ابن عبدون الفهري

عبد المجيد ابن عبدون، أوأبومحمد عبد المجيد بن عبدون اليابري، وكنيته ابن عبدون الفهري أوابن عبدون الأندلسي (ح. 1050- ت. 1135)، هووزير أندلسي، وكان عالماً بالخبر والأثر ومعاني الحديث، أديباً، محرراً، مترسلاً، وشاعراً مجيداً. تصدر للوزارة وكتابة السر للأمير عمر المتوكل ابن الاُفطس أمير يابرة سنة 473 هـ، ولما سقطت دولة بني الأفطس سنة 485 هـ، التحق بخدمة سير ابن أبي بكر أمير جيوش المرابطين، وفي سنة 500 هـ صار محرر سر بلاط علي بن يوسف المرابطي.

حياته

هوأبومحمد عبد المجيد بن عبد اللّه بن عبدون الفهري اليابري، من يابرة غربي بطليوس، عنى أبوه بتربيته، وطمحت نفسه إلى التلمذة على أعلام العربية من مثل الأفهم الشنتمري المتوفي سنة 476 وعبد الملك بن سراج المتوفي سنة 486 وأبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي المتوفي سنة 494. وفي الصلة لابن بشكوال أنه كان عالماً بالخبر والأثر ومعاني الحديث وأن الناس أخذوا عنه. واستيقظت ملكته الشعرية مبكرة، فمدح المتوكل عمر بن المظفر أمير بطليوس وكان محرراً شاعراً مع شجاعة وفروسية، وكان مثل أبيه ملاذاً لأهل الأدب والشعر، وكانت إمارته تضم مدن يابرة وشنترين وأشبونة إلى المحيط. وأعجب المتوكل بالشاعر الشاب الناشئ في إمارته، ونفاجأ بوفود الشاعر على المعتمد ومديحه، ولم يجد لديه قبولاً لما كان بينه وبين المتوكل أمير بلدته، فربما افترض أنه أوفده عينا عليه، ولوكان يعهده ويعهد خلقه الكريم ما داخله هذا الظن. وعاد الشاعر من لدنه، فلم يفد بعد ذلك على أحد من أمراء الطوائف، واستغرقه المتوكل بنواله وبمودته، إذ اتّخذه جليساً ورفيقاً له في زياراته لمدن إمارته، وأسبغ عليه من الود حللاً ضافية، جعلته يلهج بمديحه ويقصر شعره عليه، حتى إذا غاضب المرابطين، وقاتلهم وقتل هووابناه: الفضل والعباس رثاه ورثى دولته برائية المشهورة. ونراه يعلن بعد ذلك في شعره أنه لن يقدّمه إلى أمير، وكأنما توفي الأمراء جميعا في إنسان المتوكل ومات معهم المديح. ويقول صاحب المعجب إنه كان يخط للمتوكل أمير بطليوس ثم يقول إنه خط بعد ذلك للأمير سير بن أبي بكر بن تاشفين الذي ولى إشبيلية بعد استنزال المعتمد منها مدة طويلة، ويذكر له رسالة خط بها عنه إلى سلطان المرابطين يوسف بن تاشفين بفتح مدينة شنترين، ويقول المراكشي: إذا ابن عبدون خط ليوسف بن تاشفين أولابنه لا يدري والسليم أنه إنما خط لابنه على بعد سير بن أبي بكر، ويؤكد ذلك قول المراكشي في موضع آخر: «لم يزل أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين من أول إمارته يستدعي أعيان الكتاب من جزيرة الأندلس، وصرف عنايته إلى ذلك حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك» ثم يعّددهم ويذكر من بينهم أبا محمد عبد المجيد بن عبدون. ويبدوأنه ظل محرراً عنده إلى آخر حياته إذ يقول صاحب الصلة إنه انصرف إلى يابرة لزيارة من له بها، فتوفي فيها سنة 529 للهجرة. ويشيد ابن بسام والفتح بن خاقان وجميع من ترجموا له بأشعاره، وخاصة برائيته التي رثى فيها دولة المتوكل ببطليوس وقد نالت شهرة واسعة مما جعل كثيرين ممن ترجموا له ينشدونها في ترجمته، وعنى بشرحها عبد الملك بن عبد اللّه الشلبي من أدباء القرن السابع الهجري فشرحها. ونشرها مع شرحها دوزي ثم طبعت مع الشرح بالقاهرة، وهوفيها يسوق العبرة بمن ماتوا واندثروا من عظماء الأمم وحكامها الكبار ودولها الغابرة وحيواناتها الفاتكة وطيورها الجارحة، يقول ابن بسام: «اقتفي فيها أبومحمد أثر فحول القدماء من ضربهم الأمثال في التأبين والرثاء بالملوك الأعزة وبالوعول الممتنعة في قلل الجبال والأسود الخادرة في الغياض وبالنسور والعقبان والحيّات في طول الأعمار». وهويستهلها بقوله:

الدّهر يفجع بعد العين بالأثر

فما البكاء على الأشباح والصّور

أنهاك أنهاك-لا آلوك موعظة-

عن نومة بين ناب اللّيث والظّفر

ما للّيالي أنطق اللّه عثرتنا

من الليالي وخانتها يد الغير

في جميع حين لها في كلّ جارحة

منا جراح وإن زاغت عن النّظر

تسرّ بالشيء لكن كي تغرّ به

كالأيم ثار إلى الجاني من الزّهر

وهويتحدث عن الدهر وأنه دائماً يرسل فواجعه على المحسوس وما وراء المحسوس، ففيم الحزن على من يموتون، وهم ليسوا إلا أشباحا وصورا، ويقول إنني لا أقصّر في وعظك ونهيك عن الاستنامة إلى الدهر، وهوقد أنشب فيك نابه وظفره. ويدعواللّه حتى يقيلنا وينقذنا من عثرات الليالي وأن يسلط عليها الأحداث حتى تنهكها ولا تظل فيها بقية، إذ في جميع حين تصيبنا في عضومنا عزيز علينا بجراح، منها ما نراه، ومنها ما يزيغ عن البصر، وإنها إذا سرّت بشيء-وهيهات-فلكي تخدعنا به، بل لكي تلسعنا من خلاله اللسعة القاضية، كالأفعى المختبئة في الزهر تلسع يد قاطفه اللسعة السامة المميتة.

ويأخذ في العظة بذكر من أبادتهم الليالي والأيام من الدول العظيمة منشدا:

كم دولة وليت بالنّصر خدمتها

لم تبق منها-وسل دنياك-من خبر

هوت بدارا وفلّت غرب قاتله

وكان عضبا على الأملاك ذا أثر

واسترجعت من بنى ساسان ما وهبت

ولم تدع لبنى يونان من أثر

وأتبعت أختها طسما وعاد على

عاد وجرهم منها ناقض المرر

ومزّقت سبأ في جميع قاصية

فما التقى رائح منهم بمبتكر

وهويقول: دول كثيرة أتاحت الليالي لها الظفر والحملة، ثم عادت فهوت بها من حالق، هوت بدارا ملك الفرس، فقتله الإسكندر المقدوني، ولم تلبث حتى هدّت منه، وكان سيفا قاطعا ساطعا فثلّمته وحطمته. وقد استرجعت من بني ساسان ملوك الفرس جميع ما وهبتهم من عز ومجد، ولم تدع لليونانيين شعب الإسكندر من أثر كأن لمقد يكونوا شيئا مذكورا. وبالمثل صنعت بقبيلتي طسم وأختها جديس في اليمامة، وكرّ الدهر على عاد وجرهم نكباته حتى محاهما محوا، ومزقت الليالي سبأ جميع ممزق، فتفرق أهلها في الأرض ولم يلتق منهم رائح بغاد مبكر. ويمضي ابن عبدون في الحديث عمن أهلكتهم الليالي من أعاظم العرب في الجاهلية والإسلام مشيرا معهم إلى كثير من الأحداث في العصر الجاهلي وصدر الإسلام والعصرين الأموي والعباسي مما يشير بوضوح على اتساع ثقافته وكيف يتحول التاريخ إلى شعر وفن، ثم يخاطب المتوكل عمر وآباءه بنى المظفر أمراء بطليوس:

بني المظفّر والأيام ما برحت

مراحلا والورى منها على سفر

سحقا ليومكم يوما ولا حملت

بمثله ليلة في مقبل العمر

من للأسرّة أومن للأعنّة أو

من للأسنّة يهديها إلى الثّغر

ويح السماح وويح البأس لوسلما

واحسرة الدّين والدنيا على عمر

وهويقول لبني المظفر بعد حتى عدد لهم ما أبادته الليالي من الدول والعظماء تلك هي الأيام مراحل، وما أشبه الناس فيها بقوافل راحلة إلى عالم الموت والفناء، ويقول:

«سحقا وبعدا لليوم الذي زالت فيه دولتكم ولا حملت بمثله ليلة تعسة من الليالي. ويبكيهم لعرش بطليوس وخيلها العادية وسيوفها الباترة، ويتوجع للسماح وللشجاعة، ويتحسر على ما خسر الدين من جهاد المتوكل للأعداء وخسرت الدنيا من مجده وأبهة إمارته.»

والمرثية تعد من فرائد الشعر الأندلسي، بل الشعر العربي بعامة، وبدون ريب يعدّ ابن عبدون من أفذاذ الشعراء الأندلسيين.

الهوامش

^ ابن عبدون الأندلسي، المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
^ [الخادرة: الساكنة. الغياض جمع غيضة؛ الأجمة.
^ راجع الذخيرة ١/٨١٨.
^ لا ألوك موعظة: لا أقصر في وعظك.
^ أنطق: تجاوز وصفح، الغير: أحداث الدهر.
^ الأيم: الأفعى.
^ العضب: السيف القاطع. أثر: فرند ورونق.
^ المرر جمع مرة: القوة. ناقض المرر: الدهر.
^ مبتكر: مبكر في الذهاب ضد رائح: راجع.
^ الثغر: جمع ثغرة: أعلى الصدر. يريد: طعنه بالأسنة صدور الأعداء.

المصادر

Sharh Qasidat al-wazir al-katib fīl-adab wa-al-maratib li-AbīAbd al-Majid ibn Abdun, by Abd al-Malik ibn Abd Allah Ibn Badrun; Mahmud Hasan Shaybani; Abd al-Majid ibn Abd Allah Ibn Abdun, ed.: al-Riyad : M.H. al-Shaybanī, 1993.
Abd al-Malik ibn Abd Allah Ibn Badrun, Sharh qasidat Ibn Abdun al-marufah bi-al-basamah fīal-tarikh wa-al-adab, Cairo: Mahbaat al-Saadah, 1921/22
María José Rebollo Avalos, La cultura en el reino Taifa de Badajoz : Ibn Abdun de Evora (m. 530/1135), Departamento de Publicaciones de la Excma. Diputación Provincial de Badajoz, 1997
José Mohedano Barceló, Ibn Abdun de Evora, c. 1050-1135 : breve apresentacão e seleccão dos seus poemas, Evora : Universidade de Evora, 1982.