ليوناردو دا ڤنشي

عودة للموسوعة

ليوناردودا ڤنشي

ليوناردودا ڤنشي

ليوناردوداڤينشي (1452 - 1519 م) يعد من أشهر فناني النهضة الايطاليين على الإطلاق مشهور كرسام ، نحات ، معماري وعالم. كانت مكتشفاته وفنونه نتيجة شغف الدائم على الفهم والبحث العملي. له الأثر الكبير في مجال الفن والرسم على مدراس الفن بإيطاليا لأكثر من قرن بعد وفاته وأبحاثه العملية خاصة في مجال فهم التشريح البصريات وفهم الحركة والماء حاضرة ضمن الكثير من اختراعات عصرنا الحالي. وقيل عنه إذا ريشته لم تكن لتعبر عما يدور بذهنه من أفكار وثابة حتى نطق عنه ب. كاستيلون: «من الطريف جدا حتى الرسام الأول في العالم كان يكره الفن، وقد انصرف إلى دراسة الفلسفة، ومن هذه الفلسفة تكونت لديه أغرب المفاهيم، وأحدث التصورات، ولكنه لم يعهد حتى يعبر عنها في صوره ورسومه».

البدايات في فلورنسا

نصب تذكاري ل ليوناردوداڤينشي .فلورنسا . يوفوزاي

ولد ليوناردوفي بلدة صغيرة تدعى فينيشي، توسكانا، قرب فلورنسا (Vinci in Tuscany near Florence). ابن غير شرعي لعائلة غنية أبوه محرر العدل وأمه الفلاحة مما جعله يفتقد حنان الأم في حياته. الطفل ليوناردويقضي سنواته الأولى يحوطه إحساس وصمة عار الأبناء غير الشرعيين وسط إخوته من أبيه.

ويبدوحتى ذنب ميلاده أثر في مشاعره تجاه أمه، وقد خط سلفادور دالي في مذكراته يوميات عبقري: "من معهدتنا بأفكار الجيوكندا كان واقعا في غرام أمه، ودون حتى يدرك رسم لوحة تمتلك جميع صفات الأم المتسامية. أنثى ضخمة الصدر تنظر لكل من يتأملها بطريقة أمومية خالصة بينما في الوقت نفسه تبتسم بطريقة ملتبسة ذات معنيين، وكل فرد يستطيع حتى يرى اليوم ذلك العنصر الشهواني في ابتسامتها".

وبتفسير سلفادور على ضوء أفكار فرويد لعلاقة ليوناردوبأمه ندرك أنها ظللت دائما ذات أثر خفي داخله لم يكن ملموسا، ولكن اهتمامه المتواضع بالمرأة وانعدام دورها في حياته نراه واضحا جليا. والمفارقة أنه حين صور المرأة في أعماله صورها كرمز للجمال المقدس الرفيع كما في "عذراء الصخور"، وصورها أيضا كلغز سيكولوجي غامض كما في "الجيوكندا" و"ليدا وطائر البجع".

وكان أول عمل إيجابي أثر على وضعه كإنسان قبل التحاقه بالمدرسة هوتعميد جده له في كنيسة القلب المقدس حينما بلغ الخامسة ودخل رسميا في عداد الأسرة، ليأتي بعد ذلك ويكون فميا بعد أول عمل فني له بعد إنهاء دراسته وله نفس العمل الإيجابي في حياته كفنان هومشاركة أستاذه الرسم في لوحة تعميد المسيح أيضا وبها ولج رسميا في عداد الفنانين وكأنه في فكرة التعميد عثر مبرر وجوده كإنسان وفنان.

وفي سن السادسة في مدرسة أباكوحيث تفهم الحساب واللاتينية والهندسة وأظهر قدرة عقلية متميزة ورسم الحيوانات والوجوه البشرية والزهور باتقان العين الملاحظة ومن فوق التل المعلقة به قريته درست عيناه الكثير في اجتيازه اليومي للمسالك الصخرية ذهابا وعودة محاطا بغابة من الظلال والأضواء تتشكل فوق قمم التلال ويتغير توزيعها اليومي في أشكال لا متناهية من جمال الظلال والضوء (ظهر أثره واضحا في لوحاته فيما بعد) .. ويوم ضل طريقه إلى كهف مظلم أصابه خوف وترقب شديدان كان من أثرهما إثارة حواسه وتنبهها طول حياته والتي خط عنها في مذكراته : ((فجأة تولد لدى نوعان من المشاعر .. الخوف والرغبة .. نسختي عذراء الصخور والقديس جيروم) والرغبة لرؤية ما إذا كان هناك أي شيء غامض يمكن إدراكه (ابتسامة الموناليزا فيما بعد).

في منتصف القرن الرابع عشر استقرت عائلته في فلورنسا والتحق ليوناردوبمدارس فلورنسا حيث تلقى أفضل ما يمكن حتى تقدمه هذه المدينة الرائعة من علوم وفنون ( فلورنسا كانت المركز الرئيسي للعلوم والفن ضمن ايطاليا).

وحين قرر حتىقد يكون فنانا لم يعد لروحه من استقرار .. ولم يهدأ .. ويبدأ يرسم داخل حجرته إلى حتى ألحقه والده بالتدريب في ورشة الفنان فيروكيو(1435 - 1488) الذي تأثر به ليوناردوكثيرا في اهتمامه بالعلوم والمنظور في الفن ..

وفي ورشة فيروكيووقد بلغ الثامنة عشرة مكث فيها إثنى عشر عاما يجد بصعوبة وقتا لدراساته الفهمية وقراءته الفلسفية ..

وعن برنامج التدريب داخل الورش الفنية في عصر النهضة ذكر أرنولد هاوزر في كتابه ((الفن والمجتمع عبر التاريخ)) : ((يبدأ برنامج التدريب الذي كان لايزال يسير على نهج تراث العصور الوسطى بأنواع شتى من الأعمال الشاذة للمتدربين كإعداد الألوان وإصلاح الفرش ووضع الطبقة الأولى من الألوان ثم يمتد إلى نقل التكوينات الفردية من المسودة وتطبيق مختلف أجزاء الملابس والأجزاء الأقل أهمية في الجسم وينتهي بإنجاز أعمال كاملة من مجرد تخطيطات .. إلى غير ذلك يتحول الصبي إلى مساعد مستقل إلى حد ما)) .


بشكل مثير ولافت كان ليوناردويحرز مكانة اجتماعية مرموقة حيث كان وسيما لبق بالحديث ويستطيع العزف بمهارة إضافة إلى قدرة رائعة على الإقناع.

حوالي 1466 التحق ليوناردوفي مشغل للفنون يملكه أندريا ديل فيروكيو(Andrea del Verrocchio) الذي كان فنان ذلك العصر في الرسم والنحت مما مكن ليوناردومن التعهد عن قرب على هذه المهنة ونشاطاتها من الرسم إلى النحت. عام 1472 كان قد أصبح عضوا في مرشد فلورنسا للرسامين . عام 1476 استمر الناس بالنظر إليه على أنه مساعد (فيروكيو) حيث كان يساعد (فيروكيو) في أعماله الموكلة إليه منها لوحة ( تعميد السيد المسيح) حيث قام بمساعدة ( فيروكيو) برسم الملاك الصغير الجاثم على ركبتيه من اليسار 1470 – يوفوزاي فلورنسا (Uffizi, Florence).

عام 1478 استطاع ليوناردوالاستقلال بهذه المهنة وأصبح مفهم بحد ذاته. عمله الأول كان رسم جداري لكنيسة القصر القديم أوكما يدعى باﻹيطالية "بالالزوفيكيو" (Chapel of the Palazzo Vecchio) التي لم يتم انجازها . أول أعماله الهامة كانت لوحة توقير المجوس (The Adoration of the Magi) التي بدأ بها عام 1481 وهجرها دون إنهاء,التي كانت لدير راهبات القديس سكوبيتودوناتوفلورنسا (San Donato a Scopeto).

من لوحاته الأولى بينوس مادوناthe Benois Madonna (1478)

أ عمال أخرى ارتبطت بجملة أعماله خلال شبابه: لوحة بينوس مادونا 1478 ملاذ القديس بطرسبرغ (Benois Madonna) وتمثال لوجه جينفيرا دي بينتشي (Ginevra de' Benci) الموجود في المتحف الوطني واشنطن وبعض الأعمال غير المنجزة مثل القديس جيروم 1481 بينا كوتيسا- الفاتيكان (Saint Jerome in Pinacoteca ، Vatican)


حياته في ميلانو

العربة المدرعة من تصميم ليوناردو

في عام 1482 التحق ليوناردوبخدمة دوق ميلانولودوفيكوسفورزا (Ludovico Sforza) بعد حتى صرح له عبر رسالة بأنه قادر على خلق تماثيل من المرمر والطين والبرونز وبناء جسور متنقلة ومعهدته بتقنية خلق قاذفات القنابل والمدافع والسفن والعربات المدرعة إضافة للمنجنيق وأدوات حربية أخرى. عين آنذاك بصفة مهندس أساسي كما كان أيضا معماري وساعد الرياضي المشهور الايطالي لوكا باتشولي (Luca Pacioli) في عمله المشهور ديفينا بروبورتيونه (1509 Divina Proportione)

معظم الدلائل أثبتت حتى ليوناردوكان مفهماً ولديه تلاميذ في ميلانوحيث من المفروض أنهم المقصودين ضمن رسائله المتعددة المعروفة ب (أبحاث حول الرسم) أهم أعماله خلال تواجده في ميلانوكان لوحة (عذراء الصخور)التي رسمها مرتين حيث تم رفض الأولى وقبول الثانية:

عذراء الصخور النسخة الثانية

الأولى رسمها 1483- 1485 وهي موجودة في متحف اللوفر. الثانية رسمها 1490 – 1506 وموجدة ضمن المعرض الوطني - لندن.

لوحة (العشاء الأخير) التي كانت باكورة أعمله وأخذت منه جهد جبار وهي تعبير عن لوحة زيتية جداريه في حجرة طعام دير القديسة ماريا ديليه گراتسيه ميلانو (Maria delle Grazie) للأسف فإن استخدامه التجريبي للزيت على الجص الجاف الذي كان تقنيا غير ثابت أدى إلى سرعة دمار اللوحة وبحلول عام 1500 بدأت اللوحة عملا بالاهتلاك والتلف . جرت محاولات خلال عام 1726 لإعادتها إلى وضعها الأصلي إلا أنها باءت بالفشل. في عام 1977 جرت محاولات جادة باستخدام آخر ما توصل إليه الفهم والحاسب آنذاك لإيقاف تدهور اللوحة وبنجاح تم استعادة معظم تفاصيل اللوحة بالرغم من حتى السطح الخارجي كان قد بلي وزال.

خلال إقامته الطويلة في ميلانوقام ليوناردوبرسم الكثير من اللوحات إلا حتى أغلبهم فقد أوضاع كما قام بإنشاء تصاميم لمسارح وتصاميم معمارية ونماذج لقبة كاتدرائية ميلانو.

إلا حتى أضخم أعماله في ذلك الوقت كان النصب التذكاري ل فرانشيسكوسفورزا (Francesco Sforza) وهووالد (لودوفيكو) ضمن فناء ( قلعة سفورزيكو) كانون الأول ديسمبر 1499. لكن عائلة سفورزا كانت قد اقتيدت على يد القوى الفرنسية العسكرية وهجر ليوناردوالعمل دون إكمال حيث حطم بعد استخدامه كهدف من قبل رماة السهام الفرنسيين فعاد ليوناردوإلى فلورنسا عام 1500.

فلورنسا مرة أخرى

في عام 1502 التحق ليوناردوبخدمة دوق رومانيا سيزار بورجيا (Cesare Borgia) ابن رئيس العسكر التابعين للبابا ألكسندر السادس حيث كانت وظيفته رئيس المعماريين والمهندسين التابعين للدوق حيث أشرف على عمل خاص بالحصن التابع للمنطقة البابوية في مركز إيطاليا. عام 1503 أصبح عضوضمن مجموعة من الفنانين مهمتهم تقدير المكان الأنسب لتمثال (دايفيد) المشهور من الصلصال والرخام والذي قام بنحته الفنان مايكل أنجلو( 1501 – 1504 ) فلورنسا.

كما خدم ليوناردوفي حرب ضد بيزا كمهندس وفي نهاية العام بدأ ليوناردوبتصميم زخرفة لقاعة ( فيتشيو) الضخمة حيث كان موضوع الزخرفة هومعركة أنغياري (Battle of Anghiari) نصر فلورنسا ضد بيزا. حيث قام بالكثير من الرسومات وأنجز الرسم التمهيدي بالحجم الطبيعي على القاعة عام 1505 لكن مع الأسف هجر عمله دون انجاز كما حتى الرسوم كانت قد زالت بحلول القرن السابع عشر ولم يبقى من عمله هذا إلا بضع مخطوطات وبعض الرسوم المنقولة عن الأصلية .

من أعماله المثيرة للاهتمام آنذاك كانت رسومه لشخصيات متعددة ( صور لشخصيات تبرز الوجه ) ولم ينج منها إلا لوحته الخالدة والأكثر شهرة على الإطلاق لوحة الموناليزا .( 1503 – 1506 ) موجودة ضمن متحف اللوفر. وتعهد أيضا باسم الجيوكندا وهومن المفترض اسم العائلة الخاص بزوج السيدة. من المعروف تأثر ليوناردوبهذه اللوحة وشغفه بها حيث لم يكن ليسافر دون اصطحابه لهذه اللوحة معه.


أسفاره الأخيرة ونهاية حياته

في عام 1506 سافر ليوناردوإلى ميلانوبدعوة من حاكم فرنسا تشارلز دامبيوزيه (Charles d'Amboise) وخلال السنوات اللاحقة أصبح رسام القصر المعتمد للملك لويس الثاني عشر فرنسا. خلال ست سنوات أصبح يتنقل بين ميلانووفلورنسا حيث غالبا كان يزوأنصاف أشقائه وشقيقاته ويرعى ميراثه.

انهمك في ميلانوبمشاريعه الهندسية وعمل على تصميم نصب تذكاري على شكل فارس جان جاكوموتريفولزيو (Gian Giacomo Trivulzio) قائد القوات الفرنسية في المدينة وعلى الرغم من حتى المشروع لم يكتمل إلا حتى مخططات المشروع ودراساته تم الاحتفاظ بها. من 1514 إلى 1516 عاش ليوناردوفي روما تحت ضيافة البابا ليوالعاشر حيث عاش في قصر بيلفيديره (Palazzo Belvedere) في الفاتيكان حيث شغل باله بشكل خاص التجارب الفهمية.

المكان الذي توفي به ليوناردودافينشي

عام 1516 سافر إلى فرنسا ليدخل خدمات الملك فرانسيس الأول. وأمضى سنواته الأخيرة في تشاتيودوكلوقرب أمبوس (Château de Cloux) وفي 1518 يشتد السقم على ليوناردوبعد ما ظل يعمل إلى حتى أصيبت يده اليمنى بالعجز فكان يقوم باسكتشاته والكتابة بيده اليسرى ومن قبل خط مخطوطاته كلها بيده اليسرى لأنه أشول. وفي مايو1519 توفي ليوناردودافنشي في فرنسا عن عمر سبعة وستين عاما مشيعا إياه حفنة ضئيلة من خدمه وتلميذه ميلتزي. وفي 12 أغسطس أشرف ميلتزي على نقل جثمان أستاذه إلى إيطاليا وفقا لوصيته.


إبداعاته الفنية

على الرغم من حتى ليوناردوكان قد رسم عدد ضئيل نسبيا من اللوحات وأغلبها قد فقد أولم يتم إنهاؤها. وبالرغم من ذلك ليوناردوكان فنان عصره ومبدعه وذوتأثير واضح على مدى قرن من بعده.

في بداية حياته كان فنه يوازي فن مفهمه فيروتشيوإلا انه شيئا فشيئا استطاع حتى يخرج من كنف فيروتشيوليحرر نفسه من أسلوب مفهمه الصارم والواقعي تجاه الرسم فكان ليوناردوفي أسلوبه وإبداعه يخلق رسومات تلامس الأحاسيس والذكريات.

ضمن أعماله الأولى لوحة (تقدير ماغي) كان قد ابتدع أسلوبا جديدا في الرسم فجمع ما بين الرسم الأساسي والخلفية التي كانت مشهد تعبر عن بعد خيالي من أطلال حجارة ومشاهد معركة.

أسلوب ليوناردوالمبدع كان ظاهر بشكل أكبر في لوحة العشاءالأخير حيث قام بتمثيل مشهد تقليدي بطريقة جديدة كلياً.

لوحة العشاء الأخير إحدى أعظم ابداعات ليوناردو

فبدلا من إظهار الحوارين الاثني عشر كأشكال فردية ، قام بجمعهم في مشهد ديناميكي متفاعل . حيث صور السيد المسيح في المنتصف معزولا وهادئاً, وضمن مسقط السيد المسيح قام برسم مشهد طبيعي على مبعد من السيد المسيح من خلال نوافذ ضخمة مشكلا خلفية ذات بعد درامي. ومن مسقط السيد المسيح بعد حتى قام بإعلانه حتى أحد الحوارين الجالسين سيخونه اليوم. استطاع ليوناردوتصوير ردة العمل من هادئ إلى منزعج معبرا بذلك عن طريق حركات إيمائية .

الموناليزا (1503-1507)

من ضخامة الصورة وعظمة شأنها استطاع ليوناردوحتى يسبق الكثيرين من عصره واستلزمت هذه اللوحة الكثير من عمليات الترميم (22) عملية انتهت عام 1999 لتعود إلى بعض من رونقها الذي كان.

الموناليزا...أشهر أعمال ليوناردوعلى الإطلاق.

وتأتي شهرتها من سر ابتسامتها الأسطورية فتعتقد تارة أنها تبتسم وتارة أخرى أنها تسخر منك. على جميع فقد استخدم ليوناردوتقنيتين هامتين في هذه اللوحة كان ليوناردورائد هذه التقنيات ومفهمها. الأولى : سفوماتو (Sfumato) وتعني تقنية تمازج الألوان. وهي وصف الشخصية أورسمها ببراعة وذلك باستخدام تحولات الألوان بين منطقة وأخرى بحيث لا تشعر بتغيير اللون مأزق بذلك بعدا شفاف أوتأثير مبهم...وتجلت هذه التقنية بوضوح في ثوب السيدة وفي ابتسامتها. الثانية : كياروسكورو (Chiaroscuro) وهي تقنية تعتمد على الاستخدام الأمثل للضوء والظلال لتكوين الشخصية المطلوبة بدقة عالية جدا..وتظهر هذه التقنية في يدي السيدة الناعمتين حيث قام ليوناردوبإضافة تعديلات عبر الإضاءة والظل مستخدما تباين الألوان لإظهار التفاصيل .

أول أعمال ليوناردوالمشارك في رسمها أوقفت أستاذه عن الرسم .. فقد أسند فيروكيوإلى ليوناردومهمة إكمال لوحة ((تعميد المسيح)) الملكف بها أستاذه من دير سان سالفى بفلورنسا . وقد اعتدنا في سير حياة فناني عصر النهضة القراءة عن توقف الأستاذ عن الرسم إذا تفوق عليه أحد تلاميذه مثل توقف أستاذ جيوتووأستاذ روفائيل والآن أستاذ ليوناردو.. ولوحة ((تعميد المسيح)) 1473 - 1478 بين فيروكيووتلميذه ليوناردوكان ينقصها الملاك إلى أقصى اليسار الذي رسمه ليوناردووتفوق به على ملاك فيروكيوإلى جواره الذي بدا أقل قداسة لقاء ملاك ليوناردوالذي بدا مثاليا في لفتة رأسه وسمات وجهه ونظرات عينيه .. ويذكر المؤرخ فازاري حتى ليوناردورسم الملاك وأيضا أجزاء من المنظر الطبيعي في الخلفية من مياه وجبال .. وم الواضح اختلاف ملاك ليوناردوعن باقي أجزاء اللوحة .. فنجد رسمه لشعر الملاك تكرر في لوحات عديدة لليوناردو.. كذلك الإمتداد الواسع من المياه مكونا للخلفية .

وفي العشرين من عمره في 1472 يظهر لأول مرة اسم ليوناردوفي سجل اتحاد رسامي فلورنسا ((سان لوقا)) للحرف والفنون .. ومن ثم يهجر عام 1476 مرسم فيروكيوليبدأ العمل كمصور محترف لأعمال مبكرة فقدت في تلك الفترة, وبدأ ليوناردومشواوره الفني والطبيعة أستاذه الأول .. فكان أول منظر طبيعي رسمه عام 1473 لنهر الأرنووفيه كشف عن ميوله إلى رسم الصخور وطبقات الأرض وميله لدراسات توزيع الأضواء والظلال وتنسب إليه في نفس العام لوحة ((البشارة)) 1473 وفي هذه الفترة انكب على القراءة بنهم لفلاسفة اليونان والرومان .. وعلى الآداب الكلاسيكية فقرأ لأوفيد متأملا حكمته في ((مسخ الكائنات)) وقرأ أشعار دانهتي وبترارك .. وجذبته آراء هوارس عن حركة الأفلاك .. وفهم ليوناردونفسه متحديا - لاشعوريا على ما أعتقد) - مولده غير الشرعي معتمدا على الطبيعة وقوة الملاحظة لظواهرها التي كان يسجلها فهومن عائلة من موثقي ومسجلي العقود فاهتم بتسجيل آلاف الأوراق من الدراسات .. ورغم هذا التكوين الجاد في شخصيته إلا أنه اتهم عام 1476 في سلوكه الأخلاقي ثم ثبتت براءته .

ولوحة ((البشارة)) التي رسمها عام 1473 والموجودة في متحف أوفينزي بفلورنسا قبل حتى يغادر نهائيا مرسم فيروكيوقد نسبت إلى ليوناردوبعد أربعمائة عام من رسمه لها وذلك عام 1869 بعد التأكد من أنه راسمها وليس زميله في ورشة فيروكيودومينيكوجيرلاندايو..

فالدراسات والاستكشافات المبدئية التي قام بها ليوناردوتثبت أنها من رسمه من البداية للنهاية دراساته لكم ثوب اليد اليمنى للملاك وأيضا من دراستين سابقتين بتفاصيلهما لزهرة الزنبق أوالسوسن التي بيد ملاك اللوحة ودراسة أخرى لملابس ملتفة حول أرجل مماثلة لما ألبسه للعذراء في اللوحة .. واللوحة وضع فهيا ليوناردومجمع القواعد التي تفهمها من أستاذه بالإضافة لمدقرته الخاصة في إحكام التكوين والمركزية للبناء رغم اعتماده على وقع اللوحة القائم على جزئين منفصلين بصريا وتشكيليا ومتصلين روحيا .. وقد عثر ليوناردوطريقتين في تقدير الفراغ والمنظور وقد وظف الحائط خلف العذراء لتحقيق غايته وجعله يتراجع في الفراغ .. وم المنظر الطبيعي بالخلفية نشعر بالمنظور الهوائي مستعملا في ذلك الأسلوب الضبابي ((السفوماتو)) الذي أوجده واشتهر به لإخفاء الجبال تدريجيا .

نرى في ((البشارة) السيدة العذراء جالسة في الجزء الأيمن من اللوحة تنظر باتجاه الملاك الهابط إلهيا في الجزء الأيسر ليبشرها بالأمومة المقدسة بينما تظهر الأشجار والطبيعة والعمارة والأزهار محيطة بهذا الحدث التاريخي .. ولإعطاء حيوية لهذا الحدث نراه وقد أسقط على الحدث كله طاقة خاصة حاول تجسيدها في تجعيدات شعر الملاك . وهذه التجعيدات المونحية عن الطاقة ظهرت في شعور نساء لوحاته التالية .. وهذا يتناسب وفكرة ليوناردوعن الطاقة الكامنة داخل الإنسان وفي الطبيعة حوله .. ونرى نتائج دراساته للطبيعة في اللوحة من أوراق النباتات القوية النابتة عند قدمي الملاك .. كذلك في ازدياد أجنحة الملاك ورجوع الريش إلى مكانه عند المنبت مرشد على وضع عدم الطيران .. فقد تواكب رسم ليوناردوللملاك ذي الأجنحة ببداية دراساته الخاصةب الطيور وطيرانها وبميكانيزم عمل الأجنحة الكامل .. والمدهش أنه في نفس العام رسم بالأحبار مشهدا لمدينة أرنومن أعلى أي من منظور عين الطائب كأنه رسمها وهومحلق في الجو.

وفي هذه الفترة .. مع بداية 1476 وهي فترة استقلاله كمصور محترف بدأت عناص رالظل والضوء في الظهروفي لوحاته .

ورسم في نفس العام لوحة ((جينيفرا دي بيتشي)) 1476 في مناسبة زفافها وكانت جينفرا بداية للخوض داخل عالم الشخصية الداخلي ودراساته كدراساته لعالم الطبيعة الخارجي .. وهذه الدراسات الشخصية أوحت إليه بفكرة الإخفاء وعدم الإفصاح التي وصل بذروتها في ((الموناليزا)) وابتسامتها الغامضة .

وقد ظهر بورتريه ((جنيفرا)) للنور بعد حوالي مائتين وخمسين عاما أي ظهر عام 1733 ضمن مجموعة أمير ليختينشتاين .

وفيما بين 1475 - 1477 رسم ((العذراء وزهرة القرنفل)) الموجودة في ميونيخ . ويعرض فيها معالجته المتميزة للحركة والضوء في منظر طبيعي للخلفية .. وإن نظرت للوحة قد تراها للوهلة الأولى ساكنة بل جامدة في تكوينها . لكن إذا دققت في التفاصيل ستجد حتى ليوناردواهتم بالحركة الكامنة اهتماما كبيرا .. واللوحة تعرض لفكرته هذه فنجد كيفية تصفيف شعر العذراء مجدولا في سلاسل ملفوفة كمحتوى لحركة داخلية كامنة .. كما في اتجاه حركة جسد الطفل المسيح ضد اتجاه الأذرع والرأس .. وقد كانت تراود ليوناردووتسيطر عليه فكرة حتى لكل شكل طاقة كامنة .. وظهرت هذه الطاقة بوضوح خاصة في رسوماته الخطية السريعة المتتابعة في تلقائية وقصدية معا .. وفي لوحتنا هنا نجد باقة أزهار في الآنية إلى اليمين لتؤكد هي أيضا فكرة الطاقة الكامنة ..

في تكوين اللوحة اهتم ليوناردوباشكل المثلثي (شكل احتواء الطاقة) فجعل راس العذراء تمثل قمة المثلث المكون لهذا التكوين وارتكنت إلى يمين قاعدة المثلث آنية الزهور وإلى اليسار جسد الطفل بينشي)) حيث أبرز رأس العذراء من حائط مظلم .

وبعد انتهائه من ((العذراء وزهرة القرنفل)) رسم بالأحبار ((العذراء والطفل والقطة)) عام 1478 .. ومن هنا يظهر اهتمامه بتقديم العذراء والطفل لفي أكثر من وضع (قد يحدث لسبب في نفسه قديم) .

وفي نفس العام رسم لوحة ((العذراء بينوا)) 1478 الموجودة في الأرميتاج والتي تعرضت للتلف مما استداعى عمل ترميم لها حول الفم والرقبة ويد العذراء وأيضا في الخلفية ورغم ذلك لازالت لوحة فاتنة .. نرى فيها العذراء تبتسم برضاء وفي جلستها مدت إحدى ساقيها وثنت الأخرى إلى الخلف وتسند الطفل العاري بينها وبوسادة .. ورغم بساطة وحيوية جلستها إلا أننا نجد المشهد يرتفع إلى مستوى الفخامة بوجود الهالتين فوق راسيهما وأيضا من خلال طلعة وجه المسيح الجادة .. المشهد داخل مكان مغلق لولا الضوء النافذ من اليمين عبر النافذة الصغيرة الذي منح إحساسا مباشرا بالحياة وأضاء الخلفية إلى اليمين لكن الشخصيتين أضيئتا من مصادر مختلفة أحدها ذلك الضوء المائل من جهة اليسار .

وفي 1481 وعلى أرض فلورنسا أخذ يتوسع في معارفه الفهمية ويلاحظ الطبيعة ويخط عن علاقة الفن بالفهم والرياضيات بالبصريات ويتوسع في دراسات التشريح وعتلوم النبات والفلك والماء .. لذلك فأية تفرقة بين رسوماته الفنية وغير الفنية عبث ولا مبرر له ذلك لأنه لم يتصور مثل هذه التفرقة فنشاطاته الفهمية والفنية تنبع من معين واحد فالنتائج التي يتوصل إليها في أحد الجانبين تؤثر في الآخر .

وقد كانت الميكانيكا المحركة والمولدة للقوى عماد جميع دراساته وابتكاراته ففي دفتر لومبارديا من 1493 - 1497 انكب في هذه الفترة بعزيمة على دراسة الجوانب النظرية والعملية من الميكانيكا وعمله النظري هجرز في تعريف القوى المحركة للكون وهي الوزن والقوة والحركة والضغط فترى في لوحاته نوعا ، ميكانيكا الحركة مثل ((العشاء الأخير)) .. كذلك في ((عبادة المجوس)) سنجد الديناميكية الحركية إلى جانب توازن القوى التي أرساها في مشهد خيول اليمين واليسار محققا ذلك التوازن الميكانيكي ..

أما الأهم في ليوناردوفهواكتشافه للدورة الدموية .. ولم يكن باستطاعة مايكل أنجلوأوروفائيل الوصول إلى مثل هذا الإكتشاف وذلك لأن فهم تشريحهم التصويري يعالج فقط الشكل والوضع ولايتطلع إلى وظيفة الأجزاء ولاتحرى الحياة داخل الجسد .

ودراسات ليوناردوالفهمية وطريقة رؤيته للعالم كانت تنموباستمرار ووسع منها وأرساها عام 1481 .. وفي نفس العام والتالي له رسم رائعته ((عبادة المجوس)) وقد رسمها بتكليف من دير سان دوناتولتوضع خلف مذبح الكنيسة في سكوبتوبالقرب من فلورنسا وهجرها غير منتهية حينما غادر إلى ميلانوعام 1482 - ولم يعد إلى فلورنسا مرة أخرى إلا بعد 18 عاما - وقد سجل ليوناردوفي عقد اتفاق العبادة حتى ينهي اللوحة خلال أربعة أشهر لكنه لم يتمكن .

نعود للوحة عبادة المجوس (( التي كشفت عن عبقريته العقلية وصفاء روحه مثلها كلوحته ((القديس جيروم)) .

التحضير الأولى للوحة تم باللون الواحد ومازال هكذا حتى اليوم باقيا في أوفيتزي بتحضيراته الخطية الواضحة .. والعمل كله يغلقه سحر خاص لأنه يكشف عن أسلوب ليوناردوفي إعداد لوحاته .. وبالعمل نرى في اللوحة أنهمن خلال توزيع الأشخاص قد شكل حركة ضمنية أخرى كامنة في إيماءات الوجوه بتعبيراتها المتنوعة . وهذا يلقي صدى علاي يتردد في اندفاع أشخاص على درجات السلالم الخلفية وأيضا في المصادمات بين الخيول إلى أعلى الجانب الأيمن .. وحيوية هذه الخلفية تأتي كصدى للعلاقات المتشابكة في حيز مكاني واحد ارتباطا بالفكرة الرئيسية لمركز اللوحة الذي فيه استطاع ليوناردووسط التشابك البشري بالعلاقات والإيماءات حتى يرسم البصعوبة وبشكل غامض خلف العذراء . كذلك الأشخاص الواقفون في غموض إلى جانبي اللوحة عند حافتها السفلى والذي يؤكده تضاد تعبيرات الوجوه .. أما مركز اللوحة فيسوده هدوء ذا مغزى نفسي بين الأم والطفل .

اعتمد ليوناردوعلى البناء الهندسي للشكل الهرمي فجعل رأس العذراء يمثل قمة المثلث ويمثل قاعدته المجوسان الراكعان إلى اليمين واليسار .. وأقوى رابطة في هذا التكوين المثلثي حتى ذراع المسيح اليسرى ممدودة إلى الخارج في حين جميع الإيماءات والحركات متجهة إلى المركز ومنه تنتشر في اللوحة كلها حالة من العاطفة الرمزية الممثلة في الأعمدة إلى أعلى اليسار وأيضا إشارة إلى العمود الذي ربط إليه المسيح .. وعلى عكس الإمتداد للخارج نرى معنى الإحتواء الذي تمتد به العذراء وجزء من ثوبها حول الطفل .. وكثرة التفاصيل تظهر لنا كيف من الممكن أن يبدأ ليوناردولوحاته بخطوط اسكتشية . وفي هذه الفترة الأولى من العمل يظهر توزيعه للتضاد بين الضوء والظل ليشير إلى حجم جسد الطفل ووجنة العذراء اليمنى وكذلك للرجل خلفها وهوالوحيد المنتهية توزيع ظلال وجهه في المجموعة .

وفي ((عبادة المجوس)) نراه معتمدا على الضوء الأكثر من طبيعي في مركز اللوحة وقد سقط حول المركز في كثافات مختلفة .. كما حتى معركة الخيول الأسكتشية أكدت ديناميكية حركتها بالإضاءة ولمسات اللون الأبيض .. ويبدوحتى ليوناردوكان سعيدا لعمل هذا الأسكتش داخل اللوحة ليكسر ملل محاولة إنهائها أوأنه شعر بالعمل بالملل فلم يكمل الجزء الأعلى ولم يلون اللوحة جميعها ولكن المدهش هوانهاؤه لأوراق الأشجار جميعها .

في هذه اللوحة يرتفع ليوناردوفوق القياسات البصرية ويندفع متحديا الفراغ في حين تقابل وجوهنا تماما مستوى أرض الحدث .. أما اخللفية فكأننا نراها من أسفل ونحن راكعون مثل الراكعين في المقدمة .. ولنشعر بأن جميع ماهوجسدي يطفوكأنغام موسيقية ذات مغزى .. وأعتقد أنه ليس مصادفة حتى ينجز كلا من العبادة ((والقديس جيروم)) في نفس العام وباللون البني ولم تكتملا ..

وقد بدأ في القديس في نفس العام وهي إحدى ثلاث لوحات رسمها ليوناردوفي فترة إقامته الأولى بفلورنسا والأخريتان هما ((عذراء الصخور)) باللوفر ((وعبادة المجوس)) في أوفيتزي .. ونلاحظ حتى الثلاث لوحات دينية وليست دنيوية .

ولوحة ((القديس جيروم)) 1481 والموجودة بالفاتيكان اكتشفت فقط في القرن التاسع عشر في بترتين إحداهما استخدمت كقرص منضدة .. وبالرغم من عدم انتهاء اللوحة وسنوات الإهمال فهي ((كعبادة المجوس)) تكشف عن أسلوب ليوناردووأستاذيته . نرى في اللوحة رأس القديس العجوز كجمجمة ويظهر بوضوح تشريحية عضلات الرقبة وبنائية أعلى الصدر والأكتاف وهذا يشهد على إيمانه بالبنائية الهندسية أساس التكوين .. كذلك يعرض واحدة من نظريات ليوناردوللتعبير عن العواطف الكامنة كالطاقة تماما عن طريق الوضع الجالس للقديس بالكيفية التي يلوي بها جسده في الاتجاه المعاكس .. ونرى إلى أقصى يمين الأسفل اسدا راقدا ينظر للقديس ويشاركه نفس الدوران بالجسد ونكاد نسمع زئيره كصدى لتعبير القديس عن الألم المبرح الذي يكشف عنه وجهه بوضوح .. وقد أجد ليوناردوبإيجاده الأسد حتى أضاف قيما بنائية وسيكولوجية هامة للعمل الذي تحقق توازنه البنائي بالصخور إلى لايسار كما حتى التكوين المعماري نراه خلال الكهف المفتوح الذي يظهر العالم الخارجي غير واضح للعالم لأن القديس يزهده .. ونلاحظ حتى اللون الأصفر الذي يسود اللوحة - رغم حتى لونه أولى سريع - فيه تعبير كبير عن الألم النفسي ..

عاش ليوناردوفترة فلورنسا هذه وافر الإنتاج ونال شهرته غير حتى المدينة لم تلائم مزاجه .

وفي سن الثلاثين ولج في خدمة دوق ميلانوبعد ماخط إليه خطابا يستعرض فيه كفاءته كفنان ومهندس .. والخطاب محفوظ في مخطوطة أطلانتيكس .. وفيه كشف بثقة عن قدراته على خلق الموضوعيع الضخمة والقنابل والمدافع الرشاشة والذاتية الدفع والدبابات وسلالم الحصار المتحركة وختم خطابه متحديا تفوقه على جميع الفنانين في مجالات العمرة والتصوير والنحت وللدوق حتى يضع قدراته موضع الإختيار .. وبالعمل عهد إليه الدوق بمهمة إقامة نصب تذكاري لأبيه وخلع عليه لقب مهندس الدوق ..ويتعهد ليوناردوبتطبيق تمثال هائل لوالد لودفيكويمثل فروسية اسفورتزا .. وفي 1483 بدأ دراساته التشريحية لحركات الخيل ودراسات حول التثبيت ومناطق التدعيم والاتزان . وكما هي عادته تأخذه الدراسات بعيدا عن السبب الأول الذي انطلقت منه .. وبعد عشرة أعوام في 1493 يزاح الستار عن النموذج الطيني للتمثال وأصبح حلم المدينة هوصبه بالبرونز الذي لم يتم أبدا فقد تطلب لصبه كميات هائلة من البرونز بينما كانت ميلانوفي حرب مع فرنسا وكل احتياطي المعدن بالمدينة تم صهره لعمل سلاح وذخيرة .. وحين احتلت قوات فرنسا ميلانوفيما بعد أصبح تمثال ليوناردوالرائع هدفا لمنافسات سهام الرماة .

وفي ميلانورسم لوحتيه الخالدتين ((عذراء الصخور)) و((العشاء الأخير)) .. ومن داخل القصر رسم بالقلم دراسة عن ((خمسة وجوه جرتسك)) والجرتسك هوفن زخرفي على نحوبشع أومضحك أظهر فيه قوة ملاحظة حادة لوجوه المنافقين داخل القصر .

وفي نفس هذه الفترة وعلى النقيض قام بدراسات واسعة حول نسب جسم الإنسان المثالية .

((وعذراء الصخور)) التي رسمها عام 1483 أثناء إقامته في ميلانوقدم فيها بحثه وفكرته عن الكون وأظهر جميع شيء من صخور وزهور وأشخاص وشجيرات منبعثة من داخل نفس الحياة الواحدة وقد أوجد الأنيميزم في جميع شيء (والأنيميزم هوممضى حيوية المادة وهي الإعتقاد بأن لكل ما في الكون وحتى للكون ذاته روحا أونفسا) . لذلك اتىت ((عذراء الصخور)) أثناء أوكنتيجة دراسته لقوانين الطبيعة ولدراسات الضوء والظل .. فنرى الصخور المكونة للمغارة لتظهر الضوء في المركز الخارجي وينفذ منه القليل للداخل وعبر الفجوات يظهر الضوء تحيطه ظلال دون حتىقد يكون له نفاذ تام ثم تفاجأ بضوء ساطع ينعكس على الوجوه والأيدي وسط العتمة ليؤكد فنيا ونفسيا التفاعل بين الأيدي والنظرات والخط الروحي الرابط بينهما والرابط بين الضوء والإنسان داخل حيوية الهجريب الهرمي للمجموعة والذي يوحي بدورة الحياة من خلال نظرة العين غير المرئية إلى يد العذراء إلى اليمين ثم لرأس الملاك وأسفل إلى الطفل المسيح ثم عبر التقاطع إلى اليسار حيث الطفل القديس يوحنا .. وهذه الشخوص هي المغمورة بالضوء الناعم داخل الأبعاد الثلاثة المعتمة أحدث ليوناردوبها تضادا يؤكده توهج ثلجي قادم من السماء خلف فتحة الكهف بما ينسجم وألوان المجموعة الباردة لولا ثوب الملاك الأجمر الذي أوحى بدفء نفسي وطاقة كامنة .. ونرى المياة والصخور المتباعدة غير واضحة في هذا لاجوالضبابي الغامض .. لكن الغموض الأساسي يكمن فيما يلفت نظر الملاك ليشير بإصبعه إلى لاقديس يوحنا وليس المسيح،يا ترى؟ في حين يتجه بصره إلى الخارج تجاهنا فإلام ينظر ،يا ترى؟ .. أما جمال وجه الملاك الأنثوي وابتسامته وإشارة يده فهي تظهر في عدد من أجواء فنية لليوناردووتسيطر عليه هذه الصورة كنموذج محبب إليه . كذلك محبب إليه حتى يجعل اتجاهات الأجساد متضادة مع الحركات واتجاه الرأس ونرى هذه الهجريبة الفريدة في الكيفية التي يتجه وينظر بها الملاك بوجهه عكس اتجاه جسده بينما يشير بأصبعه إلى جهة أخرى ..وهذا يذكرنا بأعماله الأولى وهي طريقة ليوناردوفي عمل التضاد بين وضعية التصوير والإيماءات كمشهد الشاب إلى اليسار صاحب الدرع في ((عبادة المجوس)) وفي وضعية جسد ((القديس جيروم)) وفي وضع القديسة والطفل في ((العذراء والقديسة آنا والطفل)) وفي وضعية ((القديس يوحنا)) ووضعية ((ليدا وطائر البجع)) وفي وضعية جسد الطفل في ((العذراء وزهرة القرنفل)) وفي ملاك ليوناردوفي ((تعميد المسيح)) ويلفت النظر في هذه اللوحة ما يوحي بجلسة العذراء الحذرة وخشونة الخلفية وتضادها مع تعبير وجهها الناعم ورقة ألوانه .. وتلك النباتات النامية في رقة من داخل تربة صخرية .. ونرى نفس افهتمام بوصف المشهد الكوني في كيفية تحديد الضوء وإضاءته لشعر العذراء مظهرا الصخور فوق راسها والنباتات الكثيفة إلى جانبيها كأن الضوء والإنسان والنباتقد يكونون معا مشهدا متوحدا وهذا يتفق وإيمان ليوناردوبوحدة الأمور بين الحي والجماد (كروح الكون) والرسم بوضوح هذه الفكرة مع التأكيد المعنوي للكهف كمقر حماية لهذه المجموعة مثلما العذراء هي حماية لإبنها .. وفنيا فإن عذراء الصخور لها رقة وجمال الفن الفلورنسي في القرن الخامس عشر ..

وقد وقع بعد قرابة ثلاثة وعشرين عاما حتى رسم ليوناردوعام 1506 نسخة ثانية للوحته ((عذراء الصخور)) وهي موجودة بالناشيونال جاليري بلندن .. وقد أدخل ليوناردوعليها لاكثير من التعديلات فلم نعد نرى الملاك مشيرا بأصبعه إلى الطفل يوحنا لكن ينظر إليه مبشارة .. كما حتى كثرة التفاصيل التي ميزت الصخور والنباتات والملابس الفضفاضة قد مالت إلى التلخيص عن الصورة التي كانت عليها في 1483 .. وقد ظهر بوضوح في النسخة الثانية أسلوب ليوناردوالفهمي بشكل أبرز خاصة في استخدام الظلال والأضواء وربطه بين المجموعة باستغلالهما للتجسيم إضافة إلى حركات الأيدي . أما تعبير وجوه اللوحة ففيه كثير من الرقي والضعف الشاحب رغم العيون اللامعة أسفل جفون ثقيلة .. ولقد لونت الملابس بما يتفق وهذا لاشحوب باللونين البني ووالأزرق الخفيف كأنها درجات لونية تظهر من أسفل الماء كخضرة الأعشاب المائية وكخضرة ماء البحيرة في نهاية اللوحة مع مدخل الكهف .. ولكن هذه اللوحة رغم أسلوب ليوناردوالمدروس تفتقر إلى الغموض والإثارة كرسمته الولى وقد يحدث سبب البعد عن الغموض تجسيم الشخوص المحدد للغاية والموحي بالوضوح الواقعي .. وليس الإختلاف هنا في التكنيك فقط لكن في إضافته للهالات المقدسة فوق رؤوس العذراء والطفل والقديس وإضافته الصليب .. وأيضا شده لجناحي الملاك وتجسيمه البصري للعذراء ليتناسب ودورها المضاعف كحامية غير عباءتها الفضفاضة فوق ذراعها اليمنى التي تحيط بالطفل القديس ويدها اليسرى فوق رأس الطفل المسيح .. مع اختفاء الإيماءات الغامضة من الملاك ..

وبعد رسمه ((عذراء الصخور)) الأولى .. رسم لوحة ((شيشيليا جاليراني وابن عرس)) 1485 .. ويحتمل أنها زوجة راعية دوق ميلانوالذي اتخذ ((ابن عرس)) شعارا وعلامة له .. واتى ذكره كرمز للطهارة والتقاء في القرن الثالث بعد الميلاد في مؤلف يوناني .. وقد أبرز ليوناردوعضلات ساق ومخالب الحيوان في لقاء أصابع السيدة الرفيعة الطويلة مما أضفى حيوية على الشكل الخارجي .. وايضا أضفت التفاتة شيشيليا تجاه كتفها الأيسر في وضع مريح حيوية وجمالا وقد وقفت في سكينة تشعرنا برقة مظهرها وبراءة وجهها الطفولي .. كذلك في كيفية تمشيط شعرها الذي التف حول ذقنها كطية قبعة وبساطة ترتيبها لشعرها ليؤكد مغزى تصويرها حاملة لابن عرس .. كما نرى إيقاع انحنائتين مزدوجتين عن طريق عقد العنق الملتوي مرتين حول الرقبة . وبعد عشر سنوات في 1495 رسم بورتريها آخر لزوجة لودفيكوسفورتزا مرتدية الأحمر والشرائط البنية وقد التف عقد حول رقبتها أربع لفات أحدثت صدى طاقة مع عقد رفيع للغاية فوق جبهتها وشعرها الذي لازال على تصفيفته الأولى وقد قسم في اتجاهين .

وفي 1485 رسم موسيقار البلاط فرانكينوجانوريووقد اهتم بإبراز عضلات وعظمات الوجه من الوجنتين والأنف بشكل مجسم .. ويعتبر هذا هوالرورتريه الوحيد لرجل رسمه ليوناردووهوبورتريه غير منتهية أجزاء منه مثل لوحتيه ((عبادة المجوس)) ((والقديس جيروم)) .

وبعد لوحة الموسيقار ولمدة عشرة أعوام تقريبا انشغل من حديث بأبحاثه ورسومات الآلات وبدراسات فنية عديدة قبل حتى يصل إلى رائعته ((العشاء الأخير)) 1495 ..

وكلوحاته التي لم تكتمل كذلك دراساته وابتكاراته لم ينفذ منها للاستخدام الميكانيكي إلا أقل القليل .. وقد هجر رسومات لآلات دقيقة وأخرى ضخمة .. وقبل اختراع الهليكوبتر بأربعة قرون نرى رسما لليوناردويمثل آلة ضخمة ترتفع عن الأرض وخط إلى جواره : ((إذا أحسن خلق هذه الآلة وإذا سيرت بسرعة فإن المسمار المحوري يجعلها تدور حلزونيا في الهواء وترتفع كثيرا)) .. وكذلك رسومه الحمراء الأثيرية التي رسمها بالطباشير للجبال في مخطوطات مدريد والتي تعد من روائعه في تصويرها الشفاف للممنظر الطبيعي .

وقبل حتى نصل معا إلى لوحته ((العشاء الأخير)) نستعرض بعضا من دراساته الفنية التي قام بها وأدت للعشاء .. فمع انشغاله في إعداد العروض المسرحية والمهرجانات وتمثال سفورتزا الضخم وعودته للدراسات المتعلقة بالخيول نجده يتفرغ شهورا لكتابة عدد كبير من الدراسات حول المنظور والظل والضوء خلال عام 1488 الذي بدأ فيه أيضا يضع ملاحظاته لكتابه ((نظرية التصوير)) الذي تضمن دراساته وتجاربه مع الظل والضوء .

ورؤية ليوناردوتهجرز في دراسة جميع الإنكسارات والإنعكاسات للإضاءة المحيطة ودراسة الظلال الملونة الأساسية التي تكون حقيقة الألوان . وهذا المفهوم يعطي لوجوه ليوناردوتشابها وثيقا بينها (أنظر المقارنة بالصور بين ابتسامة الموناليزا وابتسامة القديسة آن وابتسامة القديس يوحنا وابتسامة ملاك عذراء الصخور) .. فنرى في عيون شخوصه قوة الرسم وعمق النظرة متحدين معا حيث تظهر العيون بعد تكبيرها في درجات ذات مستويات تتدرج إلى القتام بتداخل الظل في سلاسة وهذا هوسر التعبير الرشيق عنده .

اقتربنا من رائعته ((العشاء الأخير)) والتي قبل بدء العمل بها بعام مباشرة في 1494 قام بدراساته في الحفريات في مناجم الحديد في ((بريشا)) مدعمة برسومات موجودة بالمخطة الملكية بقلعة وندسور .. وقبل العشاء الأخيرقد يكون أصبح صاحب مدرسة في فن التصوير وذا شهرة كبيرة ونقود قليلة فراعيه لودفيكولم يدفع له أجرا على مدى ثلاث سنوات وخط إليه ليوناردويذكره بأجره المتأخر . وهذا التذكير بالأجر جعل سفورتزا يخجل ويكلف ليوناردوبمهمة جديدة وهذه المهمة خلدت اسم ليوناردوإذ كلفه بأكثر أعمال الفن الإنساني سموا وهو((العشاء الأخير)) .. أما نظام تقاضي أجور الفنانين فقد ظل الفهم بالأجر هوالقاعدة العامة حتى نهاية القرن الخامس عشر وكان ليوناردويتقاضى مرتبا سنويا مقداره ألفا ((دوكا)) في ميلانووفي فرنسا كان يتقاضى خمسة وثلاثين ألف فرنك سنويا ومع مطلع القرن الجديد وازدياد دور السلطات الكنسية في سوق الفن ودخولها منافسا للجمهور ارتفعت أجور الفنانين .

وننعود إلى الوراء .. إلى تكليف لودفيكولليوناردوليرسم عشاء المسيح مع تلاميذه على جدار حجرة الطعام في الدير الدومينيكي وقد عكف ليوناردوليل نهار على رسوم وتخطيطات لشخوص لوحته الجدارية والتي رسم موضوعها كثير من الفنانين مثل أندريا دل سارتوفي 1527 وجيرلاندايوني في 1480 وأندريا دل جستانيوفي 1450 .. وقد عبروا جميعا عن الموضوع بشكل متشابه .. أ/ا ليوناردو، فلم يصور كغيره ذلك اللقاء حزينا يسبق الصلب بل رسمه في اللحظة التي نطق فيها لامسيح بحدثاته : ((إن واحدا منكم يفترض أن يخونني)) وقد أحدثت هذه الحدثات نوعا من الفوضى والتساؤل بين الإثنى عشر تلميذا بينما ظل المسيح ساكنا باسطا يدين مسترخيتين وانعزل عن انفعالاتهم .. ولأن ليوناردولا تهدأ نزعته الفهمية أراد حتى يجرب نوعا جديدا من الجبس مصنوعا من طبقات ثلاث منفصلة في جداريته . فلما انتهى منها وحضر أهل ميلانوإلى حجرة الطعام بالدير ليروا رائعته التي اكتملت استوعب ليوناردوحينها حتى طبقات الجبس لن تستطيع مقاومة رطوبة الداخل .. وهذا معناه حتى لوحته العظمى لن تعمر طويلا .. وبالعمل لم تكد تمضي خمسون عاما على رسمها حتى تلفت ورغم هذا فإن هذه اللوحة تعد من أجمل اللوحات في الفن الإيطالي كله . وحين تسلمت الكنيسة عام 1498 الجدارية منتهية خط عنها عالم الرياضيات لوقا باتشولي : ((لقد طبق ليوناردوم في العشاء الأفكار التي وصفها في كتابه نظرية التصوير)) .

والعشاء تبلغ من العرض ثمانية أمتار وثمانين سنتيمترا وارتفاعها أربعة أمتار وستون سنتيمترا . وقد صممت بطريقة ليوناردوالهندسية كفلسفة أفلاطون التي أسست على تمثال حسابي .

نشاهد في مقدمة اللوحة المنضدة الطويلة بغطائها الأبيض المطرز بالأزرق كوشاح المسيح والموضوعة أمام ثلاث نوافذ في جدار خلفي .. وعبر النافذة الوسطى في عمق اللوحة يتدفق الضوء فوق رأس المسيح الجالس مع الإثنى عشر حواريا .. جميع ستة منهم يجلسون إلى جانب في مجموعتين في جميع منهما ثلاثة حواريين . وقد عبروا بوجوههم وحركات أيديهم وأجسادهم عن ردة عملهم تجاه قول المسيح عن الخيانة .. وطبقا لنظرية ليوناردونراه اعتمد على تعبير إيماءات الروح من خلال أوضاعهم وحركات أيديهم التي وحدت جميع مجموعة معا وربطتها بالمجموعة المجاورة .. نرى إلى يسار المسيح الحواري الأكبر مدهوشا ناظرا لأسفل فاغرا فاه كأنه يكرر حدثات المسيح .. وإلى الخلف بينه وبين المسيح نرى ((توما)) يحمل إصبع السبابة في إيماءة مبهمة .. ونرى ((فيليب)) واقفا بردائه الأحمر الذي ينعكس لونه على إحدى الآنية من القصدير الرخيص كالذي يستعمله الرهبان في الدير ونرى ذراعيه متقاطعتين فوق صدره محتجا .. وإلى يمين المسيح نرى ((يوحنا)) وقد تشابكت أصابعه بقوة في حالة عجز .. و((بطرس)) قافزا من مقعده قابضا بسكين في يده .. أما ((يهوذا)) فقد ارتكن بيده على المنضدة في الظل وقد جعله ليوناردوضمن المجموعة كلها ولكنه وضعه في الظلال ليبدوفي نفس الوقت بعيدا روحيا عنالمجموعة بينما هوموجود بينهم وهذا ابتكار فني درامي .. أما ((ماتا)) فمد ذراعاه كأنه يقول للآخرين يجب ألا ندع هذا يحدث .

نجح ليوناردوفي التعبير بحركات الأجساد والأيدي عن حالة الاضطراب الذي استطاع بفنه حتى يسيطر عليه في نظام .. فجعل المجموعة كلها ترتبط معا بالإشارات دون حتى يهمل الواقعية والدقة .. وما كانت تخرج هذه التعبيرات البانورامية لولم يجعل ليوناردوالمائدة بعرض اللوحة ليظهر الجميع في ذلك الوضع الدرامي كأنهم على خشبة مسرح مع ملاحظة أنه جعل المجموعتين على كلا طرفي المائدة في حالة سكون كأنه يحصر بينهم انفعالات اللوحة في المجموعتين المحيطتين بالمسيح .. ولكن المفارقة في اللوحة هي جعل يهوذا إلى يمين المسيح ضمن المجموعة التي تضم يوحنا . ومقدرة ليوناردوعلى الغوص بذكاء داخل النفس البشرية أظهرت اللوحة كمشهد لردود الأفعال الفورية مع توزيع الأدوار التي ركزت على المسيح كبؤرة رئيسية تستأثر بمصدر الضوء القادم من أعلى الرأس إلى الخلف .. وفنيا الضوء هوالبطل كبطولة التكوين الهندسي الذي أدى للإحساس بالدوران والإنتشار حول مركز المجموعة.

وقد ابتكر ليوناردوفي لوحته فكرا جديدا بوضع الحواريين في مجموعات .. وهذا لاتكوين جعل المنضدة تغلق مقدمة اللوحة لنشعر بأننا أمام عمل عظيم للفراغ المتجه للداخل إلىنقطة تلاقي منظورية وكل التصميم والتخطيط تراجع للوراء إلى خلف رأس المسيح الذي تتشعب منه جميع الخطوط ليشكل التوازن والتماثل على جانبيه .. وخلال هذا لاتماثل مابين الجانبين والسقف والمنضدة والفراغ نجد الأشخاص أقيموا بفخامة بصيغة حسابية من عقلية عصر النهضة .. وفي هذه الدراما وظف الضوء من مصدره الطبيعي من نفاذة مجودة أعلى يسار حجرة الرهبان والذي جعله كمصدر وحيد ينير اللوحة ليضيء الجدارية إضاءة طبيعية تظهر درجات اللون المتفاوتة .. ونرى ضوء اللوحة يغمر غطاء المائدة والرؤوس كأنه أتى بالعمل من تلك النافذة ليخدم التأثير الفني والنفسي ودليل ذلك التأثير النفسي هووضع ليوناردوليهوذا جالسا عكس مصدر الضوء الطبيعي وهوالوحيد الجالس عكس اتجاه الضوء .

نرى خلف رأس المسيح ثلاث نوافذ مستطيلة يظهر عبرها ضوء ومنظر طبيعي وإلى أعلى النافذة الوسطى ابتكر ليوناردو((آرش)) نصف دائرة لتحل محل الهالة أعلى رأس المسيح ومن خلال هذه النافذة أكمل الضوء رمز الهالة النفسي ..

ولتتأملوا التقسيم الهندسي للسقف انقسم لمستطيلات متوازية ضيقة داخل شبه منحرف يظلل رأس المسيح وتتجه القاعدة الكبرى تجاهنا نحن المشاهدين لتربطنا بالشخصية المحورية وتفتح اللوحة لنا للدخول لنصبح جزءا منها نفسيا وزمنيا .. ومثلما اللوحة هندسية الإيقاع هي درامية اللحظة أيضا لعدة حالات نفسية لترتفع بليوناردوإلى مرتبة الفلاسفة فبينما شغل الآخرون بتصوير الرؤوس نراه هوالأول الذي جعل الأيدي وسيلة تعبير .

((والعشاء الأخير)) قابلته مشاكل فنية كثيرة بسبب إعداد ليوناردوالمسطح الجداري الذي لم يحتمل التعديلات الكثيرة ..

ولكن الأخطر من هذا هوالتدمير الذي ألحقه الرهبان باللوحة حينما قاموا بفتح باب في الجدار المرسومة عليه العشاء ليسهل عليهم المرور إلى الغرفة المجاورة . فانتهى الجزء الأسفل من وسط اللوحة واختفت أقدام الحواريين والمسيح وجزء من الأرضية ..

في 1499 غادر ليوناردوميلانووبدأ سنوات التجوال فمضى إلى مانتوا في بلاط إيزابيلا دي است ورسم لها بروفيل جانبيا كخطوط فقط عام 1500 .. ثم توقف في فينيسيا ثم فلورنسا في إقامة قصيرة مع رهبان دير البشارة |لنه كان قد وعدهم برسم لوحة للقديسة آنا والعذراء للمذبح الكبير وقد رسم لوحته التخطيطة على ورق بني اللون عام 1505 وهورسم طباشيري في دراسة بديعة تبدووكأنها لوحة مدخنة على طريقة السفوماتوالضبابية ودرجات اللون الواهية .. وهذا التخطيط موجود بالناشيونال جاليري بلندن وكان البداية للوحته الشهيرة باللوفر والتي تحمل نفس ا|لإسم والأشخاص .. ولجمال هذا الدراسة التخطيطية فإن كثيرا من النقاد يفضلونها على تلك اللوحة الزيتية باللوفر التي رسمها عام 1508 . وقد تناول ليوناردوفي دراسته مشهدا حميما بين الإبنة وأمها حيث تجلس العذراء فوق ساقي أمها وقد تلاصق جسداهما .. وقد رسمهما متشابهتين في الملامح بما لايمكن التفرقة بينهما رغم فارق السن . أما المسيح الطفل فهويجلس على ساق القديسة وقد أمسكت به العذراء ومد هويده إلى رأس يوحنا بينما تحمل القديسة سبابتها اليسرى مشيرة للسماء .. وقد قيل حتى ليوناردولم يكن راضيا عن هذه الدراسة .

لذلك في نسخته الثانية المعدلة 1508 لجأ إلى تكنيك مختلف .. فالتكوين حديث ومثير فهوملتوومنثن بقوة وكأنه بشخوصه جعلهم في حالة تضفير مجدول فليس من السهولة فهم ما يخص جميع شخصية من أيد وأرجل ومفاصل ولكن الجميع داخل شكل هرمي مركب غ ير حتى توازن العذراء فوق ركبتي أمها غير مستقر وهذا غير متوافر في دراسته التخطيطية .. وأن عباءة العذراء (جزء من الأجزاء الكثيرة غير المنتهية في اللوحة) تلتف حولها في غير انتظام مع تموجات ثوبها .. ونرى الطفل المسيح ممسكا بحمل من أذنه مما يدفع بالحمل لأسفل . ونلاحظ حتى العلاقات المتقاطعة في عدم انتظام حولهم وجدت صدى متبترا في الانتنطق البصري فيما بين الأمامي والخلفية الجليدية المرتفعة خلفهم .. وفي هذه اللوحة خص ليوناردوالغموض المعتاد عليه في نظرة القديسة آنا لأسفل مع ابتسامة تحمل سرها . وفنيا نرى في تقاطع رأسي القديسة وابنتها يشكل اكتمالا للخط الخارجي من كتف القديسة الأيسر برأس العذراء .. وبينما الخلفية تبدومتنافرة نجد استمرارا للطاقة التي يوحد بها ليوناردوبين عناصر الطبيعة .. فالصخور العمودية وثنياتها على شكل مروحي من النتوءات يتردد صداها مع طريقة لفافة غطاء الرأس . كما يشكل كم العذراء صدى آخر لسلاسل الجبال وثنياتها .. ويمكننا إدراكنا لإحاطته مجملا بفهم الصخور وطبقاتها من شكل الصخر والحصى الغريب بين قدمي القديسة .. وندرك أيضا المنظور الفراغي كما شاهدناه في ((العشاء الأخير)) ونلاحظ أنه هجر أجزاء من لوحته لم تكتمل ولا نعهد إذا كان عن قصد أم لا .. فنرى عباءة العذراء وقد هجرها باهتة وكأنها ملونة بالألوان المائية ولم ينته منها .

وقبل ((القديسة آنا والعذراء والطفل)) وفي حوالي 1502 مضى ليوناردولمقاطعة رومانا بمنتصف الشمال الإيطالي ليعمل كمهندس حربي .. ليعود في العام التالي إلى فلورنسا ليستقر بها حتى 1506 وخلالها تم تكليفه عام 1503 من مدينة فلورنسا برسم جدارية فرسكولمعركة (انجياري) التي سقطت في 29 يونيو1440 بين فلورنسا وميلانو.. وليتم أيضا تكليف مايكل أنجلوبعمل مشهد لمعركة ((بيزا)) على الجدار اللقاء لليوناردو..

وعلى جدار قصر ((فيكيو)) في فبراير 1504 بدأ ليوناردوالعمل في ((معركة انجياري)) وكان في نفس الوقت عاكفا بين حين وآخر على رسم امرأة جميلة مكتئبة بعض الشيء اسمها جيوكندا .

ومن أجل المعركة أمضى ليوناردوثلاثة أعوام مجربا لتكنيك حديث .. لكن اللوحة لم تنته أبدا وحتى الأجزماء التي اكتملت سرعان ماتلفت لتنمحي تماما خلال أعوام قليلة .. ومن المفارقة أيضا فشل الرسم التمهيدي لمايكل على الجدار اللقاء . والسبب في تلف لوحة ليوناردو- كما ذكر بعض مؤرخي الفن - هواعتماده على وصفة لنوع خاص من الجبس استخدمه الرومان القدامى يسمى (ألانكوستك) وكان قد عثر في كتاب للمؤرخ اللاتيني يليني على وصفة هذه العجينة .. وكان ليوناردورسم في جداريته قبل تلف أشد لحظة ضراوة في المعركة مبتعدا عن رشاقة الفن الفلورنسي معتمدا على ديناميكية الحركة القوية .

وبعد تلف (معركة انجياري) عاش ليوناردوفي أزمة نفسية جعلته يبتعد عن التصوير وعن فلورنسا وازداد اهتمامه بحركة الطيور وآليات الطيران وديناميكية الهواء .

وبدأ في رسم لوحته (ليدا وطائر البجع)) .. و((ليدا)) مأخوذة عن أسطورة يونانية وهي أميرة إينوليا التي عشقها الإله زيوس فتنكر على هيئة بجع والذي أسفر عشقه لها عن إنجاب توأمين .. وفي الاسكتش واللوحة أحاط ليوناردوليدا بالحشائش المائية والزهور ومشهد لمدينة خرافية .

.. ومثلما رسم لوحة لعيشقة الأمير جوليانوواختفت .. اختفت ايضا ((ليدا وطائر البجع)) ولكن هناك رسم لروفائيل منقول عن لوحة ليوناردوويوجد مستنسخ من اللوحة المختفية محتفظ بها متحف فيللا بورجيزا بروما .

أما لوحة الموناليزا التي بدأها في فلورنسا حوالي 1503 وأيضا أنهاها هناك .. فهي أشهر اللوحات في تاريخ الفن وإن لم تكن أجملها .. واكتسبت الموناليزا مزيدا من الحيوية والإبداع وغموض الألوان المعتمة مما سببت إثارة وتساؤلا حول إيحاءاتها الغامضة .. ويتفق هذا ومنهج ليوناردوفي إظهار الغموض .. وولع ليوناردوللغموض يجعله من خلال الوجه يجسد الحالة النفسية والروحية لنموذجه .. وقد عمل في الموناليزا غائصا في تلك الحالة ومنفصلا عنها في آنواحد بشكل متبتر لمدة ثلاثة أعوام (بعض المؤرخين يقولون إنه عمل في الموناليزا بشكل متبتر من 1505 حتى 1513) . وقد لجأ لرسمها عند الغروب مرتدية غطاء للرأس عنوان الحشمة وهي جالسة في مسقط مفتوح وفي الخلفية صف من الأشجار .. وقد استدار بخفة ملتفتا إلينا الجزء الأعلى من جسدها في مشهد شبه تام للوجه . وقد عمد ليوناردوذلك ليؤكد حتى البورتريه كما في فلسفته الخاصة يظهر حركة الروح . وأيضا موضوعه المألوف وهوالسيطرة بشكل مادي على ابتسامة خفية وبالكاد يمكن حتى توحي بها عن طريق الظلال الجانبية التي ترفرف على ركني فمها . تلك الابتسامة التي توحي بكل تأويل وعكسه في نفس الوقت مثل تعبيرها عن الرغبة والفضيلة والتهكم والرقة في انعكاس جداري يؤكده المشهد الموحي بالاستعراض أكثر من عرضه للمشاعر الحقيقية .

ونرى معا التضارب في المشاعر بما يؤكد رؤية الفنان .. فذراعها اليسرى يتكئ على ذراع المقعد في راحة بينما ذراعها اليمنى والكف يرتخي بحذر فوقه وهذا يعطي انطباعا عاما عن تاريوالإختراع .. ومثل غموض الوجوه في لقاء وضوح الطبيعة وانبساطها) .

وفي درس لليوناردوالتصويري نجده خص لهذا البورتريه قيمة كبيرة لكيفية تناول الموضوع في الضوء المعتم .. وتبعا لهذه الرؤية فإن الضوء هنا مساعد بشكل مستقل وليس للخدمة التفسيرية لتفاصيل الوجه .. فالجبال والمنظر الطبيعي داخل محيط ضبابي تام للأفق ليتوافق وحالة الشخصية السيكولوجية . وقد لجأ لهذا في أعماله منذ بداية النصف الثاني من حياته .. فنرى المنظر الطبيعي كنمط يتوافق وعواطف المرأة الجالسة .. فالطرق الضيقة خلال صخور خشنة يوحي كأنه طريق للحقيقة . (وهومحب للفلسفة) وهوتمثيل رمزي للفضيلة التي تبدوبصعوبة مؤيدة لفكرة حتى السيدة ذات غطاء راس مع رمز الطريق الصعب في امرأة فاضلة .. وعلى الجانب الآخر من شخصية ليوناردوالباحثة نقرأ ماذكره مارتين كمب : ((إن ليوناردولجأ لعرض منظر طبيعي للخلفية ليوضح تقريرا منه في تاريخ الطبيعة متصلا غير منفصل بنفس التكوين الجيولوجي)) .. فمن المعروف حتى ليوناردوقد قام بدراسات مختلفة عن معالم موسكانيا الجغرافية وبخرائط لينظم قنوات نهر الأرنو.. وقبل كتابات كمب أكد جيوفاني فيلاني (1276 - 1348) في تسجيلاته التاريخية حتى الأرنوقد يحدث بنى كسد عن طريق استخدام كمية هائلة من سياج الصخور إلى جانب تأكيده على وجود بحيرتين .. وطبقا لما ذكره كمب قبلا نجد حتى البحيرتين تظهرا في المنظر الطبيعي إلى جانب الموناليزا .. وبذلك فإن اهتمامات ليوناردوبوقائع الطبيعة الجغرافية للمكان يسجلها في خلفية الموناليزا وليطوعها ليجعل منها صدى نفسيا وتماثلا لتفاصيل نفسية المرأة ووجهها وملابسها . كما نرى الكوبري الصخري جوار كتف الموناليزا إلى اليسار مباشرة .. وهومن اهتمامات ليوناردوالمحببة خاصة في ارتباطه بكباري روما القديمة .

ومثلما في ((العشاء الأخير)) نرى القيم الهندسية والتكنين اللوني كذلك هنا في خلفية الموناليزا نرى المهندس المعماري ونرى هندسة الجسور وهنةدسة شق مجاري المياه .. ونرى أيضا إبداع الفنان فلا يمكن فصل المهندس عن الفنان مثلما نرى الكوبري والطريق كليهما يتبتران عن جميع نهاية وهذا يتفق ووضع يديها وابتسامتها فيما بين أقصى المشاعر ونقيضها .. ورغم طبقات الورنيش المتتالية فوق اللوحة إلا حتى جوهر أسلوب ليوناردولازال واضحا في مزج رقيق للألوان أذاب الإنحناءات في وجنتي الموناليزا وكذلك الإنتفاخ حول عينيها وطيات اللحم في ركني الفم .. كذلك في معالجته للضوء القمري الناعم وسط الضباب (السفوماتو) بتأثير التفاصيل الناعمة الموحية بالعمق الأسطوري .

وكغموضها .. نجد أنه ليست هناك أدلة مؤكدة على تاريخ بدء العمل فبعض المؤرخين يشيرون إلى عام 1502 والبعض إلى 1505 إلا حتى معظم النقاد يرون حتى الفترة مابين 1501 - 1503 هي الأقرب إلى الصحة رجوعا إلى تحركات الفنان وسجلاته .

وينهي ليوناردو((القديس يوحنا)) 1509 باللوفر وكان آخر عمل أتمه في تلك الفترة غير حتى القيمة الفنية في هذه اللوحة أقل كثيرا من مستوى عماله السابقة من حيث قوة التشكيل والتشريح المظهر لرخاوة أعضاء الجسم علاوة على البسمة المتكلفة وانتشار الظلال .

وفي العام التالي على القديس يوحنا أي في 1510 انكب ليوناردومن حديث على دراساته وأبحاثه وبدأ في كتابة مسودات عن فهم التشريح كفهم منفصل عن فهم التصوير .. وقد شرح ليوناردوفي المستشفى حوالي ثلاثين جثة .. وكان هوأول من رسم الجنين .. وفي لقاء هذا لقى كثيرا من المشاكل والاتهامات بسبب تشريحه للجثث حتى حتى الفاتيكان أصدر أمرا يمنع دخوله مستشفى فيلا ريتي بميلانو.. وإلى جانب تأثره بالإنسان الجسد والروح نجد تأثره بالطبيعة وبكل مظاهرها ومنها الحركات ذات الدوامات حتى أنه شبه دوامات المياه بخصلات الشعر .. وهذه الحركة الكامنة نراها وقد ارتبطت عنده بآرائه البارعة في فلسفة الموسيقى وانتشار الأمواج الصوتية واختلافها عن الأمواج الضوئية .. وقد عالج هذا الموضوع بابتكار مايسمى منظور الصوت بما يتسار مع قواعد المنور المرئي والتصويري وهي القواعد التي تهمه جدا باعتباره مصورا ما بين انكسار الضوء عبر وخلال جبال خلفيات لوحاته وأيضا في الإيحاء الضوئي لحركة سطوح بحيراه التي كثرت في لوحاته ..

وإن نظرنا إلى دراساته الفهمية هذه وقدر ظهورها في لوحاته الفنية نجد مثلا أنه في ((العشاء الأخير)) تنتشر عبر الوحة أمواج بصرية عن طريق حركات الشخوص وكأنه موج يتحرك إلى اليمين أواليسار واتجاه الموجة عادة من نقطة لأخرى .. فإلى يمين أويسار المسيح مجموعة حركات موجية تتحرك وتتماوج لكن حين تصل المسيح الثابت لاترتطم به فهومنطقة سكونية منعدمة الحركة .. وعلى العكس من هذه الحركة البصرية ورغم ضوضائها نرى الشخوص يتحركون ويتحدثون مصدرون همهمات صوتية إلا حتى ليوناردوومن مركز المسيح حتى أعلى اللوحة أوجد منطقة سكونية مماثلة لليمين واليسار وكان هناك بندولا رتيبا يقسم اللوحة إلى نصفين وحركته إلى اليمين واليسار مارا عبر الشخوص ويؤكد هذا تلك المستطيلات المتماثلة على جانبي اللوحة وقد أجرى ليوناردواكتشافات ودراسات في حركة البندول وإيقاعها .. كذلك في لوحة ((القديس جيروم)) نجد زئير الأسد داخل الكهف يصدر عنه صدى صوت وقد يصطدم زئيره بجسد القديس متجها إلى عمق عباءته في لقاء الأسد تماما كأنها كهف .. مما جعل عاد الصدى أكثر خفوتاليتردد في الكهف أكثر حدة .

كذلك في الموناليزا .. فرغم الصمت المطبق في اللوحة إلا أننا نشعر بصوت خرير الماء منسابا بين عيون الكوبري وتردداته الهامسة في البحيرات مابين الخافت والمسموع مثلما المنظور المرئي يتفق وإيقاع وسط ضبابية أثيرية هامسة كمياه البحيرة .. وفي ((عذراء الصخور)) بلندن هناك منظور صوتي قادم من الفراغ يتردد بين جنيات الجبال حتى يصل إلى مدخل الكهف ينكسر بين صخور المدخل المدلاة .. وداخل الكهف تتردد بقايا الصوت ونرى حتى إضاءات وجوه الأشخاص الأربعة هي رنين مرتفع وكان أمواجا صوتية اصطدمت بها وأصدرت رنينا نحاسيا رقيقا .. وتشكيليا .. نجد حتى هناك ترددا إيقاعيا كإيقاع الصوت داخل تضاريس الكهف الصخرية التي فميا بينها تنبت نباتات رفيقة كنغمة رفيعة أوكالزهور تحت قدم القديس إلى اليسار بما يشكل ترديدا ناعما خافتا لتلك الأوراق الزهرية التي إلى أعلى الكهف إلى اليسار .. وقد بدأ اهتمام ليوناردوبالأمواج الصوتية لاشتغاله كثيرا بالموسيقى كعازف واهتمامه بالسمعيات .

واستمر حتى 1513 عاكفا على أبحاثه الفهمية .

وفي نفس العام رسم لوحته (باخوس)) .. ثم لوحة لعشيقة جوليانودي ميتشي .

واتىت محطة روما عام 1513 بعد تجوله من مدينة لأخرى .

ثم أخيرا فيما بين 15 - 1516 انتقل إلى فرنسا بدعوة من الملك . ويبدأ الآن ذلك الغروب البطيء الطويل في حياة ليوناردودافنشي فقد شرع الفنان العبقري بمساعدة تلميذه الوفي فرانشيسكوميلتزي في إعادة تنظيم كتاباته ورسومه تمهيدا لجمع جميع أبحاثه في مجموعة واحدة تضم المعارف القديمة والوسيطة والحديثة كأنه كان يستعد لكتابة دائرة معارفة للفهم البشرية .

وفي ربوع امبواز الفرنسية الهادئة عاش ليوناردوفي عزلة وخط في يومياته : (( إذا الحياة التي أحسن إنفاقها حياة طويلة)) .

ثم نراه يرسم بورتريه لنفسه عام 1516 وقد بلغ الرابعة والستين وهوالبورتريه الوحيد له ورسمه باللون الواحد وقدم قدم نفسه للعالم من خلال صورته التي رسمها بلحية طويلة وتعبير مكتئب وقد كان هذا في عصر النهضة يشير إلى الشخصية ذات الذكاء العميق .

وقد خط في سنواته الأخيرة : ((نحن غالبا ما نأمل للمستقبل لكن المستقبل يدخر لنا شيئا واحدا مؤكدا وهوالموت لكل الآمال)).


المنحوتات والرسوم المعمارية

لم يخط النجاة لأي من منحوتات ليوناردوومعظمها للأسف لم يتم إنجازه وأغلب تصاميمه المعمارية إما أنها لم تنجز أوأنها أنجزت بعكس ما أراد ورغب. ولذلك لم يبق إلا المخطوطات التي بواسطتها نستطيع الحكم عليه. حيث كانت تصاميمه ورسومه التمهيدية ذات إتقان وغنية بالتفاصيل والوضوح مظهرا تأثره العميق بالفنون الرومانية.


نظريات ومشاريع فهمية

الرجل الفيتروفاني
لوحة توضح عضلات الحصان كما صورها دا فنشي.

كعالم فإن ليوناردودافينشي كان قد تجاوز من حوله من الفهماء بأسلوب بحثه العملي وتدقيقه وشدة ملاحظته. حيث اعتمد بشكل كبير على الملاحظة والتوثيق مدركا أهمية ما يعمله في نجاح بحثه العملي. ولسوء الحظ فنه مثل فهمه فلم يكمل أغلب أبحاثه وهجرها غير منجزة وعلى الرغم من ذلك إلا أنه قد هجرها شبه مكتملة, وسهل ذلك لمن تبعه جميع الصعاب ولم يهجر لهم إلا موضوع التطبيق. ونظرياته كانت محتواة ضمن مجموعة عديدة من دفاتر الملاحظات مكتوبة بكتابة عكسية مشفرة يتم فكها عبر قراءتها من المرآة . مما شكل صعوبة في اكتشافها وغالبا لم يتم نشرها في عصره.

أغلب مكتشفاته كان لها الأثر حتى على علومنا في العصر الحالي فقد تفهم دورة الدم وردة عمل العين وتفهم تأثير القمر على المد والجزر وحاول فهم طبيعة المستحثات . ويعد من أوائل فهماء الحركة والماء ومخططاته حول شبكة نقل المياه من الأنهار تعد عملية وذات قيمة فيما لوطبقت. كما اخترع الكثير من الآلات منها العملي ومنها غير العملي مثل بذلة الغوص تحت الماء وجهازه الخاص للطيران مع أنه غير عملي إلا انه يعد أول أبحاث الحركة والهواء...

انظر أيضا

عن ليوناردو

  • آراء ثقافية لليوناردودا ڤنشي
  • Leonardo da Vinci, A Memory of His Childhood (essay)
  • الحياة الشخصية لليوناردودا ڤنشي
  • قائمة رسومات ليوناردودا ڤنشي
  • تصنيف:رسومات ليوناردودا ڤنشي
  • علوم واختراعات ليوناردودا ڤنشي
  • Codex Arundel

موضوعات متعلقة

  • Aerial perspective
  • تاريخ محرك الاحتراق الداخلي
  • رسم عصر النهضة الايطالي
  • مطار ليوناردودا ڤنشي
  • معهد ليوناردودا ڤنشي للفن
  • قائمة الرسامين الايطاليين
  • قائمة النباتيين
  • نهضة طبية
  • تقنية النهضة

الهوامش

المصادر

  • موسوعة الفن الحديث، أخبار اليوم

المراجع

  • Daniel Arasse (1997). Leonardo da Vinci. Konecky & Konecky. ISBN .
  • Michael Baxandall (1974). Painting and Experience in Fifteenth Century Italy. Oxford University Press. ISBN  Check |isbn= value: invalid character (help).
  • Fred Bérence (1965). Léonard de Vinci, L'homme et son oeuvre. Somogy. Dépot légal 4° trimestre 1965.
  • Luciano Berti (1971). The Uffizi. Scala.
  • Liana Bortolon (1967). The Life and Times of Leonardo. Paul Hamlyn, London.
  • Hugh Brigstoke (2001). The Oxford Companion the Western Art. USA: Oxford University Press. ISBN .
  • Gene A. Brucker (1969). Renaissance Florence. Wiley and Sons. ISBN .
  • Cennino Cennini (2009). Il Libro Dell'arte O Trattato Della Pittui. USA: BiblioBazaar. ISBN .
  • Angela Ottino della Chiesa (1967). The Complete Paintings of Leonardo da Vinci. Penguin Classics of World Art series. ISBN .
  • Simona Cremante (2005). Leonardo da Vinci: Artist, Scientist, Inventor. Giunti. ISBN  Check |isbn= value: invalid character (help).
  • Frederich Hartt (1970). A History of Italian Renaissance Art. Thames and Hudson. ISBN .
  • Michael H. Hart (1992). The 100. Carol Publishing Group. ISBN  Check |isbn= value: invalid character (help).
  • Martin Kemp (2004). Leonardo. Oxford University Press. ISBN .
  • Mario Lucertini, Ana Millan Gasca, Fernando Nicolo (2004). Technological Concepts and Mathematical Models in the Evolution of Modern Engineering Systems. Birkhauser. ISBN .CS1 maint: multiple names: authors list (link)
  • John N. Lupia. The Secret Revealed: How to Look at Italian Renaissance Painting. Medieval and Renaissance Times, Vol. 1, no. 2 (Summer, 1994): 6–17. ISSN 1075-2110.
  • Andrew Martindale (1972). The Rise of the Artist. Thames and Hudson. ISBN  Check |isbn= value: checksum (help).
  • Roger Masters (1996). Machiavelli, Leonardo and the Science of Power. University of Notre Dame Press. ISBN .
  • Roger Masters (1998). Fortune is a River: Leonardo Da Vinci and Niccolo Machiavelli's Magnificent Dream to Change the Course of Florentine History. Simon & Schuster. ISBN .
  • Charles D. O'Malley and J. B. de C. M. Sounders (1952). Leonardo on the Human Body: The Anatomical, Physiological, and Embryological Drawings of Leonardo da Vinci. With Translations, Emendations and a Biographical Introduction. Henry Schuman, New York.
  • Charles Nicholl (2005). Leonardo da Vinci, The Flights of the Mind. Penguin. ISBN .
  • Sherwin B. Nuland (2001). Leonardo Da Vinci. Phoenix Press. ISBN  Check |isbn= value: length (help).
  • A.E. Popham (1946). The Drawings of Leonardo da Vinci. Jonathan Cape. ISBN .
  • Shana Priwer & Cynthia Phillips (2006). The Everything Da Vinci Book: Explore the Life and Times of the Ultimate Renaissance Man. Adams Media. ISBN .
  • Ilan Rachum (1979). The Renaissance, an Illustrated Encyclopedia. Octopus. ISBN .
  • Thereza Wells, ed. (2008). Notebooks of Leonardo da VInci, selected by Irma A. Richter. Oxford World's Classics (new ed.). Oxford: Oxford University Press. ISBN .
  • Jean Paul Richter (1970). The Notebooks of Leonardo da Vinci. Dover. ISBN . volume 2: ISBN 0-486-22573-9. A reprint of the original 1883 edition.
  • Marco Rosci (1977). Leonardo. Bay Books Pty Ltd. ISBN .
  • Paolo Rossi (2001). The Birth of Modern Science. Blackwell Publishing. ISBN .
  • Bruno Santi (1990). Leonardo da Vinci. Scala / Riverside.
  • Theophilus (1963). On Divers Arts. USA: University of Chicago Press. ISBN .
  • Jack Wasserman (1975). Leonardo da Vinci. Abrams. ISBN .
  • Giorgio Vasari (1568). Lives of the Artists. Penguin Classics, trans. George Bull 1965. ISBN .
  • Williamson, Hugh Ross (1974). Lorenzo the Magnificent. Michael Joseph. ISBN .
  • Emanuel Winternitz (1982). Leonardo Da Vinci As a Musician. USA: Yale University Press. ISBN .
  • Alessandro Vezzosi (1997 (English translation)). Leonardo da Vinci: Renaissance Man. Thames & Hudson Ltd, London. ISBN . Check date values in: |year= (help)
  • Frank Zollner (2003). Leonardo da Vinci: The Complete Paintings and Drawings. Taschen. ISBN  Check |isbn= value: invalid character (help). [The chapter "The Graphic Works" is by Frank Zollner & Johannes Nathan].

وصلات خارجية

اقرأ نصاً ذا علاقة في

ليوناردودا ڤنشي


  • مسقط جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم
  • "Leonardo da Vinci" in the 1913 Catholic Encyclopedia.
  • Leonardo da Vinci: Experience, Experiment, Design (review)
  • أعمال من Leonardo da Vinci في مشروع گوتنبرگ
  • , available at Project Gutenberg.
  • Complete text & images of Richter's translation of the Notebooks
  • Vasari Life of Leonardo: in Lives of the Most Eminent Painters, Sculptors, and Architects.
  • Web Gallery of Leonardo Paintings
  • Drawings of Leonardo da Vinci
  • Da Vinci Decoded Article from The Guardian
  • The true face of Leonardo Da Vinci?
  • Leonardo da Vinci's Ethical Vegetarianism
  • The Notebooks of Leonardo da Vinci
  • ليوناردودا ڤنشي at Find A Grave


تاريخ النشر: 2020-06-05 18:13:15
التصنيفات: Articles which use infobox templates with no data rows, Articles with hCards, No local image but image on Wikidata, Pages using infobox artist with unknown parameters, CS1 errors: ISBN, CS1 maint: multiple names: authors list, CS1 errors: dates, مقالات جيدة, مواليد 1452, وفيات 1519, تاريخ التشريح, علماء تشريح ايطاليون, مهندسون مدنيون ايطاليون, إنسانيو النهضة الإيطاليون, نباتيون ايطاليون, رومان كاثوليك ايطاليون, كتاب رومان كاثوليك, رسامو الكنيسة الرومانية الكاثوليكية, رياضيات وثقافة, Ballistics experts, مهندسون عسكريون ايطاليون, People prosecuted under anti-homosexuality laws, Physiognomists, Italian physiologists, مخترعون ايطاليون, معماريو النهضة, فنانو النهضة, رسامو عصر النهضة, Fabulists, القرن 15 في العلوم, القرن 16 في العلوم, علماء القرن 15, علماء القرن 16, ليوناردو دا فنشي, رواد الطيران, أشخاص من مقاطعة فلورنسا, رسامون توسكانيون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ولاية قابس: الاحتفال باليوم العالمي للسياحة

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:14:07
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

إيران تعلن وضع القمر الصناعي نور 3 في المدار بنجاح

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:14:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 67%

لاعب اخر يلتحق بقائمة المغادرين للافريقي

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:14:04
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 70%

وزارة العمل: تسليم عقود عمل لذوي الهمم بأسوان

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:22:11
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

حسين زين يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى المولد النبوي

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:22:02
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 52%

التعادل السلبي يحسم لقاء إنبي و طلائع الجيش

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:22:06
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

بمشاركة 41 شركة.. وزارة العمل: مبادرة “سلامتك تهمنا “بالمنوفية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:22:18
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 68%

القوات المسلحة تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف لعام 1445 هـ

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:22:14
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

تراجعات عالمية بنسبة 1.27% في أسعار الذهب خلال أغسطس - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:20:57
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 51%

الأمن يحجز أكثر من 4 أطنان من مخدر الحشيش

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:12:37
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 61%

كأس الدنمارك العاشوري اساسي في مواجهة الدور الاول

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-27 18:14:21
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 53%

تحميل تطبيق المنصة العربية