قناعة (خلق)

القناعة لغةً:

هي الرضا باليسير من العطاء. ونطق بعض أهل الفهم: إذا القُنوع قد يحدث بمعنى الرضا وسمِّيت قناعةً؛ لأنه يقبل على الشيء الذي له راضيًا.

والقناعة اصطلاحًا: هي الرضا بما منح الله.

ونطق السيوطي القناعة: الرضا بما دون الكفاية والاستغناء بالموجود .

ونطق المناوي: هي السكون عند عدم المألوفات. وقيل: الوقوف عند الكفاية.

التفريق بين القناعة وغيرها من الصفات المتقاربة

الفرق بين القناعة والزهد

نطق الراغب: (القناعة: الرضا بما دون الكفاية وأما الزهد: الاقتصار على الزهيد أي: القليل وهما يتقاربان... لكن القناعة تنطق اعتبارًا برضا النفس، والزهد ينطق اعتبارًا بالمتناول لحظ النفس وكلُّ زهد حصل لا عن قناعة فهوتَزَهُّـد لا زهد) .

- الفرق بين القصد والقناعة

(أنّ القصد: هوهجر الإسراف والتقتير جميعًا. والقناعة: الاقتصار على القليل والتقتير، ألا ترى أنه لا ينطق هوقنوع إلا إذا استخدم دون ما يحتاج إليه، ومقتصد لمن لا يتجاوز الحاجة ولا يقصر دونها، وهجر الاقتصاد مع الغنى ذم، وهجر القناعة معه ليس بذم، وذلك أنَّ نقيض الاقتصاد الإسراف، وقيل: الاقتصاد من أعمال الجوارح؛ لأنَّه نقيض الإسراف، وهومن أعمال الجوارح والقناعة من أعمال القلوب).

مراتب القناعة

نطق الماوردي: (والقناعة قد تكون على ثلاثة أوجهٍ:

فالوجه الأول: حتى يقنع بالبلغة من دنياه، ويصرف نفسه عن التعرُّض لما سواه. وهذا أعلى منازل القناعة.

والوجه الثاني: حتى تنتهي به القناعة إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزيادة. وهذه أوسط حال المقتنع.

والوجه الثالث: حتى تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح، فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرًا، ولا يطلب ما تعذَّر وإن كان يسيرًا. وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة؛ لأنها مشهجرةٌ بين رغبةٍ ورهبةٍ. أما الرغبة؛ فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحت. وأما الرهبة؛ فلأنه لا يطلب المتعذر عن نقصان المادة إذا تعذرت).

ذكر القناعة في القرآن

نطق سبحانه وتعالى (في سورة الحج):
«وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» – [آية 36]

نطق أبوإسحاق الثعلبي: (القانع من القناعة، وهي الرضا والتعفف وهجر السؤال) .

نطق الطبري: (وأما القانع: الذي هوبمعنى المكتفي؛ فإنه من قَنِعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعًا وقنعانًا). ونطق مجاهد: (القانع: جارك الذي يقنع بما أعطيته).

نطق تعالى (في سورة الانفطار): إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ

نطق الرازي: (نطق بعضهم؛ النعيم: القناعة، والجحيم: الطمع). ونطق النيسابوري: (ونطق آخرون: النعيم: القناعة والتوكل).

نطق تعالى (في سورة النحل): مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

عن محمد بن كعب في قوله تعالى: "وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً"، نطق: القناعة . وفسَّرها علي بن أبي طالب أيضًا بالقناعة.

ذكر القناعة في السنة

ونطق : (( اللهمَّ اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا )).

نطق ابن حجر: (أي: اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذلِّ المسألة، ولاقد يكون فيه فضولٌ تبعث على الترفُّه والتبسُّط في الدنيا. وفيه حجةٌ لمن فضَّل الكفاف؛ لأنَّه إنما يدعولنفسه وآله بأفضل الأحوال).

ونطق النووي: (نطق أهل اللغة العربية: القُوت ما يسدُّ الرَّمَق، وفيه فضيلة التقلل من الدنيا، والاقتصار على القوت منها، والنادىء بذلك) .

وعن أبي هريرة نطق رسول الله : ((مَن يأخذ عني هؤلاء الحدثات فيعمل بهنَّ، أويفهم من يعمل بهنَّ،يا ترى؟ قلت: أنا يا رسول الله! فأخذ يدي فعدَّ خمسًا، فنطق: اتَّقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا ولا تكثر الضحك؛ فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب)) .

نطق المناوي: (وارضَ بما قسم الله لك) أي: أعطاك (تكن أغنى الناس) فإنَّ من قنع بما قسم له، ولم يطمع فيما في أيدي الناس استغنى عنهم .

عن عبد الله بن عمرو، حتى رسول الله نطق: (( قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله )).

نطق ابن حجر: (ومعنى الحديث: حتى من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة).

ونطق المناوي: (رُزق كفافًا، وقنَّعه الله بالكفاف، فلم يطلب الزيادة) .

ونطق المباركفوري: (... ((كفافًا)). أي: ما يكف من الحاجات، ويدفع الضرورات. ((وقنَّعه الله)). أي: جعله قانعًا بما آتاه) .

ونطق القرطبي: (أنَّ من عمل تلك الأمور واتصف بها فقد حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة) .

عن أبي هريرة : ((أنَّ النبي كان يومًا يحدث-وعنده رجلٌ من أهل البادية- أنَّ رجلًا من أهل الجنة استأذن ربه في الغرس، فنطق له: ألست فيما شئت،يا ترى؟ نطق: بلى، ولكني أحبُّ حتى أغرس، نطق: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله عزَّ وجلَّ: دونك يا ابن آدم، فإنَّه لا يشبعك شيءٌ. فنطق الأعرابي: والله لا نجده إلا قرشيًّا، أوأنصاريًّا، فإنهم أصحاب غرسٍ، وأما نحن فلسنا بأصحاب غرسٍ. فضحك النبي )).

نطق ابن بطال: (وقوله: دونك يا ابن آدم، لا يشبعك شيء. يدلُّ على فضل القناعة، والاقتصار على البلغة، وذمِّ الشَّرَهِ والرغبة).

ونطق ابن حجر: (وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة، وذمِّ الشَّرَهِ)

أقوال في القناعة

نطق عمر بن عبد العزيز: (الفقه الأكبر: القناعة، وكفُّ اللسان.)

نطق عبد الله بن عباس: (القناعة مال لا نفاد له.)
وكان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد..

ونطق مالك بن دينار: (أزهد الناس من لا تتجاوز رغبته من الدنيا بلغته).
ونطق بعض الحكماء: إنَّ من قنع كان غنيًّا وإن كان مقترًا ومن لم يقنع كان فقيرًا، وإن كان مكثرًا.

(عن أبي سليمان أنه نطق: سمعت أختي تقول: الفقراء كلهم أموات إلا من أحياه الله تعالى بعزِّ القناعة، والرضا بفقره).

ونطق أبوحاتم: (مِن أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطرًا القناعة، وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضاء، والثقة بالقسم، ولولم يكن في القناعة خصلة تُحمد إلا الراحة، وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل، لكان الواجب على العاقل ألا يفارق القناعة على حالة من الأحوال).

- ونطق أيضًا: (القناعة تكون بالقلب؛ فمن غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنا مطمئنًا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته، والجَدُّ والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد) .

صور من القناعة

صور من قناعة النبي

روى عروة عن عائشة نطقت: (( ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر ))

وعن عائشة رضي الله عنها أنها نطقت:(( ما شبع آل محمد من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله )) .

وعن أبي هريرة نطق: نطق رسول الله : (( لوكان لي مثل أحد مضىًا ما يسرني حتى لا يمرَّ علي ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين )).

نطق عمر بن الخطاب :

((دخلت على رسول الله وهومضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله ، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحوالصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، نطق: فابتدرت عيناي، نطق: ما يبكيك يا ابن الخطاب،يا ترى؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله ، وصفوته، وهذه خزانتك، فنطق: يا ابن الخطاب، ألا ترضى حتى تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى...)).

صور من قناعة الصحابة

عن أبي هريرة نطق: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ إما إزارٌ وإما كساءٌ قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية حتى تُرى عورته) .

عن أبي العالية: حتى رسول الله نطق:(( من يكفل لي حتى لا يسأل أحدًا شيئًا، وأتكفل له بالجنة،يا ترى؟ فنطق ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا)).

ونطق الحسن: (كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدَّق به، وأكل من سفيف يده).

أمثال في القناعة

- ينطق في المثل: خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع . - القناعة مال لا ينفد - وقولهم: يكفيك ما بلغك المحل .

أقوال الشعراء في القناعة

نطق الشاعر :

هـي القنـاعةُ لا تـرضَى بهــا بـدلا		فيهــا النعيـمُ وفيهــا راحـةُ البـدنِ
انظـرْ لمـن ملَــك الدُّنيـا بأجمـعِـها		هـل راح منها بغيــر القطـن والكفـن

مراجع

↑ الصحاح للجوهري (ص3/1273)
^ مشارق الأنوار لأبي الفضل البستي (2/187)
^ معجم منطقيد العلوم في الحدود والرسوم للسيوطي (ص205)
^ التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص275)
^ الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني (323)
^ الفروق اللغوية (كتاب) لأبي هلال العسكري (ص430)
^ أدب الدنيا والدين للماوردي (ص126-127)
^ الكشف والبيان للثعلبي (ص7/23)
^ جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (ص16/569)
^ جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (ص16/563)
^ مفاتيح الغيب (ص31/80)
^ غرائب القرآن ورغائب الفرقان (ص6/460)
^ القناعة والتعفف لابن أبي الدنيا (ص61)
^ تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ص2/346)
^ رواه مسلم (1055)
^ فتح الباري لابن حجر العسقلاني (ص11/175)
^ شرح النووي على سليم مسلم (7/146)
^ رواه الترمذي (2305)
^ رواه مسلم (1054)
^ فتح الباري لابن حجر العسقلاني (ص11/275)
^ فيض القدير (4/508)
^ تحفة الأحوذي للمباركفوري (4/508)
^ رواه البخاري (2348)
^ شرح البخاري (6/489)
^ فتح الباري لابن حجر العسقلاني (ص5/27)
^ (أدب المجالسة وحمد اللسان) لابن عبد البر (87)
^ العقد الفريد لابن عبد ربه (3/169)
^ إحياء علوم الدين للغزالي (ص3/239)
^ أدب الدنيا والدين للماوردي (ص227)
^ صفوة الصفوة لابن الجوزي (ص2/431)
^ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (149-150)
^ رواه البخاري (6455)
^ رواه مسلم (2970)
^ رواه البخاري (2389)
^ رواه البخاري (4913) ورواه مسلم (1479) واللفظ له
^ رواه البخاري(442)
^ رواه أبوداود وأحمد والطبراني والبيهقي وصحح إسناده ابن جرير والمنذري والنووي، وصحَّحَ الألباني هذا الحديث في (سليم سنن أبي داود)
^ تاريخ دمشق لابن عساكر (434\21)
^ غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني (ص2/537)