقد صدر ليحل محل الكتاب الذي صدر عام 1941. وفي عام 1988 أصدرت أرتسينوبيانا يحدد موقفها من الصهيونية فأكدت أهمية إسرائيل بالنسبة ليهود العالم ولكنها أكدت أيضا التعددية في حياة اليهود ، وهي تعددية لا تستبعد الفهمانية الكاملة ، ولذا فهي تؤيد كلا من الدياسبورا والهجرة الإستيطانية ، وطالب البيان حكومة إسرائيل بأن تبتعد عن القمع الديني والعنف السياسي ، ودافع عن حقوق العرب ونادى إلى حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي ، مبني على الضمانات ، والتنازلات المتبادلة . لم تكتف الحركة الصهيونية بهذا التحول في مواقف التيار الإصلاحي، بل كثفت جهودها للسيطرة عليه بشكل كامل، وقد نجحت في ذلك من خلال فوز مرشحها الحاخام إدوارد إسرائيل بمنصب الأمين التطبيقي لاتحاد الأبرشيات العبرية الأمريكية، إضافة إلى مركزه كعضوفي اللجنة التطبيقية للمنظمة الصهيونية الأمريكية، وأكملت الصهيونية نجاحها بفوز مرشحها جيمس هللر عضواللجنة التطبيقية للمنظمة الصهيونية بمنصب رئيس الاتحاد المركزي للحاخامين الأمريكيين. وبينما يقول الدكتور حسن ظاظا : (وربما كانت الحدثة الأخيرة في مستقبل الحركة اليهودية للإصلاحيين لم تقل بعد) . يقول امين اسكندر وهوباحث ومحرر مصري : (وفشلت حركة التنوير وظهرت الحركة الصهيونية على المسرح) .


المراجع

1. شبكة المعلومات : الإنترنت. 2. العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب ، بقلم : محمد حامد الناصر ، مخطة الكوثر, الطبعة الأولى 1417هـ. 3. الفكر الديني اليهودي أطواره ومذاهبه ، د, حسن ظاظا, دار القلم ، دمشق ، الطبعة الثالثة 1416هـ. 4. اليهودية عرض تاريخي ، والحركات الحديثة في اليهودية ، د. عهدان عبد الحميد فتاح ، دار عمار ودار البيارق ، بيروت لبنان ، الطبعة الأولى 1417هـ. 5. المتدينون اليهود في فلسطين ، فرق ومواقف ، د. عبد الله بن عبدالعزيز اليحيى, دار كنوز أشبيليا للنشر والتوزيع, الرياض ، الطبعة الأولى ، 1425هـ. 6. من هواليهودي ، د. عبدالوهاب المسيري ، دار الشروق ، الطبعة الثانية 2001م. 7. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية تأليف وإشراف: عبد الوهاب محمد المسيرى ، [1]

انظر أيضاً

  • Beliefs and practices in Progressive Judaism
  • Cantor in Reform Judaism
  • Liberal Judaism
  • Progressive Judaism
  • Reform Judaism (magazine)

الهامش

وصلات خارجية

مواقع رسمية

  • ReformJudaism.org
  • Union for Reform Judaism
  • RJ.org: Official news site of the Union for Reform Judaism
  • World Union for Progressive Judaism
  • Central Conference of American Rabbis
  • Hebrew Union College Jewish Institute of Religion

مصادر أخرى

  • Research and articles about Reform Judaism on the Berman Jewish Policy Archive @ NYU Wagner
  • Reform Judaism FAQ on Soc.Culture.Jewish Newsgroups
تاريخ النشر: 2020-06-05 06:19:31
التصنيفات: اليهودية الإصلاحية, التاريخ اليهودي, حركات دينية يهودية, المساواة, يهودية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"إغلاق كورونا" يُعرض الملايين بمدينة شيان الصينية لنقص حاد ف

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:39:51
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 68%

سحب إعلان عمرو دياب.. والشركة تؤكد لا تسامح مع التحرش

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:39:04
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 49%

البحرية الأمريكية تحبط تهريب 385 كيلو هيروين فى بحر العرب

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:39:08
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 44%

فيديو لنمر يقتحم منزلاً ويهاجم كلبًا أليفًا.. النهاية صادمة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:38:38
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

الأهلى يحتفل بالتجديد رسميا للنجم التونسى على معلول حتى 2024.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:38:49
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 41%

الحكومة تعلن عن قرارها بخصوص تمديد العطلة المدرسية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:38:56
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 68%

احتفالات باهتة في رأس السنة بسبب كوفيد

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:39:59
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

تصريح عن "النساء العازبات" يثير ضجة في ليبيا

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:38:40
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

الرئيس تبون يعزي عائلة الحاج محمد عبد الله بلكبير

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:38:22
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

روايات وقصص ودواوين شعر.. إصدارات كاتبات الجنوب تتفوق فى 2021

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:35:15
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

الصلاة في المسجد الحرام بتباعد اجتماعي من جديد

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:39:38
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

خصم 20% على كتاب «فريد الأطرش العالمى» بمناسبة الذكرى 47 لرحيله

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:35:20
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 53%

«القديس كيرلس للروم الملكيين» تحيي ذكرى رحيل بولس أنطاكي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:35:55
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

هل يكتب «أوميكرون» فصل النهاية لجائحة كورونا؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:36:53
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

تعرف إلى مواعيد انتهاء تخفيض المخالفات المرورية في الإمارات الشمالية

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:38:44
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

الرئيس تبون يوقع على قانون المالية 2022

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:37:43
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

رسميا.. لا تمديد للعطلة المدرسية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:35:38
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 80%

إدانة جيلاين ماكسويل بمعاونة جيفري إبستين في الإتجار بقاصرات

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:39:43
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 65%

مع تقلبات الطقس.. هؤلاء ممنوعون من مغادرة المنزل (إنفوجراف)

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:38:53
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 48%

الكشف عن أعراض غير معروفة سابقا لمتحور "أوميكرون"

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:38:42
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

قناة مدرستنا 2 تعلن شرح درس الانقسام الخلوي لطلاب الشهادة الإعدادية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:35:17
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

مجلس المنافسة يحمل"مول الحانوت" مسؤولية ارتفاع أسعار زيت المائدة!

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:38:59
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 54%

غدًا.. «شفيقة ومتولى» على مسرح عبدالمنعم جابر بالإسكندرية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-30 13:35:18
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

تحميل تطبيق المنصة العربية