سامخيا
جزء من سلسلة عن |
المدارس
سامخيا • يوگا • نيايا |
الأشخاص
القدامى |
|
ممضى سانخيا Samkhya ويقول مؤرخ هندي عن هذا الممضى "إنه أبعد المذاهب الفلسفية التي أنتجتها الهند دلالة". ولقد عثر الأستاذ "جارْب" الذي كرّس شطراً كبيراً من حياته لدراسة سانخيا ، عزاء لنفسه إذ عثر حتى "ممضى كابيلا قد إشتمل لأول مرة في تاريخ العالم إستقلال العقل الإنساني وحريته الكاملتين ، وثقته التامة بقدراته". وهوأقدم المذاهب الستة ، ولعله أقدم ممضى فلسفي ولسنا ندري شيئاً عن "كابيلا" نفسه ، سوى حتى الرواية الهندية تزعم - في إستهتار بدقة التواريخ كالذي تراه عند التلميذ الناشئ - تمجيداً له ، أنه مؤسس فلسفة سانخيا في القرن السادس قبل الميلاد. يجمع "كابيلا" في شخصه الواقعية والإسكلائية ، وهويبدأ كلامه بما يكاد يشبه أقوال الأطباء ، إذ يضع قاعدة في أول حكمه يسوقها ، وهي "أن إنعدام الألم إنعداماً تاماً ... هوأكمل غاية ينشدها الإنسان" ، وهويرفض الإكتفاء بمحاولة الإنسان إجتناب الألم بوسائل جسمانية ، ويدحض بشعوذة منطقية آراء الباحثين في الموضوع واحداً واحداً ؛ ثم يأخذ بعد ذلك في تكوين ممضىه الميتافيزيقي الخاص به ، في سلسلة من "السوترات" المقتضبة الغامضة ؛ وهويسرد في سانخيا أنواع الحقائق وهي خمس وعشرون ، ومن هذا السرد للأنواع اتىت حدثة سانخيا (لأن معناها السرد) وهويسمي هذه الحقائق "تاتوات" (أي الذلكات جمع ذلك) ومنها يتألف العالم في رأي "كابيلا" ؛ وهويرتب هذه الحقائق في علاقة مركبة تربط بعضها ببعض ، ويمكن توضيحها بالقائمة التالية:
أ - العنصر (برا كريتي ، أي المنتج) وهومبدأ فيزيقي عام ينتج بما له من قُوىً تطورية (وإسمها جونات).
أ- الذكاء (بوذي) وهوقوة الإدراك الحسي ، وهذا بدوره ينتج بما له من قُوىً تطورية.
أ- العناصر الخمسة الدقاق ، أوالقوى الحاسة للعالم الداخلي ، وهي:
1- البصر.
2- السمع.
3- الشم.
4- الذوق.
5- اللمس.
والحقائق المرقومة من (1) إلى (8) تتعاون على إنتاج الحقائق المرقومة (10) إلى (24)
ب - العقل (واسمه ماناس) وهوالإدراك الفكري.
جـ - أعضاء الحس الخمسة ، وهي التي تقابل الحقائق المرقومة (4) إلى (8)
1- العين.
2- الأذن.
3- الأنف.
4- اللسان.
5- الجلد.
د- أعضاء العمل الخمسة.
1- الحنجرة.
2- اليدان.
3- القدمان.
4- أعضاء الإفراز.
5- أعضاء النسل.
هـ- عناصر العالم الخارجي الخمسة الغلاظ.
1- الأثير.
2- الهواء.
3- النار والضوء.
4- الماء.
5- التراب.
ب - الروح (بوروشا أي "الشخص") ، وهومبدأ نفسي عام وهوالذي يحرك ويحيي "براكريتي" على الرغم من أنه عاجز عن عمل شئ بذاته ، وهويستثير جميع ما في "براكريتي" من قوى تطورية لتباشر أوجه نشاطها. وإن هذا ليبدوفي أوله ممضىاً مادياً خالصاً، فعالم العقل والنفس، مثل عالم الجسم والمادة، تعبير - فيما يظهر - عن حركة تطورية تتأثر بالعوامل الطبيعية ، ومعنى ذلك أنه يسير في حركة مستمرة التكوين والفساد ، بادئاً من أدنى الدرجات ومنتهياً إلى أعلاها ، ثم يعود إلى أدناها من حديث ، جميع ذلك والعالم هوهومن حيث عناصره في وحدتها وإستمرارها ؛ فكأنما كان "كابيلا" يشق الطريق أمام "لامارك" حين يقول إذا حاجة الكائن العضوي (النفس) تولد الوظيفة (البصر والسمع والشم والذوق واللمس) ثم تنتج الوظيفة عضوها (العين والأذن والأنف واللسان والجلد)؛ وليس في هذا الممضى فجوة ، بل ليس في أية فلسفة هندية تمييز بين اللاعضوي والعضوي من الكائنات ، أوبين عالم النبات وعالم الحيوان ، أوبين الحيوان وبين الإنسان ؛ فهذه كلها حلقات من سلسلة الحياة الواحدة ، أوقل إنها قضبان عجلة التطور والإنحلال ، أي عجلة الولادة والموت ثم الولادة من حديث ؛ وإنما يتحدد مجرى التطور إعتباطاً بتأثير الخصائص أوالقوى (الجونات) الثلاث الفاعلة في "العنصر": ألا وهي الطهر والفاعلية والجهل الأعمى ، وليست هذه القوى بذات هوى نحوالتقدم مناهضة للإنحلال ، بل إنها تنتج الواحد في إثر الآخر على دورات لا تنتهي ، مثلها مثل ساحر عابث يظل يخرج أشياء لا تنتهي صنوفها من قبعة ، ثم يعيد وضعها في القبعة ، ماضياً في هذه العملية إلى الأبد ؛ كما يقول هربرت سبنسر في عصر متأخر هوحتى جميع فترة من مراحل التطور تحتوي في ذاته ميلاً إلى الإنحلال بإعتباره مكملاً لها ونهاية لا محيص عنها.
وكان "كابيلا" شبيها بلابلاس حين لم يجد ضرورة لفرض قوة إلهية يقسر بها الخلق أوالتطور ؛ وليس من الغرابة في شئ حتى تجد ديانات أوفلسفات بغير إله في هذه الأمة التي هي أكثر الأمم إمعاناً في الدين والفلسفة ؛ وإنك لتجد في كثير من نصوص "سانخيا" إنكاراً صريحاً لوجود خالق مشخص ، والخلق عندهم شئ لا يمكن للعقل حتى يتصوره لأن "الشيء لا يخرج من لا شئ" والخالق والمخلوق جانبان لشيء واحد ، وترى "كابيلا" يكفيه إطمئنانا حتى يخط (كأنه "ma:عمانوئيل كانت" على وجه الدقة) بأن الخالق المشخص يستحيل حتى يقيم عليه الدليل عقل بشري ، لأن جميع ما موجود - في رأي هذا الشكاك الدقيق - لا يخرج على أحد فرضيتين ، فإما حتىقد يكون مقيداً أوحراً ، ولا يمكن لله حتىقد يكون هذا أوذاك ولوكان الله كاملاً لما مست به الحاجة إلى خلق العالم ، ثم لوكان ناقصاً لما كان إلهاً ؛ ولوكان الله خيراً وله قدرات إلهية ، لما أمكن قط حتى يخلق عالماً على هذا النقص الذي نراه في العالم القائم ، الذي يغص بكثرة ما فيه من آلام ، ولا يأخذه التردد في الموت ؛ وإنه لمما يفيدنا حتى نرى كيف من الممكن أن يناقش مفكروالهنود هذه المسائل في هدوء ، وقل حتى يلجئوا فيها إلى إضطهاد أوإهانة ، فقد كانوا يرتفعون بالنقاش إلى مستوى لا يسموإليه في عصرنا الحاضر إلا ما يدور بين أنضج الفهماء من جدل ؛ وإنما ضمن "كابيلا" الوقاية لنفسه من الأذى بإعترافه بصحة الفيدات ، وهويقول "إن الفيدات مرجع سليم ما دام مؤلفها كان يعهد الحقيقة الثابتة". وبعد حتى أوفد هذا القول إرسالاً راح يفكر كما يشاء دون حتى يأبه بالفيدات في شيء.
لكنه ليس بالفيلسوف المادي ، بل عكس ذلك هوالسليم ، لأنه مثالي وروحي على طريقته الخاصة به ، فهويجعل إدراكنا الحسي مصدراً للعالم الواقع كله ، فما لدينا من أعضاء الحس ومن تفكير يخلع على العالم حقيقته وصورته ومغزاه ، ويستحيل عليه حتى تكون له حقيقة أوصورة أومغزى بالنسبة لنا إلا هذه ؛ أما ماذا يمكن للعالم حتىقد يكون في حقيقته بغض النظر عن حواسنا وأفكارنا فسؤال أخرق ليس له معنى ولا يمكن حتىقد يكون له جواب ؛ ثم هوبعد حتى يسرد قائمة بأربعة وعشرين عنصراً (تاتوات) تنطوي - في ممضىه الفلسفي - تحت حركة التطور الفيزيقي ، قَلَبَ ماديته هذه التي بدأ بها ، وأضاف جانباً جديداً على أنه الحقيقة النهائية ، وهوأغرب العناصر كلها ، بل لعله أهمها ، وأعني به "بوروشا" (أي الشخص) أوالنفس ؛ وليست النفس على غرار ثلاثة وعشرين من العناصر الأخرى ، تأتي نتيجة للمادة (براكريتي) أونتيجة للقوة الفيزيقية ، بل هي مبدأ نفسي قائم بذاته ، موجود في جميع الوجود ، أزلي أبدي ، عاجز عن العمل بذاته لكنه رغم ذلك لا يُستغنى عنه في أي عمل ؛ لأن "براكريتي" (المادة) يستحيل حتى تتغير في سيرها نحوالترقي ، والقوى (وتسمى الجونات) يستحيل حتى تعمل عملها ، إلا عن طريق الوحي يأتيها من "بوروشا" ؛ إلى غير ذلك ترى ما فيزيقي تدب فيه الحركة والحياة والفاعلية بحيث يتطور ، بدافع من المبدأ النفسي أينما وجهت للنظر في جنبات الوجود. وهاهنا يتحدث "كابيلا" على غرار أرسطوفيقول: " هنالك في الروح تأثير فعال (على براكريتي أي العالم المتطور) سببه ما بينهما من تجاور ، على نحوما يعمل الحجر الممغنط (يجذب الحديد إليه) أعني حتى تجاور "بوروشا" و"براكريتي" يجبر هذه الأخيرة على السير في خطوات معلومة للإنتاج ؛ وهذا اللون من التجاذب بين الجانبين يؤدي إلى الخلق ؛ وبغير هذا المعنى لا تكون الروح عاملاً فعالاً ولاقد يكون لها شأن بالخلق إطلاقاً".
والروح متعددة بمعنى أنها موجودة في جميع كائن عضوي ، لكنها متشابهة في هذه الكائنات جميعاً ، ولذا فهي لا تكون عنصراً في تكوين الشخصية الفردية ، فالفردية فيزيقية ، ونحن ما نحن لا بسبب ما فينا من روح ، بل بسبب الأصل الذي عنه نشأنا ، أعني التطور والخبرة التي تطرأ على أجسامنا وعقولنا ، وفي "سانخيا" يعتبر العقل جزءاً من الجسم كأي عضوآخر ؛ فلئن كانت هذه الروح المعتزلة بنفسها البعيدة عن التأثر بغيرها ، والتي تكمن فينا ، لئن كانت هذه الروح حرة ، فإن العقل والجسم مقيدان بقوانين و"جونات" (أي خصائص) العالم الفيزيقي. وإذن فليست الروح هي الفاعلة وهي المجبرة ، بل الفاعل المجبر هوإتحاد الجسم والعقل ؛ كلا ولا هي تتعرض للإنحلال والتحول اللذين يصيبان الجسد والشخصية ، بل هي محصنة عن تيار الولادة والموت ؛ يقول "كابيلا": "العقل يجوز عليه الفساد ، أما الروح فلا" والنفس الجزئية التي ترتبط بالمادة وبالجسم هي وحدها التي تولد وتموت وتعود إلى الولادة من حديث ، في هذه الذبذبات التي لا تنتهي ولا تنفك تتناول بالتغيير صور المادة التي منها يتألف تاريخ العالم الخارجي ؛ وإذا إستطاع "كابيلا" حتى يشك في جميع شئ ، فإنه لم يشك قط في انتنطق الروح من جسد إلى جسد.
وهوكسائر المفكرين الهنود ينظر إلى الحياة على أنها خير مشكوك فيه إلى حد كبير ، إذا كانت خيراً على الإطلاق ؛ فقليلة هي أيام المرح ، وقليلة هي أيام الأسى ؛ والثروة شبيهة بنهر طافح بالماء ، والشباب شبيه بجسر متهدم لذلك النهر الطافح بمائه ، والحياة شبيهة بشجرة على ذلك الجسر المتهدم" ؛ والألم نتيجة لكون النفس والعقل الفرديين مقيدين بالمادة ، وفريستين لقوى التطور العمياء ، فأين المفر من هذا الألم،يا ترى؟ يجيب فيلسوفنا ألا فرار إلا بالفلسفة ؛ لا فرار إلا بإدراكنا حتى جميع هذه الآلام والأحزان ، وكل هذا الإنقسام وهذا الفوران بين الأنفس المكافحة ، إذا هوإلا "مايا" أي وهمُ ، هوزينة خادعة تصفُّها أمام عيوننا الحياة والزمن ؛ "والعبودية تنشأ من غلطة عدم التمييز" - بين النفس التي تعاني الآلام وبين الروح المحصنة ، بين السطح المضطرب وبين الأعماق التي تظل ممتنعة على جميع إضطراب وتغير ؛ فلكي تسموعلى هذه الآلام ، لا يقتضيك إلا حتى تتبين حتى جوهر الإنسان ، وهوروحه ، يجاوز حدود الخير والشر والسرور والألم والولادة والموت ؛ هذه الضروب من النشاط والكفاح ، وهذه الألوان من النجاح والهزيمة ، لا تغمنا إلا بمقدار ما يفوتنا حتى ندرك أنها لا تؤثر في الروح ولا تصدر عنها ؛ والإنسان المستنير إنما ينظر إليها كأنما يبصرها من خارج حدودها فكأنه متفرج على الحياد ينظر إلى مسرحية ُتمَثل ؛ فلتتبين الروح إستقلالها عن الأمور ، وستظفر بالحرية من فورها ؛ فعملية إدراكها لهذه الحقيقة كافية في حد ذاتها حتى تهيئ لها الفرار من سجن المكان والزمان والألم والعودة إلى التجسد من حديث ؛ يقول كابيلا: "إن التحرر الذي يظفر به الإنسان من إلمامه بالحقائق الخمسة والعشرين ، يفهمه الفهم الذي لا فهم سواه - وهووأنني لست موجوداً ، ولا شئ يتعلق بي" ومعنى ذلك حتى إنفصال الأفراد وهمٌ ، وكل الموجود هوهذا الزبَّد المتطور المتحلل من مادة وعقل ، وأجسام ونفوس ، هذا من جهة ومن جهة أخرى هنالك الروح التي لا تتغير ولا تضطرب في خلودها الساكن.
في اليوگا
مثل هذه الفلسفة لا يجدي في إراحة الإنسان إذا ما عثر عسراً في فصل نفسه عن بدنه المتألم وذكرياته المعذبة ، لكنها فلسفة - فيما يظهر - قد عبرت تعبيراً صادقاً عن الحالة النفسية التي سادت الهند في تأملها الفلسفي ؛ وليس هناك من المذاهب الفلسفية الأخرى - إذا إستثنينا فيدانتا - ما أثر في العقل الهندي بمثل الأثر العميق الذي كان لهذه الفلسفة فيه ؛ وإنا لنلمس أثر "كابيلا" في مثالية بوذا المصطبغة بالإلحاد وبالبحث عن كيفية وصول الإنسان إلى معهدته بالعالم ، كما نلمس أثره في فكرة بوذا عن النرفانا، وكذلك نلمس أثر "كابيلا" الماهابهاراتا وفي تشريع مانو، وفي أشعار "البورانا" وفي "التانترات" - وهي التي تُحَوّر "بوروشا" و"براكريتي" فتجعلهما مبدأي الذكورة والأنوثة اللذين اتىا بالخلق ، ثم نلمس فوق هذا كله في ممضى "اليوجا" الذي لا يزيد على كونه تفريغاً لسانخيا من الناحية العملية ، فهويقوم على ما في سانخيا من آراء ، ويستخدم ما فيها من عبارات ؛ ولا يناسبكابيلا أتباع مباشرون اليوم لأن العقل الهندي قد أسره "شانكارا" و"الفيدانتا" ؛ لكن حكمة قديمة ما تزال تحمل صوتها في الهند حيناً بعد حين ، ألا وهي: "ليس في ضروب الفهم ما يوازي سانخيا من آراء ، وليس في صنوف القوة ما يساوي اليوجا".
انظر أيضاً
- Advaita Vedanta of Adi Shankara, a non-dualist strand within Hinduism
- Darshanas
- Khyativada
- Ratha Kalpana
- Subtle body
المصادر
ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors=
ignored (|author=
suggested) (help)
وصلات خارجية
- نطقب:Cite IEP
- Bibliography of scholarly works: see [S] for Samkhya by Karl Potter, University of Washington
- Samkhya and Yoga: An Introduction, Russell Kirkland, University of Georgia
- Classical Sāmkhya and the Phenomenological Ontology of Jean-Paul Sartre, Gerald J. Larson, Philosophy East and West
- PDF file of Ishwarkrishna's Sankhyakarika, in English
- Lectures on Samkhya, The Oxford Centre for Hindu Studies, Oxford University