الوَرَعُ (في اللغة): التَّـقْوَى، والتَّحَرُّج، والكَفُّ عن المحارِم. والورِع، بكسر الرَّاء: الرجلُ التَّقِي المتَحَرِّج، والورَعُ في الأصل كما أسلفنا، ثم اسْتعِير للكفِّ عن المباح والحلال.

والورع (في الاصطلاح): هواجتناب الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات .

• وأوضح ابن القيم الفرق بين الورع والزهد فنطق: (أنَّ الزهد هجر ما لا ينفع في الآخرة. والورع هجر ما يخشى ضرره في الآخرة)

شواهد الورع من السنة النبوية

نطق ابن حجر: (قوله "يريبك" بفتح أوله ويجوز الضمُّ، ينطق: رابه يريبه بالفتح، وأرابه يريبه بالضمِّ ريبة، وهي الشكُّ والتردد، والمعنى إذا شككت في شيء فدعه، وهجر ما يُشَكُّ فيه أصل عظيم في الورع... نطق الخطابي: كلُّ ما شَكَكْتَ فيه، فالورع اجتنابُه).

نطق المناوي: (لأنَّ الوَرِع دائم المراقبة للحقِّ، مستديم الحذر حتى يمزج باطلًا بحقٍّ، كما نطق الحبر: كان عمر كالطير الحذر. والمراقبة توزن بالمشاهدة، ودوام الحذر يعقب النجاة والظفر)

عن النعمان بن بشير نطق: سمعت رسول الله يقول: (الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبَّهات لا يفهمها كثير من الناس، فمن اتَّقى المشبَّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن سقط في الشبهات كراع يرعى حول الحِمَى يوشك حتى يُواقعه، ألا وإنَّ لكلِّ ملك حمى، ألا إنَّ حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب).

نطق ابن رجب: (هذا الحديث حديث عظيم؛ وهوأحد الأحاديث التي مدار الدين عليها، وقد قيل: إنَّه ثلث الفهم أوربعه... ومعنى الحديث: أنَّ الله أنزل كتابه، وبيَّن فيه حلاله وحرامه، وبيَّن النبي لأمته ما خفي من دلالة الكتاب على التحليل والتحريم، فصرَّح بتحريم أشياء غير مصرَّح بها في الكتاب، وإن كانت عامتها مستنبطة من الكتاب وراجعة إليه، فصار الحلال والحرام على قسمين:

• أحدهما: ما واضح لا خفاء به على عموم الأمة؛ لاستفاضته بينهم وانتشاره فيهم، ولا يكاد يخفى إلا على من نشأ ببادية بعيدة عن دار الإسلام؛ فهذا هوالحلال البيِّن والحرام البيِّن. ومنه: ما تحليله وتحريمه لعينه، كالطيبات من المطاعم، والمشارب والملابس، والمناكح، والخبائث من ذلك كله. ومنه: ما تحليله وتحريمه من جهة كسبه، كالبيع، والنكاح، والهبة، والهدية، وكالربا، والقمار، والزنا، والسرقة، والغصب، والخيانة، وغير ذلك.

• والآخر: ما لم ينتشر تحريمه وتحليله في عموم الأمة؛ لخفاء دلالة النص عليه، ووقوع تنازع الفهماء فيه ونحوذلك، فيشتبه على كثير من الناس، هل هومن الحلال أومن الحرام،يا ترى؟ وأمَّا خواص أهل الفهم الراسخون فيه فلا يشتبه عليهم؛ بل عندهم من الفهم الذي اختصوا به عن أكثر الناس ما يستدلون به على حلِّ ذلك أوحرمته، فهؤلاء لاقد يكون ذلك مشتبهًا عليهم لوضوح حكمه عندهم.

أما من لم يصل إلى ما وصلوا إليه فهومشتبه عليه؛ فهذا الذي اشتبه عليه إذا اتقى ما اشتبه عليه حلَّه وحرمه، واجتنبه فقد استبرأ لدينه وعرضه، بمعنى أنه طلب لهما البراءة مما يشينهما، وهذا معنى الحديث الآخر: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)). وهذا هوالورع، وبه يحصل كمال التقوى).

أنواع الورع

1- الورع الواجب

نطق ابن تيمية: (وأما الورع الواجب: فهواتقاء ماقد يكون سببًا للذمِّ والعذاب، وهوعمل الواجب وهجر المحرم، والفرق بينهما فيما اشتبه أمن الواجب هوأم ليس منه،يا ترى؟ وما اشتبه تحريمه أمن المحرم أم ليس منه،يا ترى؟ فأما ما لا ريب في حله فليس هجره من الورع، وما لا ريب في سقوطه فليس عمله من الورع. وقولي (عند عدم المعارض الراجح) فإنه قد لا يهجر الحرام البيِّن، أوالمشتبه، إلا عند هجر ما حسنة مسقطها في الشريعة أعظم من هجر تلك السيئة، مثل من يهجر الائتمام بالإمام الفاسق؛ فيهجر الجمعة والجماعة والحجَّ والغزو، وكذلك قد لا يؤدي الواجب البين، أوالمشتبه إلا بعمل سيئةٍ أعظم إثمًا من هجره، مثل من لا يمكنه أداء الواجبات من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذوي السلطان، إلا بقتال فيه من الفساد أعظم من فساد ظلمه. والأصل في الورع المشتبه، قول النبي ((الحلال بَيِّنٌ، والحرام بَيِّنٌ، وبين ذلك أمور مشتبهات... ))وهذا في السليمين. وفي السنن قوله: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)). وقوله: ((البرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس، وسكن إليه القلب)). وقوله في سليم مسلم في رواية: ((البرُّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وإن أفتاك الناس)). ((وإنه رأى على فراشه تمرة، فنطق: لولا أني أخاف حتى تكون من تمر الصدقة لأكلتها)).)

2- الورع الفاسد

نطق ابن تيمية: (كثيرٌ من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادةٍ ونحوها، فيكون ذلك مما يقوِّي تحريمها واشتباهها عنده، ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة، فتكون تلك الظنون مبناها على الورع الفاسد، فيكون صاحبه ممن نطق الله تعالى فيه: «إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ » [النجم: 23]، وهذه حال أهل الوسوسة في النجاسات؛ فإنهم من أهل الورع الفاسد المركب من نوع دين، وضعف عقل، وفهم، وكذلك ورع قوم يعدون غالب أموال الناس محرمة أومشتبهة أوكلها، وآلَ الأمر ببعضهم إلى إحلالها لذي سلطان؛ لأنَّه مستحقٌّ لها وإلى أنَّه لا يبتر بها يد السارق ولا يحكم فيها بالأموال المغصوبة. وقد أنكر حال هؤلاء الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره، وذم المتنطعين في الورع. وقد روى مسلم في سليمه عن عبد الله بن مسعود نطق: ((نطق رسول الله هلك المتنطعون. نطقها ثلاثًا)).

وورع أهل البدع كثيرٌ منه من هذا الباب، بل ورع اليهود والنصارى والكفار عن واجبات دين الإسلام من هذا الباب، وكذلك ما ذمه الله تعالى في القرآن من ورعهم عمَّا حرَّموه ولم يحرِّمه الله تعالى، كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام. ومن هذا الباب الورع الذي ذمَّه الرسول في الحديث الذي في السليم، لما ترخَّص في أشياء؛ فبلغه حتى أقوامًا تنزهوا عنها فنطق: ((ما بال رجالٍ يتنزهون عن أشياء أترخَّص فيها، والله إني لأرجوحتى أكون أفهمهم بالله وأخشاهم. وفي رواية: أخشاهم وأفهمهم بحدوده له)). وكذلك حديث صاحب القبلة. ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى فهمٍ كثيرٍ بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه.

الثالثة: جهة المعارض الراجح. هذا أصعب من الذي قبله؛ فإنَّ الشيء قد يحدث جهة فساده يقتضي هجره فيلحظه المتورع؛ ولا لحظ ما يعارضه من الصلاح الراجح؛ وبالعكس فهذا هذا. وقد تبين أنَّ من جعل الورع الهجر فقط؛ وأدخل في هذا الورع أفعال قوم ذوي مقاصد صالحة بلا بصيرة من دينهم، وأعرض عما فوتوه بورعهم من الحسنات الراجحة، فإنَّ الذي فاته من دين الإسلام أعظم مما أدركه، فإنَّه قد يعيب أقوامًا هم إلى النجاة والسعادة أقرب).

3- الورع المندوب

نطق الراغب الأصفهاني: والورع المندوب هوالوقوف عن الشبهات .

أقوال الفهماء في الورع

ونطق أبوسليمان الداراني: (الورع أول الزهد، كما أنَّ القناعة أول الرضا).

للورع درجات

• قسم الإمام الغزالي الورع ألى أربع درجات:

1. ورع العدول،

1. ورع الصالحين،

1. ورع المتقين،

1. ورع الصديقين.

• وقسم الهروي الورع إلى ثلاث درجات:

• الأولى: تجنُّب القبائح لصون النفس وتوفير الحسنات وصيانة الإيمان.

• الثانية: حفظ الحدود عند ما لا بأس به إبقاءً على الصيانة والتقوى وصعودًا عن الدناءة وتخلصًا عن اقتحام الحدود.

• الثالثة: التورُّع عن كلِّ داعيةٍ تدعوإلى شتات الوقت والتعلُّق بالتفرُّق وعارض يعارض حال الجميع) .

صور الورع

1- الورع في النظر:

«نطق رسول الله لعليٍّ : ((لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنَّ لك الأولى، وليست لك الآخرة)).»

نطق عمروبن مرة: (ما أحبُّ أني بصير، كنت نظرت نظرةً وأنا شاب).

2- الورع في السمع:

وعن نافع نطق: (سمع ابن عمر مزمارًا -نطق- فوضع أصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق، ونطق لي: يا نافع هل تسمع شيئًا،يا ترى؟ نطق فقلت لا. نطق فحمل أصبعيه من أذنيه ونطق: كنت مع النبي فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا).

3- الورع في الشم:

عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (أنه أُتي بغنائم مسك؛ فأخذ بأنفه، فنطقوا: يا أمير المؤمنين: تأخذ بأنفك لهذا،يا ترى؟ نطق: إنما ينتفع من هذا بريحه؛ فأكره حتى أجد ريحه دون المسلمين).

4- الورع في اللسان:

• عن الحسن بن حي نطق: (فتشت عن الورع؛ فلم أجده في شيءٍ أقل منه في اللسان).

• وعن عمر بن الخطاب ، أنه اطلع على أبي بكر وهويمدُّ لسانه، فنطق: ما تصنع يا خليفة رسول الله،يا ترى؟ نطق: هذا أوردني الموارد، إذا رسول الله نطق: ((ليس شيءٌ من الجسد إلا يشكوإلى الله اللسان على حدَّته)).
• وعن الفضيل بن عياض نطق: (أشدُّ الورع في اللسان).

5- الورع في البطن:

6- الورع في الفتوى:

فعن البراء نطق: (لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر، ما منهم من أحد، إلا وهويحبُّ حتى يكفيه صاحبُه الفتوى) .

(كان ابن سيرين إذا سُئل عن شيء من الحلال والحرام تغير لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان. ونطق عطاء بن السائب: أدركت أقوامًا، إذا كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلَّم وإنه ليرعد.

وروي عن مالك أنه كان إذا سئل عن مسألة، كأنه بين الجنة والنار) .

المراجع