شارل پيگي
شارل پيگي Charles Péguy ,(و.1873 ـ ت.خمسة سبتمبر 1914) شاعر فرنسي اشتراكي.
ولد في مدينة أورليان في فرنسا، وهويتحدَّر من أسرة ريفية فقيرة، ونشأ يتيم الأب عصامياً، أفاد من منحةٍ من ثانوية أورليان، لينهي فيها دراسته بنجاح، ثم مضى إلى باريس لمتابعة الدراسة بمعهد المفهمين العالي، بيد أنه أخفق في امتحان القبول، فتطوَّع في الجيش وخرج منه ضابطاً صغيراً، وقد تسنى له حتى يلتحق في عام 1894 بمعهد المفهمين العالي، واتضح، آنئذ، منحاه الفكري العقائدي، فقد رفض المسيحية الكاثوليكية، مؤمناً بالاشتراكية المثالية ولهذا بتر دراسته بعد عام واحد في المعهد، وآبَ إلى أورليان، لينشئ فريقاً يهتم بالدراسات الاشتراكية، وعكف على تحبير منطقاتٍ، أفصح بها عن دعوةٍ متحمسة للاشتراكية، وفي تلك الأثناء ظهرت قضية دريفوس التي قسمت الرأي العام الفرنسي، ونافح بيغي عنها بمنطقاتٍ تنضح جرأة، وشرع آنذاك بكتابة مؤلفه «جان دارك» الذي مزج فيه إعجابه بالبطلة الشهيدة، مع عقيدته الاشتراكية.
وتزوج في عام 1897 أخت صديقه الأثير مارسيل بودوان، واستعان ببائنة زوجته لينشئ المخطة الاشتراكية بباريس، ولكنه لم يكن راضياً عما كان يدور في أروقة السياسة من تشويه للحقائق ونيلٍ من الحريات فنأى عن رفاقه الاشتراكيين، وكانت القطيعة التي بترت صلاته معهم، حين أصدر «الصحائف الخمس عشرية» Les Cahiers de la Quinzaine التي كانت منبراً لآرائه الجريئة المتحررة، متخذاً مقراً لها في شارع السوربون، دُعي بالدُّكان La Boutique، أصدر فيه كتيبات من تأليفه أوتأليف بعض الكتاب المتعاطفين معه، وهاجم نادىة الانهزامية تجاه خطر التوسع الألماني، وخط مؤلفه «وطننا» Notre Patrie وارتد بحزم إلى العقيدة المسيحية. وأعانه على ذلك تأثره بفلسفة أستاذه برگسون، ومطالعاته الدائبة لخواطر پاسكال. واندلعت الحرب العالمية الأولى فالتحق بالجيش، تؤهله خدمته القديمة ليكون ضابطاً، وفي عشية معركة المارن فيخمسة سبتمبر 1914، أصابت رصاصةٌ غادرةٌ جبهة شارل پيگي فصرعته على الفور.
حياته
ثمة ثلاث مراحل، ترادفتْ فيها آثار شارل بيجي، النثرية والشعرية، «الصحائف الخمس عشرية» التي تضمُّ أبرز أعماله النثرية وتتسم بأنها مرآة تعكس هموم عصره ومشاكل مجتمعه وقواه المصطرعة. ويستهل مؤلفه «لغز المحبة لدى جان دارك» Le Mystère de la charité de Jeanne d’Arc الفترة الثانية الهامة من إنتاجه الأدبي، ويتجلى فيها بيغي شاعراً ملهماً، مؤمناً بالعقيدة الكاثوليكية. وقد ترادفت في إثره، قصائد «الألغاز» Les Mystères، و«المفوفات» Les Tapisseries، و«حواء» Eve التي شارف بيغي فيها قمة الإبداع الشعري.
أما الفترة الثالثة، فتضم مؤلفاته النثرية التي تستهدف غايتين: أولاهما الردُّ على خصومه القدامى والجدد ومناصرة أفكار أستاذه برگسون، التي أجملها بدراسةٍ مسهبةٍ عن فلسفته، وثانيتهما فسح المجال، بأسلوب طلي، ليسرد بكتابه «المال» L’Argen ملامح من طفولته التي كان يتجاذبها الفقر والكفاح، وتلاه كتاب «كليو» Clio الذي تنحوفيه نظراته إلى العصور الخوالي، ليتحدث بلسان ربة التاريخ كليو، كيف من الممكن أن يلتهم طاعون الزمن، الطاغي، آثار الإنسان الأدبية المعرضة للنسيان والإهمال، ولم يقدر لهذا الكتاب حتى ينشر إلا بعد وفاته. وتنبسط هذه المؤلفات كلها شاهداً ذا دلالة على العصر الذي عاش فيه بيغي، وتنهض بناءً أدبياً شامخاً، يمثل فيه طيف الاشتراكي ذوالوجه الإنساني مع طيف الوطني الصادق، وطيف المسيحي المؤمن، كما يمثل فيها طيف الشاعر الملهم الشجاع. ثمة سمةٌ أخرى يتصف بها أسلوبه النثري، هوحتى المرء لا يجد فيه فكرةً جافةً مقدودةً وفقاً لهندسةٍ ذاتِ معانٍ مجردةٍ، بل إذا أفكاره تلتمس جذورها من كيان أناسٍ أحياء.
يجنح بيغي في قصائده التي يضمها ديوان «لغز المحبة لدى جان دارك» إلى الشعر الحر Vers Libre لأنه أكثر طواعية واستجلاءً لمشاعره الدينية الدفينة، وقد اتسق له حتى يظفر فيها بإشراقات تجعل من قصائده قمة من قمم الشعر الفرنسي. غير حتى بيغي لم يحبس إلهامه الشعري في إطار الشعر الحر، فقد عاد إلى الوزن التقليدي حين ألفى من المناسب حتى يُلين من تيار عاطفته الدينية العارمة فنظم رباعيات ومفوفات، وتلتها مقطوعات تضم أكثر من ألف وتسعمئة رباعية، مماثلة لملحمة شعرية رحيبة سماها «حواء» تمجيداً للأم الجدة الأولى حواء، التي تألمت وقاست واتهمت بأن خطيئتها الأولى قد استنزلتها من الجنة إلى الأرض وتترسل هذه الملحمة، كما شبهها الناقد جاك بونوبالنغمات الرَّهوة، الطلية، تَنْسِمُ، منطلقة من أرغن خفي، تلعب على كعابه وأوتاره أنامل الموسيقار الخالد يوهان سباستيان باخ.
ملاحظات
المصادر
بديع حقي. "بيغي (شارل ـ)". الموسوعة العربية.
- Erik von Kuehnelt-Leddihn, Liberty or Equality, Christendom Press, Front Royal, Virginia, 1993
- Romain Rolland, Péguy, A. Michel, Paris, 1944
وصلات خارجية
- شارل پيگي at Find a Grave